القائمة الرئيسية

الصفحات

الحلقة السابعة اليمن من اليهودية إلى المسيحية من كتاب الطريق الي النور للكاتب الكبير ا/ محمد مصطفي

 


الحلقة السابعة

 اليمن من اليهودية إلى المسيحية 

من كتاب الطريق الي النور

 للكاتب الكبير ا/ محمد مصطفي


وتعود أسرة (تُبع) ثانية لحكم اليمن على يد أصغر أحفاده، وتتخلص البلاد من الطاغية (لُخنيعة ينوف ذو شناتر) ومن شروره التى أغرق بها البلاد.. ويسيطر (ذو نواس) على مقاليد الحكم، وبمرور الأيام ينقلب ساخطاً على مناوئيه ومستشاريه، تارة بالنفى وتارة بالعزل وأخرى بالقتل، ويقف خلف موجة التقلبات تلك أصابع خفية !! من يهود يثرب الذين نزحوا إلى البلاد بعد موت ـ الملك تُبع الكبير ـ وخروج الحبران ـ سُحيت وبليامين ـ فراراً بدينهما من اليمن .. جماعات يهودية يثربية على خلاف ما كان الحبران يعتقدان فى اليهودية، وقد دفع تلك الجماعات اليهودية اليثربية إلي النزوح لليمن خشيتهم وقلقهم من ظهور الدين الحق فيكشف زيف ما دسوه وما حرَّفوه من أسفار التورة، تلك التى جعلوها وفق أهوائهم، فاندس هؤلاء بين أهالى البلاد، مشتغلين بالتجارة ومعتزلين السياسة فى باديء أمرهم، مخترقين المجتمع بدهاء ومكر، إذ لم يشعر بهم أحد .


وبمرور الوقت نمت تلك الجامعات اليهودية اليثربية، وتبوأت بالخديعة والتواطؤ مع الحكم أياً ما كانت وجهته، تبوأت فى عهد (ذى نواس) مكانة مرموقة، فكان منهم المستشارون والأعيان فاستطاعوا أن  يلعبوا برأس الملك، ودفعوه إلى تصفية كل من ينطق بصحيح اليهودية شريعة النبى موسى .


وارتمى الملك فى أحضانهم استقواءً بهم ودرءً للاضطرابات الناشبة فى البلاد، مقابل إخضاع البلاد دينياً إلى يهوديتهم المُحرَّفة المزيفة، وتم لهم ما أرادوا ، ولم تعد اليمن تهدد وجودهم فى الجزيرة، وساقوا البلاد خلف الملك إلى الضلالة، زعماً منهم أنها اليهودية التى جاء بها موسى .. 


وسار ـ ذو نواس ـ بمجاراتهم سيرة خبيثة فى الناس، وعتا فى الأرض وبزغ فى عهده نجم السحرة والعرَّافة وأهل الشعوذة والكهانة، وحكم قومه بقبضة من حديد، ومن يحيد عن دين الدولة الرسمى يلقى مصيراً قائماً، وفى زمانه كانت شريعة عيس فى بلاد الشام قد أصابها ما أصاب شريعة موسى فى اليمن، من التحريف والزيف والتبديل، وكما انسل الحبران (سُحيت وبليامين) عن يهودية يثرب المُحرَّفة، انسل فى زمن ـ ذى نواس ـ عن نصرانية الشام المُحرَّفة، راهب يُدعى (فيميون) خرج على الناس فى إحدى قرى الشام، حاملاً مشعل الهداية والنور، وكان رجلاً صالحاً زاهداً فى الدنيا، مُجاب الدعاء إلى حد خرق العادة، سائحاً فى الأرض، ينزل من قرية إلى أخرى، يدعو أهلها إلى صحيح النصرانية، وتوحيد الله على شريعة عيسى النبى، ونبذ كل خرافة وضلالة علقت بتلك الرسالة السامية، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه، وامتهن حرفة البناء فكفته السؤال،واغنته الناس، وكان يُعظّم الأحد، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئاً . 


ويسير فيميون الراهب بين البسطاء والفقراء والمساكين، ويرى ما يعانونه من ضوائق فى الرزق، وتخبط فى الجهل، ورزح فى المرض، ويدعو الله لذوى الحاجة فيُستجاب لدعائه، فتنفك الضائقة عن المعسرين، ويجلس فى الناس مُعلماً، فيهتدى على يديه من يلقاه، ويعيض المريض فى فراشه ويدعو بشفائه، وسرعان ما يبرا من دائه، ويرى القوم خوارق العادة تحدث على مرآى من أبصارهم فيدهشهم ذلك، ويترقب بعضهم أحوال فيميون ! أهو بشر مثلنا ؟ أم هو ملاك هبط من السماء ؟


يغادر (فيميون الراهب) موطنه بالشام متوجها ناحية الجنوب، حيث الجزيرة العربية دون وجهة محددة، بعد أن ضاق به المُقام بين قومه الذين اكتفوا بأخذ حاجياتهم من بركة دعائه، وانصرفوا غير متبعين منهجه القويم ورغبوا عنه، فلا يلجؤون إليه إلا بعد أن يمسهم الضر، فإذا انكشف عنهم أعرضوا عما يدعوهم إليه، من ترك معتقدات آبائهم الباطلة، وما أدخلوه على (شريعة عيسى) يخرج من بلاده حاملاً دعوة الحق عله يعثر على موطن ترى فيه دعوة التوحيد (شريعة عيسى) النور والظهور بين الناس، ويؤمن بها من أراد الله له الهداية .. 


