القائمة الرئيسية

الصفحات

ملاك فى قبضة الشياطين الفصل الثالث والرابع والخامس

  


ملاك فى قبضة الشياطين 

  الفصل الثالث والرابع والخامس

الفصل الثالث

أستيقظت زينة فى الصباح الباكر وكانت نبيلة نائمة فى الفراش المجاور لها فشعرت بالأرتياح لرؤيتها بالغرفة .

ذهبت الى الحمام للأغتسال وكانت قد بدلت ملابس النوم 

رن هاتفها النقال فأخرجته بسرعة من حقيبتها متوقعة أن يكون والدها وكانت على حق وقد اجتاحها شعور بالذنب لما ستضطر اليه من كذب وردت قائلة :

- صباح الخير يابابا .

- صباح الخير حبيبتي .. ايه اخباركم ؟

- بخير .. انا لسة صاحية حالا .

- ونبيلة ؟ .. لسة نايمة طبعا .

ألقت زينة نظرة على نبيلة التى تنام كالميتة رغم نور الصباح الذي كان يملأ الغرفة وقالت بخفة

- آه .. أنت عارف يابابا الصحيان بدرى بيعكر مزاجها .

سمعت تنهيدته الحارة قبل أن يقول

- فعلا معاكى حق .. قوليلى : كان ايه اخبار الفرح ؟

أخبرته كاذبة أن الزفاف كان رائعا والعروس كانت جميلة وسعيدة , 

عقب والدها قائلا :

- عقبالك يا حبيبتى أنتى وأختك .. وأفرح بيكم عن قريب ان شاء الله .

أنتهت المكالمة بعد أن وعدته بعدم التأخر فى العودة ثم جلست على حافة الفراش تحدق بحزن فى الهاتف ومن ثم الى نبيلة وتمتمت قائلة :

- ربنا يهديكى .

نزلت زينة الى الشاطئ والذي كان مهجورا في مثل هذه الساعات المبكرة من الصباح .. خلعت حذائها وسارت حافية فوق الرمال تداعب حبيباتها الصغيرة الناعمة بأصابع قدميها العارية والرائحة المميزة لهواء البحر المالح يدخل كالمسكرات داخل أنفها ..., مدت بصرها الى نهاية البحر حيث تتلاقى السماء الزرقاء مع المياه الفيروزية وتمنت فى تلك اللحظة لو ترى ما يوجد فى الناحية الأخرى من العالم .. ولم تكن تعرف فى هذه اللحظات أن القدر سيحقق لها هذه الامنية بأسرع مما تتوقع .


***************

كادت نبيلة ان تطير من شدة الفرح وهى ترتب ملابسها فى الحقيبة فسألتها زينة وكانت قد تغاضت عما حدث منها فى حقها بالأمس خاصة عندما رأت ما كانت تعانية من قلق عليها

- باين عليكى انك سعيدة جدا !!

أبتسمت لها نبيلة وتقريبا ضحكت وهي تقول

- تعرفى مين عرض أنه يوصلنا بنفسه للقاهرة ؟

ولم تنتظر منها الرد وتابعت

- خالد .

عبست زينة وقالت

- ليه ؟ خلينا نسافر وحدنا زى ما جينا .

توقفت نبيلة عما كانت تفعله وقد أختفت ابتسامتها ونظرت اليها بغضب ثم قالت :

- أسمعي .. كفاية أنى اتحملت الفضيحة اللى عملتيهالى امبارح لما هربتى زى الغبية وكنت مرعوبة لحسن خالد يطردنى بسببك .. لانه كان قلقان لتحصلك مصيبة وتسببيله المشاكل

أغتم وجه زينة .. اذن هى لم تكن قلقة من أجلها وانما قلقة من أن يطردها صديقها من حفلته , وتابعت نبيلة وقد عاد اليها حماسها

- انا مكونتش مصدقة نفسى لما عرض عليا انه يوصلنا .

سألتها بحنق

- وهيعمل ايه مع صديقته ؟

ضحكت نبيله بأستهزاء

- صديقته ؟.. هو خالد له صديقة معينة ؟ .. ده ييغيرهم زى ما بيغير قمصانه .

كانت تدرك بأنه ليس بشخص مثالى ولكن سماعها لنبيلة تقر بتلك الحقيقة وهى غير مبالية لما قد يحدث لها معه جعل القلق عليها يتفاقم بداخلها .

بعد الظهر كان كل المدعوين اللذين قضوا ليلتهم فى الفيلا يستقلون سياراتهم أستعدادا للمغادرة ووقفت زينة مع نبيلة بجوار سيارة خالد الفارهة , كانت نبيلة تشعر بالخيلاء ورأتها تنظر بتشفى الى تلك الفتاة التى كانت ترتدى الثوب الأحمر بالأمس والتى بادلتها نظراتها بنظرة نارية قبل أن تستقل احدى السيارات وكان وجهها شاحبا بشدة كما لو كانت مريضة , 

مرت فكرة ببال زينة جعلت بدنها يقشعر أشمئزازا .. ان كانت هذه الفتاة هى حبيبة خالد ومن المفترض أنها تحبه وتغار عليه من أختها .. فمن يكون ذلك الشاب الذى كانت تقبله على الشاطئ فى الظلام بالأمس؟ !!

- انتم جاهزين ؟ .. قالها خالد استعدادا للتحرك

على الفور تعلقت نبيلة بذراع خالد بدلال وقالت

- طبعا جاهزين .

وأطلقت ضحكة مرحة لا لزوم لها وهي تنظر بأتجاه السيارة التي استقلتها الفتاة الأخرى

- خالد : عاملة ايه النهارده ؟

أنتبهت زينة انه كان يتحدث اليها مبتسما لها فردت بأقتضاب

- بخير الحمد لله .. أشكرك .

أستحوذت نبيلة طوال الطريق على الحديث كله مع خالد ورغم ذلك لم يكف عن رمق زينة بنظراته طوال الوقت من خلال مرآة السيارة الأمامية مما جعلها تشعر بالحرج وعدم الراحة فأختبأت خلف نظاراتها الشمسية متظاهرة بعدم ملاحظتها له .

توقفوا أثناء الطريق عند احدى محطات البنزين وهناك أخرج خالد رزمة من النقود أعطاها لنبيلة وطلب منها أن تشترى طعاما ومشروبات ليتسلوا بها أثناء الطريق , 

أخذت نبيلة منه المال دون تردد وخرجت من السيارة .

بعد أن أنتهى خالد من من دفع حساب البنزين لعامل المحطة أستدار الى زينة وأبتسم قائلا

- انا مسمعتش صوتك من ساعة ما اتحركنا .. انتى حاسة بالتعب والا لسة زعلانة من اللى حصل امبارح ؟

قالت وهى تتمنى لوكانت ذهبت مع نبيلة بدلا من البقاء معه بمفردها فى السيارة

- لا ده ولا ده .. أنا كويسة والحمد لله .

هز رأسه وقال بجدية

- ناني قالتلى عن الكلام الحقير اللى قالته ليكى نجلاء امبارح عنى فأرجو انك متصدقيش كلامها ؟

تململت زينة فى مجلسها .. كانت لا تعرف بماذا أخبرته نبيلة بالضبط وقالت

- انا من طبعى انى ماحكمش على شخص معرفش عنه حاجة بمجرد كلام اسمعه من الناس .

ثم أطرقت برأسها تنظر الى أصابع يديها فى حجرها لتتجنب النظر اليه وهي تدعو أن تعود نبيلة سريعا , قال بقسوة أجفلتها بعد صمت قصير

- عموما .. هى أخذت عقابها بالطريقة اللى تستحقها .

رفعت رأسها اليه بخوف من نبرة صوته .. ورأت وجهه وقد تحول بالكامل الى قسوة عنيفة أرعبتها ... وللعجب لم تعد ترى أى جمال فى ملامح وجهه .. وعندما لاحظ خوفها أبتسم بسرعة لتلين ملامحه وكأن الوجه الآخر لم يكن له وقبل أن يتابع رن جرس هاتفه فعبس وهو ينظر الى رقم المتصل ثم رد وهو ينظر الى زينة نظرة أعتذار

- آسف .. أنا فى مشوار عمل .

تحدث بالأنجليزية الى أمرأة تدعى فريدريكا وفهمت من مكالمته أنه يدير عملا له علاقة بالسياحة والرحلات البحرية وبعد أن أنهى أتصاله سألته بفضول

- هو انت بتشتغل فى مجال السياحة ؟

أبتسم وقد تهللت أساريره وكأنه قد أسعده أنها صارت تتحدث اليه براحة وأجاب

- تقدرى تقولى كده .. ده عمل من ضمن أعمال تانية.

قالت بحماس

- كنت بحلم دايما بالسفر واتمنيت انى اشتغل مضيفة طيران عشان اقدر الف العالم

أبتسم وقد تألقت عيناه بنظرة طامعة ثم قال

- لما نتجوز .. أوعدك برحلة معايا حوالين العالم .

