القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية خسوف القمر الفصل الخامس والعشرين حتى الفصل الثلاثون والاخير بقلم الكاتبه نداء علي حصريه وجديده


رواية خسوف القمر الفصل الخامس والعشرين حتى الفصل الثلاثون والاخير بقلم الكاتبه نداء علي حصريه وجديده 


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين

وبين ألف لا ونعم واحدة يميل القلب الي تلك النَعم التي تعني قرب من حبيب محال أن نحظى به الا أنه يسعى بكل الطرق للقرب.. تجاهلت قمر كل ما يطرق بابها رافضاً لزواجها من يامن وفضلت دخول كلمة الموافقة، ربما كانت واهمة لكنها تطمع في شئ من السعادة ولو لسويعات قليلة لقد اصابتها تخمة من الحزن واليأس.


"نداء علي"


جلست نهال الي جوارها ينتقيان أثاث الجناح المفترض بها الانتقال اليه عقب الزواج لتتحدث بتردد قائلة:


لمَ لا نبق هنا عقب الزواج؛ وهل يجب علينا العيش في ذاك القصر مع والد يامن؟


نهال : جمال رغم عناده وقسوته الا أنه والد يامن شئنا أم أبينا؛ واعتقد أن بقاء يامن الي جواره يعصمه من الكثير.


انت لا تدرين كيف يبدو عالمه؛ عالم جمال وامثاله أشبه بالغابة؛ لا وقت فيها لمراجعة الأفعال ولا محاسبة الذات؛ يظل الجميع يركض فيها بلا هوادة الا أن يهوى أرضاً بعدما يتركه الجميع فيجد ان وقته قد أزف وانتهت حياته هباءًا.



قمر : ولكنه لن يتقبل وجودي


نهال : يامن لن يسمح بأن يتطاول أحد عليك مهما بلغت مكانته دعك من تلك المخاوف وانظري الى هديتي لكِ


قدمت نهال الى قمر علبة ضخمة مزينة بشكل رائع انتقلت روعتها الي عيني قمر التي التمعت بالسعادة فهي طفلة مهما انكرت ذلك؛ طفلة تطمح الى بعض الدلال والاهتمام.

مدت يدها تحتضن الصندوق بترقب تعض شفتيها بخجل من تسرعها لكن نهال شجعتها قائلة :


هيا انظري الى ما بداخله واخبريني برأيك.


تطلعت قمر الى محتويات العلبة بسعادة بالغة لتتحدث بود قائلة :


انه رائع للغاية؛ بديع الشكل.


نهال : لقد صممته من أجلك وتمنيت أن ينال استحسانك


قمر : شكراً لك؛ لم يكن من داعِ لذلك فكما اتفقنا عقد القران لن يحضره أحد.


نهال بمشاكسة : سيحضره أهم الشخصيات وأحبها الى قلبي يا فتاة أما يكفك يامن رشدان.


أخفضت وجهها خجلاً لتتحدث اليها نهال بشئ من الجدية قائلة :


يامن هو كل ما لدي يا قمر لذا اطلب اليك احتوائه والبقاء الي جواره مهما حدث.

اومأت قمر بتفهم قائلة:

سأفعل ان شاء الله. 


نهال : عليك انت ايضاً مراعاة مستقبلك والعمل علي مساندة قمر.


قمر : وكيف أفعل! 

نهال : بداية لقد قمت بتقديم أوراق التحاقك بكلية الصيدلة من جديد؛ لا يليق بك أن تضيعي تعب سنوات عدة وتتراجعي عن تحقيق حلمك وانت علي بعد خطوات منه.


قمر برفض : لا استطيع فعقلي لم يعد كما في السابق ولا طاقة لي بالمذاكرة؛ سأفشل بلا شك.


نهال : كلنا معرض للفشل ولا داع للهلع هكذا اطمئني يامن سيقوم بتدريسك.


ابتسمت قمر في صمت وخجلها يزداد لتباغتها نهال بهديتها الأخيرة قائلة:


لقد تحدثت مع مشفى مختص بالجراحات التجميلية من أجلك 


ناظرتها قمر بحزن وتساءلت بصوت كسير

هل طلب يامن اليك ذلك؟


نهال بحب : يامن لا يحتاج الى وسيط بينك وبينه وان شاء أن يطلب اليك امراً سيخبرك اياه مباشرة؛ أنا أفعل ذلك من أجلك أولاً ومن أجله ثانياً


لنفترض انكما تزوجتما وانتقلتما للعيش بصحبة جمال؛ هل ستختبئين منه؛ أليس من المحتمل أن يطلب رؤيتك؛ دعك من جمال؛ ماذا عن اصدقاء يامن وزوجاتهن هل ستقضين عمرك بأكمله في عزلة؛ صدقيني يابنيتي يامن يحبك بلا شروط وذاك أمر لا جدال فيه لكن الحياة واقعها وتوقعاتها دائما تخالف أحلامنا؛ لا اتمنى لك جرحاً نحن في غني عنه.


ثم إن ما أقوله رأي شخصي يمكنك رفضه أو القبول به أنا لا اضعك أمام أمر واقع وعليك الرضوخ وتقبله بل لك مطلق الحرية في اختيار ما تشائين.


🔸🔸🔸🔸🔸

واجتماع الأحبة له مذاق يمحو مرارة ما يعتري قلوبنا

شعور بالاكتمال واحساس بالأمان ورغبة في توقف الزمن كي لا نفترق مجدداً

قامت نسمة باعداد قالب من الحلوى بشكل مميز للغاية وزينته بكلمة حياة جديدة

ابتسم نادر قائلاً بمشاكسة:


هل تقصدين حياتنا سوياً يا نسمة؟


أغمضت عيناها خجلاً فنظر اليه عثمان محذراً قائلاً :


تأدب والا طالت فترة خطبتكما عاماً أخر.

شهق نادر قائلاً بفزع مصطنع : ما الذي تقوله يا عمي عثمان؛ وهل يطاوعك قلبك علي عقابي بتلك الصورة الشنعاء. 


تساءلت والدة عثمان قائلة بترقب :

اذاً ماذا تقصدين بكلمة حياة جديدة يا نسمة؟ 


أشارت نسمة الى علياء قائلة :


هيا أخبرينا يا علياء بما نقصده؟ 


علياء بخجل : أقصد أن حياتنا ستغدو أجمل عما قريب ان شاء الله بعدما يقتحمها فرد جديد. 


عثمان ودقات قلبه تتراقص بعدما بدأ في ادراك ما تريد قوله


هل تقصدين انكِ تحملين طفلي بداخلك ياعلياء؟ 


شهقت والدته بسعادة وابتسم والده بينما امتلئت عينا علياء بدموع كانت فيما مضى تصحو وتنام بصحبتها وهي تدعو الله أن يجمعها بعثمان وها هي بعد سنين تنعم بقربه وأتم الله فضله بحملها...


هب عثمان مندفعاً تجاهها محتضناً اياه بسعادة مجنونة لا يلق بالاً لمن حولهم بل تناسى العالم بأكمله وقد غدت هي كل عالمه.....


يتمتم بكلمة معناها احتواء وتمسك وأمان.. كلمة لا يلتزم بها سوى الرجال أما أشباههم فلا يدركون لما لها من مكانة.. كلمة أحبك هي ميثاق غليظ لا يجب أن يقطعه سوى الشجعان أما هؤلاء الجبناء فلا ينبغي أن يتلفظوا بها:


أحبك يا علياء؛ أحبك حتى الممات.


🔸🔸🔸🔸

ومشاعرنا كأمواج البحر تعلو وتبلغ ذروتها لتهبط الي الأسفل تتأرجع علواً وهبوطاً..

لكن هناك مشاعر تزداد وهجاً و شراسة بمرور الأيام والسنوات... 


الظلم والحقد الناتج عن التعرض له يشبه النيران في اندلاعها.. لهيبها حاد وقاس يحرق صاحبها ومن حوله ولا يخبو الا بانتهاء كافة الاشياء من حوله... 


تطلع عزت الى ما بيده من أوراق بإبتسامة باهته فها هو يحظى بحرية مزيفة؛استطاع بعد عناء الهرب من محبسه؛ والسعي الي ثأره.

جمال رشدان من تسبب في فقده لثروته وحياته الرغدة بأكملها؛ تركته زوجته بعدما أعلن افلاسه؛ وتراكمت الديون من حوله إلى الحد الذي جعله يفكر في إلانتحار لكنه لم يستطع؛ توجه الي جمال طالباً منه الرحمة والمساعدة فطرده بلا شفقة.


نعم هو لم يتخلى عن المحاولة ذهب اليه مرات متتالية لكنه أمر رجاله بتلقينه درساً كي لا يعاود الظهور أمامه من جديد


تعرض لضرب مبرح علي يديهم وقضى بالمشفى ثلاثة أشهر يعاني من كسور متفرقة والآلام مبرحة لتنتهي عقب خروجه كافة أحلامه عندما صدم بموت والده؛ فقد والده ولم يستطع رؤيته وكان السبب جمال رشدان.

وها هو يقضي عدة سنوات خلف أسوار السجن بعدما صدم بسيارته رؤوف؛ الابن الأكبر لجمال رشدان؛ لكنه استطاع الهرب وها هو يحظى بفرصة أخيرة للقضاء علي جمال وابنه الآخر.


🔸🔸🔸🔸

تنهدت نجاة في ملل فها هي تقضي يومها بين أعمال المنزل والاهتمام بتلك الصغيرة التي صارت كنسيم هادئ في يوم حره قاسي؛ ورغم ذلك تفتقد الحديث الي جاسم رغم كونه حديث رسمي لا يرقى الي ما يدور بين الأحبة لكنه يشعره بدفئ ذو طابع خاص.


شردت قليلاً بينما كانت تعيد ترتيب ملابسه فلم تنتبه الي عودته من العمل واقترابه منها الا بعدما تحدث بهدوء قائلاً:


هل ماسة نائمة؟


نجاة بترقب : أجل لقد انتظرت عودتك وعندما تأخر الوقت طلبت اليها النوم علي وعد بإيقاظها متى عدت.


جاسم متوجهاً الي الحمام الملحق بغرفتهما : لا داع لايقاظها فغداً تنتظرنا أمي لقضاء اليوم بصحبتهم فدعيها تنل قسطاً كافياً من النوم؛ هم بالابتعاد لكن اعتراضها استوقفه بعدما قالت :


لن أذهب معكما.


جاسم بحدة : وهل هذا قرار وعليَ القبول به أم ماذا؟


نجاة بصوت مختنق بدموع الخوف : 

أنا لا اريد التواجد بمكان أعلم يقيناً انني غير مرحب بي داخله.


جاسم : كما تشائين؛ يبدو أنني قد تسرعت بالفعل في زيجتنا وهناك الكثير من الأمور التي يجب مراجعتها.


اهتز جسدها بعدما أغلق جاسم الباب بغضب يضاهي مشاعره الثائرة وجلست هي بطرف الفراش تبكي في صمت.


بينما هو واقف بكامل ملابسه أسفل المياه المتدفقة لا يكاد يستوعب ما يحدث معه فيبدو انه لا حظ له مع النساء فكل من دخلت حياته تركت بها بصمة من الألم بداية من والدته مروراً بقمر التي ترك ظلمه اياها بنفسه اثر لم يستطع تخطيه؛ ثم زوجته السابقة وانتهاءََا بتلك الفتاة الغامضة العاجز كلياَ عن فهم ما تريد.


تداخلت الأفكار برأس نجاة وبدأت تشعر بالاختناق ودون وعي منها قامت بسحب حقيبة صغيرة تضب بداخلها بعض الملابس دون النظر اليها بينما كانت دموعها تنهمر بلا توقف وكل ما يدور بخلدها أن جاسم قد اشتاق الي طليقته وما كان زواجه منها الا لكي يثير غيرتها.....


🔸🔸🔸🔸

تألق يامن بطلته الجذابة وانتهى من تصفيف شعره وتعطر بعطره الساحر ليطالع نفسه بتركيز محدثاً نفسه قائلاً :


كم افتقدك يا رأفت؛ ترى لو أنك معي الأن بالطبع وسامتك كانت ستطغو عليَ وتمسي نجم الحفل؛ كم اشتاق اليك. 


أغمض عيناه يستجمع شتات نفسه وتحرك بخفة ليقابل والده الذي شمله بنظرة تجمع بين طياتها الكثير الا أن عناده قد غلبه كالمعتاد ليهم بالابتعاد لكن صوت يامن استوقفه قائلاً:


هل ستتركني بمفردي اليوم يا أبي ؟!


جمال بجمود : لست بمفردك؛ معك والدتك واعتقد انها تكفي 


يامن بحب : لا أحد يغني عن وجودك 

جمال بهدوء : لا وقت لدي.. أراك لاحقاً. 

تركه وغادر مسرعاً كي لايضعف ويرجع اليه يحتضنه بقوة يخبره بمدى سعادته بما وصل اليه يضم من خلاله روح رأفت الذي فارق الحياة قبل أن يسعد بيوم كهذا؛ لم ينعم برؤيته عريساً. 


لكنه أثر الرفض معتقداً ان قمر ما هي إلا نزوة وحتماً ستنتهي لذا توجه إلى مكتبه حاسماً امره وعازماً علي إرسال هديته إليها ربما تبتعد وينتهي الأمر. 


قاد يامن سيارته بحزن رغم سعادته فكم تمنى اصطحاب والده له ورضاه عن اختياره. 

بلغ وجهته وترجل من سيارته حاملاً بيده باقة ورد انتقاها بيده لقمر.


مر بعض الوقت وطال انتظار يامن والشهود وطالعَ المأذون ساعته قائلاً:


أين العروس يا جماعة؛ لدي عرس آخر وعليَ الانصراف


وجه يامن بصره الي والدته فغمزته بعينه 

هب يامن واقفاً في عقب والدته ليقف قبالتها قائلاً :

ما الخطب يا أمي؛ اين قمر؟ 


نهال : بغرفتها تبكي وتأبى الخروج. 


تحرك يامن بغضب الي غرفة قمر ليفتح الباب دون ان يطرقه قائلاً بحدة:


هل نحن اطفال في روضة يا قمر؛ ما هذا الهراء وكيف تمتنعين عن الخروج الينا؟ 


وجهها الباكي وضعفها البادي بعينيها جعله يتنهد باستسلام قائلاً:


بالله عليك توقفي عن البكاء؛ لمَ تصرين علي عذابنا سوياً؛ كم من المرات ينبغي عليَ أن أخبرك بحبي يا قمر؟


ازدادنحيبها فجلس جوارها قائلاً بحنو بالغ وترجي وصل اليها هامساً:


المأذون بالخارج تسرب الى قلبه الشك وربما يستعين بقوات الشرطة


قمر بتعجب متناسية خوفها :

لمَ؟ 


- مؤكد أن العروسة تأبى الخروج

لأنها مجبرة على الزواج وربما يتهمني باختطافك؛ أرأيت كم انتِ قاسية.


قمر : يامن أنا...اناا !!


-هيا توقفي عن البكاء واخبريني لمَ انتِ خائفة هكذا؛ هل تغيرت نظرتك لي بعدما أفضيت اليكِ بما كان من قبل؛ هل تخشين الارتباط بشخص ماضيه ملوث كحالي؟ 


باغتها بقوله وعجزت عن الرد؛ لقد تأثرت بالفعل وازداد خوفها من ارتباطهما؛ من الممكن ان يشعر بالحنين الي عهده السابق؛ يشتاق الي الفاتنات من مجتمعه ويزهد قربها ووقتها لن تحتمل سيتحطم فؤادها دون رحمة. 

حاول يامن الصبر قدر استطاعته؛ يلتمس لها أعذارًا فيما يجول بخاطرها إلى أن تحدثت قمر بتيه قائلة :


انت لا تدرك ما أحيا به من صراع شرس يكاد يزهق أنفاسي؛ انت لي كحلم محال أن يتحقق وها انت جالس أمامي تسعى بكل جدية إلى الزواج بي، بفتاة مشوهة خارجها وداخلها مشوه بصورة لا يمكن وصفها ؛ أتعلم ما أعانيه يا يامن أتدري كم الهموم التي تعايشت معها سابقاً؛ لكم تمنيت الموت سابقاً من نظرات كانت تجلدني بلا هوادة؛ نظرة واحدة من شخص يطالعني بنفور كانت أقوى من ألف سيف بتار نصله مميت. 


أتطلب الى فتاة كان أقصى طموحها في الحياة أن تختفي؛ عندما كنت أسأل نفسي سابقاً عما اتمناه كنت اجيب بلا تردد أنني اريد تلك القبعة السحرية "طاقية الإخفاء" ارتديها فلا يشعر بي أحد؛ وفجأة دون سابق انذار التقي بك؛ شاب وسامته مهلكة كالقرب منه تماماً؛ أقع في حبه رغماً عني فيعاندني حظي التعس ويبادلني تلك المشاعر الهوجاء؛ مشاعري تجاهك ليست من حقي؛ أنا أصابني الطمع وتمنيت ما لا يليق بي. 


تركها تبكي كما تشاء الى أن هدأت قليلاً ليتحدث بصوت متعب قائلاً:


أنا وانتِ لن نبتعد ياقمر؛ لقد حاولت مراراً ويرجعني اليكِ قلبي؛ أنا داخلي مشوه الى حد قد يدفعك الى الهرب دون الالتفات وراءك مرة أخرى أتدرين لمَ؟ 


لأن تشوهي كان من صنع يدي؛ اما انت فما حدث معك ما هو الا ابتلاء واختبار من الله.. عليك بمساعدتي علي تخطى ذاك الماضي؛ ها أنا ألقي بعمري بأكمله بين يديك فلا تبتعدي.


 هيا بنا أولاً فهناك الكثير بيننا يجب أن يقال ولكن لا يجوز قبل عقد القران..


طالعته بدهشة ليهمس اليها بمشاكسة:


لا داعِ لأفكارك المنحرفة تلك؛ انا رجل مهذب للغاية ولم أقصد ما جال بخاطرك


تبدلت نظراتها الى شراسة استحسنها يامن ليجذب يدها قائلاً:


أخبرتك أن المأذون والشهود على عجل من أمرهم؛ دعينا ننهي الأمر أولاً يا قمر يامن...ثم افعلِ ماتشائين بي


#الفصل_السادس_والعشرين

#خسوف القمر

#حصري


#قنبلة💥


بسم الله الرحمن الرحيم 

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


خسوف القمر 

🔸🔸🔸🔸 

تهللت حنايا القلب وأخذ يقفز بين أضلعه بسعادة لم تمسه من قبل.. سعادة صادقة؛ صدق نقي كنقاء مشاعره لها؛ مشاعر تولدت بين ليلة وضحاها؛ فيما مضى اعتاد نظرات الحسد والغبطة والاعجاب من اقرانه ولمَ لا وقد كانوا يقولون عنه ذو الحظ العظيم؛ محاط بأب سخي وشقيق وفي وحياة رغدة ووسيم تنجذب إليه الحسان دون جهد يذكر لكنه لم يشعر حينها بمثقال ذرة من تلك السعادة التي يحلق بسمائها. 


بينما هي تائهة حد الثمالة يترنح خافقها من فرط فرحته وموطن كتمانها يبوح صارخاً أنا أعشقه؛ لكنني ارتعد فلم نعهد ما نراه الأن؛ هل دق الحب وسعادته بابنا ودلف إليه واستقر بداخلنا دون ان يخذلنا كما أعتدنا. 


انتظر يامن بشق الأنفس مغادرة الحضور وانصراف والدته التي أدمعت عيناها بعدما تبينت ما يكنه ابنها لقمر؛ ليست حالة عشق وهمية بل هي اختيار القلب. 


مدَ يده وجذبها الي صدره الذي يتعطش اليها؛ وعمَ صمت ينهي بسطوته سنوات ماضيه كان كلاهما يبحث عن الأخر؛ كلاً منهما يحيا بلا روح وها هي تحيا من جديد ويتنفسها هو. 


أزال برفق نقابها وقبل جبينها بحب قائلاً:


لمَ كل هذا العناد يا زوجتي المصون؛ مبارك لي يا قمر...


قمر بخجل : أنا لا أصدق ما حدث؛ هل تم عقد القران حقاّ!!


