القائمة الرئيسية

الصفحات

الحلقة السادسة اليمن يحكمها يهود تحريف التوراة من كتاب الطريق الي النور للكاتب الكبير ا/ محمد مصطفي

 


الحلقة السادسة

 اليمن يحكمها يهود تحريف التوراة 

من كتاب الطريق الي النور

 للكاتب الكبير ا/ محمد مصطفي


وتدخل اليمن اليهودية دين الحبرين والملك تُبع، اليهودية الصافية التى تدعو لعبادة الله وحده، وتستقيم شريعتها مع ما فى أيدى الحبرين من أسفار لم تمسها يدُ التحريف والتبديل، اليهودية التى تُبشر بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم ـ خاتم الأنبياء والمرسلين ـ اليهودية الحقة التى أنزلها الله على عباده لتخرجهم من عبادة ما سواه، والتى قل فى زمانهم من يقوم على أصولها الثابتة، فيفتح الله على أهل اليمن هذا الفتح العظيم، ليوحدوه ويعظموه ويخلصوا له الدين، ولولا أن هدى الله مليكهم ( تُبع ) للحبرين ( سُحيت وبليامين ) ما عرفت اليمنُ دينَ التوحيدِ كما أتى به موسى نقيًا لا شائبة فيه ولا تبديل .


ويسير الحبران إلى رمز قديم من رموز الشرك ـ بيت رئام ـ ليحطمانه حتى لا تعلو كلمة فى اليمن فوق كلمة الحق والتوحيد، وكان بيتاً يعظمه اليمنيون أيام شركهم، روَّج كهانُهم حولَه الأساطير والخرافات، وألبسوها على الناس ليستحوذوا عقولهم، ويسلبوا أموالهم بما يلقونه فى نفوسهم من أوهام، حكموا بها اليمن دهراً طويلا.


يسير الحبران إلى بيت ـ رئام ـ الذى كان الناس ينحرون له، ويُكلمون ربَّه الذى قبع فيه على حد زعم الكهانة المُضللة، ويهدمانه ويذبحان كلبَه الأسود الذى تسمَّر على بابه، وتستقيم العقيدة الصحيحة، ويرزق الله البلاد، وتنعم العباد بعد أن كف الملك ( تُبع ) عن الخروج للقرصنة، وخلع هذا السلوك عن نفسه، بل وحرَّمه على غيره، وسنَّ القوانين التى تحمى الحقوق .


وتمر الأيامُ، ويموت الملك (تُبع) ويخلفه فى حكم اليمن ولده ( حسَّان بن تبان أسعد أبى كرب ) وتنقلب أمور الناس رأساً على عقب، بعد أن سار فيهم سيرة خبيثة، وانفض الصالحون أصحاب أبيه من حوله، ويهاجر الحبران (سُحيت وبليمامين )خارج اليمن، خوفاً من بطش الابن العاق لتبع، فقد كان الابن فى حياة أبيه يكن كرهاً دفيناً لهما، وإن لم يُبد ذلك ، فهو فى قناعته أن هيبةَ البلادِ ضاعت، وعظمتها ولت منذ أن عرف أبوه الحبريين، وكان حسَّان يتظاهر أيام أبيه بالتمسك بالدين، وحرصه على أداء الصلوات معه، ليس حبا فى الدين، وإنما خشية أن يحرمه والده من المُلك واستخلافه، خاصة بعد أن حطت أبصار المستشارين فى حياة (تُبع) على أخيه الأصغر (عمرو ) الذى كان يفوقه ذكاءً وفطنة، وعلماً بأمور البلاد .


وما أن آل المُلك له باح بمكنون صدره، وأراد أن يُعيد أمجاد أبيه أيام الضلال والغى، وإن لم يتعرض لليهودية الجديدة صراحة، لانتشارها فى ربوع اليمن .


