القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الوقت المفقود المقدمة بقلم الكاتبه يارا علاء الدين حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية الوقت المفقود المقدمة بقلم الكاتبه يارا علاء الدين حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية الوقت المفقود المقدمة بقلم الكاتبه يارا علاء الدين حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات


فى مكانٍ لا تحدّه خرائط ولا تبلغه عيون العابرين، يتداخل الليل بالنهار كخيوطٍ من دخان، وتتمايل الظلال على أرضٍ لم يُكشف سرّها بعد. هناك، لا تُقاس الأيام بالساعة, الزمن نفسه يبدو غريبًا، خافتًا، كأنّه يراقب من يخطو فوقه.


الريح تمرّ حاملةً قصصًا قديمة، والحدود بين الواقع والحلم تتلاشى شيئًا فشيئًا. ومن قلب ذلك الغموض تلوح إشاراتٌ لعالمٍ آخر ينتظر أن يُكشف… عالمٍ حيث تتحوّل الحقيقة إلى أسطورة، والأسطورة إلى واقع، وتبدأ الحكاية بخطوةٍ صغيرةٍ فى طريقٍ لا يشبه أى طريق.


الإهداء


إلى كلّ من يؤمن أنّ للحكايات قدرةً على إيقاظ القلوب، وأنّ النور يمكن أن يجد طريقه حتى فى أشدّ الظلمات.

إلى القارئ الذى يحمل فى داخله شغف الاكتشاف، ويجرؤ على السير فى الطرق المجهولة حيث تختلط الحقيقة بالوهم.


هذه الحكاية لكم.


الفصل الأول


كان الصباح يتسلّل ببطء إلى البلدة القديمة، يوقظ البيوت الحجرية واحدًا تلو الآخر. الأزقة الضيقة تتنفس رائحة الخبز الطازج، والهواء يحمل أصوات الباعة المتناثرة في السوق. وسط هذا الهدوء كان يمكن سماع وقع خطوات آيات، وهي تدفع عربتها الخشبية الصغيرة محمّلة بكتبٍ قديمة، تنقلها إلى دكّانها عند طرف الميدان.


رفعت رأسها إلى السماء الرمادية وتنهّدت. منذ فترة وهي تشعر أن الصباح صار أثقل، كأن يومها بدأ بعد أن فاتها شيء لا تعرفه. تنظر حولها فتجد نفس التعب على وجوه الناس؛ حركة أبطأ من المعتاد، وابتسامات شاحبة، وكأن البلدة كلّها تستيقظ من حلمٍ ناقص.


دخلت آيات دكّانها الصغير، رتبت الكتب على الرفوف كعادتها، ثم نظرت إلى ساعة الحائط الخشبية. كانت عقاربها تشير إلى السابعة، لكنها متأكدة أنّ الشمس ارتفعت قبل ذلك بكثير. لم تُعِر الأمر اهتمامًا، لكنها أحسّت برجفةٍ خفيفة في قلبها، إحساس لا تفسير له… إحساس بأن شيئًا ما غير طبيعي يتسرّب إلى أيامهم دون أن ينتبه أحد.


جلست خلف طاولتها، فتحت كتابًا مهترئًا، تتصفح صفحاته على ضوء خافت يتسلّل من النافذة. الباب يفتح فجأة، ودخلت فتاة تحمل سلة خبز.

قالت بصوت متعب: «صباح الخير يا آيات، هل لديكِ شيئٌ ممتع للقراءة اليوم؟»

ابتسمت آيات وقدّمت لها كتابًا صغيرًا عن الحكايات الشعبية. «صباح النور يا زينب، هذا كتابٌ قد يعجبكِ.»

تحدثتا لدقائق عن أخبار السوق والأسعار وحالة الناس. قالت الفتاة وهي تضحك نصف ضحكة: «الغريب أنني كل يوم أشعر أنّي تائهة وكأن شيئًا مني قد فقد»

ضحكت آيات معها لكنها شعرت بوخزةٍ غريبة في صدرها، كأن كلمات الفتاة تصف إحساسها هي بالضبط.

مع اقتراب الظهيرة أغلقت آيات باب الدكان وعادت إلى بيتها الصغير في شارع جانبي. استقبلتها أمها بابتسامة باهتة وسألتها عن عملها. جلستا على المائدة تتناولان الغداء. حكت الأم عن انقطاع الكهرباء في الصباح وعن جارتهما التي نسيت أن تغلق باب بيتها.

قالت الأم وهي تهز رأسها: «الناس أصبحت شاردة يا آيات، أو لعلّ الدنيا هي التي أصبحت شاردة منّا.»

لم تجب آيات، فقد كان ذهنها مشغولًا بذلك الشعور الثقيل الذي لا يزول.


بعد الغداء عادت آيات إلى دكّانها. الشمس في منتصف السماء تقريبًا، لكن ساعة يدها  تشير إلى الثانية إلا ربع. وقفت تحدّق في المارة: باعة الخضار، أطفال يركضون، رجال يحملون أكياسًا. الكل يبدو طبيعيًا لكن الحركة بطيئة، الأصوات متقطعة، والوقت كأنه يسير على إيقاع غير مرئي.


بقيت تعمل حتى الغروب. عندما همّت بإغلاق الدكّان رفعت رأسها إلى ساعة الحائط مرة أخرى: تشير إلى الخامسة إلا عشر دقائق، ومع ذلك كان الظلام قد غطّى الأزقة تمامًا. ارتجف قلبها وهي تسحب باب الدكان. للمرة الأولى تقول لنفسها بصوت مسموع: «هناك شيءٌ خاطئ في الوقت… لا بد أنّ هناك شيئًا خاطئًا.»


خرجت إلى الطريق المؤدي إلى بيتها، والليل يزحف على المدينة. الشوارع بدت أطول مما اعتادت، والهواء أثقل. فكرت في كلمات الفتاة في الصباح، في ابتسامة أمها الباهتة، في الأطفال الذين يبدون أبطأ من المعتاد. شعرت أن هذه ليست مصادفات صغيرة. هناك شيء يضيع منهم جميعًا، شيء لا يرونه لكنهم يعيشونه كل يوم.


سارت آيات بخطوات سريعة، تحمل حقيبتها إلى صدرها كأنها تحمي نفسها. كانت تتمنى أن يكون كل ذلك مجرد وهم، لكن ساعة يدها ما زالت عند الخامسة رغم أن الليل اكتمل. رفعت عينيها إلى السماء الداكنة وتمتمت: «يا ترى ما الذي نفقده حقًا؟»


لم تجد جوابًا. لكنّها شعرت لأول مرة أن عليها أن تعرف.

يتبع 


تعليقات

التنقل السريع
    close