أخر الاخبار

منازل القمر الفصل الأول والثاني بقلم بردالمشاعر

 


منازل القمر

الفصل الأول والثاني 

بقلم بردالمشاعر


ارتديت معطفي الشتوي عدلت قميصي وأغلقت زرين من أزرار المعطف


وخرجت من منزلي وأغلقت الباب بهدوء كما تقول العبارة السخيفة القديمة


لا تغلقوا الأبواب بقوة كي لا تؤذوا من دفع ثمنها , خرجت أولى خطواتي


للخارج فلفح وجهي نسيم بارد قوي فلا شيء أبرد من برد صباح الشتاء إلا


ثلاثة أشياء الموت والرسائل الفارغة والحب , عدلت ياقة المعطف ورفعتها


للأعلى مثبتا لها بيدي مغطيا لفكا وجهي وجزءا من خداي وسرت بخطوات


متوسطة السرعة تراقب عيناي الرصيف تحتي كي أتجنب بقع المياه


عند منتصف الشارع كان هناك باب آخر عليا فتحه في هذا الصباح دفعت


الباب الزجاجي بيدي فرنت الأجراس المعلقة به معلنة دخولي وصلت عند


طاولة البائع بخطوات ثابتة فقال مبتسما ما أن رآني


" صباح الخير أراك مبكرا اليوم "


صدق من قال أن أكثر الناس فضولا هم الباعة , سحبت علبة سجائر ووضعت


له النقود على الطاولة في صمت وغادرت فوصلني صوته قائلا


" هذا أكثر من ثمن العلبة "


قلت بهدوء " أترك الباقي للمرة القادمة "


وخرجت من فوري دسست علبة السجائر في جيبي وتابعت طريقي , أمطار الأمس


لا تزال بقع مياهها في الطريق حتى اليوم وثمة أطفال بزي المدرسة يقفزون حولها


كم يذكرني هذا بالطفولة فكم كنا نضيع الوقت قبل وصولنا للمدرسة أنا أحسد


الأطفال على هذه العفوية لو كان أحد الكبار من يفعل هذا الآن لأصبح سخرية


بعد وقت من السير وصلت لمقهى بواجهة من الخشب والزجاج وطاولات في الخارج


مبللة بمياه المطر وأخرى في الداخل وصوت لطرقات خفيفة , عبرت الباب بخطوة


واحدة دخلت وأبعدت يدي عن ياقة معطفي لتبتعد عن وجهي وجلت بنظري حتى وقع


على الجالس في آخر المقهى وحيدا يميزه المعطف الشتوي بالأزرار الذهبية الذي يرتدي


مظهرا طبيعة وضيفته , كان منشغلا بقراءة جريدة في يده ويظهر على ملامحه الضيق


هكذا هوا حيدر إن قرأ خبرا سيئا تعكر مزاجه لباقي النهار توجهت نحوه سحبت الكرسي


وجلست فنظر لي وقال " صباح الخير لقد تأخرت "


قلت بلامبالاة وأنا أخرج علبة السجائر وأضعها على الطاولة


" كل هذا وتأخرت هل كنت تريد إخراجي من صلاة الفجر "


ضحك وهوا يضع الجريدة من يده وقال " لم تغير عاداتك إذا "


سحبت كأس الشاي من أمامه رشفت منه رشفة وقلت ببرود


" ولما أغيرها أنا مرتاح هكذا "


قال بضحكة خفيفة " أنتم الكُتاب غريبو أطوار حقا "


أخرجت سيجارة أمسكتها بشفتاي وقلت وأنا أشعلتها


" هل جئت بي لتحلل شخصيتي "


نظر لعيناي بهدوء وقال


" بل جئت لأراك لما تصنع بنفسك هكذا يا رجل "


نفثت دخان السيجارة من فمي وقلت


" هل ضايقت أحدا لما تشغلون بالكم بي , حقا أنتم غريبين فهل أصبحت


الآن نقطة يجب وضعها فوق أحد الحروف لتفهموا وجودها في الحياة "


هز رأسه بيأس وتنهد وقال


" مريم تسلم عليك وأوصتني أن أقنعك بأن تتحدث معها "


نظرت للطاولة الفارغة خلفه وابتسمت ابتسامة جانبية وقلت ببرود


" أمازالت كما كانت "


سحب كوبه من أمامي وقال بضيق


" إنها شقيقتك يا رجل أحبها ربع ما تحبك واسأل عنها كما تسأل عنك "


قلت بلامبالاة " ستعتاد هذا "


نظر لي ونظري على السيجارة في يدي وقال بحدة


" متى !! إنها سنين لن يموت قلبها مثلك إننا أهلك يا رائد أنا ووالدك وإخوتك "


رفعت نظري إليه وابتسمت بسخرية وقلت


" أتعلم ما أكثر ثلاثة أشياء إن أعطيتها ظهرك فلا تلتفت إليها "


أشاح بنظره عني متضايقا وقال بتذمر


" الحب وما الاثنان الآخران "


ابتسمت وقلت " الماضي والمدينة التي ولدت فيها "


هز رأسه بيأس وقال


" سنين مرت يا أخي آن لك أن تنسى ما حدث وترجع لهم "


ضحكت ضحكة ساخرة وقلت


" وهل تمحوا السنين شيئا إنها كالطابعة كلما كررت تحريكها للأمام ضاعفت


عدد الطبعات فهل نسوا هم ذلك أم لم ينسوا شيئا إلا وجودي في هذه الحياة "


نظر لكاس الشاي أمامه وأدار إصبعه على حوافه في حركة دائرية وقال بهدوء


" وحتى متى ستعيش وحيدا وبعيدا "


