القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية بين الحب والانتقام الفصل الأول حتى الفصل التاسع بقلم نور الهادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية بين الحب والانتقام الفصل الأول حتى الفصل التاسع بقلم نور الهادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


رواية بين الحب والانتقام الفصل الأول حتى الفصل التاسع بقلم نور الهادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


وعد  قولتلك إني مش بحبك… خلاص يا كريم، شوفلك حد غيري

كريم – إنتي عارفة إني بحبك يا وعد… إديني فرصة بس!

– أنا مرتبطة… وبحبه أوي

اتغيرت ملامحه بصدمه – مرتبطة؟ بمين؟! إنتي بنفسك قولتي مفيش حد في حياتك!

– كان لازم أقولك… وكده نكون خلاص

– مين هو؟!

ابتسمت قال – زعيم ما..فيا… وبلاش تكرر الموضوع تاني… عشان بيغير عليا لدرجة مو.ت.

بصلها كريم بشده مشيت بره الكافيهاكعه، شافت صاحبتها ياسمين واقفة مستنياها، بتكتم ضحكتها بالعافية.

– إيه يا بنتي اللي عملتيه ده؟ ليه قولتي إنك مرتبطة؟

– معرفش… اللي جه قدامي قولته. كان لازم يبطّل، ابتديت أتضايق ومش عايزة أجرحه.

– آه طبعًا… بتهتمي بمشاعر الناس، بس الولد ورا كنتي هتطحنينه! يا بتاعت راجل مافيا… خليتيه يترعب منك.

– كويس… يعني كدبي جاب نتيجة.

– إنتي مجنو.نة رسمي.

وعد هى طالبه فى فى ٣جامعه فى كلية علوم

خرجوا سوا من باب الجامعه. عربية سوداء فخمة كانت واقفة قدام الباب، وعد سلمت على ياسمين وقالت:

– "أشوفك بكرة."


في فيلا كبيرة، كانت ست أنيقة وشيك قاعدة تشرب قهوة

الخدامة –"مالك يا رانيا هانم؟

قالت رانيا بضيق – دماغي مصدعة من لما صحيت

– أعملك حاجة فورًا تحسنلك مزاجك.

– يوسف فين؟

– البيه خرج الصبح بدري… باين عنده شغل كتير أوي.

– "أكيد مش بيدي شغل بدران."

ريّحت ضهرها وقالت – "اعمليلي شاي بنعناع."

– "فورًا."

الخدامة لفت تمشي، لكنها وقفت لما شافت "وعد" داخلة.

– "مساء الخير آنسة وعد."

فتحت رانيا عينيها وبصّت لوعد – "اتأخرتي ليه يوعد؟"

ردت وعد بهدوء – "كنت بتكلم مع دكتور."

– في مشكلة؟

– لا.

– كويس… اطلعي ذاكرِي. مش عايزين باباكي يحس إنك مقصرة في مذاكرتك، إنتي عارفة مشاغله كتير

– حاضر يا ماما.

مشت وعد، ورانيا رجعت تريح ضهرها من تاني.


في المطبخ، دخلت وعد ولاقت ست واقفة بتجهز الأكل، ومعاها بنت في عمرها بتساعدها لكا شافتها قالت

-وعد

بترد الست قالت– "آنسة وعد! في الجامعه؟"

ابتسمت وعد – أنا قدامك أهو يا يداده فاطمه."

أول ما شافتها  ابتسمت – "جيتي إمتى؟ تعالي اقعدي."

سحبت كرسي وقعدت، قربت منها "رنا" وهي تضحك

– "إنتي لسه راجعة من الجامعه وجاية على هنا؟"

قالت وعد – "أيوه، أصلي جعانة أوي."

فاطمة قامت بسرعة – "حالًا أعملك سندوتشات تتصبري بيها لحد الغدا."

رنا – "مالك؟ قبلتي الست رانيا؟"

فاطمة بسرعة ضربتها على راسها وقالت

– "حطي الألقاب يا بنت! اسمها الهانم… متخليناش نخسر عيشنا."

– "آهه، ماكنتش أقصد… أنا بتكلم مع وعد بطبيعتي."

وعد – "آه شوفتها أول ما دخلت، كالعادة حرصت إني أذاكر. زي كل يوم… عشان أخليهم فخورين بيا، وعشان مش أشغل بابا عنها."

ردت "فاطمة" وهي بتقطع الخضار – "معلش يا بنتي… الهانم خايفة على مصلحتك.

وعد - اممم… أوقات بشك في كده.

وبعد لحظة أضافت – أنا هطلع أغيّر هدومي وأنزلكم.

فاطمه– فاكرة… بلاش. بدل ما تتضايق وتقول إننا بنعطلك

– متقلقيش. هاكل بس واطلع تاني

ابتسمت لهم ومشيت، كعادت وعد أقرب للخدم من أهل بيتها.

رنا– "أوقات بتمنى أعيش حياة وعد… وأجرب الرفاهية دي."

فاطمه – "بت يا رنا… ركزي في شغلك."


دخلت وعد أوضتها، غيرت هدوم المدرسة، ورمت شنطتها على السرير.

فتحت تليفونها على الإنترنت، كروتين يومى بس فىىصوره كانت مميزه بتبص فيها كتير لشاب وسيم متصور معاها

الباب خبط فتحت لقت رنا واقفة، في إيدها طبق فيه سندوتشات.

– "الست فاطمة عملتلك سندوتشات… وقالتلي أطلعهالك."

– "مش عايزاني أنذل ولا أي

رنا همست – "الهانم تحت… لو شافتك قاعدة وسايبه المذاكرة، هتزعل. خلصي وقعدي معانا شوية."

– "أوكي."

خدت السندوتشات، ومدت لرنا واحد

رنا اعترضت– "لا لا، ده ليكي."

 وعد حطته في إيدها بقوة وهمست

– "الهانم مش هنا… كليه يلا."

ابتسمت رنا وخدته منها


في جنينة الفيلا، كان راجل الثراء باين من عليه ، قاعد على كرسي، ماسك جرناله ، قدامه راجل واقف ببدلة

 قال باحترام – "صدرت الدفعة الكبيرة من غير خدش، زي ما حضرتك طلبت والشركه اتطورت ف السفن مفيش اى غلطه

– "كويس… استلمتوا الفلوس؟"

– "بالورقة… وحطيتهم في الخزنة. كله تمام يا بدران بيه."

– "وتسليمة المنيا؟ عملتوا فيها إيه؟"

– "يوسف بيه قال إنه معاهم… ويوصل لحضرتك أول بأول."

قطب بدران حاجبه بال – "الناس دول خدوا وقت كتير."

وبإشارة باردة قال – "خلاص يا محمود… امشي. وابعتلي يوسف."

– "حاضر يا بيه."

قبل ما يمشي، سمع صوت وراهم–  بتنادى يا بابا…

بدران التفت، شاف يوسف داخل بخطوات واثقة.

ربّت على كتف محمود قال

– "بتسبقني دايمًا."

قعد جنب أبوه، محمود قال– "عن إذنكم… همشي

بدران أومأ من غير كلام، محمود خرج وسبهم لوحدهم.

بدران بص لابنه وقال – "عملت إيه؟"

يوسف اعتدل في قعدته وقال - حاولت أبلغهم وأوصل معاهم لاتفاق… بس دماغهم ناشفة."

بدران ضيّق عينيه – "يعني معملتش حاجة."

يوسف زفر وقال – "إنت عارف إن الناس دول الشغل معاهم مذلة. لو تسيبني أقرص ودنهم…"

بدران قطع كلامه – "من يوم ما سيبتلك الموضوع وأنا متخيل النتيجة. واضح إنهم مش سهلين… وابتدوا يقللوا مننا."

قبل ما يكمل، ظهرت رانيا بابتسامه – "بتتكلموا في إيه كده؟"

جلست على دراع الكرسي جنب ابنها قالت – "مالكوا؟"

يوسف – "أبداً يا حبيبتي… بنتكلم في شغل كالعاده."

رانيا هزت راسها – "طب يلا، عشان الغدا جاهز… ريّحوا دماغكم شوية."

يوسف وقف – "أنا هاخد شاور وأنزل."

وهو ماشي، وقف وسأل – "وعد فين؟"

رانيا – "في أوضتها… سيبها بتذاكر."

يوسف - لازم تستريح من المذاكرة دي شوية.

وبعدين خرج. بدران مال لقدام وقال لرانيا:

– "اتصلي بنادين اختك… خليها تكلمني على إيميل الشركة، محتاجها."

رانيا – "نادين حاضر… في حاجة ولا اى؟"

– "آه… خليها تبعت لعلي هينزل امتى

رانيا اتفاجئت – "علي… أخوك؟!"

بدران – اه غيابه طال… خلى حد يمسك مكانه. وينزل مصر


كانت وعد بتذاكر بتافف لحد سمعت خبط مميز على الباب قامت بسرعة وفتحته، لقت يوسف ابتسمت علكةل

ابتسم: "ازعجت الدكتورة؟"

ضحكت: "كنت فين كل ده؟"

– "في الشغل…  في حد مضايقك؟"

مد إيده وخطف الكتاب من إيديها: "إيه ده؟ بتفهمى في الفيزياء دى؟"

انتزعته وقالت بضحك: "دي كيميا، مش فيزياء."

بصلها للحظه حط إيده على كتفها بهدوء: "عارف… بس لا م ترفهنى عن نفسك بردو

-قول لماما

سدت لما عرف إن أمه فارضه قيود قال- هي بس عيزاك تبقى بروفيسره

رن موبايله فجأة، بص للشاشة وقال: "من أمريكا."

عين وعد اتلمعت- "أمريكا؟!"

وكأن ليها خبيب هناك، بيخرج ويرد ويسيبها


في أوتيل فاخر بأمريكا، الانوار ضالمت امرأة أجنبية ترتدي فستانًا قصير برفانات مالا الاوضه من أجواء رومانسية محيطة بيها. رفعت سماعة التليفون قالت

"مش عايزة أي إزعاج… تحت أي سبب، مفهوم؟"

بتقفل وترجع شعرها ورا رن جرس الباب. فتحا لتبتسم لما شافته

- "اتأخرت ليه؟"

كان شاي بملامح عربية واضحة، وسيم، يحمل في حضوره هيبه


رواية بين الحب والانتقام الفصل الأول حتى الفصل التاسع بقلم نور الهادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


قال - "الطريق… معلش."

ابتسمت - "واقف ليه؟ ادخل."

دخل وقفلت الباب وراه وقالت بمغزى - "خليت الجناح ده بس لينا… كل الأجنحة حوالينا فاضية."

رد بثبات -"كويس… الكلام اللي بينا محتاج هدوء."

اقتربت منه ببطء، همست في أذنه بصوت خافت:

"كلام عن اى… عننا؟"

- "عن الشغل."

- "شغل؟!! ده معاد خاص لينا… بلاش تدخل الشغل هنا يا علي."

تأملها قليلًا، ثم قال "انتي شايفة كده؟"

أومأت له، وأصابعها انسابت على رقبته، همست بإغر.اء:

"إنت بتأثر عليا أوي."

نظر إليها نظرة طويلة، ثم ابتسم ابتسامة مبهمة، وبدون مقدمات حاصرها بجسده والتصق بها في الحائط. صوته وطى وهمس

"قوليلي… إيه النوع اللي بيفضلك يا مارغريت؟"

ضحكت بخفوت وهي تمسح على وجهه، قربت اكتر مبقاش فيه فاصل قال

"إنت… إنت وبس، يا علي."

بتقرب منه ولسا هتبو.سه حست بحاجه صلبه على بطنها. فتحت عينيها بسرعة، واتصدمت لما شافت مسد.س مرفوع عليها بايده الثابته القويه

على - تعرفي أنا من نوع إيه؟

لم يمهلها فرصة للإجابة، وأكمل بابتسامة باردة:

"أنا من النوع ده."

الثاني 


بتقرب منه ولسه هتبو.سه، حست بحاجة صلبة على بطنها. فتحت عينيها بسرعة، واتصدمت لما شافت رافع عليها سلا.حه

على – "تعرفي أنا من نوع إيه؟"

ما أدّهاش فرصة ترد، وكمل بابتسامة باردة:

– "أنا من النوع ده."

اتجمدت مارغريت مكانها: – "بتعمل إيه يا علي؟"

رفع إيده وبكل هدوء لمس خدها بإيده التانية، الابتسامة الباردة لسه على وشه:

– "لازم أي ست قبل ما تستنى ليلة من راجل… تعرف الأول الراجل ده مين."

– "علي… ابعد الحاجة دي عني، ده هيكلفك كتير."

صوته واطي لكن مرعب: – "إياكي تهدديني."

حسّت رعشة خوف تخترقها من جوة، أقوى من أي لحظة قرب قبل ثواني. قالت بصعوبة:

– "ممكن تفهّمني… إيه اللي يستاهل ده كله؟"

– "يعني متعرفيش؟ أنا كنت عايزك في الشغل، مش أكتر."

بصت له مذهولة، وهو يكمل:

– "بس إنتي… الهوا والمشاعر سيطروا عليكي. ولسه فاكرة إن ده كفاية."

تصلب فكّه وهو يقول: – "للأسف… في بينا خلاف أكبر من إننا نكمّل كده."

مارغريت: – "خلاف إيه؟ طب فهمني أنا عملت إيه؟"

علي نزل القطعة المعدنية، طلع ورقة من الملف ورماها قدامها:

– "أمضي."

مارغريت بتوتر: "أمضي على إيه؟"

علي: "تنازل… بقيمة ١٠٠ ألف دولار."

اتسعت عيناها بصدمة: "إيه! أنت اتجننت؟ المبلغ ده مش طبيعي!"

حط رجل على رجل "عارف… وبقولك اكتبيه. ده حق وقتي اللي ضيعتيه… والخساير اللي سببتها لي لما رُحتِ اتعاقدتِ مع الشركة التانية ولغيتِ اتفاقنا. ده خلاني أخسَر كتير. وانتي عارفة كويس… أنا لا بقبل الخساير ولا بسمح لحد يعمل اللي عملتيه."

سكت لحظة، وبنبرة باردة زاد ضغطه "بس هعديهالك… لأنك ست."

مارغريت ارتعشت مكانها، علي: "يلا، أمضي بسرعة… ما عنديش وقت أضيعه تاني معاك."

مارغريت بصوت واطي: "ما… معيش قلم."

علي ابتسم ببرود، وطلع قلم من جيبه "معلش… نسيت."

مدّه قدامها. مارغريت بصتله بعدين مسكت القلم، خد الورقة واتأكد من توقيعها.

مارغريت: "في حاجة تاني؟"

رفع عينه عليها وقال ببرود: "اقل.عى."

نظرت له بصدمة، لكن صوته القاطع ما استناش رد.، رمت القميص… ولما وصلت عند ملابسها الداخلية، رفع إيده وقال:

"بس."

وقف من مكانه واقترب منها، عينه مسلطة عليها من فوق لتحت، بنظرة مسيطرة. وهي واقفة قدامه بثقة مصطنعة، كأنها جسد بلا خو.ف، بلا حياء.

مارغريت بابتسامة مراوغه: "نقدر نرجّع علاقتنا تاني؟"

على ابتسم قال"عندي شغل… هقابلك بعدين."

مشي وقفته مارغريت بتلح : "أمتى؟"

ما ردش. لف وخرج من غير كلمة، 


قدام الفندق، عربيتين كانوا مركونين على جنب. في واحدة منهم واقفه بيبص على الفندق رن صوت موبايل بعيد، بص على العربيه التانيه قال

" نسيى تليفونه."

صوت جه من وراه "يمكن سايبه قصد."

لف بسرعة. لقى "علي" واقف وراه بابتسامة باردة.

"خرجت إمتى؟ أنا مراقب الفندق وماشفتكش!"

علي "شوفت إن سهل أوي حد يغفلك يا مالك."

مالك : "انت بس... عملت إيه؟"

علي : "متتوقع اى غير إني خدت اللي عايزه."

سكت مالك لحظة، وبعدين ابتسم وقال "متوقعتش غير كده"

كل واحد منهم ركب عربيته، وتحركوا مع بعض لحد ما وصلوا لبيت أنيق، عصري التصميم.

نزل علي من عربيته، ادا الورقه لمالك قال"خد العقد ده… خليه يتصور في الشركة ويتبعت لمصر فوراً."

مالك: "تمام… لكن في مسج وصلني من الشركة لازم تعرفه."

علي هدوء: "مسج إيه؟"

مالك: "من بدران بيه… بيقول إن تليفونك مشغول وبعتلك إيميل رسمي عشان يبلغك."

عين علي ضاقت "تمام… هشوف الإيميل. وأوعى حد يرد عليه."

مالك – "مش هيضايق إنك مأخر الرد؟"

علي رفع عينه – "ده بدران… أخويا. والرد لازم ييجي مني أنا. أعرف في إيه، بس الأكيد… مش هيكون غلط في الشغل."

مالك اتنهد وقال بنصف ابتسامة:– "إنت أصلًا ما بتسيبش غلط يعدي عليك."

علي عينه فيها لمعة صقرية وقال– "امشي… عشان تلحق تبلغهم."

أومأ مالك، ركب عربيته ومشي.دخل "علي" البيت بخطوات ثابتة، البيت أنيق ومترتب على الطراز العصري. استقبلته خدامة أجنبية بابتسامة مهذبة:

– "العشا جاهز يا مستر علي، أحضره دلوقتي؟"

قال لها بهدوء:– "آه."

مشى على طول لمكتبه وفتح اللابتوب. عينه وقعت على رسالة قصيرة من بدران "كلمت حد يتعيّن بدالك مؤقت… لأنّي عايزك في مصر. جه وقت نزولك يا علي… محتاجك."

علي قفل اللابتوب ببطء، وكأن الكلمات لسه بتتردد في دماغه.

الخدامة رجعت بكوب قهوة، وحطته قدامه من غير ما تنطق. كانت عارفة إن القهوة بالنسباله مقدسة وقت التفكير.شرب بوق. ابتسم


في حرم الجامعة، كانت "وعد" ماشية مع "ياسمين" قالت- "المحاضرات كتير أوي… ضهري كسرني."

وعد – "فعلاً… كأنهم بيتعمدوا ينتقموا مننا."

ابتسمت ياسمين – "إيه رايك نفك النهاردة ونروح الـ نايت؟ صحابنا كلهم هيكونوا هناك."

وعد  – "إنتي عارفة إني ما بحبش الأماكن دي… الدوشة والزحمة مش ليا."

ياسمين غمزت وقالت بنبرة دلوعة– "ما تمثليش يا وعد… انتي اللي مش قادرة تنزلي. على الأقل اعتبريها بارتي."

وعد ضحكت بخفة– "بارتي لأي مناسبة يعني؟"

– "بارتي عيد ميلادك يا ناسية! عندنا كارت دعوة كامل مخصوص ليكي."

– "مش كنتِ تعمليه في البيت وخلاص؟"

ياسمين قطبت – "كنت طول الوقت فاكرة إنك بتهزري معايا… بس بجد انتي نسيتي؟"

وعد سكتت قليلا قالت– "هتصدقيني لو قلتلك… إني معرفش يوم ميلادي أصلاً؟"

ياسمين – "إزاي ما تعرفيش يوم ميلادك… وانتي بيتعملك عيد ميلاد كل سنة تحفة من بباكي وعيلتك؟"

وعد ابتسمت – "أنا بتفاجئ بيها كل مرة من بابا ويوسف… يمكن بفرح منهم، بس عمري ما كنت أعرف التاريخ."

ياسمين – "يعني عايزة إيه أكتر من كده؟ ده كفاية إن أخوكي قمر أوي! عرفيني عليه بقى."

– "ارحميني يا ياسمين… قلتلك مليون مرة يوسف لأ."

ياسمين – "آه ما انتي بتحبيه أوي كده… متخافيش، مش هبعده عنك يا عمتو."

وعد حاولت تبان جادة بس ما قدرتش تمنع ابتسامتها:

– "أمشي يا مجنونة."


في شركة بدران، كان قاعد في مكتبه الكبير، يوسف معاه قال

– "هو بعتلك رسالة؟"

بدران – "لأ… بس واضح إنه قرا رسالتى. وأنا عارف الإيميل مش مع حد غيره."

يوسف – "يعني بيتقل عليك ولا إيه؟"

الباب اتفتح بهدوء. دخلت امرأة جميلة وأنيقة، خطواتها واثقة وابتسامتها خفيفة.– "إزيك يا بدران بيه؟"

يوسف ابتسم وقال بسرعة– "هاي يا خالتو."

نادين ابتسمت– "إنت بتعمل إيه هنا؟ مش شغلك في الفرع التاني؟"

بدران أشار لها تقعد – "اعقدى ينادين

نادين – "معلش عندى شغل، بس كان لازم أبلغك… جالي ميعاد حجز الطيارة. وكستر علي بيبلغ حضرتك إنه هيكون بكرة في البيت."

رفع بدران حاجبه بدهشة– "هو حجز بالسرعة دي؟"

يوسف – "ما هو معاه الجنسية من شغله… طبيعي ما ياخدش وقت."

نادين – "بتاخد وقت برضه… بس علي بيعمل كل حاجة بإرادته هو. وأعتقد إنه نازل إجازته، وكل الترتيبات كانت جاهزة من قبل."

بدران – "كويس… كويس جدًا. بلّغيه إني في انتظاره."


رجعت وعد البيت، أول ما دخلت لقت فاطمة شايلة قفص فاكهة ومعاها باقي الخدم. كلهم ابتسموا وقالوا بصوت واحد تقريبًا:

– "إزيك يا آنسة وعد… حمد الله على السلامة."

ابتسمت بخفة – "الله يسلمكم… إيه الفاكهة الكتير دي انتو فاتحين جنينه؟"

إحدى الخادمات ردت مرتبكة – "تجهيزات… الهانم طلبت."

وعد استغربت، طلعت السلم وقفت عينها على أوضة مفتوحة… شدها الفضول، قربت بسرعة، بس وهي داخلة خبطت في خادم كان معدي. ما اهتمتش، ودخلت الأوضة. لقت الخدم بيكنسوا ويغيروا مفروشات، كأن المكان بيتجهز لحد مهم.

قالت – "إنتو بتعملوا إيه هنا؟"

– "بنروق… حضرتك عايزة حاجة؟"

– "الترويقة دي مش طبيعية… يلا، قولولي في إيه؟"

وقبل ما حد يرد، ظهر صوت من وراها.رانيا – "وعد… ابعدى من هنا؟"

رجعت وعد – … إيه اللي بيحصل هنا؟"

رانيا – "شايفة هدومك اتوسخت إزاي؟"

تنهدت وعد وقالت – مش عارفة فين الوساخة! أنا لسه شايفاهم… بس خلاص هغير هدومى.

ردّت رانيا ب– يبقى كويس، مش لازم يكون في هدومك ذرة تراب، ده يقلل منك قدام نسايبك.

– نسايبي؟!

– آه… قلة القعدة معاهم نسيتك. يلا، ادخلي أوضتك ذاكري وكلّي، وسيبيهم ينجزوا شغلهم قبل ما علي ييجي.

وقفت وعد لوهلة – علي؟! عمي جاي من أمريكا؟

رانيا – أيوه.

– إمتى؟!

– معرفش… بدران بلغني إن الأوضة تجهز قبل بكرة، علي دايمًا بيفاجئ والدك برجوعه.

– بابا اكيد عايز المفاجأة دي… أكيد بابا مستنيه.

رانيا – بالنسبة لوالدك، علي مش مجرد أخ… ده نصه التاني ودراعه اليمين.

مشيت وعد ،رانيا ما اهتمتش، لمحت الخدم وقالت بصرامة:

– روقوا كل شبر، عارفين إن علي عنده وسواس نظافة.

أومأوا بسرعة، وابتدوا ينضفوا المكان بحرص شديد.


في صباح اليوم التالي، نزلت وعد من غرفتها لقت بدران،ابتسمت وقالت:

– صباح الخير يا بابا.

ردّ بهدوء - صباح النور يا وعد… حسبتك دلوقتي في الجامعة.

ترددت، ثم قالت :– الصراحة يا بابا… مش قادرة أروح النهارده، هاخد إجازة.

قبل أن يكمل بدران، ظهرت رانيا من خلفها

– مش قادرة تروحي يعني إيه؟ ولما درجاتك تنقص، أكيد أبوكي هيضايق مني أنا… ويقول إني مهملة.

التفت بدران نحو ابنته،– ليه مش عايزة تروحي؟ تعبانة؟

وعد مش عايزه تقلقه – لا… مش تعبانة.

– مفيش سبب لغيابك. هخليهم يجهزولك العربية دلوقتي.

– حاضر يا بابا. طيب… وانت مش رايح الشركة النهارده؟

– لا.

مشي ووعد بصيت لرانيا ومشيت ببرود 


وقفت العربيات السوداء الفارهة قدام المطار في صف منظم، لمعتها بتلمع تحت إضاءة الشارع.

رفع محمود التليفون وهو واقف منتبه:

– ألو… أيوه يا بدران بيه، إحنا عند المطار. عرفت إن الطيارة وصلت… يعني البيه وصل. أول ما يركب هبلّغ حضرتك.


قفل التليفون وعدّل رابطة عنقه بسرعة وهو يبص ناحية البوابة.

لحظات وظهر رجل طويل القامة، لابس بدلة سوداء أنيقة، خطواته ثابتة وعينيه فيها برود يخلي اللي يقابله يحس بثقل غريب. بجانبه كان ماشي مالك، مساعده الخاص، زي ظل ما بيفارقهش.


وقف محمود منتبه وقال باحترام:

– علي بيه… أهلا بحضرتك.


علي رمقه بنظرة عابرة وقال بنبرة هادية:

– شغال جديد؟


محمود هز راسه بسرعة:

– لا يا فندم، بقالـي سنتين مع بدران بيه… وسمعت كتير عن حضرتك.


اقترب علي بخطوات هادية، ربت على كتفه بخفة وقال:

– أهلا يا محمود.


ارتسمت ابتسامة ارتياح على وش محمود:

– اتفضل حضرتك… العربية جاهزة.


بص علي حوالين رجاله وقال بجملة قصيرة لكنها تقيلة:

– واضح إن بدران زوّد الحراسة.


مالك فتح باب العربية بسرعة، ركب علي بهدوء وانطلقت العربيات في صف منتظم.


فى الفيلا نزل علي وبص للبيت بكل تفاصيله، قاله مالك وهو جنبه:

– عودًا حميدًا.

رد علي – المرة دى هتكون العوده الأخيرة.

قلع نظارته الشمسية ودخل البيت، قابلته رانيا وقالت برسميه:– أهلا يا علي، الطريق خد وقت كتير.

–إزيك يارانيا... فين بدران؟

– في الصالون، مستنيك بقاله كتير.

مشي علي ودخل على بدران، أول ما شافه بدران ابتسم وقال:

– كنت عايز تعيش بره كتير.. عارف إنك مشغول بس مش لدرجه مترظش عليا

قال علي – الضغط بقا...اتأخرت عليك.

قرب وقعد قدامه بابتسامة وقال – شايف إني وحشتك أوي ولا يكون في مصيبة؟

قال بدران – مفيش حاجة، المهم تكون سيبت الشغل هناك لحد مسؤول.

قال علي – سيبته، عشان استمتع بإجازتي.

قال بدران – برحتك طبعًا، بس امسك الشغل هنا بعد ما إجازتك تخلص. بلاش ترجع، هنلاقي بديل هناك، بس هنا أنا عايزك معايا.

نزل علي نظارته وبصله بعينه وقال – حصل حاجة يا بدران؟

قال بدران وهو بيبص لعلي "أنا بعتمد عليك أكتر من أي حد يا علي.. إنت دراعي اليمين في كل حاجة. وجودك جنبي هنا مع عيلتي وفي الشغل هيساعدني كتير."

سكت علي شوية قبل ما يرد بدران - فهمتنى يا علي."

على: "متقلقش.. مش ناوي أرجع تاني، المرة دي كانت الأخيرة."

ابتسم بدران وقال:"كويس."

في اللحظة دي دخل يوسف وقال:"بابا."

أول ما شاف علي وقابلت عينهم بعض، ابتسم يوسف واقترب منه:

"عمى بنفسه هنا! أخيراً وصلت. شكلك بقى شبه بابا.. هو الشغل بيخليكم رجال أعمال بجد ولا إيه؟"

على "وأنت شكلك زي ما هو يا يوسف."

يوسف "بجد؟ مع إنهم بيقولوا إني اتغيرت كتير."

دخلت رانيا في الكلام بابتسامة "أكيد يوسف كبر ومسَك شغل بدران من يوم ما خلص الجامعة."

قال علي بابتسامة غامضةز"هايل.. عشان المرة دي هتشتغل معايا أنا."

ابتسم يوسف "يبقى هتعلم خبرة منك يا عمي.. لحد ما ترجع."

تدخل بدران "علي هيستقر في مصر."

رانيا باستغراب "إزاي؟ مش عنده شغل برّه؟"

رد علي بهدوء قاطع: "قدمت استقالتي."

انصدمو، لكن بدران قطع الكلام "كفاية كلام عن الشغل دلوقتي. خلوا الخدم يطلعوا الشنط على الأوضة."

رانيا "أنا قولتلهم خلاص."

قرب يوسف من علي :"اتصلنا عليك كتير.. ليه مش بترد؟"

على"كنت مشغول."

يوسف تنهد وقال بنبرة لاذعة:"إنت دايمًا كده.. بتتجاهل أي حد. متغيرتش كتير، تصدق؟"

مد إيده على كتف علي بابتسامة.بس علي بصله بعينه الجانبية سرعان ولوّح كتفه بقوة ورمى يوسف على الكنبة بع.نف.

اتصدم الكل وعلي كان رافع قبضته، على وشك يضر.ب يوسف وهو بيقول بصوت مخيف

"إيــاك تلمسني."

بصله الكل من عينه والش.ر المطلق، يوسف بص لعلي بخو.ف واضح، وصوته مهزوز "اهدى يا علي… حصل إيه لكل ده؟"

رانيا بتوتر "علي! في إيه؟"

علي فضل ساكت رجع لصوابه بعد عنه، رانيا جريت لابنها وهي بتسنده:

"انت كويس يا حبيبي؟"

يوسف ماسك دراعه قال بضيق"كل ده… عشان كنت هحط إيدي عليك؟!"

بدران "أنت عارف يا يوسف… علي بيكر.ه حد يلمسه."

رانيا "ايووه...إزاي نسيت ده؟"

علي "أنا حذرتك من زمان."

يوسف تنهد وقال بانكسار "عارف… بس افتكرت إنك اتغيرت، حتى في العادة دي… وبعدين الحماس خدني… ليك كتير غايب يعنى.. كعقول بتعمل كده ف اى حد يلمسك ع الاقل شوفنا بيحصلك اى والفضول انتهى ومحدش هيقربلك تانى خو.فا ع نفسه."

علي ما ردش، لف وقال"هطلع أوضتي."

خرج من هناك قابل مالك. قبل ما مالك يلحق يتكلم، قال علي:

"فين الكحول؟"

استغرب مالك، لكن من غير ما يسأل طلع له بخاخ.

علي مسك ورش بسرعة على المكان اللي يوسف لمسه فيه، وكأنه بيرش على حشرة.

مالك سكت وفاهم اللي حصل، أخد منه البخاخ تاني وحطه في جيبه.


 طلع فوق، وهو ماشي قدام أوضة مفتوحة. وقف… الأوضة فاضية بس تفاصيلها ناعمة، شكلها يخص بنت.

دخل بخطوات هادية، وكأنه عارف إن الحاجات دي بتاعة حد مختلف عن باقي البيت.


عينه وقعت على صورة عائلية محطوطة على المكتب. وقف عندها وبص كويس… بنت شعرها طويل، عيونها سودة واسعة، لابسة بالطو فاتح، ابتسامتها بريئة وسط بدران ويوسف.

وقف يتأملها شوية… ورا ضهره اتسمع صوت رانيا: "علي… أوضتك جاهزة فوق."

ملفش وهو لسه عينه على الصورة. قال "وعد…"

بصت رانيا قالت "أيوه… ده كان أول يوم ليها في الجامعة. كانت عايزة تاخد ذكرى مع أخوها وبدران… ويوسف طبعًا رحلها بالكاميرا."

سكت علي، ولسه عيناه معلقة بالصورة قال - وعد كبرت

رواية بين الحب والانتقام الفصل الأول حتى الفصل التاسع بقلم نور الهادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

في الجامعة، كانت وعد واقفة مع أصحابها بتضحك.قال ياسمين:

"النهاردة بالليل بقا… متنسوش."

 بحماس:"أوكي… إياكم حد يتأخر!"

ضحكوا كلهم "لا متقلقيش… يلا باي."

وعد ابتسمت وقالت لياسمين "أنا همشي بدري عشان ألحق أجهز."

مسكتها ياسمين من إيدها وقالت: "لا يا ست… هتيجي معايا نجهز سوا ونروح على طول النايت."

استغربت وعد "أجهز فين؟"

قربت منها ياسمين وقالت بنظرة "أنا عارفة إنك قلقة، بس متخافيش… خلاص هاكر معانا. وبعدين إنتي تعرفي تحطي ميكاب حلو جدًا، تعالي جهزيني معايا."

تنهدت وعد باستسلام، ومشوا سوا وهما بيضحكوا.


على الغدا كان بدران قاعد مع عيلته، وأول ما نزل علي قال: "خليتكم تستنوا."

بدران وهو بيشاور: "اقعد يلا."

جلس علي معاهم، وبدأ يقطع التوست بالس.كينة بهدوء.

رانيا ويوسف كانوا بيرقبوه من بعيد، كل واحد فيهم عينه مليانة تساؤلات.

قال بدران وهو ماسك كباية المية: "لما تخلص عايزك في المكتب… في موضوع بخصوص الشغل لازم يتعمل."

علي بابتسامة باهتة: "شغل على طول كده؟"

ابتسم بدران: "هو لازم نستنى؟"

رد علي بجفاف: "أقول إيه…"

قام بدران من مكانه: "تعالى ورايا."

تنهد علي، أخد معاه سندوتش وهو ماشي، وقبل ما يقوم بص لرانيا اللي كانت مركزة فيه. أول ما عينه وقعت على عينها، ارتبكت بسرعة ونزلت نظرها.

علي اكتفى بابتسامة صغيرة، ومشى ورا بدران.

دخلوا المكتب، وعلي قفل الباب وقعد قدامه وهو لسه بياكل:

"قول… إيه الموضوع؟"

قال بدران "عارف رضوان؟ شركته محتلة السوق دلوقتي. في وفد مهم جاي، والتعامل معاهم متعقد بقاله فترة. المشكلة إن الوفد ده واضح إنهم مديين ثقة أكبر لشركة تانية غيرنا."

سكت علي لحظة وهو بيبص له وقال:"تمام… كمل."

قال علي وهو بيرفع حاجبه: "رضوان؟!"

رد بدران "مفيش غيره. الوحيد اللي قادر ياخد مكاننا في السوق. حتى المعاملات قلدنا فيها من بره. ولو خ.طف الوفد ده مننا، تبقى خسا.رة كبيرة وو.جع مش قليل."

على "ما تقولش إنك معرفتش تتعامل معاهم!"

تنهد بدران:"سيبت الموضوع ليوسف… حسيت إنه خر.بها أكتر."

قال علي "يوسف لسه صغير… أو بمعنى أصح مفهمش الشغلانة. بعيد عن إنه ابنك."

قال بدران "هو عمل كل حاجة، بس هما فعلاً بيماطلوا. الأزمة عندهم في الشحنة اللي طالبين نصدرها. واقفة على السفن.

أمال علي راسه وقال "يعني هم اللي مترددين في فلوسهم؟ فاكرين هيترموها في الأرض؟"

أومأ بدران: "بالضبط. والسفن واقفة… بضاعتهم موقفه شغل كتير."

أومأ علي بتفهم، أخذ منديل ومسح فمه ثم قال:

"عايزني أشوفهم؟"

رد بدران بثقة:"خلّص الموضوع. أنا مش بثق في حد قدك يا علي، وواثق إني بكلم الشخص الصح."

نظر له علي قليلًا ثم قال بهدوء "هكون عند ثقتك."

سأله بدران:"وهتعمل إيه؟"

ابتسم علي:"سيبلي الموضوع… هيخلص النهارده أو بكرة."


---


في الحفلة الأجواء كانت صاخبة، موسيقى عالية وضحك في كل مكان.

ياسمين، صاحبة الحفلة، طالعة متألقة. واحدة من صحابها قربت منها وقالت بإعجاب:

"مين عملك الميكب ده؟"

ضحكت ياسمين وقالت: "وعد."

البنت استغربت: "وعد؟ فين هي؟"

ردت ياسمين "بتجيب حاجة من العربية… اهي جت."

التفتوا يشوفوا وعد وهي داخلة. كانت لابسة فستان أزرق يليق عليها جدًا،سايبة شعرها على كتفها.ابتسموا لها بإعجاب، واحد من الشباب بص لصحابه وقال:

"بفكر أرتبط بوعد."

صحابه ضحكوا عليه، وصاحبته ضربته بخفة على دراعه وقالت:

"يا عم ده وعد تق.تلك لو سمعتك."

ابتسم وقال لياسمين: "هي مرتبطة؟ إنتِ أكتر واحدة عارفها."

قبل ما تلحق ترد، ظهرت وعد بنفسها وقالت بثقة:

"محدش يعرفني غيري… عايز تسأل عن حاجة تخصني، تسألني أنا."

ضحكت ياسمين وقالت:" متقول."

بص لها الشاب وقال "طالعة جميلة يا وعد."

ابتسم الكل، وقالت وعد بهدوء "شكرًا."


---


في الليل – عند النايت نزل علي من عربيته، وراه مالك. قال له مالك وهو بيحاول يقنعه: "كان الأفضل تعقد في الفيلا من غير مقابلات النهارده."

رد علي : "بدام أنا عايز كده، يبقى مفيش أي مشكلة."

قال مالك : "لسه راجع النهارده يا علي."

ابتسم علي ابتسامة جانبية وقال: "خلينا نشوف فرق الشغل هنا عن أمريكا."

دخل علي "النايت"، الجو كان صاخب، موسيقى عالية وأنوار ملونة.

قال له واحد من النادل وهو بيشاور:"طرابيزتك خاصة، بعيد عن الدوشة عشان الاجتماع."

أومأ علي بخطوات ثابتة ومشي ناحيتها.


---


ياسمين اتأففت وهي ماسكة الكأس

"إيه الموسيقى الرخمة دي؟"

ضحكت صاحبتها وقالت:"بس المكان تحفة، اختيار موفق يا ياسمين."

ردت ياسمين بالإنجليزي وهي واثقة:"I know."

جالهم النادل وقدّم المشروبات، رفعوا كؤوسهم وضربوها ببعض بابتسامة.

لكن وعد، وهي قاعدة، كانت مشغولة بطرف فستانها وعيونها تلمع بفكرة. وقفت فجأة واتجهت ناحية الدي جي.

قالت له بلطف: "بعد إذنك."

بصلها بدهشة: "فعلا؟!"

أومأت له بابتسامة صغيرة، وبرغم إن المفروض ممنوع، ضعف قدام جمالها وسمح لها. أخذت السماعات، وقفت مكانه، وبدأت تعبث بالأزرار بثقة. وفجأة تغيّرت الموسيقى تمامًا لأغنية حماسية.


الناس كلها التفتت لها بدهشة، صحابها وقفوا يصيحوا ويشجعوها بصوت عالي.

وعد كانت مندمجة، عينيها بتلمع بابتسامة مشاغبة، بتحرك رأسها مع الإيقاع، وبتغيّر الأصوات كأنها وُلدت للّحظة دي.


---


بعيدًا عند الطاولة علي كان قاعد يتابع، حرك رقبته ناحيتها ببطء، وخلع نظارته لأول مرة من دخوله.

نظر مطوّل للوجه المضيء على ضوء الألوان، البنت اللي قلبت الجو كله بثقة وسحر غريب.

اقترب منه مالك وقال بخفوت: من هنا

رد علي بعينين معلّقتين بوعد "مش دلوقتي."

اعترض مالك: "بس مستنيينك."

قال علي ببرود عميق ونبرة مسيطرة: "خليهم يستنوا."

مالك بصله باستغراب… لأنه أول مرة يشوف علي مهتم بحاجة غير الشغل.


رواية بين الحب والانتقام الفصل الأول حتى الفصل التاسع بقلم نور الهادي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


حضنت ياسمين وعد وهي نازلة من عند الـ DJ وقالت بحماس:

– "انتي لو دخلتي راب والله هتشهري كلنا."

ضحكت وعد بخفة –  حيلك يا بنتي دي كلها موسيقى."

دخل واحد من صحابهم وقال – "شوفي المايك بيبصلك إزاي، بكره هتجيلك دعوات أفراح بالهبل."

ضحكوا كلهم بصوت عالي، وشربت وعد عصيرها. لكن فجأة توقفت،. لفت راسها وراها بسرعة.

ياسمين لاحظت وقالت باستغراب:– "مالك؟"

ابتسمت وعد ابتسامة باهتة – "لا مفيش… حسيت إن حد بيراقبني."

قالت ياسمين :– "يا شيخة كلنا بصينا عليكي."

ابتسمت وعد مصطنعة وقالت – "هروح الحمام وراجعة."

مشت لحد الحمام بخطوات تقيلة، ووقفت قدام المراية تغسل إيديها وترش شوية مية على رقبتها. جنبها كانت في بنت بفستان قصير، واقفة تصلح مكياجها وتحط روج أحمر فاقع.

– "إنتي كويسة؟"

بصتلها وعد من المراية وقالت – "أه… بس دماغي مصدعة شوية."

ضحكت البنت بخفة – "عشان المزيكا ولا عشان شربتي حاجة زيادة؟"

سكتت وعد،. البنت فضلت تبصلها بنظرة طويلة، وبعدين قالت وهي بتطلع من شنطتها شريط صغير:

– "تاخدي دوا، يحسّنلك دماغك."

بصتلها وعد وقالت بهدوء: – "شكرًا."

لكن وهي بتاخد منديل تنشف إيديها، البنت خرجت شريط برشام من شنطتها وقالت بابتسامة غريبة – "خدي… بستعمله كتير في المواقف دي. متقلقيش، آهو."

مدّت واحدة، بعدين أخدتها قالت – "شكراً."

أومأت لها البنت وخرجت من الحمام وعد بتفتح البرشامه، سمعت "تكة" الباب.

لفت، اتفاجئت بضهر راجل بيسد مدخل الحمام. ارتبكت وقالت:

– "لو سمحت… ده حمام البنات!"

ما ردش. خطا خطوات بطيئة ناحيتها. عينيها اتسعت وقالت بحدة:

– "أنا بكلمك… اتفضل اخرج!"

حطت إيدها بسرعة في شنطتها، وبترجع وطلعت بحاجه لكن قبل ما تتحرك، مد إيده بخفة خارقة، مسك دراعها ولفها بسهولة، ثبتها على الحوض البارد.

صرخت بعصبية وهي بتحاول تفلت – "ابعد عني!"

قرب وشه منها وقال بصوت غامض – "عشان تها.جمي حد… لازم الهجو.م ما يكونش مكشوف."

اتجمدت مكانها، كلامه كان أغرب من الموقف نفسه.

حسّت إيده رغم إنها ماسكة فيها، خفيفة… مش زيه زي أي معتدي.

رفعت عينيها بخوف ناحية المرايا، عايزة تشوف ملامحه، لكن قبل ما توصل..النور انقطع فجأة.

الصوت الوحيد اللي فضل مسموع هو دق قلبها السريع وأنفاسه القريبة منها.

اتصدمت وعد من السواد المفاجئ، ولفت بخوف وهي تلهث – "إيه اللي بيحصل؟… النور فصل ليه؟!"

صوته جه هادي وغامض وهو لسه ماسكها – "اهدّي."

زقّته بكل قوتها – "ابعد! انت مين؟ عايز إيه؟ لو قربت… هتمو.ت! سمعتني؟… انت متعرفش أنا مين!"

رجعت بسرعة لورا، لكن اتخبطت في الحيطة، كادت تقع… فجأة إيد قوية مسكتها من وسطها، جذبتها ناحيته لدرجة إنها اتشبكت في رقبته من غير وعي.

لحظة صمت خانقة وبعدين… طقطقة "ولا.عة" كسر.ت السكون.

اللهب الصغير أضاء وشوشهم. انعكاس النا.ر ارتجف في عينه… عينيه الصقرية اللي اتلمعت وسط الظلام.

وعد اتسمرت مكانها، شهقتها اتحبست في صدرها، وعينيها اتسعت بدهشة مش مصدقة. وجهه… تعرفه جيدا...

علي – "لسّا بتخافي من الضلمة 


الثالث 


– "إيه اللي بيحصل؟… النور فصل ليه؟!"

صوته جه هادي وغامض وهو لسه ماسكها – "اهدّي."

زقّته بكل قوتها – "ابعد! انت مين؟ عايز إيه؟ لو قربت… هتمو.ت! سمعتني؟… انت متعرفش أنا مين!"

رجعت بسرعة لورا، لكن اتخبطت في الحيطة، كادت تقع… فجأة إيد قوية مسكتها من وسطها، جذبتها ناحيته لدرجة إنها اتشبكت في رقبته من غير وعي.

لحظة صمت خانقة وبعدين… طقطقة "ولا.عة" كسر.ت السكون.

اللهب الصغير أضاء وشوشهم. انعكاس النا.ر ارتجف في عينه… عينيه الصقرية اللي اتلمعت وسط الظلام.

وعد اتسمرت مكانها، شهقتها اتحبست في صدرها، وعينيها اتسعت بدهشة مش مصدقة. وجهه… تعرفه جيدا...

علي – "لسّا بتخافي من الضلمة 

اتسعت عيناها لما شافته وقالت بذهول– "عـمّي؟!" 

رجع النور فجأة، وهي لسه متشبثة برقبته. أفلتها علي بهدوء، فاعتدلت بسرعة وهي مشعورة بالحرج وتراجعت خطوتين. 

قالت متلعثمة:

– "بتعمل إيه هنا؟… رجعت إمتى؟" 

ابتسم بخفة ونظر لها بثبات:

– "معرفتيش إن النهارده رجوعي؟" 

ارتبكت أكثر، – "كنت فاكرة… بكرة." 

رفع كتفه بلا مبالاة:

– "كان عندي شغل.بس السؤال الحقيقي… ليكي." 

– "أنا… مع صحابي. النهارده عيد ميلاد ياسمين، وهي اللي عملته هنا." 

– "بتسهرِي كتير في النايت؟" 

– "لا… لا، دي أول مرة. ده عيد ميلاد مش أكتر." 

– "أول مرة؟ غريب… شكلك متأقلمة مع الأجواء بسرعة." 

قلبها بيرتعش، ثم قالت بشك:

– "انت… انت شوفتني!" 

اقترب خطوة منها قال– "بدران ميعرفش بهوايتك في الموسيقى… صح؟" 

نظرت له بارتباك – "ده كان مجرد حماس… لحظة مش أكتر." 

ثبت نظره عليها بشك بعينيه الصقرية التي تزلزلها منذ طفولتها.حاولت تدافع عن نفسها وقالت بسرعة:

– "أنا كنت باجي مع صحابي عادي… بالليل… بس مش بنشرب، مجرد سهرة عادية." 

سكت علي لحظة، وبص للي على الحوض. مد إيده وخد البرشامة من جنبه، رفعها قدامها وقال ببرود:

– "إيه ده يا وعد؟" 

– "دي… برشام صداع." 