شعرت زينة بالصدمة ولكن لم يسمح لها الوقت للتعليق فقد عادت نبيلة تحمل مشترياتها وأكملوا الرحلة كما بدأوها .. نبيلة تتحدث وخالد يستمع اليها وزينة صامتة ولكن هذه المرة كان صمتها ملئ بالحيرة والتساؤلات .. هل كان جادا فيما قاله أم أنه كان يمزح ؟

**************

ما حدث فى الأيام التالية أثبت لزينة أنه لم يكن يمزح أبدا فقد تعرضت الى مطاردة شرسة منه ..

حصل على رقم هاتفها بطريقة ما ولكن ليس عن طريق نبيلة بالتأكيد فما كانت ستتركها فى حالها خاصة وأنها مهتمة به ..

فى أول مرة أجابت على أتصاله لم تكن تعلم أن الرقم له وعندما سمعت صوته ألتهبت مشاعرها وتباينت ما بين الفرح والخوف وصوته الأجش المثير يكاد يسحرها ويخرجها عن أتزانها

- وحشتينى يازينة .. ياترى وحشتك زى ما انتى وحشانى ؟

عجزت عن الرد من المفاجأة فتابع

- عارف أني فاجئتك بأتصالي .. لكن كنت عايز أسمع صوتك وأطمع أنك تسمحي لي انى اشوفك .

قالت بصوت مهزوز

- لا .. أقصد آسفة مقدرش اقابلك و.. ومع السلامة .

وأنهت المكالمة بقلب خافق .. 

أعاد الأتصال بها ولكنها رفضت الرد عليه فأنهمرت عليها رسائل الواتس آب وبعد قراءتها لأول رسالتين رفضت بقية الرسائل فقد كان تأثير كلماته على مشاعرها يوازى تأثير صوته وأكثر فخافت أن تضعف .. فأنطباعها عنه وعن طريقة حياته التى رأتها دليلا على أنه ليس شخصا جادا ولا يجب أن تأتمنه الفتاة على نفسها ولم تجرؤ على اخبار نبيلة بأتصالاته تلك .. فسوف تجعل من حياتها جحيما ان هي عرفت أنه مهتم بها الى حد أن يلح عليها بأتصالاته ورسائله .

تجاهلها لمكالماته ورسائلة جعله يظهر بنفسه ...

كان ذلك فى نهاية أحد أيام العمل المرهقة جدا وقد مر اليوم عليها بطيئا وعندما جاءت ساعة الأنصراف لم تصدق أن الشيفت أخيرا قد أنتهى وأنها قادرة على المغادرة .. بدلت ملابسها بسرعة وقابلت نبيلة أثناء خروجها من غرفة تبديل الملابس فطلبت منها أن تنتظرها ليعودا الى البيت معا فقالت زينة لها

- هستناكى برة .

وما كادت أن تخرج من الباب الخلفي للفندق المخصص للعاملين حتى سمعت صوته قريبا منها

- مساء الخير .

صوته العميق الأجش صوت لا يمكن أن تنساه .. فقد كانت تحلم به فى يقظتها ومنامها .

كان ينتظرها ..... أنيق وجميل وجذاب وقد لفت نظر كل أمرأة مرت امامه وأجبر خطواتهن لأن تتمهل لتطيلن النظر اليه ولكنه كان ينظر اليها وحدها مما أشعرها بأهميتها وغذى غرورها وتساءلت .. كيف عرف بموعد أنتهاء مناوبتها ؟!!

- ازيك يا زينة .. عاملة ايه ؟

- أنا بخير .

- ممكن اعزمك فى مكان نقدر نتكلم فيه ؟

أكتفت بالتحديق فيه مما دفعه ليطلق ضحكة غنى لها قلبها طربا ثم قال

- امتى هتبطلى خجلك ده معايا ؟

خرجت نبيلة فى تلك اللحظة لتحول دون ردها عليه وفكرت زينة .. أنها دائما تأتي فى الوقت المناسب , فصاحت نبيلة بفرحة

- خالد .

تغيرت أبتسامته نوعا ما ولكن نبيلة لم تلاحظ ذلك ووقفت متعلقة بذراعه مما جعل وجه زينة يحمر خجلا ,. قالت نبيلة :

- ايه المفاجأة الحلوة دى .. ايه اللى جابك هنا ؟

نظرت اليه زينة بأهتمام لتسمع رده

- كنت قريب من هنا فقلت أمر عليكم وأعزمكم على العشاء .

ثم نظر مباشرة الى عيني زينة التى أتسعت رهبة , أدارت نبيلة ظهرها لزينة وتعلقت أكثر بذراع خالد

- انا معنديش أي مانع .

لم تفارق عيناه زينة وسألها

- وأنتى يا زينة ؟

ألتفتت اليها نبيلة بحدة ونظرت اليها نظرة معناها ( لا تقبلي ) أمتقع وجه زينة وردت

- شكرا ليك .. بابا مش هيعجبه ده وهيزعل منى .

نظر الى نبيلة رافعا أحد حاجبيه ساخرا وسألها

- وأنتى ؟

ضحكت بأستهتار

- مش لازم يعرف .

ثم قالت لزينة

- قوليلهم فى البيت أني هتأخر فى الشغل النهارده .

عبست زينة بشدة وقالت وقد شعرت ببعض التمرد

- أتصلي أنتى بيهم وقولي اللى عايزة تقوليه .. أنا مش هكذب بدالك .

أمسكتها نبيلة من ذراعها وتنحت بها جانبا وهمست لها :

- انتى قاصدة تحرجينى قدامه ؟ أعملي اللى قلتلك عليه .. بابا عمره ماهيصدقنى الا لو اكدتى انتى على كلامى

قالت بعناد

- لا .. انا مش هتستر عليكى بعد النهارده .. أكذبي انتى براحتك لكن انا لأ . 

تفاجأت نبيلة من تمردها الذي لم تعتاد عليه منها ورمقتها بنظرات نارية غاضبة قبل أن تستدير الى خالد وتقول له

- آسفة ياخالد .. افتكرت أن جايلنا ضيوف على العشاء النهارده .. ممكن نأجل العشا ليوم تانى

هز رأسه بأدب وقال :

- اوكى .. نبقى نخليها فى يوم تانى .

وقبل أن يذهب هز رأسه لزينة والتسلية فى عينيه .

لم تنسى لها نبيلة هذا الموقف وعملت على جعل أيامها التالية جحيما خاصة وأن خالد لم يعاود الظهور مرة أخرى .. فكانت تغضب وتصيح بها بسبب ومن غير سبب وعلى أشياء تافهة .. فقد خرجت مرة من حجرتها غاضبة وبيدها علبة الكريم المرطب الخاص بها وصاحت بزينة

- قلت لك الف مرة متستعمليش حاجتى .. اديكى خلصتيلى الكريم .. انتى تعرفى تمنه كام؟

أنكرت زينة التهمة وقالت :

- أنا والله ما جيت ناحيته من ساعة آخر مرة قلتى بلاش تستعمليه .

- نبيلة : كدابة .. العلبة كانت مليانة .. شايفة فاضية ازاى .

ثم ألقت العبوة فى وجهها وعادت الى غرفتها تاركة زينة على وشك البكاء .

وبعدها بيومين تطور الأمر بينهما الى شجار كانت فيه نبيلة الأقوى كالعادة وهذه المرة أتهمتها أنها وضعت بلوزتها البيضاء مع قميصها الأحمر فبهت عليه وزينة أقسمت باكية لأمها التى جاءت من المطبخ مهرولة على صوت شجارهما

- أقسم لك بالله يا ماما أني ما لمستش بلوزتها .

سبتها نبيلة بلفظ قبيح صدمها ودفع أمها الى نهرها وتعنيفها بشدة فأتهمتها نبيلة قائلة

- أنتى دايما تمثلى دور البريئة الطيبة وتقلبى أبويا وأمي عليا يا خبيثة .

صاحت زينة ودموع القهر تملأ عينيها

- ده مش صح وكل مشكلة أنتى اللى بتبدأي بيها مش أنا .

لكزتها نبيلة بسبابتها فى صدرها

- وده دليل على لؤمك .. تقومى بأستفزازي ومضايقتي بحركاتك الخبيثة وترسمى دور البريئة وأنا من غبائي أسهل لك الأمور فأظهر قدام ماما وبابا ان انا الغلطانة ويعنفوني عشانك .

تدخلت أمها للمرة الثانية تدفع نبيلة بعيدا عنها

- ابوكم هيرجع فى أي لحظة دلوقت وان سمع صوتكم العالي فى مش هيرحمكم انتوا الاتنين .

قالت نبيلة ناظرة الى أمها بمرارة

- تقصدى مش هيرحمنى انا .. ماهو انا اللى دايما مغلطنى .

رقت ملامح أمها وأبتئس وجهها وقالت

- ياحبيبتى ابوكى بيحبك بس قلقان عليكى ..