قلت بهدوء " المهم أنني مرتاح "


نظر لي مطولا بصمت فقلت " كيف هي مريم وأبنائها "


أشاح بنظره عني وقال ببرود " بخير "


قلت بهدوء " ما هذه الزيارة المفاجئة للمدينة على غير العادة "


نظر لي وقال " لقد تم نقلي للمدينة المجاورة لهذه "


ضحكت وقلت " أقسم أنهم يدبرون لقتلك "


نظر لي باستغراب وقال " كيف يدبرون لقتلي "


سندت مرفقي بالطاولة أضرب طرف السيجارة على المطفئة وقلت


" وبما تفسر كثرة نقلهم لك من مدينة لأخرى , أسوء


قرار اتخذته في حياتك أنك دخلت الجيش "


قال بسخرية " هذا هوا الحال الآن القرارات الطائشة موضة الأعوام الأخيرة "


ابتسمت وقلت " مقبولة منك , أخبرني كيف تسير أمورك مع زوجتك "


قال ببرود " قررنا الانفصال "


نظرت له بحيرة مطولا فقال " قل ما لديك أعرف ما تفكر فيه "


سندت ظهري لظهر الكرسي وقلت


" حياتك وأنت حر فيها لكني حذرتك منذ البداية "


قال ببرود " العبارة الأخيرة هي الخلاصة فلما المقدمات "


قلت بابتسامة جانبية


" كي لا تكون توقعت كل العبارة ويبقى فيها شيئا مختلفا "


قال بجدية " تحدث مع شقيقتك ولو لمرة واحدة لا أريد أن أستمع


لنبرتها الحزينة حين أخبرها أنك رفضت "


قلت بهدوء مشيحا بنظري بعيدا عنه " سأفكر "


قال بضيق " أنت تضيع حياتك يا رائد ستعيش وحيدا وتموت


وحيدا ولن تجني شيئا سوى الألم "


رفعت رأسي للأعلى ونفثت دخان السيجارة وقلت بابتسامة حزينة


" ومن قال لك أني لم أمت "


ثم نظرت له وقلت " لقد مت عندما لم أكن وحيدا "


وقف على طوله ليظهر صوت صرير الكرسي ينسحب خلفه قرب وجهه قليلا وقال


" لقد أوصلت الرسالة وفعلت ما في وسعي وفشلت ككل مرة "


قلت بابتسامة جانبية " بل نجحت ككل مرة "


نظر لي بحيرة فقلت " نجحت في إزعاجي و إيقاظي باكرا "


تنهد بضيق وغادر بخطوات ثقيلة وسريعة أطفأت السيجارة في المطفئة محاولا


إطفاء نيرانها في صدري , بلى نجحت يا حيدر في إبعادي عنهم أكثر فلو قلت


لي أنه لم يسأل عني منهم أحد كان خير ألف مرة من أن تذكرني مجددا أنها مريم


وحدها من سأل عني


خرجت من المقهى وسرت ذات الطريق معطيا وجهي للأشياء التي أعطيتها


ظهري منذ قليل وأنا قادم إلى هنا فأي شيء يمكنك أن توليه ظهرك للأبد إلا


الشوارع وجهها لوجهك وقفاها لقفاك بث أعشق لعب هذه اللعبة معها ومحاولا


اليوم شغل بالي بها عن حديثه ككل مرة


يالك من حالم يا حيدر كيف أنسى ما حدث هل يضن الأمر بهذه السهولة ها هي


ست سنوات مرت حتى الآن من منهم فكر أن ينسى وأنا الأحق أن أتذكر ذلك كل


حياتي , نعم هكذا هي الحياة مفترق طرق فمنذ ست أعوام سلكت طريقا فرعيا


وهجرت تلك المدينة عن بكرة أبيها ومنذ ثلاثة أعوام سلكت الآخر لأهجر النساء


والكتابة ليصبح هذا الحال لا يعجب الجميع , لما كان حالي سابقا يعجبهم هل


يكرهون راحتي أم يريدون مني فعل ما يريحهم هم


قطعت الطريق مسرعا لأقطع كل هذه الأفكار وأدوسها بخطواتي وصلت المنزل


فتحت الباب ودخلت أنفخ قبضة يداي لأدفأهما قليلا , حيدر لا يفلح إلا في هذا


إيقاظي مبكرا من أجل بضع دقائق وبعض العبارات التي لا تجدي نفعا


خلعت معطفي وعلقته ودخلت المطبخ حضرت كوبا كبيرا من الشاي وجلست


وسط المنزل وشغلت التلفاز و أخفضت الصوت كان برنامجا صباحيا مملا للغاية


ولكن لا شيء أقل مللا منه , سمعت حينها طرقات على باب المنزل تنهدت بضيق


من هذا الذي يريد إفساد الصباح أيضا لا ويطرق الباب بدلا عن أن يقرع الجرس


وقفت بتذمر وفتحت الباب كان ثمة فتاة بثياب مرتبة عينان بنيتان وبشرة بيضاء


وابتسامة مشاكسة تضع حقيبة على كتفها وتمضغ العلكة نظرت لها بسخرية وقلت


" لن تدخلي المنزل ولن أشيري منك شيئا "


ضحكت وقالت " ومن قال أنني أريد الدخول "


قلت بذات السخرية " لأني أعرفكم جيدا الباعة المتجولين "


لوت شفتيها بضيق فقلت بابتسامة جانبية


" هل تعلمي ما أسوء ما في النساء "


نظرت لي بحيرة فقلت


" أنهن لا يعرفن التجارة إلا في مشاعر البشر "


نظرت لي باستفهام بادئ الأمر ثم بصدمة فقلت بسخرية


" وأنهن لا يفهمن إلا بعد وقت "