يأمر (حسَّان بن تبان أسعد أبى كرب ) الابن الأكبر (لتبع) يأمر جيش البلاد بالتجهز والاستعداد لحملة لم يحدث لليمن أن خرجت فى مثلها، يسأله مستشاروه عن وجهته فيجيبهم : والله لأغزون العرب والعجم، وأحكم الأرض ولن أُبقى عرشاً غير عرشى ويسأل (حسَّان) مَنْ حولَه : ما هى أعظم مملكة فى طريقى إلى الشمال ؟ يجيبونه : الفرس أيها الملك، فينهض من مكانه ويصيح : لأبدأن بأمة الفرس، فإذا سقطت من هول ضرباتى، تلوتها بالروم .. ومروا الجيش بالانطلاق .


هكذا أصابه سعار الغرور، وسيطرت الخرافةُ الكاذبةُ على ذهنه المريض، ويخرج فى أقوى جيش عرفته اليمن فى زمانه، وفى الطريق يتهامس أشراف البلاد وساداتُها ووجهاؤها : إلى أين يسير بنا هذا الملك الأحمق المغرور ؟ والله لو اقتربنا .. والله لو اقتربنا من أطراف الفرس لهلكنا جميعاً .. ألا يوجد عاقلٌ بيننا يرده عن حماقته تلك التى ستوردنا الهلكة، وتودى بنا إلى نهاية لا يعلم مداها إلا الله .. ؟ 


ويسير الجيش الغازى وهو مُكره خلف قيادته الرعناء، وكلما قطعوا شوطا فى الطريق إلى (فارس) أم الدنيا وحاضرة العالم آنذاك، يتكاثر الهمس الداخلى بين (عقلاء حمير) وذوى الرأى السديد، ويشعر الملك (حسَّان) فى مقر قيادته بما يدور حوله من خلال عيونه التى دسها فى الناس، ويخشى المعارضة على نفسه فيمضى فى التشديد على أطقم الحراسة، واتخذ التدابير الأمنية المحكمة، وفى ركن قصى من جيشه يجتمع العقلاء ـ عقلاء حمير وأشراف اليمن ـ يجتمعون بأخيه (عمرو) يكلمونه فى ذاك الذى يقودهم إلى الهلاك المحتوم ـ قالوا : أيها الأمير (عمرو ) اجعل لنا رأيا فيما نحن فيه، الملك لا يعبأ بتحذيرنا له مغبة الهجوم على فارس، ومصير البلاد إلى الزوال إن لم تحل بينه وبين ما عزم .


قال الأمير عمرو : أنتم أعرف منى بأخى الملك (حسَّان) لن ينزل عند رأي ولا رأيكم وأخشى إن حدثته بما ترون أن يقتلكم ويقتلنى بعدكم، الملك أخى لا يرى أمامه الآن، أصابه سعار الغزو، وليس لنا إرادة فى فعل شيء، إنها المقادير التى تخلصنا مما نحن فيه .


وينفض الجمع وقد يأس الجميع المخرج، ولكن المحاولات لا تنتهى، ويجتمعون ثانية فى السر، ويدعون الأمير عمرو لحضور ما دبروا، فالأمر يهمه بالدرجة الأولى، ويأتى الأمير عمرو ليجدهم قد خلصوا إلى حل لا ثانى له ـ قالوا : الملك حسَّان الآن قد وصله عنا ما كنا نظن أنه خفى عنه، وبطانته زوَّروا له القولَ وزادوا عما قلنا، وبات فى يقينه أننا نعد له، فإن لم نبادر بإنقاذ مجد (حمير) فى هذه اللحظات العصيبة لن تكون هناك نجاة، اقتل الملك حسان ونجعلك على عرش اليمن، على أن تعود بالجيش إلى البلاد .


قال الأمير عمرو : أقتل أخى ، لا والله لا أفعل ، ولئن فعلت فلن أرى بعد قتله نوماً ولا راحة ، انظروا لى أمراً غير هذا. قالوا : إن لم تقتله سيقتلك ويقتلنا وينحدر بالبلاد إلى الدمار ، الآن أحكم على نفسه طوق الحراسة، وصار يشك فيمن حوله، وكما ترى كثرت قتلاه، وأفرط فى البغى على الرعية، ووصل به الأمر إلى الارتباك والتخبط، أيها الأمير احسم أمرنا وأمر رعيتنا وأمر البلاد .


قال الأمير : فليفعل ذلك غيرى وأنا أبارك له ذلك . 


