رواية جمر الهيام الفصل الأول بقلم نورهان محسن حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية جمر الهيام الفصل الأول بقلم نورهان محسن حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
أخيرًا صحيت العروسة
احتضنت جسدها بذراعيها المرتجفتين بهلع، وتراجعت خطوة بعد أخرى، وهي تتلعثم بخوف: انت مين؟! أنا… أنا إزاي جيت هنا؟!
ابتسم بخبث، ومد يده الغليظة ليمسح على خدها المرتعش وهو يجيبها باستمتاع: أنا جوزك يا قطة… لسه جوازنا طازة… ماعدّاش عليه ساعتين زمن، تعالي في حضني عشان نقول احلي كلام
دفعته شهد بعنف، ودموعها ترقرق بعينيها، ثم صرخت بشراسة ممزوجة بالقهر: جوز مين يا راجل إنت؟! خرجني من هنااا!
قهقه بصوت خشن: القطة طلعت بتخربش… ماشي هعذرلك عشان لسه ماخدناش على بعض، اسمعي يا بت أنا جوزك، وابوكي هو اللي مجوزك ليا يا قمر بعقد عرفي واتنين شهود
انتفضت في مكانها، وجسدها يرتجف كغصن في مهب ريح، لتصرخ بعدم تصديق: كداب! مستحيل أبويا يعمل كده… مستحيل!
خطا نحوها بلا اهتمام لصدمتها، بينما أخذت أصابعه تحاول أن تنتزع طرحتها، فارتدّت للخلف تصرخ بفزع وهي تدفعه عنها، لكن قبضته التفت حول معصميها، ليحاصر جسدها كأنها طريدة وقعت في مخالب صيّاد.
قال مختار بلذة وهو يلهث، ووجهه قريب من وجهها، خانقًا أنفاسها برئحة عطره القوية: ياااه… بموت في النوع الشرس ده… بس بقولك ايه ماتزوديش في الفرهدة… مفعول الحباية لسه شغّال ومش عاوز أضيّعه عالفاضي
صدحت منها صرخة مكتومة بالذعر، كأنها تستنجد بالجدران...
الجمرة الأولى
في شقة صغيرة تتألف من غرفتين وصالة، بشرفة ضيقة تطل على شارع فى حى شعبى، ومطبخ وحمام بالكاد يسع شخصًا واحدًا، وقفت شهد أمام باب الحمام، تضرب بكفها على الخشب المتهالك بنفاد صبر، وصوتها الحانق يعلو في أرجاء الشقة: خلص يا زفت الطين يا عاصم! بقالك سنة جوا! دا انت كلك على بعضك قد الصابونة!
قبل أن يأتيها أي رد من الداخل، شعرت بحركة خلفها، فاستدارت لتجد ضي، ابنة خالتها الصغيرة، تقف أمامها بكامل زيها المدرسي المرتب، وشعرها الأسود الناعم مربوط إلى الخلف في ضفيرة متقنة، ووجهها الطفولي يحمل مزيجًا من الهدوء والتوجس.
ضي بصوت ناعم، وهي ترفع حاجبيها باندهاش: هو لسه ماخرجش؟
رمقتها شهد بنظرة سريعة قبل أن تقول بامتعاض: لبّستي وسرّحتي شعرك يا ضي، والمحروس أخوكي مذنبني هنا!
وضعت يدها على خصرها، وهتفت بغضب: انت يا حيوان للي جوه هتأخر علي الامتحان!
من عند باب الغرفة، ظهر هشام، شقيق ضي، ولد صغير لا يتجاوز العاشرة، بوجه طفولي يحمل مكرًا لا يليق بسنه، هتف متذمرًا وهو يتثاءب: امتحانك الساعة 10 وإحنا لسه 7 ونص! إيه الاستعجال اللي انتي فيه ده؟
شهد بحنق وهي تلوّح بيدها: خليك في حالك يا هشام، بدل ما أجي أفش غلي فيك يا زعبولة انت التاني! هلاقيها منك ولا من حموكشة اللي جوه؟!
من خلف الباب المغلق، أتاها صوت عاصم المشاغب، مفعم ببرود مستفز: أهو علشان الأسامي اللي مطلعها علينا يا شهد وخليتي العيال في المدرسة والشارع بقت تنادينا بيها، مش خارج غير لما تتأسفي!
رفعت حاجبيها في تهكم، وضربت الباب بكفها بقوة: ها، ضحّكتني والله! وأنا ماليش مزاج! هتخلص ولا أكسر الباب فوق نافوخك؟
عاصم بإصرار مستفز: مش طالع! مش طالع!
ضيقت عينيها بدهاء، وألقت بكلماتها ببطء مقصود: لو ماطلعتش وديني لأكون جايلك وفضحاك في الفصل! هقول لكل العيال إني أنا اللي بحل لك الواجب! وأنت عارفني أعملها مايفرقليش!