قاطعتها نبيلة صائحة بالبكاء

- أنتى بتدافعى عنه و ..

هزت زينة رأسها بأسف وتركتهما ودخلت الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها ... فنبيلة فى طريقها الى اعادة تمثيل الدور الذي تلجأ الى القيام به دائما كلما أصبحت فى مأزق وتنجح فى أستمالة قلب أمها بدموعها


**************

عاد خالد للظهور من جديد وكان ذلك بعد أسبوع من النكد المتواصل من قبل نبيلة

رأته زينة يقف بجوار سيارته أمام الباب الخلفي للفندق بأنتظارهما مثل المرة السابقة وهذه المرة لم تدع نبيلة الفرصة تطير من يدها وتجاهلت زينة وأسرعت تصعد الى السيارة , 

أقترب خالد من زينة متجاهلا نبيلة وهو يتمعن النظر فى وجهها وكأنه عاشق ولهان .. أحمر وجهها كالعادة خجلا وهو يقول بصوته المثير والغير عادي

- زينة .. حقيقى وحشتينى اوى .

خفق قلبها وأكتشفت فى لحظة أنها مثله .. قد أشتاقت اليه .. لمعت عيناه وقد لاحظ تأثرها فقال :

- انا كنت مسافر فى عمل ورجعت النهارده بس ومقدرتش امنع نفسى انى اجى واشوفك .

قالت بقلب خافق

- حمدا لله على سلامتك .

سألها بأمل

- تسمحيلى اوصلك او نخرج مع بعض ؟

نظرت زينة بسرعة الى نبيلة التى تجلس فى السيارة تنظر اليهما بغضب وشك وكانت عاجزة عن سماعهم من تلك المسافة فقالت وبداخلها شئ من الأحباط

- لا .. شكرا .. مش هقدر .

أبتسم بحزن ولكنه لم يصر

- على راحتك .. بس عايزك تعرفى أني فعلا مهتم بيكى بجد وبفكر فيكى دايما .

أصبحت فى قمة الخجل والسعادة معا وقد توهج وجهها بلون جميل راقت له فزاد من نظراته لها أكثر, .. أطلقت نبيلة بوق السيارة بنفاذ صبر وعلقت يدها عليه بطريقة مزعجة جعلت زينة تجفل وأشتد وجه خالد واختفت أبتسامته وأستدار ببطء رهيب لينظر الى نبيلة .

لم ترى زينة وجهه ولكنها رأت وجه نبيلة يشحب ويدها تتجمد على عجلة القيادة وعيناها تتسعان بنظرة رعب وبسرعة سحبت يدها ووضعتها فى حجرها وأطرقت برأسها لأسفل .. حدث كل ذلك فى ثوان ولكنه جعل زينة تشعر بالذهول والقلق وعندما عاد خالد ينظر اليها كان مسيطرا وهادئا ولكن شفتاه كانتا متوترتان , لاحظ قلقها ونظرتها المسلطة بحيرة على نبيلة فقال بأبتسامة : انسانة غريبة ..

أنها لا تفهم ما يحدث معه .. أنها ليست المرة الأولى التى ترى فيها مزاجه يتغير بتلك الطريقة التى تثير الخوف فى نفسها حتى ولو لم تكن هي المقصودة بذلك

سألها :

- احنا كنا بنقول ايه ؟

قالت بتوتر وهي تشعر فجأة برغبة شديدة في الهروب من امامه

- أرجوك لازم امشى ميصحش اقف كده قدام مقر عملي ده يسئ لسمعتي .

ثم أنصرفت بسرعة من أمامه ولم يحاول أن يوقفها ولم تتمهل هي لتلقي نظرة أخرى على أختها .

وعندما عادت الى البيت سألتها أمها عن نبيلة فقالت بيأس لم تستطع أخفاءه

- مش عارفة .

عبست أمها بشدة وقالت بنبرة قلقة

- ابوكى بيصلي دلوقتى واكيد هيسأل عنها لما يخلص صلاة .. انتوا مخرجتوش مع بعض من الشغل ؟

زفرت زينة وأضطرت أن تقول كاذبة بعد أن رأت وجه أمها يشحب من القلق

- لا .. فى زميل ليها فى الشغل غاب فطلب منها المدير أنها تقعد مكانه لسد العجز .

أرتاح وجه أمها وأختفى القلق منه فشعرت زينة بالشفقة عليها فهي تظن أحيانا أن أمها تعلم كل شئ عن سلوك أبنتها وليست جاهلة كما تبدي ولكنها تحاول أن تحميها وتغطي على أفعالها حتى لا يغضب والدها عليها .. أرادت زينة عدة مرات أن تحذرها ولكنها كانت تتراجع دائما لأنها تعتقد أنها لا تريد حقا أن تعلم .

وعندما عادت نبيلة الى البيت بدت فى حالة غريبة .. شاحبة وشاردة وشيئا آخر كانت تراه زينة فى عينيها وهي تنظر اليها وكأنها...

تكرهها ..

وفي اليوم التالي وبعد خروجهما من البيت قاصدتان العمل فاجأتها نبيلة بقولها :

- انا مش هروح الشغل النهارده .. قدميلي على اجازة عارضة .

- زينة : وهقول فيها ايه ؟

قالت متجنبة النظر الى وجهها

- أي حاجة .. قولي ابويا عيان .

ثم تركتها وأسرعت الخطى ووقفت زينة فى منتصف الشارع تشيعها بنظرها بحيرة .. تتساءل .. ما الذي يحدث معها ؟!!!!

وبعد يوم كان أطول يوم عمل مر عليها فى حياتها عادت زينة الى البيت وفوجئت بنبيلة قد عادت .. لم يتثنى لها التحدث معها فقد نادى والدها عليها فور دخولها الى المنزل وطلب أن يتحدث اليها فتبعته الى حجرة الجلوس وما أستطاعت زينة فهمه أخيرا من حديثه المطول والذى تخلله بعض من خجل الأباء الطبيعى فى مثل هذه الحالات هو أن شابا قد تقدم لخطبتها وعندما ذكر أسم خالد لم تصدق نفسها وسألها عن رأيها ولكنها أمتنعت عن أعطائه جوابا شافيا قائلة :

- ممكن يابابا تدينى فرصة افكر فى الموضوع ده ؟ .

قال والدها برزانة :

- أنتى تعرفيه .. مش كده ؟

أحمر وجهها قليلا وأجابت :

- ايوة .. اتقابلنا فى الزفاف اللي حضرناه فى اسكندرية .

كانت كارهة لكذبها عليه ولكن نصف الحقيقة أفضل من لا شئ , هز رأسه متفهما وقال :

- ده اللى هو قاله برضه .

زاد وجهها أحمرارا من الخزي فهو كذب أيضا لأجلها

سألته :

- هو جه هنا ؟

- ايوة .. جابته اختك نبيلة بعد الضهر .

ذهلت زينة .. هل كانت تعرف بنيته أم أنه فاجأها هي أيضا ؟

أستأذنت زينة من والدها لتعود الى غرفتها .. قابلت أمها وهى خارجة منها ونظرت اليها بأبتسامة شاحبة مفتعلة وضمتها اليها ضمة سريعة ولكن حنونة وهي تتمتم

- الف مبروك يا حبيبتى .

هناك شئ جعل أمها عاجزة عن النظر الى وجهها وهي تبارك لها وعرفت السبب عندما وجدت نبيلة متكورة فوق فراشها تغطى جسدها حتى رأسها فأدركت زينة أنها حزينة وأن خبر خطبة خالد لها صدمها وأحزنها .. رؤيتها لأختها بهذا الشكل جعلها تتخذ قرارها .. لن تقبل بالزواج من رجل تريده أختها .

*****

***** ملاك فى قبضة الشياطين

*****الفصل الرابع

لم تذهب نبيلة الى العمل فى اليوم التالي وظلت فى المنزل بحجة المرض وكان شحوب وجهها وذبول عينيها يدعمانها .

أبلغت زينة والدها بقرارها النهائي قبل خروجها وتركت له مهمة ابلاغ خالد به فأبتسم لها والدها بحزن .. فهو تقريبا يفهم سبب رفضها فقد قال :

- متشغليش بالك باختك واظن انك فاهماها كويس ... وهي لسة صغيرة وجميلة وهيجيلها نصيبها قريب باذن الله وساعتها هتفهم أن خطبتك قبلها مش معناها أنها بارت ومش هتلاقى اللى يتقدملها .

ابتسمت بأسى فقد كانت مخطئة فهو لا يفهم الأمر على حقيقته ... وهو أن نبيلة تريد نفس الرجل الذي يريدها فقالت

- مش هو ده السبب يا بابا .. أنا مش مقتنعة بيه وكمان انا حاسة انه غريب عني .

قال :

- انا فاهمك يا بنتى .. وعشان كده انصحك انك تاخذي وقتك فى التفكير قبل ما تقرري .