نظرت جانبا لطرف الشارع تأففت ثم نظرت لي وقالت بضيق


" ما بك يا هذا إننا في الصباح "


كتفت يداي لصدري واستندت بكتفي على طرف الباب وقلت ببرود


" أخبرتك منذ البداية أنني لن أشتري شيئا "


قالت بنفاذ صبر " وهل تحكم على ما عندي دون أن تعرفه "


قلت " لا يهم فأنا لا أريده "


قالت بضيق " لا تتعبني معك أيها السيد "


ما بها هذه معي عند الصباح كله بسبب حيدر لكنت نائما الآن لتطرق حتى


تتعب وتغادر , غيرت وقفتي ووضعت يداي في جيوب بنطالي وقلت بتذمر


" هيا قولي ما لديك ولكن اعلمي أنك تضيعين وقتك ولن اشتري منك شيئا "


ابتسمت ابتسامة جانبية وقالت بتحدي


" بل ستشتري وليس هذه المرة فقط "


قلت بدهشة مصطنعة " رائع ما كل هذه الثقة "


أشارت لوجهي بسبابتها وقالت بتحدي أكبر " سنرى "


قلت بابتسامة سخرية " حسننا أرني ما لديك "


قالت بابتسامة " الأمنيات "


ضحكت كثيرا ثم قلت " أقسم أنك مجنونة هل تبيعين الأمنيات "


قالت بضيق " لست مجنونة وأبيع الأمنيات حقا "


قلت وأنا أشير بعيناي ليدها


" في هذه الحقيبة !! ماذا لو كانت أمنيتي طائرة أو باخرة "


قالت ببرود وهي تدير الحقيبة خلفها


" ليس أنت من تحدد أنا أحدد ذلك "


ضحكت مجددا وقلت


" كيف تكون أمنيتي وأنتي من تحددينها "


قالت بابتسامة " ادفع المال واشترى وسترى "


قلت " خطة فاشلة "


قالت بحزم " ستشتري رغما عنك "


قلت رافعا حاجباي " رائع وهل سترغمينني "


قالت بجدية " إن لم تشترى أمنيتك مني سرقت أمنيتك منك ولك أن تختار "


قلت بابتسامة جانبية " وإن لم يكن لدي أمية لا أشتريها منك ولا تسرقينها "


قالت بحدة " كاذب "


نظرت لها بصمت واستغراب لا تبدوا مجنونة لكن ما تقوله لا يمكن لعاقل قوله يجذر


بهذه أن تقفز حول بقع مياه الطريق ولن يلوم عليها أحد لأنها من المجانين العاقلين


كانت تنظرت للمنزل خلف كتفي وهي ترفع جسدها لترى ما بالداخل ثم قالت


" ماذا قررت "


سحبت الباب من ورائي وقلت


" اسمعي يا فتاة تعبت من الوقوف في البرد كم تريدي ثمن تفاهاتك وترحلي "


قالت ببرود " تفاهات !! ..... سترى إن لم تصبح تزيد المال لتشتريها مني "


قلت بنفاذ صبر " سأعطيك عشرة وليس لدي غيرها لك "


ضحكت وقالت " بخيل "


قلت ببرود " بل بضاعتك هي التي لا تستحق "


قالت " حسننا سأعطيك بما ستدفع هذه المرة ولكن في المرات


القادمة أنا من سيحدد السعر "


ضحكت وقلت " هل تبيعين المخدرات "


نظرت لي بصدمة ثم قالت


" أصمت لا يسمعك أحد وتورطني في شيء لم أره يوما "


ثم فتحت حقيبتها وأخرجت ظرفا ورقيا ومدته لي وقالت


" هذه المرة ستكون مجانية لأني سآخذ حقها مضاعفا فيما بعد "


وما أن أمسكته منها حتى غادرت من فورها تبعتها بنظري وهي تعبر الشارع


مسرعة ثم نظرت للظرف بين يدي كان ظرفا ورقيا بني اللون ويحوي مجموعة


أوراق على ما يبدوا وكان مكتوبا على غلافه ( منازل القمر )


قلبته كثيرا بحيرة ثم دخلت ورميته على الأريكة وجلست أشاهد باقي البرنامج


وقفــــــــــــة


عبرت تلك الفتاة الشارع ووقفت في نهايته وتأففت وقالت


" ياله من متعجرف لست أعلم ما الذي أحبته فيه يوما صحيح أنه وسيم


ويتنفس رجولة وحتى ضحكته مخملية تذيب القلب لكنه فض ومغرور "


ثم تابعت سيرها مسرعة وقائلة


" لو تعلم قمر بما فعلت فستقتلني دون أدنى تفكير ولكنني لن أتراجع أبدا "


وعند هنا انتهى الفصل وانتهى لقائي بكم


من قرأه ولم ينل إعجابه أتمنى أن لا يحكم عليها من فصل واحد لأنه هناك


المزيد ولم تتضح معالمها بعد


ومن حضت منكم بإعجابه ولو قليلا فلا يحرمني من تشجيعه ولو بكلمة شكر


أختكم المحبة لكم دائما ....... برد المشاعر

الفصل الثاني


بعدما أكملت كوب الشاي والبرنامج السخيف ذاك نظرت للساعة بتململ ووقفت


ارتديت معطفي وخرجت من المنزل عبرت نصف الشارع ثم أوقفت سيارة أجرة


ركبت مقعدها الخلفي وقلت " جريدة الرواسي "


نظر لي في المرآة وقال بابتسامة واسعة " بالتأكيد علمت دون أن تخبرني "


نظرت له بحيرة وقلت " وكيف علمت "


