القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية خسوف القمر الفصل الاول حتى الفصل الرابع والعشرين بقلم الكاتبه نداء علي حصريه وجديده



رواية خسوف القمر الفصل الاول حتى الفصل الرابع والعشرين بقلم الكاتبه نداء علي حصريه وجديده 


وقفت أمام المرآة تناظر وجهها الذي لم يعد ينتمي اليها بل صار كقناع دميم منفر.. لم تر شيئاً من جمالها الماضي سوى عيناها الفيروزية التي صارت جامدة من هول الصدمات


تذكرت كلمات صديقتها الوحيدة التي كشفت السنَوات عن معدنها الأصيل؛ لم تتخل عنها مثلما فعل الاقربون بل ظلت جوارها.


لقد أخبرتها بحل مناسب لمأساتها قائلة:


عليك بارتداء النقاب يا قمر.


قمر بتعجب : نقاب؟!


علياء : أجل. انتِ لست مشوهة حبيبتي بل عليك ان تخفي وجهك لكي تحميه من تشوه المجتمع ونفوس البشر المريضة


ترددت قمر قبل أن تقول بخوف: لكن..


علياء : لكن ماذا.. تحدثي دون تردد


قمر : الا ترين انني متبرجة يا علياء، هل ارتدي النقاب ارضاء للبشر وانا من قبل لم افكر في ارضاء الله.


علياء بحب : خالقنا رحيم يا صديقتي أما البشر فلا رحمة لديهم وانت تبحثين عن عمل ولا اجد حلا سوى ذلك.


ابتسمت قمر واقتنعت بما قالت فالحقيقة واضحة، عليها أن تخفي تشوهها عن الأعين علها تحيا دون ألم جديد.


................................


كانت خطواتها متوترة وغير محسوبة لكنها تمتلك بداخلها يقيناً أن نهاية الطريق قد أوشكت علي الانتهاء لذا حاولت اعطاء نفسها مزيداً من الثقة لاستكمال الطريق الذي بدأته منذ ثلاث سنوات...


وقفت أمام الطبيب الذي نظر إليها بتقييم قبل أن يتحدث اليها باقتضاب قائلاً:



أعتذر منكِ، لقد تم تعيين أخرى قبل لحظات


رغماً عنها أدمعت عيناها واختنق صوتها وقد أيقنت أن الحياة تغلق أبوابها بوجهها مجدداً


تمتمت بصوت كسير أبى أن يصمد أمام تلك العواصف المتكررة.


لا بأس سيدي فأنا أعلم أن الأولوية لحسن المظهر وجمال الشكل ولا دخل للمؤهل ولا الكفاءة.


لم يجد رداً مناسباً لكنه لن يغامر بتعيين فتاة مشوهة الى تلك الدرجة بعيادته ويتسبب في ايذاء مرضاه؛ لذا تنحنح بحرج منهياً اللقاء قائلاً:


تشرفت بقدومك آنستي.


ابتعدت عن مجلسه وعن المكان ووقفت أسفل البناية بجانب عمود للإنارة تحتمي به من ظلام تفشى بمجتمعنا فصار سواده قاسياً وغابت عنه شمسه وقمره؛ صار مجتمعاً زائفاً يطفو فوق سماءه سحب النفاق والمظاهر الخادعة وتنبت بين أحضان تربته تنمر لكل من يحمل بهيئته اختلافاً..


تعرضت قمر منذ سبع سنوات لحادث سيارة فقدت على أثره جمالها الخلاب الذي رزقها الله به منذ الصغر وحرمها منه طيش ورعونة من شاب وهبه والده سيارة باهظة الثمن ضخمة الهيكل دهس تحت عجلاتها تلك الفتاة فشوه وجهها وأضاع مستقبلاً كان يلوح في الأفق ينتظرها بلهفة.


لتكتشف قمر منذ تلك اللحظة أن المحيطين بها نفوسهم أكثر تشوهاً من وجهها بل أن الكثيرين قد سقطت عن وجوههم أقنعةً أجادوا تصنعها سنوات مضت وبعد دخولها في قلب العاصفة تركوها وحيدة ولم يشأ أحدهم أن يمد إليها يده


انتحبت بشدة فكتمت شهقاتها بكف يدها فهو الأقرب اليها الأن وحاولت التقدم قليلاً علها تصل إلى مسكنها فتستكين بداخله


اقتربت من مشيتها إحدى سيارات الشرطة فأسرعت قمر قليلاً خوفاً من هيئة السيارة فما اصعبه من شعور أن تتعرض لظلم دائم دون ذنب تعلمه؛ تصبح مفتقداً للثقة.. خائفاً من كافة الأشياء.. تتمنى أن تبتعد فقط وتحتمي بداخلك من العالم وما فيه.. وهي الآن تخشى اقتراب سيارة الشرطة رغم يقينها أنها نقية ولم تقترف إثماً من قبل إلا أن الواقع من حولها يحملها إثماً كبيراً....


توقفت سيارة الشرطة فتوقفت قمر بدورها وعجزت عن المضي قدماً..


اقترب منها ضابط الشرطة قائلاَ بقسوة:


أنتِ ؛ لمَ تسرعين هكذا ؛ هل هناك ما تخشينه وتحاولين الهروب منه!؟


نظرت اليه بألم لن يدركه هو؛ فمن لم يتعرض للظلم لا يستشفه بقلوب حامليه لذا أجابته بخفوت..


لا سيدي أنا لم أفعل ما أخشاه لكن والدتي مريضة وهي وحيدة بالبيت لذا أسرع بمشيتي كي أصل اليها..


الضابط متهكماً : اعطني بطاقتك


مدت قمر يدها إايه برهبة جعلت يدها ترتعش لتقع البطاقة من يدها فيبتسم الضابط ساخراً وينحني أحد العساكر المصاحبين له قائلاَ:


تفضل سيادتك..


أومأ الضابط برأسه.. وازداد القهر بداخلها ولكن عليها الصمود ليس إلا...


تحدث الضابط رافضاً لهيئتها بالبطاقة والتي تخالف تماماً هيئتها الحالية قائلاً:


ما هذا؟ بالتأكيد هذه ليست أنتِ يبدو أن وراءك شئ مريب.


تحدث إلى مرافقه قائلاً:


أحضرها يا عيسى فمنذ البداية استشعرت الإجرام بملامحها.


مر جوارهم رجل وسيم حسن الطلة وبيده طفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة يبتسم اليها بود.


نظر بطرف عينه إلى سيارة الشرطة وتلك الفتاة التي بدت له مألوفة فساقته قدماه رغماً عنه وربما قلبه من فعل لينظر عن كثب إليها ليجد انها قمر.


(قمره الذي انطفأ، خطيبته في الماضي وحبيبته التي تخلى عنها بعد تلك الحادثة رغماً عنه كما يدعي إرضاءاً لوالدته والمحيطين به الذين تكدسوا في الوقوف بوجهه كي لا يتمم زواجه منها وهو بدوره استجاب لمطلبهم الذي وافق هوى نفسه البشرية التي تميل بطبعها الى التخلي.)


لم تلحظ قمر اقترابه فهي الآن تائهة لا تصدق ما يحدث.


لقد كانت في السنة النهائية بكلية الصيدلة وحيدة والديها.تمت خطبتها لمن اختاره القلب واستمرت خطبتهما عامان كانا نعيماً لا تشوبه شائبة وانتهى ذاك النعيم بعدما غاب جمالها وصار قمرها المتلألئ غارقاً وسط خسوف قاسي.


انتشلها من بين أنياب الماضي الضارية صوته الذي كانت تعشقه فيما مضي وأصبح يؤلمها همسه الآن قائلاً:


قمر! كيف حالك؟


قاطعه الشرطي بتعجب : وما شأنك أنت الآخر، هل تعرفها ؟


تحدث جاسر بثبات : أجل سيدي أعرفها فهي...


توقف جاسر وهربت من بين شفتيه الكلمات ونظر إلى قمر معتذراً فباغتته هي بقولها


أنا لا أعرفه، أرجو من سيادتك التوجه إلى المغفر كي تنتهي التحقيقات معي وأعود إلى والدتي.


بدأ الشرطي في الهدوء قليلاً فقد تعاطف معها ولا يعلم السبب، فأمعن النظر إليها ثانية ودقق بالصورة التي بين يديه ليلحظ عيناها التي يصعب أن تتشابه مع أخرى فهي كسماء زرقاء بها غيوم من حزن دفين.


تحدث بترقب إلى جاسر متجاهلاً رفض ونفي قمر لمعرفته بها قائلاً:


إذاً ما اسمها؟


أجابها جاسر بحنين : قمر عبد الرحمن القادري.


نظر إليه الضابط بتعجب ثم أعطاها بطاقتها قائلاً باعتذار :


استميحكِ عذراً آنستي، فما نراه يومياً يجعلنا فاقدي الثقة بالجميع.


أذن لها الشرطي بالانصراف، هرولت مسرعة تجاهد ألا تنهار تستجدي من قلبها التوقف عن النحيب فقد انتهى وقت الاشتياق.


لحق بها جاسر مسرعاً يناديها باسمها الذي طالما تغزل به وبها سنوات وتصم هي أذنيها كي لا تستمع إليه.


لحق بها واستوقفها ممسكاً بيدها لكنها نفضت يده عنها بقسوة وكره صارخة بوجهه بقوة تضاهي قوة غدره بها وتخليه عنها قائلة:


تباً لك إياك أن تلمسني مجدداً أيها البائس.


جاسر بحزن : اشتقت إليكِ كثيراً ياقمري.


قهقت قمر بقهر وتحدثت بدموع صارت صديقاً وفياً يأبي الهجر قائلة:


قمرك المشوه، أليست تلك آخر كلمات بيننا.


ألم تقف تستمع إلى كلمات والدتك وهي تنتعني بأبشع الألفاظ واختفيت في عقبها.


لقد تركتني بالمشفى وذهبت، تركتني وحيدة خائفة يحيطني اليأس ويطاردني شبح الموت.


جاسر : كنت مجبراً.


قمر : بل كنت كاذباً، لو أنك تعلم للرجولة والوفاء معني لما خدعتني لقد وثقت بك من بين الجميع لم استمع إلى أحد بل اكتفيت بما تقول وفي النهاية خذلتني.


لم يمضِ على فراقنا أكثر من شهر واحد وتقدمت إلى أخرى وتزوجت بها.


أنا أكرهك، أبغض رؤيتك يا جاسر.


جاسر : لقد تطلقت أنا وهي، ولم يعد بيننا سوى طفلتي، ماسة.


ابتسم محاولاً استمالتها : ألم نكن نحلم أن تكن أولى فتياتنا ماسة.


قمر بنفور : كنت بلهاء، لم أعد أحلم، أرجو منك أن تبتعد عن دربي فأنا أتألم عندما أراك.


جاسر : أنا مازالت أحبِك، أعطني فرصة


ثانية، سوف نتزوج.


اقترب منها بشدة فتراجعت للخلف لكنه لم ييأس واستمر بقربه قائلا بثقة:


لقد ورثت عن أبي الكثير سوف نبحث عن طبيب تجميل ماهر يعيد إليكِ جمالك السابق، فقط أعطني فرصة أخيرة.


أدارت وجهها عنه وتحدثت بصوت كسير :


ربما يتمكن الطبيب من تجميل وجهي المشوه لكن محال أن يجمل ما بداخلي من انهيار لقد دمرتني.


تركته وعادت إلى بيتها، تسللت بحذر إلى غرفتها بعدما اطمأنت على والدتها ونامت نوماً أشبه بالغيبوبة تهرب من نفسها ومن العالم بأسره.


................................


في الصباح الباكر جلس يامن يستمع إلى والدته بحب واهتمام يبتسم تارةً ويدعى الغضب تارةً اخرى إلى أن هتفت به مستنكرة


أرى انك تعاملني كما تعامل الاطفال.


يامن : أولستِ طفلتي ؟


ابتسمت والدته قائلة : لا حرمني الله منك حبيبي، لكن قلبي لن يطمأن إلا بزواجك.


يامن بهدوء : عندما يأذن الله سوف أفعل، عليَ الانصراف الآن وإن احتجت شيئاً مهما كان هاتفيني أتيك على الفور.


قبل جبين والدته وغادر إلى عمله فأمثاله لا وقت لديهم للراحة فعراكهم مع الحياة لا ينتهي وإن انتهي فمعناه موت محقق.



#لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين استغفرك اللهم واتوب إليك

رواية خسوف القمر بقلم نداء علي

الفصل الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم 


الفصل الثاني 


.................................. 


بداية...... 


استيقظت متعبة لا تدري ما الحل لما حل بها.. هل ستقضي باقي أيامها تبكي دون أمل يداعب شفتيها فيجبرها على الابتسام.. لقد ازداد الألم ولم تعد قادرة على الاستمرار..


هل تنهي حياتها وتحظى بنهاية لتلك المعاناة.. ولكن والدتها؛ كيف تتركها بلا سند ولا داعم.. !!


تنهدت بيأس إلى أن استمعت إلى دقات خفيفة مرحة تعلمها يقيناً 


لقد أتت ملاذها الوحيد الذي تبقى من بين كثيرين كانت ترى بوجوههم ود وصداقة كاذبة تبخرت مع أول الغيمات التي سقطت فوق أرضها فهرولوا جميعا باحثين عن مكان وارض جديدة بينما وقفت علياء بثبات تؤازرها وتزود عنها دون خوف أو ملل....


احتضنتها صديقتها بمرح قائلة:


أيتها القاسية لقد تجمدت أطرافي وأنا واقفة بالخارج.. كيف طاوعك قلبك على تركي خارجاً؟؟


نظرت اليها قمر بتعجب قائلة:


حبيبتي لم يمضِ على وصولك إلا بضع دقائق هل تعتقدين أنني واقفة خلف الباب وعندما تأتين أهرول إليكِ؟؟


علياء متصنعة الحزن : ولمَ لا.. أولست شخصاً ذو شأن ومكانة في المجتمع!!؟


قهقهت قمر على هيأتها وجدالها اليومي الذي لا ينتهي.. جذبت يدها وأدخلتها إلى السكن لتغلق الباب من خلفهما...


تساءلت علياء بترقب : هل تناولت فطورك؟


قمر : ليس بعد


علياء : حسناً فعلتِ.. لقد أحضرت لفائف الفول الساخنة لي ولكما عليكِ فقط إعداد بعض الشاي ريثما أذهب إلى سميحة الكسول


دفعتها قمر برقة وحب قائلة :


تأدبي يا فتاة.. أمي ليست كسول


تحركت علياء  تجاه الغرفة قائلة:


لا شأن لكِ فيما بيننا نحن صديقتان أسرعي أنتِ وحضري لنا الشاي..


***********************


وضع جاسر رأسه بين كفيه لم ينم منذ الأمس يدور برأسه حديثها معه دموعها التي تعاتبه وتخبره عن كم الألم الذي تسبب لها به.. كلمات الرفض والنفور التي لم يشأ سماعها فغادر مسرعاً


لقد تخلى لكن قلبه لم يخلُ من عشقها نادماً هو أشد الندم لكن يبدو أن وقت الندم قد فات..


نهر نفسه سريعا فهو لن ييأس بتلك السهولة سوف يسعى الي استمالتها مرة ثانية وفرصته مازالت سانحة فهي لم ولن ترتبط بسواه 


ابتسم بارتياح فقد بدأ الأمل يراوده مجدداً سوف يساعدها على استعادة جمالها القديم ويحيا بقربها وتساعده على تربية طفلته فهو لن يجد قلباً أنقى من قلب قمر....


توجه الي حمامه الخاص وألقى بهمومه مع قطرات الماء المنهمرة فوق جسده محاولاً التفكير في خطوته القادمة...


التقى بوالدته فأشاح بوجهه وألقى التحية على والده وطفلته ماسة


تحدثت والدته بغضب قائلة:


إلى متى ستظل هكذا.. هل تعاقبني على خوفي عليك؟؟


جاسر بهدوء : لا أعاقبك فأنت لم تجبرينني على الغدر بمن سلمت ليَ القلب والروح بل أنا المُلام وها أنا أدفع الثمن غالياً..


زوجة أذاقتني من الهم والحقد والنفور مالم أتوقع وبالأخير تطلقت مني وتخلت عن طفلتها..


والدته : وهل انتهى العالم من النسوة ؟ ازوجك غيرها إن شئت


جاسر : لم ولن أفعل.. عليك أن تعلمي أن زوجتي لن تكن سوى قمر وإن لم أستطع الزواج بها فلن أتزوج ما حييت..


لم يستمع جاسر إلى حديث والدته واعتراضها القوي بل استأذن من والده وغادر إلى شركته تاركاً والديه يتبادلان الاتهامات...


…………………………………


انتهى يامن من مراجعة الحسابات قبل تسليمها إلى صاحب العمل


نظر اليه الرجل بامتنان قائلاً:


بارك الله فيك يابني.. هل استطعت اختيار من يساعدك هنا؟


يامن : ليس بعد.. أنا في حاجة إلى شخص لديه خبرة مناسبة كي لا يأتي أحدهم ويسئ إلى مكانة الصيدلية بين الناس


ابتسم الرجل قائلاً : أعلم أنك دقيق للغاية طبيبنا الغالي.. رحم الله خالك راجح لقد كان مثالاً للدقة والالتزام


أومأ اليه يامن بحب قائلاً :


اطال الله لنا في عمرك سيدي...


الرجل برفض : أخبرتك مراراً ألا تقل سيدي.. انت لي أبناً يا يامن وخالك كان لي بمكانة الأخ...


نظر اليه يامن بامتنان ولم يعقب وماذا يقول وكلمات الشكر تعجز عن إيفاءه حقه فهذا الرجل كان سنداً ليامن بعد هروبه ولجوئه اليه


ساعده على استكمال دراسته بكلية الصيدلة وأولاه شؤون العمل لديه..


ربما يكمن الخير بشر كنا نراه هلاكاً محققاً.... 


............................


ابتسمت قمر بخجل وتوتر إلى صاحب العقار الذي اتاها للمرة الثانية طالباً حقه فيما تراكم عليها من أموال استحقت الدفع... 


تحدث الرجل بطيبة تشوبها حزن على نفسه وعلى حال قمر قائلاً:


يعلم الله أنني لا أود الضغط عليك بنيتي لكن الحياة صارت جحيم يصعب على أمثالنا احتماله فخالتك سعاد تحتاج شهرياً إلى علاجات باهظة وراتبي لا يكاد يكفينا..


تحدثت قمر باختناق : أعلم وأعتذر بالمساء سوف أجلب لك الايجار كاملاً إذا شاء المولى....


ابتسم اليها وغادر بخطوات مسرعة فهو علي يقين أن ما تعانيه تلك الفتاة لا يقل سوءاً عن حاله ولكن ما بيده حيلة أخرى


ارتدت قمر ملابسها وخلعت ذاك السوار الذي لم يبق لها سواه.. الذكرى الأخيرة من والدها.. هدية أحضرها لها قبيل وفاته بقليل.. ولكن عليها التخلي عنها كي تضمن سكن يأويها هي ووالدتها بضعة أشهر ربما يأتي يوم وتجد فرصة عمل مناسبة... 


انقضى يومان آخران بحثت خلالهما قمر باستماته ليل نهار عن فرصه تحيا من خلالها لكن فرصتها تشوهت بتشوهها... 


وقفت أمام المرآة تناظر وجهها الذي لم يعد ينتمي إليها بل صار كقناع دميم منفر.. لم تر شيئاً من جمالها الماضي سوى عيناها الفيروزية التي صارت جامدة من هول الصدمات


تذكرت كلمات صديقتها الوحيدة لقد أخبرتها بحل مناسب لمأساتها قائلة:


عليكِ بارتداء النقاب يا قمر


قمر بتعجب : نقاب!!!!


علياء : أجل.. أنتِ لستِ مشوهة حبيبتي بل عليك أن تخفي وجهك لكي تحميه من تشوه المجتمع ونفوس البشر المريضة


قمر : لكن..!!


علياء : لكن ماذا!!


قمر : ألا ترين أنني متبرجة يا علياء.. هل ارتدي النقاب ارضاء للبشر وأنا من قبل لم افكر في إرضاء الله


علياء بحب : لا تقلقي فخالقنا رحيم يا صديقتي أما البشر فلا رحمة لديهم وأنتِ تبحثين عن عمل ، ولا أجد حلاً سوى ذلك


ابتسمت قمر واقتنعت بما قالت ، فالحقيقة واضحة، عليها أن تخفي تشوهها عن الأعين علها تحيا دون ألم جديد 


بالصباح نظرت إلى حالها الجديد بسعادة لم تتخيلها لقد اختفت من أمام عينيها صورتها التي تؤرقها.. لم يبق واضحاً من ملامحها سوى عينيها.. 


توجهت بخطى واثقة تناقض خطواتها في السنوات الماضية.. تستشعر نسيم الهواء عليلاً منعشاً وكأنها لم تلتق به منذ دهور... 


توقفت أمام إحدى الصيدليات وسط بنايات شعبية.... 


توجهت إلى الداخل تتحدث بصوت أشبه بالهمس قائلة:


السلام عليكم سيدي.. هل مازلتم ترغبون في توظيف مساعدة هنا... ؟؟


نظر إليها يامن بتقييم وانتابه القلق من هيأتها فهو مطلقاً لم يتعامل مع منتقبة ويرى أنهن غامضات إلى حد ينبغي معه الحذر.. 


بينما نظرت هي بتوجس إلى يامن فملامحه جادة إلى حد يثير الرهبة بالنفس.. مدت يدها تلقائياً راغبة في التعارف فنظر إليها شزراً قائلاً:


أليس من المفترض أنكِ منتقبة أم أنه ستار ليس إلا ؟؟!!


أغمضت قمر عينيها واستشعرت حرجاً لم تعهده من قبل واستدارت بجسدها تود الهرب قبل أن تخونها عبراتها المتراكمة فاستوقفها بجدية مخيفة قائلاً:


انتظري..


توقفت قمر ومازالت توليه ظهرها 


تحدث بعملية متسائلاً : 


هل عملتِ في صيدليات أو شركات طبية من قبل ؟؟


أجابته بخفوت : لا 


استشعر هو حاجتها للعمل فهدأت ثورته قليلاً وطلب منها الملف الذي تحتضنه بين يديها 


نظر إلى صورتها بالبطاقة وحدث نفسه قائلاً:


لقد فهمت الآن سبب ارتداؤها للنقاب يا إلهي انها فاتنة..


لعن نفسه ناهراً إياها فهو ومنذ سنوات ابتعد تماما عن النسوة ودربهن بل ابتعد عن الحياة الا من عمله واهتمامه بوالدته 


أعاد النظر إلى صورتها مرة ثانية وكأنه يتبين من ملامحها ما يمكنه من فهم شخصيتها.... 


شعر بالارتياح قليلاً ولفت انتباهه انسدال شعرها واستنتج أنها تحجبت مؤخراً... 


لم يعط يامن اهتماماً لملابسها التي ترتديها الآن ولا لملابسها السابقة فهو شخص عملي لا يلق بالاً لتلك المظاهر الخادعة التي يعلمها يقيناً وقضى بين أحضانها سنوات عدة.. 


بينما كانت قمر تضم قبضة يدها بتوتر تخشى الا يوافق على توظيفها أو يطلب منها رفع النقاب عن وجهها... 


انتابها خوف شرس فهي لن توافق على رؤيته لوجهها مهما حدث 


تعجب يامن من مؤهلها الدراسي فهي لم تكمل عامها الاخير بكلية الصيدلة رغم تفوقها الجلي في السنوات السابقة دفعه الفضول ليسألها بترقب 


هل تركتِ كلية الصيدلة بعامك الأخير.. ولمَ؟ 


اومأت بحزن قائلة : لقد توفى والدي ولم أعد قادرة على متابعة دراستي وهناك أسباب أخرى أود الاحتفاظ بها لنفسي إن أمكن


اعاد يامن النظر الى الأوراق ليستفسر 


هل أنتِ متزوجة؟ 


قمر : لا.. لست متزوجة 


يامن : حسناً.. نحن بحاجة إلى مساعد ورغم انكِ تفتقرين إلى الخبرة إلى أنني سأمنحك فرصة لإثبات جديتك وإتقانك للعمل.. سوف نبدأ غداً ولمدة شهر تدريباً مكثفاً وعقب انتهاء فترة التدريب يتم تعيينك.. 


هل اتفقنا؟ 


تحدثت بصوت يداعبه الأمل الوليد 


اتفقنا.. 


يامن : أنا يامن.. 


قمر : حسناً دكتور يامن.. 


تنحنح يامن بجدية قائلاً : غداً سأكون بانتظارك في تمام الثامنة عليكِ ألا تتأخري فالالتزام بموعد الحضور والانصراف من قواعد التعامل هنا 


اجابته بتأكيد : سأفعل سيدي.. غداً قبل الموعد ستجدني أمامك 


غادرت بسعادة من وجد ضالته المفقودة وتضاعفت سعادتها لأن يامن سيتعامل معها بوجه قمر القديم سوف يستحضر صورتها التي رآها بإثبات الشخصية  لن ير وجهها المشوه ولن تلمح بعينيه نفوراً أو شفقة..... 


وتمتم هو بحذر.. أتمنى ألا أكون قد تسرعت بشأنها.. 


###########


أمام البناية القاطنة بها انتظر جاسر عدة ساعات علي أمل ان يراها لكنه سأم من طول انتظاره فغادر غاضباً غافلاً عنها وعن ثوبها الجديد الذي لم يتوقعه مطلقاً.... 


انطلقت هي تعدو بلهفة كي تصل إلى والدتها وتقص عليها ما حدث فمنذ زمن لم تنقل إليها من الأخبار ما يسر القلب... 


................ 


همَ يامن بالمغادرة ولكن صوت والده جعله يتسمر محله... 


توقف قليلاً يحاول السيطرة على غضبه بينما اقترب والده بثقة ترتقى حد الغرور والخيلاء المفرطة


تحدث بلهجة آمرة:


انتظر يا ولد.. هل جننت؟!


يامن : بالله عليك دعني وشأني..


جمال : لن أتركك إلا عندما تعد إلا رشدك.. أتترك نعيماً غيرك يهرول باحثاَ عنه وتقضي سنوات عمرك هنا! 


بين جنبات البيوت الرطبة المتهالكة


يامن : تحدثنا مراراً واخبرتك أنني محال أن أرجع كما كنت


نظر إليه جمال بقسوة قائلاً:


تعلم أن بإمكاني هدم الحارة بأكملها فوق رؤوس ساكنيها ان استمريت على عنادك فلا تدفعني إلى ايذاء المحيطين بك وارجع إلى بيئتك التي تربيت بها وحذاري يا يامن أن يصل غضبي منك إلى ذروته وقتها سوف أتجاهل أنك من صلبي...


اشار جمال إلى حارسه الشخصي فاقترب منه مسرعا مساعداً إياه علي ركوب سيارته الفارهة بينما تنهد يامن بيأس من والده وتجبره الذي يزداد ويقوى مع مرور السنوات...


وعاد بذاكرته إلى أطياف بعيدة يتمنى أن يهرب بعيداً عنها لكنه لم يستطع.... 


....... 


كانت قمر تقص على مسامع علياء عبر الهاتف ما حدث معها وعلياء تبتسم بارتياح من أجل صديقتها.. 


انتهت محادثتهما وتوجهت علياء لغرفة شقيقتها الصغرى لكن زوجة والدها استوقفتها قائلة :


هل انتهيت من محادثة صديقتك القبيحة.. 


علياء : لا تنعتيها بذاك الاسم فهي ليست قبيحة بل بعض القلوب هي التي ترى القبح في جميع الوجوه 


زوجة والدها : آه منك ومن لسانك السليط.. لا داعِ للكلام على أية حال لقد تقدم رجل ميسور الحال للزواج من نسمة وأنا موافقة 


علياء : وما شأنك أنتِ.. كيف توافقين دون الرجوع إليَ وإليها !!


زوجة والدها : حسبي الله عليكِ يا عديمة الحياء.. أولست في مقام والدتك ؟؟


وقفت علياء بتحدي أمام زوجة والدها صارخة بوجهها أنها لن تدعها تدمر حياة شقيقتها كما فعلت معها من قبل لكنها تحدثت اليها بقسوة وتأكيد :


حسناً يا علياء إما أن توافقي أو تأخذي شقيقتك وتغادري بيتي بلا رجعة 


علياء برفض : هذا بيت والدي 


زوجة والدها : كان يا حبيبتي لقد تنازل لي عنه قبيل وفاته 


علياء بغضب : أنتِ كاذبة والدي لا يفعل شيئاً كهذا


زوجة والدها : عليكِ إذاً أن تثبتي عكس ما أقول، أمامك يومان راجعي نفسك واحسمي أمرك إما أن تتزوج تلك البائسة من كفيل شقيقي وتسافر معه إلى الخليج وإلا فلا مكان لكما هنا.


#خسوف القمر


الفصل الثالث


بسم الله الرحمن الرحيم


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


البارت الثالث من خسوف القمر


نداء علي.


والثقة ميثاق متين وعهد أمان توقعه القلوب والارواح فإن نقضه أحد الطرفين تمزق قلب الآخر وغامت روحه بسحب الشك فيضحي تائه يفتقد الأمان ولا يعطيه لأحد.


تناول يامن لقيمات قليلة دون استمتاع بمذاقها فكل شئ صار من حوله بلا روح.


تذكر حديث والده المحاط دائما بتهديد ووعيد يطابق شخصه القاسي فتنهد بضيق هو لم يعد يعبأ بشئ لكنه يخشى أن ينفذ تهديده فينال أحد المحيطين به سوء.


لن يعد ولن يستطع أن يفعل فكيف يحيا من جديد وسط تلك النيران المغلفة بمظاهر التحضر والرقي وماهي إلا بحور للرذيلة.


خداع وكذب وخيانة وكله يختبئ خلف ستار ابتسامات زائفة ومصالح متبادلة.


وكعادته منذ تلك الليلة التي فر فيها هارباً إلى احضان والدته التي أيقنت منذ بدأ زواجها من والده ان دربها ودربه محال أن يلتقيا ففطنت بقلبها العامر بإيمان راسخ أن استمرارها مع جمال نهاية لقيم ومبادئ نشأت في كنفها فأختارت الابتعاد.


تطلقت منه ولم يبق هو عليها بل توعدها وأخذ منها طفليها يامن وأكرم لكنها لم تضعف واختارت الثبات فأعاد الله اليها يامن بعدما ظنت أنها لن تراه مطلقاً.


سالت عبرات يامن فأزالها بضعف وأسرع مهرولاً إلى المسجد بعدما استمع إلى نداء الحق يتمنى أن ينسى حياة ماضية ومضاتها تخيفه للغاية.


أنين القلب الذي لم يذق إلا الظلم يصم الأذان فألالامه تختلف.


أمسكت علياء بكف شقيقتها التي لم يتجاوز عمرها السادسة عشر وصارتا معاً إلى الفضاء الذي يخيم على سماءه وارضه صمت مطبق بعدما نامت الأعين وهدأت الاصوات.


