![]() |
رواية عزلاء أمام سطوة ماله
من البارت التاسع عشر حتي البارت الثاني والعشرين
بقلم مريم غريب
( 19 )
_ تسوية ! _
صامتة ، شاردة ، شاحبة ، مكتئبة ... هكذا أصبحت "صفية" منذ واقعة إنفصالها عن "صالح"
فقدت شهيتها تدريجيا و جهلت بعد ذلك معني الحياة ..
إذ إكتشفت أنه كان يمثل لها هذا المعني بالضبط ، هو وحده لا أحد غيره ، و لكنها هي من تغافلت عن تلك الحقيقة و لطالما عاملته ببرود
لم تكن تدر أن حالتها ستسوء بهذا الشكل إذا تفارقا ذات يوم ، بل لم تكن تدر أنها تحمل له كل هذا الحب بداخلها .. لم يخطر ببالها أبدا !!
-يا تري ممكن أدخل ! .. قالها "يحيى" و هو يقف علي عتبة باب غرفتها من الخارج ، بينما عادت "صفية" إلي أرض الواقع و إنتبهت لوالدها
-بابي ! .. تمتمت بشئ من التوتر ، ثم قالت بإبتسامة :
-أه طبعا إتفضل . إدخل يا بابي من فضلك.
إبتسم "يحيى" هو يلج بخطواته الوقورة المتزنة ، ثم قال و هو يجلس علي طرف الفراش بجانبها :
-أنا هسافر إنهاردة . طيارتي بعد 3 ساعات . قلت أجي أشوفك و أطمن عليكي قبل ما أمشي.
-حبيبي ربنا يخليك ليا و ترجعلنا بالسلامة يا رب.
إستشف "يحيى" الكآبة في نبرة صوتها رغم محاولاتها لإخفاء ذلك .. ضيق عينيه و هو ينظر لها بتركيز ، ثم قال بهدوء :
-صافي .. مالك يا حبيبتي ؟ إيه إللي مضايقك ؟!
صفية بإبتسامة مرتبكة :
-مافيش حاجة يا بابي . مافيش حاجة مضايقاني . مش عارفة ليه كلكوا فاكرين إني مضايقة اليومين دول . أنا كويسة و الله !
-شكلك مش بيقول كده يا حبيبتي . قوليلي لو في حاجة . أنا أبوكي و أكتر واحد في الدنيا يهمه أمرك . أصلا ماعنديش في الدنيا أغلي منك.
صفية و هي تميل برأسها علي صدره و تلف ذراعيها حول وسطه :
-يا حبيبي يا بابي .. أنا عارفة ده طبعا . و صدقني مافيش حاجة . لو كان فيه أنا ليا مين غيرك يعني ألجأ له ؟
يحيى بحيرة :
-أومال مالك بس ؟ أحوالك مش عجباني . و أمك شكلها عارفة حاجة و مش عايزة تقولي !
-يا بابي صدقني مافيش حاجة .. إطمن.
يحيى بإلحاح :
-أنا مش عايز أسافر و أنا حاسس إن في مشاكل بتحصل من ورا ضهري . ماينفعش تخبوا عني يا صافي.
-يا حبيبي محدش يقدر يعمل حاجة من ورا ضهرك و إحنا مانقدرش نخبي عنك أي حاجة.
تنهد "يحيى" مستسلما ، لكنه ألقي بأخر كارت كمحاولة يائسة لإستمالتها :
-طيب . مافيش مشكلة بينك و بين صالح مثلا ؟!
صفية و قد فشلت في إجلاء الحزن عن صوتها :
-ليه بتقول كده ؟
هز "يحيى" كتفيه و قال :
-يعني . مجرد تخمين .. و بعدين إنتي بقالك فترة مش بتروحيله المستشفي ! حصل حاجة بينكوا ؟
صفية بشئ من التردد :
-في مشكلة صغيرة . بس حضرتك عارف إحنا مش بنقدر نبعد عن بعض كتير .. و دايما هو إللي بيبدأ و بيصالحني.
-عملك إيه طيب ؟؟؟ .. تساءل "يحيى" بحدة ، لتجيبه "صفية" بسرعة و لطف :
-لأ يا بابي صالح ماعملش حاجة خالص .. هو بس مضايق من إللي حصله . حالته النفسية مدمرة و أنا مقدرة وضعه و زعلانة عشانه أووي . يمكن هو ده إللي مضايقني بالشكل ده.
تنفس "يحيى" بعمق ، ثم قال بصلابة :
-عموما أنا عايزك تعرفي إنك إنتي بس إلي تهميني وسط كل إللي بيحصل ده . و أنا مش عايزك تيجي علي نفسك و يبقي حالك كده . نفسيته مدمرة علي عينا و راسنا بس مايسوقش فيها و يحسسنا إن إحنا إللي وزينا عليه و فرحانين بإللي حصله .. ثم أكمل بتحذير :
-إسمعي يا صفية . إنتي مش مضطرة خالص تستحملي من صالح إللي بستحمله أنا و أخوكي من عمك . و إذا كان إللي إنتي فيه ده بسببه يبقي نفضها سيرة من دلوقتي أحسن و كل واحد يروح لحاله.
-لأ .. صاحت "صفية" بهلع ، ثم إبتعدت عنه و أردفت :
-أنا ماشتكتش و مش عايزة و لا بفكر أسيب صالح يا بابي . أنا بحبه و بعدين لازم إستحمله . هو بيمر بأزمه مش سهلة.
يحيى بضيق :
-أنا مستحمل من يوم الحادثة عشانك . عشان أحافظ علي علاقتكوا . بس لو هو مش هامه حاجة زي دي يبقي مايستهلش تسألي فيه أصلا .. فوقي يا بنتي . ده إنتي بنت يحيى البحيري . يعني كل رجالة البلد و أنضفهم يتمنوا التراب إللي بتمشي عليه.
صفية بإصرار غاضب :
-بس أنا بحب صالح . و مش عايزة غيره.
يحيى بسأم :
-براحتك . بس يكون في علمك لو رجعت و لاقيتك لسا في الحالة دي أنا بنفسي إللي هفسخ خطوبتكوا و لو إنطبقت السما عالأرض مش هوافق ترجعوا أبدا .. ثم رسم إبتسامة بسيطة علي ثغره و قد تخلص من مزاجه السيئ بمهارة ورثها عنه إبنه
ربت علي وجنتها بخفة ، ثم قال بهدوء :
-يلا يا حبيبتي . أشوف وشك بخير .. مش عايزة حاجة أجبهالك معايا و أنا جاي ؟
صفية و تبادله نفس الإبتسامة :
-عايزاك ترجعلنا بالسلامة يا بابي .. و عانقته بقوة متمتمة :
-هتوحشني أوووي .. بليز ماتتأخرش !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
-سمر ! .. هكذا صاحت السكرتيرة متفاجئة ، ثم قامت و مشت ناحية "سمر" مكملة :
-إيه يا بنتي المفاجأة الحلوة دي ؟ حمدلله علي السلامة.
سمر بإبتسامة خالية من الروح :
-الله يسلمك يا نجلاء . إنتي عاملة إيه ؟
-سيبك مني أنا . إنتي صحتك بقت كويسة و لا لأ ؟؟؟
سمر بمرارة خفية :
-لو ماكنتش كويسة ماكنتش جيت.
نجلاء بإبتسامة :
-طيب الحمدلله . و كويس يا أختي إنك جيتي ربنا عالم بيا أنا و عثمان بيه مش متفاهمين خآااالص.
سمر بضحكة متكلفة :
-ليه كده بس ؟
نجلاء بطيش و هي تلوح بيدها في الهواء :
-يا شيخة ده بني آدم مجنون مختل عقليا أقسم بالله.
-يخرب عقلك وطي صوتك أحسن يسمعك.
