القائمة الرئيسية

الصفحات

بيت القاسم الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرون والثالث والعشرون بقلم ريهام محمود كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


بيت القاسم 

الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرون والثالث والعشرون 

بقلم ريهام محمود

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

 **"الفصل الواحد وعشرون" **


   "كيف أخبرك أني أشتاق.. دون أن أبدو كرجلٌ منهزم"

    .. أكرم.. 

- لو سبتها هترجعيلي.. 

رفعت رأسها بغتةً كطلقة رصاص، اتسعت عيناها غير مصدقة ماسمعته للتو.. ملامحها قبل لسانها تهمس بسؤال خافت وملامح ذاهلة.. 


-انت قولت إيه؟ 

أن كانت اندهشت مما قاله قيراط، فاندهش هو أربع و عشرين قيراط، 

لسانه وعقله يأبيان التصديق بما تفوه به، وكانت الغلبة لقلبه.. 

زفر نفساً حارقا أتبعه بأخر.. ورؤيتها هكذا تقف بين ذراعيه وفي محيطه أعادت له الحياة من جديد.. أعاد كلامه وكأنه يوصله لعقله ولسانه من قبلها.. 


-بقولك لو سبتها.. هترجعيلي..!! 


بريق عيناها الزيتونية إزداد توهجًا وهي ترى الصدق بعينيه..يأكد كلامه باقترابه واقتراب أنفاسه، تلك المرة الأولى التي يضعها هي - نورهان - مع جيلان في مقارنة..  نورهان التي لطالما كانت بزاوية جانبية بحياته، يضعها بنفس الخانة مع جيلان.. بل ويبديها؟! 

ظلت على وقفتها أمامه مشدوهة بصمت وبريق اللحظة قد خُفت قليلًا.. 

ازدردت ريقها تقول بذكاء.. 


-سيبها ووقتها نتكلم.. 


رفع أكرم حاجبه بغيظ مكتوم وتلاعبها بالكلام أهانه.. 


-إنتِ بتراوغي ف الكلام ليه؟ سؤالي إجابته آه أو لأ..! 


أطلقت تنهيدة طويلة قبل أن تعقد ساعديها أسفل صدرها تُحيب بنفس أسلوبه.. 


-وأنا كنت واضحة معاك وقولت لك مش هعشم نفسي تاني.. سيبها ووقتها هنتكلم.. 


شعر بالدماء تغلى بعروقه.. مازالت على وقفتها أمامه بثبات اما هو فابتعد 

ضاقت عيناه بخطورة ليهدر بحدة خافتة.. 


- إنتِ شايفة نفسك على إيه فوقي.... 


.. غصة غبية ملأت حلقها، تلك الغصة كانت تصيبها كلما أهانها بكلامه كانت فوراً تنزوي بأي ركن بعيدًا عنه تبكي كما لم تبك من قبل.. أما الآن فاكتفت بهزة رأس يائسة.. وهي تقول بقهر مكتوم تواجهه بحقيقته.. 


- انت زي ما انت يااكرم، مبتحبش تخسر.. لو كنت عايزني أنا كنت سيبتها وجيتلي.. 

إنما أنت بتطمن الأول.. عشان لو قولت لأ يبقى انت ضامن هناك.. 


.. واستكملت بملامح جامدة وكأنها تبدلت بتلك اللحظة.. 


-إنت عايز الدفا والحب 

عايز زوجة وبيت وجو تبقى إنت فيه سي السيد.. ولما تزهق تروح البيت التاني تلاقي التفاهم والذكاء والحب اللي عايز تجدده.. 

إنت عايز كل حاجة وده عيبك.. وقانون الدنيا إن محدش بياخد كل حاجة.. 


.. سيكون غبي أن لم يكتشف تغيرها من قبل.. تلك نورهان.. 

أما تلك الخانعة التي كانت تعيش معه وترضي بالفُتات الذي كان يمنّ به عليها كانت صورة وضعها هو بها بسبب ماحدث معها قبل ارتباطه بها.. 

رغم استنكاره لكلامها ورفضه البادي على وجهه الا أنه لم يناقش.. 

نقطة بداخله تؤكد كلامها بأنه لايريد الخسارة، ومشاعره المتناقضة تتصارع بين شقي رُحى، 

تجاهل حديثها بعجرفة متأصلة به، ثم أخذ نفسُ قوي واقترب خطوة تلاها بأخرى يقابل عينيها بعد أن غاب بريقهما، مال على أذنها يؤكد بحدة.. 


-عارفة أنا مش هخسر.. محدش هيخسر غيرك.... 


ورفع رأسه عن مستواها يتبادلان النظرات بينهما بحرب صامته قطعها هو بمغادرته بعد أن صفق الباب خلفه.... 


................. ....... 


.. "اليوم التالي.. ليلًا".. 


-إيه الجمال ده.. 


رفعت ريم رأسها بإبتسامة ناعمة ترد بها على مجاملة كمال لها.. يقف مستندًا على باب الغرفة يتأمل جمالها وقد زادت حلاوتها الليلة اضعافًا، 

كانت ترتدي فستان أسود يلتف حول جسدها بنعومة فيبرز خصرها النحيل وقدها الرشيق مزين من عند صدره بخيوط ذهبية لترتدي عليه حجاب بلون خيوط الذهب المطرزة به.. 

يتفحصها مشدوهًا وهو يراها تبتسم له ثم تعاود النظر لانعكاسها بالمرآه، 

اقترب.. وما له ألا يقترب.. 

يلف ذراعيه محيطًا لخصرها وكأنه لا يقوى على الابتعاد يستند بذقنه على كتفها.. يرمقها من خلال المرآه بنظرات إعجاب.. 

فتبادله بابتسامات انثوية راقية تزيد من احتضانه لها، 


- أنا مبحبش المكياج الكتير علفكرة.. 


قطبت حاجبيها لتهتف بتهكم.. 


-ياااه مكياج.. الكلمة دي قديمة أوي.. اسمه ميكاب.. 

وتابعت وهي تضع ظلالً لامعً فوق جفنيها.. 

- ثم إن أنا مش بحط بشكل أوفر.. 


.. تراجع قليلًا.. وكأنه انتبه للتو لتلك الفجوة الزمنية بينهما، ولكنه نفض عن باله أي شئ من الممكن أن يُعكر مزاجه.. 

سألها بمرح.. وهو يبتعد عنها بخطوات.. 


- ها ايه رأيك؟.. 


سألته عاقده حاجبيها.. 


- ف إيه؟! 


تمتم متنهدًا بإحباط حقيقي.. 


- لأ متحبطنيش وتقولي انك مخدتيش بالك.. 


ثم استدار يريها بذته الرمادية من جميع الإتجاهات، فأطلقت صفيرًا ناعماً 

ترفع حاجب انثوي رفيع.. تتمتم.. 


-إيه الجمال ده يأستاذ كمال.. لأ أنا كدة اخاف أخرج معاك لاالناس تحسدني عليك.. 


فاقترب مرة أخرى وضمها إليه.. فاستندت بساعديها على صدره.. 

يهمس بحب . 


- طب ماتيجي منروحش، ونقضي السهرة هنا.. 


ضحكت برقة تتلاعب بازارار قميصه الكحلي.. 


- مممممـ ده عرض ميتفوتش يا أستاذ كمال.. بس أنا بردو عايزة أروح الحفلة.. 


ختمت كلامها بقبلة ناعمة على خده فتنهد هو وابتعدت عنه تميل بجذعها لتمسك بحقيبة يدها الصغيرة، تمسك بيده فيحتوي كفها الرقيق بكفه ويخرجا معًا... 


................ 


.. بمكان واسع مفتوح على إحدى الشواطئ الراقية، معد خصيصًا للمناسبات البسيطة والحفلات، على جانبيه أسوار خشبية بثقوب واسعة

وبالمقابل طلة البحر، يحتوي العديد من الطاولات الصغيرة المستديرة.. ووسائد منتفخة ملونة للجلوس.. الأنوار الخافتة تزين المكان ليلًا ونسيم البحر جعل منه حكاية من خيال..

تصدح أغاني أجنبية وأخرى عربية حديثة ذات ريتم سريع،

بإحدى الطاولات تجلس يارا والتي على شرفها أقيم الحفل كهدية من شقيقها بمناسبة نجاحها محيطة ببعض الصديقات.. يتبادلن الضحكات والأحاديث المرحة الخافتة..

أما عن صاحب الحفل السيد المبجل زياد.. فيقف بالمدخل يصافح دون اهتمام حقيقي بالاصدقاء والمدعوين.. 

كل دقيقة وأخرى يرفع ساعة معصمه يتحقق من الوقت.. ينتظرها.. هي فقط.. صاحبة الحفل الأساسية هي وليست يارا شقيقته.. 

وأخيرًا هدأ واتسعت ابتسامته فأصبحت ضحكةُ بلهاء.. وهو يراها تترجل من سيارة أكرم، تسير نحوه ببطنها المنتفخة قليلاً وفستانها الزهري الطويل الواسع، 

اقتربا منه.. فمد أكرم يده يصافحه، فمد هو الآخر كفه.. ورأسه وعيناه عليها يسألها هي باهتمام وأعين هائمة ويتجاهل أكرم وكأنه غير موجود.. 


- اتأخرتي ليه..؟ 


.. فسحب أكرم كفه بحدة ازعجت الآخر.. يتهكم منه بملامح مقلوبة 


- ياحنين... 


ضحكت نيرة من تهكم أكرم.. فمال زياد قربها يشاكس.. 


- دااحنا ليلتنا بيضا انشاء الله.. 

ضربه أكرم بقوة على صدره.. يزجره 


-ولاه احترم نفسك.. دي اختي.. 


رد دفعه بدفعة أقوى.. ثم تابع يميل مرة أخرى بشقاوة غامزًا .. 


- دي مراتي ياعم، ايه الجمال ده.. 

سحبها أكرم من كفها يبعدها عنه.. يهمس لها.. 


-بقولك ايه ابعدي عن الواد ده شكله مش مظبوط.. 