قالت بأصرار

- انا خلاص قررت فعلا .. أنا مش موافقة عليه .

****

للمرة الثالثة تنقذها سمر وتقوم بتعديل الحجوزات التي سجلتها زينة بطريقة خاطئة وقالت وهي تقوم بالتعديل على جهاز الكمبيوتر

- مالك يازينة ؟

- زينة : معلش يا سمر .. آسفة اصل حاسة بشوية تعب

نظرت اليها سمر عابسة

- سمر : مش عارفة ليه حاسة ان لنبيلة دخل بتعبك ده وهو ده سبب غيابها يومين ورا بعض عن الشغل

نفت زينة الأمر بسرعة قائلة :

- لا .. لا لنبيلة ملهاش اى دخل فى تعبى .. ده موضوع شخصي .

ربتت سمر على ذراعها وقالت :

- لو حبيتى تحكيلى هتلاقينى تحت امرك .

أبتسمت لها زينة بأمتنان فتابعت سمر

- طيب ياحبيبتى حاولى تركزى فى شغلك لحسن المدير بيراقبنا من بعيد .

في منتصف نهار العمل فوجئت زينة بخالد يقف أمامها فى قاعة الأستقبال وكان ينظر اليها بتجهم .. كان كاملا كعادته وجعل قلبها ينتفض داخل صدرها واحتارت فيما يجب أن تقوله له ولكنه لم يمهلها الوقت لتقول شيئا وقال هو 

- هنتظرك برة بعد ماتخلصى شغلك وقبل ما تعترضي .. انا اخدت الاذن من والدك ووافق

كانت زميلتها سمر شبه منومة مغناطيسيا وهي تتبعه بعينيها وهو ينصرف بعد أن أنهى كلماته وسألتها :

- مين ده ال .. ال .. هو اسمه ايه اله الجمال عند الأغريق ؟

من داخلها شعرت زينة بالفخر لأن هذا الشاب الرائع يريدها ولكن للأسف هي على وشك ابلاغه برفضها له, أغتم وجهها بعد هذه الفكرة وقالت ردا على سمر

- أبولو .. اله الشمس .. الموسيقى والشعر .. مش الجمال .

قالت سمر مبتسمة وهي تتأمل وجه زينة الحالم

- طيب هو عايز منك ايه هذا الأبولو ؟

أنقذها من الرد وصول زوجين من الألمان للأستفسار عن شئ لم تستمع اليه زينة وهي شاردة تفكر فى لقائها القادم معه .

****

قالت له سبب رفضها فما كان منه الا أن ضحك فسألته بحزن عن سبب ضحكه وكانا جالسين فى كافيه قريب من الفندق فقال :

- أنتى بتفترضى حاجات مش صحيحة .

- زينة : مش صحيحة ؟.. أنت مشوفتش هى حالتها عاملة ازاى .

- من غير ما اشوف .. طيب انتى سألتيها سألتيها ؟

- لا .. لكن ..

قاطعها بثقة

- أسأليها .

كان موقفها صعبا ولا تريد أن تكون ناكرة لجميل والديها وأن تتعس قلبيهما على أبنتهما الوحيدة

سألها

- هو ده بس سبب رفضك ليا ؟

هزت رأسها ايجابا بخجل .

تنهد براحة وقال :

- معنى كده انك بعد ما تتأكدي من نبيلة هتقوليلى انك موافقة .. مش كده؟

هزت رأسها مرة أخرى وابتسمت ..

ولكنها فى الحقيقة كانت قلقة من مواجهة أختها .

عندما عادت زينة الى البيت أستجمعت شجاعتها وفاتحت نبيلة فى الأمر

ولدهشتها ضحكت نبيلة .. رد فعل لم تكن تتوقعه وأتهمتها بالحمق

- أنتى غبية .. لو كنت مكانك مكونتش فكرت حتى أنى أسألك .. شاب زى خالد ميتقالوش لا .

أرتبكت زينة وسألتها بحيرة

- معنى كلامك انك مش بتحبيه ؟

هزت نبيلة كتفيها بأستخفاف وقالت بتكبر

- منكرشأنى كنت اتمناه لنفسى .. غنى ووسيم .. لكن انا اقدر أصطاد الأفضل منه فمتقلقيش عليا .

*****

ساء والدها أن خالد عندما جاء لخطبتها جاء وحده من دون والديه وعندما جلس معه ليتفقا على أمور الزواج وقراءة الفاتحة جاء وحيدا مرة أخرى وتسبب هذا بالحرج لها ولوالدها فتحدث مع زينة قائلا بضيق بعد ذهابه

- أسمعيني يا بنتي .. هو فعلا شاب جاد فى كل حاجة تخصك .. بس انا مقدرش اسلمك لراجل معرفش حاجة عن عيلته .. انتى يابنتى امانة فى رقبتى .

وافقته زينة الرأي ووعدته قائلة :

- كلامك صح يابابا وانا هتكلم معاه وهنقل ليه وجهة نظر حضرتك .

كانت ماتزال تشعر بالخجل من خالد والأحاديث بينهما معظمها من جانب واحد .. جانبه هو .. لذلك فكرت أن تتصل به لمناقشته فى أمر كهذا .. فليس سهلا عليها وهي لم تعتاد عليه بعد .. أستجمعت شجاعتها وبعد تردد أتصلت به .. أجاب على أتصالها من الرنة الثانية وسمعت صوته سعيدا بمكالمتها وقال

- أول مرة تتصلى بيا .

أحمر وجهها ..

سألها مازحا عندما طال صمتها

- ياترى فى سبب معين لأتصالك والا اشتاقتى ليا زى ما بشتاقلك ؟

ازداد حرجها فقالت بتلعثم

- أشتقتلك .

كتمت بعدها أنفاسها واستمعت الى صوت زفرة أرتياح قال بعدها

- أنتى متعرفيش كنت اد ايه مشتاق انى اسمع الكلمة دى منك .. أنا كمان أشتقتلك لدرجة لا تتخيليها يا حبيبتي رغم ان كل اللى عدى ساعة واحدة بس من وقت ما كنتى معايا .. ومش قادر اصبر لغاية ميعاد فرحنا .

أبتلعت ريقها وهي تحاول تهدئة دقات قلبها , ضحك قائلا بنعومة :

- فى ايه؟ .. انتى رجعتى للكسوف منى تانى؟ .. أنا اقدر اتخيل شكل وشك وخدودك اللى زاد لون احمرارهم .. حبيبتي الخجولة البريئة .

أنها المرة الثانية التى يدعوها بحبيبتي فيشع وجهها بالسعادة وكانت داخل عالمها الرومانسي الحالم فلم ترى نبيلة وهي تقف عند الباب ونظراتها المسمومة بالحقد مسلطة عليها .. لقد ظلت طوال فترة زيارة خالد تجلس على مقعدها متيبسة .. ترسم أبتسامة غريبة على شفتيها .

أنهت زينة مكالمتها مع خالد ولم تتطرق فيها لموضوع عائلته ولكنها طلبت أن تراه فوعدها بأن يكون عندها غدا بعد أن تنتهى من عملها .

****

كان يمسك بباقة ورد كبيرة .. وردات حمراء قانية تخطف الأنفاس بجمالها .. أسرعت زينة الخطى اليه وخطفتها تقريبا من يده وهى سعيدة بها لدرجة جعلتها لا تكف عن الثرثرة وشكره وهي تعرب عن مدى حبها لتلك الوردات فقال ضاحكا

- لو كنت اعرف أن الزهور هى اللى هتفك عقدة لسانك جبتهالك كل يوم معايا .

ضحكت زينة بمرح ونسيت خجلها منه تماما وصعدت الى سيارته وهي تضم الباقة الى صدرها وقالت :

- جميلة اوى .. شكرا ليك .

نظر اليها برقة

- أنتى جميلة زيها .. لأ ده أجمل منها بكتير .

أبتسمت بسعادة .. هل هي جميلة حقا كما يقول ؟ ثم راحت تفكر بكل الفتيات الجميلات المتألقات اللاتي كن فى حفلته وقارنت نفسها بهن وكانت النتيجة مؤسفة لها .. تجهم وجهها ولأول مرة تتساءل .. لماذا هي ؟.. ما الذي يميزها ويثيره فيها .. فهي ترى نفسها عادية مقارنة بهن .. ملابسها عادية ومتواضعة .. تصفيفة شعرها مملة .. وجهها لطيف ولكن ليس رائع الجمال .

سألها بعد أن جلسا في كافيه ملحق بأحد الفنادق الكبرى

- ممكن اعرف أنتى ليه متوترة .. فى حاجة مضايقاكى ؟

تلفتت حولها ثم قالت وهي مازالت متأثرة بأفكارها السابقة عن عدم ملائمتها له

- لو كنت أعرف أنك هتاخدني لمكان زى ده كنت حاجة تليق اكتر من اللى لبساه .