-هو في إيه و لا في إيه يا حبيبتي . عنده ناس جوا مشغول.
عبست "سمر" متسائلة :
-هيطول ؟
-مش عارفة بصراحة بس هما بقالهم كتير معاه جوا . إنتي عايزة تدخليله و لا إيه ؟
سمر بوجوم :
-أيوه.
نجلاء و هي تجذبها من ذراعها :
-طيب يا حبيبتي تعالي ده مكتبك أصلا . تعالي كلميه و لو في حاجة مهمة يعني قوليله لو سمحت يافندم عايزاك دقيقتين.
-لـل لأ .. تمتمت "سمر" بإباء ، ثم قالت :
-كلميه إنتي من فضلك يا نجلاء . قوليله إني عايزة أقابله !
نجلاء بدهشة :
-الله ! طيب ما تكلميه إنتي يابنتي . إنتي ناسيه إنك سكيرتيرته أصلا ؟!
سمر بضيق :
-معلش يا نجلاء . إسمعي كلامي من فضلك !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في المكتب عند "عثمان" ... أخيرا ينهي نقاشه مع "هالة" الذي إستغرق وقتا طويلا
عثمان بصرامة ممزوجة باللطف :
-خلاص يا هالة . أنا هاروحله إن شاء الله و هتكلم معاه.
هالة برجاء :
-بليز يا عثمان إبقي إستحمله لو قال كلمة كده و لا كده . إنت عارف هو مش هيكون قاصد أي حاجة.
عثمان بثقة :
-ماتقلقيش . ده صالح يعني . أنا هعرف أتصرف معاه .. ثم نظر نحو "مراد" و قال :
-مراد لو سمحت وصل هالة للبيت دلوقتي و بعدين إرجعلي عشان نروح المستشفي سوا.
مراد برحابة شديدة :
-حاضر . و أساسا منغير ما تقول أنا إللي جيبتها لهنا و إللي هاوصلها للبيت.
-ماشي ياخويا !
و هنا دق هاتف المكتب ، ليقوم "عثمان" و يرد بفتوره المعتاد :
-في إيه يا نجلاء ؟ .. مــــــــــــــــين ؟ .. صاح بدهشة حقيقية ... ثم أردف بجدية :
-طيب . طيب الضيوف إللي عندي خارجين دلوقتي . دخليها بعدهم علطول .. و أقفل الخط و هو يبتسم بشدة و يتمتم لنفسه :
-ماتأخرتيش يا سمر . أخيرا جيتيلي برجليكي ! .. ثم إلتفت إلي صديقه و إبنة عمه قائلا :
-طيب يلا بقي عشان تلحق توصلها يا مراد و ترجعلي زي ما قولتلك !
مراد و هو يقوم من مكانه :
-تمام . يلا يا هالة ؟!
-أوك .. قالت "هالة" و هي تأخذ حقيبتها و تنهض
مشت صوب "عثمان" ... إقتربت منه و قبلته من وجنتيه و هي تقول بهيام شديد :
-باي يا عثمان . أبقي أشوفك في البيت بقي.
تظاهر "عثمان" بعدم فهم إسلوبها ، و تعامل معها بأخوية ..
حيث طبع قبلة سطحية علي جبهتها ، ثم قال بإبتسامة :
-مع السلامة يا حبيبتي . نورتيني إنهاردة و الله !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الخارج ... أخذت "سمر" تستعد للمواجهة
شحنت نفسها بالجرآة و القوة ..
لا تريد أن تــُذل أمامه أبدا .. كي تكون النتائج في صالحها ، ليس هو وحده من يملك عقل مدبر ، ستراوغه هي أيضا ..
-إيه ده مش ممكن ! .. سمر ؟!! .. قالها "مراد" بصياح ذاهل ، لتنتبه إليه "سمر" و تقطب بإستغراب .. فهي لا تتذكره
توجه "مراد" إليها و هو يقول مبتسما :
-حمدلله علي سلامتك . و ألف سلامة عليكي . أنا لسا عارف إنهارده و الله أول ما جيت و ماشوفتكيش سألت عليكي علطول.
سمر و تطرف بتوتر :
-شـ شكرا !
-إيه يا سمر إنتي مش فاكراني و لا إيه ؟؟
سمر و هي تهز كتفاها ببطء :
-بصراحة لأ !
مراد بإبتسامة :
-ليكي حق تنسيني إنتي ماشوفتنيش غير مرة واحدة بس .. ثم قال و هو يلتفت نحو "هالة" :
-عموما هاشوفك . أنا باجي هنا كتير .. يلا سلام مؤقت.
و ذهب برفقة "هالة" ... لتعبس "سمر" بغرابة ممزوجة بالمقت ، لكنها تخطت الأمر و وجهت ناظريها نحو باب المكتب المفتوح هناك ..
أخذت نفسا عميق و حبسته قليلا برئتيها
ثم أطلقته علي زفرات متتالية و سارت بخطي ثابتة إلي .. إلي المجهول ... الذي سيحدد مصيرها و مصير أختها المسكينة !!!
يتـــبع ...
------------------------------------
آسفة علي البارت الصغير ده ، بس و الله كنت بمتحن إنهاردة في مادة صعبة شوية و بقالي يومين معتكفة علي المذاكرة و يدوب لحقت أكتب البارت لحد كده 💔
أهو #البارت الصغنن إللي وعدتكوا بيه 😇
Enjoy ❤
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
( 20 )
_ عقد زواج ! _
تدخل "سمر" إلي غرفة مكتبه بوجه صارم متصلب ... صحيح أنها شكلت لنفسها درع حماية من الخارج ، لكنها كانت تعلم جيدا أنها أضعف المخلوقات من الداخل
جدار الثقة الذي شيدته واهيا ، بإمكانه أن ينهار بأي لحظة ، بينما هو القوي الذي يملك كل شيء ، و لا يتأثر بأي شيء
كان واقفا في إستقبالها و قد بدا مسترخيا إلي أبعد حد ، علي عكسها تماما ..
-أهلا أهلا . أهلا بيكي يا سمر ! .. هتف "عثمان" مرحبا ، ثم قال و هو يبتسم بشدة :
-تعالي . تعالي أقعدي معايا هنا.
و أشار إلي مقعد شاغر في الصالون الأنيق
لتمشي "سمر" ناحيته محاولة السير علي نهج إسلوبه البارد ..
مد لها يده بالمصافحة فرفضتها ، ليهز رأسه قائلا ببساطة :
-ماشي .. إتفضلي أقعدي طيب.
جلست "سمر" دون أن تنطق بحرف ، ليجلس "عثمان" هو الأخر قبالتها واضعا ساقا فوق ساق كعادته ..
إنتظر حتي تبدأ هي الحديث ، يريد أن يستمتع بإنتصاره كاملا عندما تتكلم هي أولا و تطلب منه بنفسها ما سبق و عرضه عليها !
و لكن ظل الصمت مخيم لأكثر من خمس دقائق ... و قد بدأ "عثمان" يشعر بالضجر من صمتها و يتآفف بضيق ظاهر ، بينما لم تستعجل نفسها إطلاقا و هي ترفع وجهها إليه .. ثم تقول أخيرا :
-ماكنتش فاكرة إنك شيطان للدرجة دي !
نطقت بغل ممزوج بالندم ، غل لشدة حقدها عليه ... و ندم لأنها تحامقت و صدقت طيبته الزائفة ..
-نعم ! قصدك إيه ؟ قالها "عثمان" بتساؤل رافعا حاجبيه .. ثم أكمل بحدة :
-إنتي جاية تهزأيني يا سمر ؟!
سمر بإبتسامة مريرة :
-العفو يا عثمان بيه . هو أنا أقدر ؟ ده حضرتك خيرك عليا أنا و أخواتي !