ضغط على البرشامة بإيده لحد ما فتتها بين صوابعه. رمقها بنظرة غريبة وقال:

– "صداع؟" 

اتسعت عيناها بدهشة وهي تراقبه. لقى نفسه بيلف ناحيتها خطوة بخطوة قال

– "جبتيه منين؟" 

ببرائه– "في… في بنت كانت هنا… هي اللي ادتهولي." 

وقف صامت، غسـل إيده تحت الميه بهدوء مبالغ فيه، وبعدها قال

– "محدش علمك متاخديش أي حاجة من أي حد؟" 

– "هو… هو في حاجة؟" 

رفع نظره ليها مباشرة وقال الكلمة كالصاعقة:

– "مخدرات." 

شهقت وعد بصدمة – "مش بتاعي والله! هي اللي ادتهولي فعلاً… صدقني." 

ما ردش… عينه فضلت معلقة بيها لحد ما الباب اتفتح فجأة.

دخلت ياسمين وهي بتقول:

– "وعد… إنتي هنا؟" 

وقفت لما شافت علي ووعد مع بعض ف حمام الاناث 

علي رجّع نظره لوعد بمل هدوء قال– "هخلص الشغل اللي عندي… وهنمشي

بلاش تعملي قلق في المكان أكتر من كده." 

بصتله وعد مترددة وقالت:– "هروح معاك." 

رفع حاجبه وسألها ببرود:– "لو هتروحي مع صحابك دلوقتي…" 

قاطعته بسرعة وقالت:– "لا… هستنى. هروح معاك." 

سكت علي وخرج ياسمين فضل متبعاه لحد ما اختفى. بعدها استدارت بسرعة لوعد وقالت بدهشه – "مين ده؟! وإيه اللي كان بيعمله معاكي هنا؟" 

وعد لسه هتفتح بقها ترد، ياسمين صاحت بعينين واسعة من الصدمة:

– "مش معقول! ده حبيبك! إنتي مرتبطة بجد من ورايا؟!" 

– "مرتبطه إيه بس؟!" 

ياسمين ما سبتهاش تكمل، قطعتها بحماس وهي تضحك وتشدها من إيدها:

– "متقوليش… هو المافيا اللي قولتي عليه لكريم! إنتي مكنتيش بتهزري!

واااو… شكله وسيم بطريقة مرعبة، كأنه طالع من فيلم أجنبي… اللبس، النظرة… توم كروز نفسه!" 

وعد متنحلة من كمية كلامها عن علي. 

قالت ياسمين– "طب يلا قولي بقى، كان بيعمل إيه معاكي هنا؟!" 

– "ياسمين… بطلي كلام سخيف. ده… عمي." 

خرجت وعد ووقفت ياسمين مكانها مصدومة، عينيها وسعت أكتر وقالت– "عمك؟!"


في أوضة مقفولة، كان مالك قاعد قصاد راجل ماسك كاس وبيشرب، وحواليه رجالة كتير. الجو كان مليان دخان وسيجار غالي، على عكس علي اللي جايب معاه كالك بس، مساعده الوفي، مش جيش من الرجالة. 

قال الراجل وهو بيهز الكاس– "هو لغى المعاد ولا إيه؟" 

رد مالك – "لا… هو جاي." 

اتفتح الباب، دخل علي قفل الباب وراه وهو بيبص لمالك إشارة خفيفة، وقعد على الكرسي قدامهم.

قال بنبرة باردة– "محسن شرقاوي… مش كده؟" 

محسن – "إنت لسا بتتعرف بيا؟" 

ابتسم علي بخفة وقال– "لازم التأكيد… الصور في الإعلانات ساعات بتكون خادعة." 

محسن حس باهانه – "خلينا ف شغلنا بقى." 

علي اتكأ لقدام وقال:– "شغل إيه؟ إنت فاضيت الشراكة… وبدران عارف ده كويس." 

ضحك محسن– "آه فاضيتها… بس مفيش فلوس رجعتلكوا." 

ابتسم علي ابتسامة جانبية وقال بجدية:– "فاكرني نسيت؟ وقتها إنت كنت محتاج حد يدعم مشروعك، ولما نجح وعملت غيره، جيت تقفل الأول عشان الكسب يبقى ليك وحدك… وافتكرت إنك كده هتاخد الفلوس كلها. لو فاكر إننا مش هنطالبك بحقنا… تبقى بتحلم." 

محسن شد ضهره وقال بحدة وهو بيضرب الكاس بالترابيزة:

– "اتكلم بطريقة أحسن من كده… بدل ما تندم." 

علي – "أنا ما بتهددش… ومتتوقعش بدران يسكت. هيقلبها عليك، وعشان كده جيتلك… قبل ما تقوم حرب بين رجالة محترمة، أصحاب شركات معروفة." 

محسن – "إنت فاكرني هخاف منك؟" 

علي – "لو مش خايف… ماكنتش جبت الرجالة دي كلها في حضوري." 

محسن سكت، اتنرفز بس خبّاها. علي رجع بكرسيه لورا، حط رجل على رجل وهو ثابت:

– "أنا هعمل صفقة معاك." 

محسن ضيّق عينيه:

– "صفقة إيه؟" 

علي:

– "أنا مش جاي أعاديك. أنا جاي أحط إيدي في إيدك… يبقى في بينا شغل. بس الأول… خلي رجالتك يخرجوا عشان نعرف نتكلم." 

الصوت بتاع علي كان فيه ثقة وأمان بشكل غريب، خلّى محسن يبص للأرض لحظة، بعدها قال برجولة مصطنعة– "اخرجوا… سيبوني معاه." 

الرجالة خرجوا، والهدوء سيطر على الأوضة. محسن رفع عينه على علي وقال بحدّة:– "عايزني أنا في إيه؟" 

علي سحب نفس سيجارته ببطء وقال:– "السفن اللي استوردتها… تشيل قد إيه؟" 

محسن اتفاجئ:– "إيه… عايز تهرّب حد ولا إيه؟" 

علي:– "عارف إن شركتك استيراد وتصدير… لكن المرة دي أنا محتاج أشحن بضاعة مهمة."


كانت وعد قاعدة وسط صحابها، لكن عينها معلّقة في الساعة كل شوية.

قالت واحدة منهم وهي بتضحك– "يا بنتي قومي هيصي معانا، إيه القعدة دي؟" 

وعد – "سيبوني في حالي." 

ياسمين – "مالك؟ من ساعة ما جيتي وانتي ساكتة." 

اتنهدت وعد وهي بتحاول تهرب من الكلام، لكن ياسمين وقالت

– "إنتي مش عايزة تعملي قلق… زي ما قالك. فقعدة في مكانك ومش مشتركة." 

بصتلها وعد– "ياسمين… بلاش." 

ابتسمت ياسمين بمكر وقالت– "هو هييجي إمتى؟ عايزة أشوفه تاني." 

وعد  "معرفش… بس أكيد ممشيش، هو قال لي هنروح سوا." 

عين ياسمين لمعت بفضول – "أنا أول مرة أشوف… هو عمك فعلاً؟ مفيش حاجة بينكم؟" 

وعد – "إنتي بتقولي إيه؟" 

ضحكت ياسمين:– "قصدي شكله قمور… عنده كام سنة يا وعد؟" 

سكتت لحظة وقالت:– "اتنين وتلاتين." 

– "متجوز؟!" 

سألت ياسمين بسرعة وهي بتفحص ملامح وعد.

ردت وعد:– "لا… عمّي مشغول في شغله أكتر من حياته الشخصية." 

ياسمين – "يعني مش مرتبط؟" 

وعد حاولت تبدو عادية وقالت:– "معتقدش… أو لسه معرفش. ما لحقتش أتكلم معاه." 

ياسمين – "اممم… هو لسه راجع من برّا يعني؟" 

وعد – "آه… بس غريبة يخرج في نفس اليوم اللي رجع فيه… لسه بيعاني في نومه ولا إيه…" 

ياسمين – "مش فاهمة قصدك." 

سكتت وعد، لمحت شخص واقف بعيد… كان على.، قامت وقالت لصحابها:

– "أشوفكم بعدين." 

ياسمين – "إيه ده؟ مالك مستعجلة كده ليه؟ خليه ييجي يقعد معانا." 

وعد التفتت لها– "ياسمييييين… باي." 

واتجهت بسرعة ناحية علي.بص لها وقال بهدوء وهو يلاحظ ارتباكها:

– "خلصتِ؟" 

– "أيوه… تمام. خلينا نمشي." 

وقف علي، وبص بنظرة سريعة على الشلة، وكأنه بيقيّم الشباب اللي معاهم. بعدها مشي وهي ماشية معاه. 

ساعتها واحد من الشباب قال باستغراب– "مين ده اللي وعد خرجت معاه؟" 

ضحكت ياسمين وقالت:– "عمّها." 

بصتله واحدة من البنات بدهشة:– "عمها؟! وااو


خرجت وعد وبتجري ورا علي، بتحاول تلحق خطواته السريعة ومابك ملاحظ ده من سرعة سير على

وعد:– "اتأخرت ليه؟" 

رد وهو عينيه لقدام– "عقبال ما خلصت الميتنج." 

قالت– "ميتنج؟ النهارده أول يوم ترجع فيه مصر… ولسه الشغل متحكم فيك كده؟"

كانت نبرتها كأنها بتلمحله لزمان، للغايب بينهم. 

فجأة وقفت وقالت بحِدة:– "ليه مش بتتكلم معايا؟" 

وقف علي، لف لها، سكتت لحظة وبعدين قالت:

– "انت جيت لحد التواليت واتكلمت معايا… دلوقتى ساكت ومش بتبصلى؟"

اتفجأ إن مالك وبص لعلى هل دخل حمام السيدات معاها فعلا

وعد– "انت مصدقني صح؟ لما قلتلك إن البرشام مش معايا." 

على– "امشي يا وعد." 

– "أنا مش بشرب والله… انت مصدق بجد إني بسكر وأخد مخدرات؟!" 

بصلها شوية بعدين قال– "عارف إنها مش بتاعتك… وإنك خدتيها من حد." 

– "بجد؟…" 

على– بس تخيلي لو كنتي خدتيها… كان هيحصلك إيه؟" 

سكتت وعد، قرب منها خطوة وقال بواقعيه

– "كنتِ هتدخلي طريق ملوش نهاية… طريق الضياع والموت." 

ارتجفت من كلماته القاسيه على فتاه مثلها، حاولت تتماسك. بصتله بعيونها الرقيقة وقالت

– "مكنش هيحصلي حاجة… لأنك معايا." 

وقف مكانه من كلامها، قربت أكتر، ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:

– "شكرًا… لإنقاذك ليا. مش مرة واحدة… مرتين… لأ، تلات مرات." 

رفعت صباعين– "زمان…"

وبعدين رفعت الثالث– "ودلوقتي." 

ارتسمت ابتسامة جانبية على وش علي، ثم رجع بصلها قال

– "يبقى افتكري إنك مديونة لي."

 


في شقة مضاءة من كل زاوية، ورائحة الخمر منتشرة في الجو، كان يوسف جالس على الأريكة.

خلفه سهير، بملابس مكشوفة، تدلك كتفيه ببطء:

– بتجهد نفسك في الشغل ليه كده؟


ردّ يوسف ببرود:

– أسيب بابا يشيل الحمل لوحده؟ لأ… لازم أبقى معاه.


اقتربت منه أكثر، وصوتها فيه دلال:

– بس كده بتتعب… ريّح نفسك شوية.


نظر للأرض وقال بحدة مكبوتة:

– أنا مبعرفش أريح دماغي… الراحة بتفكرني بحاجات مش عايزها ترجع.


سكتت لحظة، ثم همست:

– كنت بتحب زمان؟


التفت لها فجأة، عينيه ثابتة:

– بصّيلي يا سهير… شكلي يدي اني ممكن أحب من قلبي؟


ابتسمت بسخرية مرّة:

– طب لو مش بتحب… إزاي بتقول إنك معجب بيا؟


أجاب ببرود لاذع:

– أنا مقولتش إني بحبك. أنا معجب بيكي… بستريح معاكي. بفضلك على أي حد تاني.


ابتلعت ريقها وسألت بصوت متردد:

– وده مش حب؟


اقترب أكثر، نظر في عينيها بحدة:

– لو شايفاه حب، يبقى بحبك. بس خلي بالك… حبي مش هيكون زي ما انتي متصورة، مش هيكون حاجة كويسة.


ارتعشت كلماتها وهي تهمس:

– إنت الوحيد اللي بتعاملني كأني بنت بجد… مش مجرد… حاجة. ده يخليني أتمنى حبك… حتى لو أخدني للجحيم.


اقتربت منه واحتضنته بشوق، فما تردد يوسف أن يبادلها الحضن…

لكن في عينيه ظلّت نظرة غامضة، نظرة شخص بيحارب أشباح الماضي وهو عارف إن الحرب لسه ما خلصتش.


--- 

في العربية، كانت وعد قاعدة ساكتة، عينها معلقة على علي. لحظة لاحظ نظراتها، بصلها، فاتحرجت بسرعة وحولت نظرها على قدام 

وصلوا الفيلا. أول ما دخلوا، لقت بدران مستني في الصالة، واقف وإيده ورا ضهره، ملامحه تقيلة.

– "وعد… كنتي فين لحد دلوقتي؟" 

– "بابا انت لسا صاحى… كنت مع صحابي." 

بص في ساعته – "لحد دلوقتي؟ الساعة تلاتة… وكمان من غير سواق؟!" 

دخل علي قال– "كانت معايا." 

التفت بدران له، علي مكمّل:– "المفروض تروح بدري، بس أنا قولتلها تستنى عشان ترجع معايا." 

سكت بدران لحظة، وبص لوعد اللي قالت – "مكنش قصدي يا بابا… ده كان عيد ميلاد ياسمين." 

تنهد بدران – "كنت قلقان عليكي… خلاص. المهم إنك كنتي مع علي." 

أشار بإيده وقال بنبرة حاسمة– "تمام اطلعي أوضتك." 

أومات وعد برأسها وطلعت، بدران بص لعلي وقال:

– "انت لحقت خرجت في أول يوم رجوعك؟" 

رد علي بهدوء وهو يفك زرار جاكيت بدلته– "كان عندي شغل." 

– "شغل؟" 

– "قابلت محسن." 

شد بدران إيده بعصبية وقال بحدة– "الندل ده… نهايته معايا كانت المو.ت." 

– "حليتلك الموضوع… ورجع الفلوس." 

اتسع نظر بدران بدهشة– "إزاي؟" 

– "شوف حسابك." 

فتح بدران تليفونه، ووقف لوهلة وهو شايف المبلغ المحوَّل. رفع عينه لعلي بنظرة غير مصدقة، فقال علي بابتسامة جانبية:

– "كده حقك رجع… ومع الفوايد كمان." 

– "عملتها إزاي؟ هددته بإيه؟" 

– "كان نقاش ودي… وصل لتفاهم. يمكن طريقتك إنت بس كانت غلط." 

ضحك بدران ضحكة قصيرة، وقال– "نقاش ودي؟ أنا عارفك كويس يا علي…"

سكت علي وهو بيخرج قنينة غالية وبشرب، بدران ابتسم بخفة وهو مش مصدق

"مش عارف أشكرك إزاي… بكره هحوّللك الفلوس دي." 

على"مش عايزهم." 

"ولا أنا… بس أنا ما بسيبش حقي، ولما انت رجّعته ده خلاني أهدى. الفلوس تروحلك إنت… أنا مش محتاجها." 

بصله علي نظرة طويلة وقال بهدوء:"ما تستهونش بالمبلغ." 

ابتسم بدران "وإنت ما تستهونش بمكانتك عندي." 

سكت علي وهو بيراقبه، لحظة صمت تقيلة بينهم قبل ما بدران يقول وهو يشير بإيده:"اطلع ريّح… أنا اللي بقولك أركن شغلك الفترة دي."

علي وقف وهو يرد باقتضاب "أشوفك بكرة."

وسابه وطلع فوق بخطوات هادية، تارك بدران قاعد يفكر في اللي حصل، بين إعجابه وفضول 

--- 

طلع علي أوضته، وهو بيقلع الجاكت سمع خبط على الباب.

فتح، لقى وعد واقفة. 

بصلها باستغراب:

"في حاجة يا وعد؟" 

قالت:

"شكراً على اللي قولته لبابا." 

رد بهدوء:

"أنا قلت اللي حصل." 

قالت بسرعة:

"عارفة… بس انت اتكلمت بتبرير مكاني." 

قرب منها وقال:

"عارفة إني ما ببررش لحد." 

سكتت وبصت له، بعدين قالت:

"يعني أنا مش أي حد، صح؟" 

نظراته فضلت معلقة فيها.

شبت على أطراف صوابعها وقالت بابتسامة صغيرة:

"كنت فاكرة لما أكبر هوصلك… بس انت طولت أكتر." 

عينه شدت عليها، وهي همست:

"افتقدتك يا عمي." 

قربت منه وحضنته، عينه ثبتت عليها وهو شايف قدامه نفس الطفله اللي كانت بتتعلق فيه زمان، لكن دلوقتي وعد اختلفت.. جسدها كل حاجه بقت امرأه كاملة. قلبه دق دقات غريبه، ومع إنه محدش يلمسه أو يقربله، مش بعدها بالعكس رفع إيده وردلها الحضن. ابتسمت وعد وهي حاسه بيقربها أكتر، وإيده على ضهرها، حمالة الفستان انزلق شويه وبان كتفها الأبيض الناعم، علي همس بصوت واطي، رجولي ومشوب بحراره:

"إنتي جميلة."

قلبها دق من همسته، إحساس غريب كإنها واقفة قدام حبيبها مش عمها. الحضن طول، والقرب بقى أقوى لدرجة إن أجسادهم لامست بعض. رفعت عينيها وقالت بخجل مرتعش:

"عمّي..."

الكلمة وقفت علي مكانه وصحيته من اللي كان فيه، فابتدى يبعد عنها بهدوء كأنه بيرجع لعقله وحدة وحدة. وعد رفعت حمالة فستانها بخجل، حاولت تكسّر الصمت وقالت وهي بتبص حوالين أوضته المرتبة:

"أوضتك مرتبة أوي... هتفضل معانا هنا مش هتروح شقتك؟" 

-"في الوقت الحالي أنا هنا." 

ابتسمت - "كويس." 

بصّ لها علي وقال بنبرة حاسمة:"يلا يا وعد، روحي على أوضتك." 

أومات "حاضر... أشوفك بكرة." 

خرجت من أوضته  بصيتله بعدين قفلت الباب ومشيتد علي اتنهد ومسح وشه بإيده، كأنه بيطرد أفكاره. فجأة تليفونه رن برسالة، فتحها ولقيها من مالك:

"أجّل مقابلتك دلوقتي... الشبهات كتير."


وعد دخلت أوضتها، وقفت قدام المرايا ولسا بتفك الفستان من عليها. فجأة شدت أنفها ريحة عطر رجولي مألوف، برفان علي. غمضت عينيها لحظة وافتكرت همسته اللي لسه راجعة في ودنها:

"إنتي جميلة."

ابتسامة صغيرة ظهرت على شفايفها، وبصّت لنفسها في المرايا كأنها أول مرة تشوف ملامحها بجد، وشافت الجمال اللي شافه هو فيها. 

... 

تاني يوم الصبح على الفطار، العيلة كلها كانت قاعدة حوالين الترابيزة.

قالت رانيا وهي بتبص لوعد – "مش رايحة الكلية النهاردة يا وعد؟"

ردت وعد بهدوء:

– "لأ، مفيش محاضرات." 

يوسف دخل في الكلام وقال:

– "أمال فين عمي؟"

قامت وعد – "أطلع أناديه." 

بس بدران – "خليكي قاعدة، أنا بعت فاطمة تناديه." 

بعد لحظات نزل علي بخطواته الواثقة، قعد معاهم على الفطار.

بص ليوسف وقال:– "مروحتش الشركة ليه يا يوسف؟"

رد يوسف وهو بيحط كباية العصير:– "هنزل متأخر النهاردة."

ابتسم علي ابتسامة جانبية وقال:– "كويس… نروح سوا." 

يوسف رفع عينه وبصله باستغراب:– "إنت نازل الشركة النهاردة؟"

بدران– " قولتلك متشغلش بالك بالشغل دلوقتي ياعلى.

علي: "أنا مش هشتغل، هروح الشركة بس."

سكتوا، فجأة جه صوت من بعيد: "ازعجتكم؟"

بصّوا ناحية الصوت، لقوا نادين.

رانيا وقفت بسرعة وحضنتها: "إيه الزيارة الحلوة دي!"

نادين بابتسامة: "قولت أجي أشوفكم… وبرضه زيارة لعلي بعد رجوعه."

بدران: "اتفضلي اقعدي يا نادين، إنتي مش غريبة."

نادين قعدت جنب علي، وهو بص لها، فابتسمت وقالت: "كده نقدر نتكلم معاك وجهاً لوجه عن الإيميل."

يوسف تدخل: "اتكلمي، بس من غير لمس… ده قانون علي الأساسي."

نادين ضحكت: "عارفة قوانينه الصارمة."

علي قال بهدوء: "المفروض تكوني في الشركة."

نادين: "خلصت شغلي."

وعد كانت بتبص بخفة على خالتها، لحد ما قال يوسف: "بما إنك جيتي يا خالتو، هنعقد سوا."

--- 

في المطبخ، الخدم كانوا بيغسلوا الأطباق.

دخلت وعد، شافت رنا وفاطمة.

فاطمة: "عايزة حاجة يا آنسة وعد؟"

وعد: "لا، يا دادا… أنا جايه أشرب."

لمحت واحدة بتعمل قهوة.وعد: "لمين دي؟"

الخادمة: "لعلي بيه ونادين هانم."

سكتت وعد، فاطمة قالت: "البيه وصل امبارح."

وعد: "شوفته… هو اللي وصلني البيت." 

رنا اتفاجئت: "إيه! اتقابلتوا بره؟"

وعد: "أيوه، في عيد ميلاد ياسمين. هو كان عنده شغل في النايت."

فاطمه: "نايت قابلتى عمك ف النايت؟!"

وعد: "أيوه يا دادا، مقولتلك… كان عندي بارتي وهو اتفهم الموقف."

قربت منها وقالت بخفة: "تعرفي… صحبتي كانت عايزة تاخد رقمه، افتكرته حبيبي."

رنا بفضول: "وإنتي عملتي إيه؟"

وعد بابتسامة: "ما ادتهوش أصلاً… عمي مش فاضي للكلام ده."

ابتسموا، وفجأة صوت رانيا نادى: "وعد."

لفت وعد وبصتلها، قالت رانيا: "عايزة أتكلم معاكي."

وعد بصّت للخدم اللي كانوا بيتفرجوا، رجعوا بسرعة يكملوا شغلهم في صمت.

مشت معاها، ورانيا قبل ما تخرج بصّت لفاطمة ورنا بتلقيح

: "ركّزوا في شغلكم أكتر من كده."

مشيت ورنا وفاطمة فاهمين إنها بتلقح عليهم.رنا بصوت واطي:

– ممكن سؤال؟ ليه علاقة وعد بوالدتها بارده؟ عمرى ما شوفتها حضنتها مره. 

فاطمة:

– عشان دي مرات أبوها مش أمها. مش وحشه، بس ما تقدرش تاخد مكان الأم. 

رنا:

– وفين أمها؟ 

فاطمة:

– الله يرحمها، ماتت بعد ما خلفتها. 

رنا:

– عشان كده وعد بتقول على نفسها نحس؟ 

فاطمة:

– مين قالك؟ 

رنا:

– هي بنفسها قالتها مره بهزار… بس كان باين إنها قصدها. 

فاطمة بتنهد:

– ياما قولتلها ده قدر ربنا، بس مش مقتنعه. 

رنا بخجل:

– عارفه يا يداده… أنا مليش صحاب، ولولا إني جيت هنا ماكنتش لقيت حد. وعد رغم إنها مغروره شويه بس طيبه… بحبها. 

فاطمة بابتسامه:

– وهي كمان بتحبنا. 

دخلت رئيسة الخدم بحدة:

– كفاية كلام… اشتغلوا زى ما الهانم قالت

سكتوا وكملوا شغلهم.


وقفت وعد مستنيه رانيا قالت : "نعم؟"

رانيا ببرود: "بتوقفي مع الخدم كتير… ليه؟"

تنهدت وعد: "يعني مكنش في كلام مهم، إنتي سحبتيني من هناك كده وخلاص."

رانيا: "المطبخ مكانهم، مش مكانك."

وعد: "أنا ماوقفتش في حتة غلط."

رانيا: "بتكلميهم كتير… والمفروض يعرفوا إنتي مين، مش تقللي من نفسك."

وعد بحدة: "مفيش حاجة تقلل مني غير إنك تاخديني بحجة الكلام وتطلعي بتكدبي.

رانيا قالت بحدة:

"والدك لو شافك هيضايق، ولو أنا كلمتك النهارده، المرة الجاية هو اللي هيكلمك. الموضوع بقى أوفر… كأنك مصاحبة الخدم! إنتي أعلى منهم، وكلامك لازم يكون مع اللي زيك. وبصراحة… إنتي مش بتقعدي معانا قد ما بتقعدي معاهم، مع إننا عيلتك." 

وعد"عيلتي!؟ … تمام. على العموم أنا عارفة أنا بعمل إيه، ومفيش حد شاف وقوفي هناك يقلل مني. ده بيتي، أقف في أي حتة أنا عايزاها… يا ماما." 


وعد مشيت، لكن وهي خارجة وقفت فجأة لما شافت يوسف.

يوسف بص لها باستغراب:"اختفيتي فين؟"

وعد ما ردتش.مسك إيدها وقال بخفة:"إيه ده… إيه اللي حصل؟" 

سكتت تاني، فابتسم وقال:"مين مزعل الدكتورة؟" 

قالت بهدوء: "يوسف…"

رد بسرعة: "بصي، بابا لو شافك زعلانة هيتضايق أوي. عرفيني، في إيه؟"

قالت: "مفيش حاجة."

قرب منها وقال: "متأكدة؟"

ابتسمت وعد وأومات ليه، وقبل ما ترد سمعت صوت.

لفت، شافت علي واقف ومعاه نادين. 

يوسف ضحك وقال:"الاتنين العاشقين!" 

سكتت وعد، وهي عارفة إن علاقة علي ونادين متطورة لدرجة إن في كلام إن بينهم باط أو مشاعر واضحة. 


نادين بصت لعلي وهى واقفه معاه وسألته:"خلاص، هتمسك الشغل هنا؟" 

قال علي بهدوء:"واضح." 

ابتسمت نادين:"كويس… كده هنعرف نوصلك بسهولة." 

فضل ساكت وهو بيشرب قهوته، بس نادين فضلت عينيها عليه وقالت:

"ناوي على إيه؟" 

رد علي وهو بيبصلها:"معتقدش إنك بتسألي عن خطوتي الجاية." 

ضحكت بخفة:"قصدي حياتك العملية؟ أنا عارفة إنك مبتقولش خططك لحد. بس أنا بسألك عن حياتك الشخصية… ارتبطت ولا لسه؟" 

قال:"لسه… وممكن قريب." 

نادين"هستنى اللحظة دي." 

قبل ما يرد، دخل يوسف في الكلام وقال:"معلش هقاطعكم… بس مهم." 

نادين ابتسمت:"عايز إيه يا يوسف؟" 

يوسف بص لعلي وقال:"جاي أسألك بخصوص مالك… مساعدك." 

علي :"ماله مالك؟" 

يوسف:"مش مرتاح له." 

قال علي بثبات:"هو شغال معايا ولا معاك؟" 

يوسف هز كتفه وقال:"واضح إنك واثق في إخلاصه." 

سكت علي، فغير يوسف الموضوع:"مش ناوي تتجوز يا عمي؟" 

رد علي بابتسامة ساخرة:"لما تتجوز انت الأول يا يوسف." 

يوسف سكت قلبت ملامحه، علي كمل:

"انت خلصت الكلية السنة اللي فاتت… ليه لسه أبوك مجوزكش؟" 

دخل بدران وقال:"في بنت جميلة قوي من عيلة راقية… هتجمعك بيها شغل وتتعرّف عليها." 

على قال"مفيش حد في حياتك يا يوسف… مش كده؟" 

يوسف بص لأبوه، اللي سأله مباشرة:"في بنت في حياتك؟" 

رد يوسف بجدية:"لأ… ومش عايز. أعتقد عمي أولى، في نص التلاتينات." 

علي ابتسم:"متقلقش عليّ يا يوسف، مش هعنس… وبعدين أنا مش بكبر." 

نادين ابتسمت وهي متابعه الحوار، بينما يوسف قام وهو ملامحه متغيرة. 

بدران بص لعلي وقال بهدوء:

"أضايق ليه؟!"

الخدامة دخلت بالصينية وعلي لفت نظره شكلها الغريب وهو بيتابعها لحد ما حطت الطبق.سأل علي:

"أوضاع الشركة تمام؟" 

رد بدران:"آه… باستثناء اللي قلتلك عليه." 

كانت الخدامة لسه واقفة مكانها، بصتلها نادين وقالت:"خلاص… امشي." 

وأول ما عدّت جنب علي، فجأة انقضّت عليه بس.كينه وجر.حته بخط سريع.

صر.خت نادين وبدران اتجمد مكانه، لكن علي مسك دراعها بسرعة وبص لها بصدمة كبيرة. 

الست كانت بتصرخ وهي بتحاول تضغط عليه:

"انت السبب… انت اللي قت.لته! انت شيطا.ن!" 

الكلمات ضربت علي في صميم، عينيه كانت ثابته عليها وهو بيوقفها من غير ما يسيب لنفسه فرصة يها.جمها.

لكن بدران اتدخل بعنف، مسك إيدها وكتفها بقوة وهي بتحاول تهاجمه. 

نادين صاحت برعب:"يا حراس!" 

الرجالة دخلوا بسرعة، علي كان ماسك دراعه والد.م نازل منه وهو باصص للست اللي اتجننت.مسكوها الحراس وهي بتصرخ بأعلى صوتها:

"سيبوني يا مجر.مين! هاخد روحك يا علي… زي ما حر.قت قلبي على ابني! هاخد روحك يا راس الأفعى لبدران الوسخ!" 

شد بدران نَفَسه وقال بغضب:"اتكلمي عدل… ولا…" 

قاطعه علي وهو بيتألم:"بدران!" 

بدران رفع عينه له، وبعد ثواني أمر بصوت حاد:"خدوها فورًا! سلّموها للبوليس… يخلوه يتصرف معاها." 

جرّوها الرجالة وهي بتولول:"مش هسيبكم! هاخد حقي… كلكم هتتحرقوا ف نار جهنم… كلكووو!"

وصوتها بدأ يختفي تدريجياً. 

نادين قربت بسرعة من علي وقالت بقلق"علي… انت كويس؟" 

بدران مد إيده على دراع علي يحاول يطمنه، لكن علي انتفض فجأة:

"قلت محدش يلمسني!" 

بدران"مش وقت وسواسك! الجر.ح غميق… لازم مستشفى حالًا." 

علي اتنفس بصعوبة وهو بيسند على الكرسي، الدوخة سيطرت عليه.

صوت بدران جَهَر وهو بينادي:

"على!" 

كان بيحاول يقف على رجليه بصعوبة، لكن فجأة لقى وعد واقفة قدامه، عينيها متسعة من الصدمة وهي شايفة الد.م بينزل من دراعه. 

قالت بصوت مرتجف:

– "عمّي…" 

خطواتها اتسارعت ناحيته،ارتمى عليها وعد مسكته بسرعة، جسمه كان تقيل عليها بس في اللحظة دي حسّت بقوة غريبة، استحملت وزنه من غير ما تشتكي. 

قربت وشها منه وقالت بقلق– "انت كويس؟ حصلك إيه؟" 

بص لها علي، عينه فيها ألم، وصوته طالع واهي:– "خديني على الأوضة…" 

أومات له فورًا، وسندته بخطوات ثابتة كأنها أقوى من طبيعتها، ومشيت بيه بعيد عن الصالة. 

بدران كان واقف بيراقب المشهد بعين متفحصة، ورانيا ونادين واقفين متوترين.

نادين قالت:

– "نساعده أحسن من وعد!" 

رد بدران بسرعة:– "لأ… إنتي عارفة علي عنده متلازمة عدم اللمس." 

رانيا – "ووعد إيه؟!" 

سكت بدران، بصلها قال– "قولى ليوسف يجيب دكتور فورًا."


في أوضة علي، كان الطبيب لابس جلافظات، واقف جنبه بعدما خدره وخيط جرحه بعناية.بدران واقف متجهم، جنبه نادين ورانيا، بينما وعد قاعدة على الكرسي، عينها معلقة بعلي ووشها مليان قلق. 

الطبيب أنهى شغله وقال بجدية:– "لازم تهتم بالجرح كويس لحد ما يلتئم." 

أومأ له علي بهدوء، إشارة مختصرة للفهم.خرج الطبيب، وأشار بدران لـ يوسف يروح يحاسب الدكتور 

نادين تقدمت خطوة وقالت بسرعة:– "علي… إنت كويس؟" 

وعد كانت عايزة تسأله الأول، لكن خالتها سبقتها كالعادة.

علي رد – "عايزك يا بدران." 

بص بدران للباقيين وقال بنبرة حاسمة:

– "اخرجوا… محتاج يرتاح." 

خرجوا كلهم، وعد قبل ما تمشي بصت على علي بقلق، لكنه مبصلهلش 

جلس بدران على الكرسي قدامه، عينيه بتفحصه:

– "انت كويس؟" 

رفع علي نظره وبص له:– "مين دي؟" 

بدران – "تقصد الست؟" 

– "آه…" 

تنهد بدران وقال:– "دي منى… أم عبدالله." 

علي – "عبدالله مين؟" 

رد بدران:– "واحد من موظفينا… كان في شحنة. لكن السفينة كان فيها عطل، والتحميل كان تقيل… غرقت بيهم." 

علي عينيه ضاقت– "سفينة إيطاليا؟" 

قال بدران وهو بيحاول يسيطر على غضبه:

– "أيوه… هي. وقتها حاولنا نكتم الموضوع، والمحامي قام بدوره… والمحكمة وقفت معانا لإننا ملناش ذنب. دفعت تعويض، لكن الظاهر إنها كانت عايزة أكتر. طلبت شغل، وما كنتش أعرف إنها هتوصل لدرجة ته.جم على حد من عيلتي." 

علي سكت، عينيه مركّزة في الأرض.

بدران شدد صوته:

– "أوعدك… هتاخد أشد جزاء. ربنا ستر، وجت في دراعك بس." 

رفع علي نظره وقال ببطء:

– " كانت عايزه تق.تلني." 

بدران رد بقوة:

– "مش هسمح لده يحصل. نسيت إني وعدتك بالحماية… حتى من نفسي؟" 

علي سكت لحظة، وبص له نظرة تقيلة.

بدران كمل بصوت مكسور:

– "انت أنقذتني زمان من المو.ت… وأنا ممنون لك بحياتي من أول ما قابلتك ياعلى وانت جنبى راجل برغم صغر سنك الا انك كنت زي الى بيقاتل. عشان كده… حطيت رابطة الأخوّة بينّا لما لقيتك عايز الوفاء منى، قولتلك ايدى هتكون محرّ.مة على دمك... لو انت شاكك فيا انى خليتها تعمل فيك كده تبقى غلطان انا ا،تر واحد دمى بيغل.ى 

على بصله قال– " أنا اتصابت في بيتك." 

بدران – "حاسس بالخزي إن حد قدر يوصل ليك ويأذ.يك هنا… لكن صدقني، هخليها تاخد عقابها." 

علي قاطعه بهدوء حاسم:

– "لا… ما تدخلش. أنا هتصرف معاها. ده حقي أنا." 

بدران اتنهد وقال في النهاية:

– "أمرها كله في إيدك."


في الليل، البيت كله نام إلا وعد.طلعت فوق، خبطت على أوضة علي، محدش رد، دخلت ملقتوش.

استغربت: "عمّي؟"

وقفت، شافته خارج من البلكونة، لابس بنطلونه بس، جسده باين بعضلاته.

اتكسفت، وهو لمحها: "وعد؟"

قالت وهي تبص لدراعه: "جيت أطمن… دراعك عامل إيه؟"

قال بهدوء: "كويس… روحي نامي."

ردّت: "وإنت ما نمتش ليه؟ شكلك بتسهر كتير."

قال: "مش عايز أنام."

سألته: "ولا لسه مش بتعرف تنام بسهولة؟"

سكت.

قربت منه وقالت: "أساعدك زي زمان؟"

اتراجع خطوة: "وعد… اخرجي."

قالت: "عادي، أنا مش عايزة أنام."

بعد عنها وراح على الحمام.

لكن وهي داخلة وراه، لقاها فجأة قصاده قبل ما يقفل الباب.

انصدم: "بتعملي إيه؟"

قالت بثبات: "هساعدك."

قال بحدة: "هنا؟!"

بصّت وعد حوالين الحمام، عينيها وقعت على الشامبوهات.

قربت من الكابينة: "دي جايبها من ألمانيا؟"

بصّ لها علي، لقاها بتفتحهم بفضول.

تنهد: "وعد…"

هي كانت بتشم الروائح، وابتسمت لانها شبه ريجته قالت-… محبتليش حاجة لما رجعت؟"

مد إيده ياخد منهم، بس هي بعدت: "مش ببوّظ… بشوفهم بس."

قال ببرود:… اخرجى."

ردّت بسرعة: "استنى بس…" 

شدها من إيدها، وقعت وسندت على الكابينة.

اتفتح الباب واندلق المي عليهم. 

وقف علي ثابت الملامح، ووش وعد ارتبك وهي مبلولة:

"مكنتش أقصد… آسفة."

حاولت تقوم، رجّلها هتتزحلق، مسكها من إيدها وسحبها لبرا قال -ممكن تبطلى عبث

سكتت بخجل ، المية نازلة على وشها.تنهد: "روحي غيري هدومك."

قالت مرتبكة: "وإنت كمان… هدومك كلها اتغرقت."

بصلها مشيت باحراج تنهد 

خرج علي لابس هدوم غير اللي اتغرقت، شعره لسه مبلول.

افتكر جملتها: "لسه بتعاند في النوم."

بص ناحية باب أوضتها، ونزل. 

دخل الأوضة… ملقهاش.

قال بصوت واطي: "وعد؟"

سمع صوتها: "نعم." 

استغرب، لسه بيلف… فجأة وقف.

انعكاسها في المرايا ظهر قدامه، واقفة في الحمام، لافّة نفسها بفوطة.

ساقيها وكتفها وذراعيها باينين. 

قلبه خبط بقوة، حرارة جرت في عروقه من المشهد.

مسك مقبض الباب وقفله بحركة لا إرادية. 

بعد لحظات… نزلت البلوزة عليها وخرجت.

اتخضت لما شافته قدامها: "ع… عمي؟" 

علي صامت، عيونه عليها.

قالت وعد: "لو بتواجه صعوبة في النوم… ممكن تنام هنا."

رفع حاجبه: "على سريرك؟!"

أومأت وعد وقالت بهدوء:– نام… وأنا هتصرف. 

مسكت إيده بلطف وسندته على السرير عشان دراعه، لكنه شدها فجأة بقوة.

وقعت فوق السرير، واتصدمت لما لقت علي فوقها. 

بصتله بشده قالت– بتعمل اى؟! 

عيونه غرقت في عيونها، ضعف كبير سيطر عليه، مشاعر مدفونة عمره مكنش يعرف بوجودها، بصلها وهي شفايفها بتحمر أكتر وهى بصاله وقلبها بيدق جامد،

قرب منها أكتر… وشكلها لا يفارق مخيلته

قالت وعد بارتباط:– عـم… 

قبل ما تكمل الكلمه الى عرفها، اتصلبت اللحظة… والتصقت شفايفهم، إيده مسك رقبتها واتعمق فيها


الرابع 


سحبها علي وبقا فوقها فى لحظه، بصتله وعد بشده قالت– عـمى

قبل ما تكمل انقض على شفايفها وباسها ، مسك رقبتها واتعمق فيها وبقيت أنفاسها مختلطه

اتصدمت وعد من الى بيحصل، وعلى كان في حالة ضعف،سكتت، للحظة شافته راجل... لكن فجأة وعَت، ده مش أي رجل... ده عمها!


بعدت، لكنه كان لسه بيتحكم فيها.

قالت بصوت مخنوق:

- عمي...


وقف علي وزقها بعيد، وشها احمر بشدة من الخجل.

بص لها علي واتصدم من اللي عمله، بعد عنها وقعد على طرف السرير... اللعنة... إيه اللي عملته؟ إزاي أوصل لكده؟ ومع مين؟ مع وعد!


اتعدلت وعد في جلستها مرتبكة.قال -عمى

قال علي فورا- وعد... أنا مكنتش أقصد.

بصتله رد على- كنت شايفك حد تاني.

سكتت وعد من الصدمة.كمل علي:

- أنا شربت شوية... عشان كده كنت سهران، واللي حصل ناتج عن سكري...نسيت إنتي مين.

وقف وهو مش قادر يبص في عينيها:- انسِي اللي حصل.

خرج علي بسرعة من الأوضة، خايف يرتكب أي حماقة تانية تضيّعه وتضيّعها معاه.

وعد فضلت قاعدة مكانها، صامتة، ودماغها كلها في اللي حصل.


افتكرت قبلته... قربه... الدقات اللي خبّطت في قلبها بشكل مرعب.

سكاتها وقتها كان معناه إيه؟! كأنها اتقبلت اللحظة، حتى لو للحظة صغيرة.


قلبها خبط أقوى وهي تسترجع الإحساس.

اللعنة... إزاي؟ إزاي يكون عندي مشاعر بالشكل ده ناحيته؟


هو مش أي حد... ده عمها!

بتحبه... آه، لكن دايمًا حب احترام، حب اعجاب... مش حب راجل!


غمضت عينيها بشدة، همست لنفسها:

- مستحيل... مستحيل الى نا بفكر كده.


لكن صورتُه رجعت، إيده، صوته، والقبلة اللي كسرتها من جوه.

افتكرت كمان كلمته... "كنت شايفك حد تاني"

- معقول... كان قصده نادين؟


قفل علي باب أوضته بعصبية، ورمى نفسه على الكنبة، مسح شعره لورا وهو ينهج بضيق.المشاعر لسا متفجّرة جواه... ووجه وعد مش بيروح من قدامه.

إزاي؟ إزاي بنت صغيرة زي دي تهزّني بالشكل ده؟!

كل ما يشوفها بيحس إنه شخص تاني، كأنها بتسحب منه تحكمه بنفسه.


قام بسرعة، دخل الحمّام، فتح الميه الساقعة على آخرها ورمى وشه وجسمه تحتها.

قلع القميص ورماه أرضًا، تنهد تنهيدة تقيلة كأنها طالع من صدره نار.


غمغم بصوت واطي:- وعد...


رفع راسه وهو مغمض عينه... هي مش مجرد بنت... هي لعنة.

لعنة دخلت حياته، وابتدت تفتحله باب نهايته.لو الموضوع اتكرر... لازم أسيطر... لازم... وإلا كل حاجة هتخرج من إيدي.

------------


قبل 10 سنين


على الطريق السريع..

بدران ذو٣٥عام،كان قاعد ورا في عربيته، والسواق ماسك الدركسيون.

مسك تليفونه وقال بعصبية:

- خلصت الشغل ومشيت... إنت مدير ولا لأ؟! أنا بدفع مرتبات محدش بياخدها في أي شركه، ومش شايف غير خسارة! اتصرف يا نصفي، جدد البرنامج وهات موظفين عدلة... أنا مش برمي فلوسي في الأرض.


قفل الخط وهو متنرفز. فجأة حس العربية وقفت.

- وقفت ليه؟!


رد السواق وهو بيبص قدامه:

- في خشبة قافلة الطريق يا بدران بيه، هنزل أشيلها.


فتح السواق بابه ونزل.

بدران لحق يشوف لحظة غريبة...

شخص نازل من الجنب وضرب السواق بقوة، وقع قدام العربية 

اتسعت عيون بدران وهو بيبص حواليه.

باب العربية اتفتح بعنف، ورجل غريب رفسه بدران برجله. بس في نفس اللحظة، إيد تانية سحبته من قفاه من الناحية التانية وجرّته برا.


وقع بدران على الأسفلت وهو بيتنفس بسرعة، رفع راسه لقى نفسه محاصر...

مجموعة مجرمين حواليه.


صرخ بغضب وخوف:

- إنتو مين؟! عايزين إيه؟!


بدران حاول يقاوم...

واحد مسكه، بدران رد عليه ببوكس في وشه خلاه يتراجع، ونط برجله على التاني وقعوه.

لكن الباقيين هجمو عليه مرة واحدة، مسكوه ورموه على العربية بقوة.


صرخ وهو متشنج:

- يا ابن الكلب! بتمد إيدك عليا؟! إنت متعرفش أنا مين!


ما لحقش يكمل، واحد ضربه بشومة على دماغه... وقع على الأرض والدم سال من راسه.

فضلوا يضربوا فيه، يحاول يصد... لكن إيديه ضعفت، جسده مش قادر يقاوم.


مسكه اتنين من دراعيه ووقفوه غصب عنه.

بص لهم بدران وعينه مدمية، صوته مبحوح:

- عايزين إيه؟ مين بعتكم؟


واحد طلع سكينة من وسط هدومه، لمعت في الضلمة.

بدران اتجمد، اتسعت عينه بصدمة.للي ماسكه من كتفه

قال بدران وهو بيحاول يصرخ:

- إنتو اتجننتوا؟! عارفين بتعملوا إيه؟! هديكوا فلوس أكتر... بس سيبوني... سيبنييي!


المجرم ما ردش، رفع السكينة وهو ناوي يغرسها.

وفجأة...


حركة سريعة خاطفة!

ضربة قاسية على رقبته خلته ينهار في الأرض قبل ما يلحق يقرب من بدران.


المجرمين لفوا في لحظة بذهول:

- إيه ده؟ مين؟!


الهواء اتغير... وظهر قدامهم شاب قوي، واقف بثبات وعينه حادة.

خطواته كانت واثقة، نظرته قاتلة.


واحد منهم صرخ:

- إنت مين يا ابن الكلب؟!


بس ما ردش عليهم... كان شاب في حدود الـ٢٥ سنة، جسمه رياضي وقوي.

انقضّ عليهم وضربهم بقسوة، وبدران اتعدل وشاف العركة قدامه.


اتسند على عربيته بسرعة، وفتح الباب وهو بيترمي على الكرسي ويمسك الدركسيون بإيده المرتعشة، عيناه لسه بتتابع الشاب والرجالة من بعيد... بس عارف كويس إن الولد ده بيحكم على نفسه بالموت وهو بيدافع عنه.

ولوهلة، شك إن الشاب ممكن يكون واحد منهم أصلاً، لعبة مدبّرة!


هز راسه ونفض الفكرة، ولفّ العربية بسرعة ومشي بعيد عن المكان، نفسه تقيل ويده ماسكة جنبه المتورم من الضرب.


طلع الموبايل بصعوبة وضغط الاتصال، صوته متقطع من الألم:


"ألوو... ابعتلي بودي جارد فورًا... واتصل بالبوليس!"


جاله الرد مرتبك:


"بدران بيه؟"


"سامعني! في ناس هجموني... كنت همو-"


"إيه؟ مش سامعك كويس يا بدران بيه..."


قفل بدران التليفون بعصبية، إيده بتنزف وهو ماسك الدركسيون، رجله بتدوس البنزين بعنف.


الطريق قدامه فاضي... فجأة لقى يفطة كبيرة باينة في الضلمة: تحذير.

عبس وهو بيقراها، ولسه بيستوعب، عينه اتسعت برعب...