ضمها اليه مرة أخرى بكل قوته قائلاً :


هل وجودك بين يدي الأن غير كافٍ؛ 

أجل لقد تم عقد القران وصرت لي وصرت كلي لك.


غمغمت بخجل قائلة دون وعي منها 


أنا لست خائفة يا يامن!

 يراودني إحساس رائع وكأنني طفلة صغيرة بين يدي والدها. 


يامن بارتياح : أعلم يا قمر وكم تمنيت أن أسمعها وانت بين يدي هكذا لا يمنعني عنك مانع فما يميز أي ارتباط بين زوجين هو أن يهب كلاهما للأخر أماناً وقوة تنتزع منه ما يؤرقه؛ وكم تمنيت أن استمع الى اعترافاً آخر لكنك تراوغين يا قمر ألن تقولي أحبك يا زوجي العزيز؟ 


دفعته بخجل لكنه لم يبتعد بل تحدث برفق قائلاً :


لا تبتعدي يا قمر؛ أتعلمين أن قلبي ينبض الآن بقوة وثبات لم أعهدهما من قبل وكأنك قد وهبته حياة جديدة لتوه. 


مضى الليل وكأنه لحن عذب أعلن عن نهايته ليهمس اليها بحب...


لقد مضى الليل ونحن نتحدث؛ هل مللتِ؟ 


حركت رأسها نفياً مجيبة اياه بصدق:

 

لكم كرهت الليل وسكونه لكنه الليلة كان رائعاً بكل ما فيه...


عبث بشعره قائلاً بمكر: 

عليَ الرحيل قبل ان افقد تعقلي وأخبرك مدى سعادتي بما قلته الآن.


طأطأت راسها في خجل وغادر هو مسرعاً لا يود تركها مطلقاً. 


🔸🔸🔸🔸 


واعوجاج الغصن لا يمنحك الحق بكسره؛ بل عليك أن تقبل به كما هو ولا تهمله فحينها سيموت عطشاً؛ عليك فقط أن تتذكر أنه غصين يهفو الى بعض النسيم ولين كي لا ينكسر. 


كم تمنت أن يبقيها قسراً؛ يختطفها رغماً عنها ويجبرها علي المكوث إلى جواره لكنه لم يفعل وكأنها عبئ لم يعد راغباً في تحمله. 


وكان صمته انكسار جديد يصرخ بداخله أنه لن يستمتع ولو لأيام معدودات ببعض الراحة السكون فها هي زوجته المصون تعلن تمردها ورفضها للعيش معه ورعاية طفلته؛ طفلته التي تعلقت بوجودها كثيراً مثلما فعل هو لكنه لن يهدر كرامته ويستجديها عطفاً ربما اعتقدت هي أنه ينتظر مقابل مساعدتها فيما سبق كي تستعيد وتستكمل حياتها. 


ترجلت نجاة من السيارة وتوجهت لحمل حقيبتها لكن نظرات جاسم المحذرة جعلتها تتراجع ليحمل هو الحقيبة قائلاً :


هيا اصعدي وسأجلب حقيبتك معي 


نجاة : هل ستأتي معي؟ 

جاسم معاتباً : ان كنت غير راغبة في وجودي فلا بأس سأصعد خلفك واترك الحقيبة أمام الشقة 


طالعته بعتب : بل أخشى أن أثقل عليك فربما انت مرغم على البقاء. 


هز رأسه يأساً من تقلبها ليشير الى بالصعود ليقم هو بحمل أغراضها واللحاق بها. 


استقبلتهما والدة نجاة بسعادة بالغة سرعان ما تبددت بعدما شاهدت جاسم حاملاَ بين يديه تلك الحقيبة الضخمة لتتساءل بخوف : 


حقيبة من يا نجاة؛ هل انتٕ بخير؟ 


أدمعت عيناها لكنها ادعت الابتسام قائلة:

 

هل تتركينا يا أمي أمام الباب؟ 


ضمتها والدتها باشتياق بينما ظل جاسم صامتاَ ليمد يده بعد قليل يحيي والدة زوجته 

أراد الانصراف لكن زينب أقسمت بجدية قائلة 

لا والله لن تغادر قبل أن نتناول العشاء؛ هل تخشى من البقاء معنا يا بني؛ هيا اخبريه يا نجاة اننا نهتم بنظافة البيت ونطهو طعاما لا بأس به. 


جاسم بأدب : معاذ الله يا أمي؛ كل ما في الأمر أن ماسة نائمة ولم تعلم برحيلنا لذا عليَ الإسراع في الرجوع اليها 


زينب بتعجب : ولمَ لم تحضراها معكما! 


جاسم : نجاة ترغب في رؤيتك وطلبت البقاء بعض الوقت لذا استأذنك في الانصراف.

 

وجهت زينب بصرها الي ابنتها التي ظلت صامته مما زاد من شكوكها وغادر جاسم لرؤية طفلته. 


قاد سيارته بغضب وسرعة فائقة بينما يتابعه بكره ذاك الذي كان سبباً في وقوع نجاة في طريقه... 


زفر بضيق قائلاً: 

لقد عدت كما كنت في الماضي يا نجاة جميلة ومشرقة ليت قلبك يرق لي وتعودين اليَ لكن من المحال ان تتخلي عن زوجك الثري وتقبلين بالعيش معي.. 


🔸🔸🔸🔸 

يتفنن في تدليلها وكأنها طفل لا طاقة له بالمشي كلما حاولت فعل شئ يثنيها عنه قائلاً 

لا داع يا نجمتي؛ عليك بالراحة. 


علياء في دلال : 

عثمان توقف عما تفعل؛ أنا في بداية الحمل هل ستبقين في فراشي حتي يحين موعد الولادة. 


عثمان بجدية : الشهور الأولى هي الأخطر والأهم ولمَ المجازفة ثم أنني اشتاقك لذا لا تبتعدين. 


علياء : لن أفعل انت تبالغ في تدليلي والخوف من تحركي ولا داعِ يا قلب علياء؛ انا بخير وطفلنا بخير حال الحمد لله 

أدمعت عيناه فجزعت علياء تقترب منه في لهفة قائلة : 


لم حزنت هكذا؛ هل انت بخير؟ 


عثمان : لا أصدق يا علياء؛ قلبي لا يحتمل سعادته أود ان أصرخ بقوة أعلن للكون بأكمله أن رب العالمين لم يخذلني وردك اليَ رد جميل؛ أنا عاجز عن البوح بما أشعر به. 


علياء : الحمد لله؛ اهدئ يا عثمان لا تخف فأنا لن اتركك مرة أخرى.. لقد وقعت في الفخ 


قالتها بصورة مازحة فابتسم اليها بحب ليحادثها بجدية قائلاً :


لقد تحدث الىًّ نادر راغباً في تقديم موعد زفافه هو ونسمة لكنني أخبرته انها رافضة. 


علياء : وهل نسمة رافضة بالفعل؟ 

عثمان : لم أسألها بعد؛ أود منك الحديث اليها بعيداً عن الجميع عليك بنصحها أن تتريث قليلا ربما تكن بعض المشاعر لنادر وهو بالفعل يستحق فهو رجل يعتمد عليه لكنها مازالت صغيرة لم تتم عامها الثامن عشر بعد لذا علينا الانتظار الى أن تنهي على الأقل عامها الثاني بالجامعة وأنا لم أشأ أن أرفض فيظن نادر أنني اتحكم وافرض رأيي عليهما لذا أخبرته أن الرفض أتى من نسمة متعللاً بأنها ترغب في التفرغ لدراستها والبقاء اللى جوارك حتى يحين موعد ولادتك. 


علياء : سأفعل يا عثمان؛ لا حرمنا الله منك ولا من وجودك؛ ولكن هناك أمر أخر وعدتني به وتغافلت عنه 


عثمان بتركيز :

ماهو هو يا علياء ؟


علياء بحزن : قمر؛ أنسيت أمرها؛ تعلم انها فتاة وحيدة ولم يكن لديها من الاصدقاء سواي 


عثمان بجدية : أقسم لك أنني حاولت جاهداً الوصول إليها ولم استطع ومع ذلك سوف اكرر البحث عنها فأنا أكن لها احتراماً جم بعدما رأيت مدى قربها منك وحبها لك. 

🔸🔸🔸🔸 


أشرقت شمس الصباح تمنح للكون طاقة تعينه علي مواصلة دورانه وتهب للقلوب دفئاً يساعدها علي الاستمرار. 


تثاءب جاسم في تعب وكم يرغب في بعض الراحة؛ ابتسم بحب الي صغيرته التي أفاقت للتو حملها باحتواء قائلاً : 


صباح الخير أميرتي. 

ماسة : صباح الخير أميري الوسيم؛ أين أمي؟ 


باغتته بقولها وظن أنها تبحث عن والدتها فآثر الصمت لتكرر سؤالها بترقب : 


أين أمي نجاة؟ 

جاسم : هل تدعين نجاة بأمي! 


ماسة : أجل هي طلبت اليَ ذلك وقد سعدت كثيراً فهي أم رائعة رغم أن جدتي أخبرتني انها ستغادر عما قريب. 


انتبه جاسم اليها كلياً ليسألها :

تغادر الى أين؟ 

مطت شفتيها الصغيرة بجهل قائلة :

لا أعلم ولكن لا تدعها تذهب فأنا أحببتها أبي. 


ابتسم بحزن ولم يصل ان ذهنه أن والدته سبباً مباشراً في ابتعادها بل اعتقد أن طفلته قد أساءت الفهم وربما قالت والدته ما قالته نتيجة غضبها ورفضها لتلك الزيجة ويبدو أن كانت محقة فقد تخلت عنه نجاة وتركته دون سبب يذكر. 


استمع إلى صوت هاتفه فتحرك باحثاً عنه ليتهلل وجهه بعدما لاح فوق شاشة الهاتف اسمها؛ نجاة. 


حاول ادعاء الصلابة وهو يحادثها قائلاً : 

مرحباً نجاة؛ كيف حالك؟ 


اجابته هي باشتياق : بخير كيف حال ماسة لقد اشتقت اليها؟ 


جاسم : واضح للغاية كم تشتاقين اليها ويهمك أمرها. 


نجاة بحزن : ما الذي تقصده؟ 

جاسم : لا شيء. 

نجاة : لقد تركت هاتفي بالأمس فهل يمكنك احضاره اليَ متى استطعت. 


أصابه خيبة أمل فقد ظن أنها تهاتفه اشتياقاً اليه فأجابها بخفوت :


في المساء أحضره اليك. 

أنهى جاسم الاتصال وألمَ بقلبها ألم لم تقو على مواجهته فتوجهت الى فراشها من جديد تستنشد في نومها راحة من تلك المعاناة. 


في المساء ..


استمعت نجاة الى أحدهم يطرق بخفة فوق بابها فهرولت مسرعة لإجابته تعتقد أن جاسم قد أتى 


صدمت وعجزت عن الحركة عندما تلاقت عيناها بعينيه وخوف من رؤيته وما أقترفه بحقها سابقاً  أصابها بدوار حاد جعلها تفقد الوعي تحت قدميه ليحاول التقاطها لكن جاسم قد سبقه ودفعه بقسوة قائلاً :


ابتعد أيها القذر إياك أن تمسها. 


🔸🔸🔸🔸 

تحركت بثقة تتجه بخطوات راغبة في الحياة؛ اليوم ستبدأ متابعة دراستها؛ لن تخذل نهال ولا يامن ستجتهد وتنهي عامها الأخير بالجامعة. 


توقفت سيارة سوداء ضخمة لا يرى من بداخلها لكنها ابتعدت بخوف بعدما انقبض قلبها من قرب تلك السيارة 

ترجل راشد مقترباً منها قائلاَ بعملية :

مرحباً آنسة قمر؛ كيف حالك ؟


اجابته بتوجس : بخير. 

راشد بجدية : جمال بيك يرغب في مقابلتك 

قمر بدهشة : مقابلتي أنا !!

راشد بتأكيد : أجل 


قمر : لكنني لا استطيع؛ لدي موعد هام 

راشد بلهجة محذرة : لا داع للرفض فانت ستأتين معنا ولا داع للخوف فكما علمت انت الان زوجة ليامن بيك. 


اومأت اليه في طاعة وتوجها الي مقابلة جمال وليتها لم تذهب. 


انتظرت وطال انتظارها وتعمد هو أن يتركها تحترق بنيران الخوف مما هي مقبلة عليه 

استمعت الى وقع خطوات تقترب منها فعلمت أنه قد أتى

 

دار من حولها يطالعها بدونية أوجعتها؛ تحدث بحدة هادئة بعض الشئ قائلاً :


مرحباً بالعروس المدللة؛ أتعلمين منذ متى وأنا أسعى إلى مقابلتك؛ لقد تمنيت أن يتم اللقاء قبل عقد القران لكن نهال كانت ماكرة وحريصة للغاية ألا تتركك؛ ربما زواجها مني جعلها تكتسب بعض الدهاء ولكن محال أن يفوق التلميذ استاذه أليس كذلك؟ 


لم تجبه فصاح بقسوة :

لمَ لم تجيبي؛ هل انت بكماء بالإضافة إلى وجهك القبيح؟ 


لم تفلح في كبح شهقاتها ودموعها المرتعبة لكنه لم يرق لحالها بل استكمل بجبروت قائلاً : 


انت وأمثالك لا نقبل بكم في عالمنا لكن وجودكم لا غني عنه؛ تماماً كما هي الحشرات في السلسة الغذائية ولكن عالم جمال رشدان محرم علي أمثالك التحليق بداخله والا سحقته دون تردد. 


هل تعتقدين أن يامن؛ من كان ومازال حلماً لأجمل الفتيات من أرقى واغنى العائلات سيبقى على ضلاله ويرتضي بك الى الأبد 

لم تهمس بكلمة واحدة وماذا تقول وهي تموت قهراً 


قام بتشغيل احدى الشاشات أمامه ضاغطاً محرك البحث لفتح أمامها فيديو قصير يتضمن مشهداً قتل بداخلها ما تبقى من روح 

همس جمال بجانب أذنها قائلاً :


تلك الفاتنة التي يقبلها يامن ما هي الا واحدة ممن ينتظرن اشارة واحدة من اصبعه فهل انتِ بقادرة على منافستهن؟ 


هل رأيت كيف يقبلها؛ هل رجل يحبك كما يدعي يقبل امرأة سواكِ بتلك الرغبة الا اذا كان ينفر منكِ؟ 


انتِ لعبة جديدة؛ لعبة بالية سرعان ما سيلقي بها علة طول ذراعه بعدما ينهشها اليأس. 


ابتسمت في قهر صارخة:

 

انت كاذب يامن محال أن يخونني. 


رفع جمال يده عالياً مهدداً بصفعها فضمت وجهها بين يديها ترتعد ليقهقه باستمتاع قائلاً 

لا داع للخوف ايتها البائسة لن أدنس يدي بك لكنك حقا مثيرة للشفقة 


قمر بقوة واهية : بل انت المثير للشفقة والاشمئزاز؛ لمَ تسعى الى التفريق بيني وبين ابنك وتشويه صورته بتلك الأفعال؛ مؤكد انك من قمت بتلفيق تلك المشاهد 


أمسك جمال برأسها يثبته تجاه الشاشة لتفزع قمر محاولة التملص من بين يديه دون فائدة الى أن قال:

 

لست في حاجة الى تلفيق شئ وانت تعلمين بداخلك ان مصيرك هو الخيانة؛ لقد تكرر الأمر فيما مضى بيني وبين نهال رغم أنها فاتنة لا سبيل للمقارنة بينكما 


قمر بثبات واهي : ويامن لا يشبهك؛ هو ليس انت...


جمال ضاحكا:


اذاً عليك بمتابعة باقي المشاهد علك تفهمين 

تابعت قمر بقلب يحترق ما تراه الى أن عجزت على مشاهدة المزيد لتصرخ قائلة :


أريد الانصراف؛ لقد وصلت رسالتك دعني أمضي الى حال سبيلي 


جمال : لن يحدث 


قمر : ماذا تقصد؛ بالله عليك أنا لم أعد قادرة على سماع المزيد 


جمال بصوت حازم : سأعقد معك صفقة رابحة ومن يعرفني يعلم أنني لا أمنح لأحد شيئاً دون مقابل لكنك استثناء فأنتِ زوجة ابني 


قهقه جمال فناظرته قمر بكره ليستكمل 

يامن لن يتركك وانا لن أسمح بارتباطكما لذا عليك الابتعاد عن محيطه وتركه نهائياً 

قمر بقلة حيلة :

أين أذهب؟ !!


جمال : لقد أعددت لك مكاناً تقيمين فيه ومبلغاً يمكنك من العيش اضافة الى اجراء عملية تجملين بها وجهك ولا اعتقد أن هناك فرصة كتلك. 


قمر برفض : لا أريد منك أي شئ 


جمال محذرا : استمعي اليَ ايتها.... أنا لا أخيرك بل ما اقوله لك أمر عليك تنفيذه والا قضيت عمرك بأحد السجون تتعفنين بداخلها وتفقدين ما تبقي لك من كرامة وشرف. 


ارتعدت أوصالها ليؤكد : أعتقد ان ابني مهما بلغت به المكابرة لن يتزوج بفتاة مغتصبة. 


قمر بخوف وجنون : لااااا.. هل انت شيطان!! ما الذي تقوله؛ هل تجرؤ على قول ذلك؛ أنا زوجة ابنك؛ شرفه وعرضه. 


جمال : الأمر منوط بكِ.. اما ان تقبلين بما عرضته عليكِ واما فعلت ما تخشينه دون ندم. 


#الفصل السابع والعشرون

#خسوف القمر

#نداء علي


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


لم يفلح في كبح جماح غضبه الثائر بل ترك لجنونه العنان وانقض عليه يكيل له بكل ما أوتي من قوة اللكم والسب العنيف؛ لقد تبدل بشخص أخر لا يعلمه ولم يعهده قبلاً لكنه لم يدعه الا بعدما تأوهت هي بضعف تناديه قائلة:


توقف يا جاسم؛ بالله عليك اتركه يمضي فهو لم يحاول ايذائي. 


جاسم بحدة : وما الذي أتى به الي بيتك وكيف خرج من السجن ومتى؟ 


هرولت والدتها اليهم تشهق بفزع تناظر جسد أسعد الملقى أرضاً وزوج ابنتها الذي يهيئ الي الناظرين بأنه مجرم عتيد الإجرام وابنتها الواقعة ووجها شاحب حد الموت


صرخت والدة نجاة بهلع قائلة:

ما هذا؛ وما الذي أتى بأسعد الى هنا؟


انحنت تمد يدها تتحسس وجه ابنتها قائلة بخوف: هل أصابك مكروه؛ هل اعترض طريقك يا حبيبتي؟ 


نجاة بضعف : لم يفعل يا أمي؛ لم يفعل. 


ساعدتها والدتها على النهوض بصعوبة وتحدثت الي جاسم برجاء قائلة:


هيا يابني لندخل الى البيت أخشى أن يأت المتطفلون من الجيران لرؤية ما يحدث؛ لنتحدث بعيداً عن أعينهم المترقبة


جاسم برفض : لقد أتيت لإحضار هاتفها ولا وقت لدي. 


أمسكت معصمه بقوة تتشبث به تخشى أن يغادر وتخشى غضبه وسوء تقديره لما حدث بينما كان هو يصارع أفكاره المتلاحقة حول أسعد ولقاءه بنجاة والسر وراء خروجه من السجن دون عقاب.


تصرفت والدة نجاة بحكمة وتروي فبعدما تأكدت من ابتعاد نجاة وجاسم عادت لمساعدة أسعد كي لا يراه جاسم من جديد.... 


استمر الصمت بين نجاة وجاسم وكلاهما يخشى البدء الي أن تحدث هو بجمود وغضب تجلى في صوته قائلاً:


هل تنازلت عن الدعوى التي تقدمنا به من قبل بشأن ذاك الحقير


نجاة : أجل؛ ولكن... !!!


جاسم : لا داع للتفسير ولا أود سماع المزيد فكما تنازلت دون الرجوع اليَ أو استئذاني عليك بتحمل عواقب الأمر وحدك؛ ولكن عليك احترام اسمي وشرفي الذي وضعته بين يديك بعدما صرت زوجة لي. 