رمقها "عثمان" بنظرات مستغربة ، فتابعت "سمر" متجاهلة تعابير الإستفهام علي وجهه :
-مقدرش أزعلك . مقدرش أبدا .. أحسن تغضب عليا و تمنع العلاج عن أختي . دي حياتها في إيدك يبقي أزعلك إزاي بس ؟!
و هنا فهم "عثمان" ما ترمي إليه ..
فتنفس بعمق و هو يشيح بوجهه عنها ، ثم قال ببرود :
-إنتي إللي إضطريني أعمل كده.
سمر بغضب ممزوج بالإنفعال :
-إنت إللي مش بني آدم . إنت .. ماعندكش قلب ماعندكش رحـــــــــــمة . دي طفلة . مجرد طفلة مسكينة صغيرة لا حول ليها و لا قوة . ذنبها إيه ؟ عملتلك إيه عشان تمنع عنها العلاج ؟ عملتلك إيــــــــه ؟؟؟
نظر لها عثمان و قال بنفس البرود :
-بإيدك كل حاجة يا سمر . بإيدك تنقذي نفسك و تنقذي أختك و تضمنلها حياتها الجاية كمان . لو قبلتي عرضي هتكسبي مش هتخسري أبدا .. إنتي بس إللي مغمية عينك و مش عايزة تشوفي مصلحتك فين.
سمر بسخرية :
-و مصلحتي بقي معاك إنت ؟!
عثمان بثقة :
-طبعا . عندك شك في كده و لا إيه ؟ و لا مش مقدرة إمكانياتي كويس ؟
سمر بإبتسامة تهكمية :
-لأ طبعا إزاي .. ده كل الناس عارفين إمكانيات حضرتك كويس أوي . مافيش حاجة ممكن تقف قصادك . ده إنت عثمان بيه البحيري !
إشتدت عضلات فكيه و هو يداري ملامحه الغاضبة قبل أن تظهر علي وجهه ..
-يا ريت تبطلي الإسلوب ده في كلامك معايا .. قالها محذرا ، ثم أردف بإقتضاب و هو يشيح بوجهه ثانيةً :
-و دلوقتي أنا عايز أعرف قرارك النهائي . إتكلمي بسرعة من فضلك عشان أنا مش فاضيلك لسا ورايا حاجات أهم.
نظرت له بغضب و قد أحست بالإهانة ، فقامت فجأة دون أن تفه بكلمة و إستدارت لتغادر
لكنها وجدته يعترض طريقها فجأه ..
عثمان بحدة :
-إنتي رايحة فين ؟
سمر بغضب :
-إوعي من قدامي لو سمحت.
قبض "عثمان" علي رسغها بقوة و قال :
-طيب تعالي . تعالي أقعدي و هنتكلم بهدوء.
سمر و هي تحاول سحب يدها من قبضته الفولاذية :
-مافيش كلام بيني و بينك . إنت مش مستقوي بفلوسك و بتدوس عليا أنا و أختي إللي ملهاش ذنب في حاجة ؟ أنا ندمانة إني صدقتك . و إبقي عبيطة لو كررتها تاني .. سيبــــــني بــــــقي !
عثمان بصبر :
-طيب معلش . تعالي . تعالي نتفاهم . هنوصل لإتفاق ماتقلقيش .. تعالي بقي و لو ماتفقناش هسيبك تمشي . وعد.
رمقته بعدائية شديدة ، ثم قالت بحدة :
-سيب إيدي.
إمتثل "عثمان" لطلبها و ترك يدها و لكنه بقي متأهبا لأي ردة فعل قد تصدر عنها ..
بينما عادت "سمر" و جلست بمكانها علي مضض و هي تتحاشي النظر إليه
-تمام . ممكن بقي أسمع طلباتك ؟ لو كان ليكي طلبات ! .. قالها "عثمان" و هو يجلس قبالتها مرة أخري
-أنا ماليش طلبات .. ردت "سمر" بإقتضاب ، فإنفعل رغما عنه و قال :
-أومال إنتي جاية ليه ؟؟؟
نظرت له بصدمة ، فزم شفتاه بنفاذ صبر و قال :
-سمر . أنا واضح معاكي . من فضلك خليكي واضحة معايا إنتي كمان.
سمر ... بعد صمت :
-طيب . هكون واضحة .. أنا مش هعمل حاجة في الحرام.
عثمان بحدة :
-و أنا قولتلك أنا مش بتاع جواز . أنا جربت الجواز مرة و مش ناوي أعيد التجربة تاني علي الأقل دلوقتي.
سمر بإصرار :
-و أنا مستحيل أسلمك نفسي منغير جواز . لو هموت أنا و أختي .. مش هغضب ربنا و أخسر نفسي عشانك أو عشان فلوسك.
و كادت تقوم من أمامه مرة أخري ، ليمد يده بسرعة و يمسك بيدها يجمدها بمكانها ..
-أقعدي مكانك ! .. هتف بغضب ، ثم قال علي مضض :
-خلاص ... هتجوزك عرفي.
-إنت بتقول إيـ آاا ..
-هو ده إللي عندي .. قاطعها بحزم ، ثم قال بصرامة :
-إنتي عايزة جواز . تمام . بس هو ده الجواز إللي أنا أعرفه حاليا و مش هتكوني بتعملي حاجة في الحرام كمان . أظن كده أنا قدمت تنازلات جامدة .. الدور عليكي.
ضمت حاجبيها بتفكير ، تشعر بالحيرة ..
هل هذا يسمي زواجا ؟ هل ستكون آثمة إذا قبلت الزواج منه بهذه الطريقة ؟؟؟؟
إذا رفضت ستكون الخسائر جسيمة أيضا ، و أكبر الخسائر "ملك" .. لن تتحمل خسارتها أبدا
ربما تتحمل خسارة نفسها ، و لكن "ملك" ... مستحيل !!!
-ها قولتي إيه ؟؟؟ .. إنتبهت علي صوته ، لتتظر إليه بصمت
تململ "عثمان" بعصبية خفيفة و هو ينتظر ردها ، بينما حدقت فيه بتركيز ... ثم قالت :
-موافقة !
برقت في عيناه نظرة إنتصار خبأها بسرعة و قال برصانة :
-حلو .. كده نبقي متفقين . و أخيرا وصلنا لإتفاق .. ثم أكمل بجدية و هو يخرج هاتفهه من جيبه :
-أنا هكلم المحامي بتاعي دلوقتي عشان يجهزلنا العقد.
سمر و هي تزدرد ريقها بتوتر :
-دلوقتي ؟ قصدك الموضوع هيتم دلوقتي ؟!
-أه طبعا . هنتجوز إنهاردة.
-بسرعة أوي كده ؟ .. تمتمت "سمر" بخفوت ، إلا أنه سمعها و قال و هو يقلب بالهاتف :
-و إيه إللي يخلينا نستنا ؟ طالما إتفقنا و كله تمام . مافيش داعي للتأخير . أنا إستنيت بما فيه الكفاية.
و لم يتسني لها الكلام مجددا ..
إذ وضع الهاتف علي أذنه و إنتظر للحظات ، ثم بدأ بمكالمته ..
إستغرق بضعة دقائق ، تحدث خلالهم برسمية مع المحامي الخاص به
إتفقا علي كل شئ ، و أعطاه "عثمان" ميعادا بعد نصف ساعة ..
أقفل الخط ، ثم نظر إلي "سمر" و قال بحماسة :
-نص ساعة و المحامي هيكون هنا . يعني ممكن نقول كمان ساعة بالظبط و هتبقي مراتي.
إبتسمت "سمر" بسخرية من جملته الأخيرة و أشاحت عنه بوجهها ..