تدخل زياد بينهما برأسه بتطفل.. 

- بيقولك إيه.. 


ضحكت بمرح حقيقي، ليسحبها أكرم عنوة من كف زياد يدخل بها الحفل فيتبعهما زياد تاركًا المدخل واللعن على من حضر وسيحضر.. 

.. بعد وقت ليس بطويل.. كانت العائلة كلها تقريبًا موجودة.. كلا على طاولة، 

عدا قاسم الذي كان ينظر للبحر أمامه بشرود، ظهره للجميع وباله بمكان آخر.. يعلو صوت الموج أمامه فيشد على قبضتيه، وكأن صوت الأمواج تزيد من ثورة دواخله.. 

جائت يارا ووقفت بجواره وجهها للبحر وخصلاتها العسلية تتطاير من حولها.. تسأله بمرح طفيف


-إيه رأيك في المكان.؟ 


رمقها باهتمام، يتأمل نعومة ملامحها وبريق عينيها.. لطالما كانت يارا أخته وصديقته الشقية.. أطال النظر بعينيها وكأن البريق خطفه وأرسله لمكان آخر به عينين لهما ذات البريق، 

واستدرك صمته وطول تأمله فالتفت حوله يتفحص المكان.. ثم قال بـ شبه رضا..


-حلو.. أول مرة أخوكي يعمل حاجة حلوة.. 


ضحكت ملئ شدقيها، فهي تعلم بالعداوة بينهما كقطبي متنافرين.. 

إلى أن خُفتت ضحكتها قليلاً، تزم شفتيها تنوي اخباره بشئ ولكن كانت مترددة.. تمتمت بخفوت وصل لمسامعه بصعوبة.. 


-أنا عايزة أقولك حاجة بس مترددة.. 


أخذت انتباهه بنبرتها المتردده وملامح وجهها المغلقة.. فتوجس قائلًا.. 


-قولي.. 


عضت على باطن خدها، ثم هتفت بارتباك.. 


-أنا قولت لحنين تيجي.. 


.. أُجفل من ذكر اسمها، والبحر والموج والهواء المحيط المعبق بحنين لصاحبة الاسم وبريق عينين يارا.. كل تلك الأشياء تجمعت ضده ليقف بمفرده يحارب ذكراها بائسًا.. 

شُحبت ملامحه ليقول بخفوت حاد.. 


-ليه..!! 


أجابت تفرك كفيها بعضهما بتوتر.. 


-عشان هي وحشتني و........ 


قاطعها بانفعال.. 


-ليه بتقوليلي.. دي حفلتك انتِ اعزمي فيها اللي انتِ عيزاه.. 


ثم اشاح بنظراته عنها.. يقف أمام البحر مرة أخرى يوليه إهتمامه ونظراته 

يغمغم بجمود.. 


-عموماً أنا شوية وماشي... 


......... على طاولة جانبية كانت تجلس ريم برفقة كمال؛ والذي أنشغل عنها بحديث مع رفيق له لم يره منذ فترة.. تتابع الحفل بأعين مهتمة، هي كانت من هواة السهر والحفلات وأجواء الأفراح.. 

إلى أن توقفت نظراتها عليه.. كان مختلف.. الفترة الأخيرة شهدت تغيراً جذرياً بهيأته وملابسه، 

توليه انتباهها وقد جذبتها وقفته مع تلك ال "يارا".. سخرت بداخلها 

بالأمس حنين واليوم يارا.. 

الله أعلم من بالغد؟! 

والغريب أن قلبها لم يتأثر، تلك الدقة الغبية التي كانت تباغته لم تأت حين رؤيته.. 

أطالت التدقيق بوقفتهما ولم تنتبه على من يجاورها.. وقد انتبه لصمتها وشرودها فودع رفيقه وافرغ وقته لها، لتفاجأه بتأمله لغيره.. شقيقه!! 

نظراتها طويلة بها شئ غريب لم تنتبه لنظراته ولا لضغطة كفه على كفها.. 

انتفضت على صوت كسر فارتجفت وهي ترى كوب زجاجي مكسور على الطاولة أمامها.. وكف كمال ملوث بدماء قانية.. 

شهقت وهي تمسك بكفه تقلّبه بين يديها بقلق.. 

- إيه اللي حصل.. 

سحب كفه من بين كفيها بعنف استغربته هي.. ولكنها سألته وقد بلغ قلقها أقصاه.. 

- إيدك. بتنزف..؟ 


غمغم بنبرة مبهمه ونظرات غريبة.. 

- ايدي تمام.. يللا عشان نمشي.. 

همست بنزق.. 

- احنا لسه جايين ياكمال..خلينا شوية ع الاقل نروح معاهم.. 

وتجاهل الرجاء.. فاحتدت نبرته وهو يتحرك بها.. 

- يللا.... 


............ وبجانب آخر كان زياد يقف مع نيرة بعد رجاء وتوسل لأكرم بأن يبتعد ويتركها قليلاً.. وبعد إلحاح وافق على مضض ورؤية زياد مذلول له هكذا أبهجت قلبه.. 

يتجاذب معها الحديث وهي تجيب ببرود أو تكتفي بايماءة من رأسها أو ابتسامة صفراء.. تزيغ بنظراتها عنه توزعها هنا وهناك، تبتعد قدر المستطاع عسى قلبها الخائن لا يحنّ له من جديد.. 

يستند إلى سور خشبي وهي أمامه.. يهمس لها.. 


- حلو المكان عجبك صح! 


دارت بعينيها تجوب المكان بتقييم.. ثم قالت بإعجاب واضح.. 


- جميل.. 


استقام بجزعه يفوقها بطوله.. يتحدث بصدق وصلها 


- أنا عامل الحفلة دي عشانك.. 


غمزت بشقاوة.. 


- ممممـ مش عشان يارا يعني!! 


يؤكد بنفاذ صبر.. 


- إنتِ عارفه أنه عشانك.. متستعبطيش.. 


مالت برأسها وقلبها يعصف بين أضلعها من جديد.. لا تنكر أنها كأنثى يعجبها مايفعله.. 

ولكن كـ نيرة لن تنسى مهما فعل ومهما بلغ اهتمامه وصدق ما رأته.. 

عينيها كانت على المدخل حين شاهدت حنين تدخل على استحياء بخطوات بطيئة مترددة وكأنها طفلة صغيرة لتوها تعلمت السير، 

ترمق ماترتديه بذهول فستان نبيتي اللون تجاوز الركبه بعدة سنتيمترات قليلة.. 

التفتت لزياد تسأله باستغراب.. 


-إيه اللي جاب حنين هنا.. 


أجاب ببساطة وهو يضع كفيه في جيبي سرواله.. 


-يارا عزمتها.. ولو مكنتش يارا عزمتها كنت أنا اللي هعزمها.. 


فارتفعا حاجبيها بتهكم فاستطرد بتقرير.. 


- مش هقطع معاها لاجل سواد عيون أخوكي.. 


.. ارتفعت زاوية فمها بسخرية كتمتها وتبدلت لأخرى شامتة وهي ترى اتساع حدقتيه وفغر فاه وكأنه رأي قبيلة من الجن.. 

ولم تكن القبيلة سوى ضيفها الوحيد والذي دعته خصيصًا بإلحاح كي يحضر.. ولم يخيب أملها فها هو أمامها يمد يده مصافحاً لها.. 

ابتسمت بمجاملة وهي تبادله المصافحة.. 

- متشكرة جدآ ياكابتن أحمد انك جيت.. 


اكفهر وجه زياد.. وزاد تنفسه يهدر بحدة بها ولكن عيناه معلقة عليه.. 


-إيه اللي جاب الشخص ده هنا!! 

ابتسمت تتحداه.. قالت ببساطة.. 


-أنا عزمته.. هو مش المفروض إن أنا صاحبة مكان ولا إيه .. 


اصطكت أسنانه ببعضهما البعض من شدة الغيظ، رمقها بنظرة حارقة يلومها.. فتأثرت بها ولكنها سرعان ماتجاوزت وهي ترى يارا تمر بجوارهما.. 

فامسكت بكفها تجعلها تقف بجوارها.. 


-أعرفك بيارا ياكابتن بنت عمتي و..... أخت زياد.. 

مد يده بسلام قابلته هي بإبتسامة رقيقة زينت ثغرها.. نظرته له كانت غريبة وملامح وجهه لم تأبين منها شئ عدا عن طوله وجسده الضخم.. 

احنا رأسها تنظر لكفها الغارق بين كفه.. وقد طالت مصافحته فهمت بسحب يدها ولكنه كان متمسك يضغط عليها دون أن يشعر.. 

تنحنح قليلاً بحرج وهو يترك يدها ولا يعلم ما أصابه.. 

يركز نظراته عليها لها عينان بلون عسلي بالتأكيد يأسر كل من يراه، استدارة وجهها ونمنمة قسماتها.. كيف لبسكوتة هشة مثلها أن تكون شقيقة لمثل هذا الجلف... 

هتف بخشونة نبرته يهنأها.. 


-مبروك ع النجاح ياأنسة يارا... 


.. ضحكت ضحكة حلوة مثلها.. تبعد خصلة عن وجهها.. 


-ميرسيه.. عنئذنكو.. 

واستدارت تعض على شفتها بخجل من تحديقه بها، اما هو فدقات قلبه أصبحت كالطبول تصم أذنيه وجسده ملتف نحوها.. 

شعر بنظرات كالرصاص.. تخترق ظهره فالتفت ليجد زياد يحدجه بغيظ وغل واضحين للأعمى.. قلّب نظراته وقد ناله الحرج والتوتر، ثم تومأ برأسه له ولنيرة التي كانت تطأطأ رأسها تزم شفتيها في محاولة بائسة منها لمنع ضحكتها.. فانسحب دون إذن عائداً للخلف.. 


............ كانت حنين تقف وحيده بالمنتصف تتلاعب بحقيبتها، اشتاقت لتجمعهم وضحكاتهم، جو العائلة الذي افتقدته.. تشعر وكأنها فارقتهم منذ أعوام... 