نجاة بتعجب:


ما الذي تقصده؛ وما الذي فعلته وأساء الي شرفك واسمك؟ 


جاسم ممسكاً اياها بحقد وغضب:


لقد اعتقدت أن مجيئك الى هنا كان رغبة في بعض الراحة قائلاً انك قد مللت أو أصابك التعب من رعاية ماسة ولم أمانع بل تركتك علي راحتك بعدما أصابني احساس بالندم تجاهك 


ولكن من الواضح انني لم اقيمك كما ينبغي؛ يبدو انك قد أتيت اشتياقاً اليه. 


رفعت نجاة يدها تنوي صفعه ليمسك معصمه بقسوة قائلاً :

هل أصابك الجنون؛ هل تريدين صفعي؟

نجاة باكية يتعب


أجل؛ عندما تتهمني اتهاماً باطلاً كهذا أصفعك ربما يرجع اليك عقلك


جاسم : أي عقل وقد أتيت اليك متلهفاً لرؤياك لأجدك واقفة معه؛ لمَ؛ هل شعرت بالحنين اليه؟


نجاة برفض : أقسم لك انني قد توجهت لفتح الباب وكلي يقين بانك قد أتيت؛ لقد عجزت عن التنفس عندما رأيته أمامي؛ أنا اكرهه؛ أخشى وجوده.


جاسم : وأنا لا أصدقك؛ فكيف لي بتصديقك وقد سعيت دون علمي الى تبرئته....


نجاة محاولة التوضيح : لقد توسلت اليَ والدته وزوجته؛ أسعد الابن والعائل الوحيد لعائلته ولم استطع تدمير مستقبله ومستقبل من يعولهم لذا تنازلت عن حقي...


جاسم بخيبة أمل : لو أنك اخبرتني لماَ حدث كل ذلك


نجاة : ماذا تقصد؟

جاسم بإجهاد : لا شئ؛ عليَ الذهاب ولك حرية الاختيار فأنا لن أجبرك علي الرجوع معي؛ بإمكانك العودة متى استطعت.


🔸🔸🔸🔸


وهل يؤلم الشاة سلخها بعدما ذبحت؛ وهل لها أن تئن بعدما انتزعوا منها روحها أم عليها الصمت وتركهم يفعلون ما يحلو لهم فقد صارت جثة في نهاية المطاف...


كلماتها تتردد في أذنها فتنطلق كسهام ثاقبة تدمي الفؤاد وتمزق نياط القلب تمزيقاً دون رأفة ولكنها لا تجد دمعاً يخفف ما تعانيه وكأن بحور عينيها قد جفت...


انتهت رحلتها ولا تدر كيف وصلت اليهم ومتى جلست بصحبتهم وكل ما تسمعه وتراه صوت جمال وكلماته القاتلة وصورة يامن وهو يقبل تلك الفتاة...


احتضنتها علياء بقوة قائلة:

حبيبتي؛ ماذا حدث وأين خالتي؛ أين هي؟


قمر بضياع : ماتت؛ أمي توفيت يا علياء. 


شهقت نسمة بحزن وصدمة وحوقل عثمان بينما ضمت علياء قمر الي صدرها تسعى الى التخفيف عنها لكن قمر تراجعت الي الخلف قائلة :


عليَ الهرب والاختباء بعيداً عن جمال فهو لن يتركني.


علياء بترقب : جمال من؟

قمر : جمال رشدان.

عثمان: جمال رشدان الذي نعرفه!

قمر : نعم ؛جمال رشدان الوحش الذي ساقني حظي التعس الي عرينه فقضى علي ما بقى لي من حياة.


علياء: قمر انا لا افهم ما تقولين؛ وما علاقتك بجمال رشدان.


قصت قمر ما حدث وكيف تزوجت بيامن وما فعله جمال وتهديده لها ليزأر عثمان بغضب قائلاً:


اللعنة عليه وعلي ابنه وأمثالهم. 


علياء في محاولة منها لاستيعاب ما يحدث :

 ولمَ لا تواجهين يامن بما حدث؟


قمر بضغف : لن أفعل؛ ان واجهته وتبين لي صدق والده أحترق يا علياء؛ لن احتمل خيانته مطلقاً وان كان جمال كاذباً فلن يتركني أنعم بالقرب من ابنه.. ومهما فعل يامن لحمايتي فمحال أن يؤذي والده؛ لقد أخطأت عندما تركت لخيالي العنان ومنحته الحق في الحياة؛ أنا قد انتهيت منذ زمن... 


علياء : حبيبتي لا تتركي اليأس يتسرب اليك؛ سنجد حلا ان شاء الله ولكن عليك أولاً النوم قليلاً فصوتك متعب للغاية. 


قمر بنفي : أنا بخير؛ وأعتذر اليكم فقد ساقتني قدماي الي هنا دون أن أدري وقد أثقلت عليكم بمصائبي. 


علياء : وهل انت بغريبة عنا ياقمر؛ انت مني كنسمة وتعلمين ذلك؛ وقد حاول عثمان الوصول اليك من قبل ولم يجدك. 


قمر : إذا أرجو مساعدتي. 

عثمان بجدية : لك ما تطلبين 


قمر : هناك طبيب يدعى يوسف عرض عليَ المساعدة من قبل وسوف ألجأ اليه ولكن لن أستطيع الأن خوفاً من بحث يامن عني؛ لقد فكرت في السفر خارج مصر لكنه أمر صعب خاصة بعدما عقدنا القران


عثمان : بالطبع فيجب عليك الحصول علي موافقة الزوج أولاً 


نسمة بحزن : لا أصدق أن هناك أباً يفعل بابنه ما يفعل ذلك الرجل .


علياء بشرود : بعض الأباء قد يدمرون حياة ابنائهم دون إدراك منهم لما يفعلون؛ ووالدنا كان خير مثال 


تنهد عثمان بضيق فقد ذكرته كلمات علياء بالأفعى التي شغل عنها وتركها ووجب عليها إقصاءها بعيداً عن دربه فقد طال انتظاره للتخلص منها...


وعمَ الصمت بين الجميع وكل يبكي علي ليلاه وما تجرعه من قبل؛ وهكذا نحن يسقينا القدر من كأس الفقد والخسارة ولا فرق بين أحد فالكل خاسر لا محالة... 


🔸🔸🔸🔸

تحدث الى مهندسي الديكور ومسؤولي الشركة الهندسية المكلفة بإعداد الجناح الخاص به وتجديده بأكمله كي يبدأ حياته مع قمر داخله كما يتمنى غافلاً عن خسوفها الكلي والذي سيظلم عالمه بأكمله.. 


ابتسم بهدوء عندما أخبره أحدهم بأن التعديلات سيتم تنفيذها في الوقت المحدد وكما يريد تماماً ليعلق يامن قائلاً:


حسنا؛ سوف أتابع معكم التفاصيل وكما قيل فأنتم شركة ملتزمة ومقاييس الجودة لديكم عالية للغاية. 


المهندس بلباقة : شهادة نعتز بها سيدي ونرجو أن نثبت لكم ذلك.


يامن : ان شاء الله

استأذن المهندسون في الانصراف وشمل هو المكان من حوله بنظرة شاملة يتمنى أن تمضي الأيام سريعاً وتأت قمره وتشاركه حياته وأحلامه؛ حاول مهاتفتها لكن هاتفها مازال خارج نطاق الخدمة مما أصابه ببعض القلق...


كرر الاتصال لكنه هاتف والدته ربما كانتا سوياً ليأتيه صوته الناعس قائلة:


مرحباً يامن؛ كيف حالك حبيبي؟


يامن : بخير يا أمي؛ هل كنت نائمة؟

نهال : لقد غفوت وأنا في انتظار قمر؛ لقد خرجت صباحاً قاصدة الجامعة لكنها لم تعد إلى الأن وهاتفها مغلق.


يامن بخوف : متى خرجت يا أمي؟

نهال : منذ الساعة العاشرة


يامن بذهول : العاشرة صباحاً والساعة الأن قاربت علي الثامنة مساءً؛ لقد تأخرت للغاية.

نهال وقد استقامت في جلستها وأصابتها كلماته بالتوتر


لا داع للقلق ربما ذهبت الي بيتها لإحضار بعض الأغراض.


يامن باختصار : حسناً أمي سأذهب الى بيتها علها هناك.


أسرع قدر استطاعته متمنياً أن يجده بسكنها القديم 


ترجل متلهفاً من سيارته صاعداً الي شقتها لكنه أصيب بالخيبة عندما لم يجدها 

وقف قليلاً يحاول جاهداً التركيز إلى أن هاتفته والدته؛ أجابها قائلاً :

هل عادت إليكِ يا أمي؟ 


نهال : ليس بعد؛ لقد اردت الاطمئنان منك ألم تجدها في بيتها؟ 


يامن : لا؛ لم تأتِ الى هنا

نهال بتردد : وما الحل يابني؟ 

يامن : سأقصد قسم الشرطة 

نهال : تريث قليلاً ربما ترجع. 

يامن بحزن : أشعر بالقلق والخوف يحيط بي؛ هل أصابها مكروه؟ 

نهال : استعذ بالله يا حبيبي؛ ان شاء الله لن يضرها شئ. 

يامن : حسناً أمي؛ أهاتفك فيما بعد. 


انهى يامن الاتصال وظل واقفاً مكانه يشعر بالعجز بينما شردت نهال قائلة:


أتمنى ألا يصيبك جمال بسوء يا قمر فانت ويامن لا طاقة لكما بمكره. 


🔸🔸🔸🔸🔸

ابتسم رؤوف بمحبة صادقة الي ماسة وجمالها الطفولي الأخاذ قائلاً:


لقد اشتقت اليكِ كثيراً يا حبيبة جدك

ماسة : وأنا اشتقت اليك جدي. 

جاسم : كيف حالك أبي؟

رؤوف : بخير؛ لكن الهدوء القاتل الذي نحياه بعدما غادرت البيت انتِ وماسة يؤرقني.

جاسم بحزن : يبدو أننا سنرجع اليكم عما قريباً

رؤوف بترقب : لمَ؛ وأين زوجتك؟

جاسم : تقضي يومان ببيت والدتها

رووف : هل تشاجرتما يا بني؟


نظر جاسم حوله يتأكد من ابتعاد والدته يزفر في ملل يقص علي مسامع رؤوف زوج والدته الذي استطاع أن يتقن دوره كأب له أكثر من والده ووالدته...


رؤوف بجدية : لقد أخطأت فيما فعلت يا جاسم


جاسم بغضب : أبي أنا لم أخطئ؛ هي من طلبت الرحيل واصرت عليه وعندما رأيتها والي جوارها خطيبها السابق جننت.


ابتسم رؤوف قائلاً : انت ومنذ طفولتك لا تجيد المواجهة وتكتفي بما يجول في خاطرك؛ المواجهة دائماً الحل الأمثل للعلاقات الزوجية في بداياتها.


جاسم : ربما كنت محقاً؛ لكن خوفي من الفشل يشعرني بالرهبة من المواجهة؛ ماذا ان أرادت الانفصال؟


رؤوف : ولمَ تفعل وانت كما تقول لم تسيء اليها. 


جاسم : أنا حائر يا أبي؛ حائر ومتعب. 


ابتسم اليه رؤوف بتعاطف ولم يعقب؛ جاسم رغم ادعائه القوة في داخله طفل يخشى الفقد والفراق فقد تسبب والداه في تشوه بنيانه النفسي منذ الصغر فلم تستقم هويته في كبره 


تناول جاسم الطعام بصحبتهم وقضى وقتاً لا بأس به جعله يتناسى الي حد ما خلافه مع نجاة إلى ان صاحت طفلته بسعادة قائلة :

ماما؛ لقد عادت أمي يا أبي 


التفت جاسم بدهشة لتلك الواقفة أمامه؛ مها زوجته السابقة والتي أتت دون سابق إنذار لكنها لم تدعه لدهشته كثيراً عندما مدت يدها اليه تصافحه برقه وعيناها تلمعان باشتياق قائلة:


كيف حالك يا جاسم؛ اشتقت إليك كثيراً. 

بادلها جاسم التحية بفتور متسائلاً:


متى عدتِ من سفرك؛ وكيف علمتِ بوجودنا الأن 


أجابته والدته بحدة : جاسم؛ لمَ تتحدث اليها بتلك اللهجة؛ هي لا تحتاج الى أذن للمجئ فهي أم ابنتك ولها الحق في رؤيتها متى تشاء. 


جاسم : حسناً؛ سررت بلقائك مها؛ سأترك ماسة بصحبتك وفي المساء أعود إليها 

راوية : ولمَ لا تبق معنا؟ 

جاسم : زوجتي تنتظرني. 


تبدلت ملامحها كلياً لتهتف بغضب:

هل تتركنا وتذهب إليها؟ 


جاسم وقد أدرك رغبة والدته في التقريب بينه وبين مها مرة أخرى؛ ولم يجد مهرباً سوى الادعاء كذباً :


لقد أصابتها وعكة صحية منذ يومين وبعدما فحصها الطبيب تبين أنه حمل في بدايته..


ابتسم رؤوف بسعادة قائلاَ:


ماشاء الله؛ اللهم بارك؛ هذا خبر في غاية الروعة.


بينما أصاب راوية صدمة قوية فهي لم تتوقع حمل نجاة بل تمنت طلاقها من جاسم.

🔸🔸🔸🔸


لم يدع مشفى الا وبحث بداخله عنها كلف الكثيرين بمساعدته؛ أقسام الشرطة والفنادق؛ لكن دون فائدة؛ تمر اللحظات بشق الأنفس تؤلمه وتذبحه بنيران الظنون السيئة

هل أصابها مكروه؛ اختطفت أم فرت هاربة؛ ولمَ؟!!

أين هي ولمَ اختفت؟!!!


دموعه المتحجرة بمقلتيه أصابت نهال بالوهن؛ تذكرت ما مرت به من قبل فقدانها لجمال وطفليها؛ عودة رأفت اليها وحرمانها منه الي الأبد إلى أن استقر بها المقام بصحبة يامن؛ من تبقى لها ممن أحبت


لكنه مازال تائهاً يهفو الي الراحة والسكينة وعندما وجدهما سرعان ما فقدهما


احتضنت يامن بقوة وكأنها تستمد منه الحياة فتساءل بضعف


هل أعاقب على ما فعلت سابقاً يا أمي؟

هل أفقد قمر كما فقدت رأفت؟


قبلت رأسه بحنو قائلة:


حبيبي دع عنك تلك الأفكار ولا تيأس؛ سنجدها.


يامن بغضب:

متى؛ وكيف أجدها؛ ان أصابها مكروه عندها تنتهي حياتي وان كان اختفائها بملئ إرادتها أقتلها عندما أجدها؛ أقتلها دون تردد.

نهال بتردد : هل بحثت خلف والدك؟


يامن بتيه : أبي قد سافر ليلة عقد القران؛ ولا أعتقد أن له يد فيما يحدث؛ ابتعد عنها يطالعها برفض قائلاً:

أمن الممكن أن يفعل شيئاً كهذا؟


نهال : اهدأ حبيبي انا أفكر معك لعلنا نصل الي خيط يساعدنا في البحث عنها.


هب يامن واقفاً مختطفا معطفه المعلق إلى جواره حاملاً مفاتيح سيارته لتمسك والدته بيده بخوف قائلة:


أين تذهب الآن


يامن : إلى راشد؛ هو الوحيد القادر علي مساعدتي واخباري بما حدث.

🔸🔸🔸🔸


وكما يتربص الذئب بفريسته بوقار ومكر دون أن يلفت اليه الانظار استطاع جمال نصب شباكه وابعاد قمر عن درب ابنه دون ترك دليل يدينه؛ أجاد وضع خطته لكنه لم يضع في حسبانه مسألة هروبها


أصابها الغضب وصبَ جم غضبه كالمعتاد على راشد الذي أجابه بضيق قائلاً:


سيدي لقد راقبتها كما أمرت وانتظرت خروجها من المنزل لكنها استطاعت الهرب


جمال : تلك اللعينة لقد طلبت اليها العودة كي تبقى تحت ناظريَ ولا يتمكن يامن من ايجادها


راشد : اعتقد ان خوفها سيقف حائلاََ بينها وبين الظهور مرة أخرى


جمال : عليك بالحذر واياك يا راشد أن تفتح فمك بكلمة أمام يامن


راشد بجدية : سيدي لا تقلق فأنا بالفعل لا أدري أين هي وكذلك انت...


ابتسم جمال في خبث قائلاً:

صدقت لك أراحتنا تلك الغبية واختفت...


#الفصل_الثامن والعشرون

#خسوف_القمر

#حصري


فصل طووويل أتمنى اعرف ارائكم في تغيير الاحداث ..لأنه ارهقني جدا ارجو الاقي تفاعل كبيييير👍👍


بسم الله الرحمن الرحيم


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


وها نحن قد عدنا إلى سابق عهدنا تصاحبنا الخيبة والخوف؛ نتطلع الي ضوء القمر فيأبى الظهور ويتركنا في ظلمتنا القاسية


ولكن ما يخيف اكثر من الظلمة وظلامها هو شوقي إليك؛ شوق جارف يجذبني بقسوة ويلقي بي إلى أعماق الجحيم


خطت قمر بيدها بعض الكلمات وكأنها لم تعد قادرة على الحديث فاتخذت من القلم لساناً يعبر عن حالها


"أشتاق إليك....."


🔸🔸🔸🔸


تطلعت علياء الي عثمان بغضب قائلة


أين كنت؛ وكيف تغادر هكذا دون أن تخبرني؟


عثمان بسعادة : لقد اضطررت إلى السفر لإنهاء بعض المعاملات يا نجمتي؛ وها أنا قد عدت إليك مسرعاً؛ مشتاقاً.


علياء : بالله عليك توقف عن الاختفاء هكذا انت تؤلمني بغيابك


ضمها عثمان الى صدره قائلاً بغموض:


كان يتحتم عليَ انهاء ذاك الأمر كي نحيا بسلام.


علياء باجهاد : وهل هناك سلام في عالمنا يا عثمان؛ أشعر بالقهر ينخر بداخلي من أجل قمر.


شدد عثمان من ضمها إليه قائلاً:


عليك بمؤازرتها يا علياء فهي بالفعل قد ضاقت بها السبل؛ لقد فكرت ملياً في الأمر وأوشكت علي مهاتفة يامن هذا ولكني خشيت أن يؤذيها والده


علياء : لا أعلم؛ هل ابتعادها عنه صواب أم خطأ 


لا أحد يعلم مقدار الألم الذي تحياه الآن سواي؛ لقد احترقت سنوات في غيابك؛ كنت اتنفس ألماً وحزناً؛ لقد قضيت سنوات اتمنى النوم ليلاً كي أراك ولو طيفاَ؛ فما بالك بقمر وقد انقلب عالمها فوق رأسها بلا هوادة. 


أنا ورغم فراقنا تمسكت بالأمل ولم أيأس لكن قمر محطمة؛ غير قادرة على المواصلة وأخشى عليها كثيراً. 


عثمان : سأفعل ما بوسعي يا علياء لن نتخلى عنها ولكن علينا اعطاؤها بعض الوقت لكي تهدأ وتحسن التصرف وانا بدوري سأبحث عن يامن واتابعه وان وجدته متمسكا بها يبحث عنها سأخبره بما فعله والده وننتظر منه فعلاً يضمن به حمايتها والا فعليه أن يطلق سراحها ويطلقها...


علياء : يطلقها! 


عثمان : أجل ؛وهل ستقضي حياتها بأكملها هاربة منه ومن بطش والده؛ أعلم أن الطلاق ليس أمر هيناً ولكنه في كثير من الأحوال الحل الأمثل.. 


علياء بتوجس:


هل من الممكن أن تطلقني يوماً ما يا عثمان؛ هل من المحتمل أن تخذلني؟ 


عثمان بشرود : وهل فعلتها من قبل يا علياء؛ أشهد الله أنني ما تخليت وما خنت العهد إلا بعدما انتهى كل أمل باللقاء


وقتها كنت أتصرف دون وعي ودون شعور؛ كنت ابحث عن شئ أحيا من أجله وان كان سراباً.