-إيه إنتي مش مبسوطة و لا إيه ؟! ..قالها "عثمان" بتساؤل ، لتقابله "سمر" بالصمت
-عموما سيبيها عليا . أنا هعرف أبسطك كويس أوي .. ثم أكمل بإبتسامة خبيثة :
-هنقضي أول ليلة سوا علي اليخت بتاعي . هلففك إسكندرية كلها إنهاردة.
و هنا نظرت "سمر" إليه و صاحت :
-إنهاردة ؟ لأ . لأ مش هاروح معاك لأي مكان إنهاردة !
عثمان بحدة :
-و ده ليه بقي ؟!
-إنت فاكر إني ممكن أقابلك بسهولة ؟ و أضافت بمقت :
-أنا ليا حدود في كل حاجة بعملها . و كمان عندي بيت و أخ مسؤولة عنه و مسؤول عني.
تنهد "عثمان" ثم قال بفتور :
-خلاص .. يبقي بكره . هستناكي بكره يا سمر !!!
يتبـــــــــــع ....
( 21 )
_ جنون ! _
في السادسة مساءً ... تعود "سمر" إلي بيتها أخيرا
تفتح باب شقتها و تدخل ، لتري "فادي" يجوب الصالة ذهابا و إيابا
بدا أنه كان ينتظرها منذ وقت طويل ، و كعادته كان ثائر و قلق إلي أقصي حد ..
-كنتي فين يا سمر ؟ .. صاح "فادي" بتساؤل حين لمحها و هي تدخل من باب الشقة
بينما أغلقت "سمر" الباب و هي تتحاشي النظر إلي عيناه ، تخشي أن يعرف ما حدث لو طل في وجهها فقط
و لكن لا مفر ، يجب أن تواجهه ..
إستعادت رباطة جأشها و إلتفتت إليه ، ثم أجابت بإبتسامة بسيطة :
-إيه يا حبيبي مالك ؟ عصبي كده ليه بس ؟!
فادي بعصبية ممزوجة بالدهشة :
-بتسأليني عصبي كده ليه ؟ يعني أنا سايبك تعبانة و في السرير أجي ألاقيكي مش موجودة و بتصل بيكي مابترديش . عايزاني أبقي عامل إزاي !!!
سمر بلطف :
-طيب إهدا . ماحصلش حاجة و أنا كويسة قدامك أهو . كل الحكاية بس إني حسيت بخنقة فقلت أنزل إتمشي علي البحر شوية.
فادي بخشونة :
-و ماكنتيش بتردي علي موبايلك ليه ؟ إتصلت بيكي ميت مرة.
سمر ببراءة و هي تخرج هاتفهها من الحقيبة :
-ماسمعتوش و الله ! ما انت عارف الدوشة علي الكورنيش بتبقي عاملة إزاي.
و تظاهرت بتفحص الهاتف ، ثم قالت بأسف :
-آااه صحيح ! ده إنت إتصلت كتير أوي .. معلش يا حبيبي حقك عليا . بعد كده قبل ما أخرج أو أروح في أي حتة هبقي أتصل أقولك علطول.
أشاح "فادي" عنها و نظر في الجهة الأخري معبرا عن ضيقه ..
لتسرع هي و تقوم بالتمويه عن النقاش قائلة :
-بالمناسبة بقي و قبل ما أنسي .. أنا بكره هاروح أبات مع ملك في العيادة.
عاود "فادي" النظر إليها في الحال و قال بخوف :
-ليه ؟ هي مالها ؟ حصلها حاجة ؟؟؟
-لأ يا حبيبي إطمن هي كويسة . بس وحشتني أوي . مش متعودة تبعد عن حضني المدة دي كلها !
إبتسم "فادي" بحنان ، ثم إقترب من أخته و ربت علي كتفها برفق قائلا :
-إن شاء الله هتخف و هترجعلنا . أنا كمان وحشتني أوووي . لولا الإمتحانات بس كان زماني أنا إللي معاها كل يوم و لا كنت سيبتها أبدا.
سمر بإبتسامة حزينة :
-خلاص . هانت فاضل إسبوع . ربنا يعديه علي خير .. ثم قالت بإسلوبها الدبلوماسي :
-خلاص بقي أديك عرفت أهو أنا هبقي فين بكره . و ماتقلقش يا سيدي قبل ما أمشي هكون محضرالك غداك و عشاك و بإذن الله تاني يوم الصبح هتلاقيني رجعت.
فادي بإستغراب :
-طيب و شغلك ؟ هتبطلي تروحي و لا إيه ؟!
-لأ طبعا يا فادي هاروح . أنا كلمت عثمان بيه و إتفقنا هرجع كمان يومين كده.
أومأ "فادي" بتفهم ، ثم قال بإبتسامة :
-ماشي يا سمر . إبقي بوسيلي لوكا جامد بقي و إبقي إتصلي بيا كمان عشان تطمنيني عليكي و عليها.
سمر بإبتسامة مماثلة :
-حاضر يا حبيبي . و إنت كمان إبقي إتصل بيا لو إتزنقت في أي حاجة هنا . لو عوزت تعمل حاجة معينة يعني .. إبقي كلمني.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في سيارة "عثمان" ... يفتتح "مراد" حديثا معه أثناء القيادة
مراد بإبتسامة تهكمية :
-يعني عدوا اليومين بتوع الرهان يا خويا و محدش عارفلك حاجة ! ماقولتليش يعني عملت إيه ؟!
إلتوي ثغر "عثمان" بإبتسامة خبيثة و هو يجيبه و في نفس الوقت يركز علي الطريق أمامه :
-و الله شكلها زي ما قلت يا صاحبي.
مراد و قد تلاشت إبتسامته :
-مش فاهم قصدك إيه ؟ فشلت معاها يعني ؟!
عثمان بغموض :
-يعني .. تقريبا !
-يعني إيه تقريبا ؟ .. تساءل "مراد" بشئ من الإنفعال ، و تابع :
-قولي إيه إللي حصل.
عثمان بفتور :
-ماحصلش حاجة يا مراد . ماوصلناش لحاجة مع بعض لسا.
مراد بفضول :
-يعني كلمتها و لا لأ ؟!
تأفف "عثمان" بضيق و قال :
-يا أخي زهقتني . لو كان حصل حاجة كنت قولتلك إخرس بقي.
تنهد مراد بسرور حقيقي ، ثم قال :
-ماعندكش فكرة أنا فرحان فيك إزاي يا صاحبي . أول مرة تخسر رهان.
تجاهل"عثمان" عبارته تماما و إكتفي فقط برسم إبتسامة شيطانية غير مرئية علي فمه ..
-حقيقي فرحان فيك .. قالها "مراد" بمرح و هو يبتسم بشدة ، ليرد "عثمان" بسخرية :
-إفرح ياخويا .. مرة من نفسك !
و مرت بضعة دقائق أخري ... حتي وصلا إلي المشفي
صعدا سويا إلي جناح "صالح" ليطرق "عثمان" الباب و يلج أولا ..
كانت الممرضة بالداخل تعطي لـ"صالح" جرعة دوائه ، بينما هو يتمنع و يظهر لها إسلوبا عدائيا ، لكنها تعاملت معه بحزم حتي نجحت في مهمتها ..
-بــــــس . شفت حضرتك خلصنا بسرعة إزاي ؟ لازم تتعبني كل مرة و خلاص يعني ؟! .. قالت الممرضة بعتاب ، ليأتي "عثمان" من خلفها و هو يقول :
-إيه يا صلَّوحي ! لازم تتعب الـNurse معاك كل مرة ؟ مايصحش كده يا أخي عيب .. ثم أكمل مخاطبا الفتاة :
-إحنا آسفين أوي يا أنسة . بس هو صالح كده متعود علي الدلع من و هو صغير . إستحمليه معلش و سايسيه بالراحة هتلاقيه بقي علي أد إيدك زي البيبي بالظبط.