قال بابتسامة صغيرة " ومن لا يعرف الكاتب رائد المنذر "


ابتسمت بسخرية وقلت " يبدوا أنك تقرأ الكتب والصحف القديمة "


قال بابتسامته ذاتها " بل لم يغب حرف مما تكتب عن بالي "


لذت بالصمت كي لا يطول الحديث في الأمر وصلت الصحيفة نزلت وأعطيته نقوده


عليا جلب سيارتي بسرعة بدلا من ركوب سيارات الأجرة , دخلت المبنى أعبر الممرات


متجها للطابق الثاني مجيبا تحية الصباح على كل من مر بجانبي , صعدت السلالم وتوجهت


من فوري لذاك المكتب طرقت الباب طرقتين خفيفتين ودخلت فوقف من فيه مباشرة ما أن


رآني وقال مصافحا لي " مرحبا بالمنذر على الموعد تماما "


قلت بضحكة صغيرة " الفضل لمن أيقظني مبكرا اليوم "


جلست على الكرسي المقابل له وقلت " هل الأوراق جاهزة "


فتح درج مكتبه وقال


" بلى جاهزة اطلع عليها وقم بلمساتك السحرية الدائمة وارمي الغير مناسب ككل مرة "


أمسكت الأوراق قلبتها قليلا ثم قلت


" تبدوا لي أكثر من السابق هل ستزيدون عدد الصفحات هذه المرة "


ضحك وقال " أبدا ولكن هناك عمود لم يعد شاغرا فلا تحسبه "


نظرت له بحيرة وقلت " وما الجديد "


دار بكرسيه الجلدي ووقف ولف حول الطاولة ووقف بجانبي وضع يده على كتفي وقال


" لأن أحدهم سيكتب فيه منذ الأسبوع القادم "


نظرت له فوقي وقلت " ومن هذا الذي تثبتون له عمودا خاصا غير المثبت سابقا "


ضحك وشد على كتفي بقوة وقال " ليس أنت بالتأكيد وليته يكون كذلك "


قلت بابتسامة جانبية " أعلم أنه ليس أنا "


ترك كتفي وتوجه بخطواته أمامي جلس على الكرسي المقابل لي وقال


" رائد متى ستتحفنا بإحدى مقالاتك لا ننتظر كتابا مقال يكفي "


قلت بلامبالاة وأنا أرتب الأوراق بين يداي


" لا أعلم ... أخبرني من هذا الذي سيأخذ العمود في الصحيفة "


وقف وعاد لكرسي مكتبه جلس وقال بابتسامة واسعة


" بل قل أفضل عمود "


قلت رافعا حاجباي " أرجو أن لا تكون مجرد بهرجة فارغة "


ضحك وقال " مقبولة منك وليست بهرجة إنها فرصة ذهبية حصلت عليها الجريدة "


قلت ببرود وعيناي في عيناه " حركات التشويق هذه أضنك تعلم أنها لا تجدي معي "


قال مبتسما " بلى أنا أكثر من يعلم ذلك عموما إنها كاتبة كانت تحتل عمودا في صحيفة


الفجر طيلة العام الماضي "


نظرت له بهدوء وصمت فتابع " نورسين هل تعرفها "


شردت بعيناي قليلا أبحث في عقلي عن شيء يخص ذلك ثم قلت


" لم أسمع بها "


ضحك وقال " اسكت لا يسمعك أحد من لا يعرفها يا رجل "


قلت بضيق " وهل يجب عليا أن أعرف كل من يكتب في الصحف "


قال بجدية " سوف ترسل لنا مقالا مرتين شهريا فهي لم تكتب في جريدتها تلك منذ فترة


لقد سعى أسعد حتى حفي لتوافق "


ضحكت وقلت " شريكك أسعد هذا سيتسبب بدمار صحيفتكما "


ضحك وقال " بل هذه المرة أصابها "


قلت بابتسامة " أراك متحمسا "


قال بضحكة " إنها فرصة العمر لصحيفتنا بعدما فقدت مقالاتك لأشهر عديدة "


قلت بلامبالاة " أتمنى أن لا تكون العكس "


قال بحماس " هذا لأنك لا تعرفها "


فتح الدرج السفلي لمكتبة وفتش فيه كثيرا ثم أخرج مقصوصة من صحيفة وقال


" اسمع واحكم بنفسك هذه مقالة لها قبل مقربة نصف العام في جريدة الفجر


( البراءة هي أغلى الأشياء لأن ما هوا ثمين لا يمكن أن يحدث إلا للقلب البريء للماكر لا يحدث


شيء الحب مستحيل والنشوة مستحيلة وأي شيء مستحيل عليه , المال ممكن والقوة والمظاهر


وهي كلها أشياء لا قيمة لها فالموت يدمرها جميعا ( م/ن أوشو ) ) "


توقف عن القراءة ونظر لي يبحث عن الاهتمام في ملامحي ثم قال


" هل أتابع "


ابتسمت وقلت " نعم "


قال مبتسما " بداية مشجعة قد تدفعك للكتابة مجددا "


قلت بابتسامة " وقد يُخسركم ذلك مقالاتها "


ضحك وقال " لا تقلها يا رجل يبدوا أنك ستهاجمها بمقالاتك النقدية "


ضحكت بهدوء وقلت " تبدوا لي تستحق مقالا هجوميا لاذعا لكني لا أفكر في ذلك "


ضحك وقال " جيد لأنه سيخنقك أسعد "


قلت " لا تقلق الكاتب آخر من يعلن هزيمته ولن يخسرها بسبب مقالاتي "


فتح الدرج العلوي لمكتبه وأخرج بطاقة ومدها لي فأمسكتها وقلت


" ما هذه "