علياء بندم : ليتنا لم نفترق يا عثمان


عثمان بحب : لا داع للحزن يا قلب عثمان فلعل فراقنا في الماضي ما دفعنا إلى التمسك بما لدينا الآن؛ نحن كبشر لا ندرك قيمة النعم إلا بعدما نفقدها.


اختبأت بين ذراعيه في صمت ومسد بحنو فوق ظهرها يقبل رأسها باشتياق وعشق صلابته غير قابلة للكسر فقد شكلتها قسوة الأيام وأقدارها...


🔸🔸🔸🔸


نزعت عنها حجابها بغضب فهي لم تكن راغبة بالعودة هكذا؛ لقد أجبرتها والدتها علي الرجوع بعدما قصت عليها ما حدث بينها وبين جاسم.. تذكرت كلمات والدتها الحاسمة عندما صاحت بوجهها قائلة:


وهل تنتظرين من زوجك أن يتذلل إليك وان يطلب إليك البقاء وانت لم تخبريه بما قالته والدته


نجاة : وهل تدعي والدته كذباً؟


والدة نجاة : بنيتي؛ زوجك شاب ساقه الله إليك بعدما ضاقت بنا السبل وتركنا الجميع؛ زوجك له عليك من الواجبات الكثير وأهمها ألا تقفين له بالمرصاد بل عليك بالتغافل قدر استطاعتك فالرجال كثيري الذلل وكثيري النسيان؛ يتفهون وقت الغضب بما تهتز له الجبال وبعد قليل ينتهي غضبه ويرجع عما قاله واياك ان تتركي بيتك مرة أخرى؛ هو لم يسبك؛ لم يتطاول عليك لذا من الأدب ألا تغادري بيتك....


نجاة : ووالدته هل أتركها تعاملني كما لو كنت خادمة لابنها وطفلته...!


والدة : خادم القوم سيدهم؛ والمرأة الصالحة تحسن خدمة زوجها واطفاله؛ ثم أن طفلته صارت مسؤولة منك؛ استعيذي بالله يا نجاة ولا تخربي بيتك فنحن بعد الله لا سند لنا ولا عائل.. تحدثي الى زوجك بالحسنى واستمعي اليه أولاً وان قالها صريحة يا حبيبتي وأعلن عن نيته في الرجوع الى زوجته السابقة فحينها يحق لك الاختيار ولن امنعك عما تقررين.


🔸🔸🔸🔸🔸


عاد أدراجه يجر خلفه أحمال ثقال بات عاجز عن تحملها لكنه مضطر عليه الصمود إلى أن يصل إليها ...


لم يعطه راشد ما يساعده بل أتقن دوره بجدارة وانكر معرفته بما حدث مع قمر؛ أخبر يامن أن لم يعترض طريقها بأي حال من الأحوال 


لم يقتنع يامن لكنه لم يجد ما يفعله فقد بات على دراية بألاعيب جمال ومعاونيه ويعلم يقيناً أن تتبع أثرهم يشبه من يقتفي أثر أحدهم وسط رمال الصحراء؛ عليه بالصبر والتريث ومراقبتهم في صمت.... 


لم يبق سوى يوسف؛ سيذهب اليه لعله يساعده 


بحث عنه داخل المشفى الى أن التقى به 


مد يامن يده اليه قائلاً:


مرحبا دكتور يوسف؛ كيف حالك؟


بادله يوسف التحية بحبور قائلاً:


مرحبا يامن بك؛ كيف حالك انت؟ 


يامن دون تردد : هل أتت قمر إليك؟ 


يوسف بتعجب : لا لم تفعل؛ هل جدَ جديد؟ 


يامن بغضب : أصادق أنت ام تدعي كذباً وتسعى لإخفائها بعيداً عني؟


يوسف بغضب هو الأخر :


أنا لا أخشاك كي أدعي كذباً وبالفعل لم ألتقي قمر منذ فترة. 


يامن بيأس : إذاً أين ذهبت؛ أين هي؟ 


نظر اليه يوسف مشفقاً عليه رغم اختلافهما وشجارهما القوي الا أن هيئة يامن وحاله المبعثرة جعلت يوسف يتراجع عن حدته في الحديث اليه قائلاً:


اقسم بربي أني لم ألتقي بها منذ وفاة والدتها؛ وللأسف شغلت عنها فقد تعرضت زوجتي لوعكة صحية وساءت حالتها الى حد بعيد ولم تمتثل للشفاء بعد. 


يامن بجنون وتيه : لقد اختفت ولا أعلم أين هي. 


يوسف : هل تشاجرتما؛ ربما تفوهت بشئ دون قصد منك وأغضبها.


يامن بحزن : لم أفعل؛ وان فعلت فهل استحق عقاباً كهذا؛ تتركني وتختفي؛ انت لا تعي ما أعانيه؛ لقد صارت زوجتي؛ زوجتي وهجرتني واختفت ولا أعلم أين هي وما الذي أصابها؟ 


والله لم أسئ اليها لقد تركتها وكلينا يحلق في سعادة لم تدم سوى سويعات قليلة وانتهت بغيابها 


يوسف : أنا بالفعل لا أجد ما أقوله ولا أتمنى أن اتعرض لموقف كهذا؛ للأسف انت محق واعتذر اليك عن اندفاعي في الحديث إليك. 


يامن : لا داع للاعتذار؛ كل ما أرجوه منك أن تخبرني بمكانها إن علمته 


يوسف بصدق : سأفعل؛ بكل تأكيد سأفعل ولكن هل لي بسؤال يطاردني منذ لقائي بك؟ 


يامن : تفضل. 


يوسف : هل تحبها حقاً؛ ام تشفق على حالها؟ 


يامن : هل أحببت من قبل؟ 


يوسف : بالتأكيد. 


يامن : أنا لم اعترف من قبل بوجود الحب وقوته إلا بعدما التقيت بها؛ لقد استطاعت هي بنظرة واحدة أن تنتشل روحي العالقة بين ماضي وحاضر؛ بين صواب وخطأ؛ بين رغبة في متعة لحظية وتوق الى متعة لا تنتهي... لقد وهبت لروحي قوة كنت أبحث عنها منذ سنين. 


نظر اليه يوسف دون تصديق لا يدرك ما يقصده يامن لكنه ودون ارادته تحدث بصوت مسموع قائلاً:


لكنها مشوهة! وانت شاب لا أرى به عيب واحد ..


هز يامن رأسها بيأس قائلاً:


صدقني قمر تشوهها لا يقارن بتشوهي؛ تشوه النفس لا دواء له. 


ربما تعرفني كشاب ثري والده من نجوم الصف الأول ولكن ما لا تعرفه أنني كنت أحارب نفسي منذ سنوات أهلكتها واهلكتني في صراع مميت دون فائدة إلى ان التقيت بقمر؛ رغم ضعفها وبساطتها؛ أوقعتني في هواها الى الحد الذي جعلني ابتعد خوفاً عليها؛ لقد خشيت ان افقدها 


يوسف بجدية :


هل تخشى عليها من والدك؟ 


يامن : والدي ومجتمع بأكمله؛ مجتمع لن تحتمل قمر تجبره؛ لقد اعتقدت واهماً أن أبي سيتغير ويمسي شخص مختلف عقب وفاة شقيقي رأفت لكن أبي ازداد عنادًا وتكبر وكأنه يخشى الاستسلام أو الضعف؛ هل تدرك حجم مخاوفي؛ أبي لم يضعف بعد موت ابنه فهل تنتظر منه شفقة بقمر. 


يوسف : وان كنت تعلم كل ذلك؛ لمَ تزوجت بها ؟؟


يامن : أنا وهي لا شفاء لنا إلا بالقرب؛ لقد خلقها الله لي؛ شطر لم تكتمل روحي إلا به ولن أتركها ما حييت..سأفديها حتى بروحي


........................ 


لم تصدق ما التقطته اذناه؛ هل يعرض عليها الزواج بابنه؛ حلم حياتها؛ أمن الممكن ان تصبح زوجة ليامن رشدان..


تحدثت سوزي بسعادة يصعب وصفها قائلة:


هل تطلب اليَ الزواج من يامن؛ وهل هو موافق!؟


جمال بمكر : عليك إقناعه؛ لقد أخبرني والدك بحكم صداقتنا أنك معجبة بيامن؛ هل هذا حقيقي؟


سوزي : أنا أعشقه منذ سنوات


جمال بغبطة : حسناً؛ وهل أجد له عروساً أفضل منكِ ولكن هناك بعض الأمور التي يجب عليكِ معرفتها أولاً..


انتبهت سوزي بكامل حواسها اليه قائلة:


أنا استمع إليك؛ ما الأمر


جمال : لقد التقى يامن منذ فترة بفتاة تافهة؛ مشوهة؛ استطاعت ايقاعه في شباكها الى أن تزوج منها 


سوزي بصدمة : تزوجها!!!


جمال : لا تفزعي هكذا؛ الأمر لم يتعد عقد للقران وقد استطعت ابعادها عن دربه لكنه يبحث عنها دون ملل 


سوزي بيأس : إذا لمَ طلبت اليَ الزواج منه وهو بالفعل متزوج..


جمال : لقد أخبرتك منذ قليل انها مشوهة؛ نكرة لا تقارن بك؛ انت بمقدورك أن تجذبيه اليكِ دون جهد ولن يتذكرها مطلقاً. 


سوزي : ولكن... !!


جمال مقاطعا اياها : لا داع للخوف فأنا الى


جوارك اساندك وسأحرص الا يلتقي مجدداً بتلك الفتاة وبالتالي تصبح الساحة بأكملها ملك لك.


ابتسمت سوزي بتمني قائلة : سأفعل كل ما بإمكاني لأحظى بفرصة مع يامن.


جمال دون حياء : لقد عاد منذ قليل وصعد الى جناحه وقد بدا متعب؛ هل تريدين الصعود اليه ومواساته؟؟


هزت رأسها في موافقة وصعدت مسرعة تسعى الى تحقيق حلم طالما راودها...


........................


يئن اشتياقاً اليها ولا يقو علي النسيان؛ يتنفس بصعوبة وانفاسه تشتاق الي قربها يود لو تنقضي الساعات ويبدأ يومه في البحث من جديد عله يجدها أو يختفي هو من الوجود بأكمله


احتضن الوسادة بجانبه بقوة وأغمض عيناه ليغفو في لحظات من فرط الآلام التي تخترق روحه....


لا يعلم كم مضى من الوقت لكنه استفاق بغضب عندما لامست يداها وجهه بحسية افزعته ليتحرك برفض بعيداً عنها قائلاً بصوت حاد:


من انت وكيف تجرؤين وتدخلين الى غرفتي؛ هل جننتِ!!!


اقتربت بشدة قائلة باشتياق:


افتقدتك كثيرا


دفعها يامن بقوة قائلاً:


من أذن لكِ بالدخول الى هنا أيتها.....


أدمعت عيناها بحزن قائلة:


كيف تجرؤ على التحدث اليَ هكذا؟


يامن بصدمة : وكيف أتحدث إليكِ؛ هل أنتِ ثملة أم ماذا؟


سوزي : أنا أحبك؛ أحبك منذ سنوات ولم أستطع نسيانك؛ هل نسيت ما حدث بيننا منذ أشهر قليلة ألم نتبادل القبل ؟


نظر اليها مشمئزاً كارهاّ لتحتضنه باحتياج قائلة:


أعلم انك لا تصدق ما أقول ولكني بالفعل عاشقة لك؛ أحبك دون شروط؛ وها أنا أمامك أعرض عليك الزواج؛ وان لم تريد أن نتزوج فلا بأس أنا لك دون زواج. 


ابتسم يامن ثم ما لبث أن تحولت بسمته الى ضحكات رنانة أغضبت سوزي لتتساءل قائلة:


لمَ تضحك هكذا؛ ألا أعجبك؟


يامن بهدوء : لا


سوزي : لمَ؛ هل صرت ضعيف البصر؟


قالتها بغرور جلي ليقترب منها يامن قائلاً بتحذير:


اخرجي الآن ولا تعودي مطلقاً..


لم تستمع اليه بل زادت خطواتها قربها لتلتصق به قائلة:


لقد طلبت إليك الزواج؛ فهل ترفض؟


يامن : وهل أتزوج بساقطة؟


دفعته سوزي قائلة بسخط : مثلما تزوجت بمشوهة قبيحة الوجه؟!


صفعها يامن دون تردد وكأنها قد أخرجت غضبه الكامن بداخله لتصرخ هي بفزع فهي من قبل لم يجرؤ أحد على المساس بها


جذبها اليه يعنفها بجنون قائلاً:


زوجتي خط أحمر و ليست مشوهة أيتها اللعينة؛ هي زوجتي ولم تسمح لي بتقبيلها وأنتِ جئتِ تعرضين عليَ جسدك دون زواج؛ أولستِ ساقطة وقحة؟


انتبه يامن قليلاً الى كلماتها ليبدأ عقله في تحليل الأمر ليهدر بقوة قائلاً:


من أخبرك بأمر زوجتي؟


لم تتحدث فجذبها من خصلاتها القصيرة قائلاً:


هيا اخبريني والا أزهقت روحك الآن؟


دفع جمال باب الغرفة بغضب مسرعاً؛ استطاع بشق الأنفس تخليص سوزي التي أوشكت علي الانهيار قائلاً:


هل جننت يا حيوان؛ كيف تجرؤ وتضربها هكذا؟


واجه يامن والده بشراسة قائلاً:


انت من أخبرها بأمر قمر أليس كذلك؛ انت من تسبب في إبعاد قمر وهروبها؛ هيا أخبرني؟


صاح جمال دون اكتراث قائلاً:


اللعنة عليك انت وقمر؛ وهل زواجك بها سر حربي؛ لقد أعلنت الصحف اليوم عن زواجك الميمون بتلك المشوهة وأعلنت بعض الصحف انك لم تقم بإشهار زواجكما لأنها مسخ مشوهة...


صاح يامن بوجه والده قائلاً بتحدي:


قمر زوجتي؛ ليست مشوهة وليست مسخ؛ أما تر ما تحاول فعله؛ لقد أرسلت اليَ فتاة لا أعرفها تطلب اليَ الزواج بكل وقاحة؛ أتت الى فراشي وان سألتها أن تسلم نفسها وجسدها اليَ لفعلت دون تردد؛ هل انت أبي بحق؟!!!

أنا لا أرى فيك إلا عدو يسعى الى ايذائي.


استدعى جمال وجهه الآخر ليتحدث بحزن قائلاً:


ربما انت محق؛ وربما أسأت التقدير في ارسال سوزي إليك؛ لكنني أشفقت على حالك وأردتها أن تروح عنك ولو قليل من الألم


يامن بجدية:


استمع اليَ يا أبي؛ قمر زوجتي وستبقى كذلك إلى أن أجدها؛ وان لم أستطع ايجادها فلن أتخذ زوجة أخرى .


جمال بجدية:


ستفعل يا يامن وعما قريب؛ وصدقني انت واهم ليس الا وعما قريب ستأتي طالباً مني الصفح عن وقاحتك تلك.


يامن بغضب وضياع:


هل تكرهني؛ هل تعاقبني على ما فات؟؟


جمال بتعجب : أعاقبك على ماذا؟!!


يامن : تعاقبني على فشلك؛ تريد أن تقتص مني بعدما هجرتك أمي؛ هل تود أن ادفع ثمن خذلانك لها ولنفسك؛ انت لست مثلك هل تسمعني.


دفعه جمال بقسوة قائلاً:


اياك يا يامن؛ اياك أن تأتِ على ذكر والدتك مرة ثانية والا سحقتك تحت قدمي..


يامن بإصرار : بلى سأفعل؛ ولن أضعف أمامك بعد الآن؛ لن استسلم لشهواتي وجموحي كما فعلت انت؛ محال أن اتخلى عن زوجتي؛ ما كان عليَ أن أرجع إليك وإلى سجنك من جديد؛ أنت كما انت لم ولن تتغير مهما حدث...


جمال بثبات:


وماذا بعد يا يامن بك؛ هلا تكرمت وأخبرتني؟


يامن : لا شيء يا أبي؛ سوف أبحث عن زوجتي وعندما أجدها سنسافر أنا وهي وأمي؛ سأترك لك البلدة بأكملها هنيئاَ لك؛ لن أجعلك عرضة للقيل والقال ومضايقات الصحفيون؛ سأرفع عنك الحرج وابتعد عنك تماماً؛ وان سألك أحدهم عن زواجي أخبرهم أنني ابن عاق تزوجت بفتاة لا تليق بعائلة رشدان واعلن للجميع أنك قد تبرأت مني.....


تطلع يامن بكره الى سوزي التي مازالت واقعة ترتعد خوفاً من يامن وصوته الحاد ليزأر بوجهها قائلاً:


لمَ تقفين هكذا هيا الى الخارج؛ اغربي عن وجهي


هرولت مسرعة وما ان تأكد من ابتعادها همس الي والده بمكر مقلداً طريقة جمال في الحديث قائلاً:


لقد عدت إليك يا أبي اتقاءًا لشرك ودفعه عن قمر لذا اتخذت بعض التدابير التي ستمنعك فيما بعد من ايذائها...


جمال بترقب:


ما الذي تقصده؟


يامن : لقد حرصت على الحصول على بعض الأوراق الهامة التي لن ترغب في نشرها أو تسليمها إلى أحد منافسيك...احذرني بعد الآن فلست باق عليك


جمال بغضب : هل تهددني يا ولد؛ هل تساوم والدك!!


يامن : بل أسعى الى حماية زوجتي وحمايتك بمنعك من ظلم غيرك..


🔸🔸🔸🔸


لم يستطع اخفاء دهشته الممزوجة بارتياح وسعادة لعودتها؛ لقد فاجأته بعودتها 


ابتسم اليها بحذر قائلاً :


متى رجعت يا نجاة؛ ولمَ لم تطلبي اليَ احضارك؟ 


نجاة بحرج : أمي هي من طلبت اليَ الرجوع 


كاد جاسم ان يغلبه اندفاعه لكنه تذكر كلمات رؤوف لذا عزم أمره علي مواجهتها قائلاً:


لمَ غادرت بيتك يا نجاة؛ هل أسأت إليك أم انك مللت من مسؤولية ماسة؟ 


لقد تركت لك البيت بعدما علمت بأمر رجوعك الى زوجتك السابقة؛ حبيبتك


قالتها بصوت منكسر محطم جعل جاسم يشفق عليها ويتعجب كثيرا ليسألها بترقب:


ومن أخبرك ان لديَ نية في ارجاعها ومن قال أنها حبيبتي؟؟


استجمع أنفاسه وتحدث بوضوح قائلاً:


لم أحب من قبل ولم يدق لي باب سوى مرة واحدة


قمر؛ فتاة مشاكسة؛ جميلة؛ قوية؛ كانت تشبه القمر في علوه ومكانته؛ رأيت فيها طوق نجاة لضعفي الدفين وخنوعي الدائم لوالدتي


كانت نظرات نجاة متحيرة لا تدرك مغزي كلماته فابتسم قائلاً:


للأسف لم يتح لنا الوقت لنتعرف كما يجب يا نجاة


انتبهت اليه كلياً لتتحدث بصوت متردد 


بالفعل أنا لا أعرف عنك الكثير وكذلك انت فقد التقينا صدفة وأتى زواجنا علي عجل. 


اتكأ جاسم علي وسادة كانت الى جواره وأغمض عينيه يتنفس بصوت مسموع وكأنه يسترجع ما لا يود البوح به لكنه استجمع رباطة جأشه وتحدث بجدية قائلاً:


لقد كنت مرتبطاً بأخرى قبيل زواجي من والدة ماسة وتلك الفتاة تسمى قمر؛ أحببتها وربما يهرت بها؛ ووثقت بي هي وعائلتها.. 


لقد تعرضت قمر لحادث تركها مشوهة وتركتها أنا بعدما خشيت كالعادة المواجهة


تركتها فقد تربيت على الاستسلام؛ كانت أمي تنتقي لي كل شئ؛ ملابسي؛ اصدقائي؛ حتي كلية الهندسة كانت من اختيارها؛ لم اقم مطلقاً بالرفض الا عندما تقدمت لخطبة قمر؛ في بادئ الأمر اعترضت امي بشدة وحاولت اثنائي عن تلك الخطوة لكن إصراري جعلها توافق مرغمة إلى أن تبدلت الأحوال وتشوهت قمر فصارت والدتي أشد تسلطاً ووجدت فرصة لن تعوض وكالمعتاد ضعفت أنا وأضعت نفسي وقمر.... 