كانت لهجته مرحة ساخرة ، فحدجته الممرضة بإبتسامة صفراء قائلة :
-إممم لأ ماتقلقش يافندم . إحنا هنا موجودين عشان ندلع النزلا طبعا مش عشان نعالجهم .. ثم تجهمت فجأة و أردفت بصرامة :
-عن أذنكوا ورايا عيانين.
إشتدت عضلات فك "مراد" و هو يداري إبتسامة و يقاوم ضحكة كبيرة في نفس الوقت ، إلي أن خرجت الفتاة ..
إنفجر ضاحكا و هو يقول :
-يخرب عقلك يا عثمان . سحلت البت بكلمتين . آاااخ وحشتني أيام الشقاوة دي !
ضحك "عثمان" بخفة ، ثم إلتفت إلي "صالح" و قال :
-إيه يابن عمي ! أخبارك إيه ؟؟
-إيه إللي جابك يا عثمان ؟ .. قالها "صالح" بجفاء و هو ينظر أمامه مباشرةً متجنبا النظر نحو ضيفيه
تظاهر " عثمان" بعدم ملاحظة إسلوبه ، و قال بدهشة :
-إيه المقابلة البطالة دي ؟ المستشفي دي بهتت عليك و لا إيه ؟ ده بدل ما تقولي إتفضل ليك وشحة يابن عمي !
صمت "صالح" و لم يرد ..
فسحب "عثمان" كرسي و جلس بجواره ، ثم قال :
-إيه يابني .. مالك ؟
صمت أخر ، ليزفر "عثمان" بضجر قائلا :
-مش عايز تتعالج ليه يا صالح ؟ .. رد عليا ؟ مش عايز تتعالج ليه ؟ إيه إللي إنت عايز تثبته بالظبط ... ثم صرخ فيه :
-رددد عليــــــــــــــا !
-عايزني أقولك إيه ؟ .. صاح "صالح" بعصبية ، و تابع :
-عايزني أقولك إنك إنت السبب في إللي حصلي ؟ عايزني أقولك إني مش هعرف أقف علي رجليا تاني بسببك ؟ عايزني أقولك إن حياتي شبه إنتهت و حياتك إنت مكملة عادي ؟ .. ده إنت يا أخي ما سألتش فيا من يوم دخلت الهبابة دي . حتي زيارتك إللي فاتت . عملتها تقضية واجب و مشيت و من ساعتها ماشوفتكش . كأنك بتقولي إنت مش مهم أنا أهم منك . و صحيح عندك حق . ما حظك إنك إبن يحيى البحيري الوريث الكبير للعيلة و إللي بيتحكم في كل حاجة حتي في أخوه و ولاده . سافر يا رفعت . يسافر رفعت . خد هالة معاك و سيب صالح يا رفعت . ياخد هالة معاه و يسيب صالح . صالح ماينفعش لصفية دول ولاد عم و بس و بعد فيييين و فين يتكرم يحيى باشا و يوافق علي الخطوبة . بس أنا بقي إللي مابقتش عايز . أنا إللي فسخت الخطوبة قبل ما يعملها هو و لما هخرج من هنا مش هستني أبويا يشوف صرفة مع أخوه . أنا إللي هقفلكوا كلكوا . بس مش علي رجلي يابن عمي.
كان "عثمان" يستمع إليه بصدمة كبيرة ... حتي إنتهي ..
هب من مكانه فجأة و هو يقول بصرامة شديدة :
-أنا مقدر الحالة إللي إنت فيها . و رغم إنك زودتها شوية بس هعذرك .. إنت يعتبر مش في وعيك . عشان كده أنا هسيبك دلوقتي . و بعدين هبقي أجي أشوفك .. يكون عقلك إتردلك ساعتها.
ثم إستدار و غادر بخطوات ثابتة دون أن يضيف حرفا أخر
ليتبعه "مراد" الذي صـُدم بدوره من أقوال "صالح" و بدون أن يفه بكلمة هو أيضا ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... يقوم "رفعت" بجولة روتينية مارا بالطوابق و ما بينها
ليري زوجة أخيه تجلس بالشرفة الواسعة فوق الأرجوحة الساكنة ، بدت و كأنها شاردة في صفحة الليل الحالكة المرصعة بالنجوم المتلآلئة ..
إبتسم "رفعت" و مشي ناحيتها بحذر ، ثم جاء من خلفها و بدأ يدفع بالأرجوحة بصورة مفاجئة
شهقت "فريال" بذعر في بادئ الأمر ، لكنها نظرت ورائها و إكتشفت من الفاعل ..
-رفعت ! .. هتفت "فريال" و هي تبتسم برقتها المعهودة ، ليرد الأخير :
-مساء الخير يا فريال.
-مساء النور يا رفعت . إيه إنت خارج و لا إيه ؟!
رفعت و هو يعاين جمالها بإعجاب ظاهر :
-لا أبدا مش خارج . أنا كنت بتمشي في البيت بس . عادي .. ثم سألها :
-يحيى ماكلمكيش ؟
-كلمني من شوية.
-وصل بالسلامة يعني ؟!
-أه الحمدلله . و وصل للأوتيل كمان.
-كويس !
و أخذ يرمقها بنظرات مطولة غامضة ..
توترت "فريال" حين لاحظت هذا ، فقامت و هي تقول بإرتباك :
-طيب آا أنا هـ هطلع علي الأوضة . عن أذنك.
و تعثرت رغما عنها و هي تخطو بمحاذته ..
ليسرع هو و يسندها بذراعيه صائحا :
-حسبي يا فريال.
-آه . أنا آسفة ! .. قالتها "فريال" بحرج شديد و هي تحاول أن تتوازن بلا جدوي
بينما ضحك "رفعت" و قد كان يمسكها بإحكام ..
-طيب إصبري هسندك . إنتي كده إللي بتوقعي نفسك و هتوقعيني معاكي.
فريال بتوتر :
-آسفة يا رفعت.
و بعد لحظة كانت تقف معتدلة تماما ، بينما لا يزال يطوقها "رفعت" بذراعيه و يرفض إطلاق سراحها ..
حاولت "فريال" التصرف بشكل متحضر ، فإبتسمت بتكلف و هي تقول :
-رفعت ! فـ في حاجة ؟ .. يعني لو تمسح تعديني بس .. و لا إيه !!
غامت عيناه من شدة تحديقه فيها بتركيز قوي ، لكنه تكلم أخيرا ..
رفعت و هو يشدد قبضته حولها :
-فريال .. أنا بحبــــــــــــــــــك !
توسعت عيناها و جحظتا من الصدمة ..
لتتصرف بعنف بعد هذا فورا و تدفعه عنها بمنتهي القوة و هي تصيح :
-إنت بتقول إيـــــــه ؟ إنت مجنووووووون !!!
رفعت و هو يرمقها بغضب شديد :
-لأ أنا مش مجنون . أنا أخيرا بقولك الحقيقة . أنا بحبك يا فريال . بحبك و من زمان أوي من قبل ما تقابلي أخويا و تتجوزيه . هو . هو إللي خدك مني زي ما طول عمره بياخد مني كل حاجة . إنتي المفروض تكوني مراتي أنا . إنتي من حقي أنا . أنا يا فريال لازم تعرفي ده كويس.
غطت فمها المفتوح بكفها ، و لم تنتظر لتسمع المزيد ..
ركضت من أمامه فورا و هربت إلي غرفتها
أقفلت الباب بالمفتاح و هي تشعر بقلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من شدة خفقانه ، ثم تداعت فوق أقرب آريكة و هي تلهث بقوة
و كم تمنت لو كان ذلك مجرد حلم .. و لكن لا ، كان حقيقي و كلماته ما زالت تدوي بأذنيها بصخب و إلحاح شديد
بحق الله ، أي شيطان دفعه لقول هذا ؟؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... إستيقظت "سمر" من نوم متقطع مليئ بالكوابيس و الأحلام المزعجة
أولا إنتهت من إعداد طعام اليوم كله لـ"فادي" ثم تناولت هي وجبة خفيفة ، و ليتها أكلت جيدا ..
شهيتها مفقودة تجاه كل شئ ، لا تفكر سوي في موعدها معه بعد قليل
ذهبت "سمر" لتغتسل ، ثم عادت إلي غرفتها و إرتدت ملابسها ..
لم تهتم بإختيار ثوب معين ، و لكنها حرصت ألا يكون مميز أو ملفت
لا تريده أن يغتر بنفسه و يعتقد أنها مسرورة بما حدث البارحة أو بما سيحدث اليوم ، يجب أن يدرك أنها مرغمة علي فعل هذا و أن الخيار لو كان متاحا لها لما رضخت لإرادته أبدا ..
إنتهت "سمر" من تجهيز نفسها ، و أخر شئ
فتحت حقيبتها و تأكدت من وجود ورقة الزواج الخاصة بها و التي مضت عليها بنفسها .. بكامل إرادتها و بدون أي ضغط منه تماما كما قال
إبتسمت بسخرية مريرة و هي تطوي الورقة بكفها ، لكنها عادت و دستها بمكانها مرة أخري
ثم أخذت نفسا عميقا و إستعدت للرحيل !!!!!
يتبــــــع ...
م
الحلقه الثانيه والعشرون
عزلاء أمام سطوه ماله
_ قصر عائم ! _
تحت نهار شتوي ساطع ... تخرج "سمر" من بيتها ، يداهمها خوف غريب من مواجهة الجمهور
تشعر أن كل من سينظر لها و هي تسير سيعرف بالحقيقة .. إلي أين هي ذاهبة ؟ ماذا فعلت ؟ و ماذا ستفعل ؟ .. الجميع سيدري بالجريمة التي إرتكبتها !!!
ضمت ياقتي ردائها الصوفي حول عنقها و هي تشعر بإرتجافة في جسدها بسبب التوتر لا البرد الذي يغلف الأجواء
و بينما هي تمر من أمام محل الجزارة ، سمعته ينادي بإسمها ..
-أنسة سمر !
إلتفتت "سمر" إلي الصوت المألوف ، لتجده "خميس" يبتسم و هو يهرول صوبها بسرعة ..
-إصباح الخير يا أنسة سمر .. قالها "خميس" بنيرة تزخر باللهفة و السرور
لترد "سمر" بصرامة ممزوجة بالجفاء :
-صباح الخير يا خميس . نعم عايز حاجة ؟؟
أجفل "خميس" و هو يجيبها بإرتباك واضح :
-آا لأ مـ مش عايز . أنا بس كنت حابب أتأسف علي إللي حصل بيني و بين الأستاذ فادي . أنا ماكنش قصدي أتعارك معاه و الله بـ آاا ..
-حصل خير يا خميس .. قاطعته "سمر" بجمود ، ثم قالت بإقتضاب :
-أنا لازم أمشي دلوقتي . عن إذنك.
خميس و هو يرمقها بحزن :
-إتفضلي !
مشت من أمامه مسرعة ، بينما وقف بمكانه يتابعها بعيناه في تخاذل حتي توارت تماما ..
-بردو مش هزهق يا سمر .. تمتم "خميس" لنفسه ، و أكمل بإصرار :
-أنا بحبك . طول عمري بحبك و محدش هيقدر ياخدك مني أبدا !
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... يستيقظ "مراد" من نومه و ينزل للأسفل فلا يجد أحد من أهل البيت و مائدة الفطور فارغة بصورة غير إعتيادية
يهز كتفاه بعدم إكتراث ، ثم يتجه إلي غرفة "عثمان" و يدخل دون أذن كعادته
ليجده في غرفة الثياب خاصته يقوم بإعداد حقيبة صغيرة بعد أن إنتهي من إرتداء ملابس عصرية جدا مؤلفة من كـِـنزة صوفية بيضاء ، و سروال من الچينز القاتم ، و حذاء جلدي ذو رقبة أسود اللون من العلامة التجارية Geox ..
أطلق "مراد" صفيرا عاليا و هو يقترب منه و يقول بدعابة :
-إيه الشياكة إللي علي الصبح دي يا جدعان ! أكيد مش ممكن تكون رايح الشركة باللبس الشبابي ده يا چان عصرك . أومال فين البدلة يا عم ؟ و إيه الشنطة دي ؟!
حدجه "عثمان" بنظرة جانبية و هو يقول :
-من الذوق و الأدب إنك تستآذن قبل ما تدخل علي حد أوضته . يا قليل الأدب.
مراد بسخرية :
-يابني أنا الأدب ده معداش من جمبي أصلا ! .. ثم سأله بفضول :
-المهم قولي . رايح فين كده و واخد معاك شنطة هدومك ؟!
عثمان بفتور :
-و إنت مالك يا مراد ؟ إنت مالك أنا رايح فين ! .. ثم أبعده من أمامه بيده و توجه نحو ركن الزينة الخاص به
-لا ياخويا مانا زنان و مش هاسيبك إلا أما تقولي علي فين العزم كده ؟
تآفف "عثمان" بضجر و هو يختار نظارة من مجموعة نظاراته الشمسية الفاخرة ، ثم قال بضيق شديد :
-طيب يا زنان هقولك بس بمزاجي .. هغيب يومين كده و راجع تاني إن شاء الله.
-مسافر يعني ؟!
عثمان و هو ينتقل لقسم العطور الثمينة :
-لأ مش مسافر . و كفاية عليك كده . ماتسألش تاني خلاص.
مراد بشك :
-شكلك رايح تعمل مصيبة ما يعلم بيها إلا ربنا.
ضحك "عثمان" و هو يأخذ من درج العطور قنينة الـJimmy Choo ، ثم قال و هو يرش منها بغزارة :
-بذمتك يا شيخ . ده شكل واحد رايح يعمل مصيبة ؟
-ما هي بتبدأ كده.
-و بعدين !
-و بعدين بضلم بعيد عنك.
إنفجر "عثمان" في الضحك أكثر و قال :
-لأ ماتقلقش ياخويا . مش هضلم . مش هضلم خآاالص .. ثم سأله بجدية :
-صحيح إنت كنت جاي عايز إيه ؟ في حاجة ؟ مش عوايدك تصحي بدري !
مراد بجدية مماثلة :
-أبدا كنت جاي أشوفك عامل إيه ! مانا سايبك إمبارح و إنت في حالة مش حلوة خالص . كلام صالح يضايق أنا عارف . و أنا شخصيا إتفاجئت بيه زيك بالظبط.
تنهد "عثمان" ثم إستدار ليواجهه و هو يقول بعدم إهتمام :
-أنا مش زعلان منه . هو معذور بردو إللي حصله مش قليل . و عموما أنا عارف إنه مايقصدش و هي فترة صعبة عليه و هتمر و في الأخر هيوافق يتعالج.
ثم إتجه نحو حقيبته الصغيرة قبل أن يفتتح "مراد" حديثا أخر و يؤخره عن ميعاده ..
حملها علي كتفه ، ثم قال بإبتسامة مفعمة بالحماسة الملتهبة :
-أوووك يا صاحبي ! بــــــــاي بقي و إلي اللقآااااااء.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المركز الطبي الخاص حيث تتلقي "ملك" العلاج هناك ... تصل "سمر" و تمر علي مكتب الطبيب أولا
-أنا آسفة جدا علي التأخير .. قالتها "سمر" بإعتذار ، ثم سلمته مظروف ضخم و هي تكمل :
-إتفضل حضرتك . ده حساب الأيام إللي فاتت و معاه باقي حساب الأسبوع إللي فاضل.