قال مبتسما " دعوة "


ضحكت وقلت " هل ستتزوج "


ضحك وقال " لو سمعتك زوجتي لقتلك إنه حفل الكتاب الجديد لعادل مراد بطاقات


الزواج ننتظرها منك أنت "


قلت ببرود " ولما كل شيء تنتظره مني "


قال بهدوء " لأنك متوقف عن العالم منذ وقت لا جديد ولا مفيد , أخبرني هل ستحظر "


قلت بهدوء وأنا أقف مغادرا " لا أعلم "


وقف وقال " إلى أين ستذهب "


التفتت له وقلت " لجلب سيارتي من كراج التصليح "


ضحك وهوا يتوجه ناحيتي وضع يده على كتفي وقال


" هل تعطلت العروس "


ضحكت وقلت خارجا برفقته


" السيارات كالنساء تماما ما أن توقع عقد ملكيتها حتى تصبح بحاجة دائمة للتصليح "


قال ضاحكا " لا أحسد زوجتك عليك هيا سأوصلك في طريقي لدي مشوار ضروري سأخرج له "


ركبنا سيارته وشغلها وانطلقنا نتبادل بعض الأحاديث ثم صمت لبرهة وقال


" اتصل بي أيوب بالأمس "


تنهدت بضيق فقال بهدوء " يبدوا لي لا تريد الحديث في الأمر "


قلت مختصرا " نعم "


قال " حسننا كما تريد ولكن يا رائد أ نــ ...... "


قاطعته قائلا " ولا أريد أي موضوع يوصلنا إليه "


تنهد واكتفى بالصمت فقلت " لف يمينا الشارع الثالث "


دخل الشارع وأوقف السيارة وقال " ما لديك اليوم "


قلت " لما تسأل !! "


قال بتذمر " أجب بدون سؤال ولو لمرة واحدة "


ضحكت وقلت " سآخذ الثياب للمغسلة وأتسوق من أجل المنزل وسأزور


المكتبة زيارة ودية هذا فقط لليوم "


قال بابتسامة وهوا يستند بساعده على المقود " لما لا تتزوج وترتاح يا رجل "


قلت ببرود " وما الراحة التي تكون مع النساء "


ضحك وقال " أنت فقط لم تجرب "


قلت وأنا أفتح باب السيارة وأخرج منها


" سبق وجربت شيئا أقل من هذا وكانت النتيجة مؤسفة "


أغلقت باب السيارة قبل أن يتحدث أو أسمع ردا منه دخلت فاقترب مني صاحب


المكان مبتسما وقال " مرحبا لم تترك لنا رقم هاتفك السيارة جاهزة


منذ يومين العطل كان بسيطا وهي جديدة لم تأخذ وقتا "


قلت بهدوء " شكرا , هل لي أن أستلمها الآن "


مد لي بالمفتاح وقال " بكل تأكيد "


دفعت له نقوده وغادرت أنهيت بعض المشاوير فيما عدا المكتبة وعدت للمنزل صليت


الظهر وجهزت غداءً خفيفا وقضيت باقي الوقت في مكتبي مع الأوراق وبعض الكتب


عند المساء جلست على الأريكة لمشاهدة بعض الأخبار فلمحت شيئا موضوعا بجانبي


كان الظرف الورقي الذي تركته تلك البائعة الفاشلة جيد أنها لا تسوق لكل المنتجات


لخسرت الدولة بسببها الكثير


رفعته ونظرت له مطولا بتمعن منازل القمر يالا الأيام هذا الاسم كان في فترة من العمر


يعني لي طموحا وجهدا كبيرا يالا سخافة المناهج المدرسية , عليا رؤية ما فيه قبل أن تعود


تلك الفتاة مجددا وتصدع لي رأسي , رميته جانبا وعدت لتقليب القنوات وبعد وقت طويل


دخلت المطبخ أعددت سندوتشا من الجبن والزيتون وكوبا من الشاي حملت الظرف وتوجهت


لمكتبي من جديد جلست وفتحته كان يحوي مجموعة من الأوراق منزوعة من مفكرة , الورقة


الأولى كانت تحوي ذات العنوان تبدوا لي وكأنها قصة أو يوميات من مفكرة أو ما شابه ما سر


هذه الفتاة وهذه الأوراق وما تعني بالأمية , طردت كل تلك الأفكار عني وأزحت ورقة العنوان


جانبا ونظرت للورقة الأولى نظرة تفحصيه كان الخط خفيفا ومرتبا وجميلا يبدوا وكأنه خط فتاة


كما أن رائحة العطر تدل على ذلك وليست كرائحة عطر تلك البائعة أي أنها ليست هي صاحبتها


عدت لرأس الصفحة وبدأت بالقراءة من أول السطور


( نعجز أحيانا عن فهم بعض الكلمات وأكثر ما عجزت عن فهمه في حياتي هي كلمة طفولة , حين


كنت أعيش هذا الشيء المسمى بذاك الاسم , كلمة طفولة في البلدان الموضوعة تحت خط الفقر تعني


البؤس والنوم في العراء والموت جوعا بالنسبة لي لست من البلدان المعدومة ولكن تلك الطفولة لم


أعرفها إلا بذاك الاسم ولم تحوي أي حرف من تلك الحروف ولم أعرفها جيدا إلا ذاك اليوم حين


استيقظت من نومي لأجد نفسي في روتين غير روتيني اليومي بدون قبلة على جبيني من شفتا أمي


ولا ابتسامة من والدي وأنا امسك بيده الباردة عند قدومه من عمله لأدخله معي للمنزل بل استيقظت