الكوبري قدامه مكسور!


شدّ الفرامل بكل قوته، العجل صرخ، العربية انزلقت للأمام، ووقفت وهي نصها برة الكوبري!


شهق بدران... إيده اتمسكت في الطارة، جسمه متجمد، نفسه بيتقطع. أي حركة غلط... العربية هتطير تحت!


رجع ببطء، رجليه بتترعش، قلبه بيخبط في صدره... لحد ما سمع فجأة صوت موتور قوي جاي من وراه.


اتجمد مكانه:


"مستحيل... لحقوني؟!"


بص في المراية، عينه اتسعت أكتر لما شاف نفس الشاب... نازل من على دراجة نارية!


رفع راسه بخوف وصاح:


"ساعدني... أرجوك!"


قبل ما يكمل، لقى الشاب بينط على العربية من ورا... وزن جسمه خلّاها تثبت أكتر فوق الكوبري.


بدران وقف مذهول، عينيه طالعة من الرعب، رفع راسه... ولقى نفس الشاب واقف قدامه، ساكت، بيبصله بنظرات تقيلة كأنها بتخترق قلبه.

بصله الشاب بثبات، عينه متجمدة وصوته هادي لكنه حاد:


"انقذ نفسك."


اتعدل بدران، مد إيده له بجنون:


"ساعدني!"


لكن الشاب واقف... ما مديش إيده، كأنه بيتعمد يسيبه يواجه الموت.


فجأة... جزء من الكوبري اتكسر، والعربية اتحركت بقوة. بدران صرخ وهو بينط باندفاع... بس رجليه ماوصلتش. وقع، وإيديه الاتنين اتشبثت بحرف الكوبري!


شهق، فتح عينيه مرعوب... الهاوية تحت رجليه، الهوى بيشدّه لتحت، وكل ثانية محسوبة.

حاول يرفع نفسه لكن إيده خانته، انزلقت، وبقى متشبث بإيد واحدة بس!


رفع عينه للشاب مرة تانية، صوته متقطع من الخوف:


"أرجوووك... ساعدني!"


الشاب أخيراً مدله حاجة... حبل.

بدران اتجمد:


"إيه ده؟! إنت مجنون؟ هتقولي أمسك بالحبل وانت شايفني هقع؟!"


إيده انزلقت أكتر... اتصدم، قلبه هيقف، لكن في اللحظة الأخيرة مسك الحبل بكل قوته.


شهق بدران وهو بيصرخ:


"مش هتعرف تسحبني... هات إيدك، أرجوك!"


لكن الشاب ما نطقش... وما مدش إيده.

لف الحبل حوالين إيده هو، وشد بكل قوته، عروقه بارزة من الضغط.


صرخة بدران خرجت وهو بيتألم من شدة السحب، الدم محبوس في إيده، بس في الآخر... الحبل بيطلعه شبر ورا شبر.


اتألم بدران، حس الدم اتحبس في إيده، بس فضِل ماسك الحبل بكل قوته، عرقه بيتصبب وهو بيصارع الموت.

والشاب... ثابت، بيشد بقوة، يلف الحبل حوالين إيده مرة بعد مرة، وكل ما يسحبه بدران يساعد نفسه برجله لحد ما طلع أخيراً على الكوبري.


وقع على الأرض وهو بيشهق بشدة، قلبه بيدق كأنه هيكسر ضلوعه. رفع عينه ببطء، لقى نفسه لسه عايش، ولقي الراجل ده واقف قدامه زي الصخر.


قال بدران وهو بيتنفس بصعوبة:


"ا... انت مين؟"


الشاب ما ردش.

جلس بدران على الأرض، يحاول يلملم نفسه، وقال وهو بيبصله بامتنان وارتباك:


"إنت أنقذتني... أنا مديونلك بحياتي. عرفني اسمك... عشان أكافئك."


ابتسم الشاب ابتسامة باهتة وقال بهدوء:


"مش عايز مكافأة."


اتجمد بدران، رد بسرعة:


"أمال عايز إيه؟"


اقترب الشاب منه، وصوته كان غامض وهو بيقول:


"دين."


عين بدران اتسعت بدهشة، مش فاهم قصده. لكن الشاب مد له منديل، وقال وهو بيركبه في إيده:


"الرجالة اللي هجموا عليك مرتين... أنا كلمت البوليس يشوفهم."

بصله بدران، وفهم من كلامه إن الرجالة مش تبعه... لأنه لو كان متواطئ معاهم كان زمانه خبّاهم بدل ما يسلّمهم للبوليس.

تابعه بنظره وهو بيلف ويمشي، وقلب بدران بيغلي من التفكير... عينه راحت على المنحدر اللي كان على وشك يبتلعه، ورجع ببصره للشاب اللي خاطر بحياته عشانه.


وقف بدران على رجليه، وقبل ما الشاب يركب الموتوسيكل ناداه:


"استنى!"


توقف الشاب ونظر له.

اقترب بدران بخطوات مترددة وقال:


"اسمك إيه؟"


صمت الشاب لثوانٍ، وكأنه بيفكر هل يقول ولا لأ... وبعدين نطق أخيرًا:


"علي... اسمي علي."


تسمرت نظرات بدران عليه، شعور غريب اجتاحه... كأنه يعرفه من زمان، وكأن بينهم ماضي مشترك مجهول. لكن الإحساس بالوفاء اللي لمسه من علي خلّى جواه يقين واحد:

"ده الشخص اللي مش هقدر أستغنى عنه طول حياتي."


---


عودة إلى الحاضر


خرجت وعد من أوضتها بهدوء، وقفت للحظة تبص ناحية أوضة علي.

رفعت وعد إيدها تلمس شفايفها، صورة قبلتها مع على ضربت عقلها من جديد. قلبها اتلخبط... مشاعر غريبة بتشدها ناحيته، وإحساس بالذنب بيخنقها.

نفضت أفكارها بسرعة، كأنها بترمي حاجة محرمة من دماغها، وطلعت السلم.


وقفت قدام أوضة علي، لكن قبل ما تمد إيدها على الباب، وقفت مكانها لما سمعت صوت أبوها جاي من جوه:


بدران: "بقيت أحسن دلوقتي؟"

علي: "عملت معاها حاجة؟"

بدران: "لا... محجوزة في القسم. إنت قولت أسيبها لك تتصرف."

بص بدران لعلي وقال: "متقلقش، مش هتكون عاهة... أنا هعين حراس تانين."

علي أومأ وقال: "اختارهم كويس يا بدران. ساعات بيكونوا خونة... زي اللي حصل هنا."

بدران اتجهم: "قصدك إيه؟"

علي: "يعني لو في عداوة... الحارس مش بيمنع الغدر. ممكن هو نفسه يكون أول واحد يغدر بيك."


بدران اتنهد وقال: "أنا هعينهم عشانك... أنا خايف عليك."

ابتسم علي بخفة: "عارف إني مش بحب حد يرافقني... وأنا كفيل أحمي نفسي. لو عايز رجالة، أجيبهم أنا. متشغلش بالك."

بدران بان عليه ضيق: "ليه مش بتحب تخليني أساعدك؟"

علي: "مش بحب أتعبك."

ابتسم بدران من إجابة علي وقال:

ـ عارف إن السبب الحقيقي مخبيه... بس ماشي، هعدّيها. اللي حصل أنا السبب فيه.


رن جرس الاوضه، فالتفت بدران وقال:

ـ هتعرف تنزل تفطر معانا؟


رد علي ـ خليهم يطلّعوا الأكل هنا.


أومأ بدران بتفهم، ثم أضاف ـ النسايب وعد جايين النهارده.


سكت علي فجأة لما سمع اسمها، عيناه اتغيرت، كأن الكلمة لوحدها حرّكت جواه حاجه. بدران لمح التغيير وقال بابتسامة خفيفة:

ـ عايزك تتعرف عليهم.


قال علي ـ هي مخطوبة؟


هز بدران رأسه وقال بهدوء:

ـ لسه... على وش خطوبة لو وافقت. أبو الولد صديقي من عيلة محترمة، والولد نفسه طيار. اتقابلوا قبل كده في حفلة اجتماع.


ـ وبعدين؟


ـ هو اتقدملها فعلاً... بس وعد لسه بتفكر، والظاهر إنها رافضة.


ـ رافضة؟ طب وليه جايين تاني وبتقول عليهم نسايبها؟


ـ لأنه شاب ما يترفضش... محترم وناجح. ووعد ما وضّحتش سبب رفضها. يمكن متوترة، وأنا عارف بنتي.


سكت علي، فبصله بدران وقال:

ـ عايزك تقابله، واثق إنه هيعجبك، ووعد ممكن تتقبل الكلام منك. يمكن تكون خافت تقولي عشان أنا شديد.


رد علي:

ـ أو عشان إنت دايمًا مش سامعها.


قال بدران:

ـ المشاغل كتير، قليل لما بشوف عيلتي، بس ف الآخر كل ده ليهم.


سكت علي. خرج بدران من عنده، وعلي مسك تليفونه واتصل.


رد مالك بسرعة:

ـ إنت بخير؟ عرفت اللي حصلك.


قال علي:

ـ جهز العربية عشان نمشي.


مالك بتردد:

ـ بس إنت مريض، خليه بعدين.


علي بحزم:

ـ هقابله النهارده، جهز العربية زي ما بقولك.


مالك استسلم:

ـ حاضر.


في الكلية، كانت وعد قاعدة مع صحابها في الكافيه.سألتها ياسمين:

ـ عمك عامل إيه؟


تنهدت وعد وقالت ـ بطلي تتكلمي عنه.


ضحكت ياسمين:ـ أنا معجبة بيه.


دخل زميلهم وقال لياسمين:ـ إنتي بتعجبي بأي حد تشوفيه.


ضحكت ياسمين:ـ معاك حق.


ضحكوا كلهم، وفجأة شافوا شاب ملفت واقف مع مجموعة حواليه، واضح من وقفته وكلامه إنه محور الكون، وكمان شكله يدل إنه ثري.

وعد بصت له لحظة، ولما عينه جت في عينها حولت نظرها بهدوء وكأنها مش مهتمة.


زميلتها قالت:ـ أول ما الكابتن حازم يدخل البنات بتتلم حواليه.


زميلهم قال مازحًا:ـ خلاص بقى، بدل ما وعد تتضايق.


وعد قالت:ـ وأنا هتضايق ليه؟


ياسمين ـ مش في مشروع خطوبة بينكم؟


وعد بهدوء:ـ مفيش الكلام ده... محصلش نصيب وخلاص.


استغربت ياسمين:ـ ومقولتليش ليه؟ أنا طول الوقت بحسبك خطيبته، عشان كده كنت بتجنبه.


دخل زميلهم وقال:ـ ليه رفضتيه؟ أنا شايفه ممتاز.


ردت وعد-مبحبوش.


بصولها باستغراب، فقالت واحدة من صحابها:

ـ بلاش تاخدي اللي بتحبيه، لأنك هتكوني ضعيفة قدامه... والحب ده أصلًا مش موجود.


زميلها أضاف:ـ دي حقيقة، ممكن تحبيه مع الوقت. لكن تاخدي "حب حياتك" من الأول؟ ساعات يتحول لعنة لو اتأذيتي.


قاطعتهم ياسمين بحدة:ـ طب ليه بتخوفوها كده؟


وعد قالت:ـ لا مفيش حاجة، هما فاكرين إني مرتبطة فبينصحوني بس.


قامت من مكانها، فسألوها:ـ رايحة فين؟


قالت وهي بتمسك شنطتها:ـ مروحة.


في العربية كان علي راكب جنب مالك اللي كان بيسوق.

مالك سأل: «مالك، إنت مضايق؟»

علي رد: «المفروض أفرح باللي حصل.»

مالك قال: «المهم إنك بخير.»


علي قال: كانت عايزة تق.تلني.»

مالك رد: «كانت عايزة تقتل بدران بيه.»

علي «لأ... كانت عايزة تق.تلني أنا. أنا... أنا شيطان. بدران-درّاعه اليمين أنا... أنا رأس الأفعى اللي بتخرجه من كل مصيبه وتعليه شويه شويه.»

مالك سكت عن كلام علي. بعد شوية علي كمل: «إيدي بقت مذنبة في دم ناس كتير. في ناس عايزة تق.تلني زي اللي حصل امبارح؛ عايزين ينتقموا من الظالم اللي أخد روح ابنها.»

مالك قال: «بدران بيه قالك إنها كانت حادثة.»

علي: « قال كده عشان يريحني

مالك بصله من شروده قال: «عايز تعمل إيه؟»

علي رد: «دوري على حد من العمال يومها اللي كان مسؤول عن السفينة نفسها.»

مالك قال: «حاضر... طب والست اللي في الحبس؟»

علي رد: «خليهم يخرجوها.»

مالك استغرب: «يخرجوها إزاي؟ دي شكلها مش هتسيب حق ابنها وبتاخد تارها.»

ابتسم علي وبصّ له: «فاكر إن الحق ذنب؟ وتل اللي بسعى عشان آخد حقي.»

مالك: «الخطر عليك إنت.»

علي قال بهدوء: «متقلقش... المو.ت مش هيقدر ياخدني دلوقتي طول ما لسه ما حققتش انتقامي.»


ــ


في أوضتها، كانت وعد بتغيّر هدومها. الباب اتفتح ودخلت رانيا.

وعد قالت: «دخلتي ليه من غير ما تخبطي؟»

رانيا ردّت: «اتأخرتي ليه؟»

وعد: «كنت قاعدة مع صحابي.»

رانيا: «طب البسي فستان، نسايبكم جايين.»

وعد استغربت جدًا وقالت: «قولتلك أكتر من مرة إنهم مش نسايبي... أنا ما وافقتش عليهم أصلاً!

رانيا قالت: «ولا رفضتي؟! ثم أنا بقولك البسي عادي يا وعد، لأنك هتتعقدي معاهم... مش إجبار يعني.»

وعد ردّت بضيق: «ولو مش إجبار... جايين ليه؟»

رانيا: «زيارة... وحازم رجع معاهم.»

وعد باستغراب: «عارفة؟»

رانيا: «منين؟ إنتو بتتكلموا؟»

وعد: «شوفته في الجامعة.»

رانيا «سلمتوا على بعض؟ أو اتكلمتوا؟»

وعد ما ردتش. من سكوتها، رانيا فهمت إنهم ما اتكلموش

رانيا: «يلا، البسي وجهزي نفسك عشان باباكي ما يضايقش.»

مشيت وقفلت الباب وراها. وعد تنهدت بضيق وهي تبص لنفسها في المراية.


ــ


في فيلا كبيرة، كان راجل قاعد على كرسي هزّاز، ملامحه هادية لكن شامخة.

دخلت خادمة وقالت باحترام: «علي بيه وصل.»

قال بهدوء وقال: «دخليه... علي مش محتاج يستأذن يدخل.»

ظهر علي من وراها ومعاه مالك. قرب بخطوات واثقه قال:

«الكرسي المقدّس... اللي عمرك ما بتقوم من عليه.»

ابتسم الرجل وقال«اقعد يا علي... بقالك غيبة كبيرة.»

وبإشارة لمالك أضاف: «واقف ليه؟»

قرب مالك وسلم عليه باحترام: «إزي حضرتك يا رضوان بيه؟»

رضوان رد بهدوء: «بخير.»

نظر رضوان لدرع علي المصاب وقال:«يبقى اللي سمعته صح... واحدة اتهجمت عليك وصابتك.»

علي قال: «إصابة بسيطع.»

رضوان علّق : «بس من واحدة ست.»

علي حس إنها إهانة متعمدة.رضوان سأل: «عرفت هي مين؟»

علي: «آه.»

رضوان: «وبعدين؟»

علي: «مفيش... هتاخد إفراج سبيل.»

رضوان: «إفراج...؟ متعودين عليك تسيب حقك؟..»

علي : «عشان مفيش حق... واقفل على الموضوع. أنا جاي لك في حاجة تانية.»

رضوان: «إيه هي؟»

علي: «قلت إنك لقيت ظابط القضية.»

رضوان أومأ: «آه... وعشان كده كنت عايزك تنزل.»

علي باهتمام: «اتكلم... هو فين؟»

رضوان بهدوء: «مالهوش لزوم تعرف.»

علي بصوت مخيف: «إنت عارف كويس أنا عايش ليه وهدفي إيه... وعارف قد إيه الظابط ده ليه كل اللزوم.»

مالك حاول يهدي: «أكيد رضوان بيه ماقصدش كده يا علي.»

لكن علي انفجر بغضب: «متدخلش يا مالك! قول يا رضوان... فين مكانه فوراً؟»

رضوان قال ببرود: «ميت.»

سكت علي، ومالك قال بتردد: «كنت عايز أقولك كده قبل ما تنزل...»

علي قاطعه: «ميت مقتو.ل... ولا إيه؟»

رضوان: «لأ... عمل حادثة وهو سكران. اللي عرفته إنه من زمان بعد ما اتقفلت القضية استقال... أو بمعنى أصح، ريحوه في البيت بمرتب. لكن اكتشفت إن حسابه كان فيه مبالغ كبيرة غير اللي بياخدها. عاش حياته بين الخمرة والنسوان، وبعد عن مراته وولاده... ولحد ما مات في حادثة من تلات سنين.»

سكت علي وهو بيجمع قبضته، ثم قال ببرود: «بيروح بمعاشه؟ مكافأة نهاية الخدمة؟ ولا عشان انسحب من التحقيق وهو عارف إن القضية هتفتح تاني؟»


رضوان هز راسه: «كل حاجة ليها أسبابها... والفلوس اللي معاه ليها معنى.»

مالك فهم وقال: «يعني كان متأمّن على حياته كلها... استقال وقلبه مرتاح وضميره ميت؟»

علي وهو بيجمع قبضته: «كده واحد نقص.»

رضوان : «على»

علي بهدوء حاد: «كان لازم يمو.ت على إيدي أنا.»

رضوان بصوت متحذّر: - متشلش عينك على عدوك الحقيقي.»

علي ابتسم ابتسامة مرة، ونبرة صوته صارت أخطر: «أنا عارف أعدائي مين. والدائرة اللي دفنت الحق زمان هفضحها لما ألاقي الحقيقة اللي بدوّر عليها.»

رفع علي عينه، كأنه بيجمع وحشاً داخله، وقال بهدوء مخيف: «وقتها... هتبقى حرب على الكل.»


في القسم، كانت منى - المرأة نفسها اللي اتهجمت على علي - قاعدة في قفص ساكتة، وما بتتكلمش مع حد، لأنها حاطينها في عزلة لوحدها. محدش دخل عليها ولا حد حاطط لها أكل. عارفة إنها ارتكبت جريمة، ومش فارق معاها هيحصل لها إيه.

فجأة الباب اتفتح، وقال الشاويش: «اطلعي يلا.»

منى باستغراب: «هروح فين؟»

الشاويش رد: «هتروحي...»

منى ضاقت: «أروح؟»

قال لها: «أه... علي بيه سحب القضية وأمر يخرجوكي.»

منى سكتت من كل الكلام اللي سمعتُه. الشاويش كمل: «بعت مساعده وخلص كل الإجراءات. قال إنها كانت حادثة، وإنك ما عملتيش حاجة؛ دفعوا كفالتك وهتطلعي دلوقتي يلا.»

منى فضلت ساكتة، كل اللي شافته جوه دماغها كان يقول إن هذا الشخص غبي... لأنها لو خرجت دلوقتي، وحتى لو هو فاكر إنه يقلل ذنبه ناحيتها فهي برضه مش هتسيبه، وهتحاول تقتله تاني.

خرجت منى وخدت شنطتها. قال لها الظابط: «أتمنى متعمليش أي غلط تاني يا مدام منى.»

منى مردتش، أخدت حاجتها ومشيت.

وقفت لما شافت مالك واقف، ولما شافها خرجت، راح ركب العربية.

منى قالت: «أنت مساعده؟»

مالك: «حمدالله على سلامتك.»

منى ردّت: «قوله إنه غلط لما خرجني.»

مالك قال: قولتله... لكنه أصر تخرجي، وإلا كان اكتفى بسحب القضية وما دفعش الكفالة.»

منى سكتت. مالك قال: «عن إذنك.»

لفّ واخد عربيته ومشي.

---


في فيلا، كان بدران قاعد مع رجل، بيضحكوا ضحكات الأغنياء

بدران - وأنت يحازم، أخبار شغلك إيه؟»

حازم قال: «كله تمام يا عمّي، وبابا ساعدني كتير.»

أبوه رد مبتسمًا: «أبدًا... حازم الوحيد لما عملت الشركة جابلي أرباح، ما دفعتش في مساعدته.»

رانيا قالت: «كويس... ده يثبتلك إنه نجح وتعتمد عليه.»

الراجل بابتسامة: «معاكِ حق يا مدام رانيا... أمال فين وعد؟»

رانيا: «زمانها نازلة... كانت جايه من الكلية تعبانة شوية.»

بدران قال: «اطلعي ناديلها يا رانيا.»

رانيا: «عن إذنكم.»

طلعت رانيا عند وعد اللي كانت قاعدة زي ما هي.

رانيا سألتها: «منزلتيش ليه؟»

وعد ردّت: «قولتلك... مش عايزه.»

رانيا قالت: «وعد، متعصبنيش... انزلي سلمى عليه.»

وعد بغضب: «لا.»

رانيا لأول مرة غضبت. قالت: «يعني اى لا هونا هاخد رأيك.»

وعد بصّت لها ، قالت رانيا - انجزى بقولك

يوسف دخل وسأل: «فإيه؟»

رانيا: «اتفضل... عايزة تحرجنا قدام الناس ومتنزلش... مش عارفة ليه هيكلوها مثلاً. لولا أن بدران قاللي أكلمها، ماكنتش هتناقش معاها أصلاً.»

يوسف: «ماما»

رانيا سكتت بضيق، فقال يوسف: «اخرجي... أنا هجيبها.»

رانيا قالت: «اديني... هخرج، أما نشوف آخرتها.»

مشيت وسبتهم.يوسف قال: «متزعليش... أنتِ عارفة ماما بتتعصب من أقل حاجة.»

وعد بتعصب: «هي بتتعصب عليا أنا بس.»

يوسف قال: «مش صح... أنا واثق إنها كانت بتتكلم معاكي براحة.»

سكتت وعد، لأنها عارفة إنه مش هيغلط أمه لأنه بيحبها.

يوسف: «مش عايزة تنزلي ليه؟»

وعد: «كده وخلاص... هيفيد بإيه أما رفضاه؟»

يوسف: «بس إنتي مقولتيش رفضاه لبابا؟»

وعد: «معرفتش... اتوترت.»

يوسف: «اتوترت ليه يعني؟ هو غلط؟ انزلي عادي... سلمّي عليهم كضيوف واطلعي.»

وعد: «أنا مش عايزه.»

يوسف سكت وقال: «خلاص... ماشي، خليكي وانا هتصرف.»

وعد: «إزاي؟»

ابتسم وقال لها: «اعقدي مش الأوضة... عجباني.»

وعد قالت: «اه.»

يوسف ضحك بتريقة مستفزة: «اه.»

ابتسمت وعد عليه، ثم خرج وسابها.

--


تحت في القعدة، رانيا قالت:- «وعد زمانها جاية.»


حازم رد بهدوء:- «مفيش داعي... هي أكيد تعبانة، وده سبب تأخيرها.»


يوسف دخل وقال بابتسامة- «بتفهم والله يا حازم.»


بصوله، سلّم يوسف عليهم، وقال حازم:- «عامل إيه؟»

يوسف: «كويس... وانت؟»

حازم: «أنا كويس.»

بدران سأل:- «وعد فين؟»

يوسف رد - «وعد تعبانة... حاولت تنزل، حتى ماما حاولت معاها، بس هي مش قادرة. وكمان مكسوفة عشان شكلها... وحازم طبعًا ميشوفهاش وهي كده وحشة.»

الراجل ضحك وقال:- «البنات بتخاف من حاجات كده.»

يوسف ضاف:- «ودي وعد مش أي بنت... هي زعلانة إنها مش هتعرف تنزل، وقالتلي أعتذرلكم.»

حازم قال بلطف- «ألف سلامة عليها... أنا جاي لبدران بيه، مفيش داعي تضغط على نفسها.»

ابتسم بدران وقال:- «منور يا حازم.»

حازم رد: «بنورك... يلا يا بابا عشان اتأخرنا.»

أبوه قال: «ماشي يا حازم عن اذنك يبدران»

قاموا مشيو، بدران بص لرانيا ويوسف بنظرة ضيق مكتوم لحد ما بقوا لوحدهم.

قال بدران بحدة:

- «وعد فين؟»

رانيا ردت:- «في أوضتها.»

طلع بدران على أوضة وعد.فتح الباب ودخل، لقاها نايمة على السرير وبتكح. بصّ لها باستغراب

- «بابا...»

بدران: «مالك؟»

وعد: «تعبانة... يوسف مقلكش؟»

بدران: «طيب ما نزلتيش ليه يا وعد؟ انتي احرجتيني قدامهم. الزيارة دي ليكي إنتي، عشان تتعرفوا على بعض. بدل ما حجتك إنك متعرفهوش.»

قالت وعد بضعف- «أنا مقدرتش... بس.»

بدران هز راسه وقال:- «تمام يا وعد... ألف سلامة عليكي. بس المرة الجاية مش هيكون عندك حجة.»

بصتله وعد باستغراب وقالت:- «مرة جاية؟!»

قال: «أيوه.»


ردت بسرعة:- «بابا... أنا مش عايزة حازم.»


بدران قفل وشه قال- «مش عايزاه؟ يعني بترفضيه؟»


بصت وعد ليوسف اللي كان واقف عند الباب مستني ردها، وقالت بحسم:

- «أه... برفضه.»


بدران شد نفسه وقال:- «ليه؟ في حاجة تخليكي ترفضيه؟ لازم يكون في سبب.»


وعد :- «مش بحبه.»


:- «حب إيه وكلام تافه ده؟ مع الوقت هتحبيه... انتي اللي مدتيش نفسك فرصة.»


رانيا قالت - «أو يمكن في سبب تاني؟»


بصتلها وعد، والتفت بدران ناحيتها وقال - «سبب إيه؟!»


وعد:- «لا... مفيش حاجة.»


بدران - «أنا مش عايز أسمع الكلام ده دلوقتي... نكمل بكرة.»

خرج من الأوضة وسابهم في توتر.


---


في فيلا في منطقة هادئة ومميزة...

نزل علي من عربيته الفخمة، الحارس وقف باحترام وقال:

- «أهلا يا علي بيه.»


علي ما ردش، اكتفى بإيماءة بسيطة، وطلع بخطوات هادية تقيلة.

دي كانت فيلته الخاصة اللي عايش فيها... أما فيلا بدران، فكانت مجرد ضيافة، رغم إن بدران عارف كويس إن علي بيكره يعيش مع حد، وبيفضل وحدته.


دخل جوه، قعد على الكنبة الكبيرة، طلع الإزازة المعهودة وسكب لنفسه وشرب.

رن موبايله...

رد بصوته الغليظ:

- «عملت إيه؟»


مالك: «خرجت المدام منى من السجن... وهروح دلوقتي للمينا. بس تفتكر مش هيمنعوني؟»

علي: «لو حد اتكلم معاك... رن عليا.»

مالك: «تمام.»

قفل علي مع مالك، ورمى الموبايل على الترابيزة وهو بيحاول يريح دماغه شوية.

غصب عنه، صورة وعد طلعت قدام عينيه... نفس المشهد اللي بيطارده: وهي لابسة الفوطة، بملامحها اللي بتثيره.

فتح عينيه بقوة، وتدفقت الذكريات... افتكر قبّلته ليها، اللحظة اللي خطفت روحه قبل عقلُه.

المشاعر شدت قلبه من جديد، مسكت فيه كأنها بتعاقبه كل ما حاول ينساها.


رن تليفونه...

بص في الشاشة، لقى اسم بدران.

رد ببرود:

- «أيوة.»


صوت بدران جه غاضب:

- «فينك يا علي؟»

- «في البيت.»

- «بيتك؟! مجتش هنا ليه؟ مش قولتلك عايزك تشوف حازم؟»


شد علي حواجبه وقال بحدة:

- «حازم مين؟»

- «حازم... خطيب وعد!»


سكت علي لحظة، كأن الوقت وقف عند الكلمة.


بدران كمل بحدة:

- «أنت خرجت الست دي من الحبس!»

- «آه.»

- «إزاي تعمل كده؟!»

- «قولتلك... أمرها كله في إيدي.»

- «بس مش إنك تسامحها!»


صوت علي جمد:

- «أنا مسامحتهاش... أنا عارف بعمل إيه يا بدران.»


سكت بدران لحظة طويلة وقال:

- «لما ترجع... نتكلم يا علي.»


قفل علي الموبايل من غير كلمة، قام بخطوات تقيلة، وراح على أوضته... كأن قلبه نفسه عايز يهرب من اللي جواه.

رن تليفونه، تنهد علي بضيق وقال في نفسه: كان لازم أقفله من الأول.

بص على الشاشة، لقى المتصلة "وعد". استغرب: إزاي بتتصل؟ إزاي عندها الجرأة تكلمه بعد اللي حصل امبارح؟


رد عليها، لكن لقاها ساكتة كأنها مش عارفه تتكلم معاه

قال بهدوء:


"فيه حاجة يا وعد؟"


اتجمدت للحظة قبل ما ترد بصوت متردد:"انت هتيجي إمتى؟"


قال علي:"مش هروح الفيلا النهارده."


- ليه؟ طب إنت فين؟"


قال "مالك يا وعد؟"


وعد"عايزه أتكلم معاك في موضوع."


سكت علي، وافتكر امبارح... قراره إنه يبعد عنها بأي شكل فقال "لما أشوفك بكرة نتكلم."


اعترضت:"بس أنا ممكن أجي دلوقتي."


قال وهو عايز يقفل أي مجال: "نامي يا وعد... نأجل الموضوع لبعدين."


وقفل المكالمة. سكتت وعد ثواني وهي ماسكة التليفون بإيد مرتعشة، بعدين قررت تنزل.

لما وصلت تحت، شافت البواب وقالت له: "فين مالك؟"


رد البواب: "مالك... مساعد علي بيه؟"


قالت:"أيوه.فين هو"


قال لها:"خرج من الصبح ولسه مرجعش."


قالت وعد بسرعة: "طب رن له وخليه ييجي حالاً."


رد باحترام:"حاضر يا هانم."

--------


خرج علي من الحمام بعد ما خد دش، سمع صوت حركة برا. استغرب وقال للبواب:

"إيه الصوت ده؟ أنا قايل ممنوع حد يدخل."


خرج وهو بينشف شعره بالفوطة، واتصدم لما شاف وعد واقفة قدام الباب.

قال 

"وعد؟!"

بسرعة قالت:

"خليهم يسيبوني... رجالتك برا شكلهم يخوفوا برده."

التفت علي للبواب وقال بصرامة:"سيبها... ماسكها كده ليه؟"

رد البواب مرتبك:"والله ما قصد يا بيه."

سابها البواب، وعد بصتلها بنظرة انتصار وهي داخلة مع علي.

شدها علي من إيدها ودخلها البيت بسرعة، وهي تتألم وقالت:"على مهلك... إيدي بتوجعني."

التفت لها بعصبية وقال:"إيه اللي جابك هنا يا وعد؟"


ردت بجرأة:"جيت عشان أشوفك."


قربت منه خطوة، ونبرتها بقت مليانة أنوثة، ببرائه قالت

"عايزاك في موضوع... بينا."

رفع حاجبه بخبث قال:"موضوع... بينا؟!"

أومأت له إيجابًا.أشار لها تدخل جوه، وقعد هو على الكنبة قدامها وقال:


"قولي... إيه الموضوع؟"


تنهدت وعد وقالت:"بابا مضايق مني... وكمان العيلة كلها."


سألها علي "ليه؟"


قالت:"عشان حازم عرف إني مش متقبلاه."


رد : " رفضتيه."


قالت:"آه... لسه النهارده رفضته. بس بابا مضايق... بيقول إنه مفيهوش غلطة حسب كلامه."


بصّ لها علي قليلًا وقال : "طب... وانتي رفضتيه ليه يا وعد؟"


تنهدت وقالت بصدق: "مش بحبه."


مال برأسه ناحيتها وسألها بجدية:


"في حد في حياتك؟ صارحيني."


سكتت للحظة، ثم نفت برأسها بسرعة: "مفيش... بس أنا مش شايفة حازم."


رفع حاجبه باستغراب: "مش شايفاه إزاي يعني؟"


قالت بخجل وهي بتلعب في صوابعها: "هو حلو وكل حاجة... بس المشاعر أهم من شكله. أنا بحسه زي أخ... مش قادره أشوفه راجل أو أتخيل نفسي معاه."


سكت علي وهو بيتأملها، وعقله بيرجع يفتكر كلامها.

ظرت له وعد بعمق، وعينيها غاصت في عينيه لوهلة، قبل ما تنزلها بخجل وقالت مترددة:

"أنا كده عملت غلط؟"


اقترب منها علي وقال بهدوء مطمئن: "إنتي مضايقة عشان بدران؟"


أومأت وعد إيجابًا. علي قال 

"متقلقيش... هكلمه. محدش يقدر يجبرك على حاجة."


نظرت له بدهشة، وابتسامة صغيرة طلعت منها: "بجد؟"


مد إيده، مسك وشها برفق وخلاها تبص في عينه مباشرة:

"بجد."

ارتبكت وعد لما خلاها تبثله وعينهم تيجى ف عين بعض، اتكسفت أكتر لما حسّت بدقات قلبها بتتسارع مع قربه. علي هو كمان قلبه دق جامد وهو بيبص على ملامحها... ونزلت عينه من غير ما يقصد على شفايفها الوردية.

حست وعد باللحظة، واحمر وشها وقالت بخجل:"عمي..."

شدها علي ناحيته وخلاها تقعد جنبه، كأن المسافة بينهم خلاص مش موجودة.

بصتله وعد قليلا

قال على- عايزه تقولى اى

وعد - "لسه مش مصدقة إنك رجعت يا عمي... غيابك كان طويل."

سكت علي وهو بيتأملها، وقال بصوت واطي: "كنتى مستنياني أنا؟"

أومأت وعد بخجل، وردّت "فرحت قوي لما عرفت برجوعك."

على: "يمكن رجوعي يكون شؤم."

هزّت رأسها ونفت بابتسامة بريئه:

"بالعكس... بقيت أوسم لما رجعت. عارف... أنا بفكر فيك كرجل أكتر من حازم.

اتجمدت الكلمة على لسانها، وحست كأن الأرض انشقت وبلعتها.

علي بصّ لها بابتسامه من الى قالته وحط ايده تحت دقنه بنظره وسيمه جدا خلاها عايزه تجرى

عل. "يعني... لو كنت أنا حازم، كنتي هتتجوزيني؟"

عينيها اتقابلت مع عينيه للحظة، وفيها جواب صامت بيقول "ياريت".

قامت بسرعة من جنبه وقالت بصوت واطي ومتوتر:"لا... المشاعر دي غلط... لا ياوعد"

حسيت بيه وراها. قلبها بدأ يدق بقوة وهي شاعره بحرارة صدره قريب من ضهرها، وإيده اللي اتحطت على كتفها كأنه بيسيطر على كل ضعف جواها.

مس في ودنها بنبرة اخترقت قلبها:

"مجاوبتنيش."

وعد "على إيه؟"

قرب منها أكتر وهمس من جديد "بتشوفيني راجل؟"

سكتت وعد، مش قادرة ترد، وصوت أنفاسها اختلط بدقات قلبها، لفها ومسك دقنها وهو باصص فى عينها قال

"توافقي تتجوزيني؟"


الخامس 


قرب منها أكتر وهمس من جديد "بتشوفيني راجل؟"

سكتت وعد، مش قادرة ترد، وصوت أنفاسها اختلط بدقات قلبها، لفها ومسك دقنها وهو باصص فى عينها قال

"توافقي تتجوزيني؟"

بصّتله وعد في عينه ونبض قلبها أسرع، بعد عنها علي وقال بهدوء: 

"بهزر يا وعد… مالك؟"

حركت وعد شعرها لورا بارتباك، فقال علي: 

"يعني إنتي عايزة واحد شبهي؟"

ابتسمت وعد ابتسامة خفيفة وقالت: 

"معتقدش فيه حد شبهك."

رفع حاجبه باستغراب بسيط: 

"ليه؟"

قالت وعد بتلقائية: 

"معرفش… يمكن عشان إنت غريب… شخصيتك مختلفة شوية."

سكت علي وهو مركز معاها، ملامحها وصراحتها بتشدّه من غير ما يبين.

قالت وعد: 

"دي ميزة مش عيب."

ابتسم ابتسامه خافته وقال: 

"عارف… بس لو كان فيه مني اتنين، عائلات كانت هتتد.مر."

استغرب من كلامه، وقبل ما تسأل لقتُه بيطلع القنينة ويشرب منها.

قالت وعد باستغراب: 

"فيها إيه؟"

بص علي للأزازة وقال ببرود: 

"عصير."

قالت وعد بعدم تصديق: 

"عصير؟"

أومأ علي وهو سايبها في حيرتها، وبصّ عليها وسأل فجأة: 

"بدران عارف إنك جاية هنا في الوقت ده؟"

هزّت وعد راسها نفيًا وقالت: 

"لأ… أنا ضغطت على مالك لحد ما قاللي."

ضيق علي عينه وهو بيردد: 

"مالك؟… يعني هو اللي جابك هنا؟" 

قالت وعد 

"مش بالظبط… بس عرفت العنوان بالتفصيل منه."

اتكأ علي على الكنبة بإيده وسألها بهدوء غامض: 

"عملتي إيه يا وعد؟"

وعد قالت 

"قولت للحارس يتصل بيه ويقوله إن بابا بعتلك ملف مهم ولازم يجى عشان يوصلُهولك، بس مالك كان ف مشوار مهم، فقاله وصّلهولك إنت… فسأله ع عنوانك طبعًا، فمالك قاله.وانتِ ما سألتيش بدران بيه ليه؟ خلّيته يقول بدران بيه مشغول وقاللي أسلّمهولك إنت… عشان على طول في البيت. بس لو في حاجة، إديني العنوان بسرعة بدل التعطيل."

ابتسم علي ابتسامة صغيرة وهو شايفها بتتكلم زيهم وبتجسد له الموقف كأنها بتمثل مشهد، نظر ليها بتركيز وهي عايشة في تفاصيل كدبتها الصغيرة. 

كملت وعد كلامها وهي بتحرك إيدها: 

"ومالك إداله العنوان عشان مايحصلش مشكلة… وأنا اللي جيت."

سألها علي وهو بيمد إيده كأنه منتظر: 

"تمام… فين الملف؟"

سكتت وعد، عينيها وقعت في عينه وقالت بصوت أوطى: 

"منا جيتلك."

اتسعت ابتسامة علي الهادية وقال: 

"إنتي قولتي ملف."

ابتسمت وعد بخجل وقالت: 

"أنا أفضل من ملف شغل ملوش لازمة… صح ولا إيه يا ضرغامى؟" 

بيبصلها علي من الدلع الى ذكرته وكانت بتقولهوله زمان بمعنى انه اسدها القوى، ووعد همست جواها بيتوسل "ما تكسفنيش".

ابتسم علي ابتسامة خفيفة وقال: 

"ليه عملتي ده كله؟"

قالت وعد بخجل واضح: 

"كنت عايزه أتكلم معاك… وانت قولت إنك مش جاي، فقولت أجيلك أنا."

هز رأسه وقال بنبرة شبه ساخرة: 

"متغيرتيش يا وعد… لسه بترمي نفسك في الخ..طر."

قطّبت وعد جبينها وقالت باستغراب: 

"خط..ر إيه؟! أنا جيتلك إنت."

سكت علي للحظة، فهو قصد نفسه بالخ..طر عليها، مش أي حد تاني. 

قام من مكانه وقال وهو ماشي ناحية السلم: 

"هخلي حد من رجالي يوصلك… يلا، متتأخريش."

رفعت وعد عينيها وقالت برجاء طفولي: 

"ممكن… أقعد معاك النهارده؟ ونروح سوا بكرة؟"

تنهد علي ببطء وكأنه بيقاوم رغبة جواه، وقال وهو طالع على أوضته: 

"اسمعي الكلام يا وعد."

سكتت وعد، ونظراتها متعلقة في ظهره لحد ما دخل أوضته وقفل الباب.

نزلت وهي حاسة بكسر..ة جوه قلبها، خرجت قدام الفيلا لقيت واحد من رجالة علي واقف جنب العربية وقال بهدوء: 

"اتفضلي يا هانم." 

بصّت فوق ناحية شباك أوضته… لكن مفيش أثر ليه، كأنه انسحب من الدنيا.

اتنهدت وهي زعلانه إن علي ولا حتى ودّعها، اكتفى إنه كلّم السواق يروحها.

ركبت العربية ومشت، وقلبها شايل غصة إنه سابها تمشي كده.


وصلت وعد بيتها… البيت ساكت كعادته، محدش لاحظ إنها غابت، وده الطبيعي.

طلعت على أوضتها، قعدت على السرير والذكريات بدأت تلف في دماغها. 

افتكرت علي… عمرها ما حزنت منه، لأنه دايمًا كان كده: صامت، قليل الكلام، وجوده له هيبة مختلفة، وكاريزما عالية حسّتها حتى وهي طفلة صغيرة.

كانت كل مرة تشوفه واقف في صمت، تحس بدافع إنها تقرب وتوقف جنبه، لكنه كان ينسحب فجأة كأنه بيبعدها عنه من غير سبب. 

افتكرت أيام زمان لما كان بيتكلم مع كل عيلتها عادي، إلا هي… كان بيتجنب النظر ليها أو الحديث معاها، وهي في براءتها افتكرت إنها زعلته من حاجة، وظلت تتساءل لسنين: "هو ليه بيبعدني؟" 

وفاكرة يوم ما ارتكبت أغبى حماقة في حياتها… يوم تسللت لأوضته، مع إنها عارفة محدش يجرؤ يدخلها.

دخلت بخطوات بطيئة، قلبها بيدق بسرعة من رهبة المكان.

شافت محفظته مرمية على المكتب، مدّت إيدها بتردد… فتحتها، ولقت صورة لستة غريبة.

وقبل ما تلحق تشوف ملامحها كويس، الباب اتفتح فجأة. 

دخل علي، عيونه ثابتة عليها بنظرة قاسية، صوته طالع بحدة: 

"بتعملي إيه هنا؟" 

ارتبكت وعد ووقعت المحفظة من إيدها، ولما حاولت توطي تجيبها، نتشها علي بسرعة وهو بيقول بحدة:

– بتلمسي حاجتي ليه؟ 

اتجمدت مكانها، عينيها مليانة خو..ف ودموع بتلمع فيها، مش عارفة ترد بكلمة.

قال علي بصوت جامد:

– اخرجِي من هنا. 

شفايفها احمرت من الخجل، والدمعة نزلت وهي بتجري برّه الأوضة.

علي مسك المحفظة بقبضته، نظر حوالين الأوضة بتركيز، يتأكد إنها ما عبثتش في حاجة تانية، والضيق واضح في ملامحه. 

وعد قعدت طول الليل حزينة، حاسة إنها غلطت أكتر، وإن بدل ما تقرّبه منها زعلته أكتر. 

بعدها بكام يوم، وهي راجعة من المدرسة، شافته قاعد في الصالة.

وقفت عند الباب بتتأمله، بس أول ما بصلها بسرعة، رجعت وشها بسرعة كأنها خايفة من نظرته.

صوته ناداها فجأة:

– تعالي يا وعد.

دخلت بخطوات بطيئة، عينيها مترددة وهي بتبص له.

قال علي وهو ماسك نفسه من غير ما يوضح مشاعره:

– عايزة إيه؟

قالت وعد بصوت متردد:

– زعلان مني؟ 

رد علي بجمود وهو بيبعد نظره:

– متقربيش من أي حاجة تخصني… ولا حتى مني أنا. 

– يبقى زعلان مني. 

سكت علي من غير ما يرد، والصمت كان تقيل بينهم.

وعد نزلت شنطتها على الأرض وبدأت تفتح السوستة، ولما شافته بيقوم يسيبها، مدت إيدها بسرعة ومسكته من كفه. 

علي اتجمد مكانه، نظر لها بشدة كأنه عايز يبعدها، لكنه ما عملش كده.

إيدها الصغيرة الرقيقة رجّت قلبه الجامد، واللي طول عمره حاسس إنه ميت… فجأة حس بدفا مختلف، دفا عيلة وحنان وبساطة بريئة ما لمسهاش قبل كده. 

ولأول مرة من زمان، عينه اللي كانت بتتهرب منها، ثبتت عليها.

شافت وعد النظرة دي فابتسمت بخجل، وحمرة خفيفة طلعت على خدودها وهي بتحط مصاصة في إيده. 

همست بابتسامة طفولية:

– دي عشانك. 

فضلت تبصله في انتظار رد، قلبها بيرتعش.

علي بصلها وبص لتوفي اللي كان قاعد جنبهم، وبعدين رجع ببصره لها. 

وعد سحبت إيدها بسرعة من إحراج، لكنها اتفاجئت إنه مسكها تاني… المرة دي برفق، ونزل على ركبته قدامها.

رفع راسه ونظر لها وقال بصوت هادي:

– شكراً. 

اتسعت ابتسامتها أكتر، وردت بخجل:

– العفو.

وقتها، علي ابتسم ابتسامة خفيفة… ابتسامة بسيطة لكنها قادرة تفضل محفورة في قلب وعد لحد النهارده. ابتسامة حسّت بيها إنها مش أول مرة يتكلموا، بل كأنه يعرفها من زمان… كأنها بنته. يمكن لأن حقيقة إنها ابنة أخوه زرعت جواه المشاعر دي من غير ما يقصد. 

من اليوم ده، كان أول حديث حقيقي بينهم… وبعده، مابقاش في نفور زي الأول. علي بقى يكلمها عادي، من غير ما يصدها، بس برضه ماكانش قريب. هو بطبعه مشغول وصامت، وهي بطبعها بتحب تلح وتفضل موجودة… تقترب بخجل، تحاول تسرق منه لحظة أو كلمة. كانت بتحب تقعد معاه حتى لو هو مشغول أو مش مركز معاها. 

لحد ما جه اليوم اللي والدها خلاه يسافر عشان الشغل.

لسه فاكرة اللحظة دي كأنها دلوقتي. 

كانت واقفة عند الباب، تراقب الحارس وهو بيحط شنطته في العربية. قلبها بيدق بسرعة وهي مستنية… يمكن يلف ويبصلها، يمكن يقول كلمة. لكنه ما التفتش. 

جمعت شجاعتها، جريت ناحيته وقالت بخفوت:

– عمي… 

التفت علي ليها، نظرها باستغراب هادي:

– مروحتش المدرسة؟ 

ابتسمت بخجل وقالت:

– هترجع إمتى؟ 

رد بكلمة واحدة كسرت قلبها:

– معرفش. 

قالت وعد بصوت مليان رجاء:

– هتيجي بسرعة، صح؟ 

بص لها علي بعينه الغامضة وقال بهدوء:

– لما أرجع… هكون شخص تاني. 

مافهمتش قصده، لكن عينيها اتكلمت بالنيابة عنها: "هفتقدك." 

فاجأها لما مد إيده، وقطف وردة صغيرة من جنب العربية. مدها لها، ولما استقبلتها عينها لمعت وهي شايفاه أخيرًا بيعمل حاجة علشانها. 

قال علي بابتسامة خفيفة:

– مع السلامة يا وعد. 