نجاة بقهر وكأنها تسترجع مصابها من قبل


لذا تزوجت بي وساعدتني؛ تسعى للتكفير عن ذنبك تجاه تلك الفتاة التي خذلتها


جاسم : وهل يتزوج الانسان تكفيراً عن ذنب اقترفه؛ لا اعتقد أن زواجي منك له علاقة من قريب أو بعيد بقمر؛ وان كان كذلك لكنت اكتفيت بإجراء جراحة تجميلية لك.


أنا تزوجت بك راغباً في استقرار وحياة جديدة؛ ولن انكر وادعي كذباً أنني لم اتزوجك من أجل طفلتي؛ بل ان تعلق ماسة بك وحبها لك سبب رئيسي في اختياري لك.


نجاة بتوجس : هل تزوجت بي كي تثير غيرة زوجتك السابقة وترجعها إليك


جاسم : مها ليست طفلة صغيرة أو امرأة ساذجة تهرول اليَ ان تزوجت بغيرها؛ هي امرأة تفكيرها عملي للغاية تشبه أمي الي حد بعيد وتربطهما صلة قرابة وصداقة قديمة؛ صدقيني أنا حاولت معها مراراً قبل وقوع الطلاق؛ أردت إنجاح زواجنا من أجل ماسة لكنها لم تبذل ولو قليل من الجهد للاستمرار.


نجاة : إذا لمَ أخبرتني والدتك انك سترجع الى مها


جاسم : لأنها لا تعرف اليأس ولا تمل من المحاولة والحصول علي ما تريد؛ أمي استطاعت أن ترى بوضوح هشاشة العلاقة بيني وبينك واستغلت سذاجتك وتسرعي للتفريق بيننا.


نجاة بحنق : أنا لست ساذجة


جاسم : صدقيني يا نجاة؛ أنا لن أخذلك ولن أظلمك مهما حدث كل ما أريده هو انشاء حياة جديدة هادئة قوامها المودة والرحمة ليس إلا.. 


لن أخدعك واخبرك أنني أريد الحب فانا لن ارفضه ان اتى الينا بل سأحرص علي الحفاظ عليه بكل قوتي ولكني حالياً أتوق الي سكن واحتواء؛ هل فهمت ما أقصده؟


ابتسمت إليه بارتياح فهي لا تطمح وليست طامعة بالمزيد؛ وهل هناك أبقى واقوى من المودة والرحمة بين الزوجين؟


🔸🔸🔸🔸🔸


غادر يامن القصر وغضبه يسبقه لكنه توقف بعدما لاحقته حشود من رجال الاعلام والصحافة فلم يجد مهرباً


تسارع الصحفيون في توجيه أسئلتهم وتسارعت كاميرات المصورون في التقاط الصور فما يحدث أمامهم سبق صحفي لا يستهان به ونقلة في مسيرة الكثيرين منهم خاصة من سيحالفه الحظ ويجيبه يامن رشدان عن تساؤلاته


أشار يامن الى احدى الصحفيات قائلاً بايجاز 


تفضلي بسؤالك


الصحفية : هل ما تم تداوله في الآونة الأخيرة حول زواجك سراً حقيقة أم واحدة من الإشاعات المصاحبة لك؟


يامن بجدية : لقد تزوجت بالفعل...


ارتفعت الأصوات من حوله وأخذ الحضور في توجيه الأسئلة بشكل عشوائي ليتحدث هو بصوت حاد قائلاً:


لم انته بعد من إجابة السؤال الذي وجه اليَ


صمت عم المكان خوفاً من غضبه وتركه للقاء ليزفر هو بضيق قائلاً:


لقد تم عقد القران منذ أيام قليلة؛ ولم يكن الأمر سرا بل اكتفينا بحفل في اطار العائلة.


صحفي : ولمَ؛ هل هناك ما يمنعك من الإشهار


يامن بحدة : بالطبع لا شيء يمنعني عن الإعلان عن زواجي ولكن منذ لحظات أخبرتكم انه عقد قران وللأسف توفيت والدة زوجتي قبيل العقد بأيام لذا لم يكن من اللائق إقامة حفل ضخم


صحفي : لقد علمت من مصدر موثوق أن العروس منتقبة؛ هل هذا صحيح؟


يامن بسعادة : بالفعل هي كذلك


صحفية باندفاع : أهي مشوهة كما يقال؟


يامن بثبات : وهل هناك قمر مشوه!!


ابتسم البعض وتحدث البعض الأخر بأصوات متداخلة قائلين:


لم تجب على السؤال.


يامن : أظن أن ملامح زوجتي وجمالها أمر يهمني ويرجع الي فقط؛ ثم ما شأنكم وشأنها هي زوجتي أنا؛ حبيبتي؛ تخصني أنا وكل ما يتعلق بكم قد أجبت عنه بوضوح.


صحفية : متى موعد الزفاف؛ واين هي العروس؛ هل من الممكن أن تدلي لنا ببعض المعلومات حول هويتها؟


يامن بجدية : العروس طبيبة مثلي؛ تصغرني بسبع سنوات؛ موعد الزفاف سيتم الإعلان عنه عما قريب


صحفي بجرأة :


لقد أعلن والدك منذ قليل رفضه القاطع لتلك الزيجة بل وأعلن انفصالك عن العروس 


يامن بهدوء :


لم ولن يحدث أنا لم أتزوج كي انفصل عمن أخترتها شريكة للحياة وأنيسة فؤادي..


تذكر يامن غيابها الذي أهلكه فتحدث بصدق أمام الكاميرات قائلاً:


لقد اخترتها دون تردد ولا أريد امرأة سواها وان كانت تستمع الي الأن أود الاعتذار منها 


صحفي بفضول:


هل تشاجرتما؟ 


يامن : لم يحدث؛ لكنها غاضبة مني ولا أعلم السبب وها أنا أمامكم اعتذر إليها وأعلن أمام العالم بأكمله أنني قد وقعت بعد سنوات من الهرب في العشق؛ أوقعتني هي دون جهد واخبرها أنني اشتاق اليها بشدة وانتظر عودتها. 


الصحفي : وماذا عن رفض والدك؟ 


يامن : كما قلت انت؛ هو والدي مهما حدث سيبقى والدي؛ لكن زوجتي نقطة غير قابلة للمساس.


🔸🔸🔸🔸


يومان قد مضى نهارهما وانقضى ليلهما بين فراق واشتياق هو يبحث عنها دون ملل وهي ساكنة دون حراك تتنفس في ندم تود الرجوع إليه وتخشى مزيداً من الألم


اقتحمت علياء الغرفة ووجهها يشع بهجة وسعادة قائلة:


انظري أيتها الغافلة


زوجك الوسيم يبحث عنك ليل نهار وانت جالسة هنا تبكين علي الاطلال


عادت الحياة الي وجه قمر والتمعت عيناها ببريق الأمل قائلة:


يامن؛ هل يبحث عني؟


وضعت علياء أمامها بعض الصحف وبحثت بهاتفها علي بعض الأخبار المتعلقة بها لتبتسم قمر بسعادة غامرة؛ سعادة تنبت ثمارها من جذور اليقين بأن قلبه يعشقها بحق وبل ويعترف أمام العالم بأكمله


#الفصل_التاسع والعشرون

قبل الاخير

#خسوف القمر


#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم 

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين 


ودوام الحال خيال تنسجه النفوس فتحيا بين خيوطه الواهية سويعات قليلة وسرعان ما تنقطع تلك الخيوط فنسقط من بين شباكنا إلى أرض الحياة التي خلقت لتتبدل وتختلف ليس إلا....... 


أغمض عيناه يتسترجع ما دار بينهما بعدما أتى إليه عثمان متحدثاً إليه بعيداً عن تحية 


فلاش باك 


استطاع بمهارة التحلي بالصبر والهدوء الخارجي بينما كان داخله يميز غيظاً وكرهاً لعثمان وما فعله به وكان أشد غيظاً وكرهاً لتحية وأقسم داخله أن يذيقها ما تستحق.... 


استمع بترقب إلى عثمان وما يقول إلى أن انتهى من كلماته ليسأله مدعياً اللامبالاة 

وما الذي يدفعني إلى تلبية أوامرك يا سيد عثمان! 


عثمان بجدية:


أولاً دعنا من الألقاب فنحن لسنا أعداءً بل كل ما في الأمر أنك حاولت أن تؤذي زوجتي دون قصد وربما توهمت أن زوجتي وشقيقتها لا سند لهما.. 


ابتلع عادل ريقه بتوتر ليتحدث بلهجة أقل حدة 


ما الذي تسعى إليه دون مراوغة؟ 


عثمان : لقد تحريت عنك وعلمت الكثير ولكن ما علمته لا يشكل فارقاً معي بل انني أرى أن تحية تستحق ما ينتظرها على يديك. 


نظر إليه عادل من كثب وكأنه لا يصدق أن عثمان قد كشف ستره 


ابتسم عثمان قائلاً في ثقة :


عادل عوف محامي مخضرم رغم صغر سنه؛ تخرج في كلية الحقوق جامعة أسيوط وفر هارباً عقب حصوله على شهادته الجامعية بعدما تسبب لزوجة والده في عاهة مستديمة لكن والدك رحمه الله لم يغفر لك فعلتك وانقطعت بينكما الصلة نهائياً


ابتسم عادل باصفرار قائلاً : وما شأنك أنت فيما تقول؟


عثمان : شأني أنك رجل لا يطيق النساء وخاصة أمثال زوجة والدك ومن هن على شاكلتها لذا تتربص بهن وما يحدث فيما بعد أنت تعلمه فلا داع للخوض في تفاصيله. 

عادل في هدوء ... ما الذي تريده؟ 


عثمان : أن تبعد تحية عن طريقي إلى الأبد 

عادل : وكيف أفعل؛ هل أقتلها؟ 


قهقه عثمان بقوة قائلاً: 

يا ليت؛ لكنك لا تقتل ضحاياك؛ كل ما أطلبه إليك ضمانا مادياً احتفظ به كي أتقي به شركما سوياً وقبل أن تدعي البراءة استمع الي هذا التسجيل 


استمع عادل إلى اتفاقه المسبق مع تحية عندما توعد بالانتقام من عثمان ليعلم يقيناً أن عثمان لن يتراجع عن موقفه ولن يفلح هو في خداعه لذا ودون تردد رضخ لمطلبه قائلاً:


سأمنحك ما تريد فكما قلت لسنا خصوماً؛ كما أن تحية تروقني بالفعل وسأتزوج بها 

عثمان مبتسماً : هنيئاً لها؛ فهي تستحق؛وما أطلبه اليك أمراً يسيراً للغاية؛ عليها أن تقوم بالتنازل عن الدعوى الباطلة ضد زوجتي وشقيقتها وإيصال أمانة احتفظ به ربما أحتاج إليه فيما بعد أن حاولت هي مضايقتي. 


عادل : لك ذلك؛ سأتحدث إليها وتأكد أنني قادر على إقناعها 


......................... 


سويعات قليلة قضاها بين جدران منزله يستعيد زمام أموره ويخطط للقادم؛ امتعض وجهه مما حدث لكنه عزم أمره علي المضي قدما والثأر لكرامته وليس أمامه من ينتقم منه سواها؛ ابتسم منتشياً عندما تخيل ركوعها تحت قدميه وخضوعها له ليشعر بنيران حارقة تطلب إليه ما يطفئها.....


ارتدى ملابسه على عجالة قائلاً: 

لن انتظر إلى الغد؛ اليوم تصبحين زوجتي يا تحية وأنال منك ما أشاء وأخمد نيران اشتياقي الي رؤيتك تتألمين وتصرخين طالبة للرحمة..... 


لم تستطع تحية أن تقابل طلبه بالرفض ولم يكن لها أن تفلح في صده فهو خبير لا يستهان به في استمالة النساء واللعب على أوتار قلوبهن.. 


أجاد رسم قناع البراءة المختلطة بالاشتياق ليتحدث إليها بوله قائلاً:


ولمَ ننتظر إلى الغد؛ أنا أريدك زوجة لي الآن.


ازدادت تحية غروراً محدثة نفسها بأن عادل بات مهووساً بها لا يطيق الانتظار لذا ودون تفكير وافقت على حديثه وتوجها سوياً إلى المأذون الشرعي لعقد القران بعدما دفع اليها عادل مبلغاً ليس بالهين كمهر لها.... 


انتهى المأذون من الاجراءات اللازمة ووقع الشهود وانصرف عادل وتحية الي بيته الذي تتوق تحية إلى رؤيته..


دلف عادل أولاً ومد يده اليها يجذبها الي الداخل برقة وترقب ورغم قوتها وتجبرها إلا انها ارتجفت خوفاً ولا تعلم السبب 

تحدث عادل إليها بلهجة غير مطمئنة قائلاً:


يا إلهي؛ لا أصدق أنني قد حظيت بك يا تحية؛ أتدرين لم ترهقني إحداهن من قبل كما فعلت انت؛ لقد تزوجت مرات لا حصر لها إلى أن بت عاجزاً عن تذكرهن ولكن مطلقاً لم أبذل جهداً كالذي بذلته كي أمتلكك.


شهقت تحية بغضب قائلة: 

ألم تقل أنك قد تزوجت مرة واحدة؟


قهقه ساخراً قائلاً: 

بلى؛ لقد تزوجت مرة واحدة زواجاً رسمياً؛ لست كاذباً يا عزيزتي ولكن ما أعقبه من زيجات كان زواج عرفي..


اقترب منها فتراجعت بفزع لكنه أمسك معصمها بقسوة يقربها إليه متحدثاً بجدية مخيفة 

أما ترين أنكِ مميزة بالنسبة لي؛ فقد تزوجتك بعقد رسمي ومهر كما لو كنت ذات قيمة؟


عادت تحية لشراستها قائلة بحدة : 

انا بالطبع ذات قيمة أيها الغبي. 


صفعة فأخرى هي كل ما قاله عادل لم يدعها إلا بعدما أوشكت على الإغماء وكان آخر ما رأته سوط يمسكه عادل بين يديه بسعادة قائلاً: 


لقد انتظرت تلك اللحظة كثيراً؛ أتدرين لمَ طلقت زوجتي الأولى؛ لم تستطع أن تجيبه فباغتها بجلدة جعلتها تصرخ من فرط الألم ليتحدث هو بغضب'


لم أستطع إيذاءها ولم تشبه زوجة أبي؛ لذا طلقتها دون ضرر؛ ولكن حرصت فيما بعد على انتقاء الزوجات اللائي يتشابهن معها زوجة أبي؛ وانت الأقرب إليها في صفاتك 

جميلة؛ شرسة؛ قاسية؛ طمعك لا حدود له وفاجرة كما كانت هي تماماً. 


أشبعها عادل ضرباَ بالسوط إلا أن فقدت وعيها كلياً فاقترب منها ناظراً إليها برغبة قوية ليقضي منها وطره كما يحلو له وكما يريد...... 


لينتهي ظلم أحدنا بظلم أشد وأقوى؛ تغرنا الحياة وما نمتلك من قوة ولا نتذكر ان قانون الغابة يحتم في النهاية موت الأسود فلله وحده الملك والقوة المطلقة 

أما نحن فلا شئ............... 

🔸🔸🔸🔸 

أدمعت عيناها وجاهدت كثيراً كي لا تنفجر باكية بعدما تحدث إليها بتلك القسوة 

زفر بضيق مستغفراً في تعب ليتحدث اليها بلين يشوبه العتب قائلاً'


نسمة أنا لم أقصد أن أعنفك؛ لكنك قد تماديت كثيراً


لم تتوقف عن بكاءها بل ازداد نحيبها ليصيبه التوتر خشية أن يستمع اليها أحد؛ مد يده يحتضن كفها بحنو لكنها دفعت يده بغضب قائلة: 

ابتعد وإياك أن تمسني


نادر : حسناً لن أفعل ولكن توقفي عن البكاء


أدارت وجهها بعيد عنه قائلة بحزن:


أخبرتك من قبل أنني لا أقبل أن تهينني؛ لقد صرخت بوجهي بل وأخبرتني أنني وقحة.


نادر بجدية' 

بداية أنا لم أقل أنكِ وقحة؛ بل قلت أنه من الوقاحة أن تتغزل الزوجة برجل آخر أمام زوجها


نسمة : أنت لست زوجي. 

نادر : باعتبار ما سيكون. 

نسمة : ومن قال أنني سأقبل الزواج بك بعدما نهرتني هكذا؟ 


ابتسم نادر قائلاً : 

انا أغار؛ وأعتقد أنه حق لي. 

توردت وجنتاها خجلاً ليكمل 

لقد تغاضيت في بادئ الأمر عندما سردت تفصيلاّ مميزات هذا اليامن واستمعت إلى كلماتك المفعمة بالانبهار والإعجاب حول مركزه الاجتماعي ونفوذه إلى آخره؛ لكنك تناسيت أنني رجل ودهست كرامتي عمداً وربما دون قصد عندما بدأت في وصفه والحديث عن مدى وسامته....


نسمة بتلعثم: 

أنا لم أقصد وتحدثت بتلقائية 

نادر : وأنا بالفعل حاولت التجاوب مع ما تقولين ولكن رغماً عني لم أستطع؛ عليكِ التريث قليلاً يا نسمة أعلم أنكِ مازلتِ حديثة السن ولك الحق في التمتع بالحياة ولكن عليك التذكر أنني جزء من حياتك؛ ربما لست ثرياً ولا أضاهي يامن وأمثاله وسامة لكنني رجل وأريد ألا ترى امرأتي أحد سواي. 


نسمة في تردد: 

ولكن ما تفعله تحكم وشك لا اقبله 

نادر : بل هي حق كما قلت؛ وحب أتمنى أن تشعري به


التقت عيناها بعينيه ليكرر كلماته قائلاً: 

أنا أحبك؛ لا أرى غيرك ومن حقي أن أصبح كافياً لكِ


نسمة بسعادة : آسفة؛ لقد تماديت دون أن أشعر وكل ما قلته كان للتخفيف عن قمر ليس إلا..


نادر بهدوء 

وانا أعتذر عن غضبي ولكن غيرة الرجل أساس رجولته.... 

🔸🔸🔸🔸 

كانت تنظر الي صديقتها بغبطة نابعة من حب ومودة حقيقية؛ قلوب نقية تألفت دون مصلحة أو منفعة دنيوية زائلة


تحدثت علياء بطفولة قائلاً 

هل تستمعين اليَ يا آنسة قمر؟


ابتسمت قمر قائلة: 

لم يتخلى عني علياء؛ لقد أعلن أني زوجته؟


علياء : ألم ينل ثقتك الكاملة بعد يا قمر؟ 

بلى أثق به إلى الحد الذي جعلني أسلم قلبي اليه بعدما أصابه الجدب فصار قاحلاً؛ لقد أعاد يامن إلى قلبي الحياة غير أنني لا أصدق نفسي وما تسوله لي من مشاعر أقرأها بعينيه تجاهي؛ أتعلمين يا علياء عندما يقترب الإنسان من الموت يطلب شربة ماء علها تبقيه حياً؛كذلك يامن وأنا.


علياء : إذن؛ متى تعودين إليه؟ 

قمر بجدية : لن أفعل؛ فما فعله يامن لن يغير الحقيقة والده لن يتركنا نحيا بسلام؛ سأذهب إلى يوسف وأقم بإجراء الجراحة ربما استعيد بعضاً من قوتي التي تسربت من بين يدي


علياء بخوف : ولكن ياقمر تلك الجراحات ليست آمنة كلياً


قمر : وهل يموت الانسان أكثر من مرة؛ أنا بالفعل لا أحيا يا علياء؛ أين قمر؛ تلك الفتاة المشاكسة.. لطالما كنت كثيرة الحديث والمزاح؛ لا أكف عن الحركة؛ أين أنا؟ صرت عجوز بائسة انتظر الموت.


لن انتظر يا علياء سأعمل على مساعدة نفسي واسعادها ربما اجتمع أنا ويامن وأمنحه بعض السعادة التي يستحقها...