لا يعلما أين تذهبا لقد تم ما ارادت زوجة والدهما والقت بهما إلى أحضان الطريق وتركتهما.


كانت برودة الطقس قاتلة والهدوء من حولهما مخيف وقبل أن تدرك علياء أنها تسير منذ ساعات وجدت حالها واقفة أمام شقة قمر تدق الباب بضعف مؤلم وترقب يحيطه الرجاء


اقتربت قمر بحذر من الباب قائلة :


من الطارق؟


علياء : أنا علياء، قالتها بصوت تائه :


انقبض قلب قمر وأسرعت بفتح بابها لصديقتها التي ما أن دلفت الي الداخل ازداد نحيبها وأعلنت عن انهيارها.


أخذتها قمر بين احضانها تضمها كطفل صغير تبثها بعض الأمان علها تهدأ قليلا بينما


شقيقة عليا ساكنة بمكانها لا تدرك الي الان ما حدث وكيف تم طردهما من منزلهما.


أعدت قمر بعض الطعام بعدما استطاعت تهدأت علياء وتناولوا ثلاثتهم القليل.


تحدثت قمر بصوت حنون متسائلة


أخبريني حبيبتي ماذا حدث؟


علياء : لقد ألقت بنا زوجة أبي إلى الخارج بعدما استطاعت أخذ والدي من قبل وتسببت في ابتعاده عنا سنوات إلى أن توفاه الله أخذت منا بيتنا.


البيت الذي لم يترك لنا أبي سواه.


قمر : كيف؟ ألا يوجد قانون !


علياء : القانون لم يوضع لأمثالنا بل هو قانون الحياة حيث البقاء والانتصار للأقوى.. ألا تعلمين ذلك ياقمر.. ألم يقض على مستقبلك بأكمله شاب أررعن ولأن قانونه لا يهزم فر هارباً بفعلته..


زوجة أبي هي الأخرى قانونها هو الغالب فشقيقها يعمل بالمحاماة. قادر على اظهار المتهم بريئاً والبريء مداناً.. كيف لنا أن نقف بوجهها ووجه شقيقها.. هيا أخبريني ياقمر كيف لفتاتين مثلي أنا وشقيقتي بالوقوف أمام هؤلاء


تحدثت قمر بصوت متألم لنفسها ولأجل صديقتها :


ألم أقل لك منذ سنوات واخبرتني وقتها أن أمثالنا لهم الله ويكفينا هو عمن سواه


رفعت علياء بصرها إلى قمر فزادتها قمر قائلة:


هل نسيت يا علياء بعدما مات والدي وضاق بيَ الحال واتيتك باكية اخبرك أنني أود الموت وترك الحياة بأكملها وأني استشعر أن إلهي يكرهني وإلا ما ابتلاني بذاك الشكل


أغمضت علياء عينيها تبكي دون صوت فتن*دت قمر قائلة:


لقد عنفتني وقتها قائلة إن الابتلاء ليس كرهاً او غضباً من الله بل هو اختبار ليس الا.. وإلا ما ابتلى الله أنبياءه ورسله...


أومأت علياء بخجل من يأسها وقنوطها وابتسمت قمر فهي ليست متدينة مثل علياء لكنها تعلمت منها الكثير...


استمر الحديث بينهن إلى أن حل الدفء من جديد وغادرت برودة الغدر التي صاحبت علياء وشقيقتها في طريقهما إلى أن وصلا إلى بيت قمر....


استيقظت قمر تناظر المكان من حولها ب**ل راغبة بالنوم لكنها هبت فزعة عندما تذكرت موعدها مع يامن لم تكن تتحرك بالمكان مسرعة بل كانت تتخبط من فرط سرعتها وتوترها ارتدت ملابسها في لحظات وتوجهت للخارج لكنها عادت بعدما شهقت بهلع عندما تذكرت نقابها الذي لم تعتد ارتداءها بعد....


وعلة غير عادته استيقظ يامن متأخراً فأفكاره المتضاربة بالأمس جعلت نومه يجافيه...


توضأ وصلى فرضه متناسياً أمر قمر وتوجه لفتح الصيدلية...


أوشكت قمر على البكاء من فرط خوفها فقد تأخرت عن موعدها بمقدار يتعدى الساعة وزيادة محال أن يتغاضى يامن عن تخاذلها وسوف تفقد عملها قبل أن تبدأه..


شهقت بأمل وتفاؤل يصاحبه خوف لم يتزحزح بعد عندما وجدت المكان مغلق ويامن لم يصل بعد


مضى تقريبا ربع الساعة وهلَ بطلته الهادئة يطالعها وكأنه قد تذكر للتو موعدهما سوياً


تحدث باعتذار قائلاً:


آسف آنسة قمر لقد طرأ أمر ما وتسبب في تأخري، أعتذر كثيراً على وقوفك هكذا.


أرادت الكذب وإخباره انها قد أتت بالموعد المحدد لكنها لم تستطع فلسانها قد اعتاد الصدق لذا اجابته بخفوت قائلة:


لا داع للاعتذار سيدي فقد وصلت منذ قليل وربما عليَ أنا الاعتذار.


ساد الصمت بينهما وكلاهما ينتظر بترقب ما سيحدث لاحقاً لينهي ذلك الصمت بقوله :


حسناً سوف أتغاضي عن التأخير ويكفيني اليوم أنكِ قد صدقتني القول ولم تدعِ القدوم باكراً.


ابتسمت قمر بشدة وتهللت ملامح وجهه وأحس يامن بارتياح واستبقها ممسكاً بمفتاحه ذاكراً اسم الله قبل أن يبدأ أول أيامه بالعمل معها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


بالبيت لدي قمر استيقظت والدتها وتناولت افطارها بشهية كبيرة مع علياء وشقيقتها نسمة


ابتسمت علياء بانكسار قائلة:


لقد ازعجناك يا خالة سميحة. 


سميحة : لن ألومك على ما تقولين أيتها الساذجة. 


أولست انا كأمك وأنتما كقمر.


تنهدت بخفوت وابتسمت نحوها بامتنان:


 لن أذكرك بجميل صنعك طوال سنوات مضت يا علياء فقد فعلت معنا مالم يفعل أحد من الاهل ويكفي أن دماءك تجري بعروق ابنتي بعدما انقذتها من الموت وتبرعت لها بدمائك أكثر من مرة عقب الحادث. 


التفتت علياء إلى شقيقتها فوجدتها تئن في صمت جذبتها إلى احضانها وقبلت جبينها قائلة:


لا بأس صغيرتي إياكِ أن تبكِ أنا هنا جوارك لا تخشي شيئاً. 


شددت نسمة من احتضانها لها قائلة:


أنا سبب كل تلك المصائب، دعيني أتزوج فلن تفرق كثيراً فربما يكون ذاك الرجل أرحم بنا من زوجة والدي. 


نهرتها علياء قائلة :


اصمتي، لن أتركها تدمر مستقبلك كما فعلت معي.. اهدئي حبيبتي سوف يجعل الله لنا مخرجاً عما قريب .


تساءلت سميحة بترقب قائلة؛


هل علم عمك بما حدث ؟


علياء : عمي ومنذ وفاة والدي لم نره. 


سميحة : ولكن حسبما قلت هو رجل صالح ومحب لكما لكنه لم يكن على وفاق مع والدك عقب زواجه من تلك الحية الرقطاء. 


قهقهت نسمة قائلة:


تلك سابقة لم تحدث من قبل للمرة الأولى ارى الخالة سميحة تسب أحدهم. 


سميحة بغيظ : ليتني بعافيتي. أقسم لكما وقتها كنت أمسكها بيدي هاتين واذيقها من العذاب ما تستحق لكن للأسف إن ذهبت إليها الآن وعطست بوجهي سوف تقضي عليَ دون شك. 


استطاعت سميحة بروحها النقية إخراج الفتاتين من حزنهما واقنعت علياء بضرورة الوصول إلى عمها وإخباره بما حدث.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تأففت قمر بخفوت فمنذ دلوفهما سوياً إلى الصيدلية والعمل لم يتوقف ولو لحظات وإن توقف توافد المرضى ومندوبي شركات الأدوية يبدأ يامن في توضيح كيفية العمل وسيره.


أحست قمر بالتعب فهي غير معتادة بعد على ذلك ونظر يامن إليها مضيقاً عينيه قائلاً:


هل مللتِ ؟


قمر : بل تعبت.


يامن : تعبتِ من ماذا نحن لم نفعل شيئاً بعد مازال اليوم في بدايته .


استقامت قمر واقفه تخشى أن يغضب يامن أو يفسر جلوسها بالتكاسل عن أداء مهامها. 


بينما أيقن هو مخاوفها فاستدرك قائلاً :


حسنا أنا الآخر أشعر بالقليل من التعب هل تتناولين بعض الشاي أو القهوة؟


قمر بخجل : لا داع لذلك، شكراً لك. 


يامن متجهاً إلى الغرفة الداخلية الخاصة باستراحته


لا تقلقي كل شيء موجود هنا سوف أشرب بعض الشاي هل ترغبين بالقليل؟


قمر : حسناً، دعني أنا اقوم بإعداده. 


يامن : تفضلي، أمامك ما يلزم سوف انتظرك بالخارج.


وقفت قمر تعد الشاي لكليهما وجلس يامن بانتظارها وبالخارج أعين تراقب المكان وتنقل الأخبار إلى والده.


................................ 


انتهى جمال من توقيع الاوراق الموضوعة أمامه، ابتسمت اليه السكرتيرة بدبلوماسية وغادرت، ادار جمال وجهه إلى الجالس جواره قائلاً بحسم:


متى تأتيني بجديد يا راشد ؟


أجابه الآخر باحترام : سيدي تعلم أنني احاول جاهداً لكن يامن بيك عنيد للغاية.


جمال :


أمامك شهر بأكمله وان لم تجد لي حلاً يعد اليَ يامن بإرادته عليك وقتها أن تبحث عن عمل جديد.


ابتلع راشد ريقه بتوتر قائلاً:


لا تقلق سيدي هناك تطورات أعتقد أنها سوف تنفعنا كثيراً وفرصة لن أضيعها عليك فقط أن تثق بي


جمال : جمال رشدان لا يثق بأحد سوى نفسه فقط لذا عليك التركيز وحسن التصرف.


غادر جمال دون إضافة المزيد ونفخ راشد بضيق فرغم أنه لواء شرطة سابق إلا أنه عندما يقف أمام جمال يستشعر نفسه لا شيء.


ابتسم راشد بشئ من الارتياح عندما استرجع برأسه خطته التي ستجبر يامن على العودة وغادر راغباً في بدء التنفيذ.


بعد مرور أسبوعان.


استطاعت قمر استيعاب طريقة العمل وساعدها يامن كثيراً، هدأت الأمور بينهما قليلاً ولكن الحذر مازال قائماً بينهما


تعرف صاحب العمل علة قمر واستشعر تميزها وأحب وجودها مع يامن.


حاولت علياء الوصول إلى عمها ولم تفلح بعد.


في المساء أوشك دوامها علي الانتهاء.


جهزت اغراضها وحملت حقيبتها وبحثت بعينيها عن يامن لكنها لم تجده.


اقترب من مجلسها رجل يرتدي نضارة سوداء ويبدو من هيأته الثراء والغموض.


مد يده إليها بوصفة طبية اخذتها منه قمر ونظرت الى محتواها، لحظات واحضرت له ما يريد.


تعمد الرجل ملامسة يدها بطريقة حسية إصابتها بالفزع، صرخت قمر بوجهه قائلة:


ما هذه الوقاحة؟! 


اجابها الرجل بتصنع : أي وقاحة، أنا لم أفعل شيئاً !


اقترب منهما يامن يناظرهما بتعجب بعدما استمع الى صوتهما الذي بدأ في التصاعد قائلا:


ماذا حدث، هل هناك من خطب سيدي؟


اجابه الرجل بمكر : لا أعلم ولكن منذ سنوات وأنا لا أتعامل إلا معكم.


يامن بعملية : هذا شرف لنا ولكن لم أفهم ما الذي حدث؟! 


الرجل : الآنسة تعمدت ملامسة يدي بصورة غير لائقة وعندما نهرتها أخذت في الصراخ بوجهي هكذا.


توقفت الكلمات على لسان قمر وعجزت عن الرد ونظر يامن بتقييم إلى قمر وإلى الرجل ليهتف بجدية قائلاً :


أعتذر منك سيدي


#الفصل الرابع


#الفصل_الرابع #خسوف_القمر #نداء_علي


#حصري


أعتذر منك سيدي قالها يامن بنظرات ثاقبة.


ولكن مثلما تقول أنت زبون دائم لدينا ومنذ سنوات، إذاً فأنت تعلم أننا لا نوظف لدينا سوى الأكفأ والأبعد عن الشبهات ودكتور قمر أخلاقها لا غبار عليها.


أعتقد أن ما حدث هو سوء فهم ليس إلا.


الرجل ببرود : حسناً دكتور يامن ربما كان خطأ غير مقصود.


وجه بصره تجاه قمر التي كانت ترتجف فقد اكتفت من الصعاب ومواجهتها.


ابتسم إليها باصطناع قائلاً : أعتذر إليكِ لقد كان يومي شاقاً وربما بالغت في ردة فعلي قليلاً، لم ينتظر منها رداً بل غادر الصيدلية بهدوء.


ارادت قمر التبرير وتوضيح موقفها لكن عبراتها المتسارعة وقفت حائلاً بينها وبين كلماتها. 


تنهد يامن بضيق وتحدث باختصار قائلاً:


لقد انتهى دوامك اليومي وعليكِ الذهاب.


 نظرت إليه فأشاح بوجهه.


حملت قمر حقيبتها وغادرت مسرعة.


اراح يامن ظهره فوق مقعده محاولاً استعادة تركيزه، لحظات وقام بتشغيل الكاميرات الخاصة بالمكان ليتضح له ما دار بين قمر وذاك السمج.


انتابت يامن العديد من المشاعر المتضاربة خوف من قادم لا يبشر بخير وخوف على بريئة ليس لها دخل في مشاكله مع والده.


يعلم أن ما حدث ماهو إلا تحذير من جمال وأتباعه ولكن لمَ وما خطوتهم التالية. عليه الحذر وعليه ألا يدع قمر فريسة بين يديهم.


ربما عليه اقصاءها بعيداً عن دربه، ولكن يبدو أنها بحاجة ماسة إلى تلك الفرصة.


آاااه.. قالها يامن بقهر ويأس وعجز عن التفكير وأخذ قرار مناسب، أغمض عينيه وهرول إلى بيته بعدما أغلق الصيدلية ليلقي بأحزانه ومخاوفه تحت اقدام والدته ربما تجد له حلاً لتلك المعضلة التي وقع بها.


كانت علياء تدور بلا توقف حول شقيقتها التي تطالعها بتعجب لتهتف بها بالله عليك توقفي لقد اصابني دوار حاد وأنتِ تدورين حولي هكذا.


علياء : اصمتي أيتها الحمقاء !


نسمة : حبيبتي لا تخافي .


علياء : ومن أخبرك أنني خائفة ؟! اقتربت منها نسمة وأمسكت بيدها ساحبه اياها تجاه الفراش لتجلسا معاً.


تحدثت نسمة بحنو قائلة: ألا تودين رؤية عثمان ؟


 ارتبكت علياء وفاضت عيناها بدموع الاشتياق فاستكملت نسمة قائلة :


 لقد أخبرني عمي أن عثمان لم يتزوج إلى الآن.


علياء : وهل يعيد الزمان أدراجه يا نسمة؟!


لقد تبدلت الحال ومؤكد أن القلوب تبدلت هي الأخرى.


نسمة بحزن : لا سامحها الله زوجة أبي هي من تسببت في إفساد خطبتك أنتِ وعثمان واحداث تلك القطيعة بين والدي وعمي لسنوات.


علياء : وليتها اكتفت بل أرغمتني على الارتباط عقب انفصالي أنا وعثمان.


لقد حطمت ما تبقي بيننا من مشاعر فهو محال ان ينسي أنني قد عقد قراني على رجل سواه .


نسمة : عثمان يعلم جيدا انك كنت مجبرة، كما أن الزيجة لم تكتمل.


علياء بيأس : لقد كان يغار أن ابتسمت الي رجل سواه فهل يغفر لي ذنب كهذا.


ربما مازال بقلبه بعض المشاعر تجاهي لكن كبرياؤه لن يسمح له بالعودة.


احتضنتها نسمة بقوة قائلاً : لا شأن لنا به ولا بغيره سوف نبقى معاً إلى الأبد ألا يكفيكِ وجودي أيتها الخائنة.


علياء : أنتِ طفلتي وشقيقتي وما تبقي لي من أيام حلوها لم يدم طويلاً يا نسمة لذا محال أن اسمح لأحد أن يسلبك أحلامك وسنواتك القادمة ما حييت.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تجولت قمر جوار النيل تأبى العودة إلى البيت بحالتها تلك فتزيدهم حزناً تبكي بلا انقطاع تخشى أن يصدق يامن ما قيل فيتخلى عنها.


لا تريد العودة إلى نقطة البداية فبالبداية كانت مؤلمة.


وضعت يدها فوق وجهها المختبئ خلف ستار النقاب تتأكد من حمايته من العيون الناظرة إليها.


عادت بذاكرتها إلى ما مضى كم كانت الحياة سهلة ميسرة كانت احلامها مجابة.


ابتسامة أبيها كانت تضئ الكون بأكمله سند تتكئ إليه وتختبئ بين احضانه من همس الخوف وانين الايام لقد بالغ في تدليلها لتأتى الايام بما تخبأه.


ابتسمت بحزن فبيت والدها كان بابه لا يغلق أصدقاؤها كانوا يتناوبون ذهاباً واياباً. صوت الضحكات لم يكن لينقطع إلا وقت النوم إلى لان تبدلت الاحوال وبدأت الحقائق في الظهور.


غاب الجميع بعدما أنفق والد قمر ما يمتلك في سبيل انقاذها لقد قضت بالمشفى ما يقرب من العام.


تركها جاسم وتصدقاؤها وجدوا البديل ولم يبق سوى وجه مشوه وصديقة وفية وقلب أم تدعي السعادة أمام طفلتها وبالخفاء لا يفارقها الحزن.


تعلم ان يامن لديه ألف عذر إن صدق افتراءات ذاك الرجل، لكن بداخلها تتمنى إلا يفعل.


ترى بشخصه طوق نجاة قد يجنبها السقوط بين براثن الرفض والنفور التي بدأت تبتعد عن حياتها ولو مؤقتاً.


استمعت والدة يامن إليه بإنصات إلى أن انتهى من سرد ما حدث ابتسمت إلى بعذوبة قائلة: وهل صدقت ما قاله؟ يامن : يقيناً لا أعلم ولكن كما تقولين دائماً 'المؤمن كَيسٌ فطن، استشعرت داخلي أن ما يقوله كذب وإن قمر ما كانت لتأتِ بفعلة كهذه لكن عقلي صار جامداً يأبى أن يسلم ثقته الي أحد.


نهال : هل هي جميلة؟


يامن بتعجب : هي منتقبة يا أماه. 


قهقهت نهال قائلة : حسناً لم أقصد سوءاً يا ولد. مجرد فضول.


باغتته قائلة: هل لوالدك دخل بما حدث ؟


حرك يامن رأسه قائلاً: أخشى ذلك، وأرجو أن أكون مخطئاً.


نهال بحب : هون عليك يابني، مهما حدث فهو والدك ولم يعد لديه سواك ولا تنس أن بره لا علاقة له بسلوكه.


يامن بغضب : أمي تعلمين انني لن اعود ومحال أن استمع إلى تهديده.


نهال : هل ارتفع صوتك قليلاً أم أنني أتوهم.


ابتسم يامن واعتذر قائلاً: أعتذر سيدتي.


نهال : اعتذار مقبول.. عليك أن تعد لنا العشاء عقاباً لك فأنا لن أفعل.


اومأ اليها بطاعة وغادر الغرفة وحاولت هي الهدوء لكنها لم تستطع، أمسكت هاتفها وبحثت عن رقم جمال، زوجها السابق وحبها الأوحد.


زفرت بضيق فهي لم تحادثه منذ وفاة رأفت لكنها مجبرة الآن.


أجابها علي الفور قائلاً: مرحباً زوجتي الغالية، هل اشتقت اليَ؟


نهال : محال كما تعلم يا جمال بيك أن يشتاق العاقل إلى جنون كالذي تحياه.


جمال : لكنك بالماضي كنت عاشقة لذاك الجنون أم أنك نسيت؟!


نهال : لم أنس ولن أفعل وخاصة خيانتك المتكررة لي.


ابتلع ريقه بحرج وتحدث بجدية قائلاً: 


حسناً، ماذا تريدين؟


نهال : ابتعد عن يامن، يكفي ما حدث لرأفت.


جمال : ألن تكفِ عن اللقاء اللوم عليَ.


هل أنا من تسببت بوفاته؟!


نهال : لا ألومك ولكنك قد حرمتني من طفلي ولم يعد إليَ إلا يوم وفاته فلا تكرر فعلتك وتدمر حياة يامن هو لن يعد الي تلك الحياة البائسة.


جمال : تعلمين أنني لن افعل فإما تقنعيه بالعدول عن عناده والرجوع إلى مملكته وإن شئت بإمكانك الرجوع معه وإما أعيده أنا بطريقتي وفي كلتا الحالتين أنا لن أقبل بالهزيمة .


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


لم تجرؤ علياء على النظر إليه بينما كان هو يحتضنها بنظراته يشتاقها بجنون لكنه لن ينس انها ضعفت امام والدها وزوجته ووافقت ان تصبح زوجة لسواه.


نعم لم يتم الزواج وتطلقت قبل زفافها بأيام بعدما تشاجر العريس مع والدها. ولكن يكفي أن أحدهم امسك بيدها والبسها خاتمه.


عقد قرانها واحتضنها بين يديه وربما حدث بينهما ما يحدث بين أي رجل وامرأة تلون وجهه غضبا وغيرة عمياء تملكته ليهتف بضيق قائلاً: لن أقض الليل بأكمله في اقناعكما.


والدي حالته الصحية لا تسمح له بالمجيء لذا أرسلني لاصطحابكما للمكوث لدينا إلى أن اذهب إلى تلك المرأة واسترجع لكما بيتكما.


علياء بحزن من أسلوب حواره ونبرة صوته الغاضبة : لن نأتِ معك، واطمأن يابن العم فنحن لسنا ببيت غريب.


قمر ووالدتها الأقرب لنا من بين الجميع.


عثمان محذراً : قومي بإعداد حقائبك وهي بنا يا علياء وإلا قسماً بربي أحملك بين يدي كالأطفال واخذك عنوة.


نسمة : اهدأ قليلاَ يا عثمان لا يجوز ما تفعله.


عثمان : أما ترين شقيقتك البائسة.


تناطحني قولاً بقول وكأنها لا تتحدث إلى رجل.


علياء ساخرة : بل سيد الرجال يا عثمان بك، عندما تحدثت إلى عمي أنا لم أطلب إليه شفقة او مساعدة كل ما طلبته اليه ان يجد من يساعدنا بالوقوف أمام زوجة أبي.


محامي أو أحد رجال القانون ممن له صلة بهم.


عثمان محاولاً استمالتها كي يقنعها بالذهاب معه:


حسناً.. ألن تأتيا لرؤية والدي، لقد أخبرتك أنه مريض للغاية أما ينبغي عليكما أن تعودا؟


علياء بحرج : بلى، علينا رؤيته ولكن.


قمر وقد استمعت إلى حديثهما بأكمله وتركت لهما حرية الاختيار :


عليكما الذهاب لعيادة عمكما يا علياء والعودة إلى هنا مرة ثانية. 


نظر إليها عثمان بغيظ فاستكملت علياء:


من غير اللائق بقاء علياء لديكم سيد عثمان فقد كنتما على وشك الزواج وربما يثار كلام نحن في غني عنه.


عثمان برفض : لا يجرؤ أحد على مس علياء بسوء ما حييت.


نظرت إليه بطوفان ملؤه لوم وعتاب قائلة: 


بل دهست علياء تحت الأقدام واكتفيت أنت بالابتعاد يا عثمان.


قالتها علياء بقهر تلك السنوات التي حرمت فيها منه مرغمة وبادلها هو نظراتها بعناد فهو يلومها على ذاك الجفاء.


وقف راشد حائراً أمام جمال الذي صب جام غضبه على العاملين لديه عقب محادثته مع زوجته السابقة الأنثى الوحيدة التي تملكت من قلبه لكن عقله لم يكتف بها فأضاعها.


كانت ومازالت نداً له لا تخافه وتخشى نفوذه، استطاع راشد استجماع قوته ليهتف في ثقة قائلاً :


استمحيك عذراً سيدي لقد تركت سيد يامن ما يزيد عن السبع سنوات أرجو منك فقط أن تمهلني سته أشهر جمال بغضب : هل جننت يا هذا


راشد : لا سيدي لم أجن ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الصبر سوف يرجع وتلك الفتاة هي مفتاح العودة.


جمال : ومن تلك الفتاة عليكم اللعنة جميعاّ لقد مللت.


قص راشد على مسامع جمال ما يخطط له نظر إليه جمال مشككاً ليسأله بترقب: وما أدراك أنه سيرجع من أجلها؟!


راشد بثقة : لقد تعلمت الكثير سيدي وأنا على يقين مما أقول.


اومأ جمال اليه ليحذره قائلاً: سأنتظر يا راشد ولكن احذر من طول انتظاري فوقتها لن يكن عقابي هيناً إن فشلت.


سافرت علياء ومعها شقيقتها بصحبة عثمان وفي الصباح توجهت قمر إلى عملها وخوفها يسابقها لا تدري هل سيتقبلها يامن أم ينقلب عليها.. استعد يامن كالمعتاد وانتظر قدومها دلفت إلى الداخل بخطوات وئيده قائلة: السلام عليكم.


أجابها بهدوء : وعليكم السلام، كيف حالك؟


اطمأنت قليلاً وتوجهت إلى مقعدها واضعة حقيبتها بادئة بالعمل تحت أنظار يامن الصامتة.


أتى موعد استراحتها نظر إليها يامن بتردد قائلاً: ألا تشعرين بالجوع ؟ ابتسمت عيناها بخجل قائلة:


لقد أعددت بعض الشطائر.


اومأ اليها قائلاً : حسنا سأذهب أنا لإحضار ما أكله.


قمر : انتظر لقد أعددت ما يكفي لنا سوياً نظر إليها يامن بثبات وارتبكت هي فاستكملت : أنا معتادة منذ أيام الجامعة إن أعد الطعام لي ولأصدقائي جلس يامن ومد يده إليها بعدما لاحظ توترها حسناً سوف أقبل عزيمتك اليوم وغدا تقبلين عزيمتي


قمر : ولكن... !!


يامن : ها، هل توافقين أم لا ؟


قمر : حسناً.. موافقة.


بعض القلوب عندما تطعن بقسوة تفارق الحياة علي الفور لا تتألم ولا تنتحب بل يأتيها الموت فيريحها من تبعات الخذلان.


يومياً يرابط بأسفل البناية التي تسكنها يأمل أن يراها دون فائدة.


مرت قمر أمامه فناداها بعدما لاحظ مشيتها التي لم تتغير وعينيها التي أسرته من قبل توقفت قمر بعدما استمعت إلى صوت جاسر هي تبغضه بحق ولكنها تشتاق إلى صوته الذي يعيدها إلى سنوات تتحرق شوقاً إليها.


تود النسيان والمضي معه ولكنها لا تمتلك تلك الرفاهية فنسيان الغدر محال.


توجهت بخطوات جادة تجاهه فابتسم بحب إليها تحدثت بتحذير قائلة:


ماذا تريد، هيا أخبرني ما الذي تريده مني الآن؟


جاسر : أن تعودي إليَ، مازلت أحبك أقسم بربي ونادماً إلى الحد الذي يجعلني راغباً بالموت.


قمر : وانا نادمة كذلك يا جاسر، نادمة أنني أحببتك، لقد عانيت الكثير ولكن جرحك لي لا يشبهه جرح آخر.


لقد أطاح تخليك عني بثباتي جعلني عاجزة عن الثقة بأحد.


جاسر : ولكني معترف بخطأي، حاولي أن تسامحيني. وقبل أن توافقي أو ترفضي أنا مستعد للانتظار.


قمر : وما المقابل يا جاسر، هل هناك مقابل ترجوه بعد تضحيتك وعودتك إليّ.. أما ترى أن زواجك بقبيحة مثلي تضحية كبرى!


جاسر : توقفي عن نعت نفسك بتلك الألفاظ صرخت قمر بوجهه قائلة : تلك الحقيقة ايها الغبي النقاب أخفي وجهي لكنه لم يخف ما حدث.


هل تغيرت إلى الحد الذي يجعلك تقف بوجه الجميع قائلا أنا احبها ولن أتركها ما حييت.


جاسر : أخبرتك أنني لن اتركك، لقد اتفقت مع طبيب تجميل لا يستهان به ووعدني ان ترجعي كما كنت.


قمر برفض : لن أفعل، لن ألجأ إلى طبيب يعيدني إليك.


جاسر : أنا لا أفعل ذلك من أجلي حبيبتي بل أفعله كي تعودين كما كنتي.


قمر : إذاً لنتزوج وأبقى كما أنا، ألا تقول أنك تحبني.


جاسر بتردد : أجل أحبك ولكن ما المانع لإجراء بعض التحسينات.


ضحكت قمر بمليء فيها قائلة: لم ولن تتغير يا جاسر واطمأن أنا صرت جماداً لا روح فيه لم أعد راغبة بشئ سوى بحياة هادئة أما انت فابتعد واستكمل طريقك الآن.


جاسر بإصرار : لن أفقد الأمل يا أملاً أضعته من بين يدي لحظة ضعف.


نظر راشد الي الأوراق الموضوعة أمامه بدهشة قائلاً: مشوهة، تلك الفتاة يبدو أنها ليست هينة، سوف تصبح الأمور أكثر إثارة.


تحدث بجدية إلى مساعده قائلاً: هل وقعت تلك الأوراق بخط يدها؟!


الرجل بتأكيد : بالطبع سيدي.


راشد : حسنا عليك الذهاب الآن ولا تغفل عنها مطلقاً أريدك أن تراقبها جيداً.


رواية خسوف القمر بقلم نداء علي


الفصل الخامس


بسم الله الرحمن الرحيم


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


كانت نسمة تستشعر دفئاً حرمت منه ووجدته بين افراد عائلتها المتمثلة في عمها وزوجته وابنائهم فرغم سنوات انقطاع الود بينهم الا أن القلوب المحبة تحفظ الود مهما تباعدت المسافات وغابت الوجوه. 


لقد كانت دوماً علاقتهم وطيدة فعمها رجل حنون وزوجته كذلك وازدادت الروابط بعدما نضج ما بقلب عثمان وعلياء من عشق وكلل بخطبة وزواج لم ير النور.


