رواية وصيّة حب الفصل السابع عشر والثامن عشر بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية وصيّة حب الفصل السابع عشر والثامن عشر بقلم نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
النهار دخل بخيوط شمس ناعمة، بس البيت كان تقيل. سارة نايمة على الكنبة، النور بيلمس وشها الشاحب، والكهربا اللي كانت في عظمها بقت خمول في أطرافها. كل مرة تحاول تقوم، تحس إن جسمها مش بيسمع الكلام. صوابعها بتبرد، ورجليها تحسّها غريبة عنها، زي ما تكون بتتفرج على نفسها من بعيد.
ياسر كان واقف في المطبخ بيجهز القهوة، كل حركة بيعملها فيها تعب وسكوت طويل. حط القهوة على الترابيزة وقال :
– أنا قررت أرجع الشغل بكرة.
صوتها خرج واهي وهي تحاول تقوم :
– هتسيبني لوحدي؟
– لأ طبعًا، أنا هجيب بنت تساعدك في البيت.
– بنت؟
– أيوه، تنظّف، تطبخ، تفضى لك وقتك ترتاحي.
سكت لحظة وقال وهو بيهرب بنظره :
– وأنا هرجع من الشغل على طول.
سارة بصّت له، وعينيها فيها خوف صغير مش عايزاه يبان :
– يعني خلاص؟ حياتنا بقت بالورديات؟
– لأ يا سارة، بس لازم أشتغل، الدنيا مش واقفة.
– والدنيا اللي بينا؟ وقفت هي كمان؟
ياسر اتفاجئ بالكلمة، حاول يضحك :
– إنتِ بتقولي إيه؟
– بتكلم عنّنا، مش عن الشغل.
قامت بصعوبة، وقربت منه، لمست وشه بإيدها الضعيفة :
– بقالك شهور ما لمستنيش…
– سارة، بالله عليكِ، إنتِ عارفة إن ده مش وقت الكلام ده.
– وقت إيه؟ أنا عايشة على الوقت، ياسر. كل يوم بصحى مش عارفة إذا كنت هكمّله ولا لأ. مش عايزة أموت وأنا ناسية حضنك.
نسرين بلعجيلي
ياسر مسك إيديها بحنان وقال بهدوء :
– أنا مش قادر…
– مش قادر عليّ ولا مش قادر ليا؟
– ليه تقولي كده.
– قل إنت بقى، إيه اللي مخلّيك تبعد؟ خايف أتعب؟ ولا خايف تشوفني مش زي الأول؟
صوته نزل درجة :
– أنا بحميكِ من نفسك يا سارة، جسمك مش مستحمل.
– وجسمي مش مستحمل الهجر كمان.
صرخت الكلمة، بس صوتها كان ضعيف، ضعيف زيها، بس بيطلع من وجع كبير.
– أنا ستّ، مش مجرد حالة طبية. عايزة أحس إن لسه فيا حياة، إنك لسه شايفني أنثى مش مريضة. أنا بحارب الموت كل يوم، بس نظرتك ليا هي اللي بتقتلني.
ياسر سكت، عينيه مليانة دموع، قرب منها وقال بصوت واطي جدًا :
– أنا بحبك يا سارة، بس لو حصلك حاجة وأنا السبب…
– ساعتها هاكون مبسوطة، لأني هموت وأنا حاسّة إنك لسه ليا.
سكتوا.. الهواء بينهما بقى تقيل، كأنه شاهد على حاجة أكبر من الكلام. مدّ إيده يلمس شعرها، بس سحبها تاني. دموعها نزلت على إيديها وهي تهمس :
– حتى اللمسة بقت حرام عليّا.
مشيت بخطوات متعبة للمطبخ، وقف ياسر مكانه مش قادر يتحرك، وفي ودنه صدى آخر كلمة قالتها :
“أنا لسه عايشة يا ياسر، بس لحد إمتى.”
سارة كانت قاعدة على الكرسي، إيديها متشابكة قدامها، وصوت نفسها متقطع من كتر الزعل. دخل ياسر بعد ما لفّ في الصالة عشر دقايق يحاول يهدى، لكن وشه كان بيقول كل حاجة.