على صوت صراخ أمي , كانت صرخة واحدة قوية انخفضت رويدا رويدا حتى اختفت كما اختفت


هي معها واختفى والدي في ذات اليوم لأجد نفسي أمام رجل ينظر لي بنظرات باردة ومخيفة


وصوته يدوي في أذني كالطرق على الحديد وهوا يقول " ماتوا "


كان هذا جوابه لطفلة عمرها خمس سنوات وهي تسأل عن والدين افتقدتهما ذاك الصباح


الموت كلمة لم أكن أعرف معناها ولم يشرحها لي يومها , كل ما فهمته وقتها أنها تعني أن


تشرق شمس الصباح ولا تجد والديك كانت تلك المعاني الوحيدة التي عرفتها عن ثلاثة


أحرف في كلمة موت , كما اكتشفت بعدها العديد من الكلمات الجديدة لأفهمها بغير معانيها


الحقيقية كما كلمة طفولة التي اعتقدت فيما بعد أنها تعني البؤس والحرمان والخوف والجوع


والنوم في العراء والبرد لأكتشف بعد سنين طويلة أنه لا شيء اسمه موت بتلك الطريقة


صرخة أم واختفاء أب , ليس الموت بذاك المعنى أبدا ولكنه الجواب الوحيد الذي وجدته حينها


أمسكت تلك اليد الجوفاء الخالية من المشاعر كصاحبها بتلك اليد الرقيقة الصغيرة وأخذتها معها


لبيت ليس بيتها وأم ليست أمها ورجل يطلقون عليه أسم ( خالي ) لتضيف لقاموسها معنا جديدا


لكلمة جديدة .... ( خال )


لم أكن أعلم معنى لتلك الكلمة فكتبتها في قاموسي فيما بعد بمعنى الإهمال والضرب والسب


كلها كانت تعني عندي تلك الكلمة ولم أعرف يوما من تلك الأيام أنها تعني شقيق الأم , ووجدت نفسي


أمام سيدة بعينان كعينا التنين الذي كان موجودا في دفتر تلويني الذي أحضره لي والدي صغيرتان


ومسحوبتان للخلف وملامح لا تشبه ملامح والدتي الجميلة الرقيقة وصوت رنان خرج من حنجرتها


وهي تضع يديها وسط جسدها قائلة " فعلت ما تريد وأحضرتها "


خرجت حينها الكلمات من الواقف بجواري قائلا


" لا أحد لها غيرنا ولا أطفال لدينا فما المشكلة "


ابتسمت ابتسامة شريرة لم تكن تبتسمها والدتي اكتشفت بعد سنين طويلة أنها تعني ابتسامة سخرية


مددت لها يدي الصغيرة البيضاء مفرودة الأصابع لأصافحها كما كانت تعلمني والدتي : صافحي


دائما من هم أكبر منك سنا بهذه اليد وليس بتلك


نظرت ليدي مطولا ثم أمسكتها بقوة وسحبتني معها ثم رفعتني للأعلى ورمتني على الأريكة جالسة


وقالت بغضب " اجلسي هنا إن تحركت من هذا المكان أو كسرتي شيئا أو تحرك من مكانه قتلتك "


جلست في ذاك المكان وعلى تلك الأريكة ولم أحرك حتى أطرافي لتمر الساعات تلو الساعات


حتى غلبني النعاس ونمت في مكاني ضامه ساقاي لصدري فوق تلك الأريكة وليس سرير غرفة


نومي ولم أعلم حينها أنني حتى تلك ألنومه سأفقدها فيما بعد , رأيت في الحلم أمي تبتعد وأنا أركض


مسرعة نحوها وأناديها أركض وتبتعد وتبتعد فتعثرت قدماي بصخرة كبيرة ووقعت أرضا


ثم ارتفعت للأعلى وسقطت وصوت صراخ يدوي في رأسي قائلا


" انهضي هيا من سمح لك بالنوم هنا "


فتحت عيناي لأجد الواقفة فوقي صاحبة عينا التنين التي ينادونها ( سلوى ) تمسك بيدي وأنا


مرمية أرضا لأكتب لدي أن كلمة سلوى تعني القسوة ورفع الجسد من يد واحدة


سحبتني معها دخلنا مطبخا ثم حجرة في نهايته رمتني فيها وقالت


" هذا هوا مكانك أخرجي منه لتري ما سأفعل بك "


ثم غادرت وجلبت كيس ملابسي ورمته عليا وغادرت , أخرجت الدمية القماشية التي صنعتها


لي أمي حضنتها ونمت على تلك الأرضية الباردة وقلت


" أمي لقد أصبح لي منزلا جديدا وأما جديدة ليست مثلك أبدا وغرفة جديدة لا تشبه غرفتي


إنها مليئة بالعلب والصناديق ولكنها غرفتي قالت مكاني يعني أنها لي , أمي أحبك متى


ستعودين إلي أنتي ووالدي متى سيحضركم ذاك الذي يسمونه ماتوا متى سيعيدكم , أمي لا


تتركيني وحيدة عودي رجاءا "


ونمت في ذاك المكان البارد الخالي حتى من الإنارة لأستيقظ على ذات الصوت صارخا


" قمر "


جلست من فوري أفرك بيداي الصغيرتان تلك العينان العسليتان الواسعتان وقلت بصوت رقيق


طفولي بالكاد يخرج من تلك الحنجرة الصغيرة " نعم خالتي "


رفعتني من يدي مجددا وقالت بصراخ " لست خالتك ولا تقولي خالتي ثانيتا فهمتي "