في ثوانٍ، انفتح الباب بعنف، وخرج عاصم مشعث الشعر، وجهه ممتقع بالغضب، وقال بتهكم: اديني طلعت! إيه هتذلّينا عشان بتحليلنا الواجب؟ انتي أصلًا فاشلة وإجاباتك كلها غلط
قهقه هشام بمكر وهو يتقدم من عند الغرفة: وبعدين إحنا كمان ممكن نفتن عليكي ونقول إنك بتوقفي مع شلة البنات أصحابك قدام المدرسة، وبتحطوا روج وبودرة عشان الشباب يعاكسوكم!
تحولت نظرات شهد إلى شرسة في لحظة، أمسكته من قفاه، فجفل الصغير وحاول الإفلات، لكنها شدته بقوة وهمست بصوت منخفض لكن مُهدد: وله يا هشام، حسك عينك تفتح بُقك، وإلا… إنت عارف أنا هعمل إيه ماشي؟ ولا تكون نسيت آخر مرة؟!
بسرعة خاطفة، تملص منها وانطلق إلى داخل الحمام، قبل أن يغلق الباب بضحكة منتصرة، فهتفت شهد من خلفه بحنق: أنا عايشة مع قُرود! وله يا هشام، يا ابن الجزمة!
أتاها صوت خالتها المتهكم: أنا جزمة؟ يا شبشب زحافي، يا بنت سندس!
رفعت يديها في الهواء بيأس، واستدارت نحو الصالة حيث جلست خالتها زينب ووالدتها سندس على الأرض التى كانت منهمكة في طيّ الملابس، دون أن ترفع نظرها، لكنها هتفت بضيق: كفاية دوشة على الصبح يا شهد صدعتوني!
نفخت شهد خدودها بانزعاج، ووضعت يديها على خاصرتها، قبل أن تتمتم ساخرة: دا اللي باخده منكم في البيت ده! توب عليا يا رب من العيشة دي، وارزقني بواحد جته كده كتاف بعضلات واسمريكا يدلعني
أخرج عاصم لسانه لها ساخرًا: أحلام الفتاة الطائشة!
لم تعره انتباهًا، وإنما التفتت إلى ضي التي تنهدت قائلة: على ما يطلع، تعالي أسرح لك شعرك قبل ما تلبسي الطرحة يا شهد!
نفضت إحدى خصلات شعرها الطويل إلى الخلف، قبل أن تتبعها، وهي تهمهم بين شفتيها بكلمات ساخطة لم يسمعها أحد!
❊❊بقلم نورهان محسن❊❊
خرجت شهد من باب البيت بخطوات متمايلة، محاطة بأبناء خالتها الذين يملؤون الجو ضجيجًا وضحكات، الهاتف بين يديها، وعيناها مثبتتان على شاشته، كأن العالم قد انكمش داخل تلك المستطيلة الصغيرة، بينما تمشي بخفة عذبة يشي بها ثني خصرها ورنين ضحكتها المكتومة.
وفجأة أحسّت بظلٍّ يغمرها، ثم وصل إلى مسامعها صوتٌ أجشّ مرحٌ يحفظه قلبها: يا صباح النشاط والهِمّة! عاملين إيه يا وحوش؟
أجاب عاصم بلهفةٍ لا تخلو من الفخر: زي الفل، الحمد لله يا معلم جلال
رفعت شهد عينيها نحوه خلسة، فوقع بصرها على قامته الشامخة وملامحه التي يكسوها الصرامة، في وسامةٍ فتاكة تُرهق القلب وتستبيح الحواس، بينما يتحدث مع الأطفال بجديةٍ مرحة، فازدادت مهابته في عينيها.
ضحك جلال بصوتٍ أجشّ يحمل الحزم والمرح معًا: اسمعوا يا عيال… مفيش عك في الامتحان، كل واحد يركز ويحلّ على بركة الله
قال عاصم وهو يحك رأسه بلا مبالاة: أنا هخش أهبد اللي يجي في مخي علي ورقة الامتحان… المهم ننجح والسلام
رفع جلال حاجبيه محذرًا: مفيش منه الكلام ده، اللي هيجيب نتيجة أعلى من أخوه… ليه عندي مكافأة علي فرازة
هشام بحماس: بتتكلم جد يا معلم؟
ابتسم جلال ابتسامةً خفيفة، وقال بثقة: من امتي بهزر في الحاجات دي؟ شدّوا حيلكم، وأنا عارف نصاحة ولاد زينب مايتخافش عليكو
ثم على حين غرّة، تحرّك بصره نحوها، ممَ جعلها ترتبك من نظراته الثاقبة، فرفعت هاتفها لتُخفي ارتجافة أصابعها، لكن قلبها كان يضجّ في صدرها كطبول حرب.