🔸🔸🔸🔸🔸 

تحدث إليه بإحترام قائلاً:


سيدي لقد تأكدت مما أقوله لك؛ السيدة قمر ليس لها أصدقاء مقربون سوى تلك الفتاة المسماة بعلياء وقد اختفت هي وشقيقتها منذ أشهر قليلة بعدما قامت زوجة والدهما بطردهما.....


لقد تحرينا الدقة فيما جمعناه من معلومات وأنا علي يقين أن علياء أينما كانت على معرفة بمكان السيدة قمر


صاح يامن بوجهه قائلاً: 

وأين هي تلك الفتاة؟ 

اعتذر الرجل بحذر خشية أن يثير غضبه قائلاً: 

لا أعلم؛ فقد سعيت إلى الوصول إليها ولكن الأمر يتطلب بعض الوقت.


وضع يامن رأسه بين كفيه قائلاً: 

اعتذر منك؛ عليك الانصراف الآن ونتحدث فيما بعد 

تحدث اليه برفق قائلاً: 

حسناً سيدي واعدك ان أبذل قصارى جهدي للوصول إليها عما قريب.


ضرب رأسه بقبضة يده لعل تلك الأفكار الطاحنة تهدأ قليلاً ولكن هيهات فقد تراكمت وتزايدت بعدما اقتحم جمال مجلسه قائلاِ بحدة يحدوها الخوف:


عليك بالسفر في أقرب وقت واصطحاب والدتك؛ لقد هرب عزت من محبسه ولم نعثر عليه حتى الآن


يامن : وهل تلك واحدة من ألاعيب جمال بك


نهره جمال بحدة قائلا : أيها الغبي أما تفهم؛ لقد فر هارباً وقام بإحراق بضائع باهظة الثمن في الميناء هل ننتظر إلى أن ينال منك؟


يامن بحزن : ليته يفعل..


دفعه جمال بجنون يصيح برفض عاجزاً عن تقبل تلك الكلمات ليتحدث يامن بهدوء 

لن أترك البلدة إلا بعدما أجد زوجتي فلا داع لما تفعل يا أبي.


تحرك يامن من أمام والده المصدوم مما يحدث فقد حرص منذ سنوات على متابعة عزت ومراقبته إلى أن أطمأن إلى رضوخه وسكونه ولم يضع في الحسبان أن البركان الخامل عندما ينشط لا شيء في الكون يقدر على صده وإيقاف ثورته...


🔸🔸🔸🔸 

وبينما الليل يزداد قتامة يداعبنا ضوء القمر بحذر والقليل منا من يتطلع إليه دون ملل....


قاد سيارته يتوجه إلى بيت والدته فلم يستطع البقاء بقصر رشدان فهواءه مرهق للنفس... 

لم يلق بالا لما قاله جمال بل ظن أنه تهديد زائف لا أساس له... 

لحق به جمال بعدما استشعر الخطر الوشيك يسابق الزمن ولكن هل له من سابق..... 


تطلعت نهال إلى يامن بحزن من اجله قائلة 

ألم تصل الي شئ بخصوص قمر


يامن بيأس : ليس بعد؛ أخشى ألا أجدها يا أمي 

نهال بحب : ستجدها يا حبيبي؛ لا تيأس فالعاشق لا يعرف اليأس.


ابتسم يامن قائلاً: 

هل تنعتين ابنك بالعاشق! 

نهال بمشاكسة : أما تر وجهك يا بائس؛ لقد فقدت وسامتك وصرت قبيحاً للغاية؟ 


رفع حاجبه برفض مصطنع قائلاً: 

بالطبع لا؛ مازالت أوسم الرجال؛ ألم تقولي من قبل أنه لا أحد أوسم مني؟ 

نهال : كانت مجاملة من أم ترى وليدها الأجمل


قبل يامن يدها بحب قائلاً: 

سأبدل ملابسي وأرجع إليك نتناول العشاء سوياً


لم تعقب فهي تعلم يقيناً أن ابنها يغتصب ابتسامة يرسمها أمامها لذا تركته يختلي بنفسه قليلاً وتوجهت إلى المطبخ تعد بعض الطعام.... 


بعد قليل استمعت إلى دقات خفيفة أعادتها إلى سنوات ماضية؛ دقات مميزة تشبهه إلى حد بعيد


جمال رشدان الرجل الذي أبى أن يتركها بعدما تركها...


توجهت بخطى وئيدة فاتحة باب شقتها تنظر إليه بترقب تفحصها هو باشتياق أخفاه كبريائه الأعمى قائلاً: 

مرحباً نهال؛ هل عاد ولدك إلى هنا؟


صمتت قليلاً تسعى إلى الثبات لكنها لم تستطع فتحدثت اليه بحدة قائلة: 

ما الذي أتى بك إلى هنا؟


جمال بغرور : بالطبع لم أتي رغبة في رؤياك؛ بل أتيت كي اخبرك أن عزت قد لاذ بالفرار وولدك الغبي يرفض السفر بعيداً حتى أمسك به من جديد...


وضعت يدها فوق فمها تكبح صرخاتها المتألمة تهز رأسها بخوف؛ أصابه الحزن من أجلها فتخلي عن جموده قائلاً:


لا تجزعي هكذا؛ تعلمين أنني سأعمل على حماية ابني مهما حدث


صاحت بيأس: 

مثلما قمت بحماية شقيقه؛ هل أصدقك يا جمال وقد قتل رأفت أمام ناظريك؟ 


بادلها بصوت أشد غضب وقسوة قائلاً: 

أنا توليت رعايتهما ولن انكر أن رأفت قد قتل بين يدي ولكن أين كنتِ؟ لقد تخليت عنهما وعني أيتها البائسة. 


هل تلقين اللوم عليَ وحدي؛ وأنت ماذا فعلت؟ تركت طفليك وهربت. 


نهال بانهيار : لم أستطع البقاء ولم أقدر على مواجهتك؛ لقد كان بقائي إلى جوارك موت مؤلم لقد أزهقت روحي بلا رحمة بخيانتك 


ما تركت أطفالي طواعية بل خشية البقاء معك فيدفعني يأسي إلى كره كل ما يجمعنا حتى أولادي؛ عجزت عن التحمل؛ لكل منا طاقة وأنا طاقتي نفذت.. هل تدرك ما فعلته بي لقد دمرتني وحرمتني من كل شئ في الحياة 

أتتهمني بترك أطفالي؛ وهل كنت لتسمح لي بأخذهما؟ 


جمال بثقة : بالطبع لا ولكن من المفترض أن الأم لا تتخلى عن أطفالها ولكنك فعلت. 


نهال بقهر : 

لم أفعل؛ بل تعبت لقد انتهيت ولم يبق لدي ما اأمنحه لهما لقد سلبتني كل شئ. 

انا أكرهك؛ أكرهك كما لم أكره إنساناً من قبل. 


ابتلع ريقه بثبات ناظراً إليها بجدية قائلاً : 

وأنت لم ترتقي يوما إلى شئ اكثر من تحفة رغبة في امتلاكها وفعلت وبعدما صارت لي مللت منها


نهال : اذهب ولا تعد إلى هنا مرة أخرى؛ هل سمعت؟ 


استدار مغادراً لكنه جذبته بكامل قوتها قائلة 

احذر يا جمال؛ انتبه! 

اسرع رجال الحراسة الخاصة بجمال إلى نجدته بعدما استمعوا إلى اطلاق النيران وعجز هو عن الحركة بعدما سقطت بين يديه ودماؤها تتدفق بغزارة من حولها... 


تبادل أحدهم إطلاق النيران مع عزت الذي اصابه صدمة قاسمة فلم يعمد إلى اصابة نهال بل كان غايته نهال 


استطاع الحارس إصابته في مقتل مستغلاً صدمته ليسقط فاقداً للحياة 


بينما خرج يامن يهرول تجاه والدته المدرجة بدمائها يبكي كما لو أنه قد عاد طفلاً بلا حول ولا قوة؛ حاول اختطافها من بين يدي جمال ولكن جمال لم يسمح له بذلك قائلاً :


دعها يا بني وساعدني علي حملها الي المشفى. 

امسكت يده بضعف قائلة لا داع للمشفى فقد انتهى الأمر؛ لكم تمنيت اللحاق برأفت. 

توقف الكون من حول يامن وصاحبه خسوف من نوع خاص؛ خسوف لا ينتهي ولا أمل في يعلوه نور القمر؛ فخسوف الموت سرمدي... 


احتضنها بضعف لم يعهده من قبل قائلاً بترجي 

حبيبتي؛ لا تخافي لن يمسك سوء. 

نهال بعيون زائغة 

عليك ان تساعد يامن وتبقى إلى جواره؛ ودع عنك تلك القسوة؛عليك بمؤازرته ربما يمنحه القدر سعادة نزعناه نحن منه؛ عدني أن تجمعه بمن اختارها قلبه. 


جمال بترجي : 

توقفي عن الكلام؛ سأفعل ما تريدين ولكن تشبثي بالحياة قليلاً 


نهال بحزن 

ليتنا لم نلتقِ يا جمال؛ ليتنا ما التقينا؛ أتعلم انني لم اتوقف مطلقاً عن حبك وكأنه لعنة لا نجاة منها... ليتني لم أحبك بصدق ربما صمدت وبقيت إلى جوارك متجاهلة خيانتك لكن قلبي لم يطق فقد هامَ بك حد الغرق.


جمال بانهيار : 

كفى؛ توقفي عن بذل المزيد من الجهد؛ نهال أنا أحبك رغم كل شئ مازالت أحبك؛ لقد تماديت فيما أفعل معتقداً انك لن تبتعدي. 


صاح بضياع عندما أحس بموتها الوشيك 

نهال أتعلمين؛ أنا لم أطلقك إلى الأن؛ لقد رددتك الي عصمتي منذ سنوات كي لا تصبحين زوجة لغيري وانتظرت أيام وشهور اعقبها سنوات وأنا اترقب اقترانك بغيري كي اتي إليك وأرجعك اليَ


انتظرت وتوهمت أن الدهر لن يباغتني ويأخذك بعيداً 

لقد عشقتك ولم تجرؤ أخرى على المساس بما لك يا نهال؛ وها أنا اعترف ولكن لا تجعلي عقابي أن تتركيني 


ابتسمت بضعف قائلة: 

هيا إذا ضمني إليك لمرة واحدة؛ لكم تمنيت أن ينتهي العمر بين يديك تماماً كما كانت بدايته الحقيقية معك. 


جمال بجنون: 

لمَ؛ لم فعلت ذلك أنا لا استحق؛ لمَ قمت بحمايتي؟


نهال بصوت أوشك على الغروب: 

لا أحد سواك يستحق؛ فقد حاولت جاهدة أنا أشفي منك لكنك توغلت داخلي حد الإدمان؛ فعجزت عن تركه وصرت استلذ بآلامه.. ادمان لا نهاية له سوى الموت. 

أغمضت عيناها قصراً فقد جاء الأجل ولا مهرب من مجيئه ليعلو صوت الصراخ والعويل والندم الذي يتآكل جدران القلوب ولكنه ندم لا طائل منه... 


انتهت حياتها وربما أخطأت من قبل عندما اختارته ولكن بعض الاخطاء اصلاحها موت والاستمرار في فعلها موت


#الفصل_الاخير

#خسوف_القمر

#حصري


واتباد


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


الجزء الاول من الفصل


🔸🔸🔸🔸

ومن أقصى درجات الحب وأعلاها مكانة سكون الروح في قرب الأخر؛ أن تطمئن عند رؤيته....


ابتسمت نجاة بدورها عندما تعالت ضحكات ماسة التي يدغدغها والدها بحنو؛ تراقبهما دون ملل وكيف يمل الإنسان من تلك اللحظات التي لا يجود الزمان بها كثيراً....


خبت بسمتها سريعاً عندما اقتربت راوية قائلة بسخرية:


كيف حالك يا نجاة؛ هل ذهبت الي طبيب لمتابعة الحمل؟


نجاة بهدوء : أجل؛ لقد ذهبنا بالأمس.

قلبت عيناها قائلة:


ربما يمن الله عليك بالولد وعندها ينال ابني حسنة واحدة من تلك الزيجة البائسة.


ادمعت عينا نجاة فتحدث جاسم برفق الى ماسة قائلاً:


هيا يا ماستي لتخلدي الى النوم انتِ وماما وانا سألحق بكما


امسكت نجاة بكف الصغيرة وكأنها تحتمي بها واسرعت الى غرفتها...


تحدثت راوية بحدة وغضب قائلة:


هل بلغت بك الوقاحة أن تطردني من بيتك بأسلوب مهذب؛ هل تجرؤ علي الوقوف بوجهي من اجل زوجتك!


نظر اليها جاسم بترقب قائلاً'


لم يا أمي؟ لم أشعر بكرهك لي منذ الصغر؟ 


راوية برفض : أنا اكرهك؛ انت ابني الوحيد فكيف لا احبك


جاسم بحزن : أنا مطلقاً لم انم بين يديك؛ لم نتضاحك سوياً؛ دائما كنت أراكِ عابسة بوجهي وباسمة بوجه الآخرين إلى أن أيقنت أنني السبب؛ مؤكد أن بي ما يغضبك


راوية : دع عنك هذا الحديث الذي تسعى من خلاله الي تبرير فعلتك ورغبتك في عقوقي


جاسم بغضب : توقفي؛ بالله عليك توقفي عما تفعلين واخبريني؛ لم ترفضين سعادتي؟ 


لقد تمنيت أن تلفظين اسمي بحنو؛ اهفو الى كلمة بني؛ حبيبي؛ عزيزي ولكنك جامدة لقد كرهت اسم جاسم وصرت أخشاه بسببك 

أدمعت عينا راوية قائلة:


لقد أردت ان أحسن تربيتك؛ خشيت أن يقال تربية امرأة؛ مدلل؛ فشلت والدته في انشائه؛ ربما كنت قاسية ولكن والدك السبب؛ لقد لفظنا خارج حياته دون التفات وصرت خائفة من الضياع ورغم زواجي من رؤوف وحسن معاملته واحسانه إلينا الا إنني لم أغفل عنك مطلقاً فلم تعد لي ثقة بأحد سوى نفسي. 


جاسم بحزم : أنا لا أحاسبك؛ ولا أملك أن أفعل؛ ولكن ما أقوله رجاء؛ أمي أنا متعب لم أعد احتمل المزيد من الكره والغضب والرفض انا أبحث عن سعادة متواضعة ووجدتها بعد عناء؛ ربما لا تعجبك نجاة ولا ترقى الى مستوى تطلعاتك لكنني أطمئن جوارها؛ استعدت نفسي بعدما دخلت الى عالمي البائس. 


دعيني اقضي حياتي كما أريد فإن كان خيراً فأنا اتوق اليه وإن اتى شر فلن أستطع دفعه فالأمر كله لله.


🔸🔸🔸🔸


وتمضي الأيام ومازالت انتظر لعل ما مررنا به كان رؤيا سولتها لنا مخاوفنا وبعد قليل ينتهي كل شئ وافتح عيناي فأسعد بقربك ولكن هيهات فما حدث لا فرار منه فهو واقع سوف أحيا برفقته حتى الممات


ملابسه تخضبت بدمائها واحتفظت بها وكأنها كل ما تبقى له منها... 


صامت هو وجواره ولده؛ يامن الذي يبدو فاقد للحياة انفاسها خافته وعيناه منكستان أرضاً...


همس راشد بحزن الي جمال قائلاً:


سيدي عليك بالاستعداد لتلقي العزاء؛ كما ان ملابسك متسخة ولا يليق بك ان تبقى هكذا.


نظر اليه جمال ولم يعقب وهل هناك ما يقال؟

لقدانتهت مباراته التي امتدت عقود يسعى باستماتة إلى الفوز ولكن نهال أحرزت فوزاً قضى عليه وكسر غروره الذي عجزت سنوات الفراق عن كسره؛ لطالما انتظر عودتها بثقة لم تتزحزح لكنها لم تعد ولن تفعل 


دقائق تعدو وتهرول في عقبها ساعات ويامن لا يتحدث؛ وقف الى جوار والده يتلقيان العزاء بثبات كاذب فهو على شفير الجنون؛ عقله لا يستصيغ ما يقال؛ لمَ يتقدم إليه هؤلاء بالعزاء وكلمات المواساة المعتادة التي تلقاها من قبل عندما فقد رأفت. 


وانقضى العزاء وعاد كل إلى حياته وهرول يامن الي داخل القصر وكأنه يبحث عن ملاذ يحميه ولكن أين هو؟ 


لحق به جمال فهيئة ابنه لا تبشر بالخير وصموده غير مبرر 


كان يبحث يمنة ويسرة عن شئ ما؛ بينما جمال  تحمله قدماه بالكاد. 


حمل يامن بعضاً من ملابسه بصورة عشوائية ودفعها بعنف داخل احدى الحقائب، فتح عدة ادراج أمامه وعندما لم يجد ما يريد اصابته عين الحقيقة وادرك واقعه 


صاح متأوهاَ ويداه تطيحان بكل ما يراه أمامه؛ يبكي بحرقة ويصرخ متألماً 

تطلع الي صورة معلقة أمام ناظريه بغضب وحدة 

صارخاً بمن فيها قائلاً :

هل انت راضٍ الان؟ لقد استطعت بالكاد العيش دونك ولجأت اليها فاطمئن قلبي؛ لمن ألجأ الأن يا رأفت؟ هل أتت أمي إليك وتركتني من جديد؟ 


اقترب جمال منه بحذر قائلاً:

يامن؛ بني؛ هون عليك. 


يامن دون وعي:

لمَ؛ كيف انتهى بنا الحال هكذا؟ 

لقد قضيت طفولتي وصباي أكرهها؛ كلما رأيت طفلاً تحتضنه والدته كنت ابغضها أكثر؛ لقد كنت اتمادى في نزواتي وأخطائي كي أحزنها؛ كنت اعاقبها كونها تخلت عني؛ لكن بعدما عدت إليها واحتضنتي نسيت كل ما مضى؛ لحظة واحدة بين يديها أعادتني طفلاً واستطعت البدء من جديد.... 


وأنا الأن في أمس الحاجة إليها؛ لمَ 

يا إلهي ما أشعر به لا يحتمل؛ لا طاقة لي به 


صاح بكل ما به من حزن وغضب ورفض ولم يجرؤ جمال على ضمه إليه لكنه تساءل في ضعف قائلاً:


هل تكرهني يا يامن؛ أعلم أن ما اصابكم جميعا يرجع اليَ وحدي ولكن اقسم لك أنني اتمنى الموت الأن اكثر من أي شيء أخر؛ لم يخيل اليَ يوماً ما أن تنتهي حياتنا هكذا 

يامن بتيه 

عليَ السفر الى الخارج؛ لن أبقى هنا فلم يعد من أحد يبقين. 


جمال بتردد : وزوجتك؟ !!!


قهقه يامن بحزن وانكسار قائلاً :

لم أدرك سوى اليوم أن هروبها كان الحل الأمثل لسعادتها فأنا شخص ملعون؛ من يقترب مني نهايته الموت 


جمال : زوجتك لم تهرب. 


لم يعره يامن اهتماماً فعقله قد لجمته الصدمات وبات غائبا مع من غابت... 


استمر يامن في جمع ما تطاله يداه ويدسه بحقيبته لكن جمال قد فقد صموده الواهن فسقط أرضاً يتنفس بمشقة وقد تبدلت ملامحه وكأنه يصارع الموت 


انحنى يامن مسرعاً اليه يتطلع إليه بعيون جاحظة خلع عنه رابطة عنقه وبدأ في تدليك صدره بقوة وتخبط وكأنه لا يعلم ما يفعله..... 


امسك جمال كفه بضعف وللمرة الأولى تنهمر دموعه بلا توقف قائلاً :


لا تخف؛ أنا فقط متعب؛ استمع الي جيداً ولكن أرجو ان تلتمس لي العذر يوما ما.... 