الطبيب مبتسما بنفاق :
-أنا إللي آسف إذا تعبتك أو أزعجتك يا أنسة سمر . بس أكيد حضرتك عارفة دي حاجة غصب عني . الإمكانيات هنا مكلفة أووي و كل يوم ببعت أطلب من برا معدات جديدة و آدوية كمان.
سمر بإبتسامة مصطنعة :
-و لا يهمك يا دكتور . أنا فاهمة . و في الأخر ده حقك و لازم تاخده .. ثم إنتقلت للحديث عن أختها :
-و ملك عاملة إيه دلوقتي ؟ حالتها إزيها ؟!
-لا حضرتك الحمدلله . حالتها مستقرة أوي لحد دلوقتي و أحرزنا تقدم كبير معاها . بس أكيد علي أخر الإسبوع لما تنتهي جلسات العلاج هتتحسن أكتر و أكتر و يمكن تروح معاكي كمان.
تنهدت "سمر" براحة شديدة و قالت :
-الحمدلله . ربنا يكمل شفاها علي خير .. ثم أردفت بتساؤل :
-طيب أنا ممكن أشوفها ؟
الطبيب برحابة :
-أه طبعا ممكن . إتفضلي معايا .. و واكبها لغرفة الحضــَّانات المليئة بالعديد من الأطفال الذين يعانون مما تعاني منه "ملك"
دخلت "سمر" خلف الطبيب و راحت تبحث عن أختها
وجدتها أخيرا في المنتصف ، كانت راقدة في سريرها الصغير المغطي بغلاف زجاجي شفاف موصل ببعض الأنابيب البلاستيكية ..
-هي نايمة علطول ؟ .. تساءلت "سمر" و الدموع تترقرق بعينيها ، ليجيب الطبيب بنبرته الهادئة :
-لأ طبعا . بتصحي و بتاكل و بتشرب عادي جدا . بس الممرضة لسا مأكلاها و منضفاها عشان كده نامت.
نظرت "سمر" إلي وجه شقيقتها المستدير ، و تأملت بفرحة خديها البارزين المخضبين بالحمرة ..
و كم أرادت أن تحملها في هذه اللحظة و تضمها بقوة إلي صدرها ثم تبكي بعد ذلك ، و لكنها تماسكت و طردت شعور الوهن قبل أن يطغي عليها كليا و يجعلها تنهار
ليأتي صوت الطبيب في اللحظة المناسبة تماما :
-علي فكرة طلعلها سنتين من فوق . تعبتنا أوي الأيام إللي فاتت و ماكنتش بتنيم حد خااالص.
نظرت "سمر" له و هي تقول بإبتسامة حزينة :
-بجد ؟ .. أكيد نفسي أشوفهم . حبيبتي وحشتني أووي !
و هنا دق هاتفهها ..
لتتجهم فجأة و كأنه ناقوس الموت هو الذي يدق معلنا عن حلول موعد إعدامها ، أو بالأحري موعد إعدام براءتها ، شرفها ، مبادئها ، أخلاقها !!!
-ألو ! .. هكذا ردت "سمر" بصلابة شديدة ، ليأتيها صوته الكريه فورا :
-إيه يا بيبي ! فينك ؟ أنا واقف مستنيكي في المكان إللي إتفقنا عليه . إتأخرتي ليه ؟؟؟
سمر بإقتضاب :
-أنا جاية.
الأخير بضيق :
-قدامك أد إيه ؟
-عشر دقايق و هكون عندك.
-أوك . مستنيكي !
أغلقت "سمر" الخط و هي تشعر بالحريق ينشب في كل إنش من جسدها ..
ألقت نظرة أخيرة علي "ملك" و تمتمت بصوت منخفض للغاية لا يسمعه إلا هي :
-أنا بعمل كل ده عشانك . إنتي بالنسبة لي أهم حاجة في الدنيا . و مستعدة أفديكي بروحي يا حبيبتي !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
بعد بضعة دقائق تجاوزت العشرة التي وعدته بهم ... كانت تستقل سيارة آجرة ، سارت بها في شوارع الإسكندرية الحية المضيئة
حتي توقفت عند إحدي الميادين الشهيرة بحسب تعليماتها ..
نظر إليها السائق من خلال المرآة الأمامية و هو يقول بصوته الخشن :
-وصلنا يا آنسة !
زمت "سمر" شفتيها بشئ من العصبية ، ثم فتحت حقيبتها و أخرجت الآجرة و أعطتها له
نزلت من السيارة و هي تتلفت حولها باحثة عنه ..
كانت تريد أن تعثر عليه بسرعة لتقي نفسها من نظرات المارة ، إذ خيل إليها أن الجميع يترصدها جيدا في إنتظار اللحظة الموعودة ليتم ضبطتها و هي ترتكب الجُرم المشهود !!!
و أخيرا لمحته ..
كان يجلس بسيارته المصفوفة علي جانب الطريق ، ما أن تأكد أنها رأته أخذ يلـوَّح لها بيده و هو يبتسم تلك الإبتسامة الشيطانية
مشت ناحيته و هي تقدم ساق و تؤخر الأخري ... جاهدت لتحظي ببعض الثقة ، و لكنها معدومة ..
الثقة معدومة في هذا الموقف الذي وضعت نفسها به ، لا يحق لها التصرف بكبرياء ، لا يحق لها إدعاء العفة أو الشرف ، لا يحق لها التمنع ، حتي لا يحق لها التراجع
لقد سارت بدرب لا عودة منه ..
مسار واحد فقط ، محفوف بالأشواك و الألغام .. إنها الآن تمشي علي الجمر و تدوس في الوحل بنفس الوقت
اليوم ستموت "سمر" البريئة العفيفة ، و ستولد أخري آثمة مهما فعلت ، لن تستطع محو خطاياها ..
-أخيرا وصلتي ! .. قالها "عثمان" عندما إستقلت "سمر" بجانبه في السيارة المكشوفة التي لا تتسع سوي لفردين
-إيه العربية إللي جايبها دي ؟ .. غمغمت "سمر" بحنق شديد و أكملت :
-فين عربيتك ؟ إزاي تيجي بعربية زي دي ؟ إنت متعمد تعمل كده يعني ؟!
عثمان بدهشة :
-إيه إيه إيه ! إهدي شوية . مالك بس ؟ إيه إللي مش عاجبك في العربية ؟؟؟
سمر بغضب :
-مكشوفة حضرتك . مكشوفة . إفرض حد شافني معاك ؟ هقول إيه ساعتها ؟!
إبتسم "عثمان" بخفة ، لتظهر أسنانه البيضاء ، ثم قال بعذوبة :
-سمر يا حبيبتي . Take it easy . ماتخافيش . أولا المكان ده بعيد جدا عن بيتك و عن منطقتك كلها . ثانيا دي مش أول مرة تركبي معايا في عربيتي . و فرضا لو صادف و حد من معارفك شافنا تقدري ساعتها تطلعي مليون حجة مش حكاية هي يعني . و يا ستي لو مضايقك أوي موضوع إنها مكشوفة و لا يهمك . هقفلهالك دلوقتي حاضر.
وضغط علي أحد الآزرار باللوحة المثبتة علي يمين عجلة القيادة ، لينطلق سقف السيارة تدريجيا و يحجب عنهما ضوء النهار ..
رمقته "سمر" ببغض شديد ، ثم أشاحت عنه بسرعة ، بينما إبتسم بإتساع أكبر و هو يشعر بالمرح حيال الوضع برمته
تنهد "عثمان" تنهيدة مطولة ، ثم شغل محرك السيارة و إنطلق عبر الحشود الكثيفة ..
إلي أن بدأ عدد السيارات و الناس يقل ، و بدا أنهما يقتربا من الحافة الغربية للمدينة بإتجاه البحر
أوقف "عثمان" السيارة عند مرسى المراكب و إلتفت إليها قائلا بأمر :
-إنزلي.