بينما علياء كانت شاردة تود الهرب من هذا المكان الذي كان مهداً لحب طفولة وشباب وعشق لم ولن ينضب الا بموتها.


لطالما شيدت صروح شاهقة العلو بين يدي عثمان كم تحدثت واستمع اليها بقلبه. 


هنا كانت أحلامها التي أضحت سراباً وهنا تهدمت صروحها وتركتها جسد بلا روح.


بينما كان عثمان ثابتاً أمام الجميع وداخله غضب ورفض لوجودها فقربها مازال يزلزل الكون من حوله يتمنى لو لم يعد من سفره فلا يراها ويتمنى لو أنه لم يبتعد مطلقاً ولم تختف هي لحظة واحدة عن ناظريه يشتاقها ويتألم كونه بهذا الضعف أمامها.


تزينت شفتي نسمة بابتسامة عذبة عندما مازحها عمها قائلاً:


نسمة حبيبتي تشبهني كثيراً كما أنها سريعة البديهة كحالي بينما علياء تشبه والدها رحمه الله. 


قهقت نسمة ونكزته زوجته قائلة:


علياء لا أحد يشبهها فهي كالبدر في تمامه وكماله


العم : لقد مضى ما يقرب من الساعة احادثها وهي شاردة، كذلك والدها كان يفعل. 


علياء معتذرة : أسفة عمي فقد كنت افكر بأمر ما.


زوجة عمها : دع الامر لله يا بنيتي واخبريني كيف حالك الأن. 


علياء : بخير يا خالة ولكن ينبغي علينا العودة. 


نظر عثمان بطرف عينه اليها ولم يتحدث بينما اعترض عمها رفضاً وتحدثت ابنة عمها قائلة:


أتودين السفر قبل موعد زفافي يا علياء


علياء بحزن : سوف نأت وقت الزفاف بأمر.


زوجة عمها : لا لن تذهبا الا بعد اتمام تلك الزيجة اما ترين اننا بمفردنا انا وهي، هل طاوعك قلبك. 


عليك البقاء ومساعدة حورية في شراء ما تبقي لها من ملابس ومستلزمات للعرس.


هل تتخلين عنها يا فتاة؟


عثمان بتهكم : علياء اعتادت التخلي يا أماه فلا عجب في أمرها.


نظر اليه الجميع بغضب واستنكار بينما غادرت علياء في صمت.


توجهت الي الغرفة التي اعدت لها ولشقيقتها واغمضت عينيها تسترجع ما حدث


فلاش باك


............................... 


كانت علياء تدور بسعادة كفراشة رائعة الجمال خرجت للتو من شرنقتها الي الحياة


تساءلت في براءة قائلة:


هل أبدو جميلة يا قمر ؟


أجابتها قمر بتأكيد : بل انت فاتنة يا علياء لم اعتقد ان الفستان سيبدو بتلك الروعة. 


علياء : أجل، لقد اعجبني للغاية، ارجو ان ينال اعجاب عثمان. 


قمر : حسنا يا حمقاء اعتقد انك ان ارتديت زي مهرج سينظر اليك عثمان بوله وافتتان فهو عاشق حد الجنون. 


أمسكت علياء احدي الوسادات والقتها بوجه قمر قائلة:


الا يحبك جاسر يا هذه ؟


قمر بهيام : يحبني وانا اعشقه. 


علياء : كم انا سعيدة، اتعلمين لم أشعر بسعادة كهذه من وفاة والدتي. 


احتضنتها قمر بحب قائلة : بالله عليك يا بائسة لا تفسدي جمال اللحظات التي نحياها وتذكرين والدتك وتبكين وابكي انا جوارك


أومأت اليها علياء متسائلة:


أين نسمة؟


قمر : أرسلتها لكي تحضر لنا بعض المسليات


قهقة علياء وبادلتها قمر الضحكات التي كانت تعلو من قلوب يغمرها العشق وبخارج الغرفة كانت زوجة والدها تتميز غيظاً فكيف لعلياء ان تحظى بتلك السعادة وتتزوج بعثمان بينما هي قد تزوجت برجل يكبرها بسنوات عدة والأسوأ أنه ارمل ولديه طفلتان.


 عليها انتزاع تلك السعادة من جذورها.


توجهت بحزن مصطنع تجاه غرفة زوجها الذي طالعها بقلق قائلاً:


ماذا حدث يا تحية!


اجابته بخفوت : ابنتك لا تعيرني اهتماماً وتكتفي بصديقتها المدعاة بقمر، حاولت مراراَ التقرب اليها دون فائدة. 


صادق بهدوء : قمر وعلياء صديقتان منذ الطفولة وتعلمين انهما لا تفترقان. 


تحية : حسناً كما تشاء يا صادق انا المخطئة. 


صادق : لم اقصد ذلك!


تحية : انا أحاول جاهدة انا أعوض ابنتيك غياب والدتهما ولكنهما لا تعطياني الفرصة.


تحدثت بخبث قائلة:


ربما كان السبب هو خوفي علي علياء من علاقتها بعثمان ونصيحتي المتكررة لهما بالتريث والا ينجرفا وراء مشاعرهما. 


صادق بغضب : ماذا تقصدين!؟


تحية : لا شئ.


أمسك بمعصمها يعنفها بقسوة وتحذير قائلاً


اخبريني يا امرأة ماذا حدث؟


تحية بمكر : لا شئ يا أبا علياء لكن عثمان يستغل ثقتك به ولا يطيق الانتظار الى أن يتمم زواجه من علياء وهي بالأخير مازالت صغيرة بالعمر وتنساق خلف مشاعرها..


لقد شاهدتهما مراراً يتبادلان القبلات وحذرتهما دونما فائدة ولم أشأ ان اعكر صفو علاقتكم فهو ابن اخيك. 


وبالفعل استطاعت تحية تعكير الصفو واستطاعت اقناع والد علياء بما تريده هي


اندفع والد علياء تجاه غرفتها دون استئذان يسبها ويكيل اليها اتهامات لم تتخيل علياء يوما ما أن تسمعها بينما قمر تحاول دون فائدة ان تحيل بينه وبين صديقتها.


 لم يبتعد صادق عن ابنته الا بعدما تلون فستان زفافها بدمائها وكادت أن تفقد وعيها بين يديه. 


هرول عثمان الذي أتاه صوت علياء وصراخها القوي ليقف مبهوتاً بعدما نظر اليه عمه قائلاً:


هل وصلت بك الوقاحة أن تأت الي هنا


عثمان : وما الذي فعلته يا عماه؟


صادق ممسكاً عثمان بقسوة : هل تراني ديوثاً يا هذا !


عثمان برفض : حاشا لله يا عمي ماذا تقول، أنا لم افعل شيئاً يسئ اليك أو الى علياء. 


صادق : بل أنت كاذب لقد اتخذت من ثقتي المفرطة بك ستاراً تخفي خلفه تقربك من تلك الساقطة وربما سلمتك نفسها لذا تتلهف الي الزواج بها قبل أن ادري بما حدث


شهقت قمر باستنكار وتحدثت بقوة وجرأة كانت تتميز بهما قائلة:


وهل انت ياعمي لا تعلم يقينا حسن اخلاق ابنتك وابن اخيك أم أن الحية التي بثت سمها بأذنيك جعلتك تنسى. 


صادق بغضب : لا شأن لك يا قمر. 


قمر : كيف، علياء شقيقتي واكثر. 


صادق بحدة : قلت لا شأن لك يا فتاة وهيا انصرفي الى بيتك. 


امسكت علياء بكف قمر وكأنها تستنجد بها الا تتركها بمفردها لكن اصرار صادق وكلماته الحادة اجبرت قمر علي الذهاب وتلك كانت الذكرى الاخيرة لقمر وعلياء قبل أن تتشوه حياتهما سوياً فعقب أيام تعرضت قمر لذاك الحادث وانفصلت علياء عن عثمان مرغمة.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


والاعتياد هو الخطوة الأولى في درب الهوى فحب الاشياء يعني اعتيادك لوجودها وتعودك علي بقاءها واعتيادك لرؤية شخص ما يشبه الي حد كبير ادمانك لقهوتك اليومية التي اعتدت تناولها.


اعتادت قمر القرب من يامن والعمل بصحبته صارت تنتظر مضي الليل سريعاً ليحل الصباح وتشرق شمس جديدة تنير عالمها الذي غمره الظلام سنوات.


اعتادت حديثه وصمته نظراته الصامتة وربما غموضه.


ورغم تعامله الجاد معها الا أنها ترى بتعامله وداً افتقدته كثيراً فيامن هو الرجل الأول الذي يتعامل معها دون أن يراها او ربما يتعامل معها بتلك الصورة كونه لا يعلم أنها مشوهة.


مدت قمر يدها اليه ببعض الأوراق فدقق النظر اليها قليلاً ليتحدث بجدية قائلاً


حسنا يا قمر، هناك بعض الاصناف التي نحتاجها سجلت لك البعض منها.


إذا أتى مندوب شركة الأدوية اثناء غيابي عليك بالتعامل معه.


قمر : حسناً.. سأفعل بأمر الله. 


يامن : لمَ تبدين اليوم هادئة، هل انت بخير؟


قمر بخفوت : أجل انا بخير.


يامن : سوف أتوجه الى المسجد لأصلي العصر.


غادر يامن ولم تجبه قمر بل كانت تشعر بالاختناق مشاعرها تلك ليست من حقها.


عليها ان تفيق من احلامها الواهية فهي قد فقدت حق الاختيار منذ تلك الليلة التي أطاحت بحاضرها ومستقبلها. 


انشغلت قمر قليلاً بالعمل والمرضى والزبائن الذين يتناوبون علي الصيدلية الي أن ظهرت أمامها تلك الفتاة..


فتاة جميلة؛ أنيقة، تعمل مندوب بأحد الشركات الطبية، ثقتها بنفسها تشعر قمر بالخوف فهي على نقيضها.


ابتسمت الفتاة بعملية قائلة:


مرحباً دكتور قمر، كيف حالك؟


قمر : بخير. 


الفتاة : أين دكتور يامن ؟


أجابها يامن بدلاً من قمر قائلاً بمزاح أتعب قلب قمر


ها أنا ذا، من يريدني ؟


أجابته الفتاة ببعض الدلال الخفي


بالتأكيد انا اريدك دكتور يامن، ومن تلك التي لا تريدك. 


ابتسم يامن بمجاملة وادمعت عينا قمر وكأنها طفلة صغيرة فقدت للتو شيئا غالياً كانت تود الاستئثار به فانتزعه أحدهم من بين يديه.


طال الحديث بين يامن وتلك الفتاة بأمور العمل وغيرها فهي لبقة للغاية وثقافتها لا يستهان بها.


طلب يامن الى قمر اعداد بعض الشاي لثلاثتهم فازداد انهياار قمر معتقدة أنه تعمد اهانتها بينما هو لم يقصد ما تفكر به.


غادرت الفتاة وانتهى اليوم ببطئ وكأنه يأبى الانتهاء.


حملت قمر حقيبتها وهمت بالانصراف لكن 


صوت يامن استوقفها قائلاً:


انتظري يا قمر بإمكاني ان أقلك في طريقي


نظرت اليه قمر بعيون جريحة تتألم من الكون بأكمله فاستنكر يامن دموعها تلك قائلاً:


ماذا هناك.. هل أصابك مكروه أم ماذا؟ 


قمر بغضب : وما شأنك انت؟


يامن بتعجب: هل جننت يا فتاة!


قمر بحدة : لست طفلة صغيرة لتدعني بفتاة، اسمي قمر. 


يامن بهدوء لم يعطه لسواها


حسنا دكتور قمر، ماذا حدث وبما اخطأت أنا لأغضبك بذاك القدر؟


انتابت قمر نوبة بكاء حادة عجزت عن الهرب منها. 


ووقف يامن عاجزاً لا يعلم ما عليه فعله.


تركها يامن تهدأ قليلاً ليتحدث بعد قليل 


بصوت دافئ قائلاً:


انا لا اعلم لمَ تبكين ولكن ان كنت انا السبب فحقاً انا اعتذر اليك. 


قمر : لقد طلبت اليَ اعداد الشاي لكما وكأنني خادمة هنا وانا لست كذلك. 


يامن بصدمة ورفض : بالطبع لا أنا لم اقصد ذلك مطلقاً لقد تعاملت معك كما افعل دوماً فأنت كشقيقتي الصغرى.


شقيقتي!


اعادها عقل قمر مرات متتالية وكأنها تحاول استصاغتها.


هدأت نوبة بكاءها قليلا وتحدثت بترو قائلة:


لا داع للاعتذار دكتور يامن يبدو أنني متعبة قليلاً وأعاني بعض التوتر.


 عليَ الانصراف. 


يامن : لا، سوف اصطحبك معي فأنا متجه الى نفس وجهتك. 


قمر بحزن : لا اعتقد، فوجهتانا مختلفتان تماما.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


اختبأ خلف باب غرفته وكأنه يحتمي به من ضعفه الذي يدعوه الى الذهاب إليها واحتضانها بين يديه معتذراً.


يعلم أنه أحزنها ولكن ينبغي عليه ذلك فقد قتلته ، مزقت قلبه وتركته ينزف في صمت وافقت وان كانت مرغمةـ فقد وافقت واستسلمت وصارت ملكاً لرجل سواه


أمسك بين يديه كفيها اللتان كان يستشعر بداخلهما قلبه يخفق بضعف ينبض ويحيا لها وبها.


مؤكد أنه قد نظر الى عينيها وغرق داخل أمواجهما القوية وربما بادلته هي تلك النظرات وابتسمت اليه فأنارت حياته كما كانت تفعل معه هو.


هل سمحت له أن يقبلها ويمس شفتيها، هل نال منها ما لم ينل منها هو!


هل أخذ حقه الذي احتفظ به سنوات.


بكى عثمان بقوة رجل تقتله نيران الغيرة والاشتياق واقنع قلبه وعقله ان ما يفعله مع علياء ليس الا رد فعل لدموع صاحبته سنوات في غربته وعزلته التي اختارها كي يبتعد عن دربها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


استيقظت علياء في الصباح يداهمها ألم قوي برأسها لكنها لم تهتم.. توجهت بخطوات هادئة كي لا تزعج شقيقتها النائمة جوارها وتناولت بعض المسكنات.. استمعت الي دقات خفيفة فوق الباب فاتجهت لرؤية الطارق.


علياء بهدوء : صباح الخير خالتي


والدة عثمان : صباح الهناء يا حبيبتي.


هيا نتناول الفطور سويا فقد اعددت لك ما تشتهين. 


علياء : سلمت يداك يا خالة لكنني متعبة ولا ارغب في الطعام، بالهناء والعافية لكم.


استمع عثمان الي قولها متعبة فأصابته نغزه قوية بأضلعه وخفق قلبه فتساءل بقلق


ما الذي يؤلمك يا علياء ؟


علياء : لا شئ.


عثمان : ارتدي ملابسك وسأنتظرك بالسيارة لنتوجه للطبيب


ابتسمت والدته بحبور فهي قد تيقنت من عشق ولدها لعلياء رغم سنوات البعاد واصرت علياء على الرفض قائلة:


اشكرك كثيراً استاذ عثمان لا تقلق بشأني ولا تهتم كثيراً، سوف اذهب للطبيب عند عودتنا الي القاهرة.


ابتسمت علياء الي زوجة عمها قائلة:


عقب عرس حورية ان شاء الله.


اقترب عثمان منهما قائلاً بحدة :


اياك ان تتحدني يا علياء وعندما اطلب اليك أمراً عليك فقط أن تطيعيه هل فهمت !


علياء بغضب : في احلامك فقط يا عثمان، أفهمت ما أقول أطيعك فقط في احلامك.


ابتسمت والدة عثمان خفية وقد استبشرت خيراً بعودة علياء لسابق عهدها فكانت هي الوحيدة القادرة علي تحدي عثمان ومواجهة عصبيته وعناده ونظر عثمان الى علياء متوعداً فأشاحت بوجهها عنه واتجهت بصحبة زوجة عمها لتناول الفطور.


أتى يامن الي الصيدلية فوجد قمر جالسة، ابتسم قائلاً:


صباح الخير يا قمر، اليوم انت نشيطة للغاية فتلك سابقة أن تسبقينني الى العمل.


ارتبكت قمر من حضوره القوي لكنها تذكرت ما حدث بينهما بالأمس فأجابته باقتضاب


صباح الخير دكتور يامن، سوف أسعى الى المجيء مبكراً قدر استطاعتي.


يامن : هل أتت سمية أم لا ؟


قمر : ليس بعد.


يامن : حسناً..


انقضى بعض الوقت وأتت سمية، نظرت الي قمر كالمعتاد والقت التحية وبادلتها اياها قمر، واقتربت من يامن قائلة :


كيف حالك دكتور يامن؟


يامن بود : بخير حال، هل تتناولين معنا الشاي كما الأمس.


اومأت سمية بترحاب وانزعجت قمر للغاية.


لكن يامن اقترب منها قائلاً:


سوف أعد انا الشاي اليوم فبالأمس تفضلت علينا واعددته لنا، اعتقد أنه قد حان دوري لرد الجميل يا قمر.


نطق اسمها بنبرة مختلفة محيرة فلم تدر قمر هل يناديها أم يصفها وابتعد يامن بتوتر بعدما تعلق بصره بعينيها الفائقة البراءة والسحر.


لم تعلم قمر حينها هل تجبه أم تكتفي بدقات قلبها المتسارعة التي تعبر له عن مدى سعادتها وامتنانها له بينما نظرت اليهما سمية بضيق فهي لم تعتقد ان قمر خصم له وزن ويجب أن تضعه في الحسبان.



رواية خسوف القمر بقلم نداء علي


الفصل السادس


بسم الله الرحمن الرحيم 


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


وقد يبدو الندم كلمة حروفها بسيطة لكنها من أشد الكلمات فتكاً وتدميراً لصاحبها تجعله هائماً بين عالمين، احدهما يحيا به ويرفضه والاخر قد تولى ويتمني أن يسترجعه. نبقى نتأرجح بين ااااه ولو، ويمضي العمر إلى أن ينتهي فلا نحظى بحاضرنا ولا نمتلك رفاهية العودة الى الماضي واصلاح ما أفسدناه ولا يبقى لنا سوى الندم.


 


نظر جاسر بتعجب ونفور الى طليقته وهي تساومه بجرأة أجفلته ، ففي بادئ الأمر إعتقد انها قد اشتاقت الى طفلتهما الصغيرة لكنها تحدثت اليه بقوة قائلة:


استمع اليَ جيداً يا جاسر أنا لن أتخلى عن أحلامي ومستقبلي من أجلك انت وطفلتك. 


جاسر : وما شأني أنا وشأنك، هل جننت؟!


تيماء : لم أجن بعد، لقد أتت اليَ والدتك تخيرني بين العودة إليك أو أخذ ماسة فأنت ترغب بالزواج.


لم يصدق جاسر ما يحدث فتحدث مستنكراً 


وهل أصابني العته لكي اسلمك طفلتي.


 


هل امرأة مثلك تؤتمن على تربية طفلة كماسة؟! 


تيماء : هل تدعي إذن أم أن والدتك أتت اليَ دون علمك؟


جاسر : بكل تأكيد فأنا لم ولن أثق بك مرة ثانية واطمئني يا تيماء ابنتي ستظل معي ما حييت.


تيماء بتوتر : أنا لم اقصد ولكن ماسة تحتاج الى رعاية وأنا أقضي يومي بأكمله بالعمل..


قاطعها جاسر قائلاً:


لا داع للتبرير فأنا أحفظك عن ظهر قلب يا تيماء أنت للأسف لا تستحقين لقب أم ولكن شاءت الأقدار أن تبتلي ابنتي بأم مثلك. 


تيماء بغضب : لم يكن هذا رأيك فيما مضى لقد توسلت اليَ طالباً الزواج بي بعدما فسخت خطبتك بتلك الفتاة أم انك نسيت؟


جاسر بندم : ليتني أنسى وليتك ما دخلت الى حياتي. 


تيماء مغادرة المكان دون الالتفات لطفلتها :


حقاً انت انسان لا تحتمل..


أغمض جاسر عيناه محاولاً كبت انفعالاته لكن صوت والدته المتهكم جعله يصرخ بوجهها قائلاً:


ألم أطلب إليكِ ألا تتدخلين بما يخصني، لمَ قد ذهبت الى تيماء؟


والدة جاسر : ألم تخبرنا أنك تود الزواج بأخرى، لقد حاولت إثارة غيرتها ربما ترجع إليك والى طفلتها. 


جاسر بحدة : وانا لا أريدها، أنا أكرهها وأكره ضعفي الذي جعلني انساق وراءك واتزوج بامرأة متحجرة القلب كتلك.


والدة جاسر : أليست أفضل من تلك الدميمة التي تنوي أن ترجع اليها وتقضي جوارها حياتك القادمة.


نظر اليها جاسر بانهيار هامساً


قمر ليست دميمة بل انا الملام فيما حدث.


لقد تأثرت بكِ، كنت مشتتاً واستغليتِ ضعفي وجعلتِ تلك الجاحدة تتقرب إليَ فلم أدر ما حدث وكيف انتهي بي المطاف زوجاً لها.


لا أعلم كيف تخليت عن قمر. 


حملت والدته ماسة بعدما غلبها النوم ونظرت اليه وكأنها لم تستمع إلى أي من كلماته قائلة:


افعل ما تشاء فمهما حدث أنا على يقين انك لن تتحمل البقاء مع قمر مطولاً.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


هبطت نسمة الى الأسفل تبحث بعينيها عن زوجة عمها التي اقتربت منها متسائلة بحب 


أين علياء؟


نسمة : لقد أخبرتني أنها لن تأت معنا، 


هي مازالت متعبة وتعاني من ألم حاد برأسها. 


زوجة العم بحزن : لو أنها وافقت على الذهاب معنا الى الطبيب أما كان أفضل لها. 


نسمة : لا تقلقي يا خالة سوف نطمأن عليها بعدما نرجع الي القاهرة. 


زوجة عمها برفض : لقد أخبرني عمك أنكما لن تذهبا يا نسمة، هو فقط يجاري علياء في حديثها كي تهدأ قليلاً لكنه قد عزم أمره على بقاءكما معنا يا بنيتي فعقب زواج حورية سوف يسعى عمك الى استكمال دراستك هنا.


 


نسمة بسعادة : حقا يا خالة ؟


احتضنتها زوجة عمها قائلة:


بل قولي أمي كما كنت تقولين في صغرك.


 


نسمة : حسناً يا أمي، أنا سعيدة للغاية وأتمنى أن توافق علياء.


 


زوجة عمها : دعك من علياء وعنادها فأنا أعلم ما يؤرقها وهيا بنا نشتري ما يلزمنا قبل أن يرجع عمك وعثمان من الخارج.


 


ظلت علياء بغرفتها تود النوم ولو قليلاً لكنها لم تستطع، تحركت متوجهه الى أسفل لكن صورته الموضوعة بالرواق استوقفتها.


 


كم اشتاقت اليه والى قربه لكنها قد حرمت منه مرغمة، كم تود الاقتراب منه والنظر اليه ملياً لكن نظراته تبعدها. 


أخذت تتأمله وكأنها تائهة بين ملامحه.


 


تنهدت بضيق فتحدث هو بحزن بعدما أتى الى البيت ولاحظ شرودها أمام صورته قائلاً:


هل أعجبتك صورتي الى ذاك الحد ؟


علياء دون الالتفات اليه:


ربما أبحث بها عن شئ لا أجده عندما انظر اليك!


عثمان : لم يتغير شئ، بل انت من تغيرتِ


علياء : مؤكد انني تغيرت كثيراً فعندما يخذلك أمانك ومصدر قوتك تغدو روحاً حائرة لا تحب ولا تثق بأحد تنتظر دوماً الغدر والخذلان. 


عثمان بغضب : وهل أنا من خذلتك أم انت من خان العهد ؟


علياء : لا يهم من منا قد فعل، الأهم أننا تغيرنا يا عثمان.


صمتت مطولاً لتسأله بترقب: 


لمَ لم تتزوج الى الآن ؟؟


عثمان باندفاع : لقد تقدمت الى خطبة فتاة بالخارج لكنها لم تشأ الرجوع معي الى مصر.


 


اغمضت علياء عينيها بضعف وتحدثت بصدق قائلة: 


ارجو لك السعادة يا عثمان، لطالما تمنيتها لك.


 


سعادتي كانت معك وبك وبعدما افترقنا لم أذق للسعادة طعماً، ليتنا ما كبرنا يا علياء ليتك بقيت طفلتي التي اعشقها في صمت.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تطلع يامن الي وجه الطبيب الواقف أمامه بتعجب فلاحظ نظراته المتأملة لقمر.


تساءل يامن دون تردد قائلاَ:


هل انت على سابق معرفة بقمر؟! 


تنحنح الطبيب بحرج قائلاً:


 


لا، ولكن تلك العيون تجذبك الى النظر اليها مراراً


يامن بتحذير : دكتور أشرف أنا اعتبرك صديق عزيز فلا داع لما تقول وليتك تتعامل مع قمر كما تتعامل معي. 


أشرف ممازحاً : هل تغار أم ماذا؟


يامن بجدية : لا انا لا أغار فهي ليست امرأتي ولكنها مسؤولة مني وينبغي عليَ حمايتها كما أنها فتاة مهذبة ولا يجوز النظر اليها بتلك الطريقة. 


أشرف : وان قلت أنني معجب بها؟


يامن : اذاً تحدث اليها وان كنت ترغب في الارتباط بها فلتفعل.


 


أشرف : حسناً، سوف أفكر في الأمر، 


واعتذر ان كان تصرفي قد اغضبك. 


غادر أشرف وتوجه يامن الى قمر قائلاً بحدة غير مبررة: 


هل تضعين عدسات لاصقة؟


نظرت اليه قمر بدهشة قائلة:


بالطبع لا، لمَ تسأل؟!


يامن بتوتر : لا شئ ولكن الأفضل أن تنتقبي كلياً بدلاً من اظهار عينيك هكذا، فهي فتنة. 


تعلقت نظراتها به وتوقف عقله عن استيعاب ما تفوه به.


أرادات قمر نهره لكنها ارادت الاستمتاع بتلك اللحظة وان كانت لحظة وقتيه ستنتهي لا محالة الا أن احتياجها الى كلمات تشعرها بكونها انثى جعلها تؤثر الصمت.


تكرار رنين هاتفه جعل كليهما ينتبه الى الواقع، فيامن لن يسمح لقلبه بالتعلق بأحد وقمر عليها ان ترجع الي شرنقتها كي لا تقابلها صدمة اخرى فتكن القاضية.


اجاب الاتصال فابتسم تلقائياً عندما استمع الي صوت والدته تحادثه قائلة:


كيف حالك يا صغيري؟


قهقه يامن قائلاً:


بخير يا حبيبتي


نهال : أنا بالقرب منك هل أتى إليك وأتناول قهوتي معك


يامن بترحاب : وهل لي أن أرفض شرفاً كهذا، أنا بانتظارك. 


ادار يامن وجهه الي قمر قائلاً:


والدتي في طريقها الى هنا.


قمر بهدوء : حسناً.


يامن : لقد نفذت القهوة لدينا سأذهب مسرعاً واحضر البعض منها، هل ترغبين بشئ؟! 


قمر : شكراً لك.


 


بعد قليل عاد يامن وفي اعقابه والدته.


 كانت تبدو سيدة في منتصف عقدها الخامس، أنيقة دون اسفاف وجمالها ذو رونق مميز.


 


تبادلت التحية مع قمر وتحدثتا الى بعضهما بينما يامن قد اعد القهوة كما تهواها والدته.


 


ارتشفت نهال قهوتها بهدوء وعيناها تتابعان قمر التي كانت تدعي الانشغال بعملها بينما قلبها ينبض بعنف فهي لم تعتد بعد التعامل المباشر مع أناس جدد.


تحدثت نهال بود قائلة:


لقد حدثني يامن عنك كثيراً


قمر بترقب  : حقاَ، وهل ما قاله مدحاً أم ذم؟


ابتسمت نهال قائلة: 


يامن عندما يغضب من شخص لا يذكره مطلقاً


قمر : حسناً، هذا يعني انني محظوظة للغاية فهو ليس غاضباً مني. 


نهال : وكيف له أن يغضب من فراشة رقيقة مثلك ما شاء الله تبدين جميلة يا قمر هل لي برؤية وجهك؟ 


الهلع البادي بعيني قمر جعل نهال تتراجع قائلة :


لا تفزعي هكذا، لقد كنت أمازحك.


 


امتلئت عيني قمر بدموع نجحت في إخفاءها لكن يامن الواقف جوار والدته قد لاحظها وبدأت شكوكه في الازدياد حيال قمر.


كم أن الحياة متقلبة، تارة هادئة وتارة أخرى يعلو صخبها فيصم الأذان.


 


تعجبت قمر في نفسها مما يحدث فرؤيتها الآن لوالدة يامن كان أشبه بالصفعة القاسية التي ايقظتها من حلمها الواهي في حب محال ووصال لن تنله مطلقاً.


 وكيف تناله وهي ترتعب من رؤية نهال لوجهها المشوه.


 


بينما كان عقل يامن حائراً يتخيل أسباب عدة لتوتر قمر وهداه تفكيره الى أن بحياتها سر ما وربما شخص ما جعلها تخشى التعامل والاقتراب ممن حولها. 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


اقترب موعد العرس المنتظر ببيت عثمان واستغلت علياء التجهيزات في شغل وقتها بأكمله وفعل عثمان المثل كي يبتعد عن دربها قليلاً ربما تهدأ ويهدأ معها نيرانه التي تندلع كلما تذكر اقترانها بسواه 


محال أن يتركها ثانية لكنه لا يعرف السبيل الى استعادتها واستعادة  روحه التي ضلَ السبيل اليها. 


............................... 


استعادت قمر بعضاً من ثباتها ونجحت في كبح جماح نفسها التواقة في فرصة ثانية للعيش.


 


هب يامن واقفاً بقلق عندما اقتحم الصيدلية بعضاً من رجال المباحث تقدم احدهم قائلاً:


هل أنت المالك لتلك الصيدلية؟


اجابه يامن : أنا المسؤول هنا.


 


الضابط : معي أمر من النيابة العامة بالقبض على المالك، وصاحبة ذاك التوقيع، قمر القادري.



#نداء_علي


رواية خسوف القمر بقلم نداء علي 


بسم الله الرحمن الرحيم 


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


الفصل السابع


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


وقد يمل القمر من إدعائه لبث الضوء بالسماء المظلمة وهو يعلم يقيناً انه معتم لا ضوء بداخله بل يتغلل بداخله ظلام دامس


يستمع الى همس البشر فيما بينهم متغزلين بجماله، يستغله العاشق في وصف معشوقته واصفاً إياها بالقمر فيصيبه ألم يجعله يختبأ خلف خسوفه الذي يحميه من تلك العيون الناظرة اليه ويبكي حظه العسر. 