قالوا : لن يستطيع أحد فعل ذلك سواك، فليس فى الجيش كله من يدخل عليه وسلاحه معه سواك، اقتله وتصير ملكنا .


وينسل حكيم من المجلس لا يرضى بالاتفاق الذى أجمع عليه الحضور، يُدعى (ذو رُعين) آثر البعد عن المؤامرة، وتجنب المشاركة، ويستقر الرأى على قتل الملك بيد أخيه، ويقبل الأمير بالعرض إلا ما كان من (ذو رُعين) الذى كتب كتابا ضمنه أبلغ كلمات الرفض، فى رقعة طواها، قال (ذو رُعين ) للأمير : خذ هذه، واجعلها فى مأمن عندك، حتى إذا أدركت المُلك فتحتها فى يوم تحتاج فيه النظر إليها حين أطلب منك ذلك . قال الأمير : أراك يا ذا رُعين على غير رأى الآخرين !! ألا تحب أن تخلص اليمن مما وقعت فيه ؟


قال ذو رعين : هذا أمر أراده الله، ولكنى أيها الأمير لا أريدك أن تقتل أخاك .. ثم قال : والله يا عمرو ما رأيت أحداً قتل أخاه إلا سيطر عليه الغم والحزن ، وتملكته الكآبة وحُرم النوم حتى مات . وهذا الكتاب الذى اعطيتك إياه ضمنته نصحى، حتى إذا وقع ما وقع كنتُ بريئاً مما تآمر القوم معك عليه .


ويتلألأ كرسى العرش فى عين عمرو ، تُسَوّل له نفسه الأمر تَسويلا ، ويدخل على أخيه الملك حسان، وفى غفلة منه يُخرج خنجره ويوكزه به وكزات تنهى حياته .. ويصيح : أيها الناس هآنذا قتلت الملك الباغى أخى لأحول دون هلاككم ، عودوا إلى اليمن ، فليس لنا طاقة بحرب الدنيا .


ويعود الجيش إلى اليمن، وتدق الطبول على مشارفها، استقبالا للملك الجديد، ولم يكد ينعم باعتلائه العرش فتأتيه الأخبار السيئة، الفتنة التى حدثت فى البلاد أثناء غياب جيشها، ظهور (لُخنيعة ينوف ذو شناتر) قاطع طريق التف حوله سفلة القوم من (حمير ) وراحوا يتربصون الدوائر بالبلاد، فى غيبة جيشها ومليكها، باغتوا الآمنين من الناس فى غفلة من القانون، وعثوا فى الأرض فساداً، ينهبون ، ويسرقون ، ويقتلون ، وإذا عاد الملك وجيشه خرجوا إلى الأودية والجبال على أطراف البلاد ، يتحينون الفوضى أن تأتى فيثبون مرة أخرى .


ولم ينعم (عمرو) بنوم ولا راحة والبلاد تسوء حالتها يوماً بعد يوم ، وتصيب الكآبة ملك اليمن ، ويلازمه الأرق والإرهاق ، أشهرٌ لم يذق فيها للراحة طعماً ، وتعتل صحته بعد أن داهمه داء عضال حار الأطباء فيه ، فلا يجدون للملك شفاء منه ، ويستدعى حكماء البلاط ، ويأمرهم بإحضار أمهر الأطباء من خارج البلاد ، ويقف الطب حائراً أمام مرضه .


ويشير بعضُهم عليه باللجوء إلى الكهانة والسحر كمخرج أخير له، فيأتونه بأبرع المنجمين وفى خلوة الملك يقولون له : لا مخرج لك من مرضك سوى بأمر واحد لا ثانى له، لكننا نراه عسيراً عليك ..


وفى لهفة المتنسم للحياة المتشبث بها يقول : لن يعجزنى أمرٌ .. مهما كلفنى لبلوغى الشفاء ، قولوا لى ذلك الأمر الذى ترون فيه شفائى .. قالوا : تقتل كل من سول لك قتل أخيك حتى تتخلص من لعنة الله، وليس لك نجاة أيها الملك بغير ذلك .