تنفس باجهاد قائلاً:


لقد قمت بتهديد قمر؛ جعلتها ترى الجانب الحقيقي من وجه جمال رشدان؛ الوجه الذي تسبب من قبل في قطع كل السبل بيني وبين نهال 


يامن بضعف : ماذا فعلت يا أبي ؟


جمال : أخبرتها انك لن تحتمل؛ سترجع الى عالمك وتتركها؛ جعلتها تشاهدك انت وسوزي تتبادلان القبل؛ أخبرتها أنها لا شئ 

لكنها لم تتراجع ولم تصدق 


يامن بتعجب : إذاً لمَ لاذت بالفرار؛ لم تخلت عني؟ 


ظل جمال عاجزاً عن الرد؛ فما يقوله لا يغتفر لكنه سيفعل ما طلبته نهال؛ لن يبقى حائلاََ بين ابنه وسعادته 


قص جمال على مسامع يامن ما حدث بينه وبين قمر تفصيلا ليهتف يامن باحتقار:


أتعلم؛ لقد توقعت انك من تسبب في اختفاء قمر؛ ظننت الكثير من الأمور لكن مطلقاً لم يخيل اليَ ما تقول. 


أنا لم يعد بداخلي ما يمكن كسره؛ أتعلم أنا لا اكترث لمَ فعلت ورغم ما حدث لن يغير من واقعي شيء؛ لقد اختفت زوجتي وفقدت والدتي ودمرت كلياً؛ هل انت راض هكذا؛ هل نلت مرادك؟


جمال بدمع متحجر يأبى الاستسلام

لم أنل شيئاً يابني؛ لقد خسرت كل نفسي وروحي بغياب نهال. 


🔸🔸🔸🔸

صاح عثمان بغضب مصطنع رافضاً سفرها بصحبة قمر ليقول بهمس يأثر مشاعرها

وكيف لي ان أبقى دونك؛ هل يحيا عثمان دون نجمته


ازداد خفقان القلب وتسارع وجيبه لتبادله الهمس بدلال قائلة:


عثمان؛ هل يطاوعك قلبك أن اترك قمر في وقت كهذا؟؛؛ تعلم أنها تدعي الصلابة بينما هي ترتعد خوفاً


عثمان بمشاكسة:وماذا عني يا نجمتي؟

علياء بحب : انت سندي وزادي في كل وقت.


عثمان بصدق:

ومحال أن يخذلك عثمان؛ سوف نذهب سوياً؛ وعقب اتمام الجراحة نرجع الي هنا ولكن هناك شروط غير قابلة للرفض قبل السفر


علياء بتزمر : وما هي؟

عثمان : ان تكفي عن الحركة دون داع؛ عليك أن تولي طفلي مزيداً من الاهتمام

علياء : وماذا بعد؟

عثمان : وان تضاعفي اهتمامك بوالده المسكين

علياء : انت مسكين؛ انت!!!

عثمان : أنا العاشق لعينيك يا عليائي


قهقهت بسعادة وشاركها عثمان الضحكات فقد صاما سنوات عن الضحك؛ صيام دائم لم يتخلله إفطار حتي كادت الأنفس أن تهلك فمنَ الله عليهما ببئر نبعه لا ينضب فأخذا ينهلان منه بلا ملل....


...................... 

ترددت قمر في الحركة فعادت ادراجها تحتضن علياء بقوة تلتمس بعض الثبات فبادلتها علياء بحب قائلة:


لا تخافي حبيبتي؛ نحن هنا بانتظارك؛ هيا اذهبي لترجع إلينا قمر السماء مرة اخرى


ساعدتها فتاة من هيئة التمريض وتوجهت الي مصير تطمح في اشراقه....


ثلاث ساعات امتدت إلى اربع وبدأ القلق يتسرب الي قلب علياء لكن عثمان كان إلى جوارها يتحدث إليها بتشجيع إلى ان فتح باب العمليات وخرج يوسف بصحبة باقي الاطباء....


هرولت علياء فاستوقفها عثمان بحدة طفيفة قائلاً:

اهدئي يا علياء بالله عليك


تريثت قليلاً وتراجعت عن تسرعها واسرع هو قبالة يوسف ومن معه


ابتسم يوسف بعدما ازاح عن وجهه كمامته؛ ابتسم عثمان بارتياح ليتساءل:

هل قمر بخير؛ كيف هي النتائج؟


يوسف بسعادة طالب أراد ان يرد دين قديم لاستاذه؛ ذاك الرجل الذي كان عاشقاً للعلم واعطاءه لتلاميذه دون مقابل؛ لقد تتلمذ علي يديه كان يراه أبا وقدوة؛ طفل يتيم لا أحد يؤازره سوى والدته ووالد قمر....


يوسف : حمداً لله لقد تمت الجراحة بنجاح ولكن ينبغي ان تبقي قمر بعيدأ عن أي مصدر للضوء او الإجهاد الزائد إلى أن يقوم الطبيب بإزالة الضمادات والشاش ونرى النتيجة النهائية


علياء بترقب : متى يا دكتور؟ متى يتم ذلك


يوسف : بعد يومان ان شاء الله....


تنهدت علياء بسعادة وتمني أن ترجع قمر كما كانت وينتهي ما تحياه من الآلام المتتابعة.... 


وبالداخل كانت قمر بين اليقظة والنوم اثر عملية التخدير المرافق للجراحة تتخيل أمامه يامن يطالعها باشتياق  


تحدثت بضعف تعاتبه باكية بخفوت : لقد رأيت خيانتك بعيني.... 


لقد مزقت بيني وبينك كلّ السبُل فدعني وشأني.. 


هتف بجدية وتأكيد : لقد اعترفت لكِ من قبل بكل شئ ولم أخفي عليكِ أمراً.. وشئتِ أم أبيتِ أنتِ لي وتعلمين يقيناً أنني لم أخنكِ 


أدمعت عيناها وتحدثت برجاء :


أحقاً لم تخن؛ ولكن كيف وقد رأيت بعيني؟ 

ضمها إليه فغابَ كل شئ حتي غضبها الكاذب اختفى مبتعداً لتضمه هي الأخرى قائلة :


لم أصدق اي شئ؛ أنا أثق بك وأعلم انك تستحق ولكن أين انت ولم تأخرت 


اجابها بصوت ضعفه مميت قائلاً :


ارجعي إليَ فأنا على شفا الموت؛ احتاجك يا قمر 


غاب طيفه عنها وبحثت عنه دون جدوى دقائق واستمعت الي بعض الاصوات من حولها ميزتها علي الفور فهذه علياء وزوجها... ولكن أين يامن 


أدركت قمر ان ما حدث ماهو إلا حلم... فتحت عينيها رويداً رويدا إلى أن التقت بعيني علياء ووجهها الباسم لتبادلها الابتسامة بتعب قائلة :


أنا بخير يا علياء لا تقلقي؛ عادت لتغمض عيناها مرت اخرى تتوق الي رؤيته من جديد ولكن ليس بعد.....


🔸🔸🔸🔸🔸

زحفت ببطئ قاتل تتلفت حولها بفزع لقد استطاعت الهرب بعدما تركها وذهب الي عمله؛ لقد قضت بصحبته أيام قليلة توازن ما مضى من عمرها بأكمله؛ لم تشعر من قبل بتلك المهانة ولم يداهمها ذاك الخوف الشرس؛ لقد وقعت في شر أعمالها دون شك....


ابتسمت بعدما لاح أمامها سيارة تقترب؛ استجمعت كل ما تبقى لديها من قوة ووقفت علي جانب الطريق تلوح بجنون وصخب لتلك السيارة لعلَ صاحبها يساعدها ويأخذها بعيداً عن تلك المنطقة النائية


ترجل عادل من سيارته بخطى غاضبة غضبها كبرق السماء في قوته؛ هرولت هي مسرعة لا تعلم أين تختبئ لكنه ودون جهد يذكر امسك بخصلات شعرها المتطايرة خلفها يجرها إليه يتوعد بانتقام يناسب فعلتها فكيف تجرؤ علي الهرب من عرينه


اخذت تصرخ وتتوسل أن يتركها لكنها لم تنل منه اجابة بل اكتفى بالنظر أمامه بترقب وكأنه يستحضر عقاباً مناسباً لها... 


ألقاها عادل بعنف لا يحتمل داخل البيت وتوجه اليها بعيون شامتة بينما هي تتراجع الي الخلف ترجوه ان يبتعد ولكن هيهات فقد باتت له إدماناً يساعده علي البقاء وتخطي معاناته منذ الصغر علي يدي زوجة والده.... 


🔸🔸🔸🔸

اعتكف في غرفته يطارده أطياف الماضي وحنين لا يعرف الرحمة يعتصره بقسوة يعنفه قائلاً'


لمَ انتظرت؛ لقد فقدتها إلى الأبد؛ أرأيت كيف صرنا لقد باتت ماضياً وبقيت انت وحيداً


أغمض جمال عينيه يسترجع ما كان بينهما؛ كيف التقيا ومتى حاصرها بحبه وجنونه إلى أن استسلمت وسلمته حياتها فأطاح بها من فوق الذرى....


حلقت روحه إلى الأعلى حيث تذكرها منذ سنوات في نفس المكان وذات الفراش الذي لم يجرؤ علي استبداله؛ تحمل بين يديها رأفت لحظة مولده؛ لقد بدت كشمس لن تغيب شمس اشراقها دافئ يطرد الخوف. 


كم كانت ابتسامتها عذبة مطمئنة واثقة أنه لن يخذلها....... 


كم جاهدت لجذبه الى بر الأمان وكم جاهد هو في افشالها؛ لقد سعت ولم يسع هو مطلقاً؛ توهمت انه سيتغير وما كان ليفعل فرغبته في التغير كانت هشة؛ ضعيفة كسرت سريعا وعاد مهرولاً الى دنياه لكنه احتفظ بها داخله في ركن لا يمسه تلك الغوغاء؛ جزء لم يلوث ولكنه اختفى بموتها وسكنه حسرة وندم مذاقهما شديد المرارة....


ضم بين يديه بضعة أوراق وتحدث إلى نفسه قائلاً :


أوراق بائسة يا جمال؛ حفنة من اللاشئ اضعت عمرك بأكمله في الحفاظ عليها؛ إرث لا حدود له اجتهدت في الحفاظ عليه وفقدت روحك ودهست من أحبك من أجله


ها أنا امتلك بين يدي ثروة لا حصر لها؛ أموال محال أن أفلح في إنفاقها لكنها تعجز عن اعادة من رحلوا 


سامحيني يا نهال؛ سامحيني فقد ظلمتك عندما وقعت رغماً عني في عشقك واستمر ظلمي لك بعدما سعيت إلى وصالك وامتلاكك؛ لم يخيل اليَ أن الاستقامة أمر مهلك يصعب على امثالي التمسك به فهي كحد السيف قليل من يحتمل ويبقى علي العهد أما أنا فضعفت ولم اطق صبراً 


أعاد التدقيق إلى ما بيده قائلاً :


لقد آن الأوان؛ عليَ الرحيل فلم يعد لدي ما يبقين 


اقترب بخطواته من غرفة يامن؛ طرق الباب بضعف وكالمعتاد لم يقابله سوى الصمت.... 

دلف بحذر باحثاً بعينيه عن يامن فوجده واقفاً بالشرفة يتطلع الى السماء... 


تحدث جمال بهدوء قائلاً:

يامن؛ هلا أتيت إلى هنا قليلاً؟ 


استدار يامن بتعجب قائلاً :ما الأمر؟ 


التقيا في منتصف المسافة فمد جمال يده بالأوراق التي يحملها قائلاً:تفضل 

يامن : ما هذا! 


جمال بصعوبة وكأن الكلمات باتت تؤلمه : تلك أوراق ملكية لكل شئ؛ لقد تنازلت لك عن كافة ممتلكاتي؛ عليك بالتصرف بها كما تشاء وانا علي يقين انك ستحسن التصرف وتفعل ما عجزت أنا عن فعله؛ اجعل من تلك الثروة مصدر لسعادتك واياك ان تجعلها تمتلكك بل افرض سيطرتك عليها واكبح جماحها.... 


يامن برفض : أنا لا أريد أي شئ؛ لم يعد لي رغبة في مال ولا سلطة... 


جمال بغضب : اياك واليأس يا يامن؛ هل تسمع اياك واليأس فما اوصلني الى ذاك المسخ الذي أمامك يأسي من الاستمرار والتغير الى شخص افضل؛ يأست ومللت سريعا إلى أن عدت الى سابق عهدي أسوأ بكثير مما كنت عليه؛ أقلعت عن ادمان المعصية وسرعان ما رجعت اليها بشراهة ونهم؛ اياك ان تياس هل فهمت؟ 


ابتلع يامن ريقه بصعوبة وألم مما آل اليه حال والده فمن يقف أمامه الأن ليس جمال رشدان بل صورة باهتة منه. 


احتضن جمال يامن بقوة تضاهي قوة تألمه معتذراً بصدق ورحل مرة اخرى لا يجد سبيلاً يسلكه....


🔸🔸🔸🔸🔸

ومن يتألم يعانده الوقت فلا يمضي ويقف بوجهها بشموخ يتحداه أن ينعم براحة فهو له بالمرصاد....

كان جمال يرجو النوم ان يأتيه لكن جافاه ولم يرق له 


بينما يامن تعلو وجهه هموم قاسمة لكنه لم يستسلم؛ بدأ البحث عنها من جديد؛ يسعى الى الوصول إلى بيت علياء تلك وكأنها طوق النجاة الأخير بالنسبة له. 


اقترب الخادم من مجلسه قائلاً باحترام:


اعتذر إليك سيدي؛ هناك طبيب يدعي يوسف راغباً في مقابلتك


هب يوسف واقفاً بانتباه قائلاً :


دعه يدخل سريعاً يا فايز؛ واحضر لنا بعض القهوة 


لحظات واقترب يوسف ملقياً التحية مادداً يده بالسلام قائلاً:

السلام عليكم دكتور يامن؛ البقاء لله. 

أعتذر فقد تأخرت في تقديم واجب العزاء.


يامن : الدوام لله دكتور يوسف؛ لا داع للاعتذار.


يوسف بتردد : لقد أتيت إليك رغم ان الوقت غير مناسب إلا انني قطعت لك عهداً ان أخبرك بما يخص قمر. 


تبدلت ملامح وجهه وهب واقفاً باتجاه يوسف ينظر إليه بترقب قائلاً:

هل أتت إليك؛ رأيتها؟


يوسف مبتسماً : لقد جاءت قمر إلى المشفى كي تخضع لتجميل.


يامن بخوف ورفض : لا تفعل؛ لا تستمع إليها؛ بالتأكيد هي خائفة مما فعله أبي واتخذت قرارها


اياك ان تستجب لها؛ هيا بنا سآتي معك واعيدها سالمة. 

يوسف بدهشة : ممَ انت خائف؟ 


يامن : هل تمزح؛ تلك الجراحات ليست آمنة كلياً؛ هل اتركها تغامر بشئ كهذا من أجل ارضاء الغير؟ لا طاقة لي بمزيد من الفقد. 

قالها بصوت مذبذب فأدرك يوسف مخاوفه


فتحدث بلين قائلاً :

وربما تنجح الجراحة وتستعيد جمالها السابق


يامن بغيرة وغضب:

وهل انت على دراية بجمالها السابق!!؟


تنحنح يوسف في حرج قائلاِ :

لم أقصد ولكن كما تعلم قمر هي ابنة استاذي السابق وبالطبع رأيتها كثيراً فيما مضى. 


تغاضى يامن عن تلك النقطة قائلاَ:

أين هي الآن؟


يوسف : بالمشفى تنتظر تحديد موعد للعملية

يامن بلهفة :هيا بنا؛ لنذهب اليها...


.................. 

اقتحم الغرفة دون انذار فاشتياقه اليها فاق حدود المنطق والتعقل، لكنه صدم بشدة عندما لاحظ ما يدور من حوله قمر بسرير طبي وذراعها معلق به محاليل دوائية؛ علياء تنظر اليه وتبتسم وكأنه قد وقع في فخ ما... 


التفت يامن الى يوسف لكنه قد غادر ولم يبق سوى قمره التي تصر علي جنونه وعلياء! 


استأذنت علياء في الانصراف ولم تستمع الى صوت أحدهما فكلاهما لا يدرك ما يدور من حوله.. 


اقترب بحذر فازداد القلب خفقاناً 

تحدث بصوت شجي متعب


قمر؛ لمَ ابتعدت؟ كيف تخليت عني؟ 

قمر بحب : لأني أحبك. 

يامن بحزن : ومن يحب إنسانا يذبحه ويتركه ينزف حتي الموت 


قمر بلهفة : بل يفديه بروحه؛ ولا يمسه سوء. 


يامن : لقد تركتني؛ لم أكن على قدر المسؤولية وإلا ما هربت خشيت أن يؤذيكِ والدي؛ لو أنك ترين بشخصي أماناً وقوة لما هربت


قمر بصدق : بل هربت ثقة بشجاعتك وعشقك؛ ولكن الخصم ما هو إلا والدك؛ هل كنت تتوقع أن اخيرك بيني وبينه؛ اخبرك بما قاله فتنتهي علاقتكما. 


لقد فقدت أبي وأمي وأدرك ما لهما من مكانة وما كنت لأحرمك من بر والدك ورضاه. 


اختنق صوتها ببكاء خافت فلم يقو على الاستمرار في عتابه بل القى بنفسه إليها يحتضنها بجنون عاشق وبكاءه وكلماته غير مفهومة؛ مسدت فوق رأسه تتحسس شعره بحنو لكنها صعقت بعدما قال:


لقد ماتت أمي؛ صرت وحيداً واعتقدت ان غيابك نهايتي؛ أمي لم تعد معي وانت هربت وانا تائه. 


قمر : كيف ومتى؟!!


استمر بكاءه ولم يجد ما يقول فخوفه من فقدها مرة أخرى جعله كطفل في وسط الزحام؛ وتنهدت هي في حزن من أجله فأثرت الصمت إلى أن يهدأ قليلاً:


أخذت تهدهده بحب إلى أن غفا بين يديها وكأنه لم يذق النوم منذ سنوات؛ ذهب في ثبات عميق للغاية فأخذت تتأمله؛ تتشرب ملامحه بتأني وسعادة؛ انحنت تقبل جبهته برقة تنتظر ان يفيق ويكملا حديثهما. 


#الخاتمة

#خسوف_القمر

#نداء_علي

#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


الخاتمة وانتهاء الخسوف لبعض الشخصيات....


🔸🔸🔸🔸🔸🔸

دمجت الجزء التاني من الفصل مع الخاتمه 

ابتسمت علياء وتحولت ابتسامتها الى ضحكات عالية إلى أن نهرها عثمان بلطف نابع من غيرته قائلاً:


علياء نحن ما زالنا بالمشفى؛ اخفضي صوتك قليلاً.


تنحنحت بحرج قائلة:


عذراً حبيبي لكن قمر ماكرة للغاية؛ لقد تخيلت للتو صدمة يامن عندما يرى وجهها وقد تبدلت كليا؛ كم أتوق إلى رؤية رد فعله


عثمان : اظن انكِ محقة؛ أنا أيضا يدفعني الفضول لتتبعهما ورؤية ما يدور


قهقهة علياء لكنها تداركت الأمر وكتمت فاها بيده قائلة:


اتمنى لهما دوام السعادة وألا يدق الفراق بابهما مجدداً


عثمان بجدية : نحن وإياهم يا عليائي


...................


انتبه بفزع عندما فتح باب الغرفة فتحرك بخفة مبتعدا عن حجرها وملامحه مازالت يغلبها النعاس؛ تطلعت اليه بحب قائلة:


اجلس يا يامن حتي تستعيد تركيزك


هز رأسه نافياً قائلاً :هل اتى الطبيب؟ 

قمر : لا لقد كانت احدى الممرضات. 

يامن بحرج : لقد غفوت ولم أشعر بشئ.

 

مدت يدها اليه فاتحة ذراعيها قائلة :

اقترب مني؛ لم ابتعدت؟


يامن : لا أريدك ان تجري تلك الجراحة؛ لن اتحمل مزيداً من الألم والخوف؛ أنا احبك كما انتِ فلمَ تصرين علي عذابي


ازدادت عشقاً له؛ وازداد خوفاً عليها بعدما جذبته بسمتها الناطقة بمقلتيها؛ اقترب ينزع عنها نقابها يتوق الي رؤيتها فمنعته قائلة:


عندما نرجع إلى البيت؛ انتظر قليلاً فالطبيب قد يأت بعد قليل سأخبره برغبتي في الخروج وأنني قد تراجعت عن اجراء الجراحة. 