مثبته نظراتها عليه.. يتجاهلها أو ربما لايراها من الأساس.. 

تميل برأسها تتأمله، والغريب أنها اشتاقت..! 

يرتدي قميص أرجواني وسروال أسود.. وقد شذب ذقنه فظهرت ملامحه....

تمنت لو ينظر باتجاهها حتى ترى عيناه.. وكأنه استجاب 

بلمحة بسيطة منه، تقريبًا بالخطأ رمقها، سرعان ماحول نظرته عنها لآخر يبعث له سلام بعينيه.. 

لم تتبين أي شيء.. كانت لمحته سريعة غامضة.. تُرى هل غاضب منها

أم مشتاق مثلها.. أم صارت من ماضي لا يود الرجوع إليه.. 


-عاملة إيه؟.. 


انتزعتها نيرة من وحدتها وشرودها بسؤالها  البسيط.. 

احنت رأسها بحرج.. وهي تجيب بصوت منخفض .. 


-الحمدلله.. 

ف اقتربت نيرة منها.. تربت على زراعها بلطف.. 


-وحشتيني.. 


رفعت رأسها.. وكلمة نيرة البسيطة لمعت الدموع بعينيها.. فاحتصنتها على الفور.. 

-وانتِ كمان وحشتيني أوي.. 


فابعدتها نيرة برفق.. تبتسم 


- ولما أنا وحشتك مكلمتنيش ليه.. 


حابهتها بطفولية.. 

-طب وانتِ مكلمتنيش ليه.. 


هزت نيرة رأسها تقول بحزن.. 


-إنتِ اللي سيبتينا.. 


أحنت حنين رأسها مرة أخرى تقول بأسف حقيقي تحدث نفسها ولكن وصلت للاخري .. 


-كانت غلطة.. أكبر غلطة.... 


.............. كان يقف ظهره للجميع ولازال على وقفته تلك، لا يعلم لما لم يغادر منذ وقت.. بالأساس الجو لا يعجبه.. وقد أصابه الضجر.. 

ولكنه انتظر، انتظر مجيئها، يكذب قلبه بأنه لازال موجوداً دون سبب.. 

شعر بحضوره دون أن يلتفت.. مازال قلبه يخفق بعنف حين مجيئها ووجودها في محيطه.. 

احترق قلبه ألف مرة وهو لا يقوى على الالتفات ورؤيتها، يخشى أن يراها وتفضحه عيناه.. كم اشتاق.. 

كم بكى بصمت من مر غيابها.. 

كم مرة رأها بكل شبرٍا بالبيت.. 

.. التفت على حين غرة لياكد احساسه بوجودها، ارتبك وسارع بنظراته لغيرها وكأنه لم ينتبه لوجودها.. 

اللعنة على قلبه اللذي يود الركض إليها ويحتويها ويبعدها عن الجميع.. 

التفت مرة أخرى صوبها وحمدًا لله كانت تتحدث مع نيرة.. اختلس النظر يتأملها باشتياق وضيق.. 

خصلاتها بدأت أن تعود للونها البنى الطبيعي وقد تراجعت صبغتها الحمراء للأطراف بعد أن استطال شعرها قليلا.. 

فستان بلون النبيت القاني قصير يزيد من غضبه وحنقه كاشفاً عن ذراعيها وساقيها .. كيف تسمح لها امها بارتداؤه.. 

نحرها الطويل وعينيها.. اشتاق أن يقترب ويعانق بنظراته بريق عينيها.. 

تنهد بحزن داخله وهو يرى احتضانها المباغت لشقيقته.. 

رفعت نظراتها نحوه ففاجاته ببريق دمعٍ بعينيها، ولكنه ارتبك ودار برأسه سريعاً بعيداً عنها وكأنها أمسكته بجرمٍ مشهود.... 


..................... كان زياد يقف غاضباً.. يزفر نارا من أنفه، يشد على قبضتيه بغيظ وغضب وهو يرى تجاهل نيرة وهروبها ومصيبتها الكبرى ذلك ال " أحمد".. 

هذا ماكان ينقصه..! 

التفت على ربتة خشنة على كتفه.. ليعانقه.. 


-أتأخرت ليه ياعاصم.. 

ليهمهم عاصم بلا مبالاة وهو يدور بعينيه بالحفل بغير اهتمام.. 


- أنا مكنتش هاجي اصلآ. . مليش أنا ف حفلات العائلات والشغل العيالي ده... 

ثم انتبه لتجهم ملامح زياد فسأله بقلق.. 


-مالك ف إيه؟ 


- متغااااظ.. 


ضحك بخفة ليقول.. 


-نيرة بردو...! 


أومأ برأسه ليواسيه بخبث يليق به.. 


- خلص الحفلة هنا وانا هظبطك بسهرة ترجع بيها أمجادك... 


هز زياد رأسه يائسًا.. 


-ياعم بس بقى.. 


ثم هتف بـ اسم شقيقته يارا يستدعيها.. 

يلتفت للآخر يتحدث ببساطة.. 

-أظن انت مشفتش يارا قبل كدة.. استنى أعرفك عليها وتباركلها.. 

وقد أتت تقف بجواره، ليضع ذراعيه على كتفها يحتضنها.. 


-أعرفك ياسيدي يارا أختي.... 

والتفت ينظر خلفه يبحث عن نيرة وقد غابت عن انظاره فاستئذن من عاصم لحظة.. 

عاصم الذي لم ينتبه لاتساع حدقتيه ولا ملامح الصدمة الواضحة على وجهه أخذ وقتا طويل.. قبل أن يهمس بفحيح أرعبها ... 


- مبروك يايارا... ولا أقولك ياأمنية.......!! 

................................. 

.... انتهى الفصل ❤️🌹

**"الفصل الثاني والعشرون" **


.. 

.. حين ناداها زياد والتفتت له لم تتبين من يقف معه.. بلحظتها كان ظهر عاصم لها،

عاصم شبح الأيام الماضية.. من أرق نومها، وأثر بالسلب على حياتها..

جمدت مكانها وهي تراه يقف أمامها يحدق بها وصدمتها بالتأكيد لن تعادل صدمته، كادت نبضات قلبها أن تكف عن الخفقان من خوفها وحمدت الله أن زياد لا ينتبه..

شحبت ملامحها وكأنها بعالم الأموات وهو يقترب منها بخطورة يميل عليها ويهمس بنبرة جعلت أطرافها ترتجف..


-مبروك يا يارا.... ولا أقولك يااأمنية..!!


.. ابتعدت حتى كادت أن تتعثر فأمسك بها يضغط على ذراعها، يزفر بقوة وغضب بوجهها..

حاولت أن تبتعد.. تركض من أمامه تختبئ بيت جدها كما فعلت وقت أن ضربته وفرت منه.. 

التفت حوله ومازالت أمامه، لا تقوى عل الفرار.. غمغم بخفوت ونبرة خطرة. 


- هستناكي عند عربيتي برة.. دقيقتين وتكوني أودامي.. 

  أحسنلك.. 

يشدد على كلماته بتحذير ونظرات عيناه ترسل شرارات وكأنها تخبرها.. 


   "احذري أيتها الشاه فلا مجال للعبث مع الذئب.." 


...... أقل من خمس دقائق وكانت أمامه، يستند هو على المقدمة و هي أمامه.. 

متعثرة.. متوترة... خائفة، تخفي عيناها عنه بـ غُرة، وجهها أصفر وكان الدم سُحب منه.. 

يجلس بسيطرة، لايراع صغر سنها ولا ارتجافة جسدها.. 

الآن الأمور عادت لنصبها الصحيح، هيئتها الصغيرة، عفويتها في الحديث، 

أحلامها الوردية وبلاهتها، بعض كلمات ألقتها عليه لم يفهمها بوقتها والآن فهمها.. 


- كنتِ بتتسلي بيا، بقى أنا حتة عيلة في ثانوي تتسلي بياا..!! 


زعق بها هادرًا، يهز رأسه بغير تصديق فانتفضت هي ورفعت رأسها تقابله بنظرات خاوية.. وأخيرًا خرج صوتها، كان متحشرجًا مهزوزًا.. 


- أنا مكنتش بتسلى.. انا كنت بحبك... 


تجاهل "كنت" ورفع حاحبه بدهشة مصطنعة.. 


-ولما انت بتحبيني، مقولتليش ليه..!! 

ثم استطرد بنبرة أقوى وقد غامت عيناه بغضبٍ شديد.. 

- خليتيني مغفل!! حتة عيّلة زيك تخليني انا عاصم النجار مغفل... 

المفروض أنا صاحب زياد 

زياد لما يعرف أن اخته كانت عندي ف البيت هيعمل إيه.! 


رمشت بعينيها تهز رأسها.. 

- زياد مش هيعرف.. أنا مش هقوله..


نوبة ضحك هاجمته، كان يضحك بتقطع يثير اعصابها واستغرابها.. 

نهض ليقف أمامها، فأصبح هو سيد الموقف والمشهد.. 

-لا ياحلوة.. أنا اللي هقوله.. 


ترجته بشهقات تنذر عن بكاء.. 


- لأ أرجوك ... 


ألقى بتوسلها تحت قدمه، يستكمل كلامه من أجل ارعابها أكثر.. 


-ياتري زياد لما يشوف صورنا سوا هيعمل إيه..!! 

... ولا كلامنا... مممممـ ولا لما يعرف ان انت كنت عندي ف البيت.. 


ثم تحولت ملامحه فجأة وابتسامة شيطانية داعبت ثغره، كانت ترتجف أمامه كقطة صغيرة دخلت لعرين الأسد بالخطأ، رفع غرتها عن عينيها بانامل خشنة، وربت على وجنتها، ربتة، وربتة أخرى، وأخرى، 

ملمس كفه على وجهها واقتراب أنفاسه عاد لها ذكرى تلك الليلة التي حاول فيها اغتصابها.. اجفلت وشعرت بنوبة غثيان.. واختنقت أنفاسها.. 

فازاحت يده عنها بقوة لم تؤثر به قيد أنمله، وامتعضت قسماتها برفض.. 