ابتسمت من قلبها، خدت الوردة بفرحة طفولية، وباندفاع حضنته:

– متتأخرش… 

سكت علي، ماقالش حاجة… بس ربت على كتفها بحنان. وكان ده آخر عناق بينهم. آخر لمسة فضلت محفورة جواها لحد النهارده. 

كبرت وعد، بقت شابة، ولسه نفسها تحس بالأمان ده تاني… تحس إنه يتقرب منها زي زمان، يكلمها ويشاركها زي ما كانت بتتمنى. هي عارفة… علي من النوع اللي آخر ما يزهق بيدي اللي قدامه اللي هو عايزه، وبيتكلم لما هو يختار. 

رجعت من الذكريات على واقعها، قامت بهدوء فتحت كتاب من الكتب القديمة. لقت الوردة… نفس الوردة اللي علي اداها لها يوم سفره. لحد دلوقتي محتفظة بيها. 

ابتسمت وهي تبص عليها، ورفعت تليفونها صورتها، وقالت في سرها:

"هوريهاله… يمكن يفتكر."


تمدّد علي على السرير، مغمض عينه، لكن وش وعد كان لسه قدامه… ضحكتها، نظرتها، وكلامها اللي فضّل يتردّد في ودانه. الإعجاب اللي شافته في عينيها كان واضح… واضح لدرجة إنه حسّ بيه كأنه فرحة طفولية، وفي نفس اللحظة عقاب ليها إنها كشفت اللي جواها.

سأل نفسه في صمت: هي فعلاً شايفاني راجل ممكن يبقى حبيبها؟ 

قطع شروده صوت إشعار. مد إيده وفتح الموبايل، لقى رسالة منها. صورة كتاب، لكن مش العنوان هو اللي شدّه… كانت صورة وردة محطوطة جواه.

تحتها كاتبة: لسه فاكرها؟ 

بص للشاشة بثبات، قلبه اتخبط لحظة. مش مصدق إنها محتفظة بوردة بسيطة من الجنينة كل السنين دي. وردة هو نفسه نسيها… لكنها شايفاه ذكرى. 

رجع بعقله لأول يوم شافها فيه. كان بطبيعته الصامتة، قليل الكلام، متجنّب الاختلاط بأغلب العيلة. الوحيد اللي كان قريب منه فعلًا هو بدران، أخوه بالمعنى الحرفي… كأنه ظلّه.

أول مرة دخل علي البيت… عيناه كانت بتراقب كل ركن فيه بريبة. لكن قبل ما يخطو للداخل، لمحه توقّف.

كانت هناك… طفلة صغيرة، بالكاد في السادسة. شعرها خفيف يتطاير، عيونها لامعة بالبراءة. في يدها زهرة، وعلى بتلاتها فراشة صغيرة.

قامت تقفز وحدها في الحديقة، تحاول تمسك الفراشة بكلتي يديها. كانت وحيدة، ومع ذلك وجهها مليان ضحك طفولي مشاكس… كأنها قادرة تخلق عالمها بنفسها، حتى لو محدش شايفها. 

علي وقف متسمّر. طفلة مش شبه البيت اللي داخل له… ملامحها مختلفة، ناعمة وبريئة، وكأنها ما تنتميّش للفوضى والبرد اللي جواه. 

لكن اللي زاد ارتباكه… إنها فكّرته بوجه تاني. شخص يحاول يهرب منه من سنين، ومع ذلك طيفه مسيطر على قلبه وعقله.

وعد… الطفلة دي مش مجرد طفلة.


في الليل، البيت كله هادي… بس عناد السكون كان بيخنق.

علي قاعد في سريره، عينه مفتحة، بيبص للسقف كأنه شايف حاجة محدش غيره يقدر يشوفها. النوم بالنسبة له بقا حلم صعب المنال.

فجأة سمع صوت رقيق، طفولي:مش عارف تنام؟


اتصدم، التفت بسرعة للصوت، لقى وعد واقفة جنبه على السرير.

قال بدهشة:


دخلتي إمتى؟


ابتسمت بخفة وقالت:


من شوية… الباب كان مفتوح. أنا مدخلتش من غير ما أخبط.


كأنها بتبرر نفسها عشان ميضايقش منها.

جلس علي على حافة السرير، قال وهو مركز معاها:


بتعملي إيه هنا؟


جلست جنبه وقالت ببراءة:


أنا كمان مش عارفة أنام… بس مش زيك، إنت أصلاً ما بتنامش كل يوم.


رفع نظره لها بحدة وقال:


بترقبيني يا وعد؟


أومات برأسها بخجل، وقربت منه أكتر، مدّت إيديها ومسكت وشه بين كفيها الصغيرة، وقالت بابتسامة هادية:


يلا… هساعدك تنام. غمّض عينيك.


علي اتجمد من تصرفها، صوته خرج جاف:


اخرجي يا وعد.


لكنها تجاهلت كلامه، وبدل ما تقوم… استلقت جنبه على السرير.

تنهد علي بعمق، وكأنها كسرت كل الحدود اللي هو نفسه حاططها.

وقبل ما يلحق يبعدها، لقاها بتحضنه من غير خوف… وكأنها الطفلة اللي جواه مش هي.


همست بصوت مكسور:


تعرف… إن نفسي بابا يحضني؟

سكت علي وما ردش… حضنها دافئ، دافي لدرجة إنه دفّا قلبه البارد اللي اتعود على القسوة والجفاء.


غمض عينه وهو حاسس بحاجة غريبة بتتسرب جواه… وخرج صوته بنبرة شجن تقطر حزن:


وحشتيني.


وعد استغربت الكلمة، عينيها اتسعت، لكن ابتسامة صغيرة ظهرت على شفايفها… هي بتحبه، فصدقته على طول إنه بيكلمها هي.


وعلى عكس كل لياليه السابقة… علي نام.

نام بجد، غصب عنه، وهو مش عارف إن الاختلاف اللي عملته وعد كان كبير لدرجة إنه اخترق كل حصونه.



لما فتح عينه بعد نوم طويل، أول حاجة حسها كانت لمسة خفيفة في شعره.

فتح عينه ببطء… شاف أصابع وعد بتلعب بخصلاته، وبعينها الطفولية البريئة كانت بتلمس أنفه وملامحه بعبث بريء.


ولما شافها… ارتسمت ابتسامة على وشها، وعيونها اتضيقت بفرحة صافية:


نمت كتير.


في اللحظة دي، دخل صوت الخادمة من بعيد:


آنسة وعد… المدرسة.


انتفضت وعد، قامت بسرعة وهي بتضحك بخفة، ولوحت لعلي بإيدها بابتسامة صغيرة قبل ما تخرج.


تركته… لكن مش زي كل مرة.

سيبت وراها أثر جوا قلبه… أثر أشبه بحريقة كبيرة بتاكل في صلابته.


غمغم علي بصوت خافت، وكأنه بيحكي لنفسه:… تشبهك.


وصل مالك للميناء، نزل من عربيته ولاقى الحراس واقفين على البوابة.

راح باتجاههم، واحد منهم وقف قدامه:

– "رايح فين؟" 

رد مالك بثقة:

– "عندي أمر من علي بيه." 

الحارس ضحك بسخرية:

– "علي بيه؟! المالك هنا بدران باشا… والمنطقة دي محظورة. اتفضل ارجع." 

مالك شد نفسه وقال بهدوء حاد:

– "هاتلي حد مسؤول قبل ما تخسر شغلك. علي بيه أخو بدران، وبلاش تعمل مشكلة لنفسك. أنا عايز واحد من عمال السفن، هتكلم معاه دقيقة وامشي." 

الحارس التاني تدخّل:

– "عايز منه إيه؟" 

– "شغل يخصني، مالكش دعوة." 

الراجل الأول شد نبرته:

– "أي حد يدخل هنا لازم بإذن من بدران باشا شخصياً." 

قال مالك وهو بيطلع تليفونه:

– "هكلم علي بيه حالاً…" 

لكن الحارس قاطعه بحدّة:

– "بقولك الأوامر من بدران باشا، ارجع أحسنلك… وإلا هنبلغ الشرطة دلوقتي." 

سكت مالك لحظة، عينه فيها غضب مكتوم. لف من غير كلمة، ومشي باتجاه عربيته.

وقبل ما يركب بص عليهم من بعيد وهو بيقول في سره:

"الموضوع أكبر فعلاً… زي ما علي توقّع."

في شركة كبيرة فخمة بتصميم هندسي مبهر، كان الموظفين قاعدين في مكاتبهم في حالة توتر واضح. العيون بتتبادل النظرات القلقة، والهمسات شغّالة بينهم. 

قالت واحدة وهي بتبص ناحية المكتب الرئيسي:

– "ده أخو بدران بيه… اللي ماسك فروع أمريكا." 

زميلتها ردت بسرعة وهي لسه متأثرة من المشهد:

– "آه، مشفتيش دخوله؟ خلانا كلنا نقف مشدودين، وابتدى يراجع الشغل ورقة ورقة… كأنه بيدوّر على أي غلطة." 

موظف تالت قال وهو مهزوز:

– "ربنا يستر… شكل نسبة الطرد النهارده هتكون كبيرة." 

سأله واحد جنبه:

– "بس ليه بدران بيه ماجاش بنفسه؟ أو على الأقل قالنا؟" 

رد عليه الموظف بنبرة عارف:

– "أنا سمعت من أستاذة نادين إن الشركة هتتراجع من الرئيس الأساسي، بس محددوش إمتى. كنا فاكرينها كلمة تهويش، تصحي الموظفين شوية. لكن واضح إنهم جابوا رئيس الفروع بنفسه… واللي رجّعوه من بره بعد ما سفّروه، عشان شايفينه مش كفؤ!" 

سكتوا لحظة، وكل واحد فيهم قلبه بيتخبط… الجو بقى أثقل، والخوف بقى واضح أكتر من أي وقت.

دخل المدير عمرو، راجل فى الأربعين، وبص للموظفين المستنيين واقفين حوالين المكاتب:

– "انتو واقفين كده ليه؟" 

ردت واحدة منهم مترددة:

– "أستاذ عمرو… الرئيس جه، وهو دلوقتي جوه مع الرؤساء." 

عمرو اتجمد مكانه وقال بعصبية:

– "رئيس مين؟! وأنا أبقى إيه هنا؟ أنا المدير… إزاي حد يدخل من غير ما يبلغني ويتكلم مع موظفيني كمان؟!" 

صوته علا، والموظفين اتسمروا مكانهم مرعوبين. فجأة الباب اتفتح وخرج علي بخطوات هادية وواثقة. 

عمرو شدد صوته أكتر وهو بيحاول يسيطر:

– "أي حاجة تتعمل هنا تبقى بأمري أنا… فاهمين؟!" 

جملة ما خلصتش، إلا وصوت غاضب قطع الجو:

– "إنت بترفع صوتك ليـــــه؟!" 

الصوت جه من ورا عمرو، ولما لف… عينه وقعت على علي. اتجمد مكانه، اتسعت عيناه بدهشة ورعب، ولسانه اتلخبط:

– "ع… عـلي بيه؟!" 

الموظفين كلهم بصّوا لمديرهم اللي ارتبك فجأة، والجو بقى مليان رهبة. 

عمرو حاول يدارى ارتباكه، وبص للي حواليه وقال بصوت واطي:

– "ليه مقلتوش إنه أخو بدران بيه؟! يا متخلفين!" 

رد موظف مرتبك:

– "حاولنا نقول لحضرتك بس…"

– "بس! اخرس!" 

التفت بسرعة لعلي، وانحنى باحترام ظاهر:

– "أنا ماكنتش أعرف حضرتك، يا علي بيه… اعذر جهلي." 

علي وقف قدامه بثبات ونظرة حادة:

– "صوتك مايعلاش تاني. دي شركة… مش زريبة. وكلامك بيعكس صورتنا. فهمت؟" 

أومأ له عمرو وقال:

– حاضر يا علي بيه… 

قال علي وهو بيبصله بصرامة:

– يلا يا "مدير"، تعالى وريني مسؤوليتك من الشغل إلى هنا 

ارتبك عمرو، والموظفين حاولوا يكتموا ضحكتهم، لكن بسرعة اتلموا لما شافوا علي داخل المكتب وهو وراه في رهبة واضحة.


 

في نفس الوقت، نزل يوسف من عربيته قدام الشركة. قرب منه الأمن بابتسامة:

– أهلاً يوسف بيه. 

رمى له يوسف المفتاح وهو ماشي، لكن وقّف لحظة لما عينه وقعت على عربية مألوفة قدامه. اتعجب شوية، بس كمل طالع الشركة. 

دخل لقى الموظفين قاعدين على مكاتبهم في حالة توتر غريب، كله مركز في شغله، والجو فيه رهبة غير عادية.

فتح باب مكتب عمرو، لقى الراجل قاعد وسط كومة ملفات، بيقلب في أوراق باين عليه مرتبك. 

قال يوسف بحدة:

– إيه اللي بيحصل هنا؟ 

رفع عمرو راسه بخضة:

– يوسف بيه! حضرتك جيت إمتى؟ 

كرر يوسف السؤال بصرامة:

– سألتك… إيه اللي بيحصل؟ 

تنهد عمرو وقال بصوت واطي كأنه بيستغيث:

– أنقذني يا استاذ يوسف… علي بيه طالب مني أعيد صياغة كل الملفات والعقود على برنامج جديد هو اللي اختاره! 

يوسف بدهشة:

– علي هنا؟ 

بلع عمرو ريقه وقال بخوف:

– أيوة… لو بدران بيه عرف، هيولّع فيّ. وأنا بصراحة… مش قادر أواجهه. 

مشي يوسف وساب عمرو، وراح على المكتب الأساسي.

كان علي قاعد قدام اللابتوب، مركز على الشاشة. 

فتح يوسف الباب ودخل بخطوة واثقة:

– عمي هنا بنفسه… مش كنت تعرفني عشان أستقبلك صح؟ 

رفع علي عينه ليه وقال بهدوء فيه حدة:

– مش محتاج استقبال يا يوسف… أنا جاي شركتي. 

ابتسم ابتسامة ساخرة وأردف:

– وبعدين، مش ف باب تخبط قبل ما تدخل؟ 

يوسف قال– إيه القلق اللي عاملتهه في الشركة؟ وبرنامج إيه اللي انت حاطه؟ 

قال علي – ده نظام جديد. 

يوسف هز راسه وقال:

– بس كده هتحط الناس دي تحت ضغط… كلهم شغالين برعب. 

رد علي بهدوء بارد:

– مش أحسن ما يكونوا قاعدين مستريحين ومفيش حد عارف يمشي الدنيا هنا؟ 

يوسف ضيّق عينه وقال:

– بابا عارف باللي بتعمله؟ 

ابتسم علي ابتسامة جانبية وقال بسخرية:

– ملكش دعوة ببدران… زي ما مشيت الدنيا بره من غير ما يشيل هم، همشيها هنا. 

يوسف سجت، وكأن علي بيقوله إن أبوه من غيره ولا حاجة. 

وفجأة دخلت نادين، بصوت مرح:

– هاي يوسف! 

مشي يوسف وساب المكتب،

نادين استغربت وسألت:

– ماله؟ 

بصلها علي وهو بيركز تاني في اللاب:

– معادك إمتى يا نادين؟ 

ابتسمت وقربت منه بخطوات هادية:

– اتأخرت 5 دقايق… أنا عارفة. 

وقفت جنبه وقالت بنبرة خفيفة:

– بلاش تعاملني زي الموظفين… أنا فرحت إنك هنا. 

رد علي ببرود محسوب:

– علاقتنا الشخصية برا الشغل. 

ابتسمت نادين ابتسامة صغيرة:

– حاضر… في تعليق تاني؟ 

– لا. 

سكتت لحظة، بعدين غيرت الموضوع:

– بخصوص الشغل… تحب أجيبلك تفاصيل العقود الجديدة يا مستر علي؟ 

– الإيميل. 

– ماله الإيميل؟ 

– سجليه ع اللاب عندي. 

أومأت بابتسامة وهي تكتب:

– حاضر. 

… 

على الطريق، بدران كان سايق عربيته ومسك الموبايل على السماعة:

– يعني علي في الشركة؟ 

يوسف رد وهو متضايق:

– آه يا بابا… طالب نحط برنامج جديد، وده هيشتت الموظفين وانت عارف. 

سكت بدران لحظة وبنبرة حازمة قال:

– ماعرفتوش كده ليه؟ 

يوسف – قولتله يا بابا… بس هو في دماغه إن أي حاجة بيعملها صح. ساعات بحسه مبرمج، ماشي على خطة أو مسار مش هيخرج منه. 

بدران رد بحدة هادية:

– خلاص… أنا هكلمه بنفسي. 

قفل الخط، وتنهد يوسف وهو ماسك تليفونه. فجأة لقى اتصال جديد، اسم سهير منوّر على الشاشة.

– ألو؟ 

قالت سهير بصوت ناعم:

– هتيجي النهارده يا حبيبي؟ 

– هحاول… عندي ضغط شغل كتير في الشركة. 

ابتسمت سهير بنبرة أنوثة واضحة:

– يبقى هستناك. 

… 

في مكتب علي، كان قاعد قدام اللاب توب بيراجع ملفات. رن تليفونه، شاف اسم بدران. رفع السماعة:

– ألو… يا بدران، فينك؟ 

جاء صوت بدران من الطرف التاني:

– أنا عندي شغل في المخزن… إنت في الشركة مش كده؟ 

ابتسم علي وقال:

– طالما اتصلت، يبقى أكيد عارف إني في الشركة. قول بقى… اتصلت ليه؟ 

قال بدران:

– تمام يا علي، انت عارف إن الشركة ماشيه بسيستم. لما تيجي وتقولهم يلغوا كل ده ويبدأوا بسيستم جديدة، ده هيكون له أثر رجعي سلبي… فـ الغي قرارك ليهم. 

قاطعه علي:

– السيستم اللي انت حاطه بايظ يا بدران. في عقود غير مكتملة لدرجة إن شركات بدأت تلغي عقودها معانا. متنساش إني شريكك، ومصلحة الشركة هنا أو في أمريكا تهمني. أنا حطيت نظام جديد يمشوا عليه، ولو عندك نظام محكم في دماغك ممكن نتناقش فيه مع الموظفين. 

سكت بدران لحظة، ثم قال:

– علي… فهمتني. 

رد علي بصرامة:

– فهمتني يا بدران؟ 

قال بدران بصوت أثقل:

– إنت شوفت حاجة تقلقك؟ 

قال علي:

– اللي اسمه عمرو… كان قاعدلك على مكتب، مسمي نفسه مدير، ومخلي الموظفين يشتغلوا وهو قايم بدور صاحب الشركة. 

تنهد بدران وقال:

– اعمل اللي انت شايفه صح. وبلغ يوسف بالبرنامج بتاعك عشان يفهمك أكتر. 

… 

أنهى علي المكالمة، لكن ملامح وجهه انقلبت مية درجة. لم يعد هذا الوجه هو وجه علي… ابتسامته صارت خشبية، وشفاهه متخشبة. وقف قدام المرآة يحدق في انعكاسه، كأنه بيأكد لنفسه مينساش هو مين بالظبط.

الهرج والمرج… انفصام.

والحقيقة… انفصام آخر.


في المساء، كانت وعد قاعدة في أوضتها بتذاكر. فجأة سمعت صوت عربية واقفة تحت. قامت بسرعة وبصّت من البلكونة… ابتسمت أول ما شافت عربية علي. 

دخل علي أوضته وهو لسه بيقفل الباب، لكن تفاجئ بوعد داخلة وراه. وقف لحظة يبصلها باستغراب.

قالت وعد بلهفة:

– كنت فين كل ده؟ 

قال علي بهدوء:

– في الشركة… وانتي؟ مروحتش كليتك النهارده؟ 

قالت وعد بخجل:

– روحت… وجيت على أمل إنك تكون رجعت هنا. 

ابتسم علي من كلامها وقال:

– عايزة تقولي حاجة؟ 

هزّت راسها نافية، لكن عينها فضلت معلقة بيه. وهو من غير ما يطوّل، بدأ يفك أزرار قميصه. 

قالت بسرعة:

– بتعمل إيه؟ 

قال علي ببساطة:

– بغير هدومي. 

قالت وعد متوترة:

– استنى… لما أخرج. 

لكنه ما اهتمش لوقوفها. فتح دولابه وأخد طقم هدوم. نظرت وعد بارتباك ناحية بنطلونه

– إيه ده…

قربت وعد من مسدسه. في لحظة، مسك علي إيديها الاتنين بيده الواحدة، رفعها فوق، وثبّتها على الحيطة بقوة. 

بصّت له وعد بعناد وقالت:

– في حاجة يا عمي؟ 

نظر علي في عينيها مباشرة وقال بصوت هادي لكنه حاد:

– هافضل أقولك لحد إمتى… متحطيش نفسك في الخط.ر. 

قالت وعد وهي تحاول تبرر:

– أنا مش بشوفك خ.طر… ولا قصدي إني لمستك. أنا… مكنتش أقصد حاجة. 

قرب منها علي أكتر، عروقه ظاهرة وملامحه مشدودة بشكل يخوف… كأن الخطر بيقرب فعلًا. قال بصوت واطي وهو بيناديها:

– وعد… 

ردت هي مترددة:

– نعم؟ 

قال علي بصعوبة:

– أنا… بحاول. ومحاولاتي هتقف هنا. 

ما فهمتش قصده، وملامحها ارتبكت. مد إيده القوية ولمس رقبتها، جسدها اتخدر بين دراعاته وماقدرتش تتحرك. 

وفجأة… اتفتح الباب. دخل مالك. 

بصّت وعد بسرعة لمالك، بينما علي سابها بهدوء وخد خطوتين لورا. 

كانت وعد لسه مرتبكة، ومالك واقف بيشوف المنظر. قال بهدوء كأنه متحير:

– أجيلك وقت تاني؟ 

رد علي بحزم وهو مش باصص غير لوعد:

– لا… امشي يا وعد دلوقتي. 

أومأت وعد بخفة وخرجت من الأوضة تحت نظرات مالك اللي كانت بترقبها لحد ما اختفت.

قال علي بجدية:

– تعالى يا مالك. 

دخل مالك وقفل الباب وراه، وبص لعلي وهو بيتنهد بعمق.

قال مالك:

– إنت كويس؟ 

رد علي بنبرة ضعيفة مش معتادها:

– لو فضلت كده… مش هكون كويس. 

– حصل حاجة؟ 

علي تنهد وقال بصراحة لأول مرة:

– مشاعري بتتحرك… وأنا طول عمري مفكرتش في واحدة. 

– وعد قصدك؟! 

بص له علي لانه عرفها،، قال مالك

– وعد… هي اللي مأثرة عليك كده؟ 

علي حرك راسه بإقرار، وأضاف وهو متضايق من نفسه:

– بغلط في نفسي كتير… بس بييجي وقت بستسلم. 

حاول مالك يغير مسار الكلام بسرعة وقال:

– لو عايز واحدة… إنت عارف إنك تقدر تتصرف. 

علي بصله بنظرة غضب مكتوم. فهم مالك قصده وقال بجدية:

– بس وعد مستحيل. أي واحدة من بره، وأنهي الموضوع… لكن بلاش تخاطر يا علي. 

سكت علي… لأنه عارف إن مفيش واحدة بتأثر عليه غيرها. مسح وشه بكفه كأنه بيرجع لطبيعته وقال:

– عملت إيه يا مالك؟ 

رد مالك وهو فاكر السبب الأصلي لزيارته:

– هو ده اللي أنا جيتلك عشانه. منعوني أدخل هناك. 

علي عقد حواجبه:

– منعوك إزاي؟!… ومتصلتش عليا ليه زي ما قولتلك؟ 

قال مالك:

– لسه كنت هخليك تكلمهم، مسمعوليش وزعقوا إني أمشي. قولتلهم هاتوا حد قديم… بس باين إنهم محرصين أوي، والموضوع شكله أمر من بدران نفسه وبس. 

قام علي، خد قميصه وهو بيبدل بسرعة.

بص له مالك باستغراب وقال:

– رايح فين؟ 

قال علي وهو بيلبس:

– هروحلهم. 

اتسعت عينين مالك وقال:

– إنت بتهزر صح؟ ده طريق سفر. 

رد علي بنبرة حادة:

– إنت مش مدرك ليه الموضوع يهمني. 

مشي علي وخد تليفونه ومفتاح عربيته. مالك ما استناش، تبعه بسرعة ولما لقاه لسه بيركن العربية ركب جنبه. علي ما قالش ولا كلمة، بس من ملامحه باين إنه مستعجل، وانطلق بيهم.


في شقة المعادي، الأجواء كانت خافتة، أنوار ملونة بتدي إحساس كأنه ديسكو صامت.يوسف دخل، لقى حد بيحضنه من وراه، وصوتها الناعم قال: 

• اتأخرت ليه؟ 

التفت بسرعة، شاف سهير واقفة قدامه بفستانها المغري، ابتسامتها كلها إغراء.

قال وهو بيلمس دقنها: 

• خلصت شغل… وجيتلك. 

ضحكت بخفة وقالت: 

• انت وحشتني أوي يا يوسف. 

رد بابتسامة: 

• وإنتي كمان… أنا بجيلك هربان من كل حاجة، حتى من نفسي. 

مسكت إيده، قبلتها بابتسامة صافية وقالت: 

• بحبك. 

نظر لها يوسف لحظة طويلة وقال: 

• مخرجتيش النهارده؟ 

ردت وهي بتعدل شعرها: 

• لا… لما رجعت امبارح فضلت هنا. 

قال باستغراب: 

• حصل حاجة؟ 

قالت بصوت متردد: 

• ساعات بحس إني متراقبة. 

استغرب يوسف: 

• إزاي؟ 

تنهدت وقالت: 

• مش عارفة… كأني في حد ماشي ورايا، سواء في الكباريه أو حتى في الشارع. إنت عارف إني بتجنب أتعامل مع أي حد. 

قال يوسف وهو بيمسك إيدها: 

• إنتي متأكدة؟ 

سكتت لحظة، وبعدين همست: 

• ممكن أكون بتوهم. 

قرب منها يوسف وقال بحزم: 

• سهير… 

قطعت كلامه بابتسامة صغيرة: 

• متقلقش عليا… إنت عارف إني مبخافش. من ساعة ما دخلت حياتي وأنا مش بخاف. 

حضنته بقوة وقالت: 

• بلاش حاجات ملهاش لازمة تضايقنا. 

شدها يوسف أكتر في حضنه بتملك و.. 

--- 

بدران لسا كان راجع من بره قابلته رانيا وهى ترتدي روب ستان رقيق، قالت 

-على رجع بدرى عنك

قال بدران-- قالولى إنه خرج تانى

قالت رانيا - مش بيعقد ف البيت كتير بحسه عنده حاحه مهمه ميعرفهاش حد غيره

مش بيرد عليها بتقلعه الجاكت الى لابسه قالت بابتسامه

- تعبان اكيد من الشغل صح

قال بدران- يوسف فين ووعد

قالت رانيا - يوسف مرجعش ووعد نايمه فى اوضتها

قام بدران بصيتله باستغراب قالت - رايح فين

مردش عليها راح أوضة وعد شافها بالفعل نايمه، كان قليل لما بيشوفها قرب منها شاف ملامحها كل ما تكبر كل ما ملامحها تبعد عم إنها تكون شبه كأنها قطعه بريئه منه، بيشوف كتباها مفتوح راح قفله بس لقى ورده متحنطه فيه استغرب بدران وبص لبنته النائمه، منين الورده دى وهل غاليه ع  بنته عشان تحطها فى كتاب وتكون فتحاه ونايمه جنبه كده


كانت رجالة واقفة على بوابة ضخمة في نفس المكان اللي جه علي منه قبل كده.

وقف بالعربية، نزل بخطوات ثابتة. مالك بصله وقال بقلق:

— هتعمل إيه يا علي؟ 

لكن علي ما ردش، كمل في طريقه متقدّم من غير أي رهبة.

الحراس وقفوا مستغربين، واحد فيهم قال:

— إنت تاني؟ 

قرب علي أكتر، مسك واحد منهم من هدومه بقوة وقال بصوت غاضب:

— مين اللي منع مالك إنه يدخل ويشوف شغله؟ 

الراجل اتوتر وقال بعناد متكلف:

— إنت إزاي تمسكني كده؟! 

صرخ علي في وشه:

— افتح البوابة حالًا… لو مش عايز تخسر شغلك النهارده قبل بُكره. 

الحارس التاني اتدخل وقال بشك:

— إنت مين أصلًا عشان تتكلم كده؟ 

علي شد نفسه أكتر، عروقه بارزة من الغضب، وقال وهو بيزقهم بعنف:

— أنا علي بيه… ولو متعرفنيش، هتتعرف عليا لما أطردكم أول ناس من هنا! 

الرجالة اتبدلت نظراتهم من عناد لخوف حقيقي، واحد فيهم بص لزميله مرتبك:

— ده… ده علي بيه. 

على طول فتح واحد اللاسلكي وهو مرعوب:

— في إذن… نفتح البوابة لشخص اسمه علي. 

لحظة صمت اتبدلت بعيون متسعة من الرعب لما عرفوا مين واقف قدامهم.

قال الراجل المرتبك وهو بيبعد:

— آسف يا علي بيه… والله ما كنت أعرف حضرتك. 

علي زعق فيه بنفاد صبر:

— انجززززز! 

فتحوا البوابة بسرعة وهم بيتهامسوا بخوف، وعلي دخل بخطوات تقيلة كأن المكان كله بيتأهب لوجوده.

دخل على قابله راجل كبير في المكتب. 

الرجل الكبير استقبلَه متصنّعًا:

— علي بيه… أهلاً وسهلاً. معرفش إن في زيارة من حضرتك في الوقت ده. 

رد علي بحزم:

— فين العمال؟ 

الراجل تلعثم:

— أنت عارف… العمال دلوقتي مريحين و… 

قاطعه علي بحدة:

— أنا عارف إن مفيش راحة في الشغل. في ناس بتخلص وناس تستلم. أنا عايز مين؟ 

قال علي بصرامة:

— عايز كل العمال اللي كانوا هنا من سنتين فاتت. لازم يحضروا حالًا. 

الراجل حوَّل وجهه مترددًا:

— عمال مين بالظبط؟ بتوع الفنّاير ولا التعبئة ولا…؟ 

رد علي بلا تردد:

— عمال حمل السفن — دول اللي أنا عايزهم. 

حاول الرجل يتهرّب:

— بس يا علي بيه… مفيش حد منهم هنا. ناس استقالوا واتنقلوا. 

سُمِع صوت شاب من آخر القاعة:

— أنا كنت موجود!


التفت علي وشاف شاب لابس زي عمال السفن — علي عرفه. الرجل الكبير اتجه له بغضب وتهديد:

— ده سيف! لسه شغال؟ اوعد انى هعاقبه على الكذبة دي.


رد سيف بثبات:

— أنا مش بكدب.


المشهد وقف للحظة على نبرة التحدّي في صوت سيف وانتظار رد علي.


قال الرجل الكبير بصوت غاضب:

— اسكت خالص! ده علي بيه، مش فاضي يضيّع وقته. وبعدين إنت مكنتش هنا من سنتين!


سيف ثبت مكانه وقال بثقة:

— أنا عارف البيه بيدوَّر على إيه… وأنا هقدر أساعده.


سكت لحظة، وقبل ما الراجل يزقه ويمشيه، علي رفع إيده وقاطعه:

— كنت هنا من سنتين؟


رد سيف وهو واقف قدامه من غير خوف:

— آه.


علي ضيّق عينيه وقال بصرامة:

— أنا بكره الكذب.


سيف شد نفسه وقال بنبرة هادية:

— وأنا عمري ما أكذب على حضرتك.


بصله علي شوية، وبان على وشه إنه مصدّقه، بعدها أشارله بإيده:

— تعالى ورايا.


ثم التفت للراجل الكبير وقال ببرود:

— روح شغلك.


الراجل اتلخبط:

— أكون معاك يا بيه؟


قال علي وهو بيرميه بنظرة جامدة:

— بقولك روح شغلك.


الراجل اتوتر ومشي، ما نسيش يبص بغِل لسيف قبل ما يختفي. سيف اتحرك بسرعة ورا علي، والاتنين وصلوا لآخر الجسر، ناحية صف طويل من السفن المرصوصة.


وقف علي ونظر حواله وبعدين قال بحدة:

— تعرف إيه عن اللي حصل من سنتين يا سيف؟


سيف بلع ريقه وقال:

— أنا فعلاً شغال قريب…


علي قاطعه وهو مركز عليه:

— يعني كذبت.


سيف اتلخبط:

— لا لا يا باشا! أنا مكدبتش. كنت باجي هنا مع أبويا… كان شغال عندكم.


صوت علي هدى فجأة وقال:

— وأبوك فين؟ عايز أسأله عن حاجة.


سيف— مات.


بصله علي بشده ـ فهل غرق أيضًا في السفينة؟

قال سيف ـ جاله جلطة من سنة واتوفى.


سكت علي.

قال مالك ـ شكله مش هيفيد بحاجة 


قال سيف ـ أنا كنت باجي هنا كتير مع بابا… كنت بساعده عشان مريض. مش إنت برضو عايز عمال السفينة اللي غرقت من سنتين؟


بصله علي بقوة لأنه عرف هو عايز إيه.

قال سيف ـ صح يا بيه ولا؟


قال علي ـ تعرف إيه؟


قال سيف ـ إنت عايز تعرف إيه بالظبط؟


قال علي بحده ـ السفينة غرقت إزاي؟


قال سيف ـ اتحط حمل زيادة فيها ومحدش اهتم للعطل اللي فيها… ولا حتى بالبداية اللي هتغرق. لما كنت هنا مع بابا سمعت حديث بين اتنين. الأول كان بيقوله إن الحمل لازم يخف، عشان السفينة مش هتستحمل توصل بسبب العطل اللي فيها. بس التاني قاله ملكش دعوة، وإنه ياما عمل كده ووصلوا بالسلامة… والضغل كان تمام. طبعًا حاول يفهمه إن فيه خطر على حياة الناس اللي في السفينة، وإنها ممكن تغرق. بس التاني قاله شوف شغلك ونفذ أوامر بدران بيه.

سكت علي لما سمع كل حاجة، هو كان عارف إنها صح.

قال سيف ـ أنا كنت خايف على بابا وقتها ومنعته يركب. قولت إني تعبان وقتها، فاستبدلوه بشاب اسمه تامر.


قال مالك لعلى ـ ده ابن الست منى.


قال سيف ـ معرفش… بس بابا الحمد لله عاش، وبعدها بسنة مات. كأن إرادة ربنا مكتوبة ومفيهاش مفر.


كان علي ساكت، وده كان دليل على ضيقه. بص لمالك وقال ـ هاته معانا.

قال مالك ـ حاضر.


مسك إيد سيف.

قال سيف ـ في إيه؟ أجي فين، أنا عندي شغل.

قال مالك ـ أمشي وانت ساكت يا سيف.


خرجوا من هناك، قابلهم المسؤول.

قال ـ خير يا علي بيه، الواد ده عمل حاجة؟


زقه علي بعيد عن وشه. ابتسم سيف، لأنه طول عمره نفسه يشوف رؤسائه بيتُهانوا. خرجوا وركبوا العربية ومشوا.


فى الصباح وعد نزلت تحت، قابلت فاطمة اللي استقبلتها بابتسامة.

قالت فاطمة:

– أعملك حاجة تشربيها يا وعد قبل ما تروحى الكليه؟


ابتسمت وعد وقالت:

– شكراً يا طنط فاطمة. أمال فين رنا؟


قالت فاطمة:

– الهانم مخليّاها تعمللها شوية حاجات.


في اللحظة دي دخلت رانيا على السيرة، وبصّت لهم بحدة:

– إيه اللي موقفك هنا يا وعد؟ ما قولتلك المكان ده للشغل.


ردت وعد وهي متماسكة:

– أنا واقفة في مطبخ بيتي عادي يا ماما.


رانيا رفعت حواجبها بسخرية:

– عادي؟! عادي تقفي مع الخدم؟ أظن إني كلمتك قبل كده، وانتي برضه مصرّة تعاندي.


وعد اتضايقت جدًا لأنها بتكلمها قدامهم. فاطمة لمحت الجو المشحون، فانسحبت عشان تسيب لهم مساحة يتكلموا براحتهم.


رانيا قالت بنبرة جدية:

– والدة حازم كلّمتني بخصوص خروجة… تنزلي انتي وهو، وبالمرة تتعرفي عليه أكتر، يمكن تحبيه زي ما إنتي عايزة.


بصّت لها وعد بقوة وقالت:

– هو الحب عندك بالساهل كده؟! طالما قلتلك إني مش متقبلاه، يبقى مش هحبه. وبلاش تحاولي بقى. إنتي مهتمة بالموضوع أكتر من بابا نفسه.


رانيا رفعت صوتها:

– لأني بفكّر في مصلحتك، وإنتي بتردّي عليا بالشكل ده؟


ردت وعد بحِدة:

– بعد اذنك ده يخصنى؟! إنتي مش بتفكري فيا… إنتي بس عايزة تبعديني عن بابا.


رانيا — إيه اللي بتقولي ده؟!


وعد — الحقيقة… أنا قلت لبابا إني رفضته خلاص.


رانيا باستغراب وغضب:— رفضتيه؟!


وعد بلا مبالاة:— آه. استريحي بقى.


رانيا زفرت بتعصّب:— لا مستريحة بجد! إنتي فعلاً غبية لو رفضتي واحد زي حازم. متخيّلة حد أحسن منه؟ العروض اللي جاتلك مقطوعة، وانتِ رافضة بسبب سبب تافه ده؟


وعد بصوت مقطوع من الغضب:

— الحب ده اللي مض بيبقى موجودبتكون علاقه منتهيه وانتى عارفه كويس انا اقصد، لما اتجوز واحد مش بيحبني ويروح يحب ويتجاوز عليا هتستريحى انا مش عايزه اكون زيك


قالت رانيا بغضب - انتى عمرك ما هتبقى زييي اصلا لا دلوقتى ولا بعدين سمعتينى


بصيتلها وعد قربت رانيا منها قالت

—أنا مبخادش واحد من مراته زي أمك؟

السادس 


رانيا- ده الى انتى عايزاه تاخدى واحد من مراته ويحبك، انتى فاكره إن حد هيحبك حب حقيقي ومش هيبقى غيرك لو اتعلمتي تمارسي أساليب السقوط دي.


وعد عينها احمرت وهى باصه لرانيا:

— فوقي! إنتِ فاكرة نفسك مين؟ متغرّية بشوية كبر وخفة، وحقيقتك تخليكي تبصي للأرض.

نزلت دمعة غصب عنها من عين وعد، والصوت العالي شد يوسف اللي دخل بسرعة:

— في إيه؟!

بص مرّة لوعد ومرّة لأمه اللي لسه وشها متشنج من العصبية.

وعد ما استحملتش، لفّت ومشيت من قدامهم بسرعة.

يوسف ناداها بقلق:

— وعد! استني… في إيه يا ماما؟!

رانيا ما ردّتش، عينها اتسعت وهي فاهمة الكلام القاسي اللي خرج منها من غير ما تفكّر. يوسف ما استناش، جري ورا وعد يحاول يلحقها ويفهم منها.

وعد خرجت من الفيلا كلها متلخبطة، قلبها بيتخبط في صدرها. وقفت قدام السواق بصوت مبحوح وهي بتحاول تسيطر على دموعها:

— هات المفتاح.


السواق استغرب وقال:

— على فين يا هانم؟


ردت بغضب وهي حابسة دموعها أكتر:

— هات المفتاح بقولك!


ماترددش، مد إيده سلّمها المفتاح. مسكته فورًا، ركبت العربية وشغلتها، وانطلقت من البيت كله وهي مش شايفة قدامها من كتر الغليان.


فى العربيه قال مالك ـ انت كنت عارف من الإجابة دي يا علي؟

قال علي ـ كنت واثق إن بدران كدب عليا… قال مكنش يعرف بالعطل اللي في السفن. بس طلعوا عارفين، وبرغم كده طلعت السفينة من غير أي اهتمام بحياة الناس. يعني كانت جر.يمة قـ.تل.


قال مالك ـ انت من إمتى بتهتم بحياة الناس؟! انت مبيهمكش غير حياة واحدة وبتسعى وراها.سايب قضيتك الحقيقه 


بصله علي وقال ـ لسه مش فاهم يا مالك؟


قال مالك ـ متفهمني.


قال علي ـ السفينة دي مكنش فيها بضاعة… كان فيها عمال. والعمال دول كان عندهم معرفة بمصايب أكيد اتكتموا عليها. وانت عارف قانوني… قـتل الخطر أولى من كتمه.


قال مالك ـ يعني إيه؟ الناس دي راحوا ق.ـتل… بس عشان عرفوا حاجة مكنش لازم يعرفوها، فغرقوهم في وسط بحر ملهوش مفر! أنا مش مصدق التفكير العقرب ده. طب… وهل بدران بيه ليه علاقة؟


سكت علي ومردش. جه صوت سيف من وراهم ـ قال:


قصدك إيه باللي بتقوله؟


بص له مالك مستغرب ازاي الكلام ده يتقال قدامهم، لكن علي مش همه. قال سيف:


يعني في احتمال إن ابويا يكون مات مقتو.ل؟


قال علي هادئًا ومقطوعًا:


آه.


بص له مالك بشدة من صراحته. علي رفع عينه للمراية وبص في عين سيف، وقال بصوت قاسي:


ناوي تعمل إيه؟ هتهرب ولا؟


رد سيف بثبات:


ولا أي .


كانت عيون علي ملتهبة كعيون شيطان، وقال بتهديد بارد:


ولا تراهن بحياتك وتنتقم


قشعر جسد مالك خوفًا وهو يبص لعلي، كأنه ما عرفش الشخص اللي جنبه.


---


في فيلا علي، نزلت وعد من العربية وشافت رجاله واقفين بعيد. لما شافوها كلهم بصّوا. جه البواب وسألها ـ قال:


عمّي هنا؟


رد البواب:


البيه لسه جاي من برّه.


دخلت وعد الفيلا وما فيش حد منعها، والخُطوة كانت مليانة توتر وحاجات مكتومة في الجو.


كان علي بيقفل خزنته بإحكام، وقال وهو شايف مالك واقف قدامه:

هتعمل إيه مع سيف


رد علي ببرود:هو اختار طريقه بإيده.


سحب آخر نفس من السيجارة ورماها. مالك بدأ يمشي، لكن وقف فجأة وهو بيفتح الباب… لقى وعد في وشه.


قال مالك متفاجئ:


آنسة وعد؟


بص علي واتصدم من وجودها… هل سمعت حديثهم؟


وعد دخلت ناحيته، وعينيها مليانة حزن كبير. قال علي بسرعة:


في حاجة يا وعد؟ خارجة من البيت في الوقت ده؟


قالت بقرار حاسم:


مش هرجع البيت تاني… خليني هنا معاك.


بصلها علي للحظة، ومالك بصلُه هو كمان، لأنه عارف قد إيه البنت دي خطر عليه بعد المشاعر اللي اعترف بيها قبل كده.


قال مالك محاولًا:


ممكن أوصلها وأنا ماشي.


لكن علي ما ردش عليه. ساعتها وعد قربت منه، وخبّت وشها في صدره وقالت بصوت مكسور:


مش عايزة أرجع.


ساعتها علي بص لمالك وقال بهدوء:


امشي إنت.


بصله مالك بدهشة، هل علي ضعف قدامها فعلاً؟

لكن علي قابل نظرته بجديّة قاطعة، فاضطر مالك يمشي ويتركهم.


كانت وعد لسه حاطة وشها في صدره، متخطية كل الحدود اللي علي دايمًا بيرسمها لنفسه.

قالت بصوت مهزوز:


دي مستحيل تكون ماما…


بعدها علي عنه وسألها بهدوء، لكن عينيه مترقبة:


حصل إيه؟


ردت وعد 


قالت… إن ماما خطّافة رجالة… وإن أنا هكون زيها.


تجمد وجه علي من وقع الكلام، وهي زوّدت بحزن أعمق:


قالت إن عمري ما هلاقي الحب، عشان اللي زيّي… محدش هيبصلها.


رفعت عينيها ليه، والدموع محبوسة:


أنا دايمًا بقول إني فال وحش… بس ما كنتش أعرف إني أنا نفسي وحشة أوي كده.


اقترب علي منها خطوة، وصوته أكثر جدية:


حصل إيه يا وعد؟ قوليلي.


---


في الفيلا…

كانت رانيا قاعدة صامتة، ملامحها متوترة.

نزل يوسف من فوق وقال:


وعد مشيت يا ماما.


بصت له رانيا بقلق مفاجئ:


مشيت؟ راحت فين؟


رد يوسف بسرعة وهو مشوش:


معرفش… اختفت من البيت والبواب قال إنها خرجت وميعرفش راحت فين


سكتت رانيا وهي بتشيح بوشها بعيد، كأنها مش قادرة تواجه عيون يوسف.

قال يوسف بحدة:


متقولى يا ماما، حصل إيه؟ إيه اللي خلاها تجري وتعيط كده؟


التفتت له رانيا بعصبية وقالت:


إنت بتزعقلي يا يوسف؟


رد يوسف ببراءة ممزوجة بغضب:


لأ… بس عايز أفهم. الحوار كان على إيه؟ بدل ما إنتي ساكتة كده!


رانيا عضّت شفايفها، وصمتها زاد التوتر. كانت قلقانة… مش عايزة تعترف بالكلام اللي قالته في لحظة غضب، ولا بالنتيجة اللي ممكن تحصل بسببه.

 قالت:


هي… خرجت، أكيد راحت عند صاحبتها ولا حاجة.


يوسف رفع حاجبه باستنكار:


وده عادي يعني؟


تنفست رانيا بسرعة وقالت:


أيوة… عملت كده عشان تحط الحق عليا، وتخلّي بدران يتعصب عشاني. أنا عارفة أفعالها كويس.


وفجأة جه صوت تقيل من وراهم:


هتعصب عشان مين… وليه؟


رانيا اتصلبت في مكانها، ولفت ببطء… لقت بدران واقف قدامهم، لسه راجع من بره، ونظراته كلها شك وغضب مكبوت.


في فيلا علي…

وعد كانت قاعدة قصاده، ملامحها مجهدة من كتر البكاء. حكت له كل حاجة من غير ما تخبّي.


قال علي وهو بينفخ دخان سيجارته ببطء:


عرفتي من إمتى إنها مش والدتك؟


قالت وعد بحزن عميق:


أنا مش غبية لدرجة إني محسش… مشاعر الأمومة عمرها ما كانت موجودة.

سكتت ثواني تكمل بصوت واطي:


طنط فاطمة قالتلي شوية عن الحقيقة… كانت عايزة تريحني. بس مع كل ده… أنا مبطلتش أحبها. هي بتضايقني كتير… بس بتفضل هي اللي بقولها "يماما".


نظر لها علي بعينين جامدين، وقال:


بس هي فعلًا مش أمك.


بصّت له وعد بدهشة، كانت متوقعة يسمعها إنها امها وبلاش تفكر كده ويضبح الامر


زاد هو الطين بِلّة بصراحته القاسيه وقال:


سهل عندك تحطي حد مكان أمك؟ ولا إنتي اللي ضعيفة بزيادة؟


وجع كلامه قلبها، وزعلت من حدته.

أكمل علي ببرود:


لو قالتلك الكلام ده، فتأكدي إن الموضوع مش سهل يعدّي. هي هانت بدران كمان… وهانتك إنتي.