كانت تنتحب في وقفتها وينتحب الكون من حولها فقد طغى الظلم من جديد وها هي بمحكمة يبدو أنها قد اتخذت قرارها قبل التحقيق.


تحدث الضابط بجمود وغلظة قائلاً:


توقفي عن البكاء والعويل أيتها البائسة واخلعي عن وجهك ذاك الغطاء.


 


نظرت اليه في تألم وكأنها ترجوه أن يتركها هكذا فهي لن تحتمل تلك المواجهة


نهرها الضابط بحدة اعتادها في تعامله مع من يتعامل مع إجرامهم يومياً فامتنعت قمر عن خلع نقابها وتشبثت به بقوة


هب واقفاَ متجهاً اليها لحظات وقد نزعه عن وجهها بقوة.


 


نظر اليها باشمئزاز فازداد انهيارها ووجه نظراته اليها متسائلاً بتهكم:


وهل ترتدين النقاب لإخفاء ذاك الجمال الطاغي !


خبأت قمر وجهها بكلتا يديها وحاولت البقاء ساكنه مكانها تتمني ان تفيق الان من ذاك الكابوس المرعب. 


وجه بصره الى الرجل الواقف أمامه قائلاً:


اعدها الى الزنزانة الي ان يأتنا جديد بشأنها، لا اعلم أي حظ عسر أوقعها بين يدي هؤلاء القوم.


 


............................... 


بخارج غرفة التحقيق كاد يامن أن يفقد عقله من صدمته.. مر يومان ولا يرغب أحد في توضيح ما حدث وما سبب القبض على قمر والسيد داوود مالك الصيدلية .


 


تحدث الى محاميه بشئ من الحدة قائلاً:


ما الذي تقصده بأنه لم يظهر أمر جديد.


هل سيبقي السيد داوود وقمر هكذا ؟


اجابه المحامي بجدية : 


سيد يامن لقد أخبرتك بعدما إطلعت على اوراق الدعوى ان السيد داوود تم القبض عليه باعتباره مالكاً للصيدلية وقمر هي من وقعت باستلام تلك الأدوية المحظور تداولها.


 


يامن : لكن ذلك لم يحدث قمر مطلقاً لم توقع أوراقاً كتلك سوى مرة واحدة كنت أنا خارج المحافظة وأوكلت إليها التوقيع بدلاَ مني، تلك جريمة ملفقة.


 


المحامي : للأسف هناك أمر ما غير مفهوم وربما كانت الشكوى المقدمة كيدية من منافس ما..


 


يامن : اذا عليك بإثبات ذلك واخراجهما. 


المحامي : الأمر ليس هيناً سيدي فالأوراق المقدمة لا ثغرات بها وكأن من أعدها مخضرم فيما يخص القانون.


 


شرد يامن وتأكد ان والده خلف تلك التهمة الملفقة، انتبه الي صوت المحامي فاستكمل يامن كلماته قائلاً:


أود رؤية قمر والسيد داوود الأن، عليك بالتصرف مهما تطلب الأمر.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


كانت والدة قمر تتخبط في خطواتها لا تعلم أين تذهب ولمن تلتجأ، كانت دعواتها لا تتوقف.


 


يومان مرا لم تترك باباً إلا وطرقته ربما تجد ابنتها ولكن دون فائدة.


هاتفها مغلق ولا تدر بأي مكان مقر عملها.


 


هرولت وقدماها لا تقويان على الحركة خوفاً من مجهول لا تعلمه، هل أصاب صغيرتها سوء، اما يكفها ما أصابها من قبل.


 


هل اختطفت ام قتلت، لم تستطع ان تحتمل تلك الهواجس القاتلة فجلست ارضاً بمدخل البناية.


 


من بعيد رآها جاسر الذي اتى راغباً في رؤية قمر.


 


اقترب منها بحذر فهو لم يلتق بها منذ ابتعاده عن قمر.


 


تحدث اليها بإشفاق قائلاً : 


ما بك يا خالة سميحة؟


في بادئ الأمر لم تتعرف اليه وسرعان ما تذكرته بعدما كرر سؤاله مرة أخرى، نظرت اليه بدموع فاضت من قسوة ما تعانيه قائلة:


ابنتي قد ضاعت يا جاسر، مر يومان ولم تعد، مؤكد انه قد أصابها مكروه.


 


ااااه يا بنيتي، لقد اكتفينا من تلك الدنيا ومصائبها التي لا تنتهي، اللهم رحمتك أرجو.


 


مد جاسر يده اليها هامساً بحزن :


لن يصيبها سوء إن شاء الله، هيا معي سوف نبحث عنها. 


لم تستطع سميحة الرفض رغم رفضها لوجود جاسر إلا أنها لا تجد بديلاً امامها.


 


تساءلت سميحة بصوت ضعيف من فرط وجعها :


أين سنذهب الآن، أين ينبغي بنا البحث عنها؟


جاسر : علينا الذهاب الى مقر عملها اولاً. 


سميحة : لكني لا أعلم أين هو.


 


جاسر بحزن : أنا اعلمه، فقد كنت اتبعها منذ فترة.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


وعيون العاشقين نوافذ تطل منها أسهم لا يصاب بها إلا من ذاق طعم الهوى وأتقن فهم لغته واشاراته.. لغة تجسد مشاعر يصعب البوح بها، غيرة واشتياق ووجع وندم وصراخ يدعوك للعودة. 


كانت علياء تتنقل هنا وهناك تحاول الاندماج بين فتيات كثر اتين لمباركة زواج ابنة عمها.


 


يتراقصن ويتضاحكن فيما بينهن، توجهت علياء الي غرفتها لترتدي ذاك الثوب الذي انتقته لها زوجة عمها فكان ثوباً مميزاً جماله هادئ وبعدما ارتدته علياء صار صارخ الجمال.


 


تحركت خارجاً بسعادة فهي تبدو الأن كأميرة فاتنة.


تلقاها عثمان بعينيه وليته ما فعل فبداخلهما صراعات مؤلمة.


يناظرها بإعجاب وتعجب من جمالها الذي ضاعفته السنوات ولم تضعفه.


غيرته كانت واضحة لحد مخيف وكأنه يحذرها أن يراها أحد سواه


عتابه كان مستكيناً بين مقلتيه لكنها استطاعت قراءته فبادلته اياه بعتاب أشد وأقوى.


مرت بجانبه فسلب عقله عطرها الهادئ الرقيق كحالها واستوقفها قائلاً:


تبدين نجمة في سماء لا نجوم بها سواك يا علياء


ابتسمت بخجل قائلة:


هل أنت واثق انه لا نجوم سواي فأنا أرى منهن الكثير الليلة.


ابتسم قائلاً: 


بل لم أر بحياتي نجمة سواك وربما كنت أرى بك نجمة وسماء وأرض وكون بأكمله لذا كان غيابك انسحاب لروحي.


 


بادلته هي نظراته وكلماته بهمس أعاده الي سنوات ماضية عندما قالت:


وانت كنت ولازالت ساكن الفؤاد ومليكه يا عثمان.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


اقتربت نهال من يامن ونادته باسمه التفت الي والدته وهرول اليها قائلا بيأس : 


أرأيت يا أماه، لقد نفذ تهديده وتسبب في أذية دكتور داوود وقمر. 


لاحظت نهال التعب البادي بوجه ولدها فرق قلبها لضعفه، امسكت بكف يده وخرجا معاً الي ان وصلا الي سيارتها الواقفة بالخارج.


 


جلست نهال وجلس يامن جوارها وظل صامتاً الي أن تحدثت هي قائلة:


هل تأكدت ان جمال وراء تلك الحادثة؟ 


يامن بغضب : ومن سواه، من بإمكانه شراء الذمم والتلاعب بحياة البشر سواه، من لديه القوة ليفعل فعلته.


 أقسم بربي لو لم يكن والدي لكنت قاتلاً له بلا ندم.


 


نهال برفض : يامن لا تدع غضبك يعميك عن كونه والدك. 


يامن : امي! لقد تسبب في إيذاء فتاة لا حول لها ولا قوة ورجل كل ذنبه أنه اتخذني ولداً له وغمرني برعايته. 


نهال : حسناً عليك الهدوء قليلاً والتفكير بترو كي نصل الى حل، هل رأيت قمر وداوود ؟


يامن : لا، لديهم تعليمات بمنعي عن رؤيتهم.


 


نهال بجدية : سأذهب اليه.


 


يامن بتأكيد : بل أنا ذاهب إليه الآن.


 


نهال : انتظر قليلاَ يا بني ربما يتمكن المحامي من الوصول الى مخرج، على الأقل نرى تلك الفتاة المسكينة أولاَ ونطمئن علي حال داوود.


 


أغمض عينيه ولا يعلم ما ينبغي عليه فعله.. استجاب لما قالته والدته فقلبه لن يطمئن الا بعد رؤية قمر وداوود. 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تسمرت قدمي جاسر أمام الصيدلية بعدما وجدها مغلقة بأمر قضائي وتم تشميعها.


نظرت اليه سميحة ولا تدر ما حدث ولم يجد هو ما يقوله.


 


استوقف جاسر احد المارة الذي قص عليه ما حدث دون تجميل.


 


نفت سمحيه ما قاله ذاك الشاب بقوة ورفض


 


محال، ابنتي لم تكمل بالعمل هنا ستة أشهر، بالله عليكم دعونا وشأننا، هي أضعف من أن تؤذى أحداً فلمَ يصيبها كل ذاك الأذى. 


جاسر بجدية : هيا بنا يا خالة، علينا التوجه الى قسم الشرطة لمعرفة ابعاد القضية.


نظرت اليه سميحة بريبة وداهمتها ذكريات ذاك اليوم الذي تخلي فيه جاسر عن ابنتها فابتعدت عنه قائلة:


وانت لمَ عدت الآن وماذا تريد، ابنتي لن تحتمل غدراً منك ولا تخلى عنها.


 


جاسر بندم : اخطأت فيما مضي ولن اكرر الخطأ، ثقي بي وهيا بنا الآن فالوقت يداهمنا.


 


تحدث جاسر الى احد اصدقائه الذين يعملون بالمحاماة وسبقه الى قسم الشرطة للوقوف على ملابسات ما حدث.


 


ضمت قدميها الى صدرها واحكمت احتضانها لجسدها علها تختبئ بداخل ذاتها، اقتربت منها احدى السجينات فتراجعت قمر بفزع الي الخلف.


 


تحدثت اليها المرأة قائلة: 


ما بك يا فتاة.. لمَ تبكين هكذا، لا داع للخوف سوف تعتادين الأمر فكلنا في البداية كنا خائفات.


 


تعالت الضحكات الساخرة من حولها فاستطردت المرأة قائلة :


لقد أتيت الى السجن مرات لم أعد أعلم عددها، صرت اعتبره بيتي الثاني، وانت كذلك سوف تألفين العيش بين جدرانه فلا تبكين هكذا وعليك بالصمود.


 


نظرت اليها قمر بعدما رفعت وجهها اليها فتألمت المرأة لحالها، مسدت فوق رأسها قائلة:


انا بجانبك ان أردتي النوم فافعلي، لا تخافي فأنا لدي ابنتان يقربناك بالعمر.


 


أغمضت قمر عينيها على الفور وانهكها الخوف فتاهت في بحور النوم الغارقة.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


نظر جمال الي راشد وقد استحسن صنيعه كثيراً تحدث اليه بتساؤل:


كيف استطعت الحصول على امضاء تلك الفتاة يا راشد ولمَ هي؟


اجابه راشد بثقة : عندما ذهبت في المرة الأولي الى هناك وادعيت انها سيئة الخلق صدق حدسي وساندها يامن بيك بقوة فأدركت حينها أنه لن يدعها تسجن في قضية خاصة عندما يعلم أنها قضية ملفقة. 


جمال : وان لم يهتم وتركها؟


راشد : ان لم يهتم لأمرها سيهتم لأمر داوود العدلي فمكانته كبيرة لدي يامن بيك ومحال أن يتخلى عنه ويتركه يتعفن وراء القضبان.


قهقه جمال قائلاً: 


ليته يفعل ويتركه فداوود هذا هو من قوى قلب يامن وسانده عندما تركني وذهب للعيش مع والدته. 


راشد : لا تقلق سيادتك، لقد اتفقت مع الجميع وسوف تسير الأمور كما تريد.


جمال : لا أريد ليامن ان يتأذي بأي شكل، هل تفهمني؟


راشد بطاعة : مؤكد سيادتك، يامن بيك لا شأن له مطلقاً بما حدث، فالذنب كله يقع على عاتق تلك الحمقاء التي أدخلت نفسها في دائرة مغلقة لا خروج منها الا بعودة يامن بيك الى هنا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


بالرواق المؤدي لغرفة التحقيق عاد يامن الي الوقوف عله يجد حلاً وبالجانب المقابل كان جاسر واقفاً والقلق يعتريه بعدما أخبره المحامي ان القضية ملفقة بحرفية واتقان وان يداً عليا وراء الامر بأكمله.


 


تساءل جاسر في غضب 


وقمر ما شأنها واي يد عليا تلك التي قد تنالها بأذى وهي علاقتها بالعالم الخارجي تقتصر علي والدتها وصديقتها.


انتبه يامن كلياً الى حديث جاسر بعدما اخترق سمعه اسم قمر...ة


 


تعجب يامن بشدة من ذاك الجاسر واقترب منه متسائلا بترقب:


هل تتحدث عن قمر القادري


جاسر بجدية : أجل، هل تعرفها ؟ 


يامن : أنا يامن، الطبيب الذي اعمل معها بالصيدلية .


أمسكه جاسر من تلابيبه جاذباً إياه بكره وغضب قائلاً :


أين قمر.. وما شأنها وشأن عملك الملوث؟!


 


دفعه يامن بحدة قائلاً:


ان مددت يدك ثانية، كسرتها لك .


باغته جاسر بلكمة قوية فردها يامن مضاعفة له.


 


يامن : أيها الحقير كيف تجرؤ على ضربي؟


جاسر : واقتلك يا أحمق ان لم تقل لي أين قمر.


 


يامن بغضب : ومن أنت ؟


جاسر : أنا خطيبها.



رواية خسوف القمر بقلم نداء علي


بسم الله الرحمن الرحيم


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


البارت الثامن من خسوف القمر


نداء علي


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


اهتزت ثقة يامن قليلاً بعدما أعلن جاسر عن كونه خطيباً لقمر لكنه سرعان ما استعاد ثباته وتحدث بجدية قائلاَ:


وان يكن! هل يمنحك ذلك الحق أن تتطاول معي وتتحدث اليَ بتلك الصورة الفظة ؟


اقترب جاسر مرة أخرى قائلاً بغرور :


واكسر لك رأسك، الا تعلم من أنا؟!


ابتسم يامن ساخراً فاستشاط منه جاسر وهم بضربه لكن يد يامن كانت الأسرع وأطاح به بقسوة.


اقترب راشد الذي قد أتي مهرولاً بعدما أخبره رجاله بالشجار الدائر بين يامن وجاسر.


أزاح راشد يامن برفق قائلاً بهدوء:


دع لنا الأمر يامن بيك وسنتولى نحن تأديبه


نظر إليه يامن محذراً متحدثاً بلهجة آمرة


حذارى أن يقترب منه أحد، هل سمعت يا راشد.


إياكم وايذائه فأنا كفيل به .


أحس جاسر ببعض الرهبة فتراجع عن هجومه.


وبادله يامن نظراته بأخرى تعني الكثير.


طالت غفوتها وكأنها تتخذ منها ملاذاً، كانت بلا حراك وكأنها فاقدة للحياة، جلست تلك المرأة جوارها تتحس جبينها برفق فشهقت في فزع قائلة:


يا الهي! تلك الفتاة أصابتها الحمى.


تهافتت عليها النزيلات بترقب وفضول فدفعتهن بحدة تلك السيدة العجوز قائلة:


ابتعدن قليلاً ايتها البائسات وتوقفن عن ذاك الفضول القاتل الفتاة تصارع الموت..٪


هيا يا عائشة استدعي أحد الحراس علهم يغيثونا ويحضروا طبيباً لتلك المسكينة


أسرعت تلك المسماة بعائشة تنادي بصوتها الجهوري قائلة:


النجدة، هناك فتاة متعبة للغاية وعلى وشك الموت.


اقتربت حارسة الزنزانة بتكاسل قائلة بفتور


وهل أمثالكن يؤثر بهن المرض.


عائشة : بالله عليك تلك الفتاة تبدو بريئة ولم يمض علي وجودها بالسجن سوى يومان، والآن هي فاقدة للوعي ويبدو أنها مصابة بالحمى.


الحارسة : حسناً، توقفي عن الثرثرة واحمليها لنأخذها الى الطبيب.


حملتها عائشة بخفة وصارت بصحبة الحرس باتجاه العيادة التابعة للسجن.


وتمتمت المرأة بداخل الزنزانة قائلة:


عجباً لتلك الفتاة، لم يمض على وجودها عدة ايام وأوشكت على الموت بينما انا قد قضيت نصف عمري هنا وعندما أخرج اشعر بالحنين الى هنا، ربما لم تدرك تلك الساذجة أن ما نحن فيه لا يقارن بما ينتظرها بالخارج فالدنيا لا ترحم الضعفاء.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


ولا ندري اتلك القسوة قد غرست بباطن الأرض منذ نشأتها أم أن الانسان هو من غرسها بيديه وروى بذورها إلا أن كبرت وتفرعت أغصانها وتشابكت فصارت تحيطنا من كل صوب.


تحدث جمال بغضب ورفض قائلاً بلهجة آمرة:


ذاك الفتى لابد أن يؤدب، فمن تسول له نفسه ان يتطاول على ولدي يجب ان يدرك أنه حشرة أسحقها تحت قدمي بعدما تجرأ على أسياده.


راشد : لقد حاولت يا سيدي التدخل إلا أن يامن بيك رفض بشدة بل وأخبرني أنه لن يسمح لأحد ان يمس ذاك الرجل بسوء.


جمال : يامن الأحمق يتحداني ولن يهدأ له بال إلا بموتي.


راشد : أطال الله عمرك سيدي، أعتقد أن يامن بيك غاضب بعض الشئ ولذا يرفض المساعدة منا.


جمال بجدية : سأذهب اليه الأن، هو لن يأت وعليَ مواجهته، إما أن يعود وإما أن يتحمل داوود وقمر تبعات فعلته أنا لن أصبر بعد الآن ..ة


راشد : سيدي أعتقد أنه عليك التريث قليلاً


أشار جمال بيده منهياً الحوار فأومأ راشد في طاعة وتوجها الى مقابلة يامن.


ترددت الكلمة بأذني يامن كثيراً، خطيبها، هل قمر مرتبطة بأخر، نهر نفسه قائلاً :


وما شأني أنا، لكنها لم تقل ولم تتحدث من قبل عن ذاك الخطيب.


بينما كان جاسر يطالع يامن بغضب فهو لم يشعر بالارتياح لوجوده.


اقترب المحامي الخاص بيامن من مجلسه وهمس اليه بخفوت لم يصل الي أحد سواه فتبدلت ملامحه علي الفور وغادر بصحبة المحامي.


تنهد جاسر بارتياح عقب رحيل يامن والتفت الي سميحة التي كانت تئن في صمت قائلاً:


لا تقلقي لا يا خالة بأمر الله سنخرج قمر من هنا.


سميحة بترقب : حقاً يا جاسر، هل أخبرك المحامي بذلك؟


جاسر بهدوء : ليس بعد لكنه لن يدخر جهداً في سبيل اخراجها فهو محامي ذات شأن ولديه من الخبرة ما يكفي.


سميحة بأمل : ليته يفعل.


جاسر بسعادة : سيفعل، إن شاء الله سيفعل وتعد قمر إلينا.


نظرت اليه سميحة بتعجب قائلة:


إلينا، ماذا تقصد يابني، ألم تتركها وتتزوج بأخرى، انا لم أشأ تكذيبك أمام ذاك الرجل واكتفيت بالصمت عندما أخبرته أنت ان قمر خطيبتك.


جاسر بحزن : انا اعلم انك غاضبة مني.. لكني طلقت زوجتي وحاولت مراراً إصلاح الأمر بيني وبين قمر لكنها تأبى العودة أو الاستماع اليَ


لن أتركها وسوف اخرجها من هنا واطلب اليها الزواج، ولكن ارجو منك مساعدتي والوقوف الى جواري. 


نظرت اليه سميحة بتردد، عقلها يرفض الوثوق به وقلبها كأم يخبرها أن قمر ليس لديها بالحياة فرص للاختيار، أما أن تبقى بلا زواج إلى الأبد، أو ترتبط بمن يتغاضى عن تشوهها، اختياران كلاهما مر.


لمَ لا تعط جاسر فرصة ثانية؟! 


لقد عاد بإراداته راغباً بوصالها ويبدو أن مشاعره تجاهها كما هي، ربما قد أخطأ فيما مضى وها هو الآن يسعى الى الوقوف جوارها وتبرئتها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


كانت نظرات يامن مشحونة بنيران الغضب والرفض والكره لبطش والده بينما جمال كعادته ينظر الى يامن بهدوء


تحدث يامن بغضب قائلاً:


ألم تأخذ من موت رأفت عظة، ألم يساورك الخوف لوهلة واحدة، ماذا تريد مني؟! 


أنا لا أريد الرجوع معك لا أطيق العيش كما كنت.


دعني وشأني يا رجل لقد اكتفيت من تصرفاتك تلك. 


جمال : هل من الأدب أن تتحدث الى والدك هكذا؟! 


يامن : لا حول ولا قوة الا بالله.


وهل يفعل الأب ما تفعل انت، هل يقوم الأب بظلم أناس أبرياء لتحقيق رغباته!. 


جمال : وأحرق الكون من حولك يا يامن إلى أن تعد إلى رشدك وتدرك خطورة تصرفك.


 أنا لن أحيا بمفردي وينتهي بي الحال جثة هامدة وسط الخدم والحرس.


سترجع إلىَ شئت أم أبيت، سترجع الى شركاتك وتواصل العمل مثل أخيك. 


هل فهمت؟! 


يامن : وإن لم أفعل، هيا أخبرني، هل ستزج بي الى السجن أنا الآخر؟! 


جمال بجدية : محال أن افعل، بل ان كنت أنت الفاعل ما تركتك تدفع ثمن جريمتك.


ان لم ترجع يا يامن سيقضى داوود باقي أيامه بالسجن حتي وفاته، سأقضي عليه بإشارة من يدي وتلك الفتاة، سأجعلها عبرة لغيرها، لن اتراجع حتى ترجع.


استعاد يامن بعضاً من شراسته التي تخلى عنها مع أشياء كثيرة تركها وراء ظهره فيما مضى وطالع والده بثقة قائلاً


حسنا.. سأرجع ولكن لن افعل قبل خروج داوود، ورؤية قمر فقد أخبرني المحامي منذ قليل بأمر مرضها، واعلم أنه ان أصابها مكروه فلن ارجع إليك وإن انقلبت الدنيا رأساً على عقب.


ابتسم جمال بسخرية معلقاً:


لك ما تقول يا سيد يامن.. بعد قليل سترى تلك الفتاة، وسيخرج داوود قبيل عودتك.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


لاحظ العم شرود علياء فاستغل صمتها وصمت عثمان قائلاً:


لقد استخرت الله ورأيت ان رجوعكما الى العيش بالقاهرة بمفردكما درب من الجنون.


عندما يسترد الله أمانته وألحق بأخي ربما عليكما أن تذهبا. 


علياء : عماه بالله عليك لا تقل ذلك، أنا ونسمة لم يعد لنا سنداً بعد الله سواك. 


العم : اذاً عليكما أن تصغيا إلىَ. 


علياء : عمي انا لم أقل أننا سنبقي بالقاهرة الي الابد بل هي مرحلة هامة لكي نسترد بيت أبي وتنهي نسمة عامها الدراسي ثم نرجع الى هنا.


عثمان : وهل ترين يا علياء أن رجال العائلة قد عدموا جميعا وسنترك الامر لسيادتك كي تَواجهين زوجة والدك بمفردك. 


علياء : لم اقصد ذلك ولكن الأمر يعنيني وينبغي ان أواجهه بلا خوف. 


العم بجدية : ربما يجب علينا ان نحقق قولك وقول عثمان على حد سواء. 


عثمان : وكيف ذلك؟! 


العم : تتزوجا ووقتها ستواجه تحية دون تردد فالبيت الذي سلب من علياء ونسمة بيت جدك وعمك وبعد إتمام الزواج سيضحي بيت زوجتك. 


كانت علياء ترفرف بين سحب الخيال لا تصدق ما يقوله عمها لكن التردد الذي قرأته بعيني عثمان أطاح بها الى ثرى الواقع.


حاولت زوجة العم المزاح عل عثمان يفق من صمته الذي قد طال فتحدثت قائلة بمرح


ان لم يتزوجها عثمان زوجناها لرائد شقيق باسل زوج حورية. 


ألتفت عثمان الى والدته بحدة وأعمته غيرته فأجابها بجدية:


وهل يعلم رائد أنها مطلقة؟


شهقت والدته بفزع ووقفت نسمة امامه صارخة بوجهه وكأنها ليست تلك الصغيرة التي تربت علي يديه قائلة:


متى تتوقف عن تعنتك واهاناتك المتكررة في حق علياء، أتلومها علي ارتباطها بسواك؟


واين كنت وقتما ارتبطت هي بآخر، ما الذي فعلته انت سوى الهروب. 


لقد أتيت الى هنا قبل عقد قرانها، هرولت اليكم دون علم والدي ودون علم شقيقتي.


أردت ان أبلغك بما يحدث وان ابي يزوجها رغماً عنها. 


نظرت علياء الى شقيقتها قائلة:


ماذا تقولين!


ادمعت عينا نسمة فاستطردت قائلة:


لقد ساعدتني قمر رغم ما أصابها آنذاك وأتت معي الى هنا فوجدناه قد سافر إلى الخارج.


 هرب ولم ينظر وراءه.


عثمان : اصمتي يا فتاة.


نسمة : لن أفعل، انت رجل ولم تستطع الوقوف بوجه أبي، كيف تنتظر منها هي الوقوف بوجهه؟ 


تساءل العم بحزن قائلاً:


لمَ لم تأت اليَ يا بنيتي! أنا لم أعلم بمجيئك الى هنا سوى الآن. 


نسمة بحزن : لم يكن أبي ليستمع الى أحد فقد احكمت تحية نسج شباكها من حوله وخشيت إن علم بخروجي دون اذنه ان يبطش بي مثلما كان يفعل بعلياء كي توافق على زواجها من ذاك الوغد.


تنهدت نسمة قائلة:


لقد كنت طفلة في ذاك الوقت وظننت ان عثمان الفارس المغوار سيأتي مهرولاً ويختطف علياء ويتزوجها، لم اتخيل ان يفر هارباً ويأت بعد سنوات ويلومها.


العم : حفظك الله يا نسمة، لقد أساء والدك كثيراً في حقكما إلا أنه قد أحسن تربيتكما.


وجه العم بصره الى عثمان قائلاً بتحدي


ان لم تشأ الزواج بابنة عمك فهنيئاً لها، وسوف أزوجها بمن يستحقها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


استأذن يامن في الدخول اليها بخطى خجلة فما اصابها من أذى كان هو سبباً به.


مهلاً! هل أخطأ بالدخول الى غرفة قمر.


من تلك الفتاة النائمة أمامه؟ هل تشوه وجهها بالسجن أم أن ما يراه ليس الا تخيلاً.


فتحت عيناها ببطئ تطالع المكان من حولها لتستقر نظراتها امام نظراته المتفحصة


سالت دموعها في صمت أكد ليامن أن تلك الفتاة هي قمر.


عيناها محال أن يخطئ بهما، ولكن كيف ولمَ؟! 


وهل كانت تقصد إخفاء حقيقتها عنه أم أن دخولها الى حياته ليس محض صدفة.


هل والده له يد بوجودها جواره ام أن وجودها جواره كان سبباً لكي يرجع الى والده.


هل براءة نظراتها حقيقة أم أنه ادعاء وخيال ككل شئ من حوله .


أغمضت عيناها مرة ثانية بعدما ايقنت أن الحقيقة قد كشرت عن انيابها القاسية وظهرت من جديد ليعاود القمر خسوفه من جديد عله يبتعد ولا يراه أحد.


#نداء_علي

رواية خسوف القمر بقلم نداء علي


الفصل التاسع


بسم الله الرحمن الرحيم 


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


نداء علي.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


ولم يستمع الى القلب عندما طلبت إليه نسيانك، رجوته أن يحاول لكنه انتحب رافضاً واخبرني بأن نسيانك نهاية لمعنى الحياة.


همس إلىَ انه لازال ينبض لأجلك وانك عائد لا محالة وانتظرتك حبيبي، وليتك لم تعد.


 


غادر عثمان بعدما واجهته نسمة بحقيقة يعلمها يقيناً ولكن قلبه العاشق لا يود الاعتراف بها وكيف يقر بأنه قد تخلى وابتعد! 


لو كان الأمر بيده ولو عادت به السنوات لما تركها، لقد جاهد نفسه مراراً كي يبقى في هجرته، لكن اشتياقه غلبه.


أتى اليها ولكن تلك السدود التي شيدتها أيادي الهجر تقف حائلاً بينهما. 


اقترب بحذر من باب غرفتها ودقه بتعب. 


أجابته هي بخفوت :


ما الذي تريده يا عثمان؟


ابتسم ساخراً من لفظها لاسمه بتلك الصورة التي تهلكه قائلاً:


دعينا نتحدث قليلاً


علياء : ألديك إهانات جديدة لم تذكرها قبل قليل .


اجابها بصدق : اعتذر إليك، هيا اخرجي اليَ، أود رؤيتك.


وقفت أمامه تناظره بحزن فتحدث بتردد :


أعلم ان اعتذاري لن يشفع لي، لكن عذري قد يشفع. 


علياء : حقاً، وما هو عذرك؟


٠


عثمان بحب : أغار يا علياء، أغار بجنوون منذ الابد والى الأبد، أغار من نفسي عليك فكيف لا أغار من سواي احترق بغيرتي ولا أحد يستشعر نيران قلبي سواي أنا.


اخفضت ناظريها، أزاحت خصلات شعرها الى الوراء فناظرها عثمان بتعجب فتحدثت بتوضيح قائلة:


هل ترى تلك الندبة يا عثمان؟


ادمعت عيناه فهو لم ير ذاك الجرح الغائر بوجهها من قبل


تساءل في ترقب:


 


ما هذا؟! 


أجابته بهدوء وكأنها تسترجع ما حدث قائلة:


تلك كانت هدية زواجي، صفعة تلقيتها ممن عقد قراني وصار زوجاً لي. 


تسارعت دقات قلبه وتبدلت ملامحه ولم يقدر علي استكمال حديثه فابتسمت بحزن 


لقد أخبرته زوجة والدي عقب عقد القران مباشرة أن القرط الذي ارتديه يعود إليك. 