إنصاعت له دون أن تفه بحرف ، لينزل هو الأخر و يمشي ناحيتها
قبض علي معصمها برفق ، ثم سار بها علي إمتداد صف طويل من اليخوت البيضاء الراسية في ماء البحر الذي جعله النهار أزرق شفاف كالجواهر المشعشعة ..
توقف "عثمان" عند يخت معين ، بدا أكبر و أكثر جلالا من البقية ..
تركها جانبا و تقدم بضعة خطوات بعيدا عنها
نزع نظارته الشمسية و أخذ ينادي علي سائس اليخت ، ليظهر شاب هزيل في اللحظة التالية ، إبتسم تلقائيا حينما رأي "عثمان" و نزل من اليخت بسرعة و قفز أمامه برشاقة ..
ليصافحه "عثمان" بود قائلا :
-إزيك يا ناجي ؟ أخبارك إيه ؟
ناجي بإبتسامة واسعة :
-تمام يا عثمان باشا . أنا بخير بفضل سيادتك عليا .. ثم قال مفتخرا بنفسه :
-أنا جهزت كل حاجة و عملت كل إللي حضرتك أمرتني بيه إن شاء الله هتتبسط مني.
ربت "عثمان" علي كتفه بلطف و هو يقول :
-متشكر يا ناجي . أنا علطول مبسوط منك .. ثم أخرج بعض النقود من چزدانه و طواهم بيد "ناجي" مكملا :
-خد دول و مع السلامة إنت بقي . لما أرجع هبقي أكلمك تيجي تستلم مني.
إبتسم "ناجي" و هو يضع النقود بجيبه و يقول :
-ماشي يا باشا . أنا تحت أمرك في أي وقت.
و غادر ..
لينظر "عثمان" نحو "سمر" و يشير لها برأسه لتأتي
تقدمت صوبه ، فأمسك بيدها و ساعدها علي صعود درجات اليخت ، ثم ذهب ليحل عقدة الحبل الضخم عن رصيف المرسى و لحق بها بسرعة ..
يتكون اليخت من أربعة طوابق هرمية الشكل ... أول طابق به مصعد للتنقل و ثلاث حجرات للضيوف و حمام و قاعة داخلية تتضمن بنشات و مقاعد طولية مصنوعة من خشب السنديان المصقول
الطابق الثاني به حوض سباحة و صالة رياضية و غرفة بخار و بار كبير مزود بكافة و أفخر أنواع الخمور
و الطابق الثالث به جناح المالك مجهز بالكامل ، و غرفة للجلوس و قاعة خارجية تحتوي علي مشمسة كبيرة و شاشة تلفاز بلازما ، و يتميز هذا الطابق بنظام صوتي بصري يتحكم بالإضاءة و الستائر و المكيفات
أما الطابق الرابع فيتضمن المقصورة و غرف طاقم اليخت ..
صعدا معا إلي الطابق الرابع ، ليتركها "عثمان" و يتجه إلي غرفة التحكم
كانت تراقبه صامته فيما كان يجهز اليخت من أجل الرحيل ، لم تكن تري منه إلا ظهره العريض من خلال الشرفة المفتوحة ..
ليستدير إليها بعد قليل و يقول بإبتسامته الجذابة :
-يلا يا سمر . قاعدة عندك كده ليه ؟ إنزلي الدور إللي تحت ده علطول هتلاقي أوضة و كل إللي إنتي عايزاه . إتصرفي علي راحتك خالص و أنا هظبط شوية حاجات هنا وجايلك.
إبتلعت ريقها بصعوبة ، و غام كل شيء من حولها بسبب عنف صوت نبضات قلبها في أذنيها ، و لكنها و بشئ من الخوف و التردد إستمعت له و هبطت إلي الطابق الثالث ..
لم تكن مأخوذة أو مبهورة بجمال هذا المكان المذهل ، لو لم تكن في وضع كهذا حتما كانت ستسعد برؤية هكذا مناظر ..
و لكن لا .. هي مرتعبة ، فقط مرتعبة ، عقلها لا يعمل
الخوف وحده هو الشئ الوحيد الذي عرفته خلال تلك اللحظات ... و أخيرا وجدت صعوبة في التحرك من مكانها ، فظلت واقفة بلا حراك ، حتي آتي هو ..
-إيه ده إنتي لسا واقفة عندك ؟ .. قالها "عثمان" بدهشة كبيرة و هو يتجه نحوها
بينما ثبتت علي وضعها متحاشية النظر إليه ..
-إيه مالك ؟ .. تساءل بغرابة ، لترد بإرتباك :
-مـ مافيش . بس .. بتفرج علي المكان.
إبتسم عثمان و هو يقول بتفاخر :
-المكان فعلا عظيم . المهم يكون عجبك !
سمر بنفس الإرتباك :
-عجبني.
-ماعندكيش فكرة أنا عرفت أشتري اليخت ده إزاي . كنت في إطاليا السنة إللي فاتت و شفت صورته في كتالوج هناك كان غالي أوي بس عجبني و قررت لازم أشتريه . دفعت كتير جدا عشان أشحنه لحد هنا كمان . بس هو يستاهل بصراحة.
أومأت بشئ من العصبية لتجاري حديثه الكريه مثله تماما ، بينما تنهد و قال و هو يشير بسبابته إلي غرفة النوم :
-أوضة النوم إللي هناك دي يا سمر . إدخلي غيري هدومك إعملي أي حاجة عشان نلحق نتغدا سوا قبل ما الشمس تغيب . لسا في حاجات كتير هنعملها سوا.
عقدت حاجبيها و هي تقول بتوتر :
-هدوم إيه إللي هغيرها ؟ أنا ماجبتش معايا هدوم.
عثمان بضيق شديد :
-إنتي بتقولي إيه بس يا سمر ؟ إزاي ماتجبيش معاكي هدوم ؟ يعني هتفضلي كده طول اليوم ؟ إزااي ؟؟؟!!
-زي الناس ! .. قالتها "سمر" بإستهجان ، ليرفع حاجبه بدهشة
بينما تململت بضيق و هي تحاول أن تصوغ عبارتها الفائتة :
-مش مشكلة . أنا مش هكون مضايقة .. عادي.
صمت قصير .. ثم قال "عثمان" بغموض :
-طيب .. إذا كده بقي أنا إللي هغير هدومي . و خليكي إنتي هنا لحد ما أرجعلك . و لا تحبي تيجي معايا ؟
سمر بنفي قاطع :
-لأ ماحبش . إتفضل إنت . أنا هستناك هنا.
أومأ "عثمان" دون أن يتكلم ، ثم أخذ حقيبته متوجها صوب غرفة النوم ..
لكنه غافلها أثناء مروره البارد بمحاذاتها ، و إستدار فجأة قابضا علي خصرها
و بحركة سريعة من يده الماهرة ، حل عقدة حچابها عن رأسها
ليتحرر شعرها الحريري من عقاله ، و ينسدل كشلال أسود حول وجهها و علي طول ظهرها ..
-واااو ! ده شعرك بجد ؟ .. قالها "عثمان" بإنبهار شديد و هو يعبث بخصلاتها و يشبكهم بين أصابعه
لتصرخ "سمر" بقوة حين شدد قبضته علي شعرها من فرط حماسته ، بينما ضحك بقذارة ، ثم قال :
-أحب أوي العمليات الإستكشافية دي .. يا تري الدور علي إيه بعد كده ؟ هستكشف فيكي إيه تاني الليلة دي يا بيبي !
رمقته بتقزز و في نفس الوقت إنكمشت خائفة من إلتماع البريق الشيطاني بعينيه !!!
للمتابعة اترك تعليق
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇
بداية الروايه من هنا 👇👇👇