قالت وعد:


بابا ملوش دعوة! هى بتحب بابا اوى


ابتسم على وقتها مفهمتش وعد نوع ابتسامته، رفع علي عينه فيها جدية غامضة وقال:


متأكدة إن ده كل اللي حصل يا وعد؟


اتسعت عيونها، وقالت بصدمة:


بتكذّبني؟


هز رأسه وهو يطفئ السيجارة:


لأ… بس بعمل حساب لكلام رانيا اللي ممكن تقوله لوالدك.


قلب وعد وقع، وقالت بتوتر:


قصدك إيه؟ هتقول لبابا إني كدابة؟


قال علي ببرود:


مش بالظبط… هتقول إنها كانت مشادة بينكم. بدران هيضايق، وإنتي بطبيعتك هتسكتِ… لأنك مش بتحكي.


قالت وعد -

حاولت أحكي زمان… وملقتش حد أتكلم معاه.


مد علي إيده، مسك وشها وخلاها تبص في عينه وقال


دلوقتي حكيتي. معناته إن الحد ده بقى موجود.


سكتت وعد، وفضلت عينيها معلقة في عينيه، كأنها لأول مرة تلاقي أمان.

بعد لحظة… بعد علي عنها.


قالت وعد بسرعة كأنها خايفة يبعد عنها أكتر:


أنا عايزة أقعد هنا… لو معندكش مانع.


قال علي وهو بيتابع ملامحها بتركيز:


مش عايزة ترجعي البيت؟


هزت راسها بالنفي.

قال علي بهدوء:


تمام… اطلعي نامي دلوقتي.


ترددت، وقالت:


أنام فين؟


رد بجديته المعتادة:


اختاري الأوضة اللي إنتي عايزاها.


بصّت له وعد وقالت بخجل واضح:


فين أوضتك؟


اتسعت عينه من سؤالها، وهي بسرعة زودت:


عايزة الأوضة اللي جنبك.


فهم قصدها فورًا… وشاورلها بعلامة مختصرة.

انسحبت من جنبه ببطء، وما زالت عيون علي الصقرية متابعاها وهي ماشية، كأنها جزء من سرّه اللي مش عايز حد يقرب منه.


بدران وقف يبص على يوسف ورانيا، الاتنين سكتوا أول ما شافوه. رفع حاجبه وقال بنبرة حادة:

بدران: "مالكو ساكتين كده؟ أنا سامع صوتكو من عند الباب."


بص يوسف لأمه، وقال "قوليله يا ماما… عقبال ما نشوف وعد فين."

ومشي وهو متضايق، سايبهم ورا.


بدران ركز على رانيا:

بدران: "وعد مش هنا؟"

رانيا (مترددة): "لا."

بدران: "أمال راحت فين؟ وكلام يوسف قصده إيه؟ انتي تعرفي حاجة يا رانيا؟"


رانيا وقفت متجمدة مكانها، عينها مليانة قلق.

بدران: "اتكلمي يا رانيا! وعد فين؟"

رانيا : "مفيش يا بدران… خرجت وإحنا بنتكلم فجأة."

بدران: "راحت فين؟"

رانيا: "أكيد عند صاحبتها… ما يوسف بيكلمها، متقلقش."


سكت بدران، لكن ملامح وش ابنه مازالت في دماغه، حاسس إن في حاجة مش مظبوطة.


قربت رانيا منه، وحضنته بحنان مصطنع:

رانيا: "أخليهم يحضرولك العشا يا حبيبي."


بدران فضل ساكت، جوه نفسه إحساس إن في حاجة مستخبية، وقال ببرود:

بدران: "واكل برا."


رانيا حاولت تلطف الجو:

رانيا: "طيب… هخليهم يعملولك قهوتك."


بص لها بدران من غير تعليق، واكتفى بإيماءة صغيرة، ثم طلع من غير ما يقول حاجة.


في اليوم التاني، خرجت وعد من أوضتها. وهي ماشية في الطرقة، عينيها وقعت على أوضة علي، لقت بابها مفتوح. قربت بخطوات مترددة وبصت جوا… لكن ماكانش في حد. استغربت، وقلق غريب سيطر عليها.


نزلت تحت بهدوء، وفجأة سمعت صوت جاي من ناحية المكتب. قربت أكتر، ولما دخلت… شافت علي واقف بيتكلم في التليفون.


علي بصوت واطي في المكالمة: "تمام يا بدران… أنا جايلك."


وقفت وعد مكانها، قلبها دق بسرعة وهي سامعة اسم أبوها. علي لمحها بسرعة، قفل المكالمة وبص لها.


وعد (بتوتر): "كنت بتكلم بابا؟"

علي (بهدوء): "آه."

وعد: "قالك إيه؟ كان بيكلمك عليا؟"

علي (بحزم): "لا."


سكتت وعد وبصت له بتركيز، تحاول تقرأ ملامحه.

علي (بصوت جاف): "باين إنه ميعرفش بالخلاف اللي حصل بينك وبين رانيا… ولا حتى إنك مش موجودة في البيت."


كلامه وقع على قلبها تقيل، كأنه بيكسر آخر خيط ليها مع أهلها.


وعد (بصوت مبحوح): "لو كان عرف… أكيد مكنش هيكون هادي كده."

علي: "دي الحقيقة. هو معرفش… وأعتقد حتى لو قلتي، رانيا هتنكر."


بصت له وعد بعيون فيها وجع، وكأنها بتسلم باللي بيقوله. بعد لحظة سكتت، وبعدين قالت بصوت واطي متردد:

وعد: "دلوقتي عرفت ليه مش عايزة أرجع البيت… أوقات بحس إنه…"


وقفت عينها في عينه، كأنها محتاجة قوة تكمل كلامها. وبعد لحظة همست:

وعد: "بحس إنه مش بيتي."


سكت علي بعد كلامها، قام واقف قدامها بعينيه الساكنة اللي صعب حد يقراها وقال بهدوء:

علي: "اقعدي هنا براحتك… لحد ما تكوني عايزة ترجعي."


اومات له وعد، ابتسامة صغيرة باينة في عينيها أكتر من شفايفها.

وعد: "شكراً."


فجأة سمعت صوت رنين، بصت في تليفونها لقت يوسف بيتصل. رفعت عينيها تلاقي علي بيراقبها.

علي: "يوسف رن عليا كتير قوي… وباباكي رن مرتين."


بصت له وعد مرتبكة، لكن هو ماكانش مهتم يوضح أكتر. مد إيده وخد مفتاح عربيته.

وعد: "إنت خارج؟"

علي: "آه… عايزة حاجة؟"

هزت راسها نافية بخجل. خرج علي وسبها في البيت الكبير، وصوت خطواته وهو ماشي لسه بيرن في ودانها.


وقفت وعد وسط الصالة الواسعة تبص حواليها، إحساس بالغربة ممزوج بالفضول. كان نفسها تسأله "هترجع إمتى؟" بس لسانها عقد. عينيها راحت ناحية السلم، قلبها بيدق… جزء منها عايز يستكشف الفيلا، وأول حاجة شدت انتباهها كانت أوضة علي. بس الخوف من العواقب خلاها تتراجع خطوتين.



 كان يوسف في جناحه، واقف في أوضته، ملامحه متضايقة. خبط محمود على الباب.

محمود: "يوسف بيه…"

فتح يوسف بضيق: "نعم؟"

محمود: "البيه تحت بيسأل عنك."

تنهد يوسف: "نازل."


قفل تليفونه بسرعة وخرج. لكن بدل ما ينزل، لف على جناح أبوه وأمه. دخل لقا رانيا قاعدة في الصالون الخاص بيها، فنجان قهوة في إيدها وبتبص في الفراغ.


يوسف (بلهجة لاذعة): "بترَيحي دماغك يا ماما؟"


رانيا (وهي ماسكة راسها): "دماغي مصدعة من امبارح."


يوسف (بحدة): "ماما… وعد ما ظهرتش من امبارح! ومعرفش باتت فين ولا عند مين."


رانيا (ببرود): "وأنا مالي؟"


يوسف (بانفعال): "إزاي مالك؟ هي مش سابت البيت بسببك! مشيت وهي بتعيط."


رانيا (بلهجة دفاعية): "بسببي أنا؟ أنت عارفها بتحب تعمل شوية حركات عشان تصعب عليكم."


يوسف: "ماما، إنتي قولتلها إيه بالظبط؟"


رانيا (متوترة): "مقولتش حاجة… خلاص بقى."


يوسف (ساخر): "تمام… على العموم بابا هيكلمني، وأنا هقوله اللي شوفته. وانتي بقى قوليله إنك مالكيش دعوة… زي ما بتقوليلي."


مدت رانيا إيدها تمسكه بسرعة.

رانيا (بقلق): "استنى يا يوسف! بدران لو عرف هيزعل مني."


يوسف (بصرامة): "ليه يعني؟ ما إنتي السبب في اللي حصل."


رانيا (مترددة): "مش بالظبط… هي بس كلمتني بطريقة مش كويسة… وأنا اتعصبت. عارف إني بتعصب بسرعة."


يوسف (مشدود): "وبعدين؟"


رانيا (بصوت واطي): "قولت كلام… غصب عني."


يوسف ضيق عينيه وهو بيبصلها مباشرة.

يوسف: "قولتي إيه يا ماما… بالظبط؟"


قبل ما ترد، جه صوت بدران بينادي من تحت. يوسف اتوتر، بص لمامته وسبها ونزل بسرعة.


لما وصل تحت، شاف علي قاعد مع أبوه.

يوسف (مستغرب): "عمي… إنت جيت إمتى؟"


علي: "لسه جاي."


بص بدران حواليه بنظرة تقيلة.

بدران: "وعد فين؟"


يوسف (بهدوء): "بايته عند صاحبتها."


بدران اتكشّر، صوته مليان ضيق:

بدران: "ومرجعتش لي؟"


يوسف (متصنع اللامبالاة): "يمكن راحت الجامعة على طول."


بدران (بحدة): "اسم صاحبتها إيه؟"


يوسف كان حافظ أبوه كويس، يعرف إن أي تردد هيشكّكه أكتر.

يوسف: "ياسمين."


سكت بدران وهو بيفكر، لكن عينه كانت تقيلة. في اللحظة دي، علي كان ساكت… عينه مركزة على يوسف من غير ما يقاطعه. عارف الحقيقة كاملة، وفاهم إن يوسف هو كمان عارف… لكنه بيغطي علشان أمه.


بدران (بأمر): "يا محمود… اتصل بياسمين، شوف وعد معاها ولا لأ."

محمود: "حاضر يا فندم."


محمود انسحب بسرعة يجهّز المكالمة. يوسف فضل صامت، شكله ثابت وكأنه مش قلقان ولا فارق معاه.


في اللحظة دي نزلت رانيا، وحاولت تخفي ارتباكها لما شافت الجو مشحون.


غير بدران الموضوع فجأة وهو يوجّه كلامه لعلي:

بدران: "في افتتاح الموسم… هيكون كل رجال الأعمال موجودين، حتى الوفد الألماني."


علي (بهدوء وصرامة): "كنت لسه هسألك عنهم. متقلقش… قبل ما أوصلهم البضاعة من السفن عندنا، هخليهم يعرفوا غلطتهم كويس."


بدران (متردد): "أنا مش عايز نخسرهم، دول مهمين. خوفي الوحيد… إن رضوان الكلب يكوش عليهم. وأنا عارف إن السبب في قلبهم علينا هو رضوان."


علي رفع عينه وبصلّه بثبات:

علي: "بدران… لو عايز تكسب حد، لازم الأول تفهم… هو عايز يكسبك ولا بايعك."


يوسف (بتحفظ): "بس دول مهمين."


علي (ببرود): "مش هيفرقوا معانا. إحنا علاقاتنا كتيرة، ودول عمرهم ما يكونوا نقطة خسارة لينا."


يوسف بَصّله وسكت. علي كمل كلامه وهو ناظر لبدران:

علي: "إنك تعامل اللي قدامك كويس… ده يخليه ياخد مقلب. لكن إنك تفهمه مقامه كويس… ده يخليه يحيّك. ولا إيه رأيك يا بدران؟"


بدران (بعد تفكير): "طالما واثق من حساباتك… يبقى خلاص."


في اللحظة دي دخل محمود، نبرته رسمية:

محمود: "كلمت آنسة ياسمين، وقالت إن وعد هانم كانت معاها."


رانيا تنهدت براحة، ارتسمت ابتسامة سريعة على وشها. علي ضيّق عينه… مستغرب الكذب الواضح، لأنه عارف إن وعد عنده في الفيلا.


رنة الموبايل قطعت الجو… يوسف بص، واتفاجئ إنها "وعد". قلبه دق أسرع، إيده راحت على التليفون بسرعة عشان يرد.


لكن صوت علي سبقه:

علي (بحدة): "رايح فين يا يوسف؟"


يوسف (متوتر): "هرد على تليفون."


علي (بارد ومخيف): "هنا؟ هو سِرّ؟"


يوسف سكت، وبدران رفع عينه عليه.

بدران: "مين بيتصل يا يوسف؟"


يوسف ما قدرش يتهرب… فتح المكالمة، قال بسرعة:

يوسف: "إنتي فين يا وعد؟"


بدران ركّز معاه بشدة، رانيا قلبها وقع مكانها.


جاء صوت وعد من السماعة، هادي لكن واضح:

وعد: "أنا بخير يا يوسف… متقلقش."


بدران مد إيده وخد التليفون من يوسف، صوته عليّ وهو بيتكلم:

بدران: "وعد… إنتي فين؟ وهترجعي البيت إمتى؟"


وعد (من السماعة): "مش عايزة أرجع يا بابا… وبطّلوا ترنّوا عليا. لما أبقى تمام، هرجع بإرادتي."


بدران اتجمد مكانه، صوته اتعلا بدهشة:

بدران: "يعني إيه مش عايزة ترجعي؟! وعد… ردي عليا! إنتي فين؟ وخرجتي ليه أصلاً؟"


وعد (ببرود): "اسأل ماما… هي تقولك."


قفلت الخط. بدران بَصّ على رانيا بحدة، وقال:

بدران: "إيه اللي حصل امبارح؟"


رانيا اتلخبطت، نبرتها مترددة:

رانيا: "محصلش حاجة… أنا—"


بدران (قاطَعها بصرامة): "قلتوا خرجت… بس ماحدش قالي السبب."


يوسف بَصّ لأمه بارتباك، وحس إنه دخل نفسه في الدوامة. بدران رجع بنظره ناحية رانيا، صوته تقيل:

بدران: "متردي. بتقول اسألك إنتي. وعد خرجت ليه؟"


رانيا اتنهدت وحاولت تخفّف:

رانيا: "مفيش يا بدران… كانت مشادة بسيطة بيني وبينها، و…"


بدران (مقاطعًا بانفعال): "بتقول مش هترجع غير لما تهدى! وعد عمرها ما باتت برا البيت!"


سكتت رانيا، عينيها متوترة. بدران صرخ أكتر:

بدران: "رانيا… متعصبنيش! قولي كل اللي حصل."


رانيا انفجرت:

رانيا: "كلمتني بطريقة مش كويسة… وأنا رديت عليها… وخلاص! كده وبس. إنت عايز تغلّطني وخلاص!"


قالتها وطلعت بضيق. بدران اتبعها بنظره وهو مليان غضب وحيرة.


علي كان قاعد ساكت، قام بهدوء وقال:

علي: "اتأكد من الحوار يا بدران… شكله كبير. وعد مش بتسيب البيت كده وخلاص. مش كده يا يوسف؟"


يوسف أومأ تلقائيًا من غير ما يحس.


علي: "أنا همشي… عندي شغل."


يوسف: "وأنا رايح الشركة."


خرجوا هما الاتنين، وبدران فضَل واقف مكانه… حاسس إن في حاجة أكبر بكتير مستخبية ورا خروج وعد.


---


يوسف كان راكب العربيه، فجأه سمع صوت علي بيكلمه ببرود وابتسامه ساخره:

ـ "خليت صحبتها تكدب إزاي وتقول إن وعد معاها؟"


يوسف اتوتر:

ـ "مخليتش حد يكدب… ليه بتقول كده؟"


علي ابتسم ابتسامه واثقه:

ـ "لأنها مش الحقيقه."


يوسف سكت، عينيه ثابتة على علي، متردد من الثقه اللى في كلامه.

علي قرب أكتر وقال بهدوء:

ـ "عارف دلوقتي اختك فين؟"


يوسف ما ردش، اتجمد مكانه. علي فتح باب عربيته، يوسف وقف قصاده بعصبيه:

ـ "قصدك إيه؟ إنت تعرف وعد فين؟"


علي ضحك ابتسامه ساخره، ركب العربيه ومشي من غير ولا كلمه.



في مكان هادي، كان رضوان واقف جنب عربيته، جت عربيه وقفت جنبه ونزل منها علي. قرب منه ووقف مقابله.

رضوان قال بنبرة تقيلة:

ـ "افتتاح السنادي هيكون مختلف."


علي رد وهو بيمسح على كمه:

ـ "بدران داخل بالتقيل… وجدد تعاقدات كتير المرة دي."


رضوان بهدوء:

ـ "عرفت من مالك، بس ما اهتمتش قد اهتمامي بالخساره اللي هتحصل."


علي عينه لمعت وقال بجفاف:

ـ "مع توقيت ظهور الحقيقه اللي تهمني… مش هينول صحابها خساره وبس."


رضوان ركز فيه باستغراب:

ـ "أمال هينول إيه؟"


علي ابتسم ابتسامه بارده وهو بيرجع خطوه ورا:

ـ "هينول جهنم."


---


يوسف كان قاعد فى عربيته، بيرن على أخته وعد، لكن التليفون ما بيردش. ضاق صدره وزاد توتره. وهو سايق لمح عربية راكنة على جنب، وبنت واقفة عندها. وقف يوسف ونزل يشوف.


لفت ياسمين، أول ما شافته ابتسمت بخجل:

ـ "إزيك يا يوسف؟"


يوسف رد وهو بيحاول يبان عادي:

ـ "إزيك يا ياسمين، عاملة إيه؟"


قالت بسرعة وكأنها عايزة تطمنه:

ـ "بصراحة في حد رن عليا، فقلتله إن وعد كانت عندي من امبارح… وإننا روحنا الجامعة سوا. قولت نفس الكلام اللي إنت قلتلي أقوله."


يوسف قرب منها، مسك إيدها بعفوية وقال بنبرة امتنان:

ـ "شكراً يا ياسمين."


قلبها دق جامد من لمسته، وبصت لإيده اللي ماسك إيدها. حاولت تخفي ارتباكها وقالت:

ـ "ماعملتش حاجة… بس هي وعد كويسة، صح؟"


يوسف أخد نفس عميق:

ـ "خلاف بسيط في البيت… وبابا لو عرف هيضايق. فقلتله إنها كانت عندك كنوع من التغيير."


ياسمين هزت راسها باهتمام:

ـ "آه… أنا كنت قلقانة بس تكون مختفية أو في حاجة حصلت."


يوسف ابتسم ابتسامة بسيطة:

ـ "لا، متقلقيش… وشكراً تاني يا ياسمين."


سحب إيده بلطف وركب عربيته، قبل ما يمشي بص لها وابتسم بخفة. ياسمين فضلت واقفة مكانها، عينيها بتلمع بالفرحة. حسّت إنها كانت عايزة اللحظة دي تطول أكتر، لأنها معجبة بيه من زمان.


وهي راجعة لعربيتها، لمست إيدها اللي لسه حاسة بدفا لمسته، وقالت بصوت واطي لنفسها:

ـ "قريب يا يوسف…"


ركبت عربيتها ومشيت وهي لسه مبتسمة.


---


في الليل، كانت وعد قاعدة في الفيلا من ساعة ما كلمت يوسف. قلبها مضايق ومش عارفة ليه… يمكن لأنها حاسة إنها قلقتهم، أو يمكن خايفة تعمل مشاكل أكبر.


افتكرت كلام علي لما قالها: "لو عايزة تكلمي يوسف تطمنيه… وبالمرة ادي بدران نبذة باللي حصل." ساعتها ما فهمتش قصده. لكن لما رنت وباباها كلمها وسألها ليه خرجت، حسّت بالوجع… لأنه ما يعرفش إنها مجروحة، بالعكس فاكرها خرجت دلع أو عناد. كانت عايزة تقولله كل حاجة اتقالتلها، لكن لقت نفسها متصنفة غلط.


قامت من مكانها وطلعت على الأوضة اللي نامت فيها. وقفت عند باب أوضة علي، اللي منعت نفسها تدخلها طول اليوم. بصّت في الساعة… ما تعرفش هيرجع إمتى.


ترددت ثواني، وبعدين فتحت الباب ودخلت. المكان كان مرتب على الطراز الحديث وهادي بشكل مدهش. رغم إنها مش عارفة إمتى أخد علي الفيلا دي، لكن متنكرش إنها جميلة… حتى أوضته منظمة بدقة.


شافت اللاب بتاعه على المكتب، مدّت إيدها ولمسته، وتخيلته قاعد عليه مركز في شغله. ابتسمت بخفة من غير ما تحس. لكن عينيها وقعت على حاجة تانية… قنينة زجاجية فاخرة، اللي دايمًا بتكون قدامه.


مسكتها بين إيديها، قلبها دق بسرعة… فتحت الغطاء وشمّت ريحة قوية منها. افتكرت ساعتها لما سألته قبل كده، وقالها وهو بيتحكّم: "ده عصير."


همست لنفسها:

ـ "مفيش مانع… أجرب."


وعد فتحت القنينة، وقرّبتها من شفايفها. أول ما داقت، وقفت في مكانها متجمدة… إحساس لاذع وصودا قوية ضربت حلقها. ضاقت عينيها وقالت بحدة:

ـ "إيه ده… طعمه فظيع أوي!"


رجّعت القنينة على المكتب وبصّت لها باستغراب. ورغم الطعم القبيح، كان فيه حاجة غريبة… شيء مميز جواها بيشدها.


قربتها تاني بشجاعة، ودفعتها بسرعة لحلقها وهي مغمضة عينيها بقوة. بعد ما ابتلعت، اتنهدت بعمق، وقالت بابتسامة خفيفة:

ـ "مش وحشة…"


...


في مكان تاني، سهير خارجة من الكباريه اللي بتشتغل فيه. وقفت على الرصيف عشان توقف تاكسي. فجأة حسّت إن فيه عيون بتراقبها من بعيد. التفتت بسرعة… لكن ما كانش فيه حد.


ركبت التاكسي وقالت عنوانها للسواق، وهي لسه حاسة بشوية قلق غامض.


مسكت تليفونها… لقت رسالة من يوسف:

"إنتي فين؟"


ابتسمت من غير ما تفكر، وردّت: "لسه مخلّصة شغل وجاية."


لكن فجأة لقت مكالمته جاية. ردّت بسرعة وهي بتحاول تخلي صوتها دافي:

ـ "إيه يا حبيبي… فينك؟"


قال يوسف بجدية:

ـ "عندي شغل مهم… بس مش هعرف أشوفك النهارده."


شدّت نفسها وقالت بنبرة عتاب صغيرة:

ـ "ليه؟"


رد يوسف وهو باين عليه متضايق:

ـ "حوار حصل في البيت."


اتنهدت سهير وقالت بهدوء:

ـ "تمام… في أي وقت هستناك."


قفل يوسف مع سهير المكالمة، وهي كانت وصلت بيتها. نزلت من التاكسي، وقفت لحظة قدام العمارة، وبصّت لبعيد… قلبها دق بسرعة، حاسّة إن فيه عيون بترصدها من مكان مجهول.


تنهدت وحاولت تطنّش الإحساس، ودخلت بسرعة وأقفلت الباب وراها. لكن على جنب البيت، كان فيه راجل واقف في الضلمة، ماسك تليفونه على ودنه. قال بهمس:

ـ "ألو يا باشا… هي لسه واصلة حالاً. لوحدها… مفيش حد معاها، والبيت فاضي. حاضر يا باشا… أول ما ييجي هبلّغك فوراً."


...


 علي رجع الفيلا. نزل من عربيته، ودخل البيت. استغرب من الصمت الغريب… هدوء مش طبيعي، كأن المكان نايم.


طلع السلم بخطوات حذرة، وفجأة سمع صوت ضحك جاي من أوضته. وقف مصدوم لحظة، قلبه بيقول إن في حاجة غلط.


فتح الباب ببطء… وبص جوه.

شاف وعد قاعدة على الكنبة في أوضته، بتضحك من غير وعي. ضحك غريب، بريء وفيه رعشة مش مفهومة.


اتجمد مكانه، وعينه ضاقت باستغراب شديد. أول ما شافته، رفعت راسها، ابتسمت له ابتسامة واسعة وقالت باندفاع طفولي:

ـ "عمي!"


قامت بسرعة كأنها رايحة له، لكن رجليها خانتها. كانت هتقع، لولا إنه لحقها في آخر لحظة. وقعت على كتفه وهي لسه بتضحك بخفة.


بصّ لها علي وهو مش فاهم حاجة، عينيه كلها تساؤل وصوتها بيقطّع اللحظة:

ـ "اتأخرت ليه؟"


بعد ما ساندها، علي أبعدها عنه خطوة وقال:

ـ "مالك؟"


رفعت عينيها بتلقائية وضحك قالت:

ـ "مالي…"


قاطعها بصوت آمر:

ـ "اقفي عدل!"


شدّت نفسها بسرعة، حاولت تثبت رجليها لكن جسمها كان بيترنّح، ووشها واخد ملامح طفولية متغضّنة كأنها متدلعة.


ضيّق عينه علي وسألها:

ـ "شربتي إيه؟"


ابتسمت وقالت ببساطة:

ـ "عصير."


مسكها وقربها منه، شَمّ ريحة واضحة… عيونه اتسعت:

ـ "خمرة!"


ـ "لأ… عصير."


رجعت راسها على كتفه من غير ما تاخد بالها من غضبه. علي كان مذهول من حالتها… لقتها بتبتسم وهي بتقول:

ـ "إنت بنيتك قويه… ليه؟"


ابتعدت عنه بخطوة وبدأت تترنّح تاني. مسك دراعها بسرعة ومنعها تقع، ووجّهها ناحية الكنبة وقعدها. فضلت مبتسمة بعفوية.


عينه وقعت على الزجاجة بتاعته على الطاولة… قلبه وقع. مسكها، لقاها فاضية. رجع بص لها

ـ "شربتيها؟!"


كانت مستلقية على الكنبة، بصّت له بنصف وعي. مسكها من كتفها وهزّها بلطف:

ـ "وعد… ردي! شربتي دي؟"


أومأت برأسها بإيجاب وقالت بخفّة:

ـ "طعمها حلو أوي… بس للأسف خلصت."


حاول يبعد إيده عنها، لكن هي أخدت وشها بعيد وهمست بتأثر طفولي:

ـ "إيدك قويه… بتوجعني."


تنهد علي وقعد جنبها على الكنبة. فضلت تبص له بنظرة بريئة، وبعد لحظة سألت:

ـ "إنت زعلان؟"


مردش، فمالت أكتر نحوه، وعينيها في عينيه مباشرة، ابتسمت وهمست:

ـ "أنا آسفة… هجبلك عصير أحسن منها."


بصلها علي بحدة، لكن عيونه اتعلقت بعيونها اللي بتحوله لشخص تاني تمامًا.

قربت منه وعد، حطت كفيها الصغيرين على وشه وقالت:

ـ "اضحك شوية… متكشرش."


رغم عينه، ابتسم… ملامحها العفوية كانت بتضحكه غصب. فجأة مالت على رقبته، غاصت فيها كأنها بتدور على أمان.

اتسعت عيونه وهو حاسس بحرارة أنفاسها، وقلبه بدأ يخبط بعنف، كأنه بيدق طبول إنذار جواه.


همست بصوت واطي وهي لسه ملتصقة بيه:

ـ "البرفان بتاعك… ريحته حلوة."


ارتبك، ونظر لها بثبات… لقاها بتقرب أكتر من صدره وتقول ببراءة صادمة:

ـ "كل حاجة فيك جميلة… يا عمي."


زمّت شفايفها بخفة وأضافت:

ـ "لو مكنتش عمي بس…"


سألها علي بابتسامة :

ـ "كنتِ هتعملي إيه؟"


ردت ببساطة طفولية:

ـ "هتجوزك."


وقف مذهول من الكلمة… عينه مرعوبة، بس هي كملت كأنها مش واخدة بالها:

ـ "وكنا هنرقص سوا… زي الحبيبين."


مسكت إيده بقوة تفاجأ بيها، قامت وسحبته معاها. اتعلقت برقبته وهو تلقائيًا حط إيده على وسطها يساندها، وهي بتتحرك حركات غير متزنة، أقرب لبهلوانية من الرقص.


ابتسم رغمًا عنه، وقال بصوت هادي لكنه متوتر:

ـ "وعد… اقعدي. إنتي تعبانة."


ضحكت وهي بتلف حوالين نفسها بين إيديه:

ـ "بالعكس… أنا حاسة إني طايرة… في السما أوي."


كانت وعد بتلف حوالين نفسها وهي بتضحك بخفة، وعيون علي متسمرة عليها.

كأنها عرض ترويجي بيُسحره… يخليه يبتسم كأنه نسي الدنيا كلها.


قالت وهي بتتأمله ببراءة:

ـ "ابتسامتك جميلة أوي… يا عمي."


رد بابتسامة هادئة:

ـ "إيه كمان؟"


قالت وعد بصدق طفولي:

ـ "إنت دايمًا جدي… بس أنا بفرح لما بشوفك بتضحك معايا أنا. مع أي حد تاني بتفضل عابس."


كشرت وشها بتمثيل وضحكت، فرفع هو ذراعيه فقلدته وهو يضحك عليها  وحط إيده تحت ذقنه بقلة حيلة منها وهى قلدته تانى، كأنها طفله بتنافسو في اللعب.


وسط تحركاتها المفاجئة، اختل توازنها ووقعت على السرير… صوت "الطرقة" مع ارتطامها ملأ الغرفة.

ارتفعت حيرتها الحريرية عن ساقيها، لكنها ما اهتمتش… فضلت تتقلب على السرير بخفة وهي تهمس:

ـ "لو بس… مش عمي."


ابتسامته خبت فجأة، ووقف مكانه متجمد.

قرب منها بخطوات بطيئة وقال بصوت هادي:

ـ "يلا يا وعد… تعالى أودّيكي أوضتك."


مد إيده يمسكها، لكنها شدت دراعه فجأة… فوقع فوقها.


اتجمد الزمن…

قلب علي بدأ يخبط بعنف، ودقات صدره تتسابق مع أنفاسها.

هي فضلت صامتة، عينيها معلقة في عينيه من المسافة القريبة جدًا اللي بقت بينهم.


رفعت كفيها بلطف ولمست وشه… قالت بصوت متقطع:

ـ "المشاعر دي… غلط، صح؟"


صمته كان قاتل، عجز يبعد أو يرد.

همس أخيرًا، بصوت رجولي مخنوق:

ـ "مشاعر إيه؟"


أمسكت يده فجأة، ورفعتها لحد قلبها… عند الجهة اليسرى من صدرها.

وقالت بنبرة مهزوزة لكنها صادقة:

ـ "ده بيغلط قوي… صح؟

ليه إنت؟… أنا بحاول… بس ليه إنت؟"


قعد الصمت يسيطر على المكان، وتليفون علي رنّ فجأة، لكن هو ما تحركش.

"متمشيش… وتسيبني هنا تاني."

قالتها وعد وهي متعلقة في رقبته، صوتها كان بيرتعش كأنها مش قادرة تستحمل بعده عنها.


علي فضل ساكت، عينه في عينها، وكل ما يحاول يبعد يلاقي نفسه بيرجع أقرب، كأن في قوة خفية بتشده ليها. حاوطها بذراعيه وقال بصوت متقطع:

"ولو قلتلك… إني مش عمك؟"


نظرتله وعد بصدمة، ملامحها اتبدلت للحظة، لكن ما لحقتش ترد، لقت علي بيقرب منها أكتر، حدّة نظرته بتكسر أي مقاومة. شدها من ضهرها لحد ما حسّت بأنفاسه على وشها، وباس شفايفها قبلة طويلة صامتة.


غمضت وعد عينيها، وكل كيانها ارتعش. بإيديها مسكت قميصه وشدت الأزرار لحد ما فتحتهم، وهو ساعدها، رمى القميص على الأرض وهو مش قادر يسيطر على نفسه.

رجعت لورا مرتبكة، لكن علي ما ادالهاش فرصة للهروب، حضنها أكتر وقال بصوت مجروح:

"حاولت… والله حاولت… لكن بيفضل كه قدرك."

قرب من ودنها وهمس:

"أنا قدرك."



 كان يوسف داخل الكباريه.

خطواته تقيلة، وصوته الداخلي مليان غضب. أول ما شافه النادل ابتسم وقال:

"أهلاً بيك يا باشا."

قدمله الكاس المفضل عنده، أخده يوسف ورشف رشفة سريعة، وبنبرة مكسورة مسح شعره لورا وقال:

"إنتي فين يا وعد؟"

تنهد يوسف تنهيدة عميقة، وشرب الكأس مرة واحدة. فجأة جات واحدة خبطته.

ـ "أنا آسفة."


التفت لها يوسف، وكانت ماسكة منديل وتحاول تمسح حاجة. اللحظة دي ملامح يوسف اتقلبت ميت درجة، كأنه شاف ملك الموت. مسك إيدها بقوة. البنت اتشدت من قبضته:

يوسف ـ "فاطمه؟"


في دماغه ظهر وجه بنت تاني مختلف عن اللي قدامه، صورة ملقّطة من الماضي رجعت له فجأة. بصوت خافت وحاسم قال:

ـ "مش هتمشي تاني."


البنت زقته بقوة وقالت وهي بتستغرب:

ـ "مجنون ولا إيه؟!"


الناس اتجمعت وبصت، والهمهمة تعالت. ظهرت سهير فورًا وسط الزحمة ونادت عليه:

ـ "يوسف!"


لكن عيون يوسف كانت لسه راكزة على البنت. لما حاولت تتهرب وراحت تمشي، مسكها بقوة. سهير شدته وقالت:

ـ "يوسف، ف اى؟"


ـ "ابعدي… مش هسمح لها تهرب."


سهير ـ "هي مين دي يا يوسف؟"


نطق يوسف بكلمة واحده وثقيلة كالصاعقة:

ـ "فاطمة… الى قت.لتها."


السابع 


يوسف- ايعدى مش هسمحلها تهر.ب منى مش هسمحلها

سهير-هى مين دى اصلا

يوسف- منى الى قت.لتها

بصّتله سهير بشده من اللي قاله وقالت باستغراب:

"يوسف… إنت بتقول إيه؟"


يوسف فاق على صوتها، وبصلها، وبعدها رجع يبص للناس اللي كانوا بيراقبوه.

سهير قالت بسرعة وهي قلقة:

"إنت كويس؟ شربت كتي

مرديش وخد مفاتيحه وخرج فورًا

اتبعت يوسف لغاية عربيته، ولما وقف، قالت له:

"بلاش تسوق… اديني المفتاح."


مدّها المفتاح وركبوا سوا ومشوا.

ولما وصلوا البيت، نزل يوسف معاها وهي مسكاه، دخلوا سوا، وقفلت الباب وراهم.

لكن من بعيد… كان في حد بيلتقط صور كتير ليهم.


يوسف قعد على السرير وقال بتعب:

"كنتي هناك ليه؟"


سهير ردت:

"عرفت إنك موجود… فجيت الكاباريه أشوفك."


يوسف بص لها بتركيز:

"عرفتي من مين؟ حد بلّغك؟"


قالت سهير بتردد:

"سوزان."


يوسف شدد كلامه:

"وهي سوزان تعرف بعلاقتنا؟"


سهير سكتت، فرفع صوته وقال:

"ردي يا سهير! يعرفوا بعلاقتي بيكي؟"


سهير هزت راسها وقالت:

"لأ… بس عارفه زمان… لما كنت بتفضّلني، واجيلك."


 سكت يوسف بضيق بصتله سهير زثالتقالت:

"إنت خايف من أبوك."


يوسف رد بسرعة وحزم:

"سهير… إياكي حد يكون عارف بينا. سمعتي؟ ده لصالحنا إحنا الاتنين."


أومأت له وقعدت جنبه وقالت بهدوء:

"إنت عارف إن ما يهمنيش حد يعرف اللي بينا… لأنك وقتها هتبعد عني. ودي أكتر حاجة تخوفني."


قربت منه، ومالت على صدره وهي تهمس:

"أنا عايزاك إنت من الدنيا دي… عايزة أكون في حضنك وبس."


يوسف بصّ لها، فاقتربت منه أكثر، وأسدلت قبلة خفيفة على شفايفه، فبادلها وهو ماسك وشها. ومع الوقت، مالت عليه بامتلاك واضح.


في اليوم التاني، على اتقلب من نومه فجأة، وقف متجمد لما حس بحد نايم على دراعه.

بصّ جنبُه، لقى وعد مستلقية بحرية تامة… بمعنى أصح زي يوم ما اتولدت.


على في اللحظة دي صمت، عيونه تاهت فيها بهدوء غريب، قبل ما يسحب دراعه ببطء.

قام وقعد على طرف السرير، ملامحه كلها ضيق ووجع. رفع إيده ومسح وشه كأنه بيحاول يستوعب، وبعدها رجع بص للوعد اللي نايمة وما دريتش بأي حاجة.


كان عارف كويس إن لما تفوق هتحصل ثورة جنونية، ومش عارف ساعتها يعمل إيه.

مسك راسه بضيق من نفسه، حس بالكارثة اللي وقع فيها.


وقف من على السرير، سحب بنطلونه بسرعة ولبسه.

رن تليفونه وقتها، كان مالك. رد على من غير مقدمات:

ـ "تعالى الفيلا."


رد مالك باستغراب:

ـ "فيلة بدران بيه ولا…"


قاطعه على بسرعة:

ـ "تعالى فيلتي حالاً يا مالك."


قفل معاه، رجع عند وعد، ظبط اللحاف عليها وغَطّى كتفها، ما بانش غير ملامح وشها وهي غارقة في النوم.


---

جالس يوسف بعدها على السرير صامت، بينما سهير كانت لسه قاعدة جنبه. سألت بفضول:

"مالك؟ بتفكر في إيه؟"


قال يوسف باقتضاب:

"مفيش حاجة."


ابتسمت سهير بخبث وقالت:

"برغم قربنا… عمرك ما كلمتني عن نفسك."


قال يوسف:

"عايزة تعرفي إيه؟"


قالت سهير بتركيز:

"حياتك… غير اللي معروض للناس."


ثم نظرت له وقالت فجأة:

"مين البنت اللي نطقت اسمها… قولت (م.. منى) آه؟"


سكت يوسف، وبصلها بدون كلام.


سهير سألت بحدة:

"مين؟… حبيبتك القديمة؟"


يوسف فضّل الصمت، ثم قام واقف وهو يتفاداها.

قالت سهير بغضب مكبوت:

"ماشي…"


قال يوسف وهو بياخد تليفونه وبيقفل زرار قميصه:

"عندي شغل مهم."


سهير سألته بمرارة:

"عن إيه؟ شركتك؟ ولا عيلتك؟ ولا أختك وأمك؟"


ما ردش، واكتفى بابتسامة صغيرة وهو شايفها متمددة بتلعب في شعرها بإغراء.

قال:

"أشوفك بعدين."


وخرج… وهي فضلت تبصله وهو ماشي، بعينين مليانة أسئلة..

-----

وصل مالك الفيلا، نزل من العربية. الرجالة أول ما شافوه اتعرفوا عليه بسهولة، كأنه كان واحد منهم.

دخل جوه، راح عالصالة، لقى علي قاعد أخيرًا، عاري الصدر وما لابس غير بنطلون، ماسك سيجارة وبينفث دخانها بكثرة… واضح إن فيه حاجة تقيلة مضايقاه.


قرب مالك وقال:

ـ "فيه إيه؟"


رد علي بحدة:

ـ "اتأخرت ليه؟"


قال مالك:

ـ "أول ما كلمتني سيبت اللي في إيدي وجيتلك."


سكت علي، ومالك قعد قصاده وقال:

ـ "حصل حاجة؟"


قال علي:

ـ "تعالى."


قام علي، ومالك مشي وراه لحد أوضته.

فتح علي الباب فتحة صغيرة، ومالِك وقف مستغرب، ولما رمى نظره جوه شاف حد نايم على سريره.


كان ناوي يدخل، بس علي مد إيده ومنعه وقال بهدوء:

ـ "اتعرف عليها من بعيد."


بص مالك تاني، حاول يركز، في الأول ما شافش غير ملامح مبهمة… لكن لما وجهها ظهر، اتفجأ.

اتفتح بؤه بدهشة:

ـ "دي… وعد؟"


اتنفس مالك بصعوبة، رجع يبص لعلي وقال بانفعال:

ـ "هي نايمة ليه عندك… وعلى سريرك؟"


بص مالك لوَعد مرة تانية، وكل لحظة الرعب بيزيد في عينيه. استوعب، وهو بيبص لعلي اللي واقف قصاده لابس بس بنطال.

هتف مالك بصدمة:

ـ "هي بتعمل إيه عندك يا علي؟!"


سحبه علي جامد بعيد عن الأوضة وقفَل الباب وراه، وقال بحدة:

ـ "وطي صوتك."


مالك بص له بقلق وقال بانفعال:

ـ "علي… رد عليا أرجوك. إنت مقربتلهاش، صح؟"


سكت علي، عينيه متجهة على مالك بصمت ثقيل.

قرب مالك خطوة وقال بخوف:

ـ "مفيش حاجة حصلت… صح؟"


اتنهد علي وقال ـ "استسلمتلها… حاولت، بس في النهاية… استسلمت."


اتسعت عيون مالك، صوته خرج متقطع:

ـ "استسسسسلمت؟ قصدك إيه؟"


نظرة علي، الواضحة والصريحة، كانت كفيلة تجاوبه من غير كلام.

انفجر مالك وهو مش قادر يصدق:

ـ "إزاي تعمل كده! إزاي تغلط الغلطة دي؟!"


قال علي وهو بيكتم غضبه:

ـ "ضعفت… ضعفت قدام مشاعري."


صرخ مالك:

ـ "يعني إيه ضعفت؟! عملت كده مع مين! مع بنت أخوك؟! بنت أخوووك يا علي!"


شد علي نفسه وقال بصرامة:

ـ "مش بنت أخويا! أنا أقدر أتجوزها عادي… أنا وبدران مش إخوات بالدم، وانت عارف ده كويس."


قال مالك بانفعال:

ـ "ليه يا علي؟ لييييه؟! ما أنا قولتلك… الجأ لأي واحدة غيرها! خد منها اللي إنت عايزه وسيبها. إنت اللي طول عمرك بتتحكم في نفسك… عمرك ما غلطت غلطة عشان تحقق هدفك!"


رد علي بانفعال

ـ "قولتلك ضعفت… أنا مش بحس بكده مع حد غيرها. يعني مش أي واحدة هتكفيني!"


هز مالك راسه بعدم تصديق وقال بسخرية مرة:

ـ "بنت قد نص عمرك هي اللي كفتك؟! قد بنتك هي اللي بتضعفك يا علي؟! ولا إنت اللي أول ما بتوصل عندها… بتنسى كل حاجة وبتنصاع؟"


ضيّق علي عيونه وقال بتحذير:

ـ "خلي بالك من كلامك يا مالك."


رفع مالك إيده بعصبية وقال:

ـ "إنت مخلتنيش أخد بالي بسبب حجم اللي عملته! ما لقيتش غير دي؟! بنت بدران يا علي؟!"


علي اتنفس ببطء وقال بصرامة:

ـ "هتجوزها."


بصله مالك بحدة، كأنه مش قادر يصدق ودقات قلبه بتعلى،:

قال على ـ "علي! أنا جايبك تقولي حل… قبل ما تفوق!"


قال مالك ـ "تفوق؟!"


قال على ـ "أيوة… وعد! مكناش في وعيها… ومعرفش هتبقى إزاي لما تفوق!"


قرب مالك منه، عينيه بتلمع وقال:

ـ "كويس أوي… يعني لو ما لقتنيش، مش هتفتكر… صح كده؟"


سكت على لحظة، وقال ـ "… آه."


قال مالك-يبقى محصلش اى حاجه


قال على وفهم قصده

ـ "إياك… إياك تقوللي أعمل نفسي محصلش حاجة… وأسيبها!"


وقف مالك قدامه بعصبية، بصّ له وقال:


أمَال انت ناوي تعمل إيه؟ تتجوزها بجد؟


ردّ علي بلا تردد:


قلتلك استسلمت… يعني أنا عايزها معايا.


انقلب وجه مالك، وكأن الكلام مقطع له:


انت مستوعب اللي بتقوله ولا انت شارِب؟ ولا فيك أي؟ وانت فاكرها هتوافق فاكرها عايزاك انت بتقول مكنتش ف وعيها يعنى هتكون نصيبه كبيره علبك.. لازم تبعدها عنك لازم متعرفش حاجه


أجاب علي بصوتٍ مملوء بألم وحسم:


ملكش دتوت بوعد هعرف أتعامل معاها لكن البعد عنها؟ لا… مشاعري تجاهلتها كتير، وشوف النتيجة.


مالك بصله قال - مشااعر انى مشاعر يعلى، انت منغير مشاعر انت جاف من زمان ازاى اتحركت مشاعرك من تانى ومشاعر مين اصلا على بدران ولا


قال على - ماااااالك


 تنهد مالك وحاول يرد بعقل:


اعقل يا علي… اللي بتعمله ده هيفقدك كتير. انت هدفك واحد وبس، وهو انتقامك.


قال علي ببرود:


ولسه هدفك واحد؟


ردّ مالك بتساؤل:


انت هتخلي وعد هدف ليك؟


سكت علي ومردش، ومالك كمل بنبرة تحذير:


رضوان بيه لو عرف هيبقى الموضوع صعب.


قال علي بهدوء مخيف:


مين هيعرفه؟


مالك - مالك مش فاهم؟


ردّ علي قصيراً وبثقة:


أنا ما قلتش لحد غيرك. ولو عرف هيكون منك انت


صمت مالك للحظة، كأنها علامة تهديد، وبعدين قال:


انت عارف إني مش هروح أقول لحد طالما في ضرر عليك… بس برضه مش معاك في اللي هتعمله.


ردّ علي بارتباكٍ لكنه حاسم:


أنا هتصرف.


ختم مالك كلمته بتنبيه شديد:


علي… وجود البنت دي معاك غلط. مش عارف هتصلح النَزوة دي إزاي.


قال علي بجمود وصوت واطي كأنه بيكلم نفسه:


مشاعري ليها ما همدتش… بعد ما خدتها يبقى مش نَزوة يا مالك.


مالك بصله بدهشة وقال:


يعني إيه؟ انت بتحبها؟


سكت علي… نظراته كانت كافية. هو حاول يبعد عنها، حاول يقاوم، بس فشل. وده معناه إنها استثناء. مهما كانت العواقب، هو لسه عايزها… ومش ناوي يبتعد من دلوقتي.


---


فتحت وعد عينيها ببطء وهي بتتقلب على السرير. أول ما حاولت تتحرك اتألمت من صداع شديد، كأن دماغها مش قادرة تستحمل النور.

بصّت حواليها… الأوضة مش أوضتها. استوعبت إنها أوضة علي في الفيلا.


اتعدلت في قعدتها، اللحاف وقع من عليها فجأة. عينيها اتسعت لما لمحت نفسها… بسرعة خبت جسمها باللحاف ووشها ارتسمت عليه صدمة مرعبة.


نزلت عينيها للأرض… لقت ملابسها مرمية هناك. قلبها بدأ يدق بسرعة وخوف، كأنها بتسمع دقاته في ودانها.


وبين رعشة إيديها وارتباكها، ظهر في ذاكرتها مشهد خاطف… هي وعلي، قريبين أوي، شفاههم متلاصقة في قُبلة.


شهقت بصوت مكتوم، وحطت إيدها على بقها بذهول… ملامحها اتجمدت على صدمة ما كانتش مستعدة تشوفها أو تصدقها.


وهي في حضنه افتكرت اللحظة اللي خلعت فيها قميصه، اتسعت عينيها والدمع اتحجر فيها، اتنفضت بخوف:

"لا… مستحيل! لا!"


قامت مرتبكة، قلبها بيدق بجنون، لمّت هدومها بسرعة ولبستها وهي متبهدلة عليها، لكن ماهمهاش، الأهم إنها تخرج. رجليها مش شايلها، كل خطوة كانت بتخبط في الحيطان، بتسند على الصور عشان متقعش.


فجأة سمعِت صوته من وراها:

"إنتي كويسة؟"


بصّت له بعيون مرتبكة، لما شافته واقف لسه طالع من الأوضة، اتقدمت ناحيته مرتبكة، صوتها بيتقطع:

"ع… عمي… أ.. أنا…"


اتلخبطت ومش عارفة تقول إيه، أخيرًا خرجت الكلمة:

"امبارح… امبارح حصل إيه؟"


سكت علي، عينيه ثابتة فيها من غير ما يجاوب.


قالت وعد بصوت بيرتعش:

"أنا… أنا مش فاهمة، تصرفاتي كانت غريبة، في حاجة… في حاجة غلط… أنا…"


قاطعها علي بنبرة هادية بس تقيلة:

"إفتكرتي بسرعة كده؟"


اتسعت عينيها أكتر:

"إنت بتقول إيه؟!"


قرب منها خطوة بخطوة، وصوته منخفض:

"اللي حصل… حصل يا وعد."


شهقت وعد وهي بتاخد خطوة لورا:

"يعني إيه اللي حصل حصل؟! حصل إيه؟"


اقترب أكتر، عينيه مش سايبينها:

"هنتكلم… وهفهمك كل حاجة."


بعدت عنه بخوف، عينيها بتترجّيه:

"يعني إيه اللي حصل حصل؟! يعني إييييه؟!"


بصلها علي، عيونه تقيلة وكأنه بيدوّر على كلام. رجعت ورا وهي مهزوزة:

"إنت… إنت معملتش كده معايا، صح؟! مفيش حاجة حصلت من اللي في دماغي، صححح؟!"


فضل صامت.


صرخت برجاء وهي الدموع مالية عينيها:

"رد عليّااا! ساكت لييييه؟! إيه اللي حصل امبارح؟! إيه اللي حصصل؟!"


رفع إيده بهدوء وهو بيقرب منها:

"ممكن تهدي…؟"


قرب أكتر، ولما حاولت ترجع مسك إيدها:

"أهدي… ممكن؟"


هزّت رأسها وهي بتبكي:

"أرجوك… قول الحقيقة. أنا مكنتش في وعي والله… أنا—"


قال علي بنبرة واثقة:

"عارف. أنا عارف إنك لو في وعيك مش هتعملي كده."


شهقت وعد، دموعها وقعت غصب عنها:

"وأنت… أنت إيه؟"


سكت علي لحظة، بصّ في عينيها مباشرة. كلماتها اللي قالها زمان رجعت تضرب في دماغها قالت

"أنت كنت واعي لكل حاجة."


رجليها اتكعبلت كانت هتقع مسكها على قالت وعد -ابعد

شالها على زراعيه دخلها الاوضه وحطها على السرير بهدوء بتضمن رجليها وترجع ورا وتحط ايدها على وشها وتبكى قالت

- ازاى عملت كده

قال علي "اللي حصل… ناتج عن مشاعرنا يا وعد."


اتسعت عينيها بصدمة:

"إنت بتقول إيه؟! مشاعر إيه؟! إنت عارف حجم اللي حصل؟! ده… ده مش بسيط!"


قرب منها بخطوة، صوته هادي لكنه حاسم:

"أنا مش بقولك إنه مش غلط. عارف إنه غلط كبير… بس ماكنش مجرد نزوة، وماكنش مجرد علاقة عابرة… دي كانت مشاعر، حقيقية."


قالت وعد بصوت متقطع، دموعها مخنوقة في حلقها:

"مشاعر؟!! مشاعر إيه يعني؟! إزاي… إزاي متكنش غلطة ؟ إزاي تقول إنها مشاعر؟!"


قرب منها علي، عيونه متمسكة بيها:

"إنتِ ندمانة؟"


بصّت له بذهول، دمعة نزلت من عينها، مسكت راسها بإيدها وهي مش مصدقة:

"إزاي… إزاي عملت كده؟! إزاي؟!"


مسك إيديها بقوة، صوته مليان إصرار:

"ردي عليّا! ندمانة دلوقتي… ولا فين مشاعرك الحقيقية يا وعد؟! قولي الحقيقة."


نظرت له في عينه، قلبها بينسحب منه افتكرت كل لحظة قرب، كل لمسة، وكل إحساس حقيقي عاشته معاه… لكن ضميرها صرخ فيها. انتفضت فجأة، وبعدت عنه وهي تهز راسها:

"لأ… غلط! غلط!"


قال علي بحدة:

"إيه اللي غلط؟!"


صرخت:

"اللي إنت بتقوله ده غلط! مينفعش… مينفعش!"


مسكت راسها بألم، صوتها بيتكسر وهي بتلعن نفسها:

"إزاي… إزاي أسمح بكده! إنت عمي! إزاي نعمل الغلطة الكبيرة دي؟!"


اقترب علي منها بخطوة واحدة، وصوته هبط لحدة باردة:

"ولو قلتلك… إني مش عمك؟ هترتاحي؟"


بصّت له وعد بصدمة، عينيها بتترجّف:

"مش عمي؟! إزاي يعني؟!"


مد يده وأخرج ورقة من درج جانبي، مدّها لها ببرود:

"أمضي هنا… وساعتها هنكون اتنين متجوزين."


نظرت للورقة، قلبها وقع مكانه، صوتها اتكسر:

"إيه… إيه ده؟"


قال علي وهو بيمد الورقة قدامها:

"ورقة جواز عرفي."


قرب منها علي ببطء، عيونه ثابته فيها وصوته هادي لكنه مليان ثقل:

"أنا مش عمك يا وعد… مش عمك بيولوجيًا. زي ما سمعتي."


شهقت وعد، دماغها بتدور مش فاهمة حاجة:

"إزاي؟!"


تنهد علي وقال وهو بيحاول يسيطر على الموقف:

"أنا وبدران نعرف بعض من زمان… علاقتنا قوية جدًا زي الأخوات وأكتر. وقدّمني لعيلتك على إني أخوه معنويًا بس… لكن في الحقيقة إحنا اتنين مختلفين."


كانت وعد واقفة قدامه، عينيها معلقة عليه وصوتها انكسر:

"…"


قرب منها أكتر، صوته بدأ يهدأ وكأنه بيحاول يطمّنها:

"مشاعرك مش غلط… اللي عندك مش غلط. بوحي اللي جواكي."


قالت وعد بصوت ضعيف:

"أنا… أنا…"

لسانها كان مش فاهم هي فيه إيه.


مسك إيديها بحنان:

"نفس المشاعر اللي إنتِ حسّيتي بيها أنا كمان حسّيت بيها. عارف إن اللي حصل غلط… بس مشاعري ليكي ماوقفتش. علشان كده… هنتجوز."


رفعت عينيها عليه بصدمة:

"نتجوز؟!"


قال علي بنبرة حاسمة وهو ماسك إيديها:

"أنا عايزك في حياتي يا وعد."


كانت متخيلاه بيحب واحدة تانية عشان كده متجوزش. كانت متخيلاه هيحس بالذنب زيها ويمكن أكتر. ماكنتش متصورة إنه هيقولها كده… إنه هيقول إن عنده مشاعر ناحيتها وعايزها تبقى مراته.


دموعها نزلت غصب عنها، عقلها بيقتلها من اللي حصل وقلبها بيترعش:

"بس… بس أنا عملت غلط كبير…"


قال علي بصوت ثابت:

"أنا مش بقلل من اللي حصل… بس خلاص. هنتجوز. أنا مضيت… فاضل إنتِ."


بصّت وعد للورقة اللي في إيدها، قلبها بيرتعش. علي مد إيده بهدوء ورجع خصلة من شعرها لورا وقال بنبرة حنونة لكنها قوية:

"هصلّح اللي حصل. أنا فعلاً عايزك معايا يا وعد."


رفعت عينيها المرتبكة عليه وسألت بخوف:

"ليه؟"


سكت لحظة، وبعدين بصلها في عيونها مباشرة وقال من غير تردد:

"عشان بحبك."


الكلمة وقعت على قلبها زي الصاعقة. الجميلة دي ماقدرتش تبصله غير بدهشة… صوته كان صادق، عينه بتلمع، وهي قلبها بيتخبط جوا صدرها. حسّت كأنه بيخدر عقلها وضميرها مع بعض.


علي لاحظ ارتباكها، شاف قد إيه كلامه مأثر عليها. قال

"مممكن تهدي بقى؟"


سكتت، بصّت للورقة في إيدها، صوتها اتكسر:

"ب… بس ليه عرفي؟"


رد علي بسرعة وهو بيقرّب:

"مش هتفرق. المهم هنكون متجوزين."


شهقت وعد، عينيها اتسعت:

"عرفي؟!… جواز عرفي؟!"


بص لها وقال وهو رافع حاجبه:

"إنتِ خايفة؟"


سكتت لحظة طويلة، كأنها بتحارب نفسها من جواها، وبعدين قالت بصوت واطي:

"الجواز العرفي… ده مش جواز صح."


قال علي وهو بيحاول يسيطر على ارتجافها:

"في الوضع اللي إحنا فيه… ده أنسب حل."


دموعها لمعت وهي بتقول:

"وبابا؟… وعيلتي؟!"


قرب منها علي وقال بحزم:

"بلاش حد يعرف دلوقتي. عشان كده هنتجوز عرفي… مؤقت."


رفعت عينيها عليه، صوتها مرتجف:

"يعني… هتتجوزني رسمي بعدين؟"


قال علي وهو بينفخ تنهيدة تقيلة:

"آه… بس مش دلوقتي."


رفعت وعد عينيها عليه باستغراب:

"ليه مش دلوقتي؟ نتجوز رسمي… أفضل. ومش هقول لحد."


نظر لها علي بصمت لحظة، وبعدين رد وهو بيحاول يهرب بعينه:

"ظروفي ما تسمحليش أتجوزك رسمي دلوقتي يا وعد."


سكتت، كأنها اتكسرت من جوه، ملامحها وقفت مكانها.

قرب منها علي وهو بيقول بحزم:

"امضي… ده الحل الوحيد."


بصت له بنظرة مليانة خوف وارتباك، بس برضه فيها طمأنينة غريبة جابتها من عينه.

مدّ القلم ليها… إيدها ارتعشت، لكن خدته ووقّعت.


ولما خلصت، مدّت الورقة له وهي بتقول بصوت واطي:

"اتفضل."


بص لها علي بهدوء وقال وهو بيرجع الورقة ليها:

"خليها معاكي… اتأمني من غدري."


هزت وعد راسها وقالت بعفوية:

"اللي بيخبّي… مش بيغدر. وانت بتحبني."


سكت علي، عيناه بانت فيهم لمعة غامضة. خد الورقة منها، مشي على الأوضة وفتح الدولاب، وحط الورقة جوا بعناية، وبعدين قفله بإحكام.


بصت له وعد وقالت وهي مترددة:

"هتحطها هنا؟"


رجع لها بخطوات ثابتة وقال:

"الفيلا من النهاردة بقيت بيتك… وورقة جوازنا موجودة هنا."


لما قالت بخجل:

"يعني… في بيتنا."


اتجمّد قلب علي في مكانه، جملة صغيرة لكن كسرت جواه كل الحواجز.

مد إيده، مسح دمعة نزلت على خدها بكفه وقال برقة:

"متفكريش في حاجة خلاص."


سكتت وعد، قرب منها علي وقال بابتسامة خفيفة:

"كنتي عايزة ترحيب إني جيت مصر؟"


سحبها لصدره وحضنها.

عيون وعد لمعت، وقلبها دق بسرعة وهي حاسة إنها عايشة حالة حب بجد لأول مرة… مشاعرها مش قادرة تمسكها، لأنه مش عمها زي ما كانت فاكرة.

حضنته بقوة، وإحساس غريب حلو غطّى على ذنبها وخوفها… كأن حضنه سترها من نفسها ومن ضميرها.

غمضت عينيها، وابتسامة صغيرة ظهرت على شفايفها، تلاشت معاها كل آثار الصدمة والحزن.


---


في فيلا بدران…

رانيا كانت قاعدة لوحدها، ملامحها متجهمة وزعلانة.

اتفتح الباب فجأة، ودخل بدران وهو باصص لها بحدة.


قال بصوت متحكم:

"عارف إن موتي وسكوتي… إني أكلم حد ويسيبني ويمشي."


ردت رانيا بسرعة وهي عاملة نفسها مش فارقة:

"مش عايزة أتكلم يا بدران… لو سمحت."


قرب منها بدران وقال بحزم:

"ما هو للأسف لازم تتكلمي. ومعلش… هغصبك يا رانيا عشان أفهم إيه اللي حاصل."


رفعت حاجبها باستفزاز وقالت:

"تغصبني؟"


قال بدران بحدة وصوته علي:

"وعد مشيت ليه… يا رانيا؟"


حاولت تتفادى عينه وقالت ببرود:

"ما تسألها هي."


صرخ بدران وهو بيخبط بكفه على الترابيزة:

"راااانيا!"


اتوترت، بدران قال:


وعد مشيت ليه؟ إيه اللي حصل؟ اتكلمي.


ردت رانيا وهي مترددة:


قولتلك… اتخانقنا. هي عجبتني شوية فقولت…


قطب بدران:


قولتي إيه؟


قالت رانيا وهي متأثرة:


هي قالت إنها مش عايزة تبقى زي… قالت مش هتتجوز حازم ولا هتاخد حد مش بيحبها.


دمعت عيونها وبصت له:


زي ما إنت مش بتحبني… هي كمان مش عايزة جوزها يحب غيرها. لإنها ملقتش الحب معاه. قالت كل ده وقالتلي إني مدخلش في حياتها، وإني بساعدها مش عشانها… عشان نفسي، عشان آخدك منها.


قال بدران بدهشة:


وعد قالت كده؟


هزت رانيا راسها:


أنا استحملت عشانك، بس كلامك كان إهانة يا بدران. أنا كمان اتعصبت وقلت لها إنها مش هتبقى زي… وهتبقى زي أمها.


بصّ لها بدران بحدة.


قالت رانيا بسرعة:


اتعصبت يا بدران، أعمل إيه؟ مش شايف كلام بنتك؟ هي مصرة تفرق بيني وبين أمها… وده كان ردي عليها.


سكت بدران شوية وقال بهدوء:


تمام… أنا هكلمها.


---


في الفيلا، كانت وعد قاعدة على السرير، ملامحها مرهقة.

دخل علي بهدوء، قرب منها وحط في إيدها برشامة وكوباية ميه.


قال بهدوء:


دي عشان الصداع اللي حاسه بيه.


بصت له شويه وسالت:


أنا… أنا شربت إيه امبارح؟


على- مش مهم تعرفي. المهم ما تشربيش حاجة تاني مش عارفة مصدرها.


قالت باستغراب:


يعني… مش عصير؟


قعد قدامها، نظرته غاصت في عيونها البريئة وقال بنبرة واثقة - 


أنا اتأكدت إنك عمرك ما شربتى قبل كده.


قالت- شوفت؟ قولتلك.


فجأة، وضعت إيدها على فمها وبصت له بدهشة:


أنا… أنا شربت خمرة؟!


مد إيده القويه ، لمس وشها ونظر لشفايفها وقال بابتسامه عليها


للأسف.


احمر وشها من الخجل، انكسرت في عيونه ولمسته خلت قلبها يتلخبط. ابتسم علي ابتسامة خفيفة من ملامحها وقال:


خدي البرشامة، هتريّحك.


أخذت البرشامة وشربت شوية ميه. مد إيده ومسح شعرها من ورا ودنها وقال بنعومة:


أحسن كده.


دق قلبها بسرعة وتفت الميا من بقها، غمض علي عينه، وهي اتلخبطت أكتر وقالت بسرعة:


أنا آسفة… مكنتش أقصد.


مدّ علي إيده، أخد منديل ومسح وشه برفق وهو يقول:


حصل خير.


بصّت وعد ناحية البرشامة التانية وقالت بخفوت:


ودي بتاعة إيه؟


رد عليها وهو جاد:


دي هتبقى روتين معاكي… تاخديها يوميا بدون نسيان ياوعد


هزّت راسها بطاعة من غير جدال. قام علي وهو في طريقه للباب، لكن صوتها أوقفه:


عمّي… أنا عايزة هدوم.


التفت لها وقال بهدوء:


استخدمي هدومي لحد ما أجيبلك.


سكتت شوية، بعدين أومأت بخجل وقامت، لكن رجليها وجعتها. لاحظ علي فورًا ونظر لها بقلق.

خدت وعد تيشرت وبنطلون


قال علي وهو متابعها بعينه:


إنتي كويسة؟


سكتت لحظة، الألم واضح على ملامحها، وبعدين تمتمت:


مفيش حاجة.


قرب منها، صوته اتغير لحدة ناعمة:


إيه اللي وجعك؟


مد إيده ولمس خصرها بخفة، اتكسفت ووشها احمر وقالت بسرعة:


مفيش… خلاص، هاخد دش وهبقى كويسة.


قال علي بابتسامة جانبية وهو يراقب ارتباكها:


عايزة مساعدة؟


هزت راسها بعنف، قلبها بيخبط وقالت:


لأ… أنا جعانة.


على- خلّصي دش، ولما تخرجي هيكون الأكل وصل.


خرج من الأوضة وسابها واقفة متوترة، ووشها لسه محمّر من كلماته ولمسته.


خرجت وعد من الحمام لابسة تيشرت واسع وبنطلون من هدومه. شكلها كان مضحك وهي "عايمة" في لبسه الكبير، لكن رغم رجولية الهدوم، مغطتش أنوثتها ولا جسمها الممشوق. شعرها كان منسدل ناعم كالحرير، بيزودها براءة ورقة.

نزلت من فوق مش لاقية علي، لكن فجأة شافته داخل من باب الفيلا.

وقف مكانه وهو بيبصلها من رأسها لرجليها، نظرة مطولة خلتها تتكسف وتقول بخجل:


عقبال ما أجيب هدومي.


قرب منها وقال - إنتي مش هترجعي الفيلا.


بصّت له باستغراب: فيلا؟ قصدك عند بابا؟


قال بهدوء ثابت: أيوه.


سكتت لحظة، وبصوت منخفض قالت:


احنا اتجوزنا… عادي أعيش معاك هنا.


 يرد بجدية:


محدش يعرف ده غيرنا… ومينفعش أي حد يعرف، يا وعد.


خفضت راسها وقالت بضعف:


ليه؟


شد على إيدها وقرب منها، صوته اتغير لحِدّة:


وعد! قولتلك… في الوقت المناسب هيعرفوا.


اتراجعت خطوة صغيرة، قلبها بيدق من حدة نبرته، لكنها في الآخر أومأت له بالموافقة..قالت

- الى انت شايفه


تنهد وقربها من على رقبتها اتوترت، تنفس على بها ورائحتها الجميله قال

- خايفه من اى


وعد- مش بنعمل حاجه غلط صح


على- لو كنتى غلطه مستحيل اندم عليها


وعد-مش فاهمه


على- لو بس ف ظروف تانيه لو الاقدار مختلفه عن دلوقتى كان اجتمعنا هيكون مختلف


قالت وعد - اى ظروفك ياعمى، اى الى مانعنا نعترف بحبنا


سكت بس ابتسم لما جمعت قال - حبنا


بصّت على الأكياس في إيده:


أنا جعانة.


ابتسم علي ابتسامة صغيرة وهو يحط الأكل على السفرة:


يلا.

قعدت وعد معاه على السفرة، أول ما شافت طبق مليان نقانق – أكتر حاجة بتحبها – عينيها لمعت وبدأت تاكل بشهية.

علي كان قاعد بيدخن سيجارته بهدوء، بيتأملها. رفعت عينيها تبصله، ولما لقت نظرته عليها، اتكسفت فورًا. ابتسامته طلعت غصب عنه من خجلها.


مد إيده، مسح بخفة على شعرها الناعم، والقشعريرة الجميلة دي خلت قلبها يدق بسرعة.

سحب كرسيها جنبه، وإيده نزلت من خصل شعرها لحد وسطها ولمسها بحنان كان خصرها جاي على قد ايده، صغيره هي مثل ارنته وجميله مثل امرأته، 


على- كل حاجة فيكي… جميلة.


ارتبكت، لكن ابتسامة صغيرة خرجت منها وهي بتغرق في عيونه اللي بتسحرها.

جمعت شجاعتها وسألت بصوت متردد:


إنت… مش بتحب خالتو نادين؟


رفع حاجبه بدهشة، وقال:


نادين؟! 


وعد- مش مرتبطين


على- لا، مفيش الكلام ده.


تنفست الصعداء، وفرحة خفية لمعت في عينيها، رغم إنها حاولت تخفيها. ابتسم هو، شايف بعينيه قد إيه البنت اللي قدامه دي غرقانة فيه بجنون.


فجأة، رن تليفون وعد. اتسمرت مكانها، وقلبها اتقبض كأنها عاملة جريمة.

بصّ لها علي باستغراب وهو ينفث دخان سيجارته:


مين؟


ردّت وعد بصوت متردد:


بابا…


قال علي بهدوء وهو ينفث دخان سيجارته:


ردي خايفه من اى


فتحت الخط، وجاها صوت بدران:


إنتي فين يا وعد؟!


كان ممكن تجاوبه بسهولة وتقول مكانها، لكن دلوقتي… هي بقت زي الهاربة.

قالت بتردد:


نعم يا بابا؟


قال بدران بلهجة صارمة:


ترجعي البيت النهارده يا وعد… ومش عايز أي حجج فارغة.


شعرت إن قلبها بيتقبض، حاولت تبرر:


حجج فارغة؟! إنت متعرفش اللي حصل يا بابا…


رد بدران بسرعة، وكأنه قافل الحوار:


عرفت كل حاجة. وما كانش لازم تتكلمي مع والدتك كده… وتقوليلها الكلام اللي قولتيه.


اتصدمت وعد، إزاي أبوها قلب عليها فجأة!

حاولت تدافع:


بس هي قالت أكتر من كده…


سألها بدران بحدة:


اللي هو إيه؟


سكتت… إيديها اتشدت على بعض بقهر وحزن، عينيها لمعت بدموع مقهورة.

جالها صوت أبوها آخر مرة، تقيل وقاسي:


تكوني في البيت النهارده. عشان ما أجيش أجيبك أنا… بلاش تعصبيني أكتر من كده.


قالت وعد بصوت مكسور:


اللي إنت شايفه يا بابا…


وقبل ما تسمع رد، قفلت الخط بسرعة.

إيدها كانت بتترعش، قلبها مقبوض، ودموعها محبوسة في عينيها.

التفتت لعلي، قالت بمرارة:


معقول عرف كل حاجة… ووقف معاها هي؟ بيقول اللي حصل مجرد سوء تفاهم… وإن أنا اللي غلطت لما رديت عليها كده؟


قال علي بثبات:


بدران ميعرفش اللي حصل كله.


هزت وعد راسها وقالت:


لا… يعرف. أنا فعلاً قلت إني مش عايزة حازم… وقلت مش هاخد حد مش بيحبني زيها.

بصلها علي واضايق إنها زعلت، دموعها بتنزل على خدها:


كنت بشوفهم دايمًا… علاقتهم جافة. وأنا مش عايزة كده. وبعد اللي قلته، هي قالت… إن أمي… إنها خطفت جوزها منها.


انهارت دمعة صوتها اختنق:


معقول بابا… بعد ده كله… شايف إني أنا الغلطانة؟


قرب علي منها بهدوء، رفع إيده، مسح دمعتها بكف إيده الخشن وقال بصوت واطي:


متعيطيش قدامي…


بصّت له وعد، واتعلقت عينيها بعينيه.

وعلي، وهو بيغوص في عيونها، حسّ كأنه شايف الكون كله متجسد في ملامحها… ملامح بريئة هادية، والدموع مغرقة عينيها، بتناديه من غير كلام.


فجأة، اتغرقت عينه هو كمان بالدموع… مد إيده ناحية وشها، يلمسه كأنه قدامه شخص تاني… مش وعد.

وطلع صوته ضعيف، مهزوم:


منى…


استعرب وعد من الاسم ونبرته الغريبه الى أول مره تسمعها منه

ولأول مرة، شافت في عيونه حاجة مختلفة انه ليس على نفسه وكان ملامح وشه اتحولت… حزن هائل، كأنه طفل ضعيف مكسور.


قالت بصوت متردد:


ع… عمي؟


الكلمة رجّعته للواقع فجأة. اختفت الصورة اللي كانت قدامه بالكامل، ورجع يشوف وعد… مش منى.

تراجع بسرعة، عيناه متسعة بارتباك، كأنه اكتشف نفسه في لحظة عارية.


قالت وعد بخوف:


إنت كويس؟


ابتعد عنها فجأة، خطواته سريعة متوترة، لحد ما اختفى في الحمام. قفل الباب بالمفتاح بإيد مرتعشة.

ووعد فضلت واقفة قدام الباب


كانت عروقه بارزة بقوة، كأن وحش هائج بيحاول يكبحه قدر الإمكان.

سند إيديه على الحوض، أنفاسه تقيلة متقطعة، رفع وشه وبص في المرايا.

عينيه حمراء، وجه مشدود مليان شر وثأر… والهمس خرج من بين أسنانه باحتقان:


نسيت نفسك إنت مين… صدقت إنك "علي" اللي بتمثّله… ونسيت "علي" القديم اللي إنت واقف هنا بسببه.


طرق خفيف هزّ الباب.

صوت وعد المرتبك:


عمي…


كانت واقفه على الباب قلقانه اتفتح الباب.

وقفت قدامه، عينيها بتدور على آثار اللي شافته من شوية… بس اللي قابلها كان "علي" طبيعي، ملامحه هادية، ولا كأن في عاصفة هاجت جواه.


قال على


المفروض إنك جعانة… بس شايفك سايبة الأكل وجاية ليّ.


ارتبكت، بلعت ريقها:


لا… أنا كنت قلقانة عليك… بس إنت كويس؟


ابتسم ابتسامة صغيرة:


آه، في حاجة؟


وعد- لا… مفيش.


قرب منها خطوة، قال


مترديش على أي حد من البيت تاني… حتى لو بدران. مفهوم؟


 هزت راسها بطاعة قالت-


حاضر… بس بابا حذرني إني لازم أرجع النهاردة.

قال علي وهو بيبص في عيونها:

"وأنا بقولك مترجعيش… المفروض تسمعي كلام جوزك."


قلب وعد دق بسرعة، لسه مش مستوعبة وضعهم الجديد. مد علي إيده على وسطها وقربها منه، صوته بقى أخف:

"متضايقيش نفسك… خلاف العيلة ده أنا هخلصه."


بقلق سألت: "إزاي؟"


رد بثقة: "سيبيها عليا."


بصت في عيونه للحظة، لكن هو نزل بعينه على شفايفها وقرب منها، وباسها فجأة. قلبها دق بعنف، حسّت بجسمها بيتجمد وهو بيشدها أقرب، ويغرس وجهه في ملامحها يقبّلها بعنف مبالغ فيه.


اتالمت، حاولت تبعده بصعوبة، همست متقطعة:

"ع… عمي…"


وقف فجأة، وبعد عنها. بصتله بخوف وارتباك واضح.


قال "في إيه؟"


ردت بخجل وتوتر:

"إنت بتطوّر في علاقتنا بسرعة… وأنا لسه بحاول أستوعب."


سكت لحظة، هو عارف إنه أول تجربة في حياتها، وقال أخيرًا بنبرة أهدى:

"هحاول أكون لطيف معاكي."


تمتمت بصوت واطي "أنا خايفة."


قال علي بحدة "لأنك مش بتتعاملِي معايا بمشاعرك."


سكتت وعد، اتلخبطت، وبتردد قالت:

"عمي…"


قاطعها بعصبية:

"متقوليش عمي! قولتلك… أنا مش كده."


تراجعت خطوة وسألته بارتباك:

"طب… أناديلك بإيه؟"


قال علي بهدوء لكنه حاسم:

"باسمي… علي اسمى."


كان صعب على وعد تنطقه باسمه، ارتبكت، لكن صوته جذبها من جديد:

"وعد… إنتي كنتي بتتعاملي معايا أكتر من كده. عايزك تكسري قيودك معايا، مش تزوديها. إحنا بنحب بعض."


لمعت عيونها بدهشة:

"بنحب بعض؟"


ابتسم علي بعمق وقال متحديًا:

"إنتي مش بتحبيني؟"


اتكسفت، رفعت عينيها ليه وهو ماسك وشها، صوته أصرّ:

"ردي."


همست بخجل، لكن بصوت مليان صدق:

"ب… بحبك."


ابتسامه ظهرت على وشه، مد إيده ولمس رقبتها بلطف، وعيونها ضعفت من لمسته. قرب منها وباسها برقة مختلفة المرة دي، وعد فضلت ساكنة لحظات، وبعدين رفعت دراعها وتحضنه، تبادله القبلة بمشاعر غرام لأول مرة.

لما بعد عنها، وشها كان محمّر خجل، ابتسم علي، شالها بين إيديه وهي مخبية وشها في كتفه.


✦ ✦ ✦


في بيت بدران…

كان قاعد متضايق جدًا، عينه على الساعة اللي عدت 12. غضبه بيغلي:

"بنتي مجتش… زي ما قلتلها. لا… وكأنها مش مهتمة بيا ولا بكلامي."


يوسف حاول يهدّي الموقف:

"ممكن تكون نسيت… أكيد مش قصدها تكسر كلمتك."


بدران ضرب الطربيزة وقال بصوت هادر:

"محممممود!"


دخل محمود بسرعة أول ما سمع ندائه:

"أيوه يا باشا."


أمره بدران بصرامة:

"تاخد الرجالة… وتروح تجيب وعد من بيت ياسمين."


اتصدم يوسف من كلام أبوه، وبص لمحمود اللي رد بسرعة:

"حاضر يا باشا."


يوسف اندفع وقال:

"استنى يا بابا!"


بدران بعصبية:

"استنى إيه؟"


يوسف بهدوء وهو بيحاول يمسك أعصابه:

"لو عملت كده… وعد هتضايق جدًا. إنت عارفها… بتزعل من أقل حاجة."


بدران صوته علي:

"يعني تعصي كلامي؟"


يوسف:

"ممكن تكون زعلانة… بس بالطريقة دي هتخليها تسيب البيت العمر كله. أنا عارف وعد، العناد غلط معاها."


بدران حدة صوته خفت شوية:

"والصح إيه بقى؟"


يوسف قرب وقال:

"سيبلي أنا الموضوع… هرجعها بطريقتي."


سكت بدران وهو بيكتم غضبه، وقال بضيق:

"اتصرّف يا يوسف."


✦ ✦ ✦


مع إشراقة الصبح…

فتحت وعد عينيها بنعاس، لكن حركة جمبها صحتها.


بصّت تلاقي علي خارج من الحمام، بيمسح شعره وهو بيقف قدام الدولاب يختار قميص. لمحها في المرايا وقال بهدوء:

"صحيتِك؟"


هزت راسها بالنفي وهي لسه مستغربة نفسها فين.


قعد علي على طرف السرير وهو بيلبس القميص. وعد اتعدلت بخجل، وبصت له وقالت بصوت واطي:

"إنت خارج؟"


قال علي وهو بيظبط أزرار قميصه:

"آه… وانتي كمان."


وعد رفعت عينيها باستغراب:

"أنا كمان إيه؟"


ابتسم علي ابتسامة غامضة وقال:

"مالك… هييجي يوصلك الفيلا في وقت معيّن. متعارضهوش… أنا اللي هكون باعتُه."


وعد اتوترت وردت:

"هرجع البيت… بس ليه؟"


بص لها علي ان القعده هنى عجبتها اتكسفت لما لقيته بيبتسم

قالت وعد "مش عايزة أبعد عنك… مش إنت جوزي؟"


شدّ نفسه للحظة، وبنبرة جادة قال:

"وعد… متذكريش الجملة دي قدام حد. مش هقولك تاني."


سكتت بخجل.

هو قرب منها ولمس رقبتها ورفع وشها ليه وقال:

"متقلقيش… أنا هكون معاكي على طول. وجودك هناك مش معناه إننا مش هنكون مع بعض."


أومأت له بطاعه، فمال عليها وقبّل شفايفها كأنه بيكافئها.

وشها احمر وهو ابتسم وقال بنعومة:

"نسيت أقولك… صباح الخير."


ارتبكت وعد وخرج صوتها ضعيف:

"عم... علي."


كانت أول مرة تنطقه باسمه بصوتها الرقيق… فنبض قلبه بابتسامة صافية، واكتفى إنه ينسحب بهدوء ويخرج من الغرفة.

لمست وعد شفايفها بخجل وهي لسه حاسة بحرارته، ابتسامة رقيقة غمرت وشها… ابتسامة كلها عشق.


على نزل على تحت بيفتح باب الفيلا ولسا هيخرج وقف مكانه من لما لقى فى وشه رضوان الى كان ع الباب ونظر إليه ودخل الفيلا قال

- زياره مفاجئه

الثامن 


رضوان قال- زياره مفاجئه

بصّ علي لـ رضوان بهدوء وهو يقفل الباب وراه، وقال 

"دي زيارة غريبة… وغبية. إزاي تيجي هنا؟"


ابتسم رضوان وقال: "عايز أسألك عن حاجة."


في الوقت ده، وعد كانت خارجة من أوضتها. سمعت صوت اتفاجئت بيه، وقفت على السلم تنصت، لقطت نبرة علي وعرفت إنه لسه ممشيش. نزلت خطوة بخطوة، وقفت لما شافت معاه شخص غريب


قال علي:

"مش منطقي إنك تيجي أصلاً… لا بسؤال ولا بغيره."


ضحك رضوان بخفة وقال:

"ما تتضايقش يا علي. أنا عارف إنك هنا ملكش ودان غيرك. حتى رجالتك اللي برا… متأكد إنهم واقفين بمسافة كافية ومش هيسمعوا كلامنا."


كان علي على وشك يرد، لكنه سكت بص ع السلم فلقى وعد واقفة، عينيها معلقة عليه وعلى رضوان بتمعّن واضح.


جلس رضوان على الكنبة وقال وهو بيميل بجسده للأمام:

"أخبارك إيه مع بدران؟ مش ناوي تعتزل بقى؟"


علي كان بيبصله، لكن عينه التانية معلقة بوعد. رضوان لاحظ التشتت وقال باستغراب:

"مالك؟"


رفع علي نظرته له وقال بحدة:

"امشي دلوقتي يا رضوان."


قال رضوان بجدية "بقولك… عايزك في موضوع ضروري. بخصوص حسن، ظابط قضيتك."


رد علي بحدة قصيرة:

"مش دلوقتي. خلاص."


نقلت وعد نظرها بسرعة لعلي، ولما عينه وقعت في عينها، فهمت من نظرته الواضحة إنها تمشي فورًا.


رضوان لاحظ حاجه في عين علي فسأله:

"مالك؟"


سكت لحظة… وبعدين حس إن في حاجة غريبة. وقف وقال وهو ماشي خطوتين ببطء:

"في حد هنا معاك؟"


رد علي بثبات:

"لا."


لكن رضوان وقف فجأة، لف بسرعة وبص للسلم الىىطان على بيبصله… وقفت وعد مكانها، ملامحها متوترة. عينيها اتعلقت بيه وبعلي في نفس اللحظة.

تجمدت ملامح رضوان، عارفها كويس… عارف هي مين. نطق اسمها بصوت منخفض كأنه همس:

"… وعد."


نظر لعلي، وبعدين رجع بعينه لملابسها… ملابس رجالية واضحة، عارف إنها مش بتاعتها. ارتسمت على وشه ابتسامة غامضة.


ترددت وعد وقالت بخجل مرتبك:

"أنا آسفة… إني قطعتكم."


 رضوان ابتسامة قال وهو عينه مثبتة عليها:

"إنتي… وعد."


قالت بتوتر:"حضرتك… تعرفني؟"


 رضوان قال: "عز المعرفة."


علي قاطع الحوار بحدة وصوت مسيطر:

"اطلعي… يا وعد."


أومأت بخوف، وطلعت على السلم بهدوء.

عين رضوان فضلت متسمّرة عليها لحد ما اختفت فوق.


على قال:

"مش هقولك تاني… امشي. كفاية اللي كنت هتقوله وهي هنا."


 رضوان قال "غلطتك إنك ماعرّفتنيش يا علي."


رد علي : "أديك عرفت."


نظر رضوان للأعلى وهو مركز في تفاصيل اللبس وقال بنبرة شك:

"هي… مش دي هدومك اللي البنت لابساها؟"


سكت علي، ونظرته بقت باردة زي الجليد.

اقترب رضوان خطوة، ووقف قدامه مباشرة وقال:

"لبساها ليه؟ وبتعمل إيه هنا… في بيتك؟"


رد علي بلهجة هادئة لكنها قاطعة:

"قاعدة عندي… بسبب خلاف في بيتها. وهترجع النهارده."


 رضوان قال: "قاعدة عندك؟ اممم


 عين رضوان لسه متعلقة بالسلم، وكأنه بيسترجع صورة وعد.

ثم قال وهو يغمغم:

"حاسس… إنك بتعمل حاجة كبيرة من ورايا."


ارتسمت على وش علي ابتسامة ساخرة وقال بهدوء:

"إنت دايمًا بتحس… بس عمرك ما عرفت الحاجة دي إيه."


ضحك رضوان ابتسامة باهتة وقال:

"أنا بحب أتفاجأ بيك يا علي… بتبهرني دايمًا. وشكل الانبهار المرة دي… هيكون فريد."


ما ردش علي، بس ملامحه ازدادت صلابة.

تنهد رضوان، وقف، وقال وهو متراجع ناحية الباب:

"أشوفك… لما تبقى فاضي."


خرج من الفيلا، وابتسامة غامضة مرسومة على وشه.

ركب عربيته، وقال للسواق "امشي."


وقف علي مكانه لحظات بعد ما رضوان مشي، ملامحه متجمدة لكن عينه فيها نار مكتومة.طلع السلم بخطوات تقيلة، فتح باب الأوضة… لقى وعد قاعدة بتتظاهر بالهدوء، بس أول ما شافته قامت بسرعة.


قالت بصوت متردد:

"مين ده؟"


رد علي بحدة وهو بيقفل الباب وراه:

"إيه اللي نزلك؟"


اتلخبطت وعد وقالت بسرعة:

"أنا… كنت بشوفك. لسا ممشيتش ليه؟"


قرب منها خطوة وقال بعصبية مكتومة:

"عرفتي إني معايا حد… وبرغم كده وقفتِ تتفرجي؟"


وعد "انت مضايق؟"


قال علي  "كنتي عايزة إيه بالظبط؟ عايزاه يشوفك؟"


قالت وعد بسرعة، صوتها بيرتعش: "لما حسيتك بتقولي امشي… مشيت. بس هو…"


قاطَعها علي بحدة، صوته منخفض "ما كانش المفروض تقفي أصلًا وأنا معايا راجل غريب. المفروض… محدش يعرف إنك هنا. قُمتِ نزلتي؟"


قالت وعد تدافع عن نفسها: "محدش يعرف من عيلتي… وده…"


قاطعها بعينين ثابتة:

"أنا قلت… محدش خالص يعرف يا وعد. سواء من عيلتك… أو حد إنتِ متعرفهوش."


سكتت وعد بحزن من حدته، اقترب منها علي، صوته انخفض وبقا هادى:

"البسي هدومك يا وعد… عشان تمشي.

وإياك تقابلي حد كده… أو تنزلي لحد وانتي مش مظبوطة. ساعتها… هتشوفي مني وش… هتندمي إنك عرفتيه."


كانت عيون وعد معلّقة بعينه، صوتها مهزوز:

"بتكلّمني كده ليه؟… أنا ما كنتش أقصد."


سكت علي لحظة، قالت وعد بصوت أوطى:

"أنا ما غلطتش عشان تكلّمني بالشكل ده."


اقترب منها فجأة، صوته منخفض بس قاطع:

"غلطتى يا وعد… غلطتى."


ارتبكت، قبل ما تستوعب لقت إيده ماسكة كتفها يسحبها ناحيته، وبإيده التانية مسك وشها، ونزل يمرّر أصابعه على رقبتها الناعمة ببطء متعمد.


قال بنبرة مسيطرة:

"حريتك… معايا أنا.

البسي… واعملي كل اللي يريحك معايا.

أنا قولتلك إن البيت ده بيتك.

لكن أول ما يكون في حد تاني… يبقى مش بيت، يبقى شارع.

وساعتها… مفيش غلطة بتعدي."


سكت لحظة، عينه ما زالت مغروسة في عينيها المرتبكة. بعدها أفلتها فجأة، خطا خطوة لورا وقال :

"كده فهمتي؟"


ما قدرتش ترد، قال على"دلوقتي… أنا همشي."


فتح الباب وخرج، وسابها واقفة مكانها، عيونها بتطارد طيفه اللي مازال عالق في الأوضة… وفي قلبها.


----

كان مالك خارج من فيلا الضخمة، وفجأة لقى رضوان واقف قدامه.

رضوان بابتسامة هادية:


اتأخرت عليك يا مالك.


مالك باحترام:


لا يا رضوان بيه، الرجالة قالولي إنك مش موجود، فرنيت عليك.


رضوان:


آه، مسمعتش… أصلي كنت مع علي.


مالك باستغراب:


مع علي؟! في حاجة جديدة؟


رضوان وهو بيهز راسه:


آه… بس الأهم حاجة شفتها في بيته.


مالك بدهشة:


بيته! إنت رُحتله الفيلا؟


رضوان بابتسامة غامضة:


أيوه… واضح إنك كمان متفاجئ.


مالك:


أكيد! خصوصًا إن علاقتكم فيها حرص شديد ومحدش يعرف تفاصيلها.


رضوان:


اللي عرفته أهم من كل ده.


مالك بسرعة:


بخصوص قضية علي؟


رضوان أومأ بإيجاب:


بالظبط… بس قولي، إنت كنت تعرف إن بنت بدران قاعدة معاه؟


سكت مالك شوية، وبعدين رد:


الأنسة وعد؟ آه… بقالها يومين بالظبط هناك، بسبب خلاف بسيط حصل.


رضوان بحدة:


مقولتليش ليه؟


مالك بهدوء:


الموضوع مكانش يستاهل إنّي أبلّغ حضرتك.


رضوان بعينين ضيقة:


لا… مهم. اشمعنا علي بالذات اللي راحتله؟


مالك:


عشان عمها… ووعد متعلقة بيه جدًا.


رضوان وهو بينظر لمالك بنبرة غامضة:


وشكلك يا مالك… هو كمان متعلق بيها.


مالك بتوتر خفيف:


حضرتك عايز تقول إيه؟


رضوان لَف ووقف قصاده:


قوللي يا مالك… مفيش حاجة بينهم؟


مالك باستفسار:


بين وعد وعلي؟


رضوان بحزم:


أيوه، بين وعد وعلي.


مالك هز كتفه:


معرفش… علاقتهم مش متطورة أوي، مجرد علاقة عم ببنت أخوه.


رضوان فضَل باصص له لحظة، وكأنه بيحاول يقرأ وشه أو يكشف كدبة مستخبية. بعدين قال بهدوء:


طب… راقبهملي.


مالك بحذر:


علي ولا وعد؟


رضوان بصرامة:


علاقتهم. راقبلي علاقتهم.


قال كده ومشي، وساب مالك واقف ساكت، ملامحه هادية ومافيش أي كدبة بانِت عليه.


---

في الفيلا في المطبخ، كانت رنا بتغسل الأطباق وعينيها كل شوية تروح على فاطمة. سألتها بفضول:

"مالك يا طنط فاطمة؟"


فاطمة ردت بسرعة وببرود:

"مفيش حاجة."


رنا ما اقتنعتش وقالت:

"إنتي ساكتة من امبارح… لما نزلتي من عند رانيا هانم تديها القهوة. هي قالتلك حاجة زعلتك؟"


فاطمة هزت راسها:

"لا يا رنا."


رنا فضلت تلحّ:

"أمال في إيه؟ ولا زعلانة عشان وعد مش هنا؟ أنا سمعت البيه الكبير وهو بيكلمها امبارح، وبيقولها ترجع."


فاطمة التفتت لها بعصبية:

"قولتلك متتصنتيش على حد هنا، عشان متحطيش نفسك في مشاكل أكبر منك."


سكتت رنا فورًا وهزت راسها بخوف:

"حاضر… خلاص."


تنهدت فاطمة، كانت بتفتكر الكلام الى سمعته ع الباب ورانيا بتقول لبدران نص الى حصل وبتغلط وعد

 دخلت رئيسة الخدم بسرعة وقالت:

"على بيه داخل!"


الكل اتوتر وبصوا لبعض باستغراب.

وبالفعل دخل علي، هيبته مالية المكان.

وقف في نص المطبخ وقال بنبرة حادة:

"فين فاطمة؟"


بصّت رنا لفاطمة بقلق…

فاطمة رفعت عينيها وقالت بسرعة:

"أنا يا بيه."


علي أشار لها:

"تعالي."


مشت ورا بخطوات مترددة، ورئيسة الخدم بصتلها بحدة وهمست:

"عملتي إيه؟"


خرجت فاطمة مع علي للطرقة. وقفت قدامه وقالت بخوف:

"نعم يا بيه؟"


علي وقف بإيديه في جيوبه وسألها مباشرة:

"إنتي كنتي بتكلمي وعد لما رانيا كلمتها؟"


فاطمة اتلخبطت:

"كانت بتكلمها قدامنا كلنا… مش أنا بس."


علي ضيق عينيه وقال:

"بس وعد كانت بتتكلم معاها على انفراد."


ترددت فاطمة لحظة وقالت:

"آه."


سأله تاني ببرود واضح:

"سمعتي حاجة من الكلام اللي بينهم؟"


فاطمة سكتت… وسكوتها فضحها.

ابتسم علي ابتسامة صغيرة بس مرعبة وقال:

"يبقى سمعتي الكلام اللي اتقال لوعد."


كانت ملامح فاطمة حزينة ومتوترة، حاولت تتهرب لكنها قالت بصوت واطي:

"آه."


في اللحظة دي اتفاجئت لما سمعت صوت بدران من وراها:

"قالتلها إيه؟"


التفتت بدهشة إنها لقت بدران واقف، هيبته ووقاره ماليين المكان.

قال علي بنبرة جدية:

"لو خايفة من رانيا… بدران بيه بنفسه بيقولك اتكلمي."


اتنهدت فاطمة وقالت بصوت متردد:

"رانيا هانم… كانت بتقولها إنها مرتبّة معاد تقابل فيه حازم بيه، عشان يتعرفوا على بعض. بس وعد اتضايقت وزعقت لها… وقالت إنها مش عايزة الموضوع ده، وإنها قالت لأبوها إنها رافضة ومحدش يدخل في حياتها… وإنها مش عايزة تكون زيّها."


كملت فاطمة بتنهيدة تقيلة:

"رانيا هانم اتضايقت… وقالتلها إنها عمرها ما تكون زيها، وإنها هتبقى زي أمها اللي خطفت جوزها منها."


اترددت لحظة، وبعدين نطقت بالكلمة اللي كانت مترددة تقولها:

"قالتلها… إن مفيش حد هيحبها، وإنها ملهاش تتكبر… تبص في الأرض وبس."


بدران ضاق صدره وبص لفاطمة بحدة، كأن الكلام ده ضربه في مقتل.

كملت فاطمة بصوت مرتعش:

"وقت الكلام ده… يوسف بيه ظهر، ووعد خرجت من الفيلا زي ما حصل."


قال بدران بنبرة غاضبة مكتومة:

"مقولتليش ليه؟"


خفضت فاطمة عينيها:

"خوفت يحصل مشاكل… أنا غلطت لما سمعت كلامهم، بس كنت قلقانة على وعد هانم."


علي رفع إيده وقال بحزم:

"خلاص يا فاطمة… روحي شغلك."


هزت راسها باحترام ومشيت.


التفت علي لبدران وقال بهدوء فيه نبرة مرارة:

"دلوقتي عرفت رد رانيا الكامل كان إيه."


بدران اتنفس بعصبية وقال:

"إزاي تقولها حاجة زي دي؟!"


قال علي وهو بيولع سيجارته:

"يا بدران… مهما حاولت، رانيا عمرها ما هتتقبل وعد زي يوسف. هي طول الوقت شايفاها نسخة من أمها… والفرق الوحيد إن يوسف ابنك، لكن وعد بنتها. كلام وعد لمس حاجة جواها… خلاها تفتكر سلوى وترد رد ماكانش لازم يتقال ليها في يوم من الأيام."


قال بدران وهو بيتمشى بعصبية:

"أنا مأكد عليها من زمان… إزاي مش قادرة تفهم لحد دلوقتي؟"


قال علي بهدوء:

"ممكن غيره… وهي مش شايفة وعد بنتك، شايفاها سلوى."


ضيق بدران عينيه:

"دي حاجة تضايقني أكتر… كويس إن يوسف منعني امبارح من تصرف غبي."


التفت له علي باهتمام:

"تصرف إيه؟"


قال بدران بنبرة تقيلة:

"كنت هخلي الرجالة يجيبوا وعد من عند صحبتها اللي قاعدة عندها… ياسمين."


رفع علي حاجبه:

"يوسف هو اللي منعك؟"


أومأ بدران. ابتسم علي ابتسامة صغيرة… دلوقتي فهم ليه بدران ما قلبش الدنيا على وعد: يوسف خاف كذبته تنكشف.


في اللحظة دي… دخل يوسف من برا.

بص له بدران بحدة:

"كنت فين كل ده؟"


يوسف اتوتر، وقال بسرعة:

"كان عندي شغل."


قال بدران بصرامة:

"فين وعد؟ مش المفروض كنت هترجعها؟"


يوسف ارتبك وابتلع ريقه:

"في… في الجامعة دلوقتي."


أومأ بدران بتفهم ساكت. لكن علي اللي كان قاعد مسترخي، رفع عينه على ساعته بابتسامة خفيفة… كأنه عارف إن الوقت جه بالظبط.


فتح الخادم الباب وقال:

"بدران بيه… آنسة وعد برا."


اتصدم بدران، وحتى يوسف اتفاجئ، أما علي فابتسم وهو يراقب اللحظة.


دخلت وعد… أول ما عينها وقعت على علي قلبها دق جامد، لكن عين بدران شدت انتباهها أول.


قال بدران بصوت تقيل:

"وعد… كنتي فين؟"


قالت وعد بهدوء:

– كنت عند صحبتي… إنت مكنتش عارف إني برا البيت كل ده؟


رد بدران وهو بينظر لها بحدة:

– عارف… بس بسألك برضه.


سكتت وعد، قلبها متقلّب، لأنها أدركت إن محدش أصلاً مهتم يدور عليها، ولا حتى يعرفو إنها كانت مع علي.


قال بدران بنبرة جادة:

– وعد، بعد كده لو حصل خلاف في البيت تيجي تقوليلي… مش تمشي كده من غير ما أعرف.


قالت وعد بحزن:

– بابا… إنت متعرفش حاجة.


تنهد بدران وقال وهو يحاول يسيطر على غضبه:

– عرفت خلاص. أنا مبحطش اللوم عليكي… أنا بس مكنتش عارف اللي حصل بالتفصيل.


بان عليه الضيق وهو يضيف:

– هتكلم مع رانيا… وأنتي اطلعي أوضتك دلوقتي.


نظرت وعد سريعًا ناحية علي، تبحث في ملامحه عن أي شيء، لكن هو كان متماسك، ما بيبصش لها، وكأنه ما يعرفهاش، كأنهم ما كانوش مع بعض من ثلاث ساعات بس. هو قادر يخفي مشاعره… وهي متأكدة إنها هتفضح نفسها عاجلًا أو آجلًا.


طلعت وعد على أوضتها، بينما بدران جلس متنهّد وقال بضيق:

– مشاكل الشغل… ومشاكل البيت.


قام يوسف وهو ماسك مفاتيحه:

– أنا رايح الشركة… هتيجي معايا يا عمي؟


رد علي:

– هخلص شغل مهم هنا… وأعدي عليك.


أومأ بدران من غير كلام. يوسف مشي لكنه وقف لحظة، لف، وطلع فوق.


قعدت وعد في أوضتها، رجعت بيتها… لكن مش زي ما كانت. هي خلاص مش نفس البنت.

كانت متوترة، ماسكة إيديها في بعض، بتكلم نفسها بصوت مخنوق:

– قال لي مش هيحصل حاجة…


حاولت تهدي نفسها، بس كل حاجة حواليها بتضغط عليها. حتى الحيطان حاساها بتبص عليها… وكأنها مكشوفة قدام الدنيا كلها.


Flash


كانت وعد قاعدة في فيلا علي قبل ما ترجع، لابسة زي ما قالها. بتبص في الساعة، قلبها يدق بسرعة.

سمعت صوت خطوات جاية ناحية الباب. قامت بخطوات بطيئة، فتحته… لقت مالك واقف.


بصّ لها وقال بهدوء:

– علي بيه قال لي أوصلك.


أومأت برأسها وقالت بخفوت:

– أيوه… قال لي.


مشي مالك قدامها يسبقها للبرّه. وعد واقفة لحظة في الصالة، تنهدت وهي تتمتم لنفسها:

– كنت بحسبه هو… علي.

خرجت من الفيلا، ركبت العربية مع مالك. هو انطلق من غير ما ينطق ولا كلمة، السكون مسيطر.

وعد قاعدة ورا، عينها على ضهره، وكل لحظة بتحس إن قربه من علي مش عادي… مش بيخلي حد يوصلها غيره، وكأنه امتداد ليه.


قطعت الصمت وسألت بنبرة حذرة:

– إنت تعرف علي من أمريكا ولا من مصر؟


رد مالك، من غير ما يبص ناحيتها:

– أمريكا.


قالت بسرعة:

– مساعده في الشركة هناك وهنا؟


– آه.


سكتت شوية، عينها بتتابع الطريق. العربية وقفت فجأة. رفعت راسها، بصت حواليها… المكان مش الفيلا.


قالت بدهشة:

– دي مش الفيلا.


رد مالك بهدوء، وهو مشاور لتاكسي واقف على جنب:

– في تاكسي هناك… هيوصلك لحد باب الفيلا.


– ليه مش إنت؟


بص بعيد وقال:

– لو شافونا مع بعض، هيبقى في محل شك… هيقولوا إنك ماكنتيش عند صحبتك، ويسألوني: كنتي فين؟ ومع مين؟ وهتدخلوا في مشاكل إحنا مش محتاجينها.


سكتت وعد، كلامه ضربها زي الرصاصة. قلبها وقع وهي تهمس بارتباك:

– قصدك… هيعرفوا عني أنا… وعلي؟


مردش مالك… نزلت وعد من العربية، وقفت ثواني تتلفت لحد ما شافت التاكسي واقف يستناهبصيت لمالك وهو لسه واقفه مكانه زى ما يكون بيطمن إنها ركبت.


التاكسي اتحرك… وعد قاعدة وعيونها معلقة في المراية، بتشوف صورة عربية مالك اللي بتصغر وراها. قلبها اتقبض وهي بتسأل نفسها:

هل حرص مالك مجرد التزام بأوامر علي؟ ولا هو عارف السر… عارف إنها مش مجرد بنت في البيت، وإنها في الحقيقة مراته؟


Flash

رجعت لواقعها وهي ماسكة تليفونها، عايزه تكلم علي وتسأله، لكن فاكرة تحذيره:

"متجيش غير لما أبعتلك… ومتعمليش حاجة من دماغك يا وعد."


اتخضيت أول ما الباب اتفتح فجأة.

التفتت بسرعة… بس لقت يوسف واقف.


ابتسم بخفة وقال:

– مالكِ؟ خضيتك؟


وعد لسه قلبها بيدق بسرعة، قالت بنبرة متوترة:

– أول مرة تدخل من غير ما تخبط.


قفل يوسف الباب ولف ناحيتها.

وعد بصّت له باستغراب، خصوصًا لما قرب وقعد جنبها. ارتبكت وقالت بسرعة:

– في حاجة يا يوسف؟


رد بنبرة هادية لكن فيها تساؤل:

– مكنتيش بتردي عليا… لو في خلاف بينك وبين ماما، أنا ماليش دعوة.


تنهدت وعد وقالت:

– ماكنتش برد على أي حد، عشان عارفة إنكم هتضايقوا من خروجي.


يوسف هز راسه وقال:

– المفروض كنتِ تعقلي ونشوف المشكلة زي ما بابا قال تحت.


نظرت له بحدة خفيفة:

– كنت هتقف معايا ضد ماما؟


سكت يوسف لحظة، وبص لها مباشرة:

– أنا ماقولتش إن ماما معاها حق… هي غلطت في كل اللي قالته، بس إنتِ برضو غلطانة.


سكتت وعد وما ردتش. قامت تقف وهي ماسكة هدومها وقالت بفتور:

– أنا داخلة أخد دش.


قال يوسف وهو واقف:

– آه… ماشي. أنا خارج. بس عايز أسألك حاجة.


وقفت مكانها متوترة:

– حاجة إيه؟


قال يوسف وهو بيركز في ملامحها:

– كنتي فين اليومين دول؟


قلبها دق بقوة، بس حاولت تخفي وقالت بسرعة:

– عند صحبتي… منتا عارف. وإنت بنفسك قلت لبابا.


ابتسم يوسف ابتسامة صغيرة ما فيهاش تصديق:

– صحبِتك مين يا وعد؟ أنا قلت كده عشان بابا ما يعملش مشكلة. بس الحقيقة… أنا دورت في كل حتة ممكن ألاقيكي فيها.


ارتبكت وعد، بس رفعت راسها بعناد:

– يبقى ما دورتش كويس.


بص لها باستغراب وسألها:

– كنتِ عند صحبتي… مش كده؟ اسمها إيه؟


ردت بسرعة:

– نيلي.


سكت يوسف، نظر لها ثواني من غير كلام، بعدين خد نفسه وخرج من الأوضة.

وعد وقفت مكانها، خدودها محمرة من التوتر. أخدت تنهيدة عميقة ودخلت الحمام وهي بتحاول تلم أعصابها.

-----


في النادي

كانت سهير بتركض بخفة ورشاقة في التراك، لابسة ملابس رياضية، وسماعات في ودنها بتسمع موسيقى. فجأة، الموبايل رن وقطع الأغنية.

بصّت على الشاشة، لقت المتصل: بدران جوزها.


ردّت بابتسامة صغيرة:


إيه يا حبي؟


بدران بنبرة جادة:


تعالي الفيلا… عايز أتكلم معاكي.


سهير استغربت:


في حاجة يا بدران؟


رد بصرامة:


لما تيجي هتعرفي.


قفلت سهير المكالمة وهي واقفة في نص التراك، ملامحها مليانة استغراب وقلق.


---

رضوان ف الجنينه لمح عربيه على وبينزل منها ابتسم قال - افتكرتك مش جاى

بص على لمالك الى كان مع رضوان رجع بص لرضوان قال

-اى المهم الى عرفته

قال رضوان- حسن مات وده كان خيط مهم لقضيتك

قال على- انت بتحصرنى

قال رضوان- عيلته موجوده

قال على - هعمل اى بعيلته

قال رضوان- فكر يعلى عنده زوجه وبنت اكيد مراته تعرف اى حاجه عنه او تعرف حد يعرف يوصلك لهدفك

سكت على بعدين بصله قال - اسمها اى

قال رضوان - ميرفت شيمان

سكت على بصله رضوان قال - هتمشي

قال على - أشوفك بعدين

شاور لمالك راح معاه وخرجوا من البيت، قال مالك - رضوان سألني عن وعد

قال على - عارف وانت رديت بإيه

قال مالك - إنها قاعده عندك من قريب مش أكتر

اومأ على بتفهم وركب العربيه تبعه مالك جنبه قال - كويس انا رعت البيت بس عندك ثقه إنها مش هتقول لحد ع الى بينكم

قال على- انا عارف بعمل اى يمالك

قال مالك- بس مش مدرك نتايج الى بتعمله

ابتسم على وقال - قولتلك وعد استثناء فى حياتى

قال مالك- انا مش فاهمك هى استثناء فعلا ومن زمان هى خط د.م طويل بس انت لفيت الخط ده ف رقبتك

قال على - ف ايدى لفيت الخط ده ف ايدى يمالك.. شايفك قلقان أكتر منى

قال مالك- انت حر يعلى انت ادرى بأفعالك بس أنا مش مطمن

قال على- دورلى على مرات حسن ونتتاخرش عن ٢٤ساعه

قال مالك- حاضر، نا مممكن أسألك سؤال

قال على- إيه

قال مالك- علاقتك برضوان المدينه اوى دى اى، انا عارف ان هدفك الانتقام لوحدك هو ف حد بينتقمله برضو

قال على- مصالح مشتركه

قال مالك- بس ده من زمان يعنى مش مجرد تعارف مؤقت

- قال على- رضوان منعنى عن حاجه غبيه زمان عشان يستخدمنى بيها بعدين وف المقابل استخدامه بيساعدنى

قال مالك- يعنى رضوان بيستخدمك انت يعلى

قال على- آه 

---


رجعت رانيا الفيلا، ماسكة فوطة بتجفف بيها رقبتها بعد ما خلصت رياضة. دخلت وهي بتقول للخدامة:


اعمليلي عصير.


الخدامة:


حاضر يا هانم.


دخلت مكتب بدران، لقيته قاعد منتظرها. قالت بابتسامة:


كنت عايزني؟


بدران بنبرة تقيلة:


وعد جت.


رانيا اتوترت بعدين قالت:


بجد؟… كويس.


بدران شد ملامحه وقال:


كويس إنها عرفت غلطها… بس في غلط أكبر إنتي عملتيه.


رانيا اتوترت ووقفت قدامه:


غلط إيه؟


بدران مسك دراعها بقوة وقرب منها:


إزاي تقولي لوعد كده يا رانيا؟! إزاي توصلي إنك تهينيها بالطريقة دي؟


رانيا حاولت تدافع عن نفسها:


غصب عني يا بدران! قلتلك… اتعصبت وغلطت.


بدران صوته علي شوي:


تقولي لها إنها وامها خطّافة رجالة؟! تقولي لها إنها معيو..بة وتبص في الأرض ليه؟! إنتي فاكرة نفسك مين عشان تهينيها كده؟


رانيا رفعت صوتها بغضب:


أوعى يا بدران… إنت بتكلمني أنا كده؟


بدران شد إيده أكتر وقال بعينين مولعة:


بنتي ما تبصش في الأرض! ولاد بدران يحطّوا إيديهم في العِزّ والتخين. وعد مش صعب تلاقي الحب… وهيجيلها أحسن من حازم ألف مرة… لأنها بنتي أنا!


رانيا نظرت له بحدة وقالت بمرارة:


لأ… اللي مضايقك مش إنك دافعت عنها… اللي مضايقك إنك حسيت إنها أهانتك إنت شخصيًا.


بصّت له رانيا، وبعدت إيده عنها وقالت بحدة:


إنت مضايق عشان أنا هنتك إنت يا بدران… مش عشان وعد. ولا يمكن عشان فكرتك بماضيك؟ لما شبهتها بأمها "سلوى" اللي إنت رميتها زمان… ولا نسيت؟


بدران صرخ بصوت تقيل:


راااانيا!


رانيا اتراجعت بخوف من نبرة صوته.


اقترب منها وقال وعينه فيها تهديد:


أنا بحذرك يا رانيا… الكلام ده لو خرج منك تاني… علاقتنا هتكون انتهت.


سكتت رانيا، وعينيها فيها قلق.

بدران أشار للباب وقال ببرود:


امشي.


خرجت رانيا بضيق، والباب وراها اتقفل بقوة. بدران فضل واقف، صدره بيعلى وينزل من العصبية، ووشه كله غليان من كلامها.


---


غرفة وعد


كانت وعد قاعدة، لما سمعت خبط على الباب. قامت وفتحته… لقيت فاطمة واقفة بابتسامة حنونة:


حمد لله ع السلامة يا بنتي.


ابتسمت وعد:


طنط فاطمة، اتفضلي.


كانت هتقفل الباب، لكن رنا وقفتها وهي تقول بسرعة:


وأنا كمان!


ضحكت وعد لما شافتها، وقالت:


ادخلي طبعًا.


دخلوا هما الاتنين، وقعدوا جنبها. رنا مسكت إيدها بحنية:


وحشتينا قوي.


وعد بابتسامة خفيفة:


محسساني إني كنت مسافرة.


فاطمة قالت بقلق واضح:


قلقنا عليكي يا بنتي.


وعد ردت بهدوء:


أنا كويسة… متقلقوش.


رنا استفسرت بفضول:


طب كنتي فين كل ده؟


سكتت وعد، وعينيها راحت بعيد كأنها بتفتكر حاجة.

فاطمة سألتها بقلق:


آه صحيح… كنتي فين؟ عيلتك قلبوا الدنيا عليكي. احكيلي يا بنتي.


وعد فضلت صامتة، في بالها صوت "علي" وتحذيره الصارم إنها متقولش لحد. كانت نفسها تفضفض وتحكي، لكن مسكت لسانها وقالت بهدوء مصطنع:


كنت عند صاحبتي… متشغلوش بالكو.


بصّت لها رنا بريبة، لكن ماحبتش تضغط عليها أكتر.


---


داخل الشركة فتحت نادين باب مكتب يوسف كان قاعد في مكتبه مع السكرتيرة الى قامت فورًا لما شافتها، بصيت نادين ليها وليوسف قالت


يوسف، ممكن لحظة؟


يوسف رفع عينه وقال:


ف حاجه؟


نادين بابتسامة بسيطة:


عايزاك خمس دقايق.


قام يوسف معاها وخرجوا من المكتب. وهي ماشية جنبه قالت بسرعة:


بعت الإيميل اللي قولتلك عليه لعلي؟


يوسف رد وهو بيعدل رابطة عنقه:


لسه… مرجعتوش.


نادين رفعت حواجبها:


تراجع إيه؟ أنا مخلصة كله، ومفيهوش غلطة. متقلقش. بس… علي فين لحد دلوقتي؟


يوسف قال ببرود:


معرفش… قالي هيخلص شغل وييجي هنا.


سكتت نادين لحظة كأنها فهمت مغزى كلام يوسف.

يوسف بص لها بابتسامة جانبية وقال:


وحشك ولا إيه يا خالتو؟


نادين رمقته بحدة:


يوسف!


ضحك يوسف بخفة وقال:


كلنا عارفين الوضع. ليه ماخدتوش خطوة واتجوزتوا؟ ولا ناوي يسيبك كده، لحد ما تلاقي حد تاني وهو يكون شاب شعره؟


نادين ردت بسخرية ناعمة:


حتى لو شاب… هيبقى وسيم بردو.


يوسف هز راسه:


وسيم آه… بس أنا ساعات بشك فيه.


نادين استغربت:


بتشك في إيه؟


يوسف قرب منها وهمس:


إن عمّي… مش طبيعي جن..سيًا.


اتسعت عيون نادين بصدمة، ومدت إيدها ضربته في كتفه:


والله لاقوله!


ضحك يوسف وقال بجدية ممزوجة بالتهكم:


يمكن أكون ظالمه… بس أنا عمري ماشفت واحدة معاه. لا حب، لا قصة، ولا حتى نز.وة. ده لو كان مجروح كنت هقول ماشي… لكن كده؟


نادين فكرت وقالت بهدوء:


أو يمكن… في دماغه حاجة تانية.


يوسف بص لها بخبث وسكت، فابتسمت نادين وقالت بسرعة:


ماقصدتش أنا.


يوسف رفع حاجبه:


مفهوم مفهوم… يلا، شوفي شغلك.


رجع لمكتبه، لكن نادين وقفته بمسكه خفيفة على دراعه وقالت:


السكرتيرة الجديدة اللي جوه… مش كده؟


رد يوسف ببرود:


آه.


نادين ضيقت عينيها:


شكلها طيبة… وانت بدورك بتفَتح عينها.


يوسف ابتسم ابتسامة غامضة وقال:


الطيبة ماتنفعش في الشغل. وبعدين… شكلها "يِجي منها".


دخل المكتب وقفل الباب وراه، ونادين فضلت واقفة تبص على الباب بعين مليانة حيرة.


فى الليل كان علي سايق عربيته في هدوء الليل، عينه على الطريق لكن قلبه مشغول. فتح تليفونه، ضغط على رقم "وعد"، فضل يرن مرة ورا التانية… لكنها ما ردتش.


وصل الفيلا، طلع أوضته، المكان فاضي إلا من صدى خطواته. وقف قدام السرير، لمحت عينه هدومه اللي كانت وعد لبساها من فترة، مطوية على الطرف.

مد إيده ومسَك التيشيرت، رفعه قريب من وشه، شَم فيه بقايا عطرها اللي لسه متعلق بالقطن… غمض عينه والذكرى بتاخده.

افتكر انهار رجعت بيتها، أول نظرة ليها ما كانتش لأبوها… كانت ليه هو. نظرة مليانة ألف معنى.


تنهد علي بعمق، شد مفاتيحه من الطاولة، نزل بسرعة، ولما رجاله حاولوا يتبعوه قال بحدة:


محدش يتحرك معايا إلا لو أنا طلبت.


حاضر يا باشا.


ركب عربيته واختفى في الطريق المظلم.


---


غرفة وعد، الوَحدة ساكنة المكان. وعد ممددة على سريرها، عينيها نصف مغمضة، شاخصة في السقف كأنها مش قادرة تنام. أفكارها بتتقاطع جواها زي دوامات.


فجأة… سَمِعت صوت مفتاح بيلف في الباب. قلبها دق بسرعة.

غمضت عينيها، اتظاهرت إنها نايمة.

الصوت اتأكد… الباب اتقفل بهدوء.

خطوات تقيلة لكنها واثقة، بتقرب… أقرب… لحد ما وقفت جنبها.


حست بالمرتبة بتميل لما حد قعد جنبها حسبت بحد بيلمسها.فتحت عينيها بخضة،

أنفاسه قريبة، دافية، وصوته هادي يقول:


أهدّي…


 اتسعت عيونها، بس لما شافته… تجمدت الكلمة في حلقها.


هدِيت وعد أول ما غاصت عينيها في عيونه، تنفست بارتباك وقالت بصوت واطي:

– علي…


قال – خوّفتك؟


اتعدلت في جلستها، قعدت قدامه وهي مش قادرة تخفي ارتباكها:

– إنت بتعمل إيه هنا؟


رد بهدوء عميق:

– جيت أشوفك.


قالتها بسرعة كأنها بتبرر لنفسها:

– كنت فاكرة إنك رجعت الفيلا.


– رجعت فعلاً… بس افتكرت إنك هنا. ومقدرتش أقاوم… جيت.


لمعت عيونها بدهشة، وكأنها مش مصدقة:

– إنت جاي… عشاني؟


مد إيده برفق، لامس رقبتها الناعمة، وصوته غرق في حنان غريب:

– قولتلك هكون معاكي… لأني أنا اللي مش قادر أبعد عنك.


ارتبكت وعد، قلبها بيتخبط في صدرها:

– وجودك هنا… غلط.


قرب وشه منها، نظرته ثابتة، صوته حاسم لكن دافي:

– مفيش حاجة هنا غلط… نسيتي كلامي ليكي؟


عينيها غرقت في عيونه، لحظة طويلة سكتت فيها، قبل ما تبعد بنظراتها بخجل ناحية الباب. حس بخوفها فمال أكتر وهمس بحرارة:

– وحشتيني…


اتسعت عيونها وارتجف قلبها من الكلمة. خرج صوتها متقطع، خجول:

– وإنت… كمان.


ماست شفايفه على رقبتها، لمسته كانت كأنها شعلة نار. جسدها كله ارتجف، إحساس غريب بيغزوها، بركان بيجري في عروقها.

دفن وجهه أكتر، قبلها بنَهَم كأنه بيغرق جواها. 

لكن وعد اتوترت، بعفوية دفعت صدره بخفة، وصوتها مبحوح:

– ع… علي! 

ابتعد عنها، أنفاسه متلاحقة، عينيه مثبتة عليها… كان ضعيف قدامها، ضعيف بطريقة عمره ما حسها قبل كده. 

قالت وهي تبص حواليها بخوف:

– مينفعش… ممكن حد يشوفنا. 

سكت علي شوية وبعدين قال بهدوء:

– في حد كلمك النهاردة؟ 

ردت وعد:

– يوسف سألني كنت فين. 

قال علي:

– وبعدين؟ 

– قولتله إني كنت عند صحبتي نِيلِي.

سكتت لحظة وأضافت بقلق:

– بس ممكن يروح يسألها، أنا عارفة يوسف. 

ابتسم علي وهو يحاول يطمنها:

– متقلقيش، أنا عامل حساب لكل حاجة. 

هزت وعد راسها بتفهم وبعدين قالت:

– طب إنت عملت إيه لما جيت هنا؟ 

بص لها علي وقال:

– بتسألي عن إيه بالظبط؟ 

قالت بتوتر:

– بابا عرف موضوع ماما إزاي؟ 

رد علي:

– كان في حد سامعكم. 

اتسعت عيون وعد:

– مين!؟ محدش كان معانا. 

قال علي:

– إنتي قولتي إنك كنتي بتكلمي واحدة اسمها فاطمة؟ 

– آه… ثانية… يعني طنط فاطمة مكنتش مشيت وسمعت الحوار؟ 

قال علي:

– بالظبط. 

وعد زعلت وقالت بنبرة مكسورة:

– يعني سمعت الكلام اللي على أمي… وكمان إني وحشة. 

قرب منها علي، مسك دقنها ورفع وشها وقال بثبات:

– كلام رانيا مأثر فيكي… اسمعيني، أي كلام سخيف زي ده متزعليش عشانه. 

قالت وعد بصوت متردد:

– وممكن ميكونش مجرد كلام سخيف… يمكن تكون دي الحقيقة. 

قرب علي أكتر وهمس بعزم:

– لو عايزة تعرفي الحقيقة… أجبهالك لحد عندك. 

-بصّت له وعد بابتسامه وهمست:

– يكفيني إنك دورت على الحقيقة… وعرفت بابا. فرحت قوي لما محطش اللوم عليّا في غلطة أنا ماعملتهاش. 

علي قال:

– لما تحبي تشكريني… اشكريني صح. 

قربت منه، وبنظرة مكسوفة حضنته وقالت:

– شكراً. 

ابتسم علي بحنان، شدها أكتر لحضنه، وبعد لحظة رفع وشها وقبّل شفايفها بهدوء. 

بُهتت وعد للحظة ورجعت لورا بدهشة، بس هو لسه كان قريب منها لدرجة إنها اتسندت على السرير. استسلمت، وبادلته المشاعر بحب لأول مرة. 

بعد عنها علي وبصّ لها، وهي اتكسفت ووشها احمر. ابتسم وقال بنبرة غامضة:

– الليلة هتعدي… بس بكرة مش هعرف. 

ارتبكت وعد:

– مش فاهمة. 

مسح إيده على شعرها برفق وقال:

– تصبحي على خير. 

وقف، فاتت بعينيها ورا خطواته وقالت:

– هتمشي؟ 

ابتسم وهو بيبص لها آخر نظرة:

– نامي يا وعد. 

خرج من أوضتها بهدوء، قفل الباب ووقف لحظة يتأكد إن مفيش حد شايف أو سامع… وبعدها مشي. 

--- 

في الصبح على الفطار، بدران قاعد ورانيا قصاده، ساكتين من بعد خناق امبارح. رانيا بترشف قهوتها في صمت. دخلت الخادمة وقالت:

– الفطار جاهز يا بيه. 

ردّت رانيا:

– بلغتيهم؟ 

قالت الخادمة:

– يوسف بيه نزل، هطلع أنده وعد. 

هزّ بدران راسه وقال:

– متطلعيش… رانيا هتطلع تقولها. 

بصّت له رانيا بحدّة:

– مين اللي هتطلع؟ 

قال بدران بهدوء وهو يقطع لقمة:

– انتي. 

رانيا استغربت:

– أطلع لوعد؟ 

ابتسم بدران بخبث وقال:

– أيوه… فيها إيه؟ 

اتنرفزت رانيا وبصّت له بغيظ، والخادمة كانت محرجة من الجو، فقامت رانيا من غير كلام وطلعت.

وصلت عند أوضة وعد، ولسا بتدخل ملقيتهاش استغربت


وعد فى الاعلى واقفه عند اوضة على بتخبط قبل ما تدخل قالت- عمى

 قال على - ادخلى يا وعد

فتحت الباب ودخلت شافته على الأرض بيعمل ضغط وجوده يتقطع عرقا من التمارين وعضلاته بارزه، اتعدل واخد ميا يشرب

وعد قالت - ادخل عادى

بصلها على وكأن طبيعيا معاها دخلت وقالت - عايزه اوريك حاجه

خرجت صوره من تليفونها قالت - عارف المكان ده فين

بص على وشاف جبل مليء بالكسو الأخضر ومنظر طبيعى قال على

- سويسرا

قالت وعد- بجد

قال على- اشمعنا المكان ده

قالة وعد- لأن مفيش زيه ثم إن من هناك تقطر تشوف السما وكأنك قادر تلمسها

مكنش قادر على يفهم كلامها لأن نظرة وعد دايما مشرقه عكس نظرته المقتوله

قالت وعد- نقدر نروح نا وانت

ابتسم على قربت منه قالت - هتفضالى مش كده

سحبها ليه قال - تصرفاتك هتخلينى ارتكب أكبر حماقه هنا

اتكسفت بابتسامه وبصيت لدرعاته قالت - بنيتك قويه، تقدر تشيل كام كيلو

قال على- تحبى تختبرينى

نظرت انحنى أرضا وعمل ضغط بصيتله بابتسامه وقربت منه وقفت بركبتيها على ضهره وهو لما يتأثر بل كان ينزل ويطلع بها زى ما يكون طفله

كانت عايزه تضحك لفت دراعها حوالين رقبته قالت

- انت قوي اوى

سحبها وخلها تحته مره واحده بصيتله بشده قال على

- كام مره هقولك تصرفاتككك

وعد قالت- نا عملت اى

عينه نزلت على شفايفها قرب منها قالت - على

كان مغيب بس جه صوت بعد عنها وزقته وعد ووقفت فورا وهى بتعدل هدومها رجعت تبصله لقته يبتسم استغربت ومشيت فورا من عنده


لسا بتنزل  قابلت رانيا الى قالتلها - كنتى فين دورت عليكى

استغربت وعد انها بتكلمهى، قالت رانيا بهدوء مصطنع:

– صباح الخير يا وعد، إنتي رايحة الكلية؟


وعد أومأت:

– آه.


قالت رانيا بسرعة:

– طب افطري قبل ما تمشي، معانا… يلا، كلهم مستنيينك تحت.


قالت وعد بخفة:

– جاية.


رانيا بصّت لها وقالت وهي مترددة:

– مضايقة مني بسبب كلامي؟


سكتت وعد، واكتفت تبصّ لها من غير رد.


كملت رانيا بإصرار:

– متزعليش… ماشي؟


الغريب إن وعد حسّت بجواها بفرحة صغيرة، رغم إنها عارفة كويس إن دي مش أمها الحقيقية… لكن رانيا هي أول واحدة نادتها "ماما"، وهي اللي عرفت إنها أمها أول ما اتولدت.


ابتسمت رانيا وقالت:

– يلا عشان نفطر.


ابتسمت وعد ابتسامة هادية، محدش عارف كانت طيبة بتنسي بسرعة… ولا مغفلة.


نزلت وعد على السفرة، وقفت مكانها لحظة أول ما شافت علي قاعد. قلبها دق بسرعة، افتكرت ليلتهم في الأوضة. حاولت تسيطر على نفسها وهي بتاخد نفس عميق.


يوسف ناداها بابتسامة خفيفة:

– وعد!


اتحركت بخطوات مترددة لحد ما قعدت على الكرسي، وكل شوية بترفع عينها تبص لعلي. بس هو كان قاعد عادي جدًا، بيأكل وكأنه ما يعرفهاش… ولا كأنه نفس الشخص اللي كان معاها بالليل. الهدوء اللي ظهر عليه زود ارتباكها أكتر.


قطع بدران الصمت وقال:

– رايحة كليتك يا وعد؟


ردت بابتسامة باهتة:

– آه يا بابا… عندنا تدريب عملي النهاردة.


دخل علي في الكلام فجأة:

– فين؟


بصّت له وعد، والتقت عينيها بعينيه. ارتبكت، بس ردّت:

– في معمل المدينة الرئيس.


ضحك يوسف بخبث وقال:

– وشك محمّر كده ليه؟


وعد اتلخبطت أكتر، وبصت ليوسف بسرعة:

– لا… مفيش. الجو حر بس.


تدخل بدران:

– أخليهم يعلّوا التكييف.


هزت وعد راسها بسرعة:

– لأ… أنا تمام. همشي عشان متأخرش.


قامت تستأذن، ولسه بتدور تمشي، سمعت صوت علي ينادي:

– وعد!


وقفت مكانها، وقلبها بيرتعش، وكل العيون اتوجهت ناحيته. علي قال بهدوء، وهو ماسك حاجة في إيده:

– نسيتي تليفونك.


بصّت وعد لعلي وهو بيمدّد بإيده عشان يديها الموبايل. مدت إيدها بخجل، محرجة من إنها نسيت حاجة مهمة زي دي.

لكن أول ما لمست أصابعها إيده، سرت في جسمها رعشة غريبة… زي كهرباء بتجري في عروقها.


علي شد إيدها بخفة وهو بيسلّمها التليفون وقال بنبرة هادية، عينيه مثبتة عليها:

– خلي بالك المرة الجاية.


ارتبكت وعد، واكتفت تهز راسها من غير كلمة. علي ابتسم ابتسامة صغيرة، وهي أخدت نفسها بسرعة ومشيت بعيد، تحاول تهرب من ارتباكها… بينما هو فضّل يتابعها بعينه للحظة قبل ما يرجع لمكانه كأن شيئًا لم يكن.


يوسف كسر الصمت:

– أما ألحق أروح الشغل بقى.


علي قال وهو يبص له:

– بتسهر كتير يا يوسف.


يوسف رد وهو بيرتب هدومه:

– الشركة تستحق.


علي ابتسم ابتسامة غامضة وقال:

– الشركة آه… بس سهرك ما قصدش بيه حياتك العملية.


يوسف اتلخبط للحظة، ما فهمش قصده بالضبط، بس حسّ إنه بيلمح بحاجة. علي كمل ببرود:

– تمام… امشي بقى ع شغلك.


يوسف قال:

– أنا فعلاً ماشي.


وأخد بعضه وخرج.


بدران بصّ لعلي وقال:

– في حاجة يا علي؟


علي هز راسه:

– مفيش.


طلّع إزازته الصغيرة من جيبه، فتحها وشرب منها دفعة واحدة، بعدين قفلها وهو ساكت… ملامحه تقيلة، وصمته مغطي وشه كله بتيجيله رساله ع تليفونه بتهليه يقوم ويمشي

بصيت رانيا لبدران قالت- اعرف انى معملتش كده عشانك ومش هتنازل تانى واكلم حد

قال بدران- لو وقفتى تصرفاتك الغبيه مش هتكرى تتنازلي يا رانيا هانم

اتغاظت منه وقامت ونفث بدران دخان سيجارته بقوت

----


في السيارة، كان علي يقود بهدوء، لحد ما ظهرت بجانبه عربية تانية.

فتح السائق شباك زجاجه، وعلي عمل نفس الشيء. لمح وجه مالك وهو بيحرك إيده بملف باتجاهه.


مدّ علي إيده وخد الملف بسرعة واداله ظرف قال- ابعته لرضوان هو عارف هيعمل اى

فتحه مالك وشاف صور ليوسف وسهير بص لعلى 

على قال- النهارده بدران يعرف

اومأ مالك له وانطلق على وسبق عربيته

فتح الظرف وهو ماسك الدركسيون بإيده التانية، عينه اتحركت على الأوراق. أول صفحة كانت صورة شخصية، كأنها ورقة تعريف.


رنّ التليفون، ظهر اسم مالك. رد علي وهو بيقلب الصفحات.

مالك– العنوان في الصفحة التانية؟

اومأ على بتفهم، قال مالك

–  من ساعة ما الظابط حسن مات، أهله رجعوا بيتهم القديم. مع إن رضوان بيه كان مأكّد إنه ماكنش بيعقد هناك. حسن كان علطول في الملاهي، سايب أهله لوحدهم.


ضغط علي أسنانه وقال:

– يعني هما حاسين إنهم مش في أمان… فسابوا البيت.


أكمل مالك:

– بالظبط. وبعدين… مراته كان بينهم مشاكل كبيرة.


رفع علي حاجبه:

– مشاكل إزاي؟


رد مالك:

– كانت طالبة الطلاق قبل ما يموت. ورفعت عليه قضية خلع. بس هو ماكانش سايبها. علاقاته مع مسؤولين كبار وقعت القضية من إيدها. خلى الموضوع ينها..ر وهي فضلت على ذمته غصب عنها.


علي قفل الملف بعد ما لمح اسم "ميرفت" في الصفحة الأخيرة، وابتسم ابتسامة باردة:

– كويس أوي… خلينا نشوف "ميرفت" دي حكايتها إيه.


قفل علي المكالمة وهو ثابت، وكأن الطريق قدامه محدد ليه من غير ما يفكر.

وصل لحي هادي، نزل من العربية ووقف قدام بيت قديم له بوابة صغيرة.


عينه وقعت على بنت صغيرة لسا راجعة من المدرسة، بتلعب على مرجيحة في الحوش. رجع بروده وهو يثبت نظره على الباب المفتوح.


خرجت على الباب، جه صوت واحده

– كفاية لعب يا جودي!


الست وقفت فجأة لما لمحت علي واقف قدامها.

– إنت مين؟


ببرود قال:

– جاي أسألك عن حاجة.


نبرتها اتخشنت واتشدت:

– حاجة إيه؟


– حسن.


تغير وشها فورًا لما سمعت الاسم، عينيها اتسعت واتسحب منها النفس.

– أنا ماليش دعوة، مش هفيدك في حاجة… اتفضل امشي.


صوته كان ثابت، تقيل:

– مفيش غيرك هيفيدني.


صر..خت بحدة وهي بتقفل الباب بسرعة:

– بقولك امشي! عايزين مننا إيه؟ سيبونا ف حالنا بقى!


إيده مسكت الباب قبل ما يتقفل، دفعه لتحت بإصرار، عينه ببرود جليدي.

ارتجفت ملامحها، صوته اخترق خو..فها:

– هو في حد جالك غيري؟


اترددت وهي بتحاول تخفي رعشتها:

– لو سمحت… امشي حالًا.


ضغط أكتر على الباب ببطء، وكأنه بيقول إنه مش بيتراجع. عينه ثبتها فيها ببرود قا..تل:

– أنا جاي من سفر… وقاصد طريقك. يعني مش همشي غير لما آخد جواب على أسئلتي.


ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بخو..ف:

– إنت عايز إيه بالظبط؟


خفض صوته وبقى أهدى، لكن تقيل ومسيطر:

– أنا مش هأذيكي.… كل اللي عايزه كلمتين.


---


سكتت ميرفت، كانت عارفة إنها مش قدّه… تنهدت واستسلمت، فتحت الباب وقالت بصوت واطي:

– اتفضل.


دخل علي بخطوات ثابتة، عيناه بتجول في المكان لحد ما قعد في الصالة. جلست قدامه متحفزة، إيديها متشابكة في حجرها.


قال بهدوء:

– عايز أسألك عن حاجة.


– حاجة إيه؟


– حسن… قبل ما يمو..ت.


اتجمد وشها للحظة، وبعدين نطقت بسرعة:

– حسن قبل ما يموت ماكنش ليا أي علاقة بيه… يعني أي سؤال عنه مش هعرف أجاوبه.


ابتسم علي ابتسامة باهتة وهو بيراقب ارتباكها:

– أنا عارف إنك كنتي قاعدة معاه غصب عنك… بسبب قضية الخُ..لع اللي وقعت منك.


تنهدت بضيق، عينيها بترتعش لكنها ما ردتش.


اتكأ علي ببرود وقال:

– أنا هسألك على حاجة واحدة… أي كلمة، أي تلميح قالهولِك فيه شبهة.


رفعت نظرها ليه بسرعة وقالت بحدة:

– مفيش! مفيش أي حاجة… أنا معرفش حاجة عن شغله.


– مراته… ومش عارفة هو بيخبي إيه؟ ملفات؟ فلوس؟ أي سر؟


– انت… عايز إيه بالظبط؟


قرب علي بجسمه شوية للأمام، صوته اتقل:

– مش مهتم بحياته الشخصية. أنا ليّا عنده حق… كبير… من زمان.


عينيها اتسعت وابتلعت ريقها، قالت 

– حق… تقصد فلوس؟


قال علي:

"فلةس؟! حقّي أكبر من إنك تتخيليه."


سكت لحظة وبصلها، وبعدين قال:

"قلتي إن في حد سألك عليه غيري؟"


ميرفت ردت:

"آه، كان زمايله في الشغل، وحبّة ناس كانوا بيشتغلوا معاه."


رفع علي تليفونه وورّاها صورة بدران:

"الشخص ده جالك؟"


اتجمدت وهي بتبص للصورة وقالت باستغراب:

"لأ… بس حاسة إني شوفته قبل كده في التلفزيون… أعتقد."


علي رجع بص على التليفون وقال بتركيز:

"يعني حسن مكنش قايلك أي حاجة عن بير الغويط اللي ما..ت فيه؟"


ميرفت هزت راسها:

"مكنش بيتكلم معايا قدها."


علي شدد كلامه:

"قد مين؟"


تنهدت ميرفت وقالت:

"قد عشيقته… اللي كان بيسيبنا ويقضي معاها وقته كله، وسط الخمر..ة والقرف اللي كان فيه. حتى فلوسه ضيّعها عليها."


علي سأل بحدة:

"يعرفها منين؟"


ميرفت هزت كتفها:

"معرفش. أنا شُفتهم سوا. وقتها طلبت الطلاق وهو رفض… مكنتش عايزة بنتي تشوف أبوها مقرف أكتر من كده."


قرب علي وسألها:

"اسمها إيه؟"


ردت ميرفت ببرود:

"سهير."


التاسع 


قال علي – اسمها إيه؟


ردت ميرفت بعد تردد:

– اسمها… سهير.


بصّ لها علي، ملامحه اتبدلت للحظة لما سمع الاسم، وبعدين سكت، كأنه بيربط خيوط في دماغه.


قالت ميرفت وهي تلاحظ نظرته:

– ده كان اسمها، وهي الأولى إنك تسألها بنفسك مش أنا… لأن حسن عمره ما كان بيطلع سر لحد، خصوصًا عن شغله، لا قبل ما يسيبه ولا بعد.


قال علي وهو يثبت نظره عليها:

– بتشتغل فين؟


هزّت ميرفت راسها وقالت:

– معرفش عنها كتير… بس على ما أظن شغالة في كباريه. حسن اتعرف عليها من هناك.


سكت علي، عيناه غارقتان في تفكير ثقيل، كأنه سمع حاجة كانت ناقصاه.


وفجأة دخلت بنت صغيرة وهي تقول بصوت طفولي:

– ماما!


قالت ميرفت وهي تحاول تخفي توترها:

– ادخلي نامي يا حبيبتي، كفاية لعب النهارده.


البنت نظرت لعلي وقالت بفضول:

– مين ده يا ماما؟


بصّ علي للبنت نظرة سريعة، وبصّ بعدها لميرفت اللي قالت

– أنا قلتلك كل حاجة، مفيش حاجة ممكن تفيدك أكتر من كده.


قال علي وهو يقوم:

– شكراً.


استغربت هي شكره، لكن ارتاحت إنه قرر يمشي.

وقفت مكانها تتابعه بعينيها وهو بيخرج، والبنت شدّت طرف فستانها وقالت:

– مين ده يا ماما؟


حضنتها ميرفت وقالت بنبرة هادئة فيها غصة:

– مش حد مهم يا حبيبتي.


ركب علي عربيته بسرعة، قلبه بيخبط في صدره من التفكير، فتح تليفونه وضغط على رقم معين، لكن مفيش رد. كرّر الاتصال مرة واثنين، وبرضه مفيش إجابة.

شدّ على الدركسيون وساق بأقصى سرعة، عينيه مركزة في الطريق بس ذهنه بعيد تمامًا، تايه ما بين غضب وقلق وأسئلة مش لاقي ليها إجابة.


على الجانب الآخر، كان رضوان في عربيته الفخمة، ماسك ظرف فيه صور بيبص عليها ببرود، وبعدين حطها جوه الظرف وقفله كويس.

وصل شاب راكب موتوسيكل، قرب من شباك العربية، فتح رضوان الإزاز ومد له الظرف وقال بصوت واطي فيه نبرة أمر:

– عارف هتعمل إيه؟


أومأ الشاب برأسه وقال:

– تمام يا بيه.


خد الظرف ومشي، والموتوسيكل صوته بيغيب في الزحمة.

بعد شوية، وصل الشاب قدام شركة بدران، نزل ودخل من البوابة.

أمين الأمن وقفه وقال:

– رايح لمين؟


رد الشاب بثقة:

– معايا طرد لبدران بيه.


قال الأمن وهو بيبص للظرف:

– وريني كده.


رد الشاب بسرعة:

– لا، ده طرد شخصي، مقفول ومينفعش يتفتح.


بصله الراجل شوية، وبعد تفكير قال:

– تمام، هاته، أنا هسلمه للبيه لما يوصل.


سلّمه الظرف ولف راجع ناحية الموتوسيكل، وقبل ما يركب، بص وراه ناحية عربية رضوان اللي كانت لسه واقفة في ظل الرصيف، بيتابع بعينيه كل خطوة.

انطلق الشاب بالموتوسيكل، وبعدها بلحظات وصلت عربية بدران قدام الشركة.

الأمن جري ناحيته باحترام وقال:

– بدران بيه، في طرد لحضرتك جه من شوية.


رفع بدران حاجبه باستغراب وبص للظرف اللي كان لسه في إيد الراجل، والهدوء اللي في وشه كان يخفي وراه عاصفة جايه.


قال بدران باستغراب:

– طرد إيه؟


أداله الأمن الظرف، أخده بدران وهو بيبص عليه باستفهام، ملاحظ ختم غريب على طرفه. ما اتكلمش، دخل الشركة بخطوات هادية ووصل لمكتبه، قفل الباب ووقف لحظة يتأمل الظرف، نظرة شك وترقب في عينيه.