اقتنع يامن بما تقول وغفل عن نظراتها الماكرة الجديدة كلياً عليها ليجلس جوارها منتظرا قدوم الطبيب ومغادرتهما لينعم بقربها دون مقاطعة.....


🔸🔸🔸🔸🔸

ورغم حزنه المهلك لرغبته في الحياة إلا أنه اعتاد ادعاء الثبات .... 


وجه كلمات مقتضبة الي راشد قائلاً:


حسناً يا راشد أخبره أنني بانتظاره في تمام السادسة. 


راشد بتردد :

هل أنت بخير سيدي؟ 


جمال بجدية : هل لي بطلب منك يا راشد؟ 


راشد : بالطبع سيادتك أوامرك مجابة. 

جمال : لا أريد منك تنفيذ أمراً بل يمكنك القول إنه رجاء. 

راشد بدهشة : حاشا لله؛ تفضل سيدي وقل ما تشاء. 


جمال : لقد عملت معي لسنوات ومن قبلك كان والدك وتعلم أن ثقتي بك لا حدود لها لذا اتمنى أن تبقى في ظهر يامن ان حدث لي مكروه فكما تعلم المتربصون به كثر. 

راشد : أطال الله عمرك سيدي وكن علي يقين أنني أفديه بروحي إن اقتضى الأمر.

اومأ جمال مشيراً إليه بالانصراف وأغمض عينيه يستجمع تركيزه من أجل مقابلة طاهر عبيد. 


بعد أن القى طاهر التحية تحدث إلى جمال دون مواربة قائلاً:


لقد اتفقنا أن يامن وسوزي مصيرهما واحد؛ وأنت من طلب يدها للزواج بابنك فكيف

 يجرؤ ويتزوج بأخرى؛ ألا يدرك حجم فعلته! 


جمال بتروي مهلك :وماذا بعد؟

طاهر بتسرع : عليه بترك تلك الفتاة والاعتذار إلى سوزي. 


جمال : هل رأيت من قبل يا طاهر بيك أسداً يفر هارباً أمام قطيع من الغنم؟ 


ابتلع طاهر ريقه بتوتر متسائلاً:

لم أفهم مغزى سؤالك.!!


جمال بهدوء:

من نقل إليك أخبار القصر وما يدور به بإمكانك أن تبحث عنه فقد القيت به خارجاً بعدما استطاع راشد الامساك به. 


نعم أنا حزين من أجل وفاة زوجتي وزهدت كل شئ لكن الغابة قانونها واحد كما تعلم

لا مكان للضعف ولا تساهل مع الخونة؛ هل أتيت إلى هنا؛ إلى عرين الأسد وتهدد بايذاء ولدي؛ يامن رشدان


يبدو أنك قد خيل إليك أنني غافل عما يدور من حولي؛ سأخبرك كلمات عليك أن تعيها جيداً من يقترب من مملكتي ادهسه بلا شفقة يا طاهر؛ وأما ابنتك فهي من عرضت الأمر مراراً وأعلنت عشقها ليامن. 


طاهر متراجعا عن حدته :

جمال باشا لقد أسأت فهم كلماتي؛ بالطبع انت كنت ومازالت مصدر قوة لنا جميعا ولكن ابنتي في حال سئ للغاية. 


جمال : أخبرها أن يامن لن يترك زوجته وانتهى الأمر؛ ابني لا يمكن لأحد اجباره علي ما لا يريد... 


طاهر بطاعة :

دعنا من تلك التفاهات واخبرني هل اعتمد عليك سيدي في الانتخابات القادمة


جمال بغرور : ومنذ متى وانت تسأل؛ لقد اعطيتك كلمة من قبل وعليك بانتظار الدورة القادمة دون خوف؛ ولا تنسى يا طاهر ان يامن عما قريب سيصبح مسؤولاً عن كل شئ فلا تغضبه وتسعى إلى عداوته. 


🔸🔸🔸🔸🔸

تحركا بسيارته لكنه لم يذهب الي بيت والدته فقد صار من المستحيل أن يحيا بين جدرانه بعدما فقدت نهال حياتها بداخله 


لكن قمر انتابها الخوف والفزع عندما شارفت السيارة علي الوقوف أمام قصر فخم هيئته مهيبة لم تأت إليه من قبل... 


تحدثت بوجل متسائلة:


لمَ أتينا الي هنا؛ ولمَ لم نذهب الي بيت السيدة نهال؟ 


يامن بحزن : لقد قتلت أمي بداخل ذاك البيت فكيف تطأه قدماي؟ 


قمر بعجب : قتلت! ما الذي حدث يا يامن أنا خائفة؟ رفعت يدها تتحسس وجهه بخوف وترقب قائلة :


ما الذي أصابك؟ أنا أسفة؛ لم أكن إلى جوارك وقت فقدك لوالدتك اعتذر إليك يا حبيبي.

 

ابتسم مرغماً واحتضن كفها بتملك وترجلا في صمت؛ يشعر هو ببداية جديدة وتشعر هي باكتمال روحها بعدما عادت إليه ولكن أبت قدماها التقدم عندما تخيلت مواجهتها الحتمية مع جمال. 


التفت يامن اليها متسائلاً :لمَ توقفت هنا؟ 


قمر بتوتر : أنا لا اريد العيش هنا؛ والدك لن يسمح بذلك. 


يامن بحزن وانكسار : أبي لم يعد جمال رشدان الذي رأيته من قبل؛ لقد ماتت من كانت تمده بالقوة والثبات دون أن يدري؛ لا تخافي فهو من طلب اليَ احضارك الي هنا لأنه قد قرر السفر الي الخارج والبقاء هناك وقد حاولت اثناءه عن رأيه دون فائدة


.......................... 


لم يكن من اليسير أن يتقبل عقل قمر ما يراه من ترف وثراء فاحش خيل إليها أنه خيال ليس إلا. 


استدارت إلى الخلف ناظرة إلى يامن بتعجب وحزن قائلة :


لقد التمست لوالدك العذر من قبل فيما قاله ولكني الأن عاجزة عن وصف ما أشعر به؛ لمَ يا يامن وكيف تتنازل عن كل ما أراه الأن من أجل فتاة مثلي أنا؛ انت كما الأمراء؛ عالمك خيالي إلى حد مثير للرهبة. 


اتحضنها يامن بحب فدفعها الحياء وشدة الخجل إلى دفعها بضعف قائلة:


ابتعد قليلاً؛ لا يجوز ان تقترب هكذا. 

يامن بثقة : انت زوجتي. 

قمر بصوت خفيض : ليس بعد


زمَ شفتيه بعبس فبادلته بنظرات شقاوتها ساحرة.. 


تحدثت إليه متسائلة :هل انت غاضب مني؟ 

يامن : أجل أنا غاضب للغاية. 

قمر : إذا أصالحك ولكن اغمض عيناك أولاً. 

يامن بمشاكسة : أأنت واثقة؟ 

قمر : هيا؛ لا تكن مشاكسا واغلق عيناك. 


استجاب لمطلبها واضعاً يده فوق عينيه ينتظر تلك المفاجأة


تطلعت قمر بترقب إليه لتخلع نقابها وتكشف الستار عن وجهها.... 


عيناه احتضنتا ملامحها بدهشة مد اصابعه يتحسس بشرتها برقة وحذر لا يصدق ما يراه ليهمس بضعف

متى؟ وهل ما حدث منذ قليل كان فخ وقد وقعت به!!!!


ابتسمت بسعادة قائلة:

ليس فخاً بل مفاجأة؛ وإلى حد ما مكافأة.


يامن بدهشة:مفاجأة بالطبع ولكن مكافأة علام؟!!


قمر بصدق : انك أحببتني كما أنا؛ أحببت قمراً وقت خسوفه ولم تلق بالاً لأي شئ بل اكتفيت كونه قمر.


ازدادت ابتسامته اتساعاً وأدمعت عيناها لتتحرك بخفة وهي ممسكة بيده تسأله بلهفة

أود رؤية وجهي، هل أبدو جميلة؟


يامن بدهشة : لم ترِ وجهك بعد!


قمر : لقد انتظرتك؛ تمنيت أن أرى وجهي بعينيك أولاً.


يامن بحب : اجلسي أولا؛ ومن ثَم نتحدث علي مهل.


اقتربت قمر لتجلس إلى جواره لكنه باغتها بضمها اليه بعدما أجلسها في حجره


قمر برفض قاطع : يامن ما الذي تفعله؛ منذ متى وانت وقح هكذا؟ 


يامن بقرب مهلك : منذ أن تركتني وهربتِ دون رأفة بي؛ لقد أصابني اليأس أن أراكِ مرة ثانية وآن وقت العقاب.


واستمر عقابه إلى أن دق ناقوس الخطر برأسه فابتعد عنها مرغماً يتوق إلى المزيد بينما كانت هي مغيبة وكأنها في حلم لا تريد الاستيقاظ منه مشاعر جديدة تولدت بين يديه وعلي يديه ذاقت أولى ثمرات العشق عندما قبلها وكأنه بلمساته قد ألقى عليها تعويذة سحرية جعلتها كالطفلة التي لا تجد الأمان سوى بين أحضانه.....


استجمع يامن بعضاً من قوته بعدما انقطعت انفاسه من فرط مشاعره؛ ابتعد عنها علي مضض ونظر إليها محاولاً اخراجها من حالة الخجل المفرطة التي احاطت بها قائلاً:


تعلمين أنني أحبك أليس كذلك؟!


لم تستطع اجابته فقد اختطف كامل وعيها بقبلته الجامحة لكنها همست بتوتر :

أجل أعلم. 


يامن مبتسماً : أنا أريدك ولم يعد لي طاقة علي الانتظار. 


قمر : ماذا تقصد؟؟

يامن : أقصد ان تبقى هنا؛ معي إلى الأبد؛ همس بحب

أريد أن تصبحي زوجتي أمام العالم بأسره بعدما تتماثلي كلياً للشفاء. 


قمر : ولكن أنا خائفة

يامن : ممَ! 

قمر : اخشى أن تزهد في قربي فيما بعد؛ يا إلهي أنا عاجزة عن الشرح؛ يامن انت زدت حيرتي بمجيئي إلى هنا؛ انت تسكن داخل قلعة مدججة بالحرس....


يامن بعد قليل من الصمت:

هل شاهدت من قبل قصة الجميلة والوحش

قمر : بالطبع


يامن : أتعلمين ان ذاك الوحش كان فيما مضى أميراً وسيما ينعم بكل ماهو جميل في الحياة إلى أن أصابته لعنة فصار مسخاً وابتعد عن عالمه وانزوى داخل قوقعته ينتظر تلك الفتاة المنتظرة والتي بيدها سر حياته ودرأ اللعنة...أنا أشبهه كثيراً


قمر بهيام : وهل انت وحش؟!!


يامن مبتسماً : كنت؛ كنت قبل أن ألقاك؛ انت هي من أعادت الي الأمير الملعون رغبته في الحياة


🔸🔸🔸🔸🔸

كادت علياء أن تغادر المشفى بعدما اطمأن قلبها واكتملت سعادتها بسعادة قمر لكن عثمان استوقفها قائلاً:


تمهلي يا نجمتي؛ لقد حجزت لك موعداً لدي الطبيبة النسائية كي نطمئن علي صحتكما. 

قالها واضعاً يده فوق رحمها برقة وكأنه يخشى ايذاء جنينها... 


ابتسمت بخجل قائلة:

لمَ يا عثمان؛ المشفى هنا تبدو 

لمَ يا عثمان؛ المشفى هنا تبدو باهظة التكاليف وكان بإمكاننا الكشف لدي احدى طبيبات البلدة. 


رفع عثمان حاجبه مستنكراً؛ اقترب منها ومال بجزعه هامساً إليها 


ألم أخبرك من قبل أن زوجك لديه من المال الكثير بفضل الله؛ لقد قضيت سنوات في الغربة اعمل دون ملل دون انقطاع؛ كنت اسعى إلى شغل وقتي كي لا يؤلمني قلبي المشتاق الي علياء ورؤياها. 


ابتسمت بخجل وقالت :وهل فلحت محاولتك؟ 


عثمان : لا ورب بل ازداد الحنين وتعلق القلب اكثر وأصبح لدي يقين لا أعلم مصدره بأن ما أجنيه من أموال سأدفعه إليك مهراً؛ او ربما كنت أمني نفسي بذلك عله يرفق بي قليلاً 


علياء بحب : لقد أمرنا الله بالطمع في رحمته وكرمه وربما تشبثنا بالأمل هو ما جمعنا من جديد... 

 

اكتفى بالموافقة وكيف لا يوافقها وقد قضى ليال لا تحصى يناجي ربه أن يعيدها إليه وقد كان له ما تمنى وزيادة. 


🔸🔸🔸🔸🔸

تراجعت راوية قليلاً عن حدتها تجاه زوجة ابنها تسعى الي التغيير؛ ربما تفلح وربما تتعثر ولكن ما يهم أن نسعى.... 


ابتسم جاسم بعدما أعربت والدته وللمرة الأولى عن إعجابها بما أعدت نجاة من طعام ليهمس إليها قائلاً :


هل انتِ واثقة يا أمي؛ اظن أنك تتحدثين عن نجاة أخرى غير التي أعرفها  


وكزته والدته بغيظ قائلة :لا شأن لك أيها السمج. 


تعالت ضحكات جاسم وزوج والدته لتنظر راوية إليهما شزرا بينما ابتسمت نجاة بهدوء كي لا تغضبها لكن راوية فاجأت الجميع بضحكاتها المتلألئة قائلة:


جميعكم خونة؛ وانت يا نجاة لقد رأيتك تبتسمين في صمت اضحك يا فتاة كي لا تنجبين لنا طفلاً عابس الوجه كأبيه. 


قهقت نجاة بعدما ابتسم جاسم بغيظ لتكمل راوية قائلة:


لقد كان جاسم في صغره طفل يعشق النكد قليل الضحك؛ اتذكر يا رؤوف كم كنا نعاني معه ليبتسم كي نلتقط له بعض الصور 

تطلعت الي وجه ولدها فتابعت بمرح 

كما انه كان بدين للغاية. 


جاسم بغيظ : حسنا؛ أنا أعلنت انسحابي التام وأعتذر ؛ يكفي هذا القدر من الأسرار المسيئة. 


راوية : ياحبيبي زوجتك لا تعلم الكثير عن طفولتك دعني اساعدها


جاسم : لا.. أنا أرى ان نتناول الحلوى ونرجع سالمين الي بيتنا فمن الواضح ان السيدة راوية خصم لا يستهان به.


🔸🔸🔸🔸


انتهت خبيرة التجميل من تزيين قمر فاكتمل نورها وصارت في ليلة التمام.. التمعت أعين الفتيات من حولها بإعجاب تجلى في نظراتهن فكل ما يخصها مكتمل


زينتها؛ شعرها الذهبي وكأنه خيوط الشمس تحيط بالقمر؛ ابتسامتها الساحرة وفستانها الأبيض الأسطوري؛ هي بالفعل أميرة من إحدى الروايات...


دق الباب بلهفة فابتسمت باشتياق بعدما اطمأن قلبها يحضوره


دلف يامن بعدما أذنت له السيدة؛ احتواها بعينيه ولم يجد من الكلمات ما تعبر عن سعادته بها؛ مد يده وامسك بكفها رافعا اياه يلثمه بحب فتعالت أصوات الفتيات من حولهما يزغرطن بشكل مرح وتعبر كل منهن عن اعجابها بالعروسين


ساعدها علي الدخول الي السيارة والجلوس بارتياح وقاد سيارتها بهدوء موجهاً حديثه اليها قائلاً :


كيف لك أن تكوني فاتنة هكذا؛ أتعلمين لو لم تكوني منتقبة لما سمحت لك بالخروج مطلقاً ...


قمر بحب : أحبك. 

نظر اليها نظرة خاطفة دون أن يحيد عن الطريق معتذراً بصدق قائلاً :


أعلم انه يحق لك إقامة عرساً وحفل يليق بكِ ولكن لا أستطيع؛ لم يمض الكثير علي وفاة أمي 


قمر بتفهم : أنا لا أريد غير البقاء بجانبك؛ وها أنا قد تزينت وارتديت فستانا لم اتخيل يوما أن ارتدي مثله...


صمتت قليلاً لكنها تحدثت بلهفة وترقب:


انتظر قليلاً؛ يامن توقف هنا. 


التفت قائلاً :


ماذا هناك؛ هل تودين شئ ما؟

لنتوقف قليلاً أمام البحر.


استجاب إليها يامن وترجل قبلها ليساعدها بعد قليل مادداً اليها يده قائلاً:

هيا بنا. 


وقفت بجانبه تغمض عينيها باستمتاع بتلك النسمات العليلة وصوت الأمواج الهادئة وضوء القمر المكتمل في أحضان السماء وكأنه قد ولد لتوه من رحم الحياة


ابتسم يامن بمشاكسة قائلا

هل تعشقين البحر إلى ذاك الحد؟

اقتربت منه وعيناها تتحدثان الي عينيه بترقب لتهمس إليه:


لم اقترب منه منذ سنوات؛ لقد خاصمته كما خاصمتني الحياة؛ صرت أراقبه من بعيد دون مصافحة بيننا


يامن : لمَ يا قمر؟ 

قمر : كنت أخشى ان تنعكس بصفحته مأساتي؛ كنت ارتعب ان أري وجهي بمياهه الجارية؛ حرصت ان يحتفظ داخله بصورتي السابقة قبل ان يشوه كل شئ.


يامن : ولمَ أتيت الآن؟

قمر : معك أنا لا أخاف؛ لا يشغل بالي سواك؛ فانت مني كما الشمس والقمر؛ استمد منك قوتي فلا يغلفني الظلام ويخسف بي. 

لقد تخبط القلب سنوات يكابد مرارة الألم معتقدا أن الحياة قد انتهت لكنه عاد ينبض من جديد كما لو أنه في مهده بعدما التقى بك. 

انت لم تنظر الى وجهي وانا لم أنظر اليك بل باغتني قلبي والقى بنفسه إليك رغماً عني فاصبح أسيراً بين يديك. 


استمعت لصوت أغنية بجانبهم بكلمات عذبة:


"سامع صوت الهدوء ..

أنا سامعه قلبك ...ياه ياه عشان بحب

بيجري في دمي شووق...

بيجري في دمي شوق..

و أنا عمري جنبي آه، آه، آه، آه، آه

وفي قلبي حب


وحدي قاعدة على البحر

و الجو رومانسي و سحر

مع نفسي وما معيش حد

إلا اللي بحبه بجد


(يتغير عمري و يتغير (طعم الأيام

و حقيقة حبك بتفسر كل الأحلام

و أنا ليه كل ما بحتاج

شوقي يعلي الأمواج

و بوشوش في الأصداف

و ألقى البرق الخطاف


(بينور لون عينك ليّ (يحصلي هلاك

و يصور في عينيّ الدنيا كلها عشقاك


غريبة ليلة غريبة ولا في خيال

نجوم السما قريبة من الرمال

حبيب و حاضن حبيبة ياه ع الجمال

ياه، ياه ع الجمال


احتضنها ودار بها وكلما دارا تبدلت حركت الأرض وعادت الي مسارها الصحيح تاركة للقمر حقه في ضوء الشمس يرتشف منه بلهفة واحتياج ليمحي ظلامه نهائياً ويهرول خسوفه مبتعدا فيشرق وجه المضيء من جديد في عين السماء وينعكس إلينا جماله الخلاب.....


بينما أمواج البحر تعلو وتهبط تتأرجح من فرط سعادتها تتبادل فيما بينها التطلع الي يامن وقمره


وهكذا انتهى خسوف البعض وهرول مسرعاً الي أخرين يعاقبهم علي ما فات وربما يلقنهم درساً جديداً لتبدأ حياة جديدة يغفل البعض عن وجودها...


شكرا لكم واتمنى تكونوا استمتعتم بكل كلماتي وعشتوا المشاهد زي منا كاتباها ...وبكده انتهت خسوف تمت بحمد الله☺️☺️



الفصل الاول حتى الفصل الرابع والعشرين من هنا




تعليقات

التنقل السريع
    close