فقد كانت ترتدي جينزا عاديا وقميص ازرق شاحب .. كانت تعتقد أنهما أفضل ما لديها ولكنهما ليسا الأفضل لمثل هذا المكان الباهظ والذي لا يرتاده سوى الأثرياء

قال بترفع وبلامبالاة وهو ينظر حوله

- مش عايزك تهتمى بالشكليات دى .. أنتى رائعة مهما كان اللى لبساه .. متغركيش المظاهر كلهم نفوسهم أقل قيمة من اللبس اللى عليهم .

دهشت من قوله ولم تفهم سبب مرارته وتأملت ملابسه التى قد تبدو عادية ولكنها بالتأكيد باهظة الثمن وتحمل علامة ماركة عالمية .

وكأنما شعر بما يدور بخلدها فمال الى الأمام وأمسك بيدها ونظر الى عينيها التى حاولت أن تتهرب بهما من عينيه

- بصيلى يازينة .. انتى قريب هتكونى مراتى .

قالها بفخر ثم تابع

- ولازم مراتى تكون حاسة بقيمتها الحقيقية .

سألته

- تقصد قيمتي كزوجة ليك ؟

- خالد : مش بس كزوجة ليا .. لكن لأنك أفضل من معظم الستات فى اللى فى العالم .. وصدقيني انا شوفت منهم كتير وأقدر أحكم كويس بين الفرق بينك وبينهم .

دمعت عيناها تأثرا من مديحه لها بتلك الطريقة الراقية ولاحظت بعد لحظات أن يدها محجوزة داخل يده فسحبتها ببطئ وقد أحمر وجهها من السعادة وليس من الخجل , أبتسم خالد براحة كذلك وهو يراها تسترخي وتعتدل فى مجلسها بثقة وقال

- اهو كده عايز دايما اشوفك يا حبيبتي .

طلبت المثلجات وطلب هو القهوة .. أذواق مختلفة .. جعلتها تشعر بأنها طفلة تجلس أمام رجل محنك ونظراته الحانية وهو يراقبها تأكل المثلجات ... دعم هذا الأحساس لديها

- خالد : طلبتى تقابلينى ليه النهارده ؟

رفعت وجهها اليه وبدا عليها الشعور بالذنب فقال بأبتسامة متساهلة

- حسيت بد لما كلمتينى امبارح وطلبك انك تقابلينى النهارده خلانى أفكر بالى شاغلك .

تركت الملعقة من يدها بالطبق ولعقت شفتيها لتمحي أي أثر للمثلجات عليهما فقال وعيناه تلمعان بخبث مرح

- بلاش تلحسى شفايك بالطريقة دى .. أنتى كده قادرة انك تحطيمى أعصابى .

ابتسمت له قليلا وعادت لتشعر بعدم الراحة .. فهذه الطريقة الحسية التى يتحدث وينظر بها اليها تجعلها تكاد تذوب من داخلها وتحس أكثر بسذاجتها فليس لديها القدرة أو الخبرة التى تجعلها قادرة على مجاراته وايجاد الردود المناسبة على كلماته فقالت بأرتباك ردا على سؤاله متجاهلة ملاحظته الحسية :

- بابا كان متضايق عشان محدش من عيلتك جه معاك امبارح .

هز رأسه متفهما وقال بهدوء

- ايوة .. انا حسيت بكده منه .. لكن بصراحة انا عندى ظروف تمنعني انى أعرفهم بخطوبتنا .

شحب وجهها وسألته بخفوت

- تقصد أنهم ممكن يشوفونى غير مناسبة ليك ؟

كان قد علم بالطبع أنها يتيمة وأن نبيلة قريبتها وليست أختها حقا فخشيت أن يكون هذا سببا ليرفضونها , ولكن لدهشتها أطلق خالد ضحكة عالية جعلت بعض الرؤوس تلتفت اليهم .. لم تكن ضحكة مرحة .. كانت ضحكة قاسية فتأملته بحيرة وهو يقول :

- يمكن تستغربى لو قلتلك أنهم ممكن يشوفوا أني أنا اللى مش مناسب ليكى .

عقدت حاجبيها

- ممكن توضحلى اكتر معنى كلامك ؟

أغلق عينيه للحظات متنهدا ثم فتحهما ونظر اليها قائلا

- زينة .. عايزك تعرفي أن علاقتي بأسرتي مقطوعة من سنين .. بابا اتوفى وأنا كان عمرى 12 سنة وكنت انا ابنه الوحيد .. أمي اتجوزت من راجل تانى كان عنده ابن اكبر مني بسنوات قليلة وامى خلفت منه بنت .. ومن سنين حصل خلاف شديد بيني وبينهم خلانى أنفصل عنهم .

أرادت أن تسأله عن سبب هذا الخلاف ولكنها أنتبهت لقوله سنوات .. فكم كان عمره وقتها عندما أنفصل عن أسرته وأصبح وحيدا

- كان أد ايه عمرك وقتها ؟

أجاب

- عشرين سنة .

وهو الأن فى الواحد والثلاثون .. احد عشر عاما وحيدا من دون أهل ؟ سالت دمعة وحيدة مثله على وجنتها وقد كسى وجهها الحزن

تأملها متعجبا ثم قال والدهشة جلية فى صوته

- انتى بتبكى عشانى ؟

مسحت دمعتها وتلقفت أخرى بأناملها وهي تفكر بأنه مسكين لم يعتاد أن يحزن أحد من أجله .. لا أحد يهتم به .. يتيم منبوذ من أقرب الناس اليه .

وتابع بنفس النبرة الذاهلة قائلا :

- حتى من غير ما تعرفي ان كنت أنا الغلطان والا هما ؟

رفعت وجهها اليه وقالت بأنفعال والغضب من أجله يتصاعد بداخلها

- غلط ايه اللى يخليهم يسيبوك تعيش وحيد .. ايه اللى ممكن يعمله شاب صغير فيكون جزاءه أنه يتحرم من عائلته ؟

كانت غاضبة ويتألم قلبها من أجله .. وهي تتخيل زوج أم قاسي وأم عديمة المسؤولية ضعيفة الشخصية وأخوة كأخوات سندريلا أنانيان ومغروران ويحقدان عليه .

تهلل وجهه بسعادة ومد يده يحتضن يدها بقوة بين يديه

- هتكونى أنتى عائلتي .. ومش هحتاج لحد تانى طالما أنتى معايا .

أبتسمت له بحنان وقالت تعده

- ان شاء الله .. هكون عائلتك وههتم بيك اوى .

أخفض رأسه على يدها وقبلها .. أرتجف جسدها وتمتمت بصوت متحشرج من التأثر والخجل

- خالد .. الناس بتبص علينا .

رفع وجهه وعيناه تشعان بالفرح

- خليهم يبصوا .. أنا مش شايف غيرك .

- ومش هتشوف غيرى بعد كده ؟

- ومش هشوف غيرك .. من اول يوم قابلتك فيه وأنا مليش علاقة بأى بنت غيرك .. أنا متفهم طبعا سبب قلقك نظرا للجزء اللى شوفتيه من حياتي .. بس لازم تعرفي أنك هتكونى كل حياتي .. ولازم تثقى فيا .

سحبت يدها منه بخجل وقالت :

- طيب اقول ايه لبابا ؟ هو منتظر يعرف نتيجة كلامى معاك .

شرد عابسا لبعض الوقت ثم قال :

- انا هشرح لوالدك كل المعلومات اللى عايزها عن عائلتي عشان يسأل عنهم ويطمئن قلبه وهبقى آخذك يوم عشان تشوفيهم بس لازم تكونى عارفة ان مش هيكون ليهم وجود فى حياتنا لا دلوقت ولا فى المستقبل وتعرفى برضه ان مفيش مجال انهم يغيروا رأيهم فيا .

ظهر الرضا على والدها عندما أعطته زينة أسم وعنوان زوج والدة خالد كما أخبرته عن الخلافات التى بين خالد وأسرته وكانت متحيزة دون دليل لخطيبها .. فقال والدها

- ربنا يهدي النفوس ويجعلك سبب فى لم شملهم تانى .

****

أحتارت زينة ماذا ترتدي .. لقد دعاها خالد على العشاء غدا ليودعها قبل سفره ووافق والدها ان تذهب بشرط ان تصطحب أختها معها .. فأرادت أن تظهر فى صورة جيدة بصحبته ولكنها لا تملك مالا تستطيع به شراء ملابس جديدة وكانت تبحث داخل خزانتها الفقيرة على أمل أن تجد شيئا مناسبا .

دخلت نبيلة الى الغرفة وسألتها بسخرية وهي ترى الملابس وقد أنتشرت على الأرض :

- بتعملى ايه .. انتى بتلمى هدومك من دلوقتى ؟

أستدارت اليها زينة قائلة بأحباط :

- مش لاقية حاجة تنفع البسها بكرة بالليل .

ردت نبيلة بقسوة

- وليه متطلبيش من خالد أنه يشتريلك طقم جديد .

حدقت بها زينة بأستنكار قائلة :

- أطلب منه ؟ ازاى اطلب منه حاجة زى دى وانا لسة مبقتش مراته .. لا طبعا ده كده يبقى عيب .

هزت نبيلة رأسها هازئة فقالت زينة بأمل

- ممكن تسلفينى حاجة من عندك ؟

ردت نبيلة على الفور

- لا .

ثم أردفت بسرعة

- لبسى مش هيناسبك احنا أجسامنا مختلفة .

كانت لهجتها قاسية برغم أنها حاولت أن تجعل بها شئ من الأسف فقالت زينة بعد تردد وقد أحمر وجهها

- البلوزة الحرير الزهرى مقاسي .. جربتها مرة وطلعت مظبوطة عليا .. وكمان هتليق على بنطلونى الأسود .

زمت نبيلة شفتيها وظهر عليها الغضب وتوقعت زينة بحسرة بأنها سترفض ولكنها قالت بعد فترة وقد لمعت عيناها برضى

- خديها .

أبتسمت زينة بسعادة

- شكرا يا اختى .

ثم فتحت خزانة نبيلة وأخرجت البلوزة بحرص وكأنها شئ ثمين وقالت

- متقلقيش هكون حريصة عليها بحياتي ومش هحطها فى الغسالة .. هبقى أغسلها على ايدي .

وخرجت من الغرفة يتبعها صوت نبيلة الساخر

- دى هتعجب خالد اوى .

ثم أردفت بحقد وبصوت منخفض لم تسمعه زينة

- ماهو اللى كان أشتراهالي .

***** ملاك فى قبضة الشياطين

 ...........................................................

 ***** الفصل الخامس


توقعت زينة من نبيلة أن تتألق لتظهر أكثر جمالا منها ولكن .. بينما هي ترتدي ملابس كلاسيكية مسائية أنيقة كانت نبيلة ترتدي ملابس كاجوال عبارة عن جينزا عاديا وقميصا فضفاضا وحذاء رياضي قديم فظهر التناقض جليا بينهما وعندما جاء خالد فى الثامنة لأصطحابهما صعد ليسلم على والديها قبل أنصرافهم ووقف متجمدا عند الباب عندما وقعت نظراته على زينة فأحمر وجهها خجلا .. بالتأكيد مظهرها الجديد قد فاجأه .. لأول مرة تكون أنيقة وراقية هكذا وكانت سعيدة وفخورة بنفسها وقد ساعدتها نبيلة على التزين وقد شكرت لها صنيعها عندما عرضت عليها أيضا أن تصفف لها شعرها .

كان خالد متعجلا على الذهاب ورفض بأدب دعوة أمها لشرب شئ ما قبل ذهابهم وفى السيارة أحست زينة بأن هناك شيئا ما يزعجه فقد كان متجهم ولم يتحدث اليها وكانت نبيلة صامته كذلك وجلست بوداعة فى المقعد الخلفي ورأسها محني لأسفل .. شعرت زينة بعجز غريب يمنعها عن قطع الصمت الموتر للأعصاب بين ثلاثتهم وكانت تتساءل عن سبب هذا ...

بعدما خرجوا من منطقتهم وأصبحوا فى الطريق العام قال خالد ببرود وعيناه مسلطتان على وجه نبيلة فى المرآة الأمامية

- فين ؟

تفاجأت زينة من السؤال الذي لا معنى له بالنسبة لها على الأقل ولكنه لم يكن كذلك بالنسبة لأختها التى قالت

- في أي مكان هنا .

أوقف السيارة على جانب الطريق وترجلت نبيلة من السيارة فاستدارت زينة اليها بحدة وقالت

- انتى رايحة فين ؟

نظرت نبيلة الى خالد نظرة سريعة ثم قالت :

- عندى ميعاد مع صديقة ليا .

قالت زينة عابسة

- بس بابا كده هيعتقد ..

قاطعتها نبيلة بملل

- بابا هيعتقد أني معاكى وده كفاية .

ثم أبتعدت وهي تشير لهما بيدها .

أستأنف خالد السير فسألته زينة

- كنت تعرف أنها مش جاية معانا ؟.

قال بهدوء

- أه .. قالتلى كده لما دخلتى تجيبى شنطتك قبل ماننزل .

قالت بخفوت

- خلاص رجعنى البيت تانى لو سمحت .. بابا هيزعل منى اوى لما يعرف انى خرجت معاك لوحدى

قال خالد بصبر وهو مستمر فى طريقه

- مفيش داعى انه يعرف .

أستدارت اليه بحدة فأبتسم لها ليخفف من حدة الموقف وقال :

- عارف أنك متحبيش تكدبى عليه بس لما ترجعى دلوقتى .. هتقوليله اختك راحت فين وسابتك .. هه ؟ اظن ان هتكون المشكلة أكبر .. مش كده ؟ وبعدين مفيش خوف عليكى وانتى معايا .

ومع ذلك ظلت قلقة .. فلو أكتشف والدها أنها ذهبت معه من دون نبيلة سيغضب منهما .

سألها خالد بهدوء بعد وقت وقد تخللت نبرة صوته بعض الضيق أستطاعت أن تتلمسه

- انتى ليه لبستى البلوزة دى ؟

تفاجأت زينة من السؤال وأحمر وجهها وقالت :

- مش عجباك ؟

رد بضيق

- ايوة .. مش عجبانى .

الأن أصبحت على شفير البكاء فأبتلعت ريقها وقالت بصوت يختنق

- كنت فاكرة أنها ..

قاطعها بتوتر وعصبية

- وشعرك .. مش حابه بالطريقة دى .

رفعت يدها بعفوية الى شعرها وأحتاجت الى قوة ارادة كبيرة لتمنع دموعها عن الأنهمار .. يبدو أن خالد قد شعر بأنه ضايقها وجعلها تعيسة فقد أوقف السيارة على جانب الطريق مرة أخرى واستدار اليها قائلا بندم

- أنا آسف .. ما أقصدتش أنى أضايقك .. بصيلي يازينة .

كانت مطرقة الرأس لتخفي الدموع التى بللت رموشها .. أمسك ذقنها ليرفع وجهها اليه وقال برقة

- أنا بجد آسف .. أحيانا ببقى فى مزاج سئ لما الأمور متبقاش ماشية زى ما انا عايز .. وبعدين انا بحب اشوفك دايما على طبيعتك .. مش عايزك تقلدى حد او تتشبهى بيه .. انتى جميلة بطبيعتك .

أبتلعت ريقها وهزت رأسها وحاولت أن تبتسم فابتسم لها مشجعا

- أنتى جميلة يا زينة فى كل الأحوال .

شعرت بالراحة قليلا وقالت بخفوت

- الحقيقة ان كل ده مكانش اختيارى .

قال بجفاء وقد تصلبت ملامحه

- عارف انه مش اختيارك .. لانى شوفت اختك بيها قبل كده .

أحمر وجهها أكثر وقالت

- فعلا انا استلفتها منها .. حبيت اكون مختلفة الليلة عشانك .

سمعته يأخذ نفسا عميقا وقد اشتدت أصابعه على ذقنها وقال

- أنتى مختلفة ومميزة فى كل الأحوال مهما كان اللى هتلبسيه وانا قلتلك الكلام ده قبل كده

وعندما أستأنف القيادة كانت زينة غير قادرة على كبت أبتسامة السعادة التى أرتسمت على وجهها .


***************

توقف خالد بالسيارة أمام بناية شاهقة تطل على النيل فسألته زينة

- احنا وقفنا هنا ليه ؟

مرت لحظات ظنت أنه لن يجيبها ولكنه قال أخيرا :

- أنا واخد شقة هنا .

عادت زينة تتأمل البناية بنظرة جديدة وتسأله بحذر

- واحنا هنا ليه ؟

ابتسم شاردا

- فكرت انك يمكن تكونى عايزة تشوفى بيتنا .. أنتى مسألتنيش أبدا عنها .. هى فين او شكلها ايه ؟

جف حلقها ومرت رعشة برد فى أوصالها وشعرت به فجأة غريبا عنها .. وخطيرا أيضا .

- لا .. ده مينفعش .

أدار وجهه اليها ببطئ ولم تنبئ ملامحه عن شئ وللحظات مرت كان يتفرس فى وجهها بشدة

- أنتى خايفة مني ؟

أنكرت بسرعة

- لا لا .. بس

قاطعها بهدوء

- بس وشك اصفر ... أنتى خايفة .

قالت بصدق هذه المرة

- مرتبكة وقلقانة ممكن .. مش عارفة .. أنت عايزنى اطلع معاك لشقتك 

وده أمر ميصحش فتتوقع يكون ايه رد فعلي .

أدار وجهه ونظر أمامه وقد عاد الى صمته وبدا وكأنه يفكر وانتظرت بقلق .