فيتجه نحو (مأرب) وعلى مشارفها يقيم خيمة له، ومن مكانه ذاك تأتيه أخبار اليمن كلها عن طريق المارة ـ اليمن التى يُحكِم ذو نُوَاس قبضته الحديدية عليها ـ بإيعاز من اليهود، الذين حوّلوها إلى ساحة يرتع فيها تجارهم، وسحرتهم، وكهنتهم، حتى أصبح السحرة أصحاب الكلمة العليا، بعد أن أزاحوا العلم من طريق البلاد، فعميت اليمن بضلالات الجهل والشعوذة والخرافة .


ويعقد الملك (ذو نُوَاس) جلسة طارئة لمستشاريه، فقد طعن ساحر البلاد الأكبر فى السن، وانتابه الوهن، ويخشى أن يذهب ولا يخلفه أحد، فيأمر الحضور أن يأتوه بأذكى صبى فى البلاد بغية إرساله للساحر، يتعلم منه ما يخشى ضياعه .


وينفض المجلس وعلى فورهم، انتشر رجال الملك فى أرجاء اليمن، يفتشون القرى والدور، بحثا عمن تسبقهم السيرة فيمن لديهم غلاماً ذكيا يجدونه مناسباً لطلب الملك ـ حتى اهتدوا إلى رجل اسمه (الثامر) ـ عنده غلام فاق أقرانه فى الذكاء، وحدة البصيرة، فكان يُلقى أشعار البلغاء، ويتكلم كلام العلماء ، جاءوا به إلى الملك ـ ذى نواس ـ فأرسله إلى الساحر الأعظم وكان يقطن فى كهف على مشارف مأرب .


ويذهب الغلام كل صباح إلى الساحر، يعلمه إيقاد النار ودفع لهيبها، والتمتمة والكهانة، ويجاهد الغلام الذكى نفسه وهو يتلقى السحر من الساحر، ويشرد ذهنه ويغيب عقله وتأبى بصيرته الإنصياع للدجل، غير أنه مأمور بالذهاب إليه من الملك وأبيه، حتى إذا كان يوم ذهب فيه الغلام إلى الساحر، وعند منتصف الطريق سمع صوتاً خافتاً لم يألفه، يأتى من ركن بعيد، فسار الغلام إلى مصدره، فإذا بخيمة يقبع فيها عابد ناسك، تنزل كلماته على قلب الغلام الذكى أمناً وسكينة .


ويستمع الغلام وينصت (لفيميون الراهب) الذى لا يعرفه، وكانت خيمته فى منتصف الطريق بين المدينة وكهف الساحر الأعظم، ويأتى اليوم الثانى ويقطع الغلام طريقه ثم يعرج فى منتصفه إلى خيمة الراهب فيميون الذى أعجبه صلاته البارحة، وترك أمر الساحر خلف ظهره، ويتاثر بعبادة الراهب، ومازال به الحال فى جلوسه وخشوعه حتى قذف الله الإيمان فى قلبه قذفا لأمر يريده، وينطق الغلام (عبد الله بن الثامر ) بكلمة التوحيد ، وراح يسأل عن شرائع هذا الدين . وتتكرر الجلسات ، ويتعلم الغلام الكثير والكثير، وانقطع تماماً عن الساحر الذى أرسله الملك ليأخذ عنه، فيذهب الساحر إلى الملك (ذوى نواس) يشكوه انقطاع الغلام عنه منذ فترة طويلة، ويستعزب الملك، ويأتونه (بالثامر) والد الغلام ويسأله الملك ويجيبه : ولدى يخرج كل صباح إلى الساحر ولا يأتينى إلا إذا انتصف النهار – ويرد الساحر : لم يأت منذ مدة، ويدرك الملك أن وراء الغلام أمراً، فهو يخرج من بيته متظاهراً بالذهاب إلى الساحر، ويعرج إلى طريق آخر، فما هى وجهته إذن ؟ 


ويرسل الملك خلف الغلام من يقتفى أثره، فيتتبعه حراس البلاط خفية ويروا الغلام وقد دنا من خيمة منزوية فى مكان نائى، ويقتربون منها ويطلقون لآذانهم العنان لسماع ما يدور داخلها .. وتأتى الأخبار للملك : هناك خيمة فى الطريق المؤدى إلى الساحر، بداخلها راهب يتمتم بصلوات لا نعرفها، ويردد خلفه الغلام بمثلها ـ وتثور ثائرة الملك ويأمر باستدعاء الراهب والغلام ـ ويمثلان أمامه، ويحقق ذو نواس بنفسه مع الراهب الذى انجلى أمره أمام الحضور، بعد أن أوعز إليه اليهود بخطورة دعوته على ملكه، فقد تسرى بين الناس وتنقلب الرعية على الجميع، وبعد أخذ وجذب واستجواب وترهيب يفصح الراهب عن حقيقة دعوته، فأنزلوا به أشد العذاب، ظناً منهم بأن ذلك يرده عن دينه، ويأبى الراهب فيميون فى ثبات عظيم، يأبى التخلى عن دينه رغم قسوة مايلاقيه، لم يهزه التعذيب، وما زالوا به حتى خرَّ صريعاً فى أيديهم –


وجاء دور الغلام، خيَّره الملك بين ذلك المصير الذى رآه أمامه، أو العودة لدين قومه، ويأبى الغلام إلا الاقتداء بمعلمه الذى استشهد أمامه، ويأمر الملك بالغلام أن يعذب .. وتنزل السياط على الجسد الصغير ، ولا تصدر من (عبد الله بن الثامر) آهة ولا أناة، وكأن الله أفقده الحس، وألهمه الثبات، ليقوى على ذلك الأمر الجلل .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .


ملحوظة:


هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.


محمد مصطفى


الحلقه السادسه 👇👇👇👇👇


من هنااااااا

تعليقات

التنقل السريع
    close