نزلت حينها دموعي من عيني اليمنى لليسرى لأنها تحملني ورأسي سقط جانبا لتسقط تلك


الدموع على الأرض ولتخرج تلك الكلمات الطفولية الرقيقة من حنجرتي قائلة


" حسننا "


رمتني أرضا وقالت " نادني سيدتي منذ اليوم , تعالي خلفي هيا "


خرجت أتبعها أخذتني لخارج المنزل حيث غرفة تشبه غرفتي الجديدة غير أنها أكبر


ومتسخة أخذت وسادة من هناك مدتها لي وقالت بقسوة " أمسكي هذه "


أمسكتها بل حضنتها بقوة كي لا تقع مني وأعرف معنا جديدا لاسم سلوى , أخذت فراشا


وبطانية وقالت " تعالي "


تبعتها مجددا لتعود بي لذات المكان لغرفتي رمتهما أرضا وقالت


" نامي عليهم ستعيشين هنا واحمدي الله مئة مرة أننا آويناك فمكانك ليس هنا بل دار


الأيتام رغم أنك لست منهم "


ثم خرجت وتركتني لا أفهم مما قالت شيئا فعقلي لم يحمل حينها كل تلك المعاني القاسية


والظالمة , لتمر بي الأيام في ذاك المنزل طفلة في الخامسة تغسل الأواني وتمسح الغبار


وتحضر حتى الماء لهما عندما يعطشان , طفلة تأكل بقايا طعامهم مجموعا في صحن واحد


وعلى الأرض , طفلة ليس هناك من يحممها ويغسل لها ثيابها ويسرح شعرها غير يديها


لتعرف حينها تلك المعاني الغير حقيقية لكلمة طفولة


في ذاك اليوم كنت أقف على أطراف أصابعي محاولة رؤية ما هناك خلف جدار هذا السقف


أمد جسدي أكثر وأكثر ولا أرى إلا شيئا بسيطا لأسمع تلك الصرخة من خلفي


" قمر ما الذي تفعلينه هنا وتتركين أعمالك "


نظرت لها بخوف وقلت " لا شيء كنت أريد الرؤية فقط"


قالت بغضب وهي تشدني من شعري " تريدي أن تري ما هناك حسننا "


رمتني أرضا وغادرت وأغلقت الباب خلفها ونزلت السلالم لتتركني سجينة سطح المنزل


ولم تخبرني حينها أنها لن تكون المرة الأخيرة ولم يخبرني أحد أن كلمة سطح تعني أعلى


المنزل وكتبتها في قاموسي بمعنى السجن والظلام والبرد وصوت الريح , كنت أركض


وألعب فيه طوال ذاك النهار وأصعد فوق تلك العلبة الحديدية لأرى منازل الجيران ولم أدرك


أن بعد النهار ليل لتظلم الدنيا ويشتد البرد والظلام لأعرف حينها المعنى الحقيقي لذاك المكان


فجلست عند زاوية الباب أترجاه أن يفتح لي ومن سيشرح حينها لطفلة أن الأبواب لا تسمع


ولا تتحرك من تلقاء نفسها , تكمش جسدي في ذاك المكان وضممت يداي لصدري وأغمضت


عيناي بشدة أبكي وتخرج تلك الكلمات الصغيرة كحجمي قائلة من جديد


" أمي أشعر بالبرد تعالي لا تتركيني أنا خائفة أمي أصابعي تتجمد أخبريها بذلك "


ومن كان سيجيب أو سيشعر , ولم ينفتح ذاك الباب إلا بعد وقت طويل لتجرني تلك اليد وتنزل بي


تلك السلالم , فقط كنت طفلة في السادسة وليتها تحكي لكم تلك الطفولة وتلك السنين )


رفعت الورقة فكانت التي تليها الأخيرة قلبت الأوراق هل قرأت كل هذه لم أشعر بنفسي


وبالوقت , كانت الأوراق قليلة لكني كنت متأكد أنني لن أقرأ سوى واحدة وسأمل منها


ما هذه يا ترى هل هي قصة حقيقية أم رواية من الخيال ما كل هذا البؤس , تلك البائعة


الحمقاء من أخبرها أنني أحتاج للحزن , شربت بعضا من الشاي الذي بدأ يبرد وهوا على


حاله ونظرت للورقة ما قبل الأخيرة فيهم وقرأت


( لم يكن ذاك اليوم الأخير لقد كان ذاك السطح يشدني لأنه المتنفس الوحيد لطفلة لم ترى


الشارع منذ شهور وشهور كنت أستغل وقت نوم عينا التنين لأصعد هناك فتمسك بي أحيانا


وتسجنني فيه حيث البرد والجوع والخوف ومن يخبر طفلة في ذاك العمر أن التوقف عن


الجرم يؤدي للتوقف عن العقاب ضننت أن ذاك السجن ليس عقابا على ذلك لأن القسوة عنوان


ذاك المكان فكل شيء كنت أتوقع أنه بدون أسباب


في ذاك اليوم الذي يشبه الكثير من تلك الأيام كنت أجلس ألتمس الدفء من برودة ذاك الباب


الحديدي حين سمعت صوتا لاصطكاك حديد من سطح الجيران الملاصق , وقفت وأخذت العلبة


الحديدية ووضعتها عند ذاك الجدار الفاصل بين المنزلين وصعدت فوقها لأجد في ذاك السطح


فتى يكبرني بسنين يثبت شيئا طويلا مخروطيا ويتذمر ويسبه لأنه لا يثبت فبدأت أضحك عليه


لتصله تلك الضحكات الصغيرة البريئة فالتفتت إليا وقال


" ماذا تفعلي هنا ومن أنتي ولما تضحكين "


قلت بعفوية وأنا أنظر لذاك الشيء الغريب " ماذا تفعل "