عاند رفضها له.. واقترب غير مكترث بأنه لازال بالشارع بمكان عام وأمام المكان الذي يقيم به الحفل..  يمسك بذراعها يسحبها نحوه.. 

قاومته تصرخ منفعلة وتذكرت مافعله تلك الليلة بها .. 

- لأ... 

تغمض عيناها بشدة، تفاجأت بآخر يسحبها بعيداً يزيحها برفق.. 

لتجده أحمد صديق نيرة تقريبًا..  اليوم فقط تعرفت عليه.. 

يقف أمام عاصم يفوقه طولًا.. وقوة..  

كان عاصم يلهث بعنف، يحدق به وكأنه كان مغيب منذ قليل.. 

غمغم بحدة.. يريد الوصول لـ يارا.. 


-إبعد عن طريقي... 


ولكن الآخر لم يتراجع.. هتف من بين أسنانه.. 


- لما بنت تقولك لأ.. يبقى لأ.. 


وآخر كلامه كانت ضربة من رأسه وجهت لأنف عاصم.. فارتد للخلف وترنح قليلًا، وانتصب بطوله يمسك أنفه النازفة يقترب منه 

فرفع الآخر حاجبه ينتظره.. يتحداه ، ولكن نظرة واحدة من عاصم لأحمد جعلته يتراجع فالفرق بينهما كبير وبالتأكيد الغلبة لأحمد.. 

انسحب يهز رأسه بوعيد، يرسل الأخرى رسالة بعينيه.. 

" لم ينتهِ الموضوع هنا".. 


.. وركب سيارته وغادر تحت أنظارهما، مع الفارق بينهما.. 

استدار أحمد واقترب منها يراها مذعورة فسأل بقلق.. 


-إنتِ تمام؟ 

اومأت برأسها بعد أن التقطت أنفاسها بمغادرة عاصم.. 

فسأل بفضول.. 

- مين ده!! 

اذدردت لعابها بتوتر.. واكتفت بالصمت.. فتابع.. 

- مش قصدي أتدخل.. ولكن يُفضل انك تقولي لاخوكي.. 


ردت مسرعة.. 


-لأ لأ.. مش عايزة زياد يعرف.. 

عقد حاجبيه مستغرباً فتداركت حديثها.. 

-هيقلق ع الفاضي.. خلاص موقف وعدى.. 

هز رأسه متفهمًا، بلّ شفتيه ثم قال.. 

- إنتِ ممكن تيجي مع نيرة، لو محتاجة Self-defense.. 

عقدت حاجبيها تستفهم.. وعادت لمعة عيناها ثانيةً فارتبك واشتعلت أذناه .. 

شرح بكفه.. 

-كورسات دفاع عن النفس.. اعتقد انها هتفيدك... 

تمتمت بعد تفكير قصير.. 

- لأ شكراً مش محتاجة.. 

ثم ارتسمت ابتسامة ممتنة على شفتيها.. 

-شكرًا انك جيت ف الوقت المناسب.. 

ابتسامتها تلك زادت توتره.. وسخونة جسده.. غمغم بخفوت وابتسامة واسعة.. 

-متشكرنيش.. أي حد مكاني كان هيعمل كدة... 


وودعته بإبتسامة قابلها هو بتنهيدة وخفقات سريعة .. وشئ غريب يحتل قلبه! ..... 


.................................. 


.. فتح باب السطح فأصدر صريرًا مزعجًا دلّ على أهماله وتقصيره بالصعود كما كان يفعل سابقاً بشكل يومي.. ورغم اعتماده على والدته بأنها ستصعد من أجل إطعام حماماته، إلا أنها هي الأخرى قصرّت.. 

.. دخل بخطى رتيبة.. يحفظ خطواته هنا.. هنا يعود قاسم.. 

يتوجه صوب الخزائن الملونة يفتحها واحدة تلو الأخرى فتتطاير الحمامات أمام ناظريه بشكل عشوائي.. 

سار باتجاه آخر، بركن جانبي يوجد صنبور فتحه وملئ عدة أطباق خزفية مجوفة وقام بوضعها بالخزائن بشكل متفرق... 

استقام يقف أمام خزائنه وحمامه بحنين شاب ملامحه.. يضم ساعديه خلف ظهره.. يتأمل بصمت ونظرات خاوية... 

سمع صوت باب السطح يُفتح وصوت خطوات تأتيه من الخلف، ولكنه لم يلتفت.. لم يهتم أكيد أمه أو نيرة.. ولكن رائحة أكرم الثابته وصلته قبل أن يضع أكرم كفه الخشن على كتفه ،حضوره جعله يعقد حاجبيه متعجبًا.. 

أكرم يجاوره بوقفته أمام الخزائن على السطح!! 

دون كلام كلًا منهما يجاور الآخر بصمت وأنفاس متلاحقة ونظرات تحكي عن وجع مختلف لكليهما.. 

صمت لم يدُم حين سألَ أكرم بنبرة غريبة.. 


-حنيت..! 


يسأله عن الحنين.. مجرد كلمة حنين تعصف بقلبه وتهتز ثوابته، رفع ذقنه بتكبر.. 

ينفي باندفاع.. 


- أنا محنش لحد باعني.. 


التفت أكرم له.. يقول بهدوء.. 


- ده شئ ميعيبكش.. محدش فينا ليه سلطان ع قلبه.. 


وغامت نظراته، شُرد بعينيه باللاشئ وكأنه يعني حاله بكلامه 

تنهد وهو صار يعلم بأن الحنين له مذاقٌ مر كالعلقم.. أتاه صوت قاسم مغلف بقسوة.. 


-يبقى انت متعرفنيش يا أكرم.. انا قلبي تحت طوعي عمري ماهذله لحد..


أحس بألمه.. ورفض هزيمته فقرر مشاكسته.. 


- شكلها حنت ليك..


ضيق قاسم عيناه يرمقه بنظرة غريبة مبهمة.. ثم تركه وتحرك قليلاً ليفتح خزانة مرتفعة ويمسك بحمامة بيضاء يداعبها من رأسها يتحسسها برفق.. 


- عارف يا أكرم.. الفترة اللي فاتت دي كنت بطير الحمام اللي أودامك ده بعيد.. بعيد أوي عشان يتوه وميرجعليش تاني.. 

بس كان بيرجعلي ف الآخر... 


ثم ألقى الحمامة في الهواء الطلق لتعود داخل الخزانة مرة أخرى تحت أنظار أكرم.. 

اقترب قاسم منه يقابله.. 


-عارف ليه؟! 


-ليه؟  نطقها أكرم بعفوية، مأخوذًا بكلام قاسم 


قال بثقة وهدوء أصبحا متلازمان له مؤخرًا.. 


-عشان تربية ايدي.. متربي أودام عيني.. كدة كدة هيرجعللي ف الآخر.. 


ثبت أكرم نظرته بعيني شقيقه.. يجابهه 


- واللي غاب! 


حينها استدار قاسم عنه يرفع رأسه عالياً فيقابله صفو السماء.. فيزفر محاولًا الثبات.. تحدث وكأنه يطمأن قلبه قبل أكرم.. 


-مسير الغايب هيرجع.. هيغيب شهرين... سنة... أكتر 

ف الآخر هيرجع بس وقت مايرجع مش هيلاقينا معاه زي زمان... 


أتاه صوت أكرم أجشً بخفوت.. 


-أول مرة أخد بالي انك شبهي ياقاسم.. 


التفت له قاسم رآه يرمقه بغرابة وكأنه للتو يكتشفه، اكتشاف خاطئ 

ومقارنة ظالمة أن يضع نفسه مع أكرم.. 

ارتفعت زاوية فمه بشبح ابتسامة ساخرة.. يقول بنبرة ذات مغزى.. 


- أنا مش شبهك ياأكرم.. 

عمر ما كان اللي ساب زي اللي اتساب.... 


ثم ربت على ذراع أكرم بخفة يتابع.. 


- الفرق بيني وبينك زي الفرق بين حنين ونورهان..!! 


............................. 


.. "بشركة عاصم".. 


. . يجلس على طرف مكتبه يؤرجح ساقه بعبث، ممسكًا بهاتفه أمام وجهه يبتسم بشيطنة لرقمٍ أمامه، وقد مر يومان من وقت حفلتها ورؤيتها.. أنفه مضمدة بلازق طبي إثر كدمته التي تلاقاها من رأس أحمد.. 

تظن أنه تناساها.. غبية هي.. 

فبفعلتها فتحت على نفسها باب من أبواب الجحيم.. 

هو شهر يار زمانه، يمنّ على تلك، ويترك هذه، ويعبث مع أخرى 

تأتي هي وبكل بساطة تتسلى به.. 

ضغط على رقمها أمامه واتسعت ابتسامته،طال الرنين ولم تجب

ولم ييأس.. ينتظر... وسينتظر... 

إلى أن أجابت.. جاؤه صوتها مرتجفا مهزوزا تُجيب بتلعثم أحسسه بالمتعة.. 

متعة سادية بشخصه وهو يرى من أمامه يتلوى ألمًا وخوفًا منه.. 

يغمغم بعبث وثبات نبرة.. 


-برافو إنك رديتي... لو مكنتيش رديتي كنت هتصرف تصرف مش هيعحبك..!


سكت برهة يستمع لسؤالها المتلعثم.. ليضحك بخشونة وهو يتجه نحو شباك مكتبه الواسع يقف أمامه يتطلع على الشارع بلا مبالاه.. 


-تؤ تؤ عيب عليكي يعني أنا بجلالة قدري مش هعرف أجيب رقم أخت زياااد... صاحبي..!!! 


ثم أطلق تنهيدة حارة.. ساخنة.. 


-آه وحشتيني يايويو... ولا اقولك ياأمنية..! 


ولم ينتظر الرد ليتابع بهيمنة.. 


- هقولك ياموني.. لايق عليكي أكتر... ده كفاية أنه الاسم اللي اشتغلتيني بيه... 


فسألته يارا عما يريد منها فأجاب بنبرة مشتعلة.. 


-عايزك ياروحي.. عايزك كلك على بعضك.. 


وصمت.. ينظر أمامه بنقطة وهمية، يتخيلها هناا.. 

وخيالاته لم تكن بريئة مثله.. بل وقحة تناسب وضعه... 


تأفف بملل.. يقلّب عيناه.. 


- متعيطيش..... متخافيش طول ما إنتِ بتسمعي الكلام مش هقول لزياد حاجة... 

وتابع بخبث ذئب.. 


-آه لو زياد شاف صورنا سوا ولا مقابلاتناا... أوف ده هيتصدم فيكي صدمة عمره..... 

وانتظر ردها ولكن لم يجد سوا بكاء.. فقال بنفاذ صبر ووعيد... 


-بكرة تجيلي النادي.. في مكاننا هستناكي وطبعاً عارفه لو اتأخرتي أو مجتيش أنا هعمل إيه..!؟ 


وكاد أن يستكمل وخوفها منه أبهجه.. ليدلف  زياد من باب مكتبه دون أن يطرقه كعادته.. 

أغلق الهاتف بتلقائية.. يدقق بملامح زياد يتبين إن سمع شئ من حديثه ام لا.. ولكن تباسط الآخر في جلسته ابعثت الطمأنينة لصدره.. 

يلتف حول المكتب فيجلس مقابل زياد.. 

وبعض الأوراق والمستندات بينهما، يتناول زياد مستندًا ويذيله بآخر.. 

وحديث عن العمل لاينقطع.. وحين رفع زياد وجهه لعاصم تفاجأ من كدمة بمنخاره.. 

عقد حاجبيه متسائلاً.. 


-إيه اللي حصل لمناخيرك... 

ارتبك عاصم وغطاها بأصابعه فتوجّع وكأنه للتو ضُرب فيها.. 


-مفيش اتخبطت وأنا قايم من النوم... 

ضيق زياد عينيه بشك.. 


-خبطة المناخير دي مش غريبة عليا... 


نهره عاصم.. 


-بطل تفاهه ووريني باقي الورق.... 


واستكملا العمل سويًا.. وبعض الملاحظات المرحة من زياد تلطيفًا للجو .... 

........................... 


  

.. كانت حنين تجلس بحديقة الفيلا.. ممسكة بالهاتف تتصفح الفيس بوك. تقلّب بلا اهتمام حقيقي من أجل مرور الوقت،

جائها إشعار بأن زياد حدث حالته فدخلت فورًا لحسابه،

للتو انزل منشور به بعضًا من صور الحفل، العديد من الصور..

وهو كان من بينهم..

يقف بثقة وثبات.. ذقنه المشذبة أظهرت وسامة ملامحه.. ولكن عقدة حاجبيه كما هي..

هو الوحيد في الحفل من كان يرتدي بنطال وقميص وجميعهم ببدلات رسمية أو معاطف خفيفة.. بعمره ما أرتدي بدلة حتى بفرح نيرة وأكرم لم يرتديها اكتفي بملابس عادية.. 

ملابسه بالحفل كانت مهندمة لاقت به، لوهلة تخيلت هيئته وهو يرتدي بدلة، سيكون مميز بالتأكيد.. 

متى أحبته هكذا..! 

بل متى تجدد حبه... تذكر جيدًا انها كانت معجبة به بأول مراهقتها.. 

كان هو فتاها الأول.. والوحيد الموجود أمامها... 

وقتها كتبت له رسالة ودستها بين أوراقه.. وحين وجدها وقرأها ضحك ملئ شدقيه.. وكان نادرًا مايضحك هكذا. 

كانت ضحكته جميلة صادقة وقتها كانت فتاه لم تتجاوز الخامسة عشر بجديلة جانبية.. 

حكّم رأيه بأنها مثلما كتبت تلك الرسالة لابد وأن تقراها أمام عينيه.. 

وخجلت واحمرت وجنتيها، وهو كان متشبث برأيه بشكل غريب.. 

فقرأت كلماتها بخجل.. وحياء فطري.. تتلعثم بالحروف وكأنها لم تكتبها بنفسها له... 


"طفلة الأمس التي كانت على بابك تلعب

والتي كانت على حضنك تغفو حين تتعب

أصبحت قطعة جوهر..

لا تقدر ..


صار عمري خمس عشره

صرت أجمل ..

وستدعوني إلى الرقص .. وأقبل...! " 


وحين قرأتها.. طلب منها أن تعيد قراءتها مرة أخرى.. ولكن تلك المرة قرأتها بثبات أكثر 

بعدها وقف أمامها، يبتسم ابتسامة رجولية جميلة.. بل كانت أجمل ابتسامة رجولية رأتها عيناها وقتها .. 

يحدق بها بصمت.. كان يمشط نظراته عليها يتفحصها وكأنه للتو لاحظ أنها كبرت.. 

بعدها قال بصوت اجش أسرها... 

   "حنين قاسم"

   لم تفهم وقتها.. 

ولكن بعدها فهمت أنه يشار بأن اسمها مرتبط باسمه... 


افاقت من الذكرى مبتسمة بشوق كبير، وعاد من جديد شعورها بتلك الفترة.. كم كانت وردية وبريئة حينها...! 

.. وضعت أحببت فقط على صورته دون صور البقية.. 

ومع ارتفاع معدل اشتياقها، هاتفت نيرة..كما أخبرتها

وأحست منها بأنها لاتريد الكلام..فقالت بتلعثم خفيف..

- إنتِ قولتيلي ممكن اكلمك عادي ف أي وقت..

وبررت نيرة بصدق تعلم بأن حنين ستأخذ الأمور بحساسية..

-أي وقت تكلميني فيه.. بس انا دلوقتي هروح للدكتور مع زياد..

وأنهت الإتصال معها.. تلتفت برأسها تتأمل الحديقة الواسعة..

.. ماذا لو غفت هنا.. أليس أكثر أمانًا من غرفتها. ..


............ 

-وأخيرًا.. كتر خيرك انك فضتلي نفسك والله..!


قالتها جيلان بضيق حقيقي.. بعد العديد من الاتصالات وسماع حجج فارغة منه.. أخيرًا أتى.. يجلس أمامها بصالون منزلها، يرتشف من فنجان قهوة أعدته هي له، ومن ملامحه الممتعضة يبدو أن مذاق قهوتها لم يعجبه.. 

تمشط نظراتها على وجهه ذقنه السوداء باتت أكثف وملامحه ذابلة اليوم على غير العادة.. كل فينة وأخرى يرفع ساعة معصمه يرى الوقت وكأنه ندم بمجيئه.. 

ترك الفنجان أمامه على الطاولة.. يغمغم.. 


-الفترة اللي فاتت بس كنت مشغول بكام حاجة كدة.. 


. هكذا.. بكل برود العالم يعطي أسباب باردة كعلاقتهما.. 

زفرت بعنف وهي تتحدث بحدة خافته 


- لاا أنا مش هعاتبك ياأكرم، عشان تبررلي وتديني أعذار وحجج فارغة.. 

أنا ممكن احرجك اودام نفسك وأقولك إنت روحت لنورهان كام مرة واتصلت بيها كام مرة..! 


سحب نفس عميق.. ثم أردف بضيق.. 


- لما بكلم نور بكلمها عشان ملك أو أمر متعلق بيها..! 


"نور" هو يقصد أن يلفظ باسمها هكذا أمامها دون أدنى حساب لمشاعرها.. 

تهكمت بكبرياء مجروح.. 


-طبعاً طبعاً.. مصدقاك.. أكيد مش هتكلمها عشان وحشاك ..! 


اعتدل بجلسته.. يشد جسده بتحفز.. يصيح بانفعال.. 


- ف ايه ياجيلان .. مش ملاحظة أن كلامك حاد وجامد ..! 


ومضت دموع بمقلتيها.. تحبسهما بشدة.. تتحدث بحشرجة تلومه.. 


-وإنت مش ملاحظ أن متجاهلني وراكني ع الرف..؟ 

ثم تابعت.. 

مش ملاحظ أن المفروض الفرح ف الكام يوم اللي جايين دول 

ومفيش أي ترتيبات إنت عملتها..! 


- إنتِ عارفة إن أنا معترض ع الفرح .. خليها حفلة بسيطة و خلاص.. ونسافر بعدها..! 


يتكلم ببساطة وكأنها لاتعني له شئ.. بل هي لا شئ لديه فعلاً.. 


-والله أنا أول فرحة لماما أكيد يعني أبسط حقوقي وحقوقها أن يتعملي فرح..! 


عاند.. 

-وأنا لسه عند رأيي ومش عايز فرح... 


أشارت على صدرها بألم.. 

- وأنا.. 


تجاهل نبرتها المتألمة، يكفي مابه، قال بهدوء بعد أن مسح وجهه عدة مرات يجلب الهدوء لنفسه.. 


-أنا شايف إن أنا وأنتِ أعصابنا مشدودة شوية.. ايه رأيك نبعد عن بعض فترة يمكن نهدا ونعرف نفكر..؟ 


غامت عيناها وهي تهتف بقهر.. 


عارف يااكرم.. إنت طول عمرك كدة من أيام الجامعة.. مش عارف إنت عاوز إيه .. منفوخ ع الفاضي.. 


نهرها بغضب... 


-جيلان احترمي نفسك.. 


وقفت أمامه.. بذقن مرفوعة.. 


-أنا هحترم نفسي فعلآ من هنا ورايح..! 


.. وأستطردت وكأن الأمر لها تحافظ على ماتبقى من ماء وجهها.. 


-سيبني أفكر ياأكرم  ف موضوع ارتباطنا من تاني.. لأن حاسة إني ضيعت من عمري كتير أوي وأنا مستنياك.. 


ابتسم بسخرية.. ابتسامة طفيفة لاترى ولكنها لمحتها.. يقول بقسوة جرحتها.. 

- إنتِ مستنتيش، متضحكيش عليا ولا ع نفسك.. ارتبطتي بغيري واتخطبتي..... يعني حياتك مكنتش واقفة عليا..! 


بادلت سخريته بسخرية..وقد فاجأها  


-لا والله.. اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش من كام شهر وأنت بترجع الحب القديم.. وبتبني وعود وأحلام فاضية زيك..!! 


وقف هو الآخر ينوي الرحيل.. يهمس بخفوت فاتر وملامح جامدة.. 


-من غير مانغلط ف بعض ياجيلان .. يوم مارجّعت الحب القديم يوم ماارتكبت في حقك وف حق نفسي أكبر غلط.... 


.................... 


.. "ليلًا بغرفة حنين".. 


كانت ممدة على فراشها تغطي جسدها بغطاء خفيف، تشعر بالملل والضيق بهذا المنزل.. 

لا أحد هنا يجلس معها أو يهتم بها.. وخاصًة أمها.. 

أمها.. تلك المرأة لغز يصعب حله.. معادلة مستحيلة 

يوجد أمهات بالفطرة.. الغريزة موجودة وحنانهم يفيض.. 

وأمهات الله وحده أعلم بحكمته في إعطائهم هذا اللقب العظيم.. 

نفضت عنها التفكير.. 

نهضت من فراشها تفتح خزانتها الكبيرة تأخذ ملابس وتتجه نحو حمام غرفتها تدلف وهي تحمد ربها بأن من حسن حظها يوجد حمام بغرفتها.. 

ماذا سيكون الوضع وهي تستحم بحمام خارجي ووتتقابل معه.. 

أغلقت الباب تنوي أخذ حمامًا باردًا يهدأ من ثورة أفكارها.. 

وقفت تحت رذاذ الماء تستقبل قطراته براحة.. وجسد بدأ يتراخى.. 

وبعد مرور دقيقة أحست بشئ.. ففتحت عيناها وجمدت مكانها مما رأت... 


.................... 

انتهى الفصل.. ❤️🌹

قفلت ع صابعكو آني آسف 😂

 **"الفصل الثالث والعشرون" **


.. "وإن أشتقت لي يومًا لا تتردد.. 

أخبرني مباشرًة دون سرد لائحة من العتابات.. 

أو الكبرياء.. 

ولا تبحث في الماضي حتى لا يتسع ثقب الغياب بيننا.. 

فقط تعال وقل أشتقت إليك.... 

     .. حنين - قاسم.. 

     خاطرة بقلم /عطر الربيع ❤️


                     ـــــــــــ........... ــــــــــ


.. للحظات ارتجف جسدها كله رغمًا عنها، عيناها كانت ثابتة على المقبض، تحدق به بعينين متسعتين و الخوف يملؤهما.. بالرغم من أنها أغلقت الباب من الداخل وقت دلوفها إلا أنها ارتعدت رعبًا.. 

تقف مكانها بحوض الإستحمام والماء ينهمر على جسدهابدون تركيز منها، وبعد عدة محاولات فاشلة من الاخر بفتح باب المرحاض استسلم وغادر.. 

تكاد تسمع خطوات قدميه المبتعدة رغم صوت المياه المتساقط.. 

وقفت مكانها بعد أن أغلقت صنبور المياه.. تنظر للباب وكأنها تتأكد انها أصبحت بأمان.. 

تناولت ملابسها المعلقة ترتديها مسرعة.. خائفة.. كل مابها يرتجف من أعلى رأسها لأخمص قدميها.. 

وبعد انتهائها من ارتداء ملابسها كاملة.. استندت برأسها على الباب تسترق السمع، تحاول سماع اي شئ بالخارج.. ولكن الهدوء كان المسيطر باستثناء لهاثها المرتعب وخفقاتها السريعة... 

خرجت لغرفتها بعد أن فتحت باب دورة المياه بهدوء.. تتلفت يمنًة ويسارًا 

تدور بنظراتها هنا وهناك، الغرفة خالية،والباب موصد كما تركته..! 

أيمكن أن تكون تهيؤات أصابتها..؟ 

لا.. الرعب الذي عايشته بالداخل لم يكن تهيؤات من نسج خيالها الواسع.. 

بل واقع هي تعيشه في هذا المنزل كل ليلة تقريبًا.. 

تقف بمنتصف الغرفة بخصلاتٍ مبتلة تحاول التقاط أنفاسها الهادرة.. تهدأ من حالها.. 

انتفضت قافزة حين أتاها صوت رنين هاتفها.. فمالت بجزعها تمسك به تكتم صوته، حدقت بالرقم أمامها وكانت نيرة.. 

ردت مسرعة باهتزاز صوتها.. 

نبرتها مرتجفة .. متلعثمة.. حروفها تخرج بشتات وخوف.. 

وقد لاحظت الأخرى.. تسألها تحاول الاطمئنان عليها.. 

وحنين تجيب بأنها خائفة وفقط.. تزيد من حيرة نيرة وقلقها.. 

وفجأة فُتح باب الغرفة، فألقت حنين بالهاتف على فراشها.. 

تقف مرتجفة في حين دخل زوج أمها الغرفة بتبجح.. يقترب منها دون تراجع.. وكأنه قرر أن يكشف عن وجهه الحقيقي القذر.. 

تسمرت مقلتيها برعب حقيقي عندما تلاقت مع نظراته الماجنة فاذدردت ريقها بصعوبة بالغة.. 

انحنى بطوله قليلا يمسك خصلة مبتلة بأنامله، يهمس بخفوت ماكر.. 


- كنتِ بتكلمي مين..؟ 

حاولت الإبتعاد ولكن خلفها حائط وهو أمامها.. حتى الصراخ لن يسعفها.. 

أجابت بتلعثم.. 


- كنت بكلم صاحبتي.. 


كانت صغيرة، جسدها صغير، وعمرها أيضًا وهذا مايفضله.. الرعب الساكن بحدقتيها يعزز ذكوريته الشبه معدومة.. 

يعلم جيدًا بأن زوجته على علم بما يفعل وسيفعل بأبنتها ولكنها تغمض عيناها.. حقيرة بالتأكيد لن تتنازل عن ما وصلت إليه بفضله.. 

غمغم بفحيح.. 

-مممممـ وصاحبتك دي حلوة زيك..!! 


نظراته كانت صريحة.. فجة، اندفع الرعب ساريًا بأوردتها فاختض جسدها بخفقات سريعة.. 

كانت كفه على كتفها والأخرى يحاول تثبيتها بها، 


-ابعد عني.. 

صرخت بألم وهو يجذبها اليه، تحاول أن تهرب منه، تستغيث بأي شئ قريب، ولكن لم تجد 

دفعها للجدار خلفها بقوة الصقها به، كانت تبكي بانهيار.. 

تصرخ دون جدوى وكأنها تصرخ بقرية جميع سكانها أصماء.. 

أمسك مرفقها بقبضته.. والآخر أيضاً يرفعهما فوق رأسها.. 

وتبدو أن تلك لحظة النهاية.... 


........... كان الهاتف لم يغلق.. ظلت نيرة على الخط تستمع لما يحدث.. 

انهارت اعصابها، ووجع ببطنها زاد.. تركض بأنحاء المنزل ولازال الهاتف على اذنها 

تود الصراخ.. تبحث عن أكرم أو قاسم تستنجد بهما.. 

لم يكونا بغرفتهما، ألتفتت فجأة على صوت مفاتيح للباب.. فوجدت قاسم يقف على الباب يرمقهما باستغراب وذهول وقبل أن يسأل ماأصابها.. 

صرخت به وهي تناوله الهاتف .. 

-الحق حنين ياقاسم... 


.............اندفع قاسم بدراجته النارية في سرعة جنونية، يضرب الهواء وجهه بقوة فيزيد من ناره المشتعلة وقلقه المتفاقم، يدعو الله أن تأتي الأمور بستره، أن يلحق بها قبل فوات الأوان.. سيندم كل الندم إن لم يلحق بها.. 

ليته ماتركها، ليته ماضغط عليها وفرض حبه.. 

ليتها ظلت بالبيت في رعايتهم وتحت حمايته.. 

يحبس دموعه بصعوبة.. ودموع رجلٌ كقاسم عزيزة لن يذرفها إلا على العزيز الغالي... 

منزل زوج والدتها للأسف على أطراف المدينة.. سيستغرق وقتٌ طويل إلى أن يوصل.. 

زاد من سرعته فأصبح كالسهم المنطلق المحدد لهدفه، 

وبعد وقت غير محدد بالنسبة له وصل للحي الراقي .. هدأ من قيادته يحدق بالفلل أمامه لا يعرف أيهما تابعة لزوج أمها.. 

إلى أن وجد لوحة رخامية مكتوب عليها بخطٍ عريض.. "فيلا زكريا مجاهد".. 

هبط من على دراجته فمالت ارضًا، مندفعا لداخل الفيلا بعد أن تجاوز البوابة الحديدية وكانت خالية من وجود حارس.. 

وقف على الباب الكبير يطرق بعنف ضربات قوية شديدة.. 

ينادي باسمها تارة وباسم زكريا تارة أخرى.. وبعد مدة قصيرة كان الباب يفتح من قِبل الخادمة، فاندفع من خلاله يتجاوز صالته.. وقف أسفل الدرج الداخلي للفيلا وبأعلي نبرة يمتلكها... 

-انزلي هنا يازكريا لو راجل... 

وجاء زكريا.. رجلٌ عجوز ذو بطن عالية شكله مقزز.. يرمقه قاسم باشمئزاز وغضب..

صعد إليه يأكل الدرجات مسرعًا لاهثًا ليمسك بتلابيبه فيصرخ الرجل به.. 


-لو مبعدتش ومشيت هندهلك الأمن.. 

وقبل أن يُنهي كلامه كان قاسم يناوله لكمة بمنتصف وجهه، يجره من ثيابه الخفيفة المتمثلة في مئزر من الساتان المقلم وسروال خفيف يماثله، 

يتعثر زكريا فيزيد قاسم من جره إلى أن وصلا للأسفل.. 

انحني قاسم يوجه اللكمات لوجهه.. 

-عملت فيها ايه... انطق.... 

ممدد على الأرض يُخبأ وجهه بكفيه.. يصيح  بخوف.. 

- معملتلهااش حاجة... 

قام قاسم من فوقه.. يقف باسفل الدرج.. يزأر كأسد جريح.. 

- حنييييين.... 

.. ولم تُخيب رجاؤه.. كانت أمامه، تركض نحوه، بلوزتها العلوية ممزقة وخصلاتها مشعثة مبعثرة.. تبكي بصوت مسموع والرعب بادي على وجهها.. 

ما أن وصلت إليه حتى ارتمت بأحضانه واستقبلها هو بكل ترحاب يضمها بشدة إليه.. وكأنه يتأكد من سلامتها.. 

كان حضنه أشبه بحضن الأب، وأمان الجد، واهتمام حُرمت منه.. 

تنتحب بشدة فيبعد وجهها عنه، يحتضن وجنتيها بكفيه.. 

- أنا لحقتك صح...! 

كانت مقلتاه غارقة بدموع أبت السقوط، ينتظر اجابتها فاومأت برأسها 

فتنهد براحة حامدًا.. رغم ارتجاف جسدها كله بين ذراعيه.. 

-الواد ده بيعمل ايه هنا..! 

ذاك كان صوت والدتها.. سؤال مستفز كوقفتها أعلى الدرج.. ترمق قاسم بكرهٍ شديد.. 

تهكم قاسم بحدة.. صوته خشن وجسده يأخذ وضعية العراك.. 

- ااوه ناهد هانم.. ياريت بس منكنش قلقنا منام سيادتك... 

نهض زكريا من مكانه.. وجهه ملكوم.. والدم يتساقط من جبهته. يقف بترنح والصوت يخرج من حنجرته بأعجوبة.. 


-خدها وأمشي من هناا.. يللا.. 


هتفت به ناهد صارخة.. يتلبسها العناد والبغض، كانت لاترى غير قاسم لا رعب حنين ولا مهانة زكريا.. 


-ياخد مين يازكريا.. هي سايبة ولا إيه .. اطلبله البوليس.... 


التفت قاسم لزكريا باستهجان.. يسأله بنبرة ذات مغزى.. 

-إيه يازكريا.. هتطلبلي البوليس.. لو راجل وإبن راجل بجد اطلبه..


إلا أن زكريا هدر به بوهن.. رجلٌ مثله بالتأكيد يخشى الفضيحة.. 


-بقولك خدها وامشي من هناا... 

سحبها معه يحتضنها من كتفيها يسير بها وكانت لاتقوي على فعل شئ.. 

وقبل مغادرته وقف أمام زكريا بنظرات غاضبة، يود تكسير عظامه كلها بقبضته ولكن سلامتها أهم.. أكتفي بأن بصق بوجههه ورحل.. 

وقبل أن ترحل حنين معه، التفتت برأسها لأعلى رغم خوفها وارتعاد دواخلها.. إلا أنها التفتت.. ترمق امها بنظرة غريبة سريعة.. 

نظرة واحدة.. نظرة فقط كانت كفيلة بإحراقها حية..! 


............على الطريق السريع الخالي كانت تركب خلفه تتشبث به بكل قوتها، وقد أعطاها خوذته، يقود بسرعة والهواء يضرب وجنتيها الظاهرة من الخوذة.. ارتجف بدنها وهي تشعر بالبرد ينخر عظامها، فمالت برأسها تستند على ظهره تجلب الدفئ والأمان لجسدها،

وذاكرتها تعيدها لقبل سويعات حين احتحزها بقبضتيه.. يميل عليها برأسه الضخم يقبلها رغمًا عنها بخشونة ورغبة يحاول السيطرة عليها بجسده المقرف.. حاولت التملص منه دون فائدة.. فجأة دون سابق إنذار رفعت ساقها وبكل قوة وغل ضربته تحت الحزام ، تكون على بعضه أرضا، يصرخ متوجعًا.. 

ركضت مسرعة لدورة المياة وأغلقت عليها الباب من الداخل.. تستند عليه تبكي بصوت عالٍ.. 

وبعد أن هدأ ألمه قليلاً وقف وتوجه لباب دورة المياه يطرقه بعنف، يتوعّد بها بخفوٍت هادر .. 

-لو مطلعتيش هكسر باب الحمام ده ع دماغك... 

صرخت به من الداخل بقهر ونحيب.. 

-لو ممشتش من هنا هفتح شباك الحمام وأصرخ وألم عليك الجيران... 

.. زاد نحيبها واهتزاز جسدها الملتصق بظهره، فأوقف الموتور جانباً.. يهبط من عليه ويقف أمامها.. 

بكل قلق العالم يسألها بعينين صادقتين.. 


- إنتِ كويسة.. بجد! 


تهز رأسها.. ترمقه بعينين دامعتين.. 


- انا.. أنا كنت خايفة أوي.. لو مكنتش جيت كنت هعمل إيه.. 


يغمض عيناه عن تخيل أسوأ الأمور، يقترب منها، فتتشارك الأنفاس وتتعانق النظرات وربما تلك المرة الأولى لهما هكذا.. وتكاد أن تكون الأخيرة أيضاً.. 


-الحمدلله انك كويسة.. ده أهم شئ.. لما نوصل هتطلعي تنامي فوق مع نيرة ف بيتنا.. لو خبطت ع جدك وشاف منظرك كدة دلوقتي ممكن يروح فيها.. وانا هطلع أبات مع أكرم... 


قوست شفتيها تهمس بحزن.. 

-جدي مش هيسامحني.. 

يجيبها مبتسماً برفق... 

-جدي طيب.. اعتذريله وبوسي ايده هيسامحك علطول.. 


..................................... 


.. اليوم التالي صباحًا.. "منزل الجد" 


بعد أن أنهى ورده اليومي، طُرق بابه وظن أنها فاطمة أحضرت فطوره، ولكنّ الطارق كان قاسم تسائل الجد عن سبب مجيئه بالصباح الباكر هكذا.. 

فقصّ عليه قاسم ماحدث بالأمس،وقد استثني تهجم زوج والدتها واكتفى بأن والدتها قامت بطردها بعد مشاحنات بينهما والآن هي بالجوار بشقتهم، بعد أن باتت ليلتها مع نيرة.. 

وقد شعر الجد بالمزيد وأن قاسم يُخفي عنه شئ جلل ولكنه لم يلح في السؤال.. 

شاكرًا لله أن حفيدته عادت له ولبيتها سالمة.. 


.... . وبعدها بساعات قليلة كانت حنين تجلس بجانبه على الاريكة.. تميل برأسها على كتفه، تمسك بكفه المجعدة تقبلها من حين لآخر.. 

وقاسم يجلس بالمقابل على ذراع الاريكة يشاهد بصمت، هيئته كانت حيوية بقميصه الرمادي الذي شمر كميه لأول مرفقيه.. 

.. يشاكسها الجد بعد عتاب.. 

-عارفة لو مشيتي تاني من هنا هكسر رجلك.. 

تزيد من احتضان كفه بين راحتها.. 

-آخر مرة والله ياجدو.. 

.. وكانت صادقة للحد الذي لا حد له.. تختلس النظر لقاسم الصامت بغموض.. تتمنى أن يتحدث أو يعاتب كجدها.. ولكنه اكتفي بجلسته الصامته ونظراته المبهمة، 

حتى أنه صباحًا وقت أن استدعاها لجدها لم يحدثها بل طلب من أمه أن أخبرها بأن تلحق به لشقة جدها .. 


-روحي إنتِ ياحنين لنيرة.. لأني عايز قاسم في كلمتين.. 

ابتسم قاسم.. إن كان التواء ثغره هكذا يسمى ابتسامة من الأساس ، ولكنه يعلم فيما سيحدثه الجد.. 

عقدت حنين حاجبيها تستفهم ولكنه أشار لها بالصعود، فنهضت من جواره على مضض..تتهادى بخطواتها كي تعرف ماذا يريد منه! 

ووقت أن سمع صوت غلق الباب ورائها لم يمهل حاله لحظة يقول لقاسم بنبرة محذرة.. 

- من هنا ورايح ملكش دعوة بحنين ياقاسم.. 

وكأن هدوء الكوكب تجمع بنبرة قاسم، جلسته مسترخية وملامحه جامدة عدا عن ابتسامة تشق ثغره بغرابة شديدة.. لم يُبدي استغرابه حتى .. 

- متخافش ياجدي.. حنين بالنسبالي بنت عمي وبس.. وحط تحت بنت عمي دي ١٠٠ خط.. 

ثم استقام بوقفته يرمق جده بجمود وملامح نُحتت من رُخام .. 

- حمدالله ع سلامة حفيدتك.. 


................


نظر إلى ساعة معصمه وهو يستند بتعب على حافة الباب، زفر بضيق وهو يمد يده إلى جرس الباب يضغط عليه، اليوم كان مضغوط بالعمل وبالأمس لم يغفو سوى ساعة تقريبًا، لذا استئذن اليوم قبل موعد خروجه بساعة لأنه لا يستطيع التركيز أكثر من ذلك... 

بتلك الفترة هو مقصر بحق نفسه وجسده وصغيرته أيضًا.. 

لحظات قصيرة وفتح الباب تستقبله نيرة ببطنها المنتفخة ومنامتها القطنية، تبتسم بوجهه بتردد،ولم يلحظ ف اكتفى بايماءة من رأسه.. 

تحرك للداخل يتخطاها متنهدًا بارهاق.. يرخي ربطة عنقه قليلا ويفتح أول زرين من قميصه الأزرق، 

خطوات وكان بصالة منزل والدته، يرفع حاجبيه باستغراب سرعان ماتحول لتجهم وهو يرى نورهان أمامه.. تجلس على الأريكة المقابلة لنظراته برتابة، ملابسها منظمة وقد تركت العباءة السوداء الواسعة للحارة هناك، 

كتم زفرة غاضبة وعيناه تحوم عليها، فستان أسود ضيق من الأعلى يتوسطه حزام عريض بنفس اللون، وحجاب رمادي رقيق يحدد وجهها بدقة ويعكس نقاء بشرتها.. 