عاد لينظر اليها برقة وقال

- انتى مش بتثقى فيا ؟

أصبحت فى حيرة من أمرها .. وقد وجهت لنفسها نفس السؤال .. هل تثق به لدرجة أن تأتمنه على نفسها وتتوقع منه أن يحترمها ويصون شرفها .. هل تعرفه بما يكفي لكي تمنحه مثل هذه الثقة اللامحدودة ؟

- زينة ؟

أبتلعت ريقها بصعوبة وحدقت فى وجهه ولمحت نظرة اشفاق تمر عبر نظراته قبل أن يتابع بحزم

- أنا مستنى ردك .

لا تعرف ما دفعها لهذا ولكنها وجدت نفسها تقول وعيناها القلقتان أسيرتان لعينيه

- ايوة .. بثق فيك .

أتسعت ابتسامته وتألقت عيناه بفرح وعاد فى تلك اللحظة الشاب الذي أسر قلبها

- يبقى يلا بينا .

شعرت فجأة بأنها أسيرة .. فقد قبضت أصابعه على أصابعها بقوة كما لو كان يمنعها من الفرار ...

أغلق باب المصعد ببطء امامها فتوقف قلبها عن الخفقان لحظة بداية صعوده ... وأمسك بها الهلع ولكنها حاولت مداراة مشاعرها .. أرادت أن تخفي ما يعتمل فى نفسها من قلق ولكن هذا لم يستمر طويلا فقد أنطلق صوتها حادا

- حتى لو رفضت .. ده ميبقاش معناه أني مش واثقة فيك .

ترك يدها وابتعد عنها حتى يستطيع رؤية وجهها والتفرس به فقالت بلا حول ولا قوة محاولة أقناعه بوجهة نظرها دون أن تجرحه

- الناس هتفتكر ايه لما ندخل لوحدنا الشقة .. دى حاجة المفروض تكون عامل حسابها عشان تحافظ على سمعتي .. ده أولا وثانيا .. ثالثا بقى وهو الأهم .. بابا هيزعل مننا وهتتغير نظرته ليك وجايز يرفض أرتباطنا .

- ومين هيقوله ؟

رفعت حاجبيها بدهشة وقالت بصدق :

- أنا طبعا .. هل تخيلت أني ممكن ادارى عنه هو وأمي حاجة زى دى .. أني روحت معاك عشان اشوف الشقة اللي هنتجوز فيها ؟

حدق فى وجهها للحظة فتح باب المصعد خلالها ولم تتوقع زينة ردة فعله فقد أنفجر ضاحكا وبشدة .. حدقت فيه بدهشة لا تفهم سبب ضحكه ولكنها شعرت بالراحة فهو لم يغضب منها على الأقل .

- أقتنعت بوجهة نظرك .. أنتى مقنعة جدا فى الواقع .

أبتسمت زينة بفرح فقد رضخ لمشيئتها ولم يصر عليها لترى الشقة وضغط على زر الهبوط ومن وقتها وهي تكاد تطير من الفرح والراحة معا

- آه .. انا بشكرك .

ضحك مرة أخرى وقال

- بتشكريني ؟

- ايوة .. فرأيك فيا بيسعدني .

كانا فى السيارة منطلقين فى طريقهم من جديد

- أنت مش زعلان منى بجد ؟

- لا مش زعلان ..

ثم نظر اليها مبتسما


****************

أوقف خالد السيارة فى موقف سيارات تابع لملهى ليلي أنيق يقع فى شارع هادئ فسألته

- ليه وقفنا هنا ؟

- أتفقت مع نبيلة انها تستنانا هنا عشان مينفعش كل واحدة فيكم تروح لوحدها .

كانا قد تناولا العشاء فى مطعم الفندق الذي تعمل به وكانت مفاجأة لها أن يأخذها الى هناك .

سألته زينة بحدة

- نبيلة هنا ؟

- وهنا اتعرفت على أختك .

قالت بغم

- هنا ؟

قاطعها أقتراب رجلين فى بذلات رسمية بعضلات مفتولة يبدوان كحراس شخصيين بادرهما خالد بالقول

- مش هأنزل .. الأنسة ناني جوة .. بلغوها أننا هنا .

وبأشارة متعجرفة من يده كما لو كان يملك سلطة عليهما عادا الى الملهى طائعين .

لم تجرؤ زينة على كسر الصمت .. فهى تخشى أن تسأل وتخشى أكثر من اجابته

- أنا مضطر للسفر تانى ولما هرجع هنرتب للزفاف .. وهيكون كل شئ جاهز وقتها .

- بس انا كنت عايزة الاول ان ..

قاطعها بحزم

- الشئ الوحيد اللي عايزك تعرفيه هو أني ناوى أبدأ حياة جديدة معاكى .. جديدة فى كل شئ .. هتخلى عن حاجات كتير عشانك .. الماضي مقدرش اغي تعيره ولكن مستقبلنا هيكون شيئ تانى .

الوعد فى كلامه والصدق فى عينيه جعلها تؤنب نفسها على قلة ثقتها به وبحبهما ولكنها معذورة فعلاقتهما حديثة جدا وهي مازالت لا تعرفه ولكن ما يشفع له أنه لم يكذب عليها ولم يدعي الصلاح أبدا .


****************

لم يكن الوقت متأخرا كثيرا عندما أعادهما خالد الى البيت وهناك ترجلت نبيلة من السيارة وصعدت الى البيت تاركة زينة وحدها مع خالد فى السيارة

- زى ما أتفقنا .. وعلى ما أرجع من السفر هكون لقيت حل مع والدك ويمكن أقدر أقنع أمي انها تيجى تزوركم .

قالت

- انت عارف ان انا مش مهتمة بموضوع مشاكلك مع اهلك .. أنت بس اللى تهمني .. لكن باباهو اللى مهتم عشان يتطمن عليا عشان أنا أمانة عنده زى ما بيقول .

- وهتكونى أكتر أمان معايا .

- هتغيب اد ايه فى السفرية دى ؟

- حوالي شهر أو أكتر شوية .

شهقت .. لقد ظنت أنه سيسافر لبضعة أيام .. أسبوع على أقصى تقدير كما حدث من قبل ولكن شهر ومازالا فى بداية علاقتهما !!! كان ذلك كثيرا

كسى الحزن وجهها فقال :

- عارف .. أنا برضه يصعب عليا فراقك بالذات فى الوقت ده لكن الشغل ده كنت أتفقت عليه قبل ما اقابلك وأوعدك أنها هتكون المرة الأخيرة .. ولما أرجع هنتجوز على طول .. مش هستنى .. هيكون بيتنا اتجهيز من كل شئ وهجيبلك معايا فستان الزفاف من أوروبا .. أستنينى يا زينة وعايزك تثقي فيا أرجوكى .. انا مش محتاج الا ثقتك فيا بالذات فى الايام اللى جاية .

هزت رأسها ايجابا فتبدد القلق من على وجهه وأبتسم لها أبتسامته المدمرة التى تخطف الأنفاس وتابع

- تقدرى تقدى أستقالتك من شغلك من دلوقتى أنتى مش هتكوني محتاجة للشغل بعد الجواز .

كل هذا كان كثير على عقلها ليستوعبه .. فراحت تهز رأسها موافقة على كل شئ يقوله وعندما همت بمغادرة السيارة أستوقفها

- زينة .. يمكن مقدرش أتصل بكى بأستمرار .. لكن كل ما فرصة انى اكلمك هتلاقينى بتصل بيكى .

- مع السلامة .

ودعته والدموع تكاد تخنقها فقال برقة

- مش عايزك تعيطى .

- آسفة بس هحقيقى هشتاقلك .. ارجوك متتأخرش .

أبتسم لها بحنان

- هرجعلك بأسرع ما يمكن .

ثم خرجت من السيارة وأشارت له بيدها مودعه .


**************

- نبيلة : مكونتش أتوقع أن خالد ياخدك هناك .

- زينة : وأنا كمان .. وياسلام على المعاملة اللى عاملنا بيها الزملا فى المطعم .. دول اتعاملوا معانا بطريقة رائعة وخاصة مستر عماد .

ظهرت الدهشة على نبيلة عندما عرفت بأنهما تناولا العشاء فى الفندق وظلت شاردة طوال الطريق الى البيت ولم تعلق على الأمر ثم قالت : .

- مكنتش اقصد الفندق .. انا كان قصدى على الملهى .

نظرت زينة الى نبيلة بوجوم وكانتا قد بدلتا ملابسهما استعدادا للنوم

- آه قصدك على المكان اللى كنتى فيه ؟

قالت نبيلة بجمود

- أتعودنا نتقابل فيه مع الأصدقاء .. أقصد أنا وخالد .

ثم أشاحت بوجهها وتابعت

- اعذرينى اصل أنا عمرى ما اتخيلت انك ترتبطى بشاب فاسد زيه .

ردت زينة بتثاقل قائلة :

- هو وعدني انه يتغير.

رمقتها بطرف عينيها بنظرة ساخرة وسألتها بأشفاق ساخر قائلة :

- وصدقتيه ؟

- ايوة صدقته .. أنا بثق فيه .