اقترب منها بخطواتٍ وئيدة حتى صار فوق رأسها، التقط بصره خصلات شعرها المنفلتة من أسفل الطرحة، فقال بصوتٍ خافتٍ حاد: كام مرة اقول تلفي الطرحة عدل... والكام شعرة للي فرحانة بيهم دول تداريهم، ولا فاكرة نفسك بتتمشي في صالة بيتكو يا ست شهد!!!
أسرعت تُصلح طرحتها بارتباك، ثم رفعت إليه عينيها الواسعتين، وفيهما خليط من التحدي والتوتر، وردت بلهجةٍ تحمل دلالًا فطريًا: احلفلك بايه انها بتتزحلق من علي راسي من غير ما اخد بالي..
تحدث بصرامة: لا تحلفيلي ولا احلفلك، للي ربي خير من للي اشتري، وانتي تربية ايدي وحافظك
ثم أشار إلى الهاتف في يدها، وقد ازدادت نبرته غلظة: وبدل ما ترجعي قبل الامتحان، مبحلقة في الزفت ده وانتي ماشية!؟ آخر مرة أشوفك ماشية بيه كده، ولا هفرمهولك حتت تحت رجلك...
تعالت ضحكات أبناء خالتها في خبثٍ طفولي، فأحسّت شهد بغصّةٍ في صدرها، كادت دموعها تفرّ من شدّة قسوته، لكنها تماسكت وأجابت ببرودٍ مصطنع: مش محتاجة حد يعلّمني إزاي أمشي ازاي واعمل ايه؟ انا مابقتش عيلة صغيرة..!!
تجلّى العناد في صوتها، وارتسمت ابتسامة صغيرة عند طرف شفتيها ما بين الاستفزاز والأنوثة، حدّق فيها بعينين تتقدان صرامة، تلك النظرة التي جعلت الدم يتجمد في عروقها، فأطرقت رأسها سريعًا هاربةً من أسهم نظراته.
وفي اللحظة ذاتها، خرجت صديقتها نوارة من بيتٍ مجاور، متزينة بابتسامة واسعة، وما إن وقعت عيناها على جلال حتى أشرقت أكثر.
اقتربت بخطوات متلاحقة، وألقت عليه السلام بصوتٍ ملؤه الدلع، وقد غاص في عينيها بريق إعجاب لم تحاول أن تخفيه: صباح الشهد عليك يا معلم جلال
ابتسم جلال وأجابها بودٍّ بسيط:
صباح النور علي نوارة حارتنا
لم تحتمل شهد كأن شرارة الغيرة انطلقت في أعماقها، فاقتربت بخفة، وضربت ذراع نوارة بخفة خفيّة لم يلحظها أحد، وكأنها إشارة إنذار لا تريد أن تُفهم علنًا، ثم أمسكتها من يدها بقوة، وجذبتها لتسير بجوارها.
أما جلال، فقد ظل واقفًا في مكانه، عيناه تتابعانها حتى ابتعدت، وفي قلبه نارٌ لا يملك لها اسمًا، يخفيها تحت قناع الهيبة والبرود.
التفتت نوارة في حيرة، بينما شهد تمشي مسرعة، وجهها محتقن بالغضب المكتوم، أنفاسها مضطربة: كل ده عشان تنزلي!!!
قالت نوارة وهي تلهث بجانبها: ما انتي عارفة مواويل امي للي علي الصبح، سيبك مني، هو ايه اللي حصل؟ الجو كان مكهرب كده ليه؟ هو قالك حاجة؟!
تساءلت نوارة بريبة، فدمدمت شهد بحنق، وهي تشيح بوجهها: ولا حاجة… فكك
ثم أضافت في غيظٍ مكتوم: بس انتي مش هتبطلي استعباط ومرقعة يا نوارة؟ مالك سهتانة علي نفسك كده ليه يا اوخا!!
نفخت نوارة باستياء: يوووه انا عملت حاجة، وانا مالي اصلا هو ينغزك بكلمتين في جنابك كالعادة، وتيجي تطلعيهم عليا!!
صمتت شهد لحظة، ثم تمتمت بحزن حائر: اه بس لو اعرف ايه مشقلب حاله عليا بالمنظر ده، ده بقي مسكلي علي الواحدة اكتر من الاول!!
ضحكت نوارة بخبث: يا بت هتعمليهم عليا!! كل ده ولسه علي قلب زي العسل ولا نسيتي كلا..
لكنها لم تُكمل، فقد شدّت صديقتها من مرفقها وهمست من بين اسنانها: وطي صوتك حد من العيال يسمعك، يلا امشي متأخرين
❊❊بقلم نورهان محسن❊❊
خرجت شهد من بوابة المدرسة بخطوات سريعة، حقيبتها المدرسية تتأرجح على كتفها، وهى تضحك مع صديقتها، والهواء يعبث بطرحتها البيضاء.
على الرصيف المقابل، كان يقف رجل ملامح وجهه شاحب وعيناه غائرتان، تجمدت شهد مكانها، قبل أن تهمس بتفاجؤ:....


تعليقات
إرسال تعليق