أخبرته أننا تعاهدنا ألا اتخلى عن ذاك التذكار وانني باقية علي العهد، دلف اليَ واعتقدت أنذاك انه قد أتى لمباركة عقد قراننا فارتعدت خوفاً منه وحزناً عليه فقد كنت أرى بنفسي خائنة. 


عثمان بتعجب : خائنة له؟!


علياء : بالطبع، فقد تزوجته وروحي بين يديك انت، ارتبطت به وأنا لا أرى سواك ، وتلك خيانة.


اغمض عثمان عيناه محاولاً الصمود أمام اتهامها الصامت فتحدثت بصوت جريح قائلة:


وقفت امامه أحاول الابتسام بوجهه كي لا يستشعر نفوري منه فباغتني بصفعة لم ولن انساها ما حييت.


استكملت بجدية قاتلة:


لقد أطاح بي ولم ادر ما حدث، أصابني ارتجاج وبقيت في المشفى أيام، أيام احاول استيعاب ما حدث ولمَ حدث، لمَ صفعني.


ألم يكفه صفعات الحياة المتتالية، واجهته بعدما استعدت بعضاً من الوعي فأخبرني انه رجل لا يقبل شريكاً له في زوجته، طلقني في المشفى يا عثمان. 


أتدري الى الآن، أنا ألتمس له العذر فيما فعل، أما انت فلا، لم ألتمس لك عذراً ولن أفعل بعد الآن.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


انتظرت دقائق تتمنى أن يلومها يعاتبها يصرخ بوجهها، يطمأنها يبثها الأمان ويخبرها أنه لن يبتعد لكنه لم يتزحزح عن صمته. 


ناظرته بخيبة أمل فابتسم ساخراً وتخلي عن صمته قائلاً:


كيف حالك يا قمر، هل تشعرين ببعض التحسن؟؟


أدارت وجهها بعيداً عن نظراته المترقبة واجابته بثبات زائف :


انا بخير، لا تهتم 


يامن : انا لا اهتم ولكن وجودك هنا يرجع إلى والدي لذا فأنا أري نفسي مسؤولاً عما أصابك. 


قمر بتعجب : والدك! وما شأنه !؟


يامن : فيما بعد اقص عليك ما حدث الآن اود منك إخباري عما حدث، هل تسبب احد السجناء في ايذاءك؟! 


قمر بغضب : هل تتصرف على هذا النحو دائماً؟


يامن بتركيز : وكيف أتصرف ؟ 


قمر : تتصرف ببرود، انت لا 


تحتمل. 


قهقه يامن قائلاً: 


هل اكتسبت بعض الوقاحة من السجن ام يخيل اليَ؟


قمر بدموع : عليك الخروج الآن، أنا لا اطيق رؤيتك. 


اقترب يامن بثبات ومال بجسده متحدثاً اليها بصوت يشوبه عتاب ولوم وبعض الاتهام قائلاً:


لمَ لا تطيقين رؤيتي، هل أنا من كذبت عليك وخدعتك.


 


قمر بانهيار : انا لم اخدع ولم أكذب ولم أختر مصيري، لم ارتكب جرماً انا مشوهه ولست قاتلة او آثمة، أنا ضحية، ضحية دهست بلا رحمة ولم أجد من يمد اليَ يده ويحتويني.


 


كان منتهى أملي أن أختبئ، واختبأت خلف نقابي، وجدت به أمان، ليس لك الحق في لوم أو عتاب، انا لم اقصد خداعاً بل اردت فرصة للعيش، أردت العيش ما الجرم في ذلك ؟


يامن بغموض : ربما خطؤك الأكبر انك ترين نفسك مشوهة 


قمر بانهيار : أولست كذلك؟!


يامن : ربما يا قمر، ولكن الأمر الأكيد أننا كلنا مشوه، كلنا أصابنا تشوه، بعضنا أجاد اخفاءه وبعضنا لم يستطع. 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تحدث جاسر بصوت خفيض قائلاً بحدة 


لقد أخبرتك من قبل أن ماسة لن تأت إليكِ لقد تنازلت عن حضانتها وان رغبت في رؤيتها فبيتي مفتوح متى تشائين. 


تحدثت هي قائلة:


لكنني على وشك السفر الى الخارج، لدي مؤتمر طبي وربما اغيب عاماً كاملاً، اود بقاءها معي الى أن يحين موعد السفر. 


جاسر بحدة : اللعنة عليك يا امرأة الا تفهمين، ماسة لن تأت اليك وأنا لا أود سماع تفاهاتك تلك فلتسافري ولتذهبِ الى الجحيم .


تمتمت هي بغضب : حسناً يا جاسر، حسناً سوف ترى ما انا قادرة على فعله.


 


اغلق هاتفه بكره ونفور وتوجه خارج القسم يهاتف والدته.


 


انتظر قليلاً فأجابته والدته قائلة: 


اين انت يا جاسر ؟


جاسر : لدي عمل هام، استمعي اليَ جيداً تلك الوقحة طلبت منى أخذ ماسة 


للبقاء لديها قبيل سفرها الى الخارج. 


والدة جاسر : وما المانع، فهي بالأخير والدتها. 


جاسر بغضب : المانع أن ابنتي ستتعلق بها ولن تهنأ بقربها إلا أياما قليلة لتخذلها تلك البائسة وتتركها وحيدة وتسافر، انا لن اسمح لها بأن تفطر فؤاد طفلتي.


 


والدته ببرود : حسناً، أخبرني متى ترجع الى البيت.


 


جاسر : لا أعلم، ربما بضع ساعات وآتي اليكم.


انتهى حديثه مع والدته ورفع بصره إلىَ 


السماء قائلاً:


ربما لا يدرك الألم إلا صاحبه وربما لم ادرك من قبل فداحة فعلتي إلا بعدما ادركت معني الخذلان والتخلي.


 


يا ليت ماضينا يمحى ونبدأ من جديد.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


هرولت سميحة بترقب وترجي قبالة يامن بعدما ناداها.


 


تحدثت اليه باستجداء قائلة:


هل ابنتي بخير؟!. 


يامن : بخير وبعد قليل ستخرج بصحبتك، اعتذر يا سيدتي عما حدث فقد كان بلاغاً كيدياً من بعض المنافسين.


 


سميحة بحزن : أرجو ان ينتقم الله منهم أشد انتقام. 


ناظرها جمال الواقف بعيداَ بعض الشئ بغيظ وابتسم يامن بسخرية قائلاً:


هداهم الله يا سيدتي فبعض البشر نفوسهم مريضة. 


عاد جاسر للوقوف جوار سميحة فتحرك يامن بخطوات هادئة مبتعداً عن محيطهما.


 


عاد يامن الى قمر بعدما احضر اليها ملابس لائقة ونقاب جديد.


 


طالعته قمر بتوتر فباغتها بسؤاله :


هل انتِ مرتبطة، هل لديك حبيب أو خاطب؟


قمر مستهزئة : بالطبع لا


يامن بتعجب : إذا من ذاك الأحمق الذي ادعى انه خطيبك ؟


قمر بانتباه : ما اسمه ؟ 


يامن : سمعت والدتك تدعوه جاسر 


قمر بقلق : هل أمي بالخارج، هل علمت بما حدث، هل اصابها مكروه.


يامن : هي بخير وقد اطمأن قلبها بعدما أخبرتها بأمر خروجك. 


ولكنك لم تخبرينني، من هو جاسر ؟


قمر : كان فيما مضى دنياي ومستقبلي، 


وصارت الحادثة فانتهت دنياي ومستقبلي وابتعد هو بدوره. 


يامن بتلقائية : لقد أحسن صنعاً. 


طالعته بغضب فابتسم موضحاً قوله 


اقصد انه لو كان خيراً لبقى.


 


قمر مغيرة مجرى الحديث :


متى أخرج من هنا ؟


يامن : بعد قليل، بدلي ملابسك وسأذهب لإنهاء الاجراءات الخاصة بخروجك انت واستاذ داوود وارجع اليك، سوف اصطحبك الى البيت. 


قمر برفض : لا داع.


 


يامن بلهجة قاطعة: 


استعدي يا قمر، فأنا لن اسمح لذاك السمج باصطحابك. 


ابتعد عن مرمى بصرها ولم يبتعد عن نياط القلب الذي خان العهد ودق من جديد بعدما ابرمت هي وهو اتفاقاً ألا يقع بالحب ولا يستسلم لأحد فغافلها وهرول الى ذاك الغامض الذي أتى بعدما توقف العالم عن دورانه وصار رتيباً، مملاً، قاتماً.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


 


انتهت نسمة وعلياء من اعداد ما يلزم لما يسمى بسبوع العروس، ابتسمت زوجة العم بارتياح قائلة:


حمداً لله، لقد اكتمل كل شئ، ادعو الله ان تسعدا وأعد لكما عرساَ وسبوعاً كما حورية وافضل.


 


نسمة : متى نذهب يا امي لقد اشتقت الى حورية كثيراً. 


زوجة العم : لحظات ونمضي الى وجهتنا.


هيا يا علياء اسبقيني الى سيارة عثمان. 


علياء برفض : لن اذهب معه، سأنتظر عودة عمي وآتي معه. 


اقتربت زوجة العم منها واحتضنتها بحب قائلة:


الم تنل قلوبكما ما يكف من الهجر واللوم.


هيا يا حبيبتي، أدبيه كما تشائين ولكن دون قسوة أو بعاد.


قهقت نسمة قائلة: 


يبدو إنك خصم لا يستهان به يا أماه. 


زوجة العم بثقة : وهل استطعت البقاء مع عمك وجدتك رحمها الله دون عناء ودهاء وحرب باردة يا فتاة.


 لقد كان عمك في صباه فرس جامح غير قابل للترويض، فروضته أنا.


 


احنت علياء رأسها وخانتها دموع التردد والحيرة فاحتوتها زوجة العم بنظراتها الدافئة وصوتها الحنون قائلة:


لا تحن رأسك يا حبيبتي، لقد كانت أمكما رحمها الله سنداً لي في كثير من الأوقات القاسية، كنت اعدها أختاً لم تلدها امي.


 


كم اشتاق الى حديثها ووجودها ولكنها تركتكما لي، قطعة منها ولن أفرط فيكما ما حييت.


 


اذهبي يا علياء، انتزعي من الحياة حقك المسلوب رغماً عن الجميع.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


وضع ساقاً فوق اخري وشمخ برأسه عالياً فناظره والده بارتياح قائلاً:


هل اتفقنا يا يامن بيك؟


يامن بجدية وتحذير : اتفقنا، فلتعطيَ أوامرك الآن بإخلاء سبيل استاذ  داوود وقمر.


 


جمال بترقب : هل علمت ان تلك الفتاة مشوهة ؟


يامن : وهل تشوهها موضوع نقاشنا الآن؟


جمال بمكر : لا، ولكن فضولي يدفعني لمعرفة ما يدور برأسك، هل ما تفعله تعاطفاً معها، شفقة ربما ؟


يامن ببرود : سأخبرك عندما أجد إجابة مقنعة أما الآن فأنا انتظر أوامر سيادتك.


 


نظر جمال الى راشد بما يريد فتحدث راشد بجدية قائلة :


لقد تم الامر يا سيدي وانتهت القضية من أساسها فما حدث كان بلاغاً واتهاماً باطلاً 


تمتم يامن بسخط قائلاً:


لقد تفاجئت الأن، لم اكن ادر ان التهمة ملفقة.


تحدث جمال قائلاً: 


راشد لا شأن له فيما حدث فتلك كانت أوامري .


هب يامن واقفاً متحدثاً بلهجة لا تقبل 


المزاح قائلاً:


سأرجع بعد شهر من الآن فلا يجوز ان اترك العمل لدي أستاذي دون أن يجد بديلاً.


 


جمال : هل تماطل معي يا يامن؟


يامن : لا، فانا اعلم انك لن تيأس ولن تترك داوود ولا قمر في حال سبيلهما.


وإياكم ، احذرك أن يقترب أحد من رجالك منهما وإلا قلبت المعبد بأكمله فوق رؤوسكم.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


استوفى يامن الاوراق اللازمة وتأكد من اخفاء تلك القضية الملفقة، احتضن داوود بحب وتقدير واعتذار وطمأنه داوود انه بخير وغادر الى بيته.


التفت يامن الى قمر فوجدها تخطو بإرهاق بادي اقترب منها متردداً هل يمسك بيدها ويساعدها على المضي قدماً أم ينتظر.


تفاجئ باقتراب جاسر بلهفة بادية بمحياه.


اقترب بشدة من قمر فتراجعت للخلف قائلة: 


شكراً لك يا جاسر، لقد اتعبت حالك. 


جاسر بوله : لا تعب إلا في بعادك يا قمري


انتابها خجل وتوتر مما قاله فتحدثت بخفوت قائلة: 


أين امي؟


جاسر : تنتظرنا بالسيارة، هيا بنا كي نغادر. 


قمر برفض : اخبرتك مراراً أن دروبنا محال أن تلتقي، لن أتحدث فيما مضي ولكن بالله عليك توقف عن تصرفاتك تلك.


أنت تتعامل معي وكأن شيئاً لم يكن، لقد تركتني سبع سنوات، أتدرى كم انتظرتك يا جاسر، لقد شاب قلبي وأصابه الهرم جراء فعلتك، توقف عن ادعاءك بأن ما كسر يمكن إصلاحه فهو محال.


 


صرت لي غريباً عني لا أعرفه ولا أود معرفته.


جاسر بحزن : وانا لن أيأس، ولن أتركك لغيري.


 


قالها وبصره موجه الى يامن :


ارادت اجابته لكنها تراجعت بعدما 


رفع يامن بصره إليها وكأنه يحثها على الاسراع في مشيتها، استجابت هي وحاولت أن تسرع الخطى ليداهمها دوار حاد كادت على اثره أن تسقط لكنه تلقفها بين يديه ولم يتركها لتقع مجدداً. 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


بمرآة السيارة يختلس النظر اليها ولا يرتوي، يود اختطافها بعيداً عن الأعين الناظرة إليها. 


تتحدث الى شقيقتها ووالدته ويتضاحكن وتتراقص على وقع ضحكاتها دقات قلبه المتناغمة مع صوتها العذب.


لاحظت والدته نظراته الهائمة فتحدثت بمكر قائلة: 


اعتقد يا علياء أن أحمر الشفاه الذي تضعينه ثقيل بعض الشئ.


ضغط عثمان مكابح السيارة دون سابق انذار فشهقت نسمة قائلة:


ولدك أصابه الجنون، اللهم احفظنا.


ابتلعت علياء ريقها بخوف بعدما أمعن عثمان النظر اليها قائلاً بغضب:


يومك لن يمر بسلام يا ابنة العم ان لم يختف أحمر الشفاه من فوق شفتيك.


#رواية خسوف القمر بقلم نداء علي 


الفصل العاشر


بسم الله الرحمن الرحيم 


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين 


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


وما أقسى الندم مع عشق يتزايد ولم نعطه في الماضي ما يستحقه.. هل قمره الآن بين يدي غريم لاح في الأفق بعدما ظن أن السماء خالية من أي ضوء سواه.


 


يحثه قلبه المشتعل بنيران الرفض لذاك القرب أن يهرول الى يامن وينتزع قمر من بين يديه عنوة ويستوقفه عقله فقد قرأ بعينيها مشاعر وليدة تؤكد له أن الرجوع إليها بات مستحيلاً. 


تنهد في تعب ونفى لعقله ما يدور بداخله واستحضر ثقة واهية ترجع الى مخيلته المريضة هامساً لنفسه.


مؤكد هو لم يدر بعد بأمر تشوهها، وبالأخير سيبتعد فشاب كهذا محال أن يرتبط بفتاة مشوهة، لم ولن تجد رجلاً يتمناها ويرتضيها زوجة سواي، هي لي تلك فرصتي ولن اضيعها فقلبي لم ينبض لإمرأة غيرها. 


تقدم بخطوات وئيدة متحدثاً بغيظ قائلاً :


ابتعد قليلاً فهي متعبة، سأحملها أنا.


نظر إليه يامن وللمرة الأولى ترى قمر وجهاً جديداً بيامن، فهي اعتادته غامضاً، هادئاً. 


يخطو بتمهل ولا يتسرع مطلقاً فلمَ الآن ترى بعينيه شراسة مخيفة وتحذير لا يستهان به جعلها تبتعد عنه وتتكأ على الحائط المجاور لها هامسة اليه بخجل قائلة:


أنا بخير ولا داع للقلق بشأني، بإمكانكما الذهاب وانا وأمي سنستقل حافلة.


 


نظر اليها بغضب قائلاً: 


إما أن تذهبي معي أو معه، لن اتركك بمفردك..ة


 


وكم تمنت هي أن يقصد كلماته ماذا لو تمسك بها ولم يتركها مطلقاً ماذا أن بقى إلى الأبد.


تنحنح جاسر قائلاً: 


هو محق، لا يجوز ان تغادري بمفردك، هيا تعالي معي يا قمر.


 


لم يتحدث يامن وترك لها حرية الاختيار فأجابت بثقة.


 


سأذهب مع دكتور يامن.. أخبر أمي أني بانتظارها استمحيك عذراً.


 


تحرك جاسر بخطى مسرعة وابتسم يامن بانتصار وتنهدت هي في ضيق.


 


ترجلت سميحة من السيارة بعدما أخبرها جاسر برفض قمر للذهاب معه، حدثته باعتذار قائلة:


لا تهتم لما تقوله قمر الآن فهي مازالت غاضبة وناقمة عليك وسوف اتحدث إليها لاحقاً بعدما تهدأ وتستريح فما حدث معها ليس بهين.


 


جاسر في طاعة : حسناً يا خالة سأنتظر.


سوف أتبعكما بسيارتي كي اطمئن علي وصولكما.


 


سميحة : كما تشاء يابني.. سأذهب اليها كي يطمئن قلبي.


 


قاد سيارته بثبات وروية وكأنه يستمتع بوجودها جواره بينما غفت والدتها بالمقعد الخلفي من فرط إرهاقها وتوترها بالأيام السابقة.


 


تحدث يامن بخفوت بعض الشئ قائلاً: 


ألا تشعرين بالجوع ؟


ابتسمت قمر من خلف نقابها فالتقط بقلبه همسها الباسم لتتحدث هي بمرح 


لا ادري فقد مضى ثلاث ليال لم أذق فيهم نوماً ولا طعاماً وعندما كنت اغفو كانت تطاردني أشباح مفزعة.


نظرت إليه تتحدث بجدية مصطنعة قائلة:


لقد استشعرت نفسي مجرمة عتيدة الإجرام وانتابتني روح شريرة تحاول اقناعي أن وجودي داخل السجن مستحق، مؤكد أنني ارتكبت جرم ما وتناسيته. 


قهقه يامن قائلاً: 


هل تسخرين مني الآن ياقمر، أم أنك بالفعل قد ارتكبت جناية ما وتحاولين الهرب. 


نظراته أصابتها بتوتر فتلعثمت وتساءلت :


لمَ اخبرتني ان ما حدث لي يرجع إليك ؟


يامن : هل أنت هكذا دائما تجيدين الهرب من الأحاديث الهامة؟


قمر : ربما الهرب فن يجيده من يعلم ان المواجهة نهايتها خسارة وانهيار.


يامن : وكيف نتأكد من النهاية إن لم نسع الى الوصول اليها، لمَ الخوف ؟


أجابته بصدق :


فيما مضي لم اكن اعلم أن للخوف وجود.


لم يكن أنذاك صاحبي بل كان يخشاني. كنت أرى الكون مرتعاً، ربيعاً دائماً ضحكات ومرح، حب تحول الى عشق وحياة رائعة لا تشوبها شائبة .


أما الأن فقد صرت امرأة كهول، استشعر الهِرم بين حنايا قلبي، انا اشتاق إلىَ، إلى قمر، تلك ليست أنا، لم أعد أجدني، هل اشتقت الى نفسك من قبل؟ 


يامن بجدية : وهل يشتاق أحدنا الى ألم وأخطاء لا نهاية ولا حصر لها، لا مطلقاً لا أشتاق الى نفسي في الماضي.


 


لم تفهم قمر ما يقول فتحدثت بشرود :


 


اذاً لن تستشعر ما أقول 


اجابها بمرح مغزاه جدية وصدق:


بل لن تجد رجلاً سواي يستشعر ما تقولين ولكن بعض الأشياء يصعب البوح بها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


تبادلت علياء النظرات مع عثمان الثائر بشده لتهتف بهدوء مستفز.


 


لا استطيع إزالته يا عثمان فقد وضعت مثبت يصعب التخلص منه. 


عثمان : إذا ينبغي عليَ التأكد. 


شهقت والدته بفزع قائلة:


ماذا تقصد أيها المنحرف؟ 


قهقه عثمان : لم اقصد ما ورد الى خاطرك ولكن ما المانع ان اقبلها الآن وأرى إن كان أحمر شفاها ثابتاً أم يمكن إزالته.


اجابته والدته بجدية


 


تأدب يا ولد وهيا بنا لقد تأخرنا علي شقيقتك


عثمان : تعلمين يقيناً اننا لن نتزحزح من وقفتنا تلك إلا بعدما تستمع تلك العنيدة الى ما أقول. 


علياء : لن أفعل يا عثمان ولا شأن لك بي. 


عثمان محركاً سيارته بالاتجاه المعاكس


إذا علينا العودة الى المنزل فأنتِ لن تأتِ معنا.


تحدثت والدته باستجداء قائلة:


بالله عليك يابنيتي نفذي ما يقول فهو مثل أبيه يتحول الى ثور هائج عند غضبه. 


عثمان : إذا سأخبر والدي ونرى ما يقول.


والدته : إفعلها وأقص لك لسانك يا عثمان. 


عثمان بتحدي : أمامكم خيار واحد لا ثان له وإلا رجعنا الى البيت في التو، ما رأيك يا علياء؟ 


علياء بدموع : اللعنة عليك ألا تفهم أنا بالفعل لا أستطيع التخلص من أحمر الشفاه ذلك فقد حرصت على تثبيته وليس معي مزيل.


عثمان بغضب وجنون : تباً لك ولغبائك، وماذا انت فاعلة الآن. 


علياء بخفوت : لا شئ فجميع الفتيات يضعن مساحيق تجميل ولا أرى عيباً في ذلك كما أن حورية عروس جديد ومؤكد أن أهل زوجها يتطلعن إلى رؤيتنا فينبغي عليَ أن أبدو حسنة المظهر. 


عثمان : اصمتي فأنت كلما تحدثت زادت حماقاتك وتفوهت بما يدفعني الى الرغبة في قتلك.


نظرت اليه شزراً فاستكمل قوله:


لن أمرر فعلتك هذه مرور الكرام بل سأعاقبك عليها لاحقاً. 


علياء : وما شأنك يا عثمان، هيا أخبرني الآن أين كنت طوال سبع سنوات وللعلم كنت أضع من مساحيق التجميل ما أشاء وارتدي ما أشاء فهل عادت غيرتك ونخوتك بعد غياب أم كانت مغيبة؟ 


عثمان بتحذير : احترسي مما تقولين


علياء بملل : هيا تحرك ولا داع للتأخير هداك الله، ولا تكثر معيَ الحديث فأنت تصيبني بالاستياء.


تمتم عثمان اليها بتحذير : سنذهب الآن ولكن إن رأيتك خارج غرفة حورية أو نظر أحدهم اليك فلا تلومن إلا نفسك.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


توقف يامن جانباً لتنظر اليه قمر بتساؤل صامت فأجابها باختصار.


سأحضر شيئاً ما واعود بعد قليل


اومأت اليه فغادر مسرعاً واغمضت هي عينيها بعدما نظرت الى والدتها فوجدتها تغط في نوم عميق.


تغيب يامن ما يقرب من ربع الساعة، كان جاسر واقفاً بسيارته على مقربة منهم يتمتم بسخط فكم تمنى تواجدها جواره والحديث إليها لكن يامن أطاح بفرصته.


امعن النظر تجاه يامن فوجده يحمل بين يديه بعض أكياس الطعام التي أتى بها من المطعم الذي دلف إليه.


تنهد في ضيق فقد سبقه في تلك الخطوة ايضاً، شد على شعره قائلاً:


ما خطبك يا جاسر هل أصابك الوهن ام ستعلن انسحابك دون السعي الى استعادة ثقتها، هل نسيت ما تحب قمر وما تكره عليك بالتقرب منها كما لو كنت لا تعرفها من قبل عليك بإثبات حبك وجعلها تقع في هواك مجدداً. 


استقام يامن في جلسته داخل السيارة وتساءل في حنو قائلاً:


هيا ارشديني الى الطريق فلا أود أن أضيعكما.


اجابته بصوت ناعس، بقيت دقائق قليلة ونصل الى وجهتنا، أود النوم الآن. 


يامن : حسناً، فقط عليك التركيز قليلا وإخباري عن المكان ومن بعدها بإمكانك النوم مثلما تشائين. 


دقائق أخرى مضت ليتوقف يامن وتستعد قمر الى الصعود الى شقتها، تحدثت الى والدتها بحب قائلة:


أفيقي يا أماه لقد وصلنا الى البيت. 


اعتدلت سميحة بفزع قائلة:


 


هل انت بخير يا قمر ؟


اجابتها قمر : أنا بخير، هيا بنا لقد تأخر الوقت للغاية. 


نظرت سميحة الى يامن قائلة:


جزاك الله خيراً يابني وحفظك من كل مكروه، لقد أتعبناك. 


يامن : حاشاك ياخالة بل هذا واجبي. تفضلي بالدخول كي أطمأن على 


صعودكما.


 


ترجلت سميحة وفي عقبها قمر لكنه استوقفها قائلة :


انتظري ياقمر، عليكما بتناول الطعام قبل النوم. 


قمر بخجل : لا داع لمَ أحضرت الطعام. 


يامن : لأنك مجهدة ولن ترغب في تحضير ما يؤكل لذا أحضرت وجبة سريعة عليك تناولها كامله بالهناء مسبقاً، تصبحين على خير. 


قمر : تصبح على خير، وأشكرك ثانيةً. 


أومأ إليه مبتسماً وغادر باتجاه سيارته وصعدت هي الى شقتها.


 


بينما جاسر واجماً لم يبعد ناظريه عن قمر ويامن 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


عاد يامن الى بيته متعباً عاتباً على تلك الظروف التي لا تتح له مجالاً للاختيار بل تجبره دائماً على الانصياع الى أوامرها الصارمة.


 


يريد الأن أن يبقى ولكن محال فقربه سيؤذيها مرغم هو على البعد رغم يقينه أن البعد كاسر لها قبل أن يكسره هو.


 


هل ما يعانيه الآن هو حب أم يخيل إليه وان كان ما يستشعره الآن حباً فلمَ يتألم هكذا هل حلاوته ينبغي أن تنتهي بمرارة كالتي سيحياها.


 


دلفت اليه والدته تتفقده بقلق قائلة:


أخبرني ما الذي حدث يا يامن وأين كنت ؟


يامن باعتذار : عذراً يا أمي لم أتمكن من ترك قمر والسيد داوود. 


نهال بحنق : السيد داوود تحدث اليَ


وأخبرني بعودته الي بيته سالماً وعلمت وقتها انك بصحبة تلك الفتاة.


 


يامن : لقد كانت متعبة ولم استطع تركها. لقد خارت قواها ووضعت بالمشفى. 


نهال بقلق : يا إلهي وكيف هي الآن، تباً لك يا جمال ولعنادك الملعون. 


يامن : لقد صارت أفضل حالاً واوصلتها الى البيت هي ووالدتها.


 


نهال : ووالدك، هل تحدثت إليه ؟


يامن بتردد : أجل، لقد اتفقنا. 


نهال بخوف : اتفقتما على ماذا !


يامن سأرجع الى القصر وسأعمل معه.


 


نهال بقهر : محال، لن تعد إليه وتتركني بالله عليك لا تفعل. 


يامن بتعاطف : تعلمين انني لا أريد ولا أستطيع العيش دونك، لذا أطلب إليك العودة معي .


نهال : كيف تطلب اليَ أمر كهذا، لقد لفظت والدك خارج حياتي الى الأبد.


يامن بانهيار : ولكني أحتاجك بشدة. تعلمين أن رجوعي الى هناك بمفردي حكم بالإعدام .


احتضنته والدته قائلة: 


لا أطيق رؤيتك حزينا هكذا يا وحيدي.


 سنجد حلا لا تخف فانت أقوى مما تعتقد.


ألق بما يؤرقك بين يدي الله وتأكد انني معك اينما ذهبت لكنني مشتتة حالياً أحتاج فقط الى التفكير بروية لاتخاذ القرار الصائب.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


كانت الاجواء صاخبة من حولهما الهمهمات متزايدة بين الجالسين حورية جوار والدتها تتكأ براسها الي صدر والدتها التي اشتاقت إليها كثيراً وعلياء ونسمة بالجهة المقابلة لها.


 


تبتسم نسمة الى حورية وتدعي علياء الابتسام بينما روحها تحلق باحثة عن ذاك الحبيب الغائب عن العين سنوات ولم يغب عن الفؤاد، تعلم أنه يختلس إليها النظر لكنها لا تقو على النظر إليه.


 


التقطت علياء صوت جديد لشخص قد أتى الي مجلس الرجال قائلاً:


السلام عليكم، كيف الحال ؟


سلم نادر على الجلوس فرحب به الجميع لكن عثمان وصوته الملبد بغيوم الغيظ والغيرة جعل علياء ترفع بصرها إليه.


 


تحدثت اليها والدة عثمان بخفوت قائلة:


لا تنظري تجاههم، ادعو الله أن يمر اليوم بسلام. 


تساءلت حوريه في فضول وترقب :


ما الأمر يا أمي، هل هناك خلاف بين نادر وعثمان !


تحدثت نسمة بتلقائية : هل هذا نادر الذي أراد خطبة علياء ؟


ضربت حورية بيدها فوق جبهتها قائلة:


لقد تناسيت ذاك الأمر، ياإلهي سنشهد صراعاً ممتعاً للغاية.


وكزتها والدتها بغيظ قائلة:


اصمتي يا حمقاء، هل تودين حدوث مشاجرة بينهما؟


علياء : لا قدر الله يا خالة، علينا الانصراف قبل أن يندفع عثمان كعادته.


 


اومأت اليها زوجة العم في ترقب قائلة:


اجل يابنيتي، هيا بنا وسنأتي إليك لاحقاً يا حورية. 


حورية بحزن : ابقي قليلاَ فقد اشتقت اليكم.


قبلتها والدتها قائلة بجدية:


ونحن اشتقنا إليك ولكنك مازالت عروس وينبغي عليك البقاء جوار زوجك واسعاده، اسعد الله ايامك يا حبيبتي.


احتضنت حورية ابنتي عمها وودعت والدتها وتوجهوا الى عثمان ووالده قائلين:


هيا بنا يا ابا عثمان لقد تأخر الوقت 


هب والد عثمان واقفاً وفعل عثمان المثل لكن نظراته كانت موجهه بتحذير الى نادر الذي بادله بتحدي قائلاً:


سوف أتي اليكم قريباً يا عماه.


 


والد عثمان : وهل تستأذن يا ولدي انه بيتك تأت متى شئت.


ابتسم نادر إليهم في ود وغادروا ولسان حالهم ترقب وحذر من ردة فعل عثمان الغاضب. 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


يومان انتظرها ولم تأت ولم يقو علي مزيد من الانتظار، اجري اتصاله وبدأت دقات قلبه في التزايد مع رنين الهاتف. 


لحظات واجابته هي بلهفة وكأنها كانت عطشة الى صوته قائلة:


مرحباً دكتور يامن. 


يامن باشتياق : كيف تشعرين الآن ومتى تعودين؟


قمر بتأكيد : كنت انتظر اتصالك فلم ارغب في العودة دون أن تطلب اليَ. 


صمت هائل حل بينهما لم يدم طويلا فقد قطعه يامن قائلاً:


وها أنا أطلب إليك الرجوع اليَ، أقصد الى عملك.


ابتسمت وتركت لابتسامتها المجال لتزداد وتشرق وتنهد هو بارتياح وأغلق هاتفه ينتظرها كي يراها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


اقتحم عثمان غرفة والده بقوة قائلاً:


ما الذي يريده ابن الزيات منك يا أبي؟


والده بجدية : وهل هناك ما يمنع مجيئه إلينا أم انك تناسيت أننا صرنا عائلة واحدة. 


عثمان بجنون : أنت تفهم ما أقصده.


والده بتحذير : تأدب ولا ترفع صوتك هكذا وإلا لطمتك على وجهك يا ولد. 


عثمان : أبي بالله عليك لا تدع البراءة فأنت على يقين أن نادر أن أتي الى هنا طالباً علياء للزواج سأقتله لا محالة. 


والده بلامبالاة : وانا قد أخبرتك من قبل انك أن لم تكن راغباً بها فهناك الكثيرون سواك ولم تستمع اليَ.


 


عثمان بتحدي : لم ولن أرغب بسواها وتأكد انها لي مهما حدث ومهما فعلت. 


نظر إليه والده بنظرات يعلمها عثمان جيدا وكيف لا وهو شبيه بوالده حد التطابق فتراجع عثمان عن حدته قليلاً قائلاً :


بالله عليك زوجني ابنة اخيك فقد فاض بيَ الكيل ولم اعد أطيق بعداً. 


والده :  وإن أحزنتها مجدداً 


عثمان : لن أفعل 


والده : وإن فعلت؟! 


عثمان : افعل ما يحلو لك واي عقاب سأرتضيه. 


والده : حسناً، ولكن تذكر أنك حينها لن تحظى بفرصه ثالثة.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تحدث جمال الى نهال بجدية بعدما أجابت اتصاله قائلاً :


هل علمت بأمر يامن ورجوعه إلى جناحي ؟


نهال : وهل تعتقد انك انتصرت برجوعه اليك قهرا ودون إرادته، ألا تستحي من تجبرك. 


جمال ساخراً : استحي مما يا معلمتي الغالية، هل محاربتي لاستعادة ولدي جرم احاسب عليه ؟


نهال : الجرم هو ان تستغل نفوذك كي تسبب الأذى لأناس ابرياء، داوود وقمر ألم تقحمهما في انتقامك واجبرت يامن على الرجوع إليك لكي يدرأ عنهما الأذى. 


جمال : وهل نسيت أنت أن ذاك الداوود كان هائماً بك في الماضي قبل زواجنا. 


نهال : أنت حقاً مريض، لقد تزوج الرجل وانجب وكون أسرة وتناسى ما تقول بل ويتعامل معي كأخ ليس إلا، ويكفه مساندته ليامن .


جمال : لا يهم فقد سعدت للغاية بسجنه ولو عدة أيام استشعرت ارتياحاً هائلاً. 


نهال بحدة : وماذا عن تلك الفتاة المسكينة. 


جمال : امم، تلك المشوهة لا ناقة لها ولا جمل لكن القدر أوقعها بالمنتصف. 


نهال بتخوف : لمَ تدعها بالمشوهة؟ 


قهقه جمال قائلاً :


ألم يخبرك ابنك المصون أنها دميمة مشوهة! 


عليك الحذر يا نهال هانم فقد قرأت إعجاباً بين السطور وأنت تعلمين انني لن اسمح بمهزلة كتلك وأنت أيضاً لا أعتقد أنك ترغبين بزوجة مشوهة كهذه لولدك.


#رواية خسوف القمر بقلم نداء علي


الفصل الحادي عشر


بسم الله الرحمن الرحيم 


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


قد يبدو عشقي لك ولمن حولنا امراً مسلم به وتلك حقيقة ما كنت لأنكرها وكيف افعل وقلبي لم ينبض لرجل سواك، لكن مهلاً حبيبي فهناك بعض الجروح لم تلتئم بعد وكلمات القيتها وقت غضبك فكانت اشبه بسهام قاتلة طعنت كبريائي وأدمت كرامتي.


 


تبسمت علياء في خيلاء قائلة :


لقد أدهشني أمرك يا عثمان، ألم تستنكر منذ أيام طلب نادر بعدما تقدم لخطبتي، ألم تتعجب كونه يود الزواج بأنثى مطلقة مثلي.


 


ما الذي حدث وما الذي تغير..؟


فأنا مازالت مطلقة وأنت شاب لم يسبق لك الزواج.


عثمان بغضب : أتتساءلين عن سبب 


أما تعلمين لمَ أرغب الزواج بك؟ 


علياء بحزن : صدقاً لم أعد أعلم، ربما مازالت بقلوبنا مشاعر عجزت الأيام عن نحرها، لكن هناك سدود بيننا يصعب عليَ هدمها. 


عثمان بحب : علياء بالله عليك توقفي عن البحث فيما مضى ودعينا نعوض انفسنا بقرب تمنيناه طويلاً، لقد ضقت ذرعاً بما يحدث ولم اعد أطيق البعد. 


علياء بثبات : أسفة لكنني لم أعد اثق بك ولا أجد لدي قوة كافية لتحمل غضبك وتسرعك. 


عثمان : أيعني هذا انك ترفضين الزواج بي؟


علياء : أجل، لن أتزوج بك. 


عثمان : ولن تتزوجين بغيري يا علياء


علياء : ما الذي تقول، أنا حرة الاختيار 


اقترب منها فتراجعت للخلف خطوتان. تحدث اليها بتحذير قائلاً:


اقصد أن زواجك من رجل سواي محال، إما أنا وإما فلا.


ابتسمت علياء قائلة: 


غرورك لا حد له يا عثمان، اطمئن لن أتزوج بك أو بغيرك، لم أعد راغبة بالبدء من جديد. 


رق قلبه وترقرقت بين ضلوعه دموع القهر من اجلها لكنه ادعى الثبات واستدرك لهجته بالحوار مدعياً الصدق والتأثر قائلاً:


تعلمين أنني عاشق لك، لكن أمر زواجنا سيجعل والدي يسعد وربما تتحسن حالته. 


علياء بقلق 


ما الذي تقول، هل عمي مريض؟!


عثمان بتأثر : للغاية لكنه يأبى الاعتراف بالأمر لقد حذرني الطبيب من تعرضه للانفعال ولذا علينا الزواج من أجل اسعاده. 


استغل هو حزنها البادي فاستطرد:


لم اشأ اخبارك، كان لدي بعض الأمل أن يتم الزواج رغبة منك ومني في استكمال حياتنا سوياً.


علياء باكية : لا تقلق يا عثمان أنا موافقة بالطبع أن نتزوج، آه يا عماه أطال الله عمرك فلم يعد لنا بعد الله سنداً وغالياً سواك.


استطاع عثمان اخفاء ابتسامته ببراعة وتحرك بخطوات مسرعة مغادراً المكان لكنه التفت اليها قائلاً بصوت خفيض :


ارجو ان يبقي ما سمعته الآن طي الكتمان فأمي لن تحتمل مصيبة كتلك. 


علياء بتأكيد : بالطبع لن أخبرها، لا تهتم يا عثمان وهيا اذهب الى عمي واخبره بموافقتي.


تمتم بعدما دلف الى غرفته قائلاً:


رزقك الله الصحة والعافية يا أبي، لم اقصد لا قدر الله أصابتك بسوء لكن ابنة أخيك عنيدة للغاية فلجأت الى حيلة بريئة لن تضر وبالفعل انت مصاب بالتسرع وضغط مرتفع لا يود الانخفاض. 


قهقه عثمان الى أن ادمعت عيناه محدثاً نفسه 


ان علم أبي انني ادعيت انه مريض سيقتلني وان كان رؤوفاً معي سيجعلني طريح الفراش لأيام لكنني مجبر يا قوم، أحبها ولن اضيعها مرة أخرى ما حييت.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


لم تذق للنوم طعماً ولم تزل كلمات جمال تدور برأسها، لقد ارسل اليها صوراً لقمر.


 نعم تعاطفت معها لكنها حائرة، مترددة.


 يامن ليس فقط ابنها بل هو كل ما لها، صارت مكانته بقلبها مضاعفة بعدما فقدت شقيقه، كان حبها لهما متساوياً كلاهما يمتلك شطراً من قلبها فلما توفي رأفت صار القلب بأكمله سكناً ليامن، ابناً وصديقاً وعائلة تطمح ان ينال من الحياة سعادة لا تنته.


 كم تتخيل يوم زفافه بأميرة تليق به،


تعلم يقيناً أن ابنها قد مال قلبه الى قمر لكنها مشوهة، كيف تتقبلها ويتقبلها العالم. 


لم عليه أن يرتبط بفتاة بها ما يعيبها. 


استغفرت ربها مراراً توبخ نفسها لكن سلطان النفس لا يستهان به، مارد يصعب صرفه بل القلة من بني أدم من وهبه الله قلب تقي نقي يفلح في كبح جماح نفسه وتهذيبها 


أغمضت عينيها وازدادت حيرتها وتذكرت ما قاله جمال وربما كان محقاً


هو لن يسمح بعلاقة كتلك وهي ستؤيده.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


وقد ترى فيما أحب نقصاً وتلتقط عيناك قصوراً يعجز قلبي الهائم عن رؤيته فدعني وشأني، ربما كان ذاك القصور بعيني أنا اكتمالاً لا يشوبه شائبة.


 


تبدلت ملامح وجهه الي النقيض وكأن برد الشتاء القارس قد فر هارباً بنظرة منها ووهبته دفئاً وسكوناً.


تحدث بلهفة كامنة بكلماته.


حمداً لله علي سلامتك، هل أنتِ بخير؟


أجابته بخجل : سلمت يا دكتور يامن، أنا بخير بفضل الله اولاً ثم يعود الفضل لك. 


يامن برفض : اتفقنا أن ما فعلته لم يكن أمراً هاماً بقدر ما كان واجباً.


انا ارى نفسي مسؤولاً عنك، هيا اجلسي أولاً لنستكمل حديثنا.


تحركت بوجل تنوي جذب مقعداً للجلوس لكنه سبقها محضراً اياه بلباقة جعلتها تشتعل خجلاً وتعلقاً اكثر واكثر.


صمت مسموع كان يغلف الاجواء الى أن تحدث يامن بجدية قائلاً 


علي أن اقص عليك بعض الأمور.


نظرت اليه بترقب قائلة:


أنا استمع إليك، هات ما عندك .


يامن : لقد أخبرتك ان ما حدث كنت انا سبباً به .


ربما المعني الأدق والدي هو السبب الرئيسي في تلك التهمة الموجهة اليك انت والسيد داوود. 


قمر بتعجب : وما شأنه وشأننا..َ


يامن : لا شأن لكما لكنه اتخذكما وسيلة للوصول الى مبتغاه، والدي جمال رشدان. هل مر اسمه أمامك من قبل؟ 


قمر : أنا لم اسمع من قبل عن أحد يدعي جمال رشدان سوى رجل الاعمال والسياسة المعروف.


يامن : أجل، هو والدي، أنا يامن جمال رشدان. 


ادمعت عيناها رغماً عنها ويأساً من أمل كان عند أعتابها واقفاً ينتظر ولو بصيص من نور خفي يسمح له بالنفاذ. 


هل كان ينبغي عليك يا يامن أن تكون بهذا الكمال، ولله وحده الكمال


لكن ما تراه العين يحكم بذلك


وسيم ولبق، طبيب وذو مكانة مرموقة، والادهى انه ابن لرجل من حيتان قلة في بحور الاعمال والتجارة وحوت شرس لا يستهان به بل معروف عنه الدهاء والمكر.


 


قص يامن عليها باقتضاب ما فعله والده وما اراده.


احنت راسها فقد اثقلتها الهموم متسائلة في ضعف.


هل سترجع وتترك العمل هنا؟ 


يامن : انا مجبر يا قمر، اضطررت الى الرجوع الى ما تركت وهربت منه سنوات كي احميك، تنحنح قائلاً:


كلاكما أنت والسيد داوود.


قمر بحزن : وأنا، ماذا عني؟!


لم يتوقع منها سؤالاً كهذا فهو قد منع عقله عن توجيه ذات السؤال، وضعته في حيرة مؤلمة.


ماذا عنها هل سيبتعد وتأخذه تلك الحياة التي رغم نفوره منها الا انها ادمان للبعض وقد تنتقل اليه عدوى وينتكس فيرجع الى ما انتهى عنه، أم أن ابتعاده عنها سيجعله يدرك مكانتها بقلبه.


هل يخبرها بمشاعر هو نفسه لم يتأكد منها بعد أم يصمت والصمت هنا أسلم له ولها 


رجاؤها الصامت جعله علي وشك الرضوخ والبوح لكن صوت والدته الرزين الحاد بعض الشئ جعله يستقيم في وقفته ناظراً اليها بترقب لمجيئها الغير منتظر.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


دار بطفلته بسعادة يمرح معها يحاول جاهداً أن يعطها من حنانه وعطفه ما حرمته منها والدتها، يعشقها كما لو كانت روحه بداخلها هي ويخشى عليها من الايام ونوازلها.


هل تعد قمر اليه وكيف السبيل الى عودتها وقد مزق هو سابقاً كل الخيوط الواصلة بينهما واحرقها بفعلته. 


شرد بذهنه ليسترجع تلك الليلة الحالكة التي قضت علي احلامه وحياته، لقد تفتت عالمه بعد فقده لقمر.


فلاش باك


............................... 


خرج الطبيب اليهم فتجمعوا من حوله في لهفة يودون الاطمئنان على قمر


تحدث الطبيب بعملية قائلاً: 


لقد أراد الله لها العيش ولكن للأسف لقد تشوه وجهها فالارتطام كان قاسياً سوف نجري لها عملية تجميلية تحسن من الوضع قليلاَ لكن امكانيات المشفى محدودة لذا لن نحصل على نتيجة فارقة.


جاسم بذهول : ما الذي تقوله، عليك فعل ما تستطيع ولا يهم التكلفة، سوف ننفق ما لدينا كي ترجع كما كانت.


وكزته والدته بحدة دون أن يراها أحد فالتفت اليها بتعجب لكنه استكمل توصياته ورجاءه للطبيب الى أن غادر. 


لم تكن والدته منذ بداية ارتباطه بقمر على وفاق معها فهي امرأة متسلطة الي حد بعيد، كم حاولت اثنائه دون فائدة عن استكمال زيجته من قمر ولم تفلح، ولكن قد أتت فرصة لن تعوض.


مرت ايام قليلة لم يتغير خلالها شيئاً سوى الالحاح الزائد من والدة جاسم تبث إليه مخاوفها الكاذبة بشان سعادته ومستقبله.


 تؤكد له أن ابتعاده عن قمر تصرف صحيح لا يرفضه عاقل. 


وقد استجاب، ضعف أصابه وربما كان هو ضعيف فاستسلم.


ابتعد بسهولة اتخذ قراراً سيقضي باقي أيامه نادماَ عليه. 


همس اليها وهي بالفراش الطبي تصارع الموت ولا ترى من العالم سواه، تبتسم اليه بشحوب وكأنه طوق النجاة واكسير الحياة.


تحدث بجمود قائلاً:


لا أستطيع الاستمرار معكِ يا قمر، انا آسف. 


قمر بتعب : ماذا تقصد، هل أنت جاد فيما تقول؟


جاسم : اجل يا قمر، ليس ذنبي أنك صرت مشوهةر. 


لم تكن تدرك قبل ذلك ما تعنيه الكلمة وما ترتب عليها لاحقاً لكنه واجهها بحقيقة لم تكن لتقتنع بها لولاه، لقد تشوهت.


أشارت إليه بيدها أن يخرج وقد فعل


أخرجها من حياته وقتما كانت هي تنتظره ان يعيد إليها ولو جزءاً من حياتها.


............................... 


وضع جاسم طفلته أرضاً وانتحب بقوة


 


فهرولت ماسة اليه تسأله بطفولة:


هل انت بخير يا أبي؟!


جاسم بنفي : لا، لست بخير مطلقاً، أنا نادم، أموت ندماً. 


ماسة بحزن من اجله : ما معنى نادم؟


 


ضمها الى صدره باحتياج وحب 


كلمة اتمنى ألا تدخل إلى قلبك ولا تدمر حياتك يا طفلتي.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


كانت سعيدة، ويكفها تلك الكلمة فالسعادة لم تدق بابها منذ سنوات، منذ رحيله وشقاقهما 


احتضنتها زوجة العم قائلة:


مبارك يا غاليتي، لقد أنعم الله عليَ بعودتكما واكتملت نعمته بموافقتك على الزواج من ذاك الفتى البائس.


عثمان بغيظ:


أنا لا أعلم كيف لأم أن تنصر زوجة ابنها عليه


الام : إن كانت أم عاقلة وتعلم أن ابنها صعب المراس ولا يطاق تفعل ما افعله انا 


قهقت علياء في صخب أذاب قلب عثمان فتحدث بوقاحة:


أتعلمين يا أماه، أنت محقة أنا صعب المراس وأحتاج الى ترويض هلا روضتني يا عليائي


توردت وأبعدت ناظريها عن خاصته وهمهمت والدته بحنق قائلة:


انصرف يا ولد، اذهب الى والدك واحضرا ما طلبت إليكما لم يعد أمامنا من الوقت ما يكف.


 


تنهد هو بمرح غامزاً الى والدته:


بالله عليك يا سيدتي دعيني وشأني 


هل شهر بأكمله لا يكفي، أنا أحترق شوقاَ اليه وكنت انتظر أن اتزوجها بعد يومان أو ثلاثة.. لكن زوجك المتعنت طلب شهراً وكأنه لي دهراً.


لوت والدته شفتيها قائلة: 


هداك الله أنت وأبيك، قم الى والدك وإلا ابرحتك ضرباً يا عريس الشؤم.


قبل يدي والدته قائلاً: 


أوصها بي قليلاً واخبريها أني متيم. 


ابتسمت والدته بحنو هامسه:


 


بل عليك أن تستوصي بها خيراً فهي منك وإليك، وبك تكن أقوى وأقرب.


 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تحدثت الى ولدها وتعمدت تجاهل قمر بعض الوقت لكنها ادعت المرح قائلة:


هل اخبرك يامن يا قمر بأمر عودته الى عمله وحياته السابقة.


تعجب يامن بشدة فلهجة والدته تعبر عن سعادة برجوعه، لم يكن ذاك حالها بالأيام الماضية، هل يخيل اليه ام انها تدعي السعادة كي لا تحزنه، اقترب منها ضاماً إياها اليه برفق معتقداً انه يهون القليل عنها.


بينما قمر تجاهد ألا تبكي. 


تساءلت نهال في ثبات :


 


ألن تستمع الي وتتزوج يا ولد، ألم يكن أفضل لي ولك إن تزوجت وكونت أسرة تؤنسني.


وجهت بصرها الى قمر مدعية تلقائية الحديث قائلة:


بالله عليك يا قمر إن كان لديك ولد مثل يامن، بهيئته وهيبته ومكانته أكنت تاركة إياه بلا عروس تسعده ويسعد بها؟


عروس تليق به وتكن له سنداً ومصدراً للفخر.


تحشجرت الكلمات بصوتها، هل ما تقوله نهال أعيرة نارية صامته تفتك بفؤادها المنكسر مرات لا حصر لها.


استجمعت كامل قوتها لتهتف بصوت خفيض 


بالطبع سيدتي؛ حفظه الله لك واسعد ايامه.


 


مؤكد ان الجمال ينجذب الي شبيهه والزواج يهدف الى الاكتمال، مؤكد أنه سيحظى بزوجة تليق به، فان لم يجد هو امرأة لها من حسن الخلق والخلقة ما يكف فمن يفعل.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


دار الشهر ودورانه كان حلواً لمن يهفو الى مروره ومراً قاتلاً بلا رحمة لمن يرجوه أن يتمهل فلا ينته.


 


انتهت خبيرة التجميل من وضع لمساتها الاخيرة ونظرت الي علياء بثقة قائلة:


تبارك الله، تبدين آية في الحسن يا عروس، محظوظ للغاية ذاك الفتى.


ابتسم عثمان الذي دلف لاصطحاب عروسه قائلا بوله:


أجل أنا محظوظ للغاية، هل يستطيع أحد إنكار ذلك.


تعلقت نظراتها به وتاه هو وود لو استطاع اختطافها الآن.


اقترب منها واحتضنها في صمت عاشق. 


ضمة انتظرها أعوام منتظراً أن تصير حلاله وقد صارت


ضم بين يديه أحلام الصبا وآلام الماضي وطموح الغد ورغبة القرب وجنون الغيرة والتملك.


وتنهدت هي وكأنها تعدو منذ سنوات دون توقف واوشكت علي الموت فتلاقاها بيديه فاختفي كل الألم وابتعد الحزن وأتاها سعادة السنوات الماضية في لحظة.


#رواية خسوف القمر بقلم نداء علي


الفصل الثاني عشر


بسم الله الرحمن الرحيم 


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


وعدوى الفرح ومشاعر السعادة تنتقل سريعاً الى من يهفو اليها ويشتاقها قلبه، لكن تلك القلوب التي أحاطها أسوار من الخذلان والفقد والخوف الذي لا ينتهي لا تصل اليها تلك العدوى ولا يقوى الفرح على طرق أسوارها بل يبتعد في صمت.


 


اقتربت قمر بخطوات مثقلة باحثة عن بيت عثمان فمحال أن تترك صديقتها بليلة العمر التي انتظرتها سنوات.


 


التفتت الى صوت نسمة التي كانت بانتظارها خارجاً تناديها بلهفة قائلة :


قمر، ها أنا يا قمر، اشتقت إليك كثيراً.


أسرعت قمر في خطواتها قليلاً وقد بدأت تستشعر قليلاً من الأمان بوجود نسمة.


 


احتضنت إحداهما الأخرى بحب صادق لتتساءل قمر :


 


هل انتهى الحفل؟


نسمة : لا، لم تأتِ علياء بعد من صالون التجميل .


قمر : وأنتِ، كيف تتركينها ؟


نسمة : لم أتركها لقد أتيت منذ قليل فالمكان على مقربة من هنا وعندما علمت بقرب وصولك أتيت إليكِ .


قمر : حبيبتي أنتِ يانسوم، ومتى نزوجك؟


نسمة بتلقائية : بعدما نزوجك يا قمر فأنتِ السابقة وأنا بكِ لاحقة.


تنهدت قمر في خفوت فأدركت نسمة ما قالت، همست إليها معتذرة.


أنا آسفة.


قمر بهدوء : هيا يا فتاة دعينا نستقبل العروس وكفي عن الكأبة فالليلة فرصة لن تعوض وعلينا أن نسعد ونحظى بالقليل من المرح فعلياء وهذا الغليظ العاشق سيجتمعان بعد عناء


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


انتهى هو من ضب حقائبه بعدما سلم الى داوود ما عهد إليه من قبل من أوراق تخص العمل معه.


لقد انتهت الفترة التي حددها وقام بإحضار طبيبة أخرى حديثة التخرج لمعاونة قمر في إدارة العمل.


تحرك بآلية مستعداً للخروج، أغمض عينيه بحزن من أجل والدته التي اتخذت من غرفتها ملاذاً للاختباء بعيداً عنه، تدعي أمامه الثبات وليلاً يستمع الى أنينها الخفيض.


لكن الأمر ليس بيده عليه الوفاء بكلمته، 


ربما كانت فرصة له ليبتعد فما يمر به ليس أمراً هيناً.


رجوعه أشبه باختبار لطالب مستقبله بأكمله متوقف على اختياره للإجابة الصحيحة.


اختبار مكون من سؤال واحد وإجابته أن يتخير بين الصواب والخطأ.


التفت على صوت والدته تناديه بترقب وخوف قائلة:


هل أنت مغادر الآن؟


يامن : أجل، السيارة بانتظاري منذ قليل.


نهال : لا تذهب يا بني، تباً لك يا جمال.


اقترب منها يامن واحتضنها باحتواء قائلاً:


لا داع للخوف لن يختلف أي شئ عليكِ التفكير أنني مسافر في واحدة من تلك الرحلات البسيطة التي كنت اتغيب فيها بضع ليال.


نهال : لقد تعبت من الفراق، لقد مللت ولم أعد قادرة على تحمله.


يامن : حبيبتي هوني عليكِ وعلى قلبي، تعلمين أنني مجبر. 


نهال بحدة مبتعدة عنه:


لمَ أنت مجبر، إن كان الأمر يخص داوود فيمكنك ترك العمل لديه ووقتها لن يضره جمال في شئ، وأما تلك الفتاة فيكفها أن تؤمن لها عملاً بعيداً عنك فهي لن تجد فرصة تتناسب مع هيئتها.


يامن بتشكك : وما الذي يمنعها من العمل؟


نهال : يا إلهي، ليس الجميع أنقياء مثلك.


لن يتقبل أحد أن يوظف مشوهة مثلها لديه وان كان النقاب قد أخفى وجهها فمؤكد أنه لن يحمها الى الأبد.


يامن : ومن أخبرك أنها مشوهة يا أمي؟! 


نهال بتوتر : أنت فعلت...


يامن ساخراً : أنا لم أفعل يا أماه، وما كنت فاعلاً فأنا لا أراها مشوهه.


نهال بحدة : توقف عن هذا الهراء... 


لسنا في المدينة الفاضلة حيث الأحلام مسموح بها والجميع سواسية نحن بعالم قاسي لا يقبل الاختلاف ولا يعطه فرصة للعيش.


نظر إليها يامن بخيبة أمل قائلاً:


بالفعل لا نعيش في مدينة فاضلة فها أنتِ تتخلين عن مبادئك وشعاراتك التي طالما غرستها في عقلي، لطالما تحدثت عن النقاء والبعد عن المظاهر الخادعة التي فررت منها منذ سنين، لقد رفضت العيش مع زوجك ولم تلقِ بالاً الى أحد بل اكتفيت بما يمليه عليك ضميرك. 


نهال بصدق : كل الموازين تختل إذا ما تعلق الأمر بك، كل البشر تتساوى مكانتهم في لحظة إلا الإبن وأنت كل ما لدي ولن أقف مكتوفة الأيدي وأنا أراك تتبع قلبك وتنحي العقل والمنطق. 


يامن مغادراً دون النظر الى والدته :


 


يبدو أنكِ ووالدي بينكما بعض الأمور المشتركة لكنني لم ألتفت اليها سابقاً.


فزعت نهال بعدما أغلق يامن باب الشقة خلفه بغضب أجفلته هي وعجزت عن اللحاق به فما قاله قد صدمها وجعلها تقف أمام نفسها تواجهها.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


كانت الأعين معلقة بالعروسين وخاصة بعلياء المتلألئة بتميز بين الجميع، ابتسامتها ساطعة ونظراتها لا يمكن التعبير عن مكنونها.


تتنهد بين حين واخر من فرط خجلها وتوترها لكنها سرعان ما تتناسى تلك المشاعر وتتذكر فقط أنها صارت زوجة لعثمان.


عثمان الذي بدا مخموراً من فرط سعادته يتراقص بين أقرانه وعيناه لا تفارق عيناها.


تقدمت قمر من مجلس العروسة احتضنتها بقوة وكأنها تخشى فقدانها وفعلت علياء المثل.


 


نظرت قمر إليها قائلة :


اعتذر إليك يا لولو لكن ينبغي عليَ العودة اليوم من أجل أمي.


علياء بحزن : محال أن أتركك تعودين.


علياء : تعلمين أن أمي لا تستطيع الاعتناء بنفسها كما انه لا يوجد من يراعاها في غيابي.


أتمنى لك كل السعادة والحب، أرجو من الله أن يهب لكما سعادة لا تفنى وفرح ينسيكما ما فات.


 


علياء : وكيف أطمئن عليك لقد تأخر الوقت للغاية.


قمر : لا داع للخوف، اتفقت مع سيارة وتنتظرني بالخارج، هيا دعيني احتضنك فسوف اشتاق اليك يا بلهاء  


علياء بدموع وشيكة : أنا أحبك كثيراً يا قمر.


قمر : وأنا ليس لي أخت ولا صديقة سواك يا عليا، القاك علي خير حبيبتي واستوصي بعثمان خيراً، أعلم انه متسرع بعض الشئ لكنه يهواكِ.


اومأت إليها علياء في طاعة وغادرت قمر.


كانت عينا عثمان تحيطها فأدرك بعدما غادرت قمر أن معشوقته حزينة ترك صحبه وأسرع للجلوس جوارها محتضناً كفها باحتواء هامساً بمشاكسة :


هل تودين البكاء يا قلب عثمان، أتودين الإساءة الى سمعتي بين الحضور، قد يسيئون الظن ويفكرون أنكِ قد تزوجتني مرغمة حاشا لله.


علياء : قمر حزينة وتدعي السعادة  من أجلي، اعلم أن هناك ما يؤلمها. 


عثمان : لا تقلقي، عقب العرس بأيام سنذهب إليها ونطمئن على أحوالها. 


علياء بسعادة : صدقاً يا عثمان! 


عثمان بحب : صدقاً يا نجمة السماء اللامعة، عليك فقط الابتسام هكذا دائما وأنا رهن إشارة منك.


أحنت رأسها خجلاً فتنحنح بخشونة قائلة:


أعتقد ان هذا القدر يكفي، لننهي ذاك الحفل ونذهب الى بيتنا.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


 


كان القمر مصاحباً لها وله كلاهما له وجهتان مختلفتان هو متوجه الى قصر آل رشدان وهي عائدة الى بيتها المتهالك.


تفكر هي به ولا يفكر هو بسواها وكلاهما يشكو حاله إلى ذاك القمر المضيء


تعاتبه هي في قهر فكم تمنت أن تصير مكانه في السماء بعيدة عن البشر وتقلبهم وعدم تقبلهم لها، ترجوه أن يأخذها عالياً فتنظر الى يامن من هناك دون خوف.


 تحيطه بضوئها الذي خفت ويكفها ذلك فهي تود فقط رؤيته فلقياه محال.


ويتابع هو القمر الذي يسابق سيارته وكأنه يتحداه أن يسبقه، يستشعر وجودها قربه.


يعلم انها قمر قد اصابه خسوف قاسي فأخفى روعته عن الأعين لكن أعين العاشق تبصر الجمال أينما كان.


يود لو كان الامر بيده لاختطفها وطار عاليا وقضى معها باقي أيام العمر الذي لم يحلُ الا بظهورها.


يناظر القمر يلومه بعتب قائلاَ:


وآه من ليل لا بنتهِي وقمر كان قدره ظلام لا يصاحبه ضوء الشمس.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


ترجل من سيارته بخفة وتردد لكنه حسم أمره وتوجه بثبات الى داخل القصر.


استقبلته مديرة المنزل قائلة:


مرحباً سيد يامن، كم اشتقنا إليك.


يامن : مرحباً هيلينا، كيف حالك؟


هيلينا : بخير سيدي. 


يامن : أين السيد جمال؟


هيلينا : ينتظرك بمكتبه.


أومأ اليها وتوجه الى والده الذي كان جالساً فوق مقعده الفخم الذي يبدو كتحفة أثرية يتناول مشروباً ما وبيده الأخرى سيجاراً تتصاعد أدخنته عالياً.


جلس يامن أمامه قائلاً:


ها أنا ذا يا سيد رشدان، ما هي أوامرك؟


جمال : في الوقت الحالي لا يوجد ولكن بعد يومين ستعلم ما أريد.


يامن : حسناَ، سأخلد للنوم فأنا متعب.


جمال بتردد : لقد سعدت بعودتك.


يامن : اعلم يا أبي، تصبح علي خير . 


جمال : وانت بخير. 


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


حملها عثمان بين يديه صاعداً بها الى شقتهما رغم رفضها لكنه لم يأبه لاعتراضها فقد كان حلماً أن يحملها هكذا يستشعر دقات قلبها تهدر بخجل بين يديه يضمها بتملك لا يخشى اختطافها من أحضانه.


وضعها برفق فاستقامت في وجل تبتعد عنه هم بالاقتراب لكن والده تنحنح في جدية قائلا :


عثمان..... أين أنت يا ولد؟ 


أجابه عثمان : لبيك يا ابي أنا هنا، همس بخفوت ما الذي أتى به الآن... 


ابتسمت علياء قائلة :


أنت مجنون، ابيك وأمك مازالوا بالخارج. 


  


عثمان : ولِمَ، الا يدركون مدى اشتياقي.


وكزته هي بدلال قائلة اذهب سريعا كي لا تغضب عمي .


هرول الى والده.. وتنهدت هي في ارتياح.


تحدث عثمان الى والده بطاعة 


ها أنا ذا يا أبي.


 


أجابته أمه قائلة :


ابناء عمومتك يودون إلقاء التحية قبيل عودتهم الى الصعيد، تعال معي وعد الى عروسك بعد قليل. 


عثمان بتأفف : وما شأني فليسافروا صحبتهم السلامة. 


الوالد : اذهب يا بائس ولا تخف فإبنة أخي لن تهرب.


 


هبط مع والدته و أوشك والده على اللحاق بهم لكنه اراد الاطمئنان على ابنة أخيه بعيداً عن عثمان .


استأذن في الدخول إليها فأذنت له مسرعة، دلف عمها الي الداخل قائلاً بحنو:


مبارك يا غالية، مبارك لنا يا علياء


قبلت يد عمها باكية بقوة استنكرها العم قائلاً:


لِمَ تبكين ؟


علياء : أنا احبك يا عمي، اطال الله في عمرك ورفع عنك البلاء .


العم : أنا بخير حال يا حبيبتي، اخبريني هل احزنك عثمان ؟


علياء : لا، عثمان لم يفعل ما يحزنني، بل أنا حزينة من أجلك..


العم : من أجلي أنا!


علياء وقد انهارت قواها : أجل، فأنا ونسمة لم يعد لنا سنداً ولا عوناَ بعد الله سواك، 


أخبرني عثمان بكل شئ.


العم بتعجب : لا افهم مقصدك، بما أخبرك عثمان؟


علياء : لقد أخبرني بشأن مرضك.


العم بغضب : ماذا تقولين، يابنيتي أنا بحمد الله في اتم صحة وعافية.


علياء بصدمة : هل تقصد ما تقول ياعمي؟


أم أنك تأبى أن تبوح لي، لا تقلق انا لن أخبر أحداً..


نظر اليها العم قائلاً بترقب:


هيا اخبريني ما قاله لك ذاك الجلف.


قصت عليه علياء ما حدث ليبتسم العم في غموض قائلاً :


لقد أوقعك في الفخ، لكنه معذور ياقلب عمك، أما ترين وجهه وسعادته، أعلم أنه أحمق ولا يستحق العفو، لكن قلبك سيعطي له فرصة ربما لن ينالها الآن، لكنه سينالها وقتما تسمحين.


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


استيقظت صباحاً مرغمة على المضي قدماً لا تمتلك رفاهية البقاء في عزلتها، تناولت لقيمات دون تلذذ واعدت لوالدتها ما قد تحتاجه أثناء غيابها وهمت بالانصراف لكن والدتها استوقفتها قائلة:


اجلسي قليلاً ياقمر، أود الحديث إليكِ.


قمر بترقب : ما الخطب يا أمي؟


 


سميحة بتردد : جاسم.. 


قمر بنفور : ما به جاسم؟


سميحة : نادم ويود الرجوع.


قمر : وأنا كذلك نادمة وأبغض الرجوع.


سميحة : يا حبيبتي نحن بلا عائل والحياة قاسية أنيابها تمزق أرواح من لا سند لهم.


يوماً ما سأموت وأتركك، رغم أن وجودي لا يفيد بل هو عبئ يثقل كاهلك، لكنني أخشى عليك شبح الوحدة، جاسم فرصة لن تعوض. 


قمر : جاسم هو قاتلي يا أماه، قتلني بلا رحمه ولا شفقة دهسني بتجبر، كيف تطلبين اليَ الرجوع اليه، هل تخشين من شبح الوحدة؟! 


إن الوحدة هي مبتغاي وغايتي لا أرجو سواها، هل أعود الى رجل تركني اصارع الموت ولم يلتفت اليَ.


اختنق صوتها بقهر وحزن ونفور قائلة:


أعود بعدما تزوج وتملكت أحضانه أخرى سواي بل وأنجبت منه.


لم ولن أفعل ولا تلقِ بالاً لشئ يا أمي فلا نعلم من منا سيموت أولاَ ربما أموت أنا وتنتهي تلك المعاناة.


ضمتها الى صدرها تهدهدها كما تفعل دائما وتشبثت قمر بأمها فهي الأمان الذي لا يخون ولا يتخلى.


 


جلست بالصيدلية فوق مقعده الذي تركه خلفه كما فعل معها، استأنفت أعمالها منتظرة وصول زميلتها الجديدة ليأتها إشعاراً يعلن عن وصول رسالة الى هاتفها.


امسكت هاتفها بملل تتصفحه لتبتسم بعدم تصديق بعدما قرأت رسالة من مجهول محتواها.


(اشتقت الى قمر اعتدت أن يشاطرني صباحي وها أنا أقضي يومي الأول دونه.



#الفصل_الثالث_عشر

#خسوف_القمر

#نداء_علي

#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم


ولا يحلو الحب إلا بمره ولا يقوي ويشتد عوده إلا بعدما تسعى الرياح جاهدة لإقتلاعه من جذوره فلا تستطع وتمتد جذوره عميقه يتشبث بتربتِه فينجو رغم الصّعاب ويبقى إلى أن يحين الأجل... 


استند عثمان برأسه فوق باب الغرفة الفاصل بينه وبين حلماً انتظره سنوات.. لم يغضب من ثورتها لكنه مشتاق.. هل ستحرمه من القرب الذي يرجوه ام ستبتعد.. مهلاً وأي بِعاد سيسمح به بعدما صارت حلالاً له.. سيصبر ويترك لها مجالاً للصفح.. 


دق بقوة فوق الباب قائلاً:


دعينا نتحدث قليلاً..أعلم أنكِ غاضبة لكنني لم أقصد الكذب عليكِ 


علياء باكية : حقاً؛ إذاً وإدعائك أن عمي مريض ألا تستحِ.. لقد كدت أجن من فرط خوفي عليه.. ألا تعلم مدى حبي واحترامي له أيها المخادع؟؟


تأبى كعادتك الدفاع عن حبك الواهي الذي تدعيه.. أما أستحق أن تحارب من أجل أن تنال ثقتي.. تلجأ إلى الخداع كما لجأت من قبل إلى الهرب ؟


عثمان بصدق : أنا أحبك.. عاشق لم يعد يطيق البُعد.. مللت من الانتظار.. أريدك زوجةً لي..


ابتسمت رغماً عنها لكنه أصابه اليأس من صمتها فاستطرد بصوت يملؤها الانكسار:


أدري أنني قد خذلتك من قبل.. وأقسم لكِ أنني لم أقصد ولم يخيل إليَ أن عمي رحمه الله سيقسو علينا هكذا.. لقد ظننت أن ابتعادي عن دربه سيجعله يرجع إلى سابق عهده..


سيتدارك الأمر ويعلم أن عثمان؛ ابنه الذي لم ينجبه كما كان يقول دائماً ما كان خائناً.. محال أن أستغل ثقته بي..


لقد كسرني إتهامه لي.. وقضى عليَ ضربه لكِ وسبُه ووقوفي عاجزاً دون الزود عنك.. لقد فررتُ هارباً ولم أعتقد أنه سيقدم على نحري هكذا بتزويجك من سواي...


علياء بحزن : حسناً.. لقد قسى والدي لكن قسوته لم تمزق روحي كما فعلت أنت.. 

لقد انتظرت عودتك سنوات.. ربما ألتمس لك العذر فيما قلته الآن ولكن ما عذرك في جفاء دام سنوات جفت خلاله دموعي وسنوات شبابي....


هل تخطيت ما كان بيننا من عشق ..؟؟!


عثمان : لم استطع.. حاولتُ مراراً ولم أفلح.. رؤيتي لكِ أعادتني مراهقاً ووقعت من جديد في عشقك..


أعترف أنني مخطئاً ولكن ما العمل وما السبيل إلى قلب هائم بكِ ويأبى أن تسكنه أخرى سواكِ


علياء بترقب : هل قمت بخطبة فتاة غيري في سفرك ؟؟


ابتلع عثمان ريقه بتوتر قائلاَ :


علياء بالله عليك دعينا ننسى ما مضى 


علياء بجنون : آه منك يا حقير.. 

ومنذ أيام قليلة كنت تدعي الغيرة ممن كان زوجاً لي.. !!


عثمان بجنون : إياكِ وذكر اسمه يا عاليا وإلا قتلتك ..


علياء ببكاء حاد : أنا أكرهك.. 


عثمان : أنتِ كاذبة.. وأنا أعلم.. حتى وإن كنت كارهة فأنا سأجعلك تعشقينني من جديد.. 


تحدث بحنو وعتب:


 علياء عليك الهدوء قليلاً وهيا اخرجي اليَ... 


علياء : إن خرجت إليك سوف أقبض روحك بيدي يا خائن... 


عثمان : يا حبيبتي أنا لم ترتبط بها سوى أيام معدودة ولم استطع خداعها فتركتها... 


علياء : حسنا. عليك أن تطلقني الآن فأنا لن أستمر معك...


عثمان بغضب : إن نطقتِها ثانية ستندمين يا علياء.. سأتركك الى أن تهدأ ثورتك ولكن محال أن يبتعد أحدنا عن الآخر مهما حدث.. سأنتظر الى أن يرق قلبك ويرغمك عليّ السكون بين يدي.. 


🔸🔸🔸🔸🔸


بناية شاهقة الإرتفاع.. يحيطها الحرس وسيارات فارهة.. تبدو صارمة غامضة... تمتد أذرعها الى مساحات شاسعة فلا يحيطها الكثير من البنايات المشابهة...


ترجل يامن من سيارته تدفعه مشاعر متباينة بين اشتياق للسلطة والنفوذ.. اشتياق لنيل ما يريد دون طلب بل يكفي أن يتمنى فتصبح أمنياته حقيقة...


وجوه تبتسم باحترام وإعجاب وتمني وأغلبها وجوه تبتسم بمداهنة ونفاق لرب عمل كان فيما مضى مثالاً للشاب الجامح القوى الذي لا يهاب شيئاً.. لم يكن له حداً ولا حدوداً فيما يفعل..


اختفى سنوات وها هو قد عاد من جديد الى مملكة يحدوها جاه ووجوه تتلهف الى وصاله....


جلس يامن مترأساً طاولة الاجتماعات ينتابه حنين شرس الى الماضي ويهمس إليه شبح الرفض أن يبتعد قبل أن ينغمس مجدداً فلا تفلح تلك المرة محاولاته للهرب...


تساءلت السكرتيرة الفاتنة الواقفة جواره بلباقة وشئ من الدلال:


أتأمر بشئ بسيدي قبل البدء؟


يامن بجدية : لا.. علينا البدء الآن...


ألقى الحضور التحية فأومأ يامن بوقار أجبرهم على الحذر منه..


تحدث بعملية ولهجة واثقة وشئ من التحذير المبطن قائلاً:


ربما تغيبت مطولاً عن متابعة شؤون العمل لكن جمال بيك كان على اتصال دائم معي مما جعلني على دراية كاملة بما يحدث هنا

هناك الكثير من الأمور التي يجب مراجعتها.. وبعض الاشخاص كذلك


تبادل الجالسون النظرات الخفية فيما بينهم ليستطرد هو قائلاً:


هلا بدأنا.. أستمحيك عذراً سيد فؤاد عليك بطرح آخر المستجدات بشأن مشروع الجونة فكما علمت هذا المشروع به العديد من النقاط التي يجب مراجعتها قبيل البدء بتنفيذه


كان جمال جالساً بالمقعد المقابل ليامن يطالعه بسعادة داخلية هائلة.. يناظره بفخر.. يبتسم خفية محدثاً نفسه أن ذاك الشبل لا يشبه أحداً سوى أبيه الأسد المخضرم الذي تعلم الزئير بقوة بين افراد الغابة التي لا أمان لها...


............... 


بالمساء جلس بشرفته يحتسي قهوة متمنياً أنه تخلص من ذاك الألم الحاد برأسه فهو ومنذ وصوله الى ذاك المكان لم يهنأ بنوم..


يبحث بعينيه في تلك السماء الليلية عن قمره لكنه مختفى كحالها.. تنهد في ضيق وود لو استطاع الخروج الآن والذهاب اليها...


استمع الى صوت الخادمة تستأذن بالدخول قائلة:


عذراً سيدي.. لقد أتى الضيوف..


يامن بتعجب : أي ضيوف في ذاك الوقت؟!


اجابه جمال بدلاً منها فانصرفت الخادمة في هدوء قائلاً:


لقد اعددت حفلاً من اجلك.. أما ترغب برؤية بعض الاصدقاء القدامى؟


يامن بجدية : لا اعتقد انه كان لي أصدقاء فيما مضى.. كما انني متعب للغاية


جمال : لا عليك.. تعلم أن الحفل لن يستمر مطولاً..


يامن : حسناً.. سأبدل ملابسي وأهبط إليكم


جمال : وأنا بانتظارك...


توجه يامن الى غرفة ملابسه.. وترجل جمال بخطوات متمهلة عازماً على إرجاع يامن كما كان.. سيجعل يومه للعمل وليله للصخب والاستمتاع فلا يجد وقتاً للتفكير بما ترك وراءه ولا يجرؤ على الابتعاد مرة أخرى ...


🔸🔸🔸🔸🔸


هل انتشلها من قاع اليأس وحلق بها بين آفاق الأمل برسالة كلماتها معدودة.. ترى هل يقصد ما وصل إليها أم أنه خيال صوره قلبها الواهم أيراها قمراً ويشتاقها..


ابتسامتها صاحبتها كما صاحبت عيناها تلك الكلمات التي أرسلها.. تقرأها وبعدما تنتهي منها تشتاق اليها مرة بعد أخرى...


تغاضت والدتها عن ذاك التغير الذي طرأ لكنها لم تستطع الصمت فتساءلت بفضول:


ترى يا حبيبتي ما السر الذي تخفين عني..


استشعر أمراً أعاد الى عيني طفلتي رونقها.. أم انه يهيئ لي ولم أعد قادرة على قراءتك

ابتسمت قمر بتردد قائلة:


سوف أقص عليكِ يا أمي فأنا تحتاج الى أحد يستمع اليَ.. يتفهم مشاعري


انتبهت والدتها كلياً ونظرت اليها بترقب فتحدثت قمر بتوتر:


لقد وقعت في الحب ثانيةً رغم حرصي لسنوات ألا أفعل.. أعلم أنه ليس من حقي لكن قلبي خدعني وسمح له بالسكن داخله

رق قلب والدتها لها واستشعرت حباً صادقاً لم تعشه قمر من قبل.. حباً جعل والدتها تخشى عليها انكساراً جديداً وألماً لن تحتمله فادعت الجمود قائلة:


ومن هو؟؟!


أجابتها قمر : يامن.. ذاك الطبيب الذي كنت أعمل تحت إشرافه...


سميحة بتعقل : وهل يبادلك تلك المشاعر.. هل أسرَ إليكِ بحب أو نية للزواج..


نفت قمر دون حراك بل اكتفت بتحريك رأسها بينما قلبها ينتفض خوفاً من حديث والدتها...

تحدثت سميحة بهدوء : 


أنا الأقرب إليكِ يا قمر ربما أنا أقرب إليكِ من نفسك.. أتألم أضعاف تألمك ويبكيني صمودك الخارجي.. أتمنى لو أن الكون يراكِ بعيني أنا.. يتبين نقاء قلبِك وصفاء نفسِك لكنه محال.. 


أجل محال فقد خلا الكون من الرحمة صار غابة ومرتعاً للقساة الغلاظ... أشفق على صغيرتي أن تتمادي في وهم نسجته هي.. عليكِ بالرجوع الى الواقع...


قمر بحزن وشئ من الحدة الناتجة عن يأسها:


وما الذي يقتضيه الواقع؟


أن أرتمي تحت قدمي جاسم بعدما تفضل على قبيحة مثلي واراد العودة إليها..


سميحة : حبيبتي العمر يمضي سريعاً.. يهرول دون إلتفات الة احد.. تموت قهراً عندما أتخيلك وحيدة.. وجاسم مميزاته ليست بالقليلة.. أنا لا انظر إليها كعاشق ولهان ولا أنظر اليها كخطيب سابق تخلى عنك وقت الشدة.. أنا أرى به فرصة لن تعوض..


 شاب وسيم لديه ما يكفيك وزيادة.. ربما هو مطلق ولديه طفلة.. لكنه..


أجابتها قمر : لكنه سيتقبلني كما أنا وعليَ التضحية وقبوله هو وطفلته ووالدته التي لن تدعني أحيا بسلام.. علي الرضوخ مراراً فمن هم على شاكلتي قد قدر لهم الذل والقهر....


سميحة : أنا أمك وأدرى بما فيه الخير لكِ.. ولن أدعك تتوهمين حياة وردية مع شاب ربما يسعى لبعض التسلية.. حتى وإن كان بقلبه بعض المشاعر تجاهك.. فوالدة جاسم إن كانت قاسية فالقرب من يامن وأمثاله انتحار يا بنيتي.. 


سوف تدهسين تحت أقدامهم ولن يستشعر أحدهم شيئاً


قمر بانهيار : أنا المخطئة ما كان ينبغي عليَ الحديث إليك.. أنتِ كما الجميع تودون وءدي كي أبتعد عن محياكم..


تطلعت سميحة الى قمر بحزن واعتذار لا تستطيع البوح به.. إعتذار لطفلتها عن مواجهتها بواقع تود لو كان حلماً مزعجاً وينتهي.. 


تود احتضانها ولكنه حضن ضعيف كصاحبته لن يفيد ولن يفلح في حمايتها..


لحظات كانت كافية للقضاء على مقاومتها فأصابتها إغماءة كانت تتوق إليها علها تستريح


ارتمت قمر تحت قدمي والدتها تبكي برعب قائلة:


أماه أنا آسفه.. أمي بالله عليك لا تتركيني.. أنا خائفة.. أمي افيقي وسأفعل ما تقولين..


 أنتِ محقة وأنا لن أغضبك مرة أخرى.. دقائق مرت دون فائدة..


 هرولت قمر تبحث عن هاتف والدتها.. بحثت عن رقم جاسم الذي تجاب اتصالها بتلهف وكأنه كان بالانتظار قائلاً:


مرحباً خالة سميحة كيف حالك!؟


قمر بصوت يكاد لا يسمع من فرط خوفها

أنا قمر.. امي أصابها إغماء ولا تفيق وأنا خائفة.. هلا ساعدتني؟!


جاسم دون تردد : دقائق وآتيك.. لا تخافي

أومأت بطاعة وكأنه يراها وظلت تناظر والدتها بترقب.....


🔸🔸🔸🔸


توجهت نسمة بخطوات مسرعة يحيطها بعض المرح الطفولي الذي عاد إليها بعدما أحاطها عمها وزَوجته بحنان إفتقدته مطولاً.. حنو ظهر جلياً بقسمات وجهها ورعاية تجلت في ملبسها الجميل


اقتربت من المتجر الذي تريد لكن صوت أحد الشباب استوقفها قائلاً:


مهلاً يا آنسة.. أين أنتِ ذاهبة!؟


نسمة بغضب : وما شأنك؟


ابتسم بخفة ليلتفت حوله قبل أن يجيبها:

ألا تذكرينني..؟!


نسمة بنظرة خاطفة : لا أعتقد اننا إلتقينا من قبل..


نادر بثقة : أنا نادر عز الدين.. صهر حورية ابنة عمك...


ابتسمت نسمة بخجل قائلة:


أعتذر إليك استاذ نادر فأنا غير معتادة على الحديث الى أحد لا أعرفه.. كما أن وجودي بالبلدة حديث لذا ترجو المعذرة...


نادر باعجاب : لا داع للاعتذار... تردت فقط الاطمئنان عليك عندما رأيتك..


اومأت بخجل وتحركت بتمهل ليتنهد هو قائلاً:


أعتقد أنه قد آن الأوان يا نادر.. أوقعتك طفلة قصيرة القامة كتلك.. لكنها ساحرة...


🔸🔸🔸🔸🔸


مزقت تحية الإنذار الذي تسلمته منذ قليل وألقت بتلك الوريقات أرضاً تدهسها بغل وكره قائلة:


آه يا علياء.. لقد فرقت بينكما سنوات ونجحت في تزويجك لرجل آخر ورغم ذلك عدتما سوياً.. كيف ولمَ!!


أيتها الساذجة البائسة.. هل تنالين أنتِ عثمان وأتزوج أنا كهل كوالدك.. أضاع شبابي ولم أنجب منه طفلاً يؤنسني..


كيف عاد عثمان إليكِ وقد كنت حريصة ألا يفعل..


آه.. حسناً يا علياء لن تدعك تنعمين بالحياة هكذا أنتِ وشقيقتك.. محال أن أترك لكما ولو غرفة واحدة من البيت فقد دفعت ثمنه مسبقاً.. 


ارتضيت  برجل يكبرني بسنوات عدة وأرمل ولديه طفلتان.. هذا البيت ملك لي..


اما أنت يا عثمان فسنرى ما يناسبك..

 كم تمنيت رجل مثلك لكنك أحمق لا ترى سوى تلك الغبية....


طالعها شقيقها باستياء قائلاً:


لا شأن لي فيما تقولين لقد دفعت إليكِ الكثير نظير تزويجك نسمة الى كفيلي..

 وها هي قد رفضت ووقعت أنا في مأزق.. أريد استرجاع أموالي بالحسنى... 


تحية دون مبالاة : ابتعد عن دربي أنت وأموالك ألا يكفيني ما أنا بصدده ...


أجابها بتحذير : تعلمين تنني لا أفرط فيما أملك يا تحية.. سأنتظر منك اتصالاً كي ترجعين اليَ ما أخذت وإلا... 


تحية بغضب : وإلا ماذا تيها القذر 

؟!

اجابها بتأكيد : أشوهك.. ألقي بوجهك مياهاً حارقة تلتهم ذاك الوجه الفاتن.... 


غادر غاضبها وتركها تتلفت خوفاً مما قاله... 


🔸🔸🔸🔸


تململ بقوة في نومته الغير مريحة كلياً لنفض عن جسده الغطاء ملقياً إياه أرضاً ..

اقترب من غرفتها قائلاً:


أما تشعرين بالندم .. هل من اللائق أن أقضي ليلتي نائماً هنا فوق تلك الأريكة القاسية مثلك ..


قهقت هي باستمتاع ليستكمل بمرح..


أما كان يجب على والدي الغالي أن يتأنى ويتركني أنعم بالقرب ولو لليلة.. آه منك ومن عمك ...


إن علم الأهل والأصدقاء بما اصابني سوف تصبح حديث الساعة وربما شكك البعض بي... 


تحدثت هي بنعومة قائلة:


وهل تستحق أنت سوى الهجر أيها المخادع الكاذب..


ابتسم بمكر بعدما ايقن انها لم تغلق الباب من الداخل فدفعه برفق وبسرعة جعلتها تتسمر مكانها بعدما جذبها إليه هامساً:


أجل أستحق أن أحظى بقليل من الحب...


لم تستطع الرفض ولم يعطها فرصة للقبول بل جذبها إليه يعاقبها بشغف واشتياق وحنين وغضب من بعاد كان مقدراً رغماً عنهما.. 


كانت قبلة أشبه بصلح بعد جفاء دام قرون عديدة.. اعتذار عبر عنه عثمان بصدق وتقبلته علياء بترحاب الى أن دفعته بخجل بعدما تعالت الأصوات تعلن عن مجيء عمها وزوجته للاطمئنان عليهما... 


🔸🔸🔸🔸

اجتذبته تلك الاضواء البراقة لوهلة فانشغل عنها.. تاقت روحه اليها فاتصل بها لكن هاتفها مغلق.. انتابه القلق.. 


تفكر قليلاً.. ابتسم بارتياح عليه الاتصال بأستاذه كي يطمأن عليه ومنه يطمأن عليها... 


تحدث الى داوود بود واشتياق مطولاً واعتذر عن تقصيره وانشغاله تسبوعاً كاملاً ليجيبه داوود بتفهم:


لا بأس يا عزيزي فأنا علر دراية بما أنت بصدده وأعلم أن الأمر لن يكن هيناً.. ولكن عليك التروي دائما والحذر قبل ان تخطو.. 


التقط يامن مغزى الكلام فصمت في وجل وتساءل بصوت مشتاق لم يخف على داوود قائلاً:

وقمر.. كيف حالها ؟


اجابه داوود بحزن وتعاطف:


مسكينة تلك الفتاة.. لقد أصيبت والدتها بوعكة صحية نقلت على اثرها الى المشفى ويبدو أن حالتها ليست بالهينة... 


يامن بصدمة : كيف ومنذ متى !؟


داوود : منذ تيام قليلة.. ربما ثلاثة أيام.. 


يامن : بأي مشفى هي !؟


أجابه داوود : مشفي خاص.. اسمه الشفاء على ما أتذكر.. ان أردت أرسلت إليك العنوان... 


يامن دون تردد : بالتأكيد سأذهب اليها الآن ..


داوود : حسناً.. لحظات وارسل إليك موقع المشفى..



##الفصل_الرابع_عشر

#خسوف_القمر

#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🔸🔸🔸🔸

والاحتياج الى ملاذ عندما تعصف الرياح وتكشر الدنيا عن انيابها يفقدنا التعقل فلا مجال للتريث بل نندفع مهرولين بحثاً عن ظل وان كان واهياً فيكفينا وجوده... 


لم يتركها جاسم منذ مجيئه معها الى المشفى بل تكفل هو بكل ما يخص والدتها والاطمئنان عليها فقمر واجمة تستمع اليه والى الاطباء في صمت.. تطالعهم برهبة كلما اقترب أحدهم من وقفتها.. تخشى أن يخبرها أحدهم بما يفجع قلبها من جديد... 


لكنها تحتاج الى ملاذ حقيقي.. جاسم يشعرها بمزيد من الخوف.. تترقب تخليه من جديد.. ترى بعينيه صدقاً لكنها لا تستطيع تصديقه... 


تحدث إليها بصوت رخيم :


هيا يا قمر.. عليك الذهاب الى البيت

 والحصول على بعض الراحة وتبديل ثيابك ...


قمر : بالطبع لن اذهب.. أتطلب اليَ ترك أمي ..


جاسم : هي من طلبت اليَ ذلك ..


قمر بسعادة : حقاً.. هل تحدثت إليك.. هل أفاقت..؟؟ 


ضمها اليه قائلاً بحب : أجل تحدثت اليَ لكن الطبيب لن يسمح لأحد بالدلوف اليها الآن


قمر بحزن : هل تخدعني يا جاسم.. هي لم تفق بعد !!


جاسم : اقسم لكِ انها قد تحدثت اليَ وتشعر بالقلق من اجلك.. سوف نذهب الى البيت تنعمين بحمام دافئ وتبدلين ملابسك ونتناول بعض الطعام ونسرع في العودة إليها... 


قمر بشرود : لا رغبة لي في الطعام.. ربما عليك انتَ الذهاب والاطمئنان على طفلتك والارتياح قليلاً :


جاسم مبتسماً اليها في اشتياق ..


أتعلمين أنني لا أصدق ما حدث.. أدري أن ما أقوله سيبدو درباً من جنون لكنني سعيد لبقائي معك.. 


تراجعت قمر للخلف في خجل وتردد فاستكمل ...


هيا بنا.. سوف اقلك الى المنزل واتوجه الى بيتي أطمأن على ماسة ثم ارجع اليكِ..

 سوف أحضرها معي.. هل توافقين؟ 


أومأت قمر بتحير فهي لم تعد تمتلك خياراً سوى القبول... 


🔸🔸🔸

بعدما انتهي من تبديل ثيابه همَ بالمغادرة لكن والده استوقفه بجدية قائلاً:


الى أين يا يامن ؟!


اجابه يامن علي عجالة : لدي موعد هام 


جمال : عليك تأجيل موعدك.. فقد اوشك الوفد الألماني على الوصول وأعتقد أنني قد أخبرتك بما لهم من مكانة لا يستهان بها..

 

يامن بتأفف : حسناً.. لن أتأخر.. سوف أحضر اليكم بعد قليل 


جمال بلهجة غير قابلة للجدل : بل عليك الذهاب عقب انتهاء لقاءنا بهم سأنتظرك لكي نتناقش سوياً في بعض النقاط فألحق بي.... 


تطلع يامن الي ساعته وزفر في ضيق عازماً الى إنهاء العمل والذهاب مباشرة الي قمر.... 


🔸🔸🔸🔸


تحدثت وداد بخفوت الى علياء قائلة:


كيف حالك يا غالية.. هل أنتِ بخير؟؟


توردت وجنتي علياء في خجل وبدا حياؤها جلياً فتبسمت زوجة العم واهمة ان عثمان وعلياء قد تم زواجهما فعلياً بينما زوجها يطالع عثمان في شماتة ويبادله عثمان النظرات في ضجر... 


تحدثت نسمة بتلقائية :


لقد قابلة استاذ نادر صهر حورية بينما انا متوجهه الى المتجر.. 


تحدث عثمان في غضب :


واي ريح أتت به الينا.. أم أنه لم يعلم بعد بأمر زواجنا يا حرمي المصون ..


نظرت اليه علياء في دهشة قائلة:


هل أصابك خطب ما.. عليك التحدث الى نسمة لا اليَ فانا لم ألتقِ به.. ثم ما شأنه وشأني ..


عثمان بغيظ : ألم يتقدم إليكِ من قبل يا بلهاء ؟


علياء : وان يكن.. الرجل لم يرتكب جرماً 


عثمان : حسناً.. دعيه يأت الى هنا وارتكب انا جرماً واقتله أمام ناظريك ..


تمتمت والدته بتهكم :


أعانكِ الله يا علياء.. لقد ابتلاكِ الله بذاك الأحمق.. هل تتشاجر مع عروسك بنهاركما الأول يا غليظ ..


تحدث والده بسخرية : 


ربما هو متعب يا وداد.. دعينا نتركهما ينعمان ببعض النوم 


اومأت اليه وداد وهمت بالقيام وبادرت نسمة بمد يد العون لها بينما تحدث الوالد الي عثمان بصوت ساخر :


يبدو عليك التوتر والغضب يا عثمان اهدأ قليلاً وسوف تتحسن أمورك فيما بعد 


عثمان : أعلم أنك تعمدت إخبارها بالحقيقة كي تعاقبني 


الوالد بمشاكسة : ابنة اخي تستحق السعي من اجل وصالها ونيل رضاها.. كما انني لن اتهاون معك بعدما ادعيت كذباً إنني مريض يا غبي.. هل تتمنى ليَ الأذى... 


عثمان : حاشا لله.. أنعم الله عليك بالعافية والعمر المديد لكن علياء عنيدة كالبغال ولم اجد امامي مخرجاً سوى تلك الكذبة ..


والده : علياء ليست عنيدة لكنها جريحة الفؤاد ايها الأبله عليك بالتقرب اليها والتمسك بها واياك وإحزانها.. هل فهمت.. ؟؟


اومأ اليه عثمان على مضض وترقب خروجهم كي يعيد الكرة ويتقرب ممن أصابته بجنون العشق ولم ترأف بحاله.... 


اقترب منها بحب فناظرته بعتب قائلة:


ابتعد يا عثمان ولا تستغل عشقي لك فأنت تعلم أنني لن استطيع صدك ..


عثمان بمشاكسة : تقصدين أنني لا أقاوم 


علياء ضاحكة : يا لك من مغرور!!

عثمان : لا بأس..دعينا نستكمل ما بدأناه منذ قليل ..


علياء : فيما بعد أنا الآن متعبة وأود النوم.. الى اللقاء يا عثمان.. أراك لاحقاً زوجي الغالي.. 


قبل ان يفيق من صدمته كانت بغرفتها بينما هو واقف مكانه يفكر في حيلة تهدم ما بينهما من سدود... 


🔸🔸🔸🔸🔸

تحدثت تحية الى المشتري بطمع قائلة:


البيت يستحق ما تقدمه وزيادة الا ترى موقعه ومساحته.. انا مضطرة الى البيع والا ما فرطت فيه 


المشتري : سيدتي أنا لن ادفع جنيهاً واحداً فوق المبلغ المتفق عليه.. 


تحية : حسناً.. دعنا ننته من تلك البيعة.. 

وقع الرجل ووقعت هي الأخرى وتسلمت مبلغاً نقدياً ضخماً جعلها تبتسم في انتشاء فقد نالت ما تريد ولن تسمح لعلياء وشقيقتها بأخذ أي شئ.. 


صافح شقيق علياء المشتري واقترب من شقيقته الشاردة قائلاً:


لم اعتقد انك امرأة خطرة هكذا يا تحية.. لقد صرت ثرية للغاية


تحية بتأفف : أي ثراء هذا.. هل مليون جنيهاً صارت ثروة بأيامنا تلك !!!


أجابها شقيقها : رحم الله أباك كانت ثروته خرابةً نسكنها الى ان توفاه الله وانتشلنا زوجك من الفقر 


تحية بغضب : ما الذي تقول ايها الفاشل.. لقد كان يكبرني بعشرين عاماً.. 


سرق مني شبابي وتركني وحيدة.. تلك الأموال عوضاً لي عما قاسيته ..


لوي شقيقها فمه باستنكار قائلاً:

استغفر الله.. لن أجادلك يا تحية كل ما يهمني ان تعطني أموالي 


تحية بحقد : لن أفعل.. كل ما لدي من اموال سوف ابدأ به مشروعاً بعيداً عن هنا..


جذبها شقيقها بعنف ممسكاً خصلات شعرها بيديه ناظراً اليها بكره قائلاً:


أتعلمين يا تحية يبدو انك لا تعلمين ما أنا قادر على فعله ..


حاولت تحية دفعه ولكن دون فائدة.. اخرج هو من جيبه مادة مخدرة ثم ما لبث ان قام برشها بوجهها.. تأوهت محاولة الفرار وكأنها طير ذبيح بينما يناظرها هو بشماته الى ان فقدت وعيها بين يديه.. 


تركها لتقع تحت قدميه ليبتسم في خبث.. 

لقد عرضت عليك دفع ما تدينين لي به لكنكِ أبيتِ.. 


عليَ الآن أخذ المبلغ بأكمله فكما تقولين مليوناً لم تعد تعني شيئاً فمؤكد انكِ لن تمانعين في اعطائي اياها.... 

🔸🔸🔸🔸


تناولت لقيمات معدودة بصحبة جاسم وطفلته التي ناظرتها قمر بتعاطف.. طفلة نقية بريئة المحيا.. ابتسامتها صافية مازالت بسمة بكر لم يغتصبها غدر الحياة.. يداعبها أبيها 


جاسم الذي تخيلت فيما مضى حياتها معه وانجابها منه طفلة كتلك.. كان يخبرها دائما انه سيسميها ماسة.. لأنها ستكون قطعة منها ومنه.. رباط يجمعهما الى الأبد... 


وها هو قد حقق أحلامه بعيداً عنها نال ماسته بينما هي ما تزال بمحلها كما تركها منذ سنوات ..


تنحنح جاسم الذي يدرك تمام أفكارها المتضاربة قائلاً :


ماسة تشبهني تماما.. أليس كذلك !؟


اومأت قمر بابتسامة متعبة قائلة:


أجل.. اتمنى لها السعادة من كل قلبي 


جاسم : بإمكانك منحها سعادة لا حد لها يا قمر.. اعلم اني أناني لكنني على يقين اننا في حاجة الي احدنا الاخر.. لن أجد من يهتم بطفلتي مثلك وأنت لن تجدين من يحبكِ مثلي ...


لما تتناسين ما مضى ونبدأ من جديد..

 هل حقاً تكرهينني الى ذاك الحد.. !!


نظرت اليه ولم تجد ما تقول.. :


هل تخبره انه صارت عاشقة لآخر.. أتخبره عن يامن.. يامن الذي بدا كطيف.. شهاب في سماء مظلمة مر بجانب القمر في لمح البصر فعلقه به واختفى...


أين هو منها ومما أصابها.. واهمة وستظل تائهة.. 


حتى وان أخبرت جاسم فهل ستقدر على مواجهة ما تمر به هي ووالدته دونه.. 


تحدثت بلهجة هادئة :


عقب خروج امي من المشفى بإمكانك التقدم إليها ان شئت.. 


جاسم بسعادة وحماس : بالطبع سأفعل.. أعدك انك لن تندمي.. 


اومأت اليه وبداخلها ألف آه والف لا وجميعهم يستغيثون بمن اختطف الفؤاد واختفى.... 


🔸🔸🔸🔸

امتد الاجتماع عدة ساعات ولم ينته بل اعقبه جمال بعشاء عملي للاحتفال..


لم يملك يامن فرصة للرفض بل اضطر الي مجاراة والده... 


تناول الحضور مشروبات كحولية متنوعة من افخر وأعتق انواع الخمور.. قدم أحدهم الى يامن كأساً فناظره يامن بسخط معرباً عن اقلاعه عن تناوله


نظر اليه جمال كي يثنيه عن تعنته فأشاح بوجهه.. تقدم الى النادل طالباً منه إحضار بعض القهوة.. 


تحدث اليه جمال بقلق بعدما لاحظ ارهاقه قائلاَ:


هل انت بخير!؟


اجابه يامن : اجل.. لا داع للقلق 


جمال : بإمكانك الصعود الى الجناح الخاص بنا.. 


يامن بضيق : وهل سنقضي الليلة هنا.. لقد اخبرتك ان لدي موعد ..


جمال بهدوء : اجل سنمضي الليلة هنا وننصرف صباحاً.. لدي بعض الأمور العالقة وينبغي حلها..


انصرف يامن مبتعداً عن الجميع بعدما اقتربت بعض الفتيات راغبين في التودد اليه.. دلف الى الجناح المعد له وألقى بجسده فوق الفراش يستشعر حيرة وانقسام لم يجابهما من قبل ..


يتساءل في ضياع هل ما يمر به الآن اختبار ام ابتلاء.. هل سيصمد أمام تلك الاغراءات التي تتهافت تحت قدميه أم سيضعف.. 


لم الأمر صعباً الى تلك الدرجة يستشعر حاله طفلاً يتعلم الوقوف وسرعان ما يتعثر.. يحتاج الي يد يستند اليها فتقويه.. يشتاق الى همسها وصوته البراق.. نعم يستشعر في صوته بريقاً يجعله راغباً في الحياة..


 وجودها أمل له ولكنه خائف.. خائف عليها ومنها ومن نفسه.. 


🔸🔸🔸🔸

مضى الليل وحل الصباح ولم يحدث جديد.. تنتظر قمر امام غرفة والدتها علها تراها.. توجه يامن الي عمله علي وعد بالرجوع اليها...


اقترب الطبيب منها قائلاً:


أين استاذ جاسم!؟


قمر بلهفة وخوف : ما الذي حدث.. هل امي بخير ؟


الطبيب : أجل هي بخير الي حد ما الحالة اصبحت مستقرة لكنها في حاجة ماسة الى جراحة بالقلب فلديها انسداد بأكثر من شريان... 


قمر ودموعها المنهمرة :

وما المبلغ المراد لإجراء تلك الجراحة؟


الطبيب : مجملاً قد تصل الى مئة ألف

 

قمر بخيبة أمل : وهل هناك خطورة ان لم نفعلها ؟


الطبيب : بالطبع.. أنصحك بالإسراع في البدء في الاجراءات اللازمة... 


نكست رأسها بقهر وغادرت.. اخذت قدماها الى البيت.. ظلت مستمرة بالمشي دون وعي منها.. تبكي وتتحرك بآلية فوق ما يزيد عن الساعة.. لم تنتبه الى السيارات المارة جوارها ولم يؤثر به درجة الحرارة الزائدة.. بل كانت فاقدة لكل شئ.. ربما كانت فاقدة للحياة... 


صعدت الى شقتها وجلست فوق أقرب مقعد.. خلعت عنها نقابها وأزاحت راسها للخلف وغفت....


استيقظ يامن مصدوماً من نفسه فقد ذهب في ثبات أشبه بالموت لم يفق الا بعد الظهر... 


ربما كان متعباً بالفعل وربما يخشى مواجهتها.. ماذا يخبرها هل يقول ما يشعر به أم يدعي انه لا يشعر... 


تري هل اشتاقت اليه.. أم أنها غاضبة منه.. لا يهم حتي وان كانت غاضبة فقد اشتاق اليها والى غضبها...


ترجل مسرعاً قبل أن يقابل والده وانطلق بسيارته... 


وصل الى المشفى وبحث عنها لكنه قد أصيب بخيبة امل عندما لم يجدها.. 


أجرى اتصالاً متكرراً بها لكنها لم تجبه مما زاد من خوفه عليها ولم يدر بحاله الا وهو واقفاِ امام شقتها.. 


دق الباب بقوة خفيفة لتفاجئه بعدما فتحت الباب 


نظر اليه في غضب وكأنه يعنف طفلة ارتكبت ما يجوز قائلاً:


أين نقابك؟؟؟


قمر بضياع : وما الداع له.. هل وجهي فتنة فينبغي إخفاوه ام ان قبحه سيؤذي من حولي...


اختنقت بعبراتها لكنها تماسكت قليلاً لتلومه بكلماتها قائلة:


اما الأولي فلا.. فكما ترى فأنا لست فتنة وأما الثانية فلم اعد اهتم بها.. فلا احد حولي اخشي ان اؤذيه برؤيته لوجهي.. 

ها انا قد صرت وحيدة وربما هذا ما أستحق.. الوحدة والنبذ....


ما الذي أتى بك.. أنا لا احتاج الى احد.. انا لا اريد سوى امي فقط...


لقد اغضبتها.. انا السبب وراء ما أصابها..


يامن : اهدئي قليلاً يا قمر.. لا تخافي لقد تحدثت الى الطبيب وطلبت اليه الاسراع بإجراء الجراحة اللازمة لوالدتك


قمر بحزن : ومن طلب اليك ذلك.. !!

هل انتظر منك احساناً..

 لا تقلق لقد تكفل جاسم بالأمر..


يامن بغضب : وما المقابل!؟


رفعت بصرها اليه قائلة بحدة

لا شأن لك..


يامن بغضب : اياك والصراخ بوجهي مرة ثانية وأخبريني الآن ما المقابل الذي ينتظره ذاك الوغد!!؟


اجابته هي بحدة ناتجة عن ابتعاده عنها

سأتزوج به.. لقد تقدم الي خطبتي ووافقت 

طالعها برفض وكأنه يحثها الا تستكمل ما تقول لكنها تحدثت بصوت كسير ..:


أرى انه فرصة لن تعوض.. لقد ساندني وقت وقوع والدتي 


يامن : قمر انا لم أكن أعلم.. ؟


قمر : وهل علمك سيشكل فرقاً.. !!؟

اعلم انك قد عدت الى حياتك ومملكتك فهل ستتذكر أمثالي ؟؟


تجرأ وجذبها اليها فصارت بمواجهته رفع وجهها اليه وتحدث بصدق :


لم أفكر طيلة الأيام الماضية بأحد سواكِ.. لم اذق للنوم طعماً سوى بالأمس غلبني التعب فنمت.. ليالٍ أبحث بالسماء عن قمر يصاحبني لكنه أبى .. 


مملكتي التي احيا بها الآنتشبه الى حد بعيد مياه البحار..

 لا تطفئ الظمأ بل تجعله يزداد حد الموت..



#الفصل_الخامس_عشر

#خسوف_القمر

#حصررري

#نداء_علي


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🔸🔸🔸🔸


وغيرتي عليكِ ليس لها وطن ولا شاطئ ترسو عليه بل هي حائرة بين قلبي وعيناكِ..


كم أتوق الى اختطافك داخلي فلا يراكِ سواي...


ربما أفقد عقلي قليلاً وربما فقدته كلياً ولكن ما بقلبي حيلة ولا لعقلي دور عندما تأتين في مخيلتي


تحدث عثمان الى نادر بعنف غير مبرر فبادله نادر باستفزاز :


كيف حالك عريسنا الغالي..؟


عثمان بهدوء حذر : بخير.. وأنت الا ترغب في السفر مرة أخرى.. لقد أطلت البقاء بالبلدة تلك المرة..


نادر : لا.. لقد احببت العيش هنا ولا انتوي الرحيل...


عثمان : حسناً.. وما سر الزيارة؟؟


نهره والده قائلاً:

ما الذي تقول يا عثمان.. هل جننت؟


عثمان : لم اقصد يا أبي.. ومؤكد ان نادر يدرك انني امزح ليس إلا...


نادر : اطمأن يا عثمان فأنا أفهمك جيداً..


صمت قليلاً ليستطرد:


ما قولك يا عماه فيما طلبت إليك؟


أجابه عثمان بفضول : وما الذي طلبته إليه

نادر : اود الزواج


عثمان بغضب : وما شأننا عليك اللعنة أما تدري أن علياء قد تزوجت بي...


نادر ببرود : وما شأني وشأن زوجتك.. أنا راغب في نسمة.. أقصد راغب في الزواج بها...


عثمان : ما هذا الهراء.. تطلب علياء وبعدما تزوجت.. تطلب شقيقتها


نادر بهدوء : أنا!!!.. مطلقاً لم أتقدم الى علياء.. عليك بشرح ما حدث يا عمي..


تحدث والد عثمان بتوضيح:


نادر لم يتقدم الى علياء بل أنا من ادعيت ذلك كي احثك على أخذ خطوة جادة.. ونادر لم يخذلني بل ساعدني كثيراً


عثمان بغضب وغيظ : هكذا اذاً.. حسناً يا نادر نسمة لن تتزوج بك حتى ترى شحمة اذنيك أيها المغرور السمج...


ناظره نادر بتحدي قائلاً:

سأتزوجها وسترى...


بادله عثمان نظراته بأخرى غير مفهومة قائلاً:


ألقاك عما قريب يا صهرنا العزيز..


تركه وصعد الي شقته يبحث عن علياء.. وجدها غافية في صمت بغرفتهما التي لم ينعم بالنوم داخلها حتى الأن:


خلع عنه ثيابه والقى بجسده جوارها محتضناً اياها في تملك ليلحق بها في غفوتها مكتفياً بوجودها جواره عن العالم بأسره...

🔸🔸🔸🔸


لطمت خديها بقهر واهتياج وكأنها تحاول الخروج من واقعها المخيف.. هل فقدت اموالها التي سعت اليها سنوات.. وعلي يد من.. شقيقها.. اللص الذي لا أمان له

لقد اخذ سنوات اضاعتها في كنف رجل تزوجته طمعاً في ثروته تفننت في اغوائه وتدليله الي ان صار مغرماً بها


أجادت رسم قناع الصدق والوفاء وتمكنت من الايقاع به في شباكها ولم يستطع شئ ردعها...


وفي نهاية الأمر تخرج خالية الوفاض

كيف تحيا بعدما فقدت أموالها ولم يعد لديها مكان يؤيها...


ستصبح لقمة صائغة للجميع.. يكفها شماتة علياء ونسمة..


أخذت تولول في انهيار قائلة:


اللعنة عليك.. اللعنة عليكم جميعاً.. يا الهي ما الذي أصابني.. لا أستطيع ان احيا في فقر وحرمان من جديد..


دقائق من البكاء والعويل لتشهق بعدها بحقد قائلة لن اقضي باقي ايامي مشردة لا ملجأ لي..


صرخاتها ازدادت مستغيثة بجيرانها الذين هبوا مسرعين الى نجدتها


ألقت بنفسها الى بعض النسوة تبكي بقوة وتتحدث بخوف كاذب قائلة:


لقد سرقوا أموالي.. انتقموا مني أشد انتقام

تساءل البعض في تعجب:


من الذي سرقك يا سيدة تحية؟


تحية بكذب : بنات زوجي سامحهم الله.. لقد ربيتهما وعاملتهما كما ابنتاي.. اعطاهما والدهما ما يريدان وزيادة.. وعقب وفاته ساءت اخلاقهما كثيراً الي الحد الذي لم اسمح به.. ازداد نحيبها فتعاطف الحضور معها


لتستكمل ادعائها...


أرادت علياء طردي خارج البيت لكن زوجي رحمه الله كان يخشى من يوم كهذا فباعني البيت.. باعني إياه ولم يهملهما بل وضع لكل فتاة وديعة ضخمة


لكنهما لم يكتفيا.. انتظرا الي ان بعت البيت وأخذت الثمن وارسلا اليَ لصاً خدرني وسرق ما لدي.. لقد فقدت ما يعينني علي الحياة...

🔸🔸🔸🔸


تراجعت بضع خطوات وقلبها يتقافز في مسكنه لا يحتمل ما قاله يامن..


هل يكن لها بعض المشاعر أم انها تتوهم.. هل حقاً لم ينجرف بعيداً في عالمه المضاد كلياً لعالمها...


اقترب هو خطوتان وابتسامة رزينة تعلو وجهه

همس اليها مستطرداً:


ربما لا تصدقين ما أقول لكنني احتاج بعض الوقت.. امهليني قليلاً من الوقت


قمر بتلعثم : لا أفهم ما تريد.. أمهلك وقتاً لماذا ولمَ!؟


يامن بجدية:

وقتاً كي أساندك واجعلك تتخطين ما تمرين به من صعاب


هناك امور كثيرة يصعب علي البوح بها حالياً ولكن اعدك ان ابقى الى جوارك.. 

  

نظرت اليه لا تريد الرفض ولا تستطيع القبول.. ربما والدتها محقة ويسعى يامن الى بعض التسلية وربما كان صادقاً وتضيعه بصدها له... 


وان كان صادقاً حقاً فما الذي جذبه اليها وان كان ساعياً الي التسلية فهل هي مطمع لمثله..


تنهدت في حزن وتحير قائلة:

عليك الرحيل الآن دكتور يامن فما تقوله لن يحدث.. فأنت غير مجبر على مساعدتي.. لقد تخلى من قبل الكثيرين وكأن بيننا ما يدفعهم الى البقاء..


ناظرها بغضب قائلاً:


الرجل لا يتخلى ولا يتحين الفرص.. الرجل يكن وقت الضعف قوة ووقت القوة دافعاً لا يقف عائقاً بوجه من يحب..


ثم اياك والمقارنة بيني وبين سواي..


قمر بتعجب : أنا لم أقصد ان أغضبك ولكن العقل والمنطق يجعلني أرفض التشبث بخيط من خيال وعندما ينقطع لن يتأذى أحد إلا أنا..


ربما هناك ما يدفعك للوقوف جانبي.. شفقة كانت أم إعجاباً وكلاهما سيزول مع الوقت لكنني لن أحتمل.. لم اعد قادرة على تلقي المزيد من الصفعات.. لقد أصابني الوهن...


يامن بجدية : هل ترفضين مساعدتي لك خوفاً  أم...!!؟؟


ناظرته قمر بترقب قائلة:

أم ماذا!؟


يامن : هل مازال الماضي بداخلك.. تحبينه الى الآن!


قمر بنفي : بالطبع لا.. لم يعد بداخلي ما يخص جاسم سوى ذكريات مؤلمة.. لكنه نادم وراغب في  البدء من جديد.. وأمي تراه مناسباً...


خفت صوتها الى حد بعيد لتكمل:


هو فرصة لن تتكرر.. لقد عرض عليَ الزواج ومساعدتي على اجراء تجميل لوجهي.. وهذا عرض سخي للغاية.. كما أن والدتي ستشعر بالرضا ان وافقت على زواجي منه 


طالعها يامن بغموض وبعينيه وميض أخجلها كثيراً لكنه استدرك ما يحدث قائلاً:


سأنتظرك بالأسفل.. لا يجوز بقائي هنا أكثر من ذلك.. ارتدي نقابك والحقي بي

هناك الكثير لم نتحدث به بعد....


🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸

وعبرات العين أحرف لذاك الألم الذي طغى فوق جدران القلب وفاض عما نطيق...

تطلعت سميحة حولها فوجدت جوارها قمر.. 

نظرت اليها بحب وعتاب مما حدث بينهما فهرولت اليها قمر تحتضنها باكية تقبل رأسها ويديها وتبكي بسعادة قائلة:


أماه.. امي هل انتِ بخير.. اشتقت اليكِ كثيراً


سميحة بضعف : انا بخير لا تخافي


قمر بحزن : كيف لا أخاف ودونك لا أمان ولا سكينة.. انا دونك لا شئ يا أمي..

 سامحيني ...


سميحة : أسامحك علة ماذا يا قلب امك..؟

 بل سامحيني أنتِ فضعفي جعلني أقسو عليكِ


قمر بخفوت : دكتور يامن واقفاً بالخارج.. يود الاطمئنان عليكِ


صمتت سميحة لحظات لتجيبها في تأكيد 

دعيه يأت أود التحدث إليه:


ناظرتها قمر بترجي فتحدثت سميحة بإجهاد.. لا تخافي فقط سأتحدث اليه قليلاً :


اومأت اليها وانصرفت اليه.. دلف يامن بعد قليل متحدثاً بتهذيب :


السلام عليكم.. كيف حالك الآن؟


سميحة بود : الحمد لله بخير..شكراً لك... أود التحدث اليكِ بشأن قمر ...


انتبه اليها كلياً لتستطرد هي :


أعلم ان ما أقوله قد يبدو غريباً لكن ثقة قمر بك دفعتني للحديث إليك...


يامن : لا داع للتردد.. أعدكِ أن انفذ ما تطلبين اليَ


سميحة : عدني أن تساند قمر بعد وفاتي ولا تتركها وحيدة.. أنا لن أرغمها على الزواج من جاسم ولكن اخشى عليها كثيراً 


يامن : لا داع للقلق لقد أخبرنا الطبيب انكِ بخير حال


سميحة : لست قلقة ولا خائفة من الموت فهو حق ولا مفر منه.. ما أخشاه هو التخلي عن وحيدتي وتركها... 


يامن : اذاً عليك الصمود والتحلي بالقوة من أجلها...


سميحة بصدق : لو ان الأمر بيدي ما تركتها لحظة واحدة.. لكن أعمارنا بين يدي الخالق يابني.. 


تنهدت في رضا قائلة:


علي كل ربما اكون مجهدة ويخيل اليَ اقتراب الأجل لكن دعني أطمأن وعدني ان تقف جوار ابنتي ..


يامن : أعدك انني لن أتخلى عنها ما حييت.. 


ورغم ما ترينه في قمر من ضعف إلا أنها قوية للغاية.. أقوى من أناس كثر ورجال ذو هيبة خارجية... 


-اطمئني فقد أحسنت تربيتها 

 

ابتسمت سميحة بخفوت قائلة :


سلمت يا ولدي.. حفظك الله 


غادر يامن لتستوقفه قمر بلهفة ...


ماذا أخبرتك امي.. هل تشاجرتما !؟


ابتسم اليها نافياً : وهل ترين أمامك رجل عديم الخلق.. هل أتشاجر مع امرأة في مقام امي؟!


قمر بخجل : آسفة لم أقصد.. أرجو المعذرة فأنا متوترة ..


يامن بهدوء : والدتك قلقة من أجلك... وطلبت اليّ الاعتناء بك الي حين خروجها من هنا..


اتاه صوت جاسم الغاضب من خلفهما قائلاً :


ونحن في غنى عن خدماتك الجليلة ..


صوب جاسم نظراته الغاضبة الى قمر فأزاحها يامن خلف ظهره بخفة ورقة لتختبئ هي وراءه وكأنه سد منيع ..


تحدث يامن الى جاسم قائلاً:

ألم تأخذ من لقاءنا السابق درساً يجعلك تتجنب الحديث اليَ بشكل غير لائق !!؟؟


جاسم : بل أنت الذي لم تدرك بعد انك تنظر الى ما يخصني ..


تطلع يامن من حوله بأسلوب ساخر قائلاً:


حقاً.. أنا لا أجد بالمكان ما يخصك.. أم انك تتوهم... 


جاسم بثقة : بل هناك.. تلك التي تقف خلف ظهرك ...


يامن : تقصد من تخليت عنها من قبل وتستغل احتياجها اليك الآن..!!


جاسم بغضب : يبدو انكما صديقان مقربان والأنسة أخبرتك بكل شئ ...


قمر باعتذار : اهدأ قليلاَ يا جاسم.. لمَ انت غاضب هكذا ...


جاسم : لقد أتيت اليك كي اصطحبك ورأيتكما تستقلان سيارته سوياً.. ما الذي كان يفعله بالبيت.. وكيف تجرؤين على فعل ذلك.. 


ناظرته بخوف فاستكمل.. 

هل تستغلين غياب والدتك وتسمحين له بالدلوف الى بيتك..؟؟!!



#الفصل_السادس_عشر

#خسوف_القمر

#نداء_علي

#حصررررري


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


وعشقي لكَ احتل قلبي رغماً عني.. قاومته حتى خارت قواي الهشة ويأس القلب من صده.. صرت خائفة من تلك اللحظة التي تحررني فيها من غزوك وأغدو مستقلة وحيدة خربة كما كنت..


رمال ناعمة تحيا فوق بحور من ترقب لمجهول حياة يشوبها الفزع ولم أعد أعرف سواه فكيف تنتظر مني أن أستكين وأرتضى....


أنا خائفة.....


........................

ارتجافة جسدها وارتعابها البادي بمقلتيها.. صوتها المختنق بدموع الرهبة جعل يامن يفقد صوابه..


امسك بجاسم يزأر بوجهه:


توقف أيها الغبي.. أما ترى ماهي بصدده..


قرأ جاسم لهفة لا تخفي على مثله.. لهفة عاشق وخوف حقيقي..


وجه بصره الى قمر معاتباً إياها بكلماته:


(هل أخبرته أنني استغل حاجتك الى المال كي تعودين اليَ.. ؟؟


هل ترين ذلك ياقمر.. ؟

ألم يصل اليكِ ندمي وحبي لكِ...؟


قمر باعتذار : أنا آسفة يا جاسم.. أنا لم أقصد الإساءة إليك.. كما أن دكتور يامن لم يقصد ما بدر الى ذهنك...


تحدث يامن بتأكيد:


أنا اقصد ما أقول.. هو يتودد إليكِ مستغلاً ما تمرين به.. من يتخلى مرة يكررها ألف مرة...


جاسم : وما شأنك.. ما الذي تسعى إليه..


 أخبرني الآن أنك تحبها وراغب بالزواج منها واعدك أن انسحب نهائياً.. سأعتبر قمر أختاً لي إن أرادت هي..


فقط حادثني دون مراوغة.... 


صمت.. وصمت وصمت قاتل يتخلله ترقب وانتظار.. عيون تطلع الى أخرى وارواح تهفو الى كلمة...


تحدث يامن برزانة:

ما بيني وبين قمر لا شأن لك به..


جاسم بسخرية : بالفعل لا شأن لي.. كل مافي الأمر أنني أردت أن تراك هي على حقيقتك.. رجل الأعمال وجد لعبة جديدة يرغب في تجربتها..


لكمه يامن بكره وبادله جاسم بغضب وكره أشد بينما قمر تطالعهما بضياع...


أحدهما قتلها في الماضي وعاد إليها راغباً في السماح والآخر يطلب اليها فرصة ولم يعطها فرصة للرد بل اختطف قلبها من بين أضلعها وها هو يخذلها مجدداً.. أبى الاعتراف ولو كذباً أنه محباً لها...


هي الساذجة وتستحق ما يحدث.. هل جاسم ويامن معتوهان..!! أصابهما مس من جنون ليقعا في حب مشوهة لا تمتلك ميزة واحدة...