في نفس الوقت، كان رضوان لسه في عربيته، ابتسم وهو بيشوف من بعيد الظرف داخل مع بدران وقال برضا:

– تمام... كده اللعبة ابتدت.


مد إيده للسواق وقال – امشي.


لكن فجأة، لمحت عينه عربية جاية من بعيد بسرعة كبيرة، قربت لدرجة إنه عرف صاحبها فورًا.

شدّ على السواق – اقف!


وقف السواق بالعربية، وعيون رضوان تابعت علي وهو بينزل من عربيته بسرعة، ملامحه مشدودة كأن في نار جواه.

رضوان همس بدهشة:

– علي؟ إيه اللي جايبه هنا دلوقتي؟


فضل يبص عليه وهو داخل الشركة بخطوات سريعة جدًا كأنه بيجري ورا حاجة مصيرية.


دخل علي المبنى، شافته السكرتيرة ووقفت بسرعة:

– أهلاً مستر علي.


قال بنبرة مستعجلة من غير حتى ما يبصلها:

– بدران فين؟


قالت باستغراب:

– بدران بيه لسه داخل مكتبه من دقايق.


ما استناش، اتحرك بخطوات سريعة ناحية مكتب بدران، فتح الباب على طول من غير ما يخبط.


كان بدران ماسك التليفون بيتكلم، ورفع عينه فجأة وهو شايف علي داخل كده بعصبية.

قال بدران بنبرة فيها استغراب:

– في إيه يا علي؟


رد علي، صوته منخفض لكنه مشحون:

– لا، كمل مكالمتك.

كمّل بدران مكالمته اللي كانت عن الشغل، بينما علي كان بيبص حوالين المكتب، عينه وقعت على ظرف واضح على الترابيزة. قرب منه وشاف إنه لسه مقفول، يعني بدران ما فتحهوش. مدّ إيده ناحية الظرف، بس في اللحظة دي بدران خلص المكالمة ولف ناحيته.

قال بدران وهو بيقلب في ورق:

– بعدين بقى في أم العقودات دي.

سأله علي – في حاجة؟

رد بدران وهو بيرفع نظره:

– شحنة كبيرة أوي اتأخرت في تسليمها لحد دلوقتي.

خد الظرف من على المكتب وقال:

– إيه ده؟ هو عندك؟

 بدران :– تقصد الظرف ده؟

قال علي:

– أيوه، ده مبعوتلي.

رفع بدران حاجبه:

– إزاي؟ الرجالة قالولي إنه بتاعي بالاسم.

قال علي وهو بيحاول يوضح:

– أنا قولت للمندوب يوصله على شركة بدران، فهو افتكر إنه ليك.

أومأ بدران بتفهم وهو بيبص للظرف:

– فيه إيه الظرف ده؟

قال علي ببساطة:

– صور شخصية.

ابتسم بدران وقال – صور قديمة ولا إيه؟ خليني أشوف أخويا وهو صغير.

قال علي بسرعة وهو بيمنعه:

– مش صوري، دي صور واحدة كنت على علاقة بيها في أمريكا.

سكت بدران لحظة، وبصله على بنظرة قوية، ممدّ إيده وقال بنبرة جدية:

– اديني الظرف.

سلمه علي الظرف، فابتسم بدران وقال 

- كنت عارف إنك مش سهل… ولا يمكن كل ده تعقد كده من غير جواز.

كان ناوي يلمسه وهو بيهزر، بس علي شد جسمه الورى بسرعة.

بدران قال– حوار اللمس عندك ده معقد يا علي… المتلازمة دي بتمنعني أقرب منك، نفسي والله أحضنك يا أخي.


قال علي بهدوء:

– قريب يا بدران.


رفع بدران نظره باستغراب:

– قريب إيه؟ هتتعالج؟


هزّ علي راسه وقال بنبرة ثابتة:

– ملهوش علاج… لكن ليه زوال.


اتعقدت ملامح بدران وهو مش فاهم قصده بالضبط، فابتسم علي ابتسامة خفيفة وقال:

– أسيبك تكمل شغلك.


خرج علي وسابه، وبدران بيتابعه بنظرة فيها صمت وتساؤل.


نزل علي من الشركة رايح لعربيته، ولسه بيفتح الباب، عربية كانت بتركن قريب منه. نزلت منها نادين بابتسامة:

– علي!


التفت وشافها، وقال بهدوء:

– إزيك يا نادين؟


ردت بلهجة كلها فرحة:

– بخير… لما شوفتك.


ابتسم، وهي سألته:

– رايح فين؟


قال علي:

– كنت جاي آخد حاجة وماشي، عندي شغل.


قالت نادين وهي بتقرب منه شوية:

– شغلك كتير أوي يا علي… لدرجة إني مش بلحق أشوفك.


سكت علي لحظة، وبص لها بابتسامة صغيرة من غير ما يرد. بعدها بص في ساعته وقال:

– أنا لازم أمشي.


قالت بسرعة:

– انت وراك حاجة؟


رد وهو بيركب العربية:

– قولتلك عندي شغل.


أومأت له نادين وقالت بابتسامة خفيفة:

– ماشي.


بص لها وقال قبل ما يقفل الباب:

– موريكيش حاجة بكرة؟ نتغدى سوا.


اتسعت ابتسامتها برقه وقالت بثقه

– موريش… اتفقنا.


ركب عربيته ومشي، ونادين فضلت واقفة مكانها، عينيها متعلقة بيه وهو بيبعد.


على الطريق، كان علي سايق بسرعة وهو شارد التفكير، وفجأة عربية قطعت عليه الطريق بعنف. ضغط على الفرامل بكل قوته قبل ما تحصل حادثة في آخر لحظة، واترج جسمه من الصدمة. رفع عينه ناحية العربية اللي وقفت قدامه وشاف رضوان نازل منها، ملامحه مليانة غضب.


نزل علي بسرعة وقال بعصبية:

– إيه اللي انت عاملته ده يا رضوان؟!


رد رضوان بصوت عالي:

– أنا اللي أسألك! إيه اللي انت هببته ده يا علي؟


تجمد علي مكانه وقال بنبرة حادة:

– عرفت منين؟


اقترب رضوان خطوة وقال وهو بيكتم غضبه:

– رد عليّ يا علي… الظرف فين؟! ليه خدته من بدران قبل ما يشوفه؟!


قال علي بهدوء متماسك:

– ده كان الحل.


صرخ رضوان:

– الحل لإيه؟! إنك تمنعه يشوف الصور اللي انت بنفسك حاطط ناس يراقبوها عشان يوصلوهالك، وفي الآخر تخفيها من إيده؟! خدته ليه يا علي؟ إزاي تعمل كده؟


نظر له علي بثبات وقال:

– أنا اللي خططت، وأنا اللي نفذت، وبإيدي سلمتك الظرف… ورجعته. خلاص، الموضوع انتهى.


قال رضوان بعصبية متزايدة:

– لأ، مخلصناش! ده مش اللي اتفقنا عليه!


قال علي ببرود:

– كل حاجة بعملها ليها سبب، ومنعت بدران يشوف الصور… لأن الوقت لسه مجاش.


قال رضوان بحدة:

– أمال إمتى؟


قال علي وهو بيولع سيجارة بهدوء غريب:

– لما آخد منها اللي أنا عايزه.


ضيق رضوان عينه وقال باستغراب:

– تاخد من مين؟


قال علي وهو بينفث دخان السيجارة:

– سهير.


تجمد رضوان مكانه، وقال بنبرة فيها صدمة:

– إيه علاقتك بسهير؟


بص له علي بنظرة غامضة وقال:

– طلعت طرف مهم… في قضيتي.


قال رضوان وهو بيحاول يفهم:

– مش فاهمني يا علي، إيه علاقة سهير بقضيتك أنت؟


قال علي بهدوء غامض:

– مش مهم تعرف دلوقتي، المهم إنها تفضل بخير… لحد ما آخد كل اللي يهمني.


بصله رضوان بصمت طويل، ملامحه متوترة، قبض إيده بقوة وهو بيحاول يسيطر على غضبه، بينما علي ركب عربيته ولف سريعا بالعربية وسابه واقف في نص الطريق، بيحاول يهدى نفسه.


في الناحية التانية، كانت وعد خارجه من المركز لعد اكا خلصت، شافتها ياسمين من بعيد وصرخت بحماس:

– وعااااد!


جريت عليها بسرعة، وحضنتها وهي بتضحك وقالت:

– كنتي فين كل ده؟ قلقتيني يا بنتي!


بصتلها وعد باستغراب وقالت:

– مغبتش كل ده، في إيه؟


قالت ياسمين بنبرة عتاب لطيفة:

– كنت قلقانة عليكي بسبب غيابك وسفرك كده فجأة من غير ما تقوليلي.


اتعجبت وعد وقالت:

– سفري؟!


قالت ياسمين:

– أيوه، بس المفروض كنتي تعرفينا حتى بدل ما عيلتك تقلق عليكي.


قالت وعد:

– جبتي الكلام ده منين؟


قالت ياسمين وهي تبتسم:

– من يوسف.


اتسعت عيون وعد وقالت بسرعة:

– يوسف؟ أخويا؟


قالت ياسمين:

– أيوه، هو اللي كلّمني.


قالت وعد بنبرة حذرة:

– كلمك ليه؟


ابتسمت ياسمين بخفة وقالت:

– عشان باين إن باباكي كان قلقان، فهو قاللي أقول إنك عندي عشان ميحصلش مشاكل. ولما سألته عليكي قال إنك مسافرة، فاطمنت. بس بعد كده بقى لازم تبلغي باباكي يا وعد، مش معقولة تغيبي كده فجأة. أنا نفسي اتفاجئت!


سكتت وعد لحظة وقالت وهي بتفكر:

– يعني يوسف هو اللي كلمك؟


ضحكت ياسمين وقالت وهي بتغمزها:

– شوفتِ؟ وانتي اللي كنتي مانعاه يكلمني!


قالت وعد وهي مبرقة شوية:

– لا، أنا مش مانعاه… بس منعًا للمشاكل.


قالت ياسمين بخفة دم:

– مشاكل إيه بس؟ ده لو ارتبطت بيه تبقي معقدة أوي! ده أنا وهو اتقابلنا وكان جنتل جدًا، وشكرني كمان.


بصتلها وعد وتنهدت وقالت بهدوء:

– يلا يا ياسمين عشان منتأخرش.


قالت ياسمين بثقة وهي بتعدل شعرها:

– على فكرة يا وعد، يوسف مش هيتجوز غيري.


ابتسمت وعد بخفة وقالت:

– مفهوم… ده لو فكر يتجوز أصلًا.


ضحكت ياسمين وقالت:

– لا، أنا هخليه هو اللي عايزني.


ردت وعد وهي بضحكة بسيطة:

– هتفرّحي ماما أوي كده.


رن تليفونها بصّت على المتصل، اتفاجئت إن اللي بيتصل هو علي.

ردّت بسرعة وقالت:

– ألو؟


جالها صوته الهادئ الواضح:

– تعالى الفيلا.


اتربكت وقالت:

– دلوقتي؟


قال علي بجدية:

– أيوه، انتي مش خلصتي كليتك؟


قالت وعد:

– آه، بس السواق بره، هيلاحظ.


قال علي بنبرة أمر خفيفة:

– قوليله أي حاجة يا وعد… هتلاقي عربية مستنياكي ورا سور المستشفى.


سكتت لحظة، فسمع صوته تاني وهو بيقول بهدوء:

– متتأخريش.


وقبل ما تلحق ترد، كان قافل المكالمة.


خدت نفسها بعمق، ودعت صحابها بابتسامة مصطنعة، وخرجت من الكلية. أول ما شافت عربية والدها والسواق، راحت ناحيته وقالت له:

– امشي، أنا خارجة مع صحابي شوية.


قال السواق بتردد:

– أوصّل حضرتك فين يا آنسة وعد؟


قالت بسرعة:

– لا، أنا مش عايزة حد يلف معايا. هطلب أوبر وأنا راجعة… أو أرجع معاهم.


أومأ السواق باحترام، وركب العربية ومشي. استنت شوية لحد ما تأكدت إن العربية اختفت من قدام المركز كله.


مشيت ناحية السور اللي قالها عليه علي، تبص حواليها، لقت عربيات كتير واقفة، مش عارفة أنهي واحدة يقصدها.


لكن شافت راجل واقف بعيد، أول ما شافها اتحرك ناحيتها، فتح باب عربية سودة فخمة، واقف مستنيها بهدوء.


قربت منه وعد بحذر وقالت بصوت واطي:

– علي بعتك؟


قال بهدوء وهو بيمد إيده ناحية العربية:

– اتفضّلي.


عرفت وعد إنه تبعه، فركبت من غير كلام. سكّر الباب وراها، وراح قعد مكان السواق، وبدأ يتحرك بالعربية بهدوء.

الطريق كله كان صامت، مافيش صوت غير صوت العربية، وعد ساكتة، والراجل سايق من غير ما يلف ولا كلمة.


لحد ما وصلوا عند الفيلا.

نزلت وعد، ودخلت على طول من غير ما تستنى.

البيت كان ساكن، مفيهوش ولا صوت، وكأن مفيش حد فيه.

راحت على المكتب… مفيش حد.

طلعت فوق ناحية الأوضة، فتحت الباب، لكن علي ماكانش هناك.


قالت وهي بتبص حوالينها بقلق:

– قالّي أجي له وهو اصلا مش موجود…


عيونها وقعت على شنط كتير متكومة جنب السرير.

قربت منها، بصت باستغراب، وبعد تردد فتحت واحدة منهم.

اتفاجئت إنها مليانة هدوم نسائية جديدة، ألوانها متنوعة وأنيقة.

رجّعت الغطا بسرعة بخجل، لكن فضولها خلاها تفتح شنطة تانية،

لقيت فساتين وملابس منزل من ماركات عالمية، شكلها غالي جدًا.


قبل ما تستوعب الموقف، سمعت صوت وراها بيقول بنبرة هادية:

– اتأخرت عليكي؟


لفّت بسرعة، لقت علي واقف وراها، ماسك الموبايل في إيده وبيبتسم ابتسامة خفيفة.

قالت بتوتر وهي بتشير على الشنط:

– إيه كل اللبس ده؟


قال علي ببساطة:

– قولتي إنك عايزة لبس لقعادك هنا.


قالت بدهشة:

– بس ده كتير جدًا! وبعدين… جبت كل الحاجات دي إزاي؟


قال علي وهو بيقرب منها بخطوات واثقة:

– واحدة من المحل اختارت الحاجات وبعتها هنا.


سكتت وعد لحظة، وبصت له بعيون فيها ارتباك،

قال علي وهو بيقرب أكتر وبيمسك إيدها برفق:

– مالِك؟


قالت بخجل:

– كنت متخيّلة إنك إنت اللي اخترت الحاجات بنفسك.


قالها بابتسامة جانبية:

– ما هو أنا اللي جايبها.


قالت بسرعة وهي بتحاول تخفي ارتباكها:

– الحاجات دي فيها تفاصيل زيادة… دي تدل على إن اللي اختارها عنده خبرة… كتير أوي.


ضحك علي بخفة، وعيونه بتلمع وهو بيقول:

– غيرانة؟


رفعت عينيها ليه، قلبها دق غصب عنها…

وسكتت.

لكنه كان شايف الإجابة في نظرتها من غير ما تنطق.


قالت وعد ووشها محمر، صوتها واطي ومتلخبط:

– مش بعد ما عرفت إن بنت من المحل هي اللي جابتهم خلاص… فأنت كده أمان.


 بيقرب منها:– أمان أنا؟


أومات له وعد بخجل وقالت وهي بتبص في عينه:

– مش بشوف غيرك أمان… من زمان وانت كده.

سكتت لحظة، ثم همست:

– يمكن كنت بعيد… بس دايمًا قريب.


علي كان ساكت، بيبصلها بنظرة فيها حنان غريب.

مد إيده برفق، ولمس رقبتها ثم خده على وشها، وقال بهدوء:

– عايزك دايمًا تشوفيني كده.


ابتسمت بخجل، وبعدت خطوة بسيطة عنه،

قام هو ومد إيده ناحية السرير، مسك حقيبة صغيرة وادهالها.

بصت له باستغراب وقالت:

– إيه ده؟


قال علي وهو بيبصلها بنظرة عميقة:

– عايزك تلبسي ده النهارده.


فتحت الحقيبة ببطء، ولما شافت اللي جواها، وشها احمر أكتر،

لسانها عقد، وماقدرتش ترفع عينيها ناحيته.


ابتسم علي وهو شايف ارتباكها، قرب من ودنها وهمس بصوت دافي:

– ده اللي اخترته ليكي مخصوص.


لمس خدها بلطف، وباس رقبتها بخفة وقال:

– طاعة الزوج مهمة… متتأخريش.


ومشي بهدوء ناحية الحمّام،

ولما الباب اتقفل وراه، قدرت وعد تاخد نفسها أخيرًا.

بصّت على الحقيبة مرة تانية،

وبعينين مرتبكة تابعت القميص اللي كان جوّاه…

قميص اختاره هو ليها بنفسه.


خرج علي من الحمّام بعد شويه، وقف مكانه يتأملها.

كانت وعد واقفة في نص الأوضة، لابسة القميص الأسود اللي بيظهر أكتر ما بيخفي، بتحاول تقفل الروب وتشده لتحت عشان تغطي جمال ساقيها وبشرتها الناعمة.

قال علي – ده مش ترينج، هيتقطع في إيدك.


اتصدمت، ولفت بسرعة لما شافته واقف وراها، قالت بتوتر:

– أنا كنت...


قاطعها علي وهو بيقرب منها وبيبص لها من فوق لتحت:

– شكلك جميل قوي.


اتكسفت، وابتسامة صغيرة طلعت غصب عنها، فكل كلمة بيقولها كانت بتخلي قلبها يدق أسرع.

قال علي وهو بيلاحظ توترها:

– مالك متوترة ليه؟

قالت وعد بخجل:– مفيش.

رد علي بابتسامة جانبية:– التوتر ده مني؟

نفت بسرعة وقالت:– هيتصلوا عليّا، وأنا ما قولتش لحد غير السواق.

قرب منها وقال بهدوء:– وإنتِ هنا، مش عايزك تفكّري في حد غيري... اتفقنا؟


سكتت، لكن هزّت راسها بالموافقة.

سحبها علي ناحيته، فاتفاجئت.

مدّ إيده على ضهرها، وفي لحظة سحب التوكة من شعرها، فاتفرد شعرها الحرير حوالين وشها.

ارتبكت وعد وقالت بصوت واطي:

– علي...

قال بابتسامة وهو قريب منها جدًا:

– بحب اسمي لما بسمعه منك.


قرب أكتر، ومسك خصلة من شعرها يشمّها، صوته بقى أهدى وهو عند رقبتها:

– كل حاجة فيكي قادرة تخليني شخص تاني يا وعد.


قالت وعد بتردد:

– دي حاجة حلوة ولا وحشة؟

ضحك علي بخفة وقال:

– معرفش لحد دلوقتي... بس اللي متأكد منه إنك مأثرة فيّا أكتر من أي واحدة.


قالت وعد بخجل:

– عشان بتحبني؟


بصلها علي بهدوء، ولما قالت كده، أومأ إيجابًا وقال بابتسامة خفيفة:

– عشان بحبك.


ابتسمت وعد وهي تهمس:

– وأنا كمان.


قال علي بصوت منخفض:– اسمعها منك.


قربت منه، همست عند ودنه – بحبك قوي... بحبك أكتر من أي حد.


ابتسم علي، وعيونه ما سابتش عيونها، النظرة دي كانت كفيلة تخليه يغرق فيها أكتر.

ضمّها لصدره بقوة وقال وهو بيهمس قرب ودنها:

– إنتِ ملكي.


سحب حبل الروب بهدوء، وكتفيها ارتجفوا مع أنفاسه القريبة، قلبها كان بيدق بسرعة، حضنته أكتر، فضمها بين دراعيه ورفعها بخفة، وقال وهو بصوت دافئ مليان شغف:

– ملكي أنا يا وعد.


---


مالك بيوصل على فيلة بدران وبيركن عربيته دخل مكتب على وفتح الدرج قال 

-حاطط الملف فين

فتح الدرج يدور الباب اتفتح عليه بص مالك لقاها بنت باين من لبسها إنها الخدامه بصيتله وقالت

-ا..انت مين

قال مالك- مساعد على

قالت - وبتعمل اى هنا

قال مالك-طلب منى ملف بجيبهوله يا.....

قالت- رنا اسمى رنا

اومأ لها بتفهم ورجع يدور لقاها لسا واقفه فقال - عايزه حاجه من هنا

قالت رنا- كنت بحسبك على بيه

قال مالك- ف حاجه

قالت رنا- مش عارفه اقول ولا لا بس الهانم كانت هنا بردة وبتدور ع حاجه

استغرب مالك قال- الهانم قصدك رانيا

اومات له ومشيت لحقها فورا قال-استنى

مسك ايدها منعها جه صوت وكان يوسف الى سمع صوت وراح يبص بس وقف لما ملقاش حد، كان مالك ماسك رنا وحاطط إيده على بقها وهى ساكته

مشي يوسف باستغراب بصيت رنا لمالك قالت

-ف اى

قال مالك- شوفتى رانيا خدت حاجه وهى خارجه

قالت رنا- لا معتقدش كانت خارجه ايدها فاضيه

اومأ لها وبعد عنها قال -بس لى قولتيلى

قالت رنا- معرفش بس وعد بتحب عمها وبتقول إنه طيب وبدل ما اقولها قولت اقول لأي حد تبعه لانى مش بحب المشاكل ولو طنط فاطمه عرفت بالكلام الى قولتهولك وانى حتى شوفت الهانم هتزعقلى جامد مش بعيد تمشينى

سكت مالك وهو باصصلها قال - انتى بتحبى وعد

قالت رنا- جدا يمكن هى أكتر حد هنا طيب وعاملنى كويس ولما تحب حد الحد ده هحبه انا كمان

قال مالك- اسمك رنا مش كده

اومات له ربت عليها قال - محدش هيعرف بنقاشنا متقلقيش بس احتمال اعوزك

قالت رنا- انا ليه؟!

قال مالك- بنقدر الخدمه وعلى مش بيفرط ف اتباعه

قالت رنا- انا معملتش حاجه

قال مالك- اشوفك بعدين

مشي وسابها وهي مش فاهمه اي حاجه


في الفيلا، على السرير، كان علي مستلقي ووعد في حضنه.

بصلها وهو بيتأمل ملامحها الهادية، مسح شعرها اللي نازل على وشها وقال بنغمة دافئة:

– عارف إنك مش نايمة.


اتكسفت وعد، غطّت نص وشها، فتحت عينيها تبصله بنظرة ناعمة وقالت بهمس:

– مش هتقوم؟

ضحك علي بخفة:– لا


قالت وعد وهي بتعدل نفسها وبتشد القميص عليها:– خليك، أنا هقوم.

رفع حاجبه وقال:– رايحة فين؟

قالت :– ماما أكيد رنّت عليا كذا مرة، وبابا كمان... لازم أروح، اتأخرت.


قبل ما تكمل، سحبها علي بقوة خفيفة، رجّعها لصدره وقال بصوت واطي وهو بيبصلها:

– تروحي فين؟

قالت وعد وهي بتحاول تبصله وتخفي ابتسامتها:

– البيت... عند بابا.


قال علي بهدوء حاسم:

– مفيش مرواح... هتِقعدي معايا النهارده.


اتسعت عيون وعد وقالت بتوتر:

– بس بابا... هقوله إيه؟

رد عليها بثقة:

– شوفي أي حجة يا وعد، المهم إنك مش هتمشي.


قالت وهي بتتنهد:

– كدبت عليه المرة اللي فاتت...

بصت له وأضافت بصوت منخفض:

– شكلي هكدب كتير بسببك يا علي.


قال علي بابتسامة خفيفة تخفي ضيقه:

– مضايقة إنك هتقعدي معايا؟

سكتت، وده خلاه يتغير، قام ببرود وهو يقول:

– تمام... هخلي السواق يوصلك.


مسكت إيده بسرعة وقالت بلهجة حزينة:

– لا... أنا عايزة أقعد معاك.

أنا بتضايق لما ببعد عنك، وفرحت لما جبتني هنا... يا ريتني أقدر أفضَل معاك على طول يا علي.


نظر ليها وقال بنغمة جادة:

– وعد، اتكلمنا عن الموضوع ده قبل كده.

هزّت راسها إيجابًا وقالت بإصرار هادي:

– عارفة... ومعنديش مانع.

ظروفك أياً كانت، أنا قابلتها.

ولو كدبة صغيرة هتخليني أقعد معاك وقت أكتر... هكدب.

ولو الكدبة هتخليني أكون معاك، مستعدة أعيش العمر كله أعمل كده... عشان نفضل سوا.


مد علي إيده، مسكها برفق وقربها منه، وباسها من شفايفها قبلة طويلة، قلبها دق بسرعة، وبادلته بخجل، ولما بعد عنها كان صوته مبحوح وضعيف:

– مش قادر أبعد عنك.


همست وعد:

– متبعدش.


قال علي وهو بيحاول يسيطر على نفسه:

– مش لصالحك... إنتِ اللي هتتأذي، واللي ياذيك... ياذيني أنا.


الكلمة دي خلتها تسكت، وقلبها يدق من قوتها.

لمس رقبتها بخفة، وبعدها بلحظة رن تليفونه.

رد بهدوء:

– كله تمام.


قفل المكالمة، بصلها وقال:– العشا جاهز.

قالت وعد – عشا؟

– أيوه... إنتِ مش جعانة؟


قالت وعد وهي تبتسم بخفة:

– جعانة الصراحة.

رد علي بابتسامة دافئة:

– طب البسي يلا.


ابتسمت بخجل، وأومأت له. وقبل ما يخرج التفت ناحيتها وسألها بنبرة جادة:

– انتي خدتي الحبوب اللي قولتلك عليها؟

أومأت إيجابًا وقالت بهدوء:

– أيوه، خدتها… متقلقش.

قال علي وهو بيشد نظره فيها:

– متنسيش تاخديها في ميعادها كل مرة، مفهوم؟

هزّت راسها بطاعة، ومشي علي بهدوء، وهي فضلت تبصله لحد ما اختفى عن عينها.


بعد شوية، نزلت وعد وهي لابسة فستان أسود ناعم بسيط، لأنها عارفة إن اللون ده أكتر حاجة بيحبها.

بصّت حواليها في الفيلا وما لقتوش، لكن من الشباك لمحت طيفه برا. خرجت بخطوات هادية، وشافت منظر غريب وجميل في نفس الوقت.


نار صغيرة مقيدة جوه خندق حجري أنيق، والجو حواليها هادي بطريقة تخلّي القلب يرتاح.

وكان في مرجيحة خشب متعلقة قُرب النار، وعلى واقف هناك ماسك قنينة في إيده، بيشرب منها بهدوء، ووشه مضي بنور اللهب.


لما شافها، شاورلها بابتسامة خفيفة.

قربت منه وقالت وهي بتتأمل المكان:

– المكان ده غريب… تصميم فيلتك عموماً كله مميز.

قال علي وهو بيتابع النار بنظره:

– أنا اللي اخترت يتعمل كده.

قالت وعد بدهشة:

– إيه ده؟

قال علي بنبرة هادية فيها شرود:

– شُفت حاجة شبهه في مطعم بأمريكا، وحبيت أعملها هنا... نوع من الاسترخاء.


ضحكت وعد بخفة وقالت وهي تبص للنار:

– مش من المرجيحة، أكيد بتتكلم عن النار.

بص لها علي وقال بابتسامة غامضة:

– بهدا وبعرف أفكر لما ببص فيها.

قالت وعد وهي تضحك بخفة:

– أنت غريب جداً يا علي.

مدّ علي إيده ليها، مسكتها وعد من غير تردد ومشيت معاه.

قعدوا سوا على المرجيحة العريضة اللي بتتحرك بخفة وسط نسيم الليل، وضمها بذراعه ناحيته لحد ما بقت متكئة على صدره.

ابتسمت وعد وهي حاسة براحة وسعادة أول مرة تعرف معناهم، المكان كله كان ليه طابع غريب... هدوء، نار، ودفء مش شبه أي حاجة عاشتها قبل كده.


قالت وعد بصوت خفيف وهي مغمضة عينيها:

– حبيت قبل كده؟


ابتسم علي من كتر أسئلتها، وقال بنغمة فيها هدوء وغموض:

– ليه بتسألي كده؟


قالت وعد بنبرة مرحة:

– قولّي، مش هزعل يعنى… خالتو نادين؟


 علي بهدوء وقال:

– إسألي نفسك… أنا بسمح لحد يلمسني غيرك؟ نادين عندها الصلاحية اللي عندك؟

هز راسه وهو بيبص لها نظرة ثابتة:

– مستحيل.


بصّت له وعد باستغراب وقالت بفضول:

– يعني إنت عندك مشكلة مع لمس الناس؟ وسواس نظافة؟ ولا نوعه إيه بالظبط؟ واشمعنا أنا؟ ليه أنا الوحيدة اللي ينفع ألمسك؟


سكت علي لحظة، وهي افتكرت أخوها وأبوها لما كانوا دايمًا بيتكلموا عن حذره في التعامل.

قالت وعد وهي تبص لإيده:

– ليه أنا عندي الصلاحية دي؟


قال علي بجديه وهو يطالعها بعينه:

– لأن إيدك نضيفة.


بصّت له بعيون بريئة وقالت باستغراب وهي تبص على إيديها:

– نضيفة؟ قصدك بغسلها كتير؟


ابتسم علي وحاول يكتم ضحكته، فقالت وعد بنغمة متضايقة شوية:

– بتتريق عليا؟ أنا مش فاهماك بجد.


قال علي وهو يبص قدامه في النار:

– لما تكبري هتفهمي.


قالت وعد بابتسامة خفيفة وهي تبص له بطرف عينها:

– هكبر أكتر من كده يا ضرغامى؟


بصّ لها علي، واتسعت ابتسامته من نغمة دلعها،

سحبها ناحيته بهدوء، وحضنها بصمت


في الصبح بدري، وعد رجعت بيتها. كانت داخلة مبتسمة ولسه سامعة صوته فودانها. قابلت فاطمه عند باب الفيلا، اللي قالت بدهشة:

ـ انتي لسه راجعة دلوقتي؟

ردت وعد بسرعة:

ـ بس وطّي صوتك، في حد صاحي؟

ـ لا، بس سمعت يوسف بيه بيسأل عليكي.

ـ طب وبابا؟

ـ الصراحة مركزتش.

طلعت وعد أوضتها بهدوء، كأنها حرامية داخلة تخفي جريمتها. رغم إن ليلتها البارح كانت من أجمل لياليها، لكن أول ما بترجع هنا بتحس إنها في سجن كبير... سجن ذنبها اللي بيخنقها يوم بعد يوم.


 كانت سهير راجعة البيت. فجأة عربية وقفت قدامها مرة واحدة، اتخضت وقالت بغضب:

ـ إنت...؟

قبل ما تكمل شتايمها، شافت راجل نازل من العربية بخطوات واثقة، شامخ وهيبته تلفت النظر.

قال بهدوء:

ـ سهير.

بصتله وقالت بتحدي:

ـ إنت تعرفني؟

ـ أعرفك... وأظن كمان إنك تعرفيني، بس الذكريات عندك يمكن مش واضحة.

ـ أنا مابنساش حد... اسمك إيه؟

ـ علي.

ضحكت بسخرية:

ـ أول مرة أسمع الاسم ده.


قرب منها خطوة، وقال ببرود:

ـ وقعتِ دي ف الكباريه.


بصت في إيده، لقت ساعة رجالي... ساعته يوسف اللي بتلبسها علشان تتواصل معاه. اتصدمت وسحبتها بسرعة من إيده:

ـ وقعتها إمتى دي؟

بصلها علي بنظرة ثابتة، فقالت بسرعة:

ـ شكراً... بس جيت ورايا بس عشان تديهالي.. معتقدش؟

ابتسم ابتسامة خفيفة، كأن عرف انها ذكيه كفايه انها تكون نفسها الى طانت عشيقة حسن، وقال بنبرة فيها غموض:

ـ هنتقابل تاني.

ـ نتقابل؟

ما ردش، بس طلع عربيته ومشي.


رجع علي الفيلا بتاعته، رجّالته واقفين صف جنب العربيات، أول ما شافوه وقفوا باستعداد.

واحد منهم سأل:

ـ النهارده يا باشا؟

قال علي ببرود:

ـ مش عايز غلطة واحدة.


سابهم ودخل الفيلا، والكل طلع بالعربيات وسابوا المكان فاضي تمامًا، كأنهم عارفين إن سيدهم مش محتاج حراسة.

دخل علي، ولع الولاعة، شعل سجارته... بس ساب الولاعة مولعة قدامه.

النور المنعكس منها لمس عينه، وكأن شرارة نار جواه فاضلة مولعة ومش راضية تطفي.

غمض عينه، وأسند ظهره بهدوء، في صمت مليان غضب مكتوم.


وعد كانت قاعدة في الفيلا، حاسة بإرهاق غريب، جسمها تقيل ومش قادرة تقوم. اتملت على السرير، وفجأة سمعت خبطة على الباب.

قالت بهدوء:ـ ادخل.

دخلت الخدامة وقالت:ـ أحضّر الفطار يا هانم؟

ـ انتو لسه ما عملتوش؟

ـ أنا طلعت أسألك، أصل محدش هيفطر.

ـ ليه؟

ـ رانيا هانم خارجة.

ـ طب فين يوسف وبابا وعل..عمى؟

ـ في الشغل يا هانم.

ـ يعني مفيش حد هنا غيري؟

ـ أيوه، أحضّرك الأكل دلوقتي؟

ـ لا، مش عايزة دلوقتي.

أشارتلها تخرج، وبعد ما الباب اتقفل، فضلت وعد ساكتة لحظات...

البيت ساكت، وهي لوحدها تمامًا.تنفست وقالت لنفسها

ـ مفيش مانع أخرجله.

لبست بسرعة، ومن غير ما تبعت له أو تستأذن، قررت تعملها مفاجأة وتستناه في الفيلا.


لبست بسرعة، ومن غير ما تبعت له أو تستأذن، قررت تعملها مفاجأة وتستناه في الفيلا.


لما وصلت هناك، استغربت إن الرجالة بتوعه مش موجودين، والجو غريب كأنه فاضي على غير العادة.دخلت بخطوات هادية، ولمحت من بعيد حد قاعد في الصالة....قربت شوية...وشافته.


علي كان نايم على الكرسي، ووشه باين عليه التعب، بس وسامته كانت أوضح من أي مرة شافته فيها.

وقفت تبصله، ابتسامة خفيفة ظهرت على شفايفها وهي تهمس لنفسها بإعجاب:

ـ قد إيه أنا محظوظة... إنه هو حبني أنا، دون عن كل البنات.


قعدت جنبه بهدوء، وهو ما حسش بيها، واضح فعلاً إنه نايم بعمق.

بصتله تاني... لقت ملامحه بدأت تتغير، حاجبه اتعقد، وعينه بتتحرك تحت جفنه كأنه بيشوف حلم مش مريح.


مدت إيدها بخوف خفيف ناحية إيده، همست:

ـ علي...


 أضواء العربيات عالية جدًا، والصوت ملوش آخر...

صوت البوليس، الإسعاف، وصريخ الناس مالي المكان.

الأرض كلها دم، وبنت مرمية على الأسفلت، ملامحها مشوّهة، وعينيها مفتوحين وهي بتلفظ أنفاسها الأخيرة بين دراعين شاب ماسكها بقوة.

عينه كانت بتنطق بالذعر، مش شبهه خالص، كأنه مش الأسد اللي الكل بيخافه، كأنه طفل تايه وسط النار.

البنت بصّت له والدموع ماليه عينيها، همست بصوت مكسور:

ـ علي... اهرب.

مسكت إيده بكل ضعفها وقالت:

ـ كان نفسي أعيش معاك... اهرب يا علي... مجرمين.

سالت دمعة من عينيها، همست بعدها بهدوء:

ـ بحبك.

وبعدين سكتت للأبد.علي فضل ماسكها، وعينيه دمعتين نازلين على وشه الملطخ بالدم.


وعد بتبصله متعرفش بيشوف اى بس شافت دمعة نازلة من عينه، استغربت جدًا، مدت إيدها بخوف ولمسته:

ـ علي؟


فتح عينه فجأة، بعينين حمرا من البكاء، ومسِك إيدها بقوة.

قالت بدهشة:

ـ على ده انا... مالك؟


مردش، بس عينيه كانت بتصرخ.

قالت بخوف:

ـ انت كويس؟ شوفت كابوس؟


حط إيده على راسه وقال بصوت مخنوق:

ـ م... ماتت.


هي مفهمتش، بس قربت منه فورًا، حضنته زي أم بتطبطب على ابنها، وقالت بهدوء:

ـ كان كابوس يا علي... اهدى، خلاص.


ضمها أكتر، وشه في صدرها، وقال بصوت مبحوح:

ـ وعد...


ـ أنا معاك دايمًا.


سكت شوية، وبص في الفراغ كأنه بيكلم نفسه وقال:

ـ انتي هتكتبي نهايتي.


استغربت وعد، قلبها اتقبض من الجملة، بس ما سألتش، فضلت قريبة منه، حاسة إن حضنها هو الأمان الوحيد اللي ليه دلوقتي.


ولما هدي شوية، سابها بهدوء، قعدت جنبه وقالت بنعومة:

ـ كنت بحسبك مش هنا.


اتعدل علي ـ جيتي إزاي؟


ابتسمت وعد بخفة وقالت:

ـ مفيش كلية، ومفيش حد في البيت، قولت أجيلك... أصلي بحب أستغل الفرص.


سكت علي لحظة، بصّ لها بنظرة طويلة،

قالت هي بهدوء وهي تحاول تكسر الصمت:

ـ وانت ما رحتش الشركة ليه؟


قال علي بابتسامة صغيرة:

ـ كنت عارف إنك جايه... فقولت أستناكي.


دق قلبها، وابتسمت غصب عنها، وهي مش مصدقة قد إيه الكلمة دي بسيطة بس مؤثرة.


---


في الشركة، كان يوسف واقف مع بدران في المكتب الكبير.

قال بدران بثقة:

ـ الموسم ده هيشهد الشركة كمؤسسة كبيرة.


رد يوسف بحماس:

ـ عارف يا بابا، وأنا مهتم بالحدث بنفسي، مش هسيب تفصيلة.


قال بدران بابتسامة فخر:

ـ كنت بطمح من زمان إن الشركة دي تبقى من المؤسسات الرئيسية في البلد، والسنادي النتيجة هتظهر.


قال يوسف وهو بيبتسم:

ـ أقسم لك يا بابا، افتتاح الأسواق السنادي محدش هيكون أعلى منك فيه.


ضحك بدران بثقة وقال:

ـ هيحصل يا يوسف... هيحصل.


---


في الصباح،

كانت وعد واقفة قدام المراية، بتمشط شعرها بهدوء وابتسامة صغيرة مرسومة على وشها.

جه علي من وراها، سحبها بخفة من خصرها وضماها لصدره، وقال بصوت واطي:

ـ بتقومي من جنبي ليه؟


قالت وهي بتضحك بخجل، وقلبها بيدق بسرعة:

ـ عشان صحيت واتأكدت إنك كمان صحيت.


ضحك علي بخفّة، وقال وهو بيقربها أكتر:

ـ طب صحيتيني ليه وأنا نايم مرتاح كده؟


قالت وعد بهمس:

ـ يمكن عشان متعودش أبدأ يومي من غيرك.


دفن علي وشه في رقبتها، نفسها اتلخبط، ووشها احمر فجأة من التوتر.

قالت بخفوت:

ـ ع.. علي!


همهم علي وهو لسه قريب منها:

ـ نعم؟


قالت وهي بتحاول تسيطر على صوتها:

ـ لازم أمشي... عشان متأخرش أكتر من كده.


لفها علي ناحيته وقال بهدوء:

ـ متوتريش لما تشوفيني، ده بيخلي الناس تحس إن في حاجة.


قالت وعد بتوتر صادق:

ـ مش بعرف أكون زيك.


قال علي بابتسامة جانبية:

ـ لازم تعرفي.


أومأت وعد بتفهم وقالت بنغمة هادئة:

ـ هحاول... طب مش جاي الفيلا؟ يعنى هتكون معايا ولا لأ؟


قال علي وهو بيبصلها بعمق:

ـ أنا معاكي على طول... أنا ظلك يا وعد.


ابتسمت بخفة، وقربت منه بجرأة غير معتادة، وباسته على خده بهدوء.

قلب علي دق بسرعة، اللعنة... هي فعلاً بتقدر تضعفه كل مرة.

ابتسمت له بخجل وهي بتبعد، ودعته ومشيت، وهو لسه عينيه بتتبعها لحد ما اختفت عن نظره.


---


في أوضته، كان بدران راجع لسه من الشغل، قاعد مع رانيا وبيتكلم بنبرة فيها قلق واضح:

ـ وعد فين؟ ملقيتهاش في أوضتها.


قالت رانيا وهي بتحاول تبان هادية:

ـ معرفش، هي قالت للسواق إنها خارجة مع صحابها.


قال بدران بحدة خفيفة:

ـ تاني؟


ردت رانيا بحذر:

ـ معرفش... بقت تخرج كتير، ده غير صحبتها اللي كل شوية تبات عندها.


قال بدران وهو بيحاول يفتكر:

ـ اسمها إيه؟


قالت رانيا:

ـ مبسألهاش كتير عشان متضايقش مني ولا تحس إني مش واثقة فيها، بس أظن إنها يا عند ياسمين يا عند نيلي.


سكت بدران وهو حاسس بضيق من تصرفات بنته وغيابها المستمر في الفترة الأخيرة.

بصّت له رانيا بفضول وقالت:

ـ هو في حاجة؟


ما ردش، قام من مكانه ونزل.

ولما نزل تحت، قابل وعد وهي داخلة من باب الفيلا.

قال بنبرة هادئة لكنها فيها حدة خفيفة:

ـ كنتي فين؟


اتخضّت وعد لما سمعت صوته، خصوصًا إنها كانت مرهقة جدًا.

اتعدلت بسرعة وقالت بابتسامة متوترة:

ـ بابا...


قال بدران وهو بيلاحظ ارتباكها:

ـ مالك؟ اتخضّيتي ليه؟


قالت وعد بسرعة:

ـ لا، مفيش حاجة... بس استغربت إنك هنا.


قال بدران:

ـ أول مرة أرجع بدري عنك... ولا انتي اللي بقيتي تتأخري؟


قالت وعد وهي بتحاول تبرر:

ـ لسه الساعة 11 يا بابا، كنت مع صحابي.


قال بدران بصرامة هادية:

ـ كل يوم؟


قالت وعد وهي بتحاول تمسك أعصابها:

ـ بفضل أقعد معاهم يا بابا، لو عندك اعتراض عرفني... مش شايفة إني بغلط لما أخرج، خصوصًا وأنا مش مقصّرة في مذاكرتي.


قال بدران وهو بيبصلها بنظرة فيها معنى أعمق من الكلام:

ـ انتي عارفة الغلط من الصح يا وعد فمش هعرفك


سكتت وعد عند الجملة دي، حسّت إنها وقعت في فخ الصراحة اللي مش قادرة تقولها.

قالت بهدوء وهي بتحاول تهرب من الموقف:

ـ عن إذنك، هطلع أوضتي.


مشيت من قدّامه، مش عارفة دي الكذبة الكام في سلسلة أكاذيبها اللي بقت تقلّها كل يوم أكتر.

كذبت على الكل... حتى على نفسها.

بس الكذبة دي كانت جميلة، زيها.

كذبة بتحاول تحفظ بيها سرها، وتحمي بيها حبها...


كانت نايمة ف أوضتها، بتحاول تنام ومش قادرة. مش عارفة ليه اليومين دول حاسة بضيق وخنقة غريبة.

قامت فتحت موبايلها، كانت عايزة تكلم علي، بس أول ما بصّت على الساعة لقت الوقت متأخر. قالت في سرّها: "أكيد نايم… نومه خفيف بلاش اصحيه."

قامت خرجت من الأوضة بهدوء

وهي ماشية ف الممر قابلت يوسف أخوها.

يوسف: "لسا منمتيش يا وعد؟"

وعد بابتسامة خفيفة: " إنت لسا راجع من بره؟"

يوسف: "أه، لسه… مالك؟ شكلك تعبانة."

وعد : "قلق من النوم؟"

بعدت ونزلت تحت المطبخ خدت إزازه تشرب وهى بتقفل التلاجه شافت أخوها فى وشها اتخضت منه قالت

-يوسف خضيتنى

قال يةسف- لى انتى بتعملى حاجه غلط

استغربت وعد من نبرته قالت- بشرب انت عايز تشرب

ابتسم يوسف قال- وعدد... مش عايزه تقوليلى حاجه

قالت وعد- حاجة اى

بصلها يوسف بجديه وقال - كنتى فين وبايته عن مين لما خرجتى من هنا

قالت وعد بتوتر- منا قولتلك احنا هنعيد الكلام

لسا هتمشي مسكها يوسف قال - وووعد

بصتله وعد وهو قال - عارف انك مكنتيش عند صحبتك

قرب منها قال- تحبى اقولك انا ولا تقوليلى انتى

سكتت وهى بصاله بتوتر


سهير فى الكباريه واقفه فى البار بتشرب كاسها جه واحد من وراها زقها ولزق فيها اضايقت قالت

-يابن ال...

سكتت لما شافت سلا.ح عليها وإنها فهمت غلط بصيتله برعب قال بهدوء

-امشي

قالت سهير- انت مين

-لو فكرنى تعملى اى حركه غبيه هتكونى بتضحى بحياتك، امشي يلا

مشيت معاه وراجل كان بيخفى سلا.حه فى هدومه وهى ماشيه معاه بقلق قالت

-على فين

مردش عليها وهى فضلت ماشيه معاه بقلق لحد ما وصلت لاوضه وأول ما ،خلت الباب اتقفل عليها باحكام بصيت للاوضه كانت عارفاها كويس اوض حجر الكباريه الخاصه العائله للصوت وعازله عن الناس تماما

شافت حد قاعد بيدخن سيجارته قال- مخضوضه ليه اعقدى

قالت سهير- انت مين

- قولتلك هنتقابل تانى لحقتى تنسي

بصيتله بدهشه قالت- على

قال على- اعقدى

-لعقد اى وتطلع مين انت اصلا والراجل ده... ده معاه سلا.ح

قال على- اى خايفه؟!

بصيتله بضيق قالت- انت زعيم عصا.به ولا اى

قال على- لو خايفه على حياتك فأنا مش هأذيكى لأنى محتاجك

قالت سهير- محتاجين ف اى بقا

قال على- حسن

اتبظلت ملامحها لما سمعت الاسم ده قال على - كويس اوى إنك لسا منسيتهوش

قالت سهير- ح..حسن

قال على- مش جاى أسألك عن علاقتكم الخاصه هو ما..ت وانا كان ليا عنده حاجه سبها معاكى انتى

ارتبكت بعدين بصيتله وقالت- معرفش حد بلاسم ده انت ملغبط بينى وبين حد

لسا بتلف سمعت صوت تعمير سلا..ح وإنها بيتوجه عليها ارتجفت ولفيت بجنب عينها لقته بكل برود بيصو..ب عليها قال

- افتكرتيه ولا لسا

ارتجفت وقالت- قولتلك معرفش حد بلاسم ده صدقنى

قال على وهو يبتسم- انا هنا عشان افكرك يا سهير بحسن نفسه كنتى ع علاقه بيه سريه

رفع عينه ليها واردف - حسن إلى قت..لتيه

يتبع 


تعليقات

التنقل السريع
    close