اقترب مني وقال واضعا يديه وسط جسده


" ماذا تفعلي أنتي في هذا الوقت فوق المنزل وأين والدتك "


قلت بحزن " ذهبت مع ماتوا ولم ترجع حتى الآن ولا حتى والدي لقد أحبوه ونسوني "


هز رأسه بعدم فهم ولامبالاة وقال " وما تفعلين هنا "


قلت بعفوية " لا أعلم "


قال يضيق " كيف لا تعلمي "


قلت بابتسامة " ماذا تفعل أنت "


نظر للخلف حيث ذاك الشيء الغريب وأشار له بإبهامه وقال


" أراقب القمر "


ضحكت وقلت " تراقبني "


نظر لي ببرود وقال " قلت قمر وليس أنتي "


قلت بمرح " وأنا قمر "


ضحك وقال وهوا يشير بأصبعه للأعلى " ذاك فوق "


نظرت حيث أشار وقلت باستغراب " تلك قمر ولكني هنا "


ضحك مجددا وأمسك بطنه ونزل أرضا فقلت


" ما بك هل تؤلمك معدتك أنا عندما تؤلمني أفعل مثلك "


ضحك أكثر ثم وقف وقال وهوا يضحك


" أسكتي يا فتاة سوف تقتلينني من الضحك "


قلت بتذمر " لما تضحك علي "


عاد لذاك الشيء الغريب وبدأ يحركه وينظر لتلك الكرة المضيئة التي تضيء لي ليلا وتنطفئ


عندما تغضب مني دون سبب وتتركني في الظلام علمت الآن لما كانت تفعل ذلك لأني أحمل


اسم كاسمها , كان ينظر له ويدور بتلك الأشياء وأنا كنت مستندة بيداي على حافة سور السطح


واضعة ذقني عليهما وأراقبه ثم قلت " لما تنظر له "


نظر لي وقال " أراقبه "


قلت بتعجب " لما هل سيفعل شيئا "


ضحك وقال " لا أنا أرى منازله "


قلت بدهشة " وله منازل ما يفعل بها وهوا وحيد "


عاد للضحك مجددا وقال


" منازل القمر يا غبية ثمان وعشرون منزلا ينزلها هكذا أخذناها في المدرسة " )


رفعت عيناي عن الورقة في شرود وتفكير بل تشتت وضياع قمر ومنازل القمر وسطح


ومراقبة عدت بنظري سريعا لأكمل وأتأكد أو لأهرب من تلك الفكرة وبدأت بالقراءة


( كنت لا أفهم من ذلك شيئا وبقيت أراقبه في صمت بمعطفه الشتوي الأسود المناسب


لطوله وحجمه وشاله الصوفي الأبيض الذي يلفه حول عنقه , كنت أراقبه باهتمام وصمت


حتى انتهى وجمع أشيائه ثم نظر لي وقال


" انزلي فالجو بارد "


قلت " لا استطيع "


قال باستغراب " ولما لا تستطيعي "


أشرت بأصبعي جهة الباب وقلت " لأنها أغلقته "


قال " من هي "


قلت بهمس جامعة كفاي حول فمي كي لا تتبعثر الكلمات وتسمعها


" خالتي ولكن لا تقل لها فهي تريد أن أناديها سيدتي "


نظر لي بعدم فهم ثم قال " ما أسمك "


قلت بابتسامة " قمر "


ضحك كثيرا ثم قال " لذلك إذا "


قلت بضحكة " وما أسمك أنت "


قال وهوا يحمل أشيائه تلك " رائد "


ثم نزل وأغلق الباب خلفه )


كانت الورقة الأخيرة قد انتهت رميتها على الطاولة وضربت جبهتي بيدي عدة مرات ثم قلت


" قمر نعم قمر الطفلة في ذاك السطح "


كنت أظنها تكذب في تلك الأشياء التعيسة التي تقولها وأنها مجرد مخيلة طفلة صغيرة


كنت في الحادية أو الثانية عشرة من العمر حينها لم أنسى أبدا تلك الأيام قمر الطفلة الجميلة


المبتسمة ذات الشعر البني الفاتح الحريري والعينان العسليتان نعم أذكرها جيدا


نظرت للأوراق أمامي بشرود ترى ما علاقة تلك الفتاة البائعة بها وأين هي الآن لابد وأنها


هي من كتبت هذه , أذكر أني لم أرها منذ تقريبا حين كانت في التاسعة أو العاشرة وأذكر أنها


اختفت فجأة انتظرتها كثيرا وناديت عليها من سطح منزلهم مرارا ولم تظهر , ترى لما أحضرت


تلك الفتاة هذه الأوراق لي فمن كتب هذه ليس أي قلم عادي , يبدوا أني كما قالت تلك الحمقاء


سأشتري الأوراق منها بالسعر الذي تحدده ستأتي قريبا بالتأكيد فهذه المذكرة لم تنتهي ولن أتركها


حتى أفهم منها كل شيء .... يااااه قمر يالا المصادفات


وعند هنا انتهى الفصل أتمنى أن يكون نال إعجابكم ووضحت بعض


معالم الرواية لديكم ولو قليلا فلازال هناك الكثير


فما علاقة البائعة بقمر وما الذي تقصده بالأمية وما تكون أمية رائد التي ستحملها


له ضمن باقي أوراق المفكرة ولأي حد ستكون علاقته بقمر الطفلة وأين هي الآن


ولما ستغضب قمر إن علمت بما تفعله الفتاة البائعة


لازال في جعبتي المزيد فكونوا بالقرب مني دائما


أختكم المحبة لكم .......... برد المشاعر

الفصل التالت والرابع هنا 👇


من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close