قال بهدوء وهو واقف عند الباب :
– سارة، كفاية كده بقى…
– كفاية إيه؟
رفعت عينيها ليه، فيها وجع أكتر من العتاب وكملت :
– كفاية إني بقيت غريبة عنك؟ ولا كفاية إني بقيت بمد إيدي علشان حضن جوزي ومش بلاقيه؟
إتنهد وهو بيقرب منها خطوة بخطوة :
– يا سارة، بالله عليكِ إفهميني…
– أفهم إيه؟ إنك نسيتني؟ ولا إنك بطّلت تشوفني أنثى؟
صوته ارتجف، قال بحزن واضح :
– أنا مش ناسيكى، أنا بخاف عليكى.
– من إيه؟
– من نفسي...
صرخ الكلمة فجأة، وبعدين كمل بصوت مكسور :
– من نفسي لما أبوسك وأنا عارف إن ماينفعش أكمّل، من نفسي لما أقرب منك وأوجعك بدل ما أريحك، من نفسي لما جسمي يفكر وقلبك يتعب.
Nisrine Bellaajili
سكت لحظة، حطّ إيده على وشه، وقال :
– إنتِ متخيلة إحساسي لما أحبك وممنوع ألمسك؟ كل مرة بتقربي، بحس إني بخونك… بخون وجعك، بخون خوفك، بخون دعواتي إنك ترجعي سليمة.
سارة كانت بتسمع، بس دموعها كانت نازلة من غير صوت. قالت بهدوء موجوع :
– بس أنا محتاجاك، يا ياسر، محتاجاك مش كزوج، كأمان. أنا مش عايزة وجع، أنا عايزة حضن ينسّيني إني خلاص قربت أمشي. لما بتبعد كده، بتحسسني إن الموت أقرب منك.
مدّ إيده ناحيتها، بس وقّف نفسه تاني، قال بصوت مبحوح :
– يا سارة، أنا كل يوم بموت وأنا شايفك بتتألمي. بس اللي بينا مش ناقص لمسة علشان يثبت، اللي بينا خلاص بقى روحين مش أجساد.
رفعت وشها وبصت له بنظرة حادة لأول مرة :
– لأ، اللي بينا لسه جواز، ولسه حياة، ولسه حقي فيك. أنا مش هاقبل تبصلي كأخت ولا كمريضة. أنا مراتك يا ياسر… اللي بينا حب، مش رحمة.
كلامها وجعه أكتر من العتاب. قرب منها، قعد جنبها على السرير، مدّ إيده على وشها وقال بصوت رايح :
– مش عارف أعمل إيه. كل مرة تبصيلي بالشكل ده بحس إن قلبي بيتقطع، بس برضه ماقدرش أكمّل المشهد، ماينفعش ألمسك وأنا عارف إني مش هقدر أكمّله للآخر. هتبقى دي لحظة وجع، مش لحظة حب.
سكتِت، ونظرت له بنظرة فيها استسلام حزين، وقالت بخفوت وهي تبصّ في الأرض :
– يعني خلاص؟ بقيت أخاف أقرب من جوزي؟ بقيت أستأذن علشان حضن؟
ما قدرش يرد. هو نفسه كان عايز يصرخ، بس كل الكلام اتحبس في صدره.
قامت بصعوبة، وقفت قدامه وقالت آخر جملة قبل ما تدخل أوضتها :
– أنا ما طلبتش المستحيل، أنا طلبت حقي قبل ما أموت، وأنا حاسة إني مش مراتك .
دخلت الأوضة وسابت الباب مفتوح، بس اللي اتقفل فعلاً كان بين قلوبهم. كانت واقفة قدامه، عينيها فيها دموع مكبوتة وغضب مكشوف. هو كان بيحاول يهرب بنظره ناحية الشباك، لكن صوتها شدّه بالعافية :
ـ طب قولّي يا ياسر، هو إنت مش راجل؟ مش ليك رغبة؟ ولا خلاص؟
إتجمد في مكانه، بصّ لها بحدة :
ـ سارة، بلاش الأسلوب ده.
ـ لأ، مش هسكت المرة دي. كل يوم تبصلي كأني زجاجة هتتكسر، كأني مش مراتك، مش لحمك ودمك. هو أنا فقدت إيه بالظبط؟ أنوثتي؟ ولا نظرتك؟
مدّ إيده على شعره، وابتسم ابتسامة وجع :
ـ إنتِ مش فاهمة حاجة.