-السلام عليكم.. 

قالها بخشونة نبرته.. فأجابت أمه السلام وهي معها بخفوت، 

تحني رأسها لأسفل وابتسامة خفيفة متوترة ترتسم على ثغرها، تحتضن ملك الصغيرة وتتلاعب بخصلاتها، 

ملامحه صارت أكثر تجهمًا وصلابة وهو يجلس بالاريكة المجاورة لها، يتذكر آخر لقاء بينهما وقت أن وعدها بأنها ستكون الخاسرة وليس هو.. 

والآن لايوجد خاسر سواه... يشعر بأن كلمة خسارة تزين جبهته بالخط العريض.. 

جلست نيرة بجواره تسأله.. 

-جيت بدري ليه.! 


يبدو أن وجوده غير مرغوب، ولولا أنه أتى قبل ميعاده لم يكن ليراها.. 

تجاهل توتر جلستهم، وأجاب بارهاق بادي على قسماته.. 

-تعبان.. 


رفعت نورهان رأسها بغتة تراه أمامها تتأكد من صدق نبرته فقابلها هو بنظرة مغلقة وحاجب مرفوع ولازال على تجهمه.. فطأطأت رأسها ثانيةً وعادت لابتسامتها البسيطة، تزدرد ريقها ببطء بالتأكيد لن تطيل النظر لوجههه، وخاصةً عيناه.. 

بداخلها شيء يهمس لها بتحذير.. 

  "لاتنظري لعينيه... ستغرقين أكثر" 

.. وأصبحت الجلسة متوترة بوجوده.. فأردفت نيرة تقطع التوتر بينهما.. 


- ده نور كانت في مشوارقريب من هناا.. وعدت تشوف ملك.. 

عقد حاجبيه متسائلاً، يوجه نظراته لنورهان.. 

-كنتِ فين..؟ 

رفعت رأسها متعجبة فردت نيرة ترفع عن نورهان الحرج.. 

- مشوار قريب.. 

فيعيد السؤال على نورهان.. 

-مشوار إيه؟! 

فأردفت نيرة من بين أسنانها بغيظ.. 

-ركز معايا هنا أنا اللي بكلمك... 

فالتفت لها برأسه.. تبعث له نظرة ذات مغزى فهمها وصمت.. 

نهضت نورهان باستحياء، والصغيرة معها ترفع يدها تلامس حجابها بتوتر.. 

-طب أنا همشي عشان متأخرش.. 

ثم وجهت باقي كلماتها لأكرم تستأذنه.. 

- ممكن اخد ملك معايا انهارده.. واجيبها بكرة.. 


.. كانت نبرتها وهي تحدثه منخفضة ناعمة، تنظر له بزيغ وكأنها متأكدة من رفضه.. أطال النظر بعينيها.. وقد زاد الوهج العسلي بزيتونتيهما، فارتبك وضاقت أنفاسه، وكأنه يأبى أن تكون رائعة هكذا ببعدها عنه.. 


-ماشي.. 

فاجأها بموافقته. وزادت لمعة عيناها فزم شفتيه محبطًا.. 

أومأت برأسها تشكره بإبتسامة صافية حلوة كحلاوتها اليوم... 

ينظر لها وبالأخص لعينيها بثبات يبعث القشعريرة والتوتر لجسدها.. فتشد من حجابها تُخفي به خجلها واحمرار وجنتيها.. 

تجاوزته والصغيرة معها وحقيبة صغيرة على كتفها.. فسار ورائها.. 

- هوصلك.. 

لحقت به أمه.. 

- لأ هي هتاخد تاكسي.. خليك انت أنا عيزاك... 

رمق والدته بتعجب وأردف.. 

- هوصلها واجيلك.. 

إلا أنها تمسكت بكلامها تجذبه بنظرة أمومية محذرة.. 

- قولتلك عيزاك... 


.. وبالاساس هي لم تنتظر كانت عند الباب تتحدث مع نيرة بحديث لم يسمعه.. لتهرب عيناها له دون إرادة منها، تنظر بعمق عينيه ثم تعاود النظر لنيرة، أقل من دقيقة وكانت تودعها مغادرة ومعها ملك.. 


....... بعد أن غادرت نورهان ذهب للشرفة مسرعاً، يستند بساعديه على حافة السور، ينتظر خروجها من البوابة.. 

وحين خرجت اعتدل بوقفته يراقبها بنظراته دون رقيب.. تتهادي بحذاء صيفي ذو كعبٍ عالٍ.. ابتسم بداخله، فهي بدونه بالكاد تصل لصدره، يذكر أنها كانت ترتدي الكعب خصيصًا كي تطال ذقنه... 

يراها تسير أمامه بالشارع الخاص ببيتهم قبل أن تصل للشارع الرئيسي.. 

توليه ظهرها.. تكمل طريقها بثبات.. وقبل أن تختفي عن عينيه.. 

طرق بكفيه على السور يهمس بصوت ضعيف... 

"لفي.. لفي.... لفي..." 

.. يطلب استدارتها بلهفة.. ان استدارت سـ.... 

ولم يكمل أفكاره.. فلبّت ندائه واستدارت، كانت لفتة سريعة منها قبل أن تختفي عن ناظريه.. فمال فمه بإبتسامة منتصرة أطفأتها والدته وهي تقف خلف ظهره.. تحدثه بحدة.. 


- هتفضل معلق بنت الناس معاك لحد أمته..! 


واستغرب من هجوم والدته الحنون عليه.. سألها مباشرة.. 


-هي اشتكتلك..! 


-أيوة اشتكتلي.. وعايزة تنفصل بهدوء ومن غير مشاكل... 


زفرة قوية كتمها بداخلها قبل أن يسأل بضيق .. 

- ممممـ وإنتِ رأيك إيه!! 


ردت عليه بغضب خافت.. 

- حقها... ولا احنا مش هنراضاها على نيرة.. وع البنت الغلبان دي تيجي عليها. 


استنكر واكفهرت ملامحه.. 

- إنتِ بتقولي إيه ياماما.. ايه اللي جاب نيرة لنورهان.... وايه اللي جابني لزياد...!! 


قالت أمه بلامبالاة توبخه.. 

-والله انتو الاتنين نفس العجينة.. 


زاد استنكاره أضعافًا

-ماما إنتِ هتساوي الحرام بشرع ربنا.. 


لوت فاطمة شفتيها بحنق تشيح بيدها.. 

- شرع إيه.. اتلهي ع خيبتك.. ده الست عندها جوزها يخونها مع ١٠٠ ولا أنه يتجوز عليها.. 


عقدة حاجبيه فُرجت وتبسم بتعجب وهي يستمع لمبدأ والدته الغريب.. ولاها ظهره واستند على السور ثانية يتنهد بـ هم.. 


-عموماً أنا خلاص... سيبت جيلان.. 


تتراقص نبرتها بسعادة.. وهي تسأله أن يعيد ماقاله غير مصدقة .. 


-انت بتهزر.. ده انهاردة يوم عيد.... طب ورحمة الغالي لاعمل رز بلبن واوزعه على الجيران... 


اندهش من فرحتها، ولكنه قال متذمرا.. 


- ماما بلاش الحركات البيئة دي.. انك توزعي ع الجيران والجيران تبعتلك.. 


جزت فاطمة على أسنانها وقالت متغاضية عن تكبره.. 

- لأ مش هسيبك تعكنن عليا دلوقتي.. والنبي لاعمل وتوزع عندًا فيك... 


وتركته وقد تبدل مزاجها بلحظة.. تُطلق زغرودة عالية وقت دلوف قاسم للشرفة.. 

يسأل أكرم بمرح.. 


-أمك بتزغرط ليه.. جالها عريس..! 


لم يستطع أكرم أن يمسك حاله من الضحك.. مال بوجهه يقهقه عالياً.. 

ثم هدأ بعد مدة.. يجيبه ببساطة 


-بتزغرط عشان قولتلها إني سيبت جيلان... 


تفاجأ الآخر.. ربت على كتف أكرم يهنأه.. 

- لا يا أخي.. ألف بركة والله... 


رمقه أكرم بحاجب مرفوع، وفرحته هو الآخر بعد أمه أثارت غيظه.. 

- ف إيه ياجماعة.. انتو مش ملاحظين زعلي.. 


شاكسه قاسم على غير العاده.. 

- زعلك ايه بس. دانتا وشك نوّر.. 


بادله المشاكسة غامزًا.. 

-بجد 


أكد بتشديد.. 

-جد الجد كمان.. 

وانطلقت ضحكاتهما العابثة.. كلاً منهما ينظر للشارع أمامه.. 

إلا أن قاسم التفت برأسه للشرفة المجاورة.. ثم أطلق تنهيدة طويلة.. وعاد بنظره لأكرم يقول مغيرًا للحديث 

-إنت مش ملاحظ إننا كلنا قاعدين بخيبتنا جمب أمك ماعدا كمال المحظوظ.. 


ضيق أكرم عيناه يفكر.. سرعان ماهتف بتأكيد 

-أيوة هو الوحيد اللي فلح فينا.. ابن المحظوظة.. 


.. استدارا على صوت رنين جرس الباب المرتفع فخرجا من الشرفة متتابعان، ليروا من أتى.. 

كان كمال هو الطارق.. يقف على مدخل الباب ومعه أبناؤه الثلاث.. 

مراد وحاتم أمامه وزين يحمله بذراعيه.. 

يوجه حديثه لأمه دونهما... 


-خلي الولاد عندك ياأمي.. 


ثم أخفض نبرته وقد كساها حزن غريب وتوتر.. 

-ريم هترجع بيت أهلها.. 


.. نظر أكرم لقاسم بذهول بادله الآخر بنفس ذات النظرة.. ايميل قاسم على إذن أكرم هامساً.. 

-منور

هز أكرم رأسه ينفي عنه التهمة.. 

-ده نورك إنت والله...! 

. انتهى الفصل.. ❤️

يتبع

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close