ويأمر الملك بإحضار كل من أشار عليه بقتل أخيه الملك حسان، ويدفع بهم إلى ساحة القطع، الواحد تلو الآخر،حتى قضى على كل مستشاريه وينتظر الشفاء ولا يأتيه !! ويأمر ثانية بإحضار كل من حضر المؤامرة، ويزج بهم إلى ساحة القطع، ويأتى الدور على ـ ذى رُعين ـ فيقف أمام الملك قائلاً : لى أمانة عندك ، أريدها قبل أن تفعل ما عزمت، اخرج لى الرقعة التى أوصيت بأن تكون عندك .. ويأتى الملك بكتاب ذى رُعين ويفتحه ويقرأ فيه :


ألا من يشترى سهراً بنومٍ ... سعيدُ من يبيتُ قرير عين


فأما حميرُ غدرتْ وخانت ... فمعذرة الإله لــذى رُعين


ويقول الملك : صدقت وحرام علىَّ قتلك، اذهب فأنت الناجى من الفتنة، ويموت الملك عمرو بمرضه العضال، ويتنازع إخوة له عرش البلاد، وتسود اليمن فوضى عارمة، يراها (لخنيعة ذو شناتر ) المتربص بالبلاد فرصة للوثوب على العرش، فينتفض ومعه سفلة القوم والمارقين على القانون، ويقتلون إخوة الملك، حتى لا يبقى فى نسل (تُبع) من يسترد الملك، وينجو (ذو نواس) حفيد تبع من المذبحة، يفر به خارج البلاد بعض حكماء اليمن وأشرافها ريثما يعيدوا له حكم أبيه .


وتتحول اليمن إلى أتون مستعر من الاقتتال والفوضى، بوثوب قطاع الطرق واللصوص إلى سدة الحكم بقيادة (لُخنيعة ينوف ذو شناتر ) الذى جعل من اليمن بؤرة فساد وانحلال .


ويمر على البلاد ليلٌ قاس مُظلم، لا بصيص من النور فيه، بعد أن ساد قانون الغاب، وصار القول والفصل لسفلة القوم، وأودع الأحرار فى السجون، يُنحرون فى الأعياد قرباناً للباغى الكبير (لُخنيعة) ففر الشرفاء ، وقل أن تجد كريماً آمناً على نفسه وعرضه وماله، وعلى أطراف البلاد وخارجها يزداد يوماً بعد يوم أعداد الفارين من الداخل، وتمر السنون ويشب (ذو نواس) الذى أحاطه وجهاء اليمن وخططوا لعودته للحكم، يشب فارساً مغواراً قوياً، لا شئ فى رأسه سوى الانتقام وإعادة الأمور إلى نصابها، ويتحين الفرصة ويدفعه سادة اليمن وأشرافها إلى الدخول على (لُخنيعة) وقتله، وإعلان عودة الحكم .


ويتنكر (ذو نواس) فى زى حارس من حراس لُخنيعة، ويندس بين صفوفهم فى هذا اليوم الذى يحتفل فيه (لُخنيعة) بعيد تنصيبه وفيه يحتشد القصر الذى سيطل من شرفته الملك لإلقاء كلمته أمام الشعب ، وينتظر أهل اليمن ظهور (لُخنيعة) الذى تأخر فى الإطلال عليهم، فى هذه اللحظات كان (ذو نواس) أمامه ، وفجأة يغافله بضربة تنهى حياته، وينتفض معاونوه على حرسه، يوثقونهم ويقطع (ذو نواس) رأس (لُخنيعة) ، وبدل أن يطل من الشرفة لُخنيعة، يرى الناس شاباً لم يعرفوه، يضع على رأسه تاج المُلك وفى يده رأس (لُخنيعة) وينادى المندسون داخل الجماهير المحتشدة : هلموا . حيوا ملك حمير حفيد (تُبع) إنه ذو نواس ، ويصيح ذو نواس فيهم : ها أنا ذا أعدتُ لكم حكم بلادكم كما كانت، وهاك رأس الطاغية ، وقذفها من الشرفة ، ويهلل الناس فرحاً : الحياة لذى نواس سليل ملوك حمير ، المجد لمخلصنا ذو نواس .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .


هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.


محمد مصطفى

تعليقات

التنقل السريع
    close