هزت نبيلة كتفيها ثم أندست بفراشها ولم تقل شيئا

أستلقت زينة على فراشها بدورها وعقلها مشوش .. أستدعت وجه خالد فى رأسها .. نظرات عينيه الحانية والصدق الذي شعرت به فى صوته وهو يعدها بأنه سيتغير من أجلها

ثم تمتمت لنفسها بصوت منخفض

- ايوة .. أنا أصدقه .


***************

خبت فرحة زينة بحبها الوليد عندما تعرض والدها لوعكة صحية ولازم الفراش وقال الطبيب بعد أطلاعه على التحاليل والأشعة أنه يحتاج الى عملية بالقلب لوضع دعامات للشرايين وأصر الطبيب عليهم أن يعجلوا بأجراءها والا سيظل يتعرض لهذه النوبات التى ستكون نهايتها سيئة . وكانت العمليه تتكلف مبلغا كبيرا من المال وهم لا يملكون من هذا المال الا أقل القليل .

فور أنصراف الطبيب أختفت نبيلة فى حجرتها وقد وجدتها زينة تبكى بحرقة فوق فراشها فأسرعت اليها تحيطها بذراعيها

- مالك يا حبيبتى ؟

حاولت نبيله دفعها عنها ثم عادت وأستسلمت للنحيب مرة أخرى بين ذراعيها فقالت زينة بحزن

- أنتى زعلانة عشان بابا ؟ .. ان شاء الله هيعمل العملية وهيكون بخير .. بس اهدى ومتعيطيش .. انا عارفة انك بتحبيه اوى .. كلنا بنحبه يا حبيبتى .

وانسابت دموعها بدورها

قالت نبيلة بمرارة وهى تحاول الأبتعاد عن ذراعيها مرة أخرى

- ايوة بحبه .. رغم انه ييفضلك عليا .

قالت زينة بقلب مثقل

- أنتى غلطانة .. بابا بيحبك وأكثر ما بيحبني .

نظرت اليها نبيلة مجفلة شاحبة الوجه فتابعت زينة

- ان كان بيشد عليكى أحيانا فده من شدة خوفه عليكى .. كل أب بيعمل كده

وقفت نبيلة وراحت تجفف دموعها وهى تقول بصوت مرتجف

- معاكى حق .. مرضه أثر فيا اوى وخلانى احس انا كنت اد ايه أنانية واد ايه تعبته معايا وهو عيان .

نظرت اليها زينة مشفقة على حالها

- بلاش تفكرى بالطريقة دى يا حبيبتى .. المهم دلوقتى نفكر ازاى هندبرله مصاريف العملية .

قالت نبيلة بعد لحظات وقد لمعت عيناها

- أنا عندى حل .

سألتها زينة بلهفة

- بجد .. ايه هو ؟

- أحد معارفى جابلى شغل على يخت سياحى لمدة أسبوعين .. كمضيفة براتب خمسة آلاف دولار بس زى ما انتى عارفة انا أستنفدت كل أجازاتى ومش هيسمحولى انى اخد شهر تانى اجازة 

ذهلت زينة من قيمة المبلغ وقالت

- بجد ؟ .. كل المبلغ ده عشان اسبوعين بس ؟

ثم سألتها وقد تذكرت المكالمة الهاتفية التى تلقاها خالد وهم عائدون من الساحل الشمالي وكان من سيدة تدعى فريدريكا تمتلك يختا تقوم بعمل رحلات سياحية على متنه

- مين اللى جابلك الشغل ده .. خالد ؟

نظرت اليها نبيله بتوتر

- وايه علاقة خالد بالموضوع ؟

أخبرتها زينة عن تلك المكالمة التى أستمعت اليها فأبتلعت نبيلة ريقها وقد أزداد توترها وقالت :

- ايوة .. خالد اللى عرض عليا الشغل ده بس ده كان قبل ما يخطبك.. وكنت رفضته لأن بابا كان هيرفض بس بعد اللى حصل فكرت أنى أقبل .

ثم نظرت الى زينة وقالت بتصميم

- بس أنتى اللى المفروض تروحى الشغل ده بدالى 

قالت زينة بذعر :

- أنا ؟

- ايوة ومحدش غيرك .. المبلغ ده هيساعد فى عملية أبابا .. وأنتى تقدرى بسهولة تقدمى على أجازة أو تقديم أستقالتك وانتى كده كده هتسيبى الشغل قريب

ترددت زينة للحظات ثم قالت بتردد

- بس .. تفتكرى خالد هيوافق أو بابا على الشغل ده خصوصا لما يعرفوا أن فيه سفر ؟

أمسكت نبيله يديها بقوة واصرار وهي تضغط على أسنانها

- مش لازم تقوليلهم الحقيقة .. هتقولى لبابا أنك هتسافرى لفرع الفندق فى العين السخنة لسد عجز الموظفين اللى هناك أو عشان هتاخدى دورة تدريب هناك .. وخالد مسافر لمدة شهر ويمكن لأكتر من الشهر يعنى انتى هترجعى قبل منه

- ما انا اقدر اعرفه الحقيقة .. هيكون ده أفضل من الكذب عليه وهو بالتأكيد مش هيعترض خصوصا لما يعرف حالة بابا .. وهيكون متطمن عليا عشان أصحاب العمل أصدقاء ليه .

صاحت نبيلة فى وجهها بغضب أخافها

- غبية .. لو قلتيله هيفتكر أننا بنورطه عشان يتكفل هو بمصارف العملية لبابا .. وزى ما انتى عارفة .. بابا عنده عزة نفس وهيبص للموضوع على أنه اهانة ليه وهيرفض بالتأكيد .

أطرقت زينة تفكر .. نبيله معها حق .. سيرفض والدها نقود خالد .. لقد غضب بما فيه الكفاية عندما أخبرته أن خالد يرغب فى التكفل بكل مصاريف الزواج وجهازها أيضا وقال لها

- انتى عايزانى أظهر بمظهر العاجز قدام نسيبي وأني مش قادر على تجهيز بناتي ؟

أمتقع وجهها حينها وحاولت الدفاع عن نفسها قائلة

- لا يمكن طبعا اكون بقصد كده .

قال بوجه متجهم

- أمكم كانت بتجهيزكم من وقت ماكنتم اطفال .

أعترضت زينة

- بس ده جهاز نبيلة .

- ده مش باسم حد الجهاز جاى للى هتتجوز فيكم الاول .. وعشان نبيلة الأكبر كنا نعتقد أنها هى اللى هتتجوزج الأول .. ودلوقت بقى ليكى انتى .


******************

عندما أصبحت زينة على متن اليخت شعرت بالخوف ..

فقد كانت ذاهبة الى المجهول وستصبح وحدها بين أناس غرباء وسط اللامكان ولكنها حاولت أن تتشجع من اجل والدها .. لقد أخذت نبيلة المال بالفعل وهي مجبرة على أداء عملها نظير ذلك المبلغ الكبير .

لقد وافقت السيدة فريدريكا على أٍستبدالها بأختها عندما ذهبتا لمقابلتها فى الفندق بالأسكندرية .. أولا تحدثت معها نبيلة وقد صعدت اليها فى غرفتها من دون زينة التى أنتظرتها فى البهو ومن ثم أتصلت بها فصعدت اليهما .. فوجئت زينة من شكل المرأة وعمرها فقد كانت تتخيلها متوسطة العمر ولكنها وجدتها صغيرة فى أواخر العشرينات من عمرها تقريبا وشديدة الجمال .. ذلك الجمال الأشقر وكأنها لوحة فنية وليست حقيقية وفكرت بغيرة أن خالد يعمل معها وقد ضايقها هذا ولكن ما أراحها قليلا أنها رأت شخص قدمته لها على أنه زوجها .. لم يكن يقارن بخالد بالطبع فقد كان نحيفا أمهق بنظرات وجدتها زينة منفرة وخبيثة وهو يتفحصها وكأنها سلعة ما ... ووجدت فريدريكا مهتمة برأيه فى أن تأخذ مكان نبيلة فى العمل وجاءت موافقته بهزة متعجرفة من رأسه .. كان يتحدث العربية ولكنها فشلت فى تحديد جنسيته .

وبعد أن تمت الموافقة سلمت لهما زينة جواز سفرها ووقعت على بعض الأوراق الخاصة بالعمل وعادت الى القاهرة مع نبيلة التى غادرها الحماس فجأة وأصبحت عصبية خاصة عندما أسرت لها زينة قائلة

- نبيلة .. أنا خايفة .. مش عارفة ايه هو المطلوب مني انى اعمله هناك بالظبط .

رواية العاصفه الجزء الاول 👇👇👇

من هناااااااااا

رواية العاصفه الحلقه التالته والرابعه 👇👇


من هناااااااااا



رواية طفلة الاسد 👇👇👇


من هنااااااااا

تعليقات

التنقل السريع
    close