ـ لأ، فاهمة جدًا. فاهمة إنك بقيت تهرب مني كأني عيب. حتى البوسة، يا ياسر… البوسة اللي كانت بتفوقني من كل وجع، بقت مستحيلة ليك. مش عايز تبوسني ليه؟ مش بتشتهيني خلاص؟
إتنفس بصعوبة، صوته خرج عالي من كتر الكتمان :
ـ آه.... باشتهيكِ يا سارة، كل يوم، كل لحظة، وأنا بشوفك قدامي وبموت بالعجز. بس تعرفي إيه اللي بيمنعني؟ مش عدم رغبة.. الخوف. الدكتور قال إن الضغط عندك ممكن ينهار من أي مجهود، قاللي كلمة واحدة وأنا عمري ما نسيتها :
"العلاقة خطر على حياتها."
يعني لو لمستك غلط، لو قلبك تعب، لو نفسك إنقطع… هتموتي في حضني، إنتِ فاهمة يعني إيه الكلمة دي؟
دموعها كانت نازلة، بس عنادها أقوى من الخوف. قربت منه خطوة، ومدّت إيدها على صدره :
ـ طيب موتني في حضنك. بس موتني وأنا حاسّة إني لسه أنثى ليك. مش عايزة أموت وأنا ناقصة حاجة.
رجع خطوتين لورا، صوته مبحوح، مليان وجع :
ـ بتطلبي مني إيه؟
ـ حقي.
ـ حقك؟ ولا حكم إعدامك؟
ـ يمكن الاثنين.. بس على الأقل أموت وأنا حاسّة إنك لسه راجلّي. مش مجرّد راعي بيمشي دوا لمريضة.
نسرين بلعجيلي
سكوت تقيل سيطر على الغرفة. كل كلمة نطقت بيها كانت زي طعنة في ظهره، بس هو كمان كان بينزف من خوف مش بيخلص.
مسك إيديها بإصرار، وقال بصوت مكسور وغاضب في نفس الوقت :
ـ سارة، أنا كل يوم بصحى على كابوس إنك ممكن تموتي، وانا مش ناقص كمان أكون أنا السبب. أنا بحبك… بس مش هسمح للحب ده يبقى سلاح ضدك.
قالتها وهي بتبكي :
ـ وأنا بحبك أكتر، بس إنت بتقتلني بالحرص ده. أنا مش هعيش كده، بين الخوف والحرمان. أنا ستّ يا ياسر، ومش هخجل من حقي.
سكت، وبصّ فيها بعينين فيها وجع ودموع وخوف وذنب في نفس اللحظة.
ـ يا سارة، إنتِ بتطلبي مني أختارك على حساب حياتك. وانا ماقدرش أختارك ميتة.
سكتت فجأة. الدموع على خدها، بس في عينيها كبرياء عنيد، قالت بصوت متكسر :
ـ يبقى خلاص، يا ياسر، ما تبصليش تاني كأنك بتحبني. اللي يحب ما يهربش.
خرجت من الأوضة وسابت وراها ريحة وجع ما بتتمسحش. هو قعد على الكنبة، دفن وشه بين إيديه وصوته خرج خافت كأنه بيكلم نفسه :
ـ يا رب، إزاي الحب يتحوّل لعقاب بالشكل ده؟
سكت البيت بعد صوت الباب ما اتقفل، كأن كل نفس في الحيطان وقف. الهدوء اللي نزل على المكان ما كانش راحة، كان وجع بينادي بصوت واطي.
سارة بعد ما ياسر طلع فضلت في الاوضه و قعدت على الأرض جنب السرير، صدرها بيطلع وينزل بصعوبة، دموعها بتجري من غير صوت، مش بكاء خناقة، بكاء ستّ حست إنها بتتسرق منها الحياة جزء، جزء، حتى من اللي بتحبّه.
على الناحية التانية، ياسر قاعد في الصالة، إيده على راسه، وصدره بيتهز من كتم الغضب والخوف. حاول يقنع نفسه إنه صح، إنه بيحميها، بس كل ما يفتكر نظرتها، يحس إنه هو اللي كسرها بإيده.
الدقيقة بقت ساعة، والساعة بقت وجع.
وفي نص الليل، قام بهدوء وراح عند باب أوضتها، وقف يسمع نفسها الضعيف من ورا الباب. فتح الباب على مهل، شافها نايمة على السرير، ملفوفة في بطانيتها، وشها باين عليه التعب والدموع اللي ما نشفتش.
قرب منها، قعد جنبها، مدّ إيده ومسح على شعرها بهدوء، وقال بصوت مبحوح بين بكاء ورجاء :
– سامحيني يا سارة، أنا مش عارف أكون راجل ولا ملاك، بس كل اللي عارفه، إني بحبك.
روايات نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
ما ردتش، بس إيديها تحركت خفيف، كأنها بتحسّه من بعيد. حطّ راسه على طرف السرير، وهي نايمة، والليل غطاهم هما الاتنين بصمت تقيل.
صوت المطر بدأ تاني على الإزاز، كل نقطة بتنزل كأنها بتعدّ وقت لحدث كبير جاي.
والسطر الأخير من الليلة دي كان بيقول :
“مافيش حب بينجو من الخوف، بس فيه حبّ بيعيش رغم الموت.”
وهنا…
خلصت الليلة..
وبدأ القدر يكتب فصل جديد من "وصيّة حب".
ايه رايكم في اللي طلبته ساره ؟؟
*وصيّة حب*
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الثامن عشر_
الصبح كان غريب… الشمس طالعة، بس نورها باهت، كأنها خجولة من الشباك.
ياسر صحي على صوت خفيف، كان صوت سارة وهي بتحاول تقوم من السرير. قام بسرعة، مدّ إيده يساعدها، بس وشها كان شاحب بطريقة خضّته.
– إستني يا سارة، كنتِ رايحة فين؟
إبتسمت بخفة، رغم التعب :
– كنت عايزة أعملك فطار، مش كل مرة تبقى إنت اللي شايل البيت كله.
مسك إيديها بسرعة وقال :
– لا، ما تتعبيش نفسك.
– هو أنا عملت إيه؟ قُمت بس.
ضحكت ضحكة صغيرة، لكنها كانت متقطعة، زي نفسها بالظبط.
حاولت تمشي للمطبخ، بس فجأة رجليها خذلتها. وقعت على الأرض بهدوء كأنها مش قادرة حتى تصرخ.
ياسر جري ناحيتها، صوته مبحوح :
– سارة!!
حط إيده تحت راسها، وشه اتغيّر، الدم راح من ملامحه :
– حبيبتي، إفتحي عينِك… سارة.
عينيها اتفتحت بشق الأنفاس، وصوتها طالع ضعيف جدًا :
– أنا كويسة بس يمكن تعبت شوية.
حطّها على السرير، ولما لمس وشها حسّه سخن قوي، نَفَسها سريع، وإيدها بتترعش. جري يجيب الترمومتر، والحرارة كانت عالية بشكل يخوّف.
إتصل بالدكتور، صوته بيترعش :
– دكتور، هي مش قادرة تقوم، نفسها بيتقطع، وحرارتها عالية.
الدكتور ردّ بسرعة :
– أنا جاي فورًا، بس لو لسه عندك جهاز أكسچين، شغّله دلوقتي.
قفل التليفون والذنب بدأ يعضّ قلبه. الكلمة اللي قالتها امبارح رجعت ترنّ في ودنه :
"نفسي مرة واحدة أحسّ إني أنثى مش مريضة."
نسرين بلعجيلي
إتكلم مع نفسه بصوت مبحوح :
– أنا السبب، كنت المفروض أتمسّك برأيي، كنت عارف إنها مش مستعدة. أنا اللي كسرتها، أنا اللي كان المفروض أخاف أكتر.
دخل الدكتور، شخص الحالة بسرعة، وبعد ما خلص، قال بصوت هادي بس فيه ثقل الحقيقة :
– واضح إنها بذلت مجهود فوق طاقتها، والجسم ردّ بعنف. ممكن يكون مجهود عضلي أو انفعال قوي.
وقف ياسر في مكانه، مش قادر يبصّ في وشّه. الكلمة “مجهود” كانت كأنها طلقة. عرف إن اللي حصل بينهم هو السبب.
الدكتور كمل :
– لازم تفضل على جهاز الأكسچين فترة، ونراقب التنفس بدقة. بس من النهارده، أي إجهاد ممنوع… تمام؟
ياسر ما نطقش. كل اللي عمله إنه أومأ برأسه. ولما الدكتور مشي، قعد على الكرسي جنب السرير، شاله بإيده، بصّ عليها كأنها جزء من روحه بيتكسر قدّامه.
سارة فتحت عينيها بهدوء وشافته بيبصّ لها بنظرة وجع ما شافتهاش قبل كده. قالت بصوت متقطّع :
– كنت عارفة.. إنك هتلوم نفسك.
هزّ راسه بعصبية :
– سارة، ليه ما سمعتيش؟ ليه؟
أنا السبب في اللي حصل، أنا اللي كان لازم أوقفك.
مسكت إيده بإيديها الضعيفة، قالت بابتسامة شبه حلم :
– ما تندمش… أنا كنت محتاجة أحسّ إني لسه عايشة، حتى لو الثمن وجع، اللحظة دي كانت حياة… حياة تكفّي العمر كله.
إتنهد، دموعه نازلة من غير صوت. وقال بصوت مكسور :
– لأ، مش كفاية… أنا مش عايز لحظة، أنا عايزك العمر كله.
سارة لمست وشه بإيدها المرتجفة :
– العمر مش بالسنين يا ياسر، العمر هو اللي نحسه في قلبنا، وانا حسيته كله امبارح.
سكت، وفضل ماسك إيدها، وبين كل نَفَس والثاني، قلبه بيحارب، مش ضد المرض، لكن ضد الذنب اللي جوّاه.
في الليل..
قعد في الصالة، الوشوش بقت غايبة، بس صدى صوتها لسه في ودنه :
“أنا كنت محتاجة أعيش، حتى لو لحظة.”
قال في سره وهو بيبص للسقف :
– هي عاشت لحظة، وأنا هعيش ذنبها العمر كله.
البيت كان ساكت بطريقة تخوّف. سارة نايمة على جهاز الأكسيچين، صوت التنفس الإصطناعي هو اللي مالي المكان. هالة البنت الي بتساعدهم كانت قاعدة في المطبخ ساكتة… خايفة تتنفس غلط.
روان دخلت البيت بسرعة، صوت خطواتها كان مستعجل، ولما شافت سارة ووشّها باهت أكثر من أي يوم فات، دمعتها نزلت من غير ما تاخذ بالها.
قامت تبصّ حواليها، تشوف فين ياسر، لقته واقف في الصالة، ظهره للباب، إيديه في شعره، كأن الدنيا واقفة عليه.
دخلت عليه بخطوات سريعة، وقالت بصوت مليان غضب مكتوم :
– ياسر… في إيه؟ إيه اللي حصل لسارة؟ كانت أحسن امبارح.
ما ردش ولا لفّ، ولا حتى أخَذ نَفَس.
قربت أكثر، بصوت أعلى :
– بتسمعني؟ إيه اللي حصل؟ هي كانت كويسة، إزاي صحيت دلوقتي مش قادرة تتنفس؟!
لفّ ببطء، وشه كان باين عليه الذنب، عينيه حمرة وكأنه ما نامش ولا دقيقة.
قال بصوت مبحوح :
– حصل… غلط.
روان قربت أكتر، ولما شافت النظرة اللي في عينه، فهمت.
سكتت ثانيتين… وبعدين إنفجرت :
– إنت عملت علاقة معاها؟!
ياسر عضّ شفايفه، ما عرفش ينكر.
وهنا… روان انفجرت فعلًا :
– إنت مجنون؟! إنت أكثر واحد عارف إنه جسمها مش مستحمل، والدكتور وصّى مليون مرة ممنوع أي مجهود.
قربت خطوة لحد ما كانت واقفة قصاده مباشرة، عينها فيها دموع غضب :
– هو إنت… راجل ولا طفل؟! هو انت ما عملتش حساب غير لشهوتك؟ نَفذتها على حساب صحتها؟!
ياسر رفع راسه فجأة، صوته طلع عالي :
– أنا ما كنتش بفكر في نفسي، هي اللي قالت.. هي اللي طلبت.. كانت محتاجاني.
روان صرخت فيه :
لأ!! هي كانت محتاجة تحس إنها لسه عايشة، مش لسه مرغوبة، فرق كبير يا ياسر.
سكت، لكن صمته كان اعتراف. روان كملت، كلامها زي السكاكين :
– هي حست إنها بقت عبء عليك، فكانت مستعدة تجرّح جسمها، تخاطر بحياتها، بس علشان ما تخسركش، وإنت… بدل ما تحميها، سِبتها تكسر نفسها بإيدها.
ياسر اتكلم بصوت متقطع، كأنه طفل اتحشر في زنق :
– أنا… أنا ضعفت. شُفت دموعها، سمعت كلامها وماكنتش قادر أكسرها تاني.
روان مسحت دمعتها وهي تقول :
– تكسرها؟ إنت كان لازم تحميها حتى منها هي. يا ياسر، الست لما تحب، بتنكر روحها، بس الراجل لما يحب، لازم ينقذها حتى من وجعها.
Nisrine Bellaajili
سكتت لحظة…
وبعدين قالت الجملة اللي كسرت ظهره :
– إنت قتلت جزء منها امبارح، مش علشان الوجع، لأ، علشان خذلتها.
ياسر ساب راسه تنزل لتحت، نفسه خرج زي واحد اتطعن.
روان كملت، نبرتها مش غضب، بس دي كانت وجع على سارة :
– من امبارح لساعات، كانت بتحارب عشان تتنفس، وأقولك الحاجة اللي وجعتني؟ وهي بتتكلم، بتدافع عنك. كانت بتقول: “ما تلوميهوش، هو حبني…” رغم إنك السبب في الوجع ده كله.
ياسر وقع على الكنبة، زي اللي رجله مش شايلاه :
– أنا… أنا ما كانش قصدي أوجعها.
– بس وجعتها.
سكتت لحظة، وبصوت هادي لكنه قاسي قالت :
– لو بتحبها بجد، صلّح اللي اتكسر. مش بجسمك، بقلبك.
ولما رجعت تبصّ عليه، كان ماسك راسه بإيديه، وصوته بيطلع متكسر :
– أنا خسرتها يا روان؟
– لأ… بس لو ما فُوقتش، هتخسروا بعض قبل الموت ما يخسرها.
وسابت الصالة وراحت عند سارة، وباب الأوضة اتقفل وراهُم، وسابت ياسر قاعد في الصالة، شايل أكبر ذنب شافه في حياته.
المشهد كان تقيل…
تقيل لدرجة إن الهوا نفسه بقى واقف.
روان خرجت من الصالة، ودموعها لسه على خدّها. دخلت أوضة سارة، لقتها نايمة على جنبها، جهاز الأكسچين بيطلع صوت هادي، بس ريحة الوجع مالية المكان.
روان قعدت على طرف السرير، مسكت إيد سارة بحنان وقالت بصوت واطي جدًا :
– يا حبيبة قلبي… اصحّي شوية.
سارة حرّكت رمشها وكأنها بتحارب علشان تفتح عينها. ولما فتحتها، لقت روان جنبها، وشها كله خوف وزعل وحب.
سارة حاولت تتكلّم و شالت الاكسجين :
– إنتِ.. كنتِ بتعيطي؟
روان هزّت راسها وقالت بابتسامة حزينة :
– مين يقدر يشوفك كده وما يعيّطش؟
سكتوا لحظة. سكون مكسور بقلبين بيوجعهم نفس الشخص.
سارة بصوت فيه بحّة :
– هو ياسر… زعلان؟
روان اتصدمت، ده أول سؤال؟
مش “أنا تعبانة”، مش “إيه اللي حصل؟”
لأ…
سؤال عن الراجل اللي كسّرها ووجّعها.
روان قالت بحذر :
– مش زعلان… مكسور. هو حاسس إنه غلط فيكِ.
سارة نزلت دمعتها، وقالت بصوت مهزوز :
– ما غلطش… أنا اللي قلت له… أنا اللي كنت ضعيفة… أنا اللي أخذت الخطوة…
روان مسكت إيدها بقوة :
– لأ. ما تلوميش نفسك إنتِ كمان. إنتِ ستّ… قلبك مجروح، وبتدوري على أي حاجة تفكّرك إنك لسه عايشة. هو اللي كان لازم يحميكِ حتى من نفسك.
سارة بصّت لها بعمق، وكان واضح إنها بتفكّر في كل كلمة.
وبصوت ضعيف سألت :
– هو… اتخانق معاكِ؟
روان سكتت.
المشهد رجع في دماغها بكل صوته وناره. هي تصرخ… وهو بيتكسّر... والبيت يترعش.
قالت ببطء :
– آه… إتخانقنا، ويمكن… جرحته. بس كنت خايفة عليكِ.
سارة غمضت عينيها، دمعة نزلت على خدّها :
– كان لازم أكون أقوى… ما كانش لازم أضغط عليه… هو دايمًا شايلني، وأنا كنت شايفة وجعه ومطنشاه…
روان اتنهدت :
– سارة، إسمعيني كويس، إنتِ مش غلطانة، وهو مش غلطان. إنتوا الاثنين موجوعين. ووجع الحُب ساعات بيخلي الناس تعمل حاجات مش محسوبة.
سارة مسحت دموعها بإيدها المرتعشة وقالت :
– هو فين دلوقتي؟
روان بصّت ناحية الباب :
– قاعد برّة، مش قادر يدخل. شايف نفسه مجرم، بالرغم إن اللي حصل بينكم… كان حب.
سارة حاولت تبتسم، وابتسامتها كانت منكسّرة :
– طب قوليله يدخل.. لو لسه موجود.
روان قامت، وبمجرد ما فتحت باب الأوضة، لقت ياسر واقف. مش قاعد، واقف من غير نفس، مسنود على الحيطة، عايز يدخل، وخايف يدخل.
عينيه أول ما شافوا روان، كانت فيها نظرة بني آدم تايه.
روان قالت له بهدوء :
– عايزاك.
ما فكرش، دخل فورًا كأنه داخل قاعة محكمة، مش أوضة مراته.
وقف عند طرف السرير، مش عارف يقرب، ولا عارف يرفع عينه فيها.
سارة قالت بصوت واهي :
– ياسر… أقعد جنبي.
قرب بخوف، قعد على الكرسي، ومدّ إيده ببطء كأنه مستأذن من الهواء نفسه.
هي مدّت إيدها ولمست أصابعه. وبصوت هادي جدًا قالتة:
– ما تلومش نفسك.
هزّ راسه، دموعه نزلت، وملامحه إنكسرت قدّامها :
– أنا… دمّرتِك. أنا اللي وقعتك في الحالة دي. كنت عارف، وبرضه…
برضه ما قدرتش أقول لأ.
سارة ابتسمت بحنان غريب :
– الحب مش جريمة يا ياسر. وإحنا… كنا محتاجين بعض. حتى لو لحظة واحدة.
هزّ راسه :
– بس إنتِ تعبتِ، وأنا السبب.
سارة قالت جملة كسرت البيت كله :
– التعب مش منك… التعب من المرض. اللي بيننا… ده كان حياة. وانا اللي طلبت… مش إنت.
ياسر مسك إيدها وباسها بخوف، وقال بصوت اتكسر :
– أنا وعدتك أحميكِ، وأنا اللي وجّعتك.
سارة هزّت راسها وقالت :
– لأ… إنت رجعتلي روحي. حتى لو بكرة هضعف، اللحظة دي كانت نور.
وإنت مش أناني ولا ظالم. إنت راجل بيحب مراته لآخر نفس.
روان، اللي كانت واقفة عند الباب، دمعتها نزلت، وشافت حاجة محدش شافها قبل كده :
حُب بيموت… بس لسه حيّ. حبّ كبير، أكبر من المرض، وأقوى من العتاب.
نسرين بلعجيلي
سارة قالت لياسر بصوت هادي جدًا :
– أقعد جنبي، بس من غير خوف. أنا مش هكسرك، وإنت مش هتكسرني.
وهنا…
ولأول مرة من أيام…
ياسر ساب دماغه ترتاح على كتفها، وسارة مسكت شعره بإيديها الضعيفة…
وروحها قالت :
“لسه فيه عمر… ولو حتى في لحظة.”
هل ياسر غلط؟؟؟
قولولي انتم شايفين ايه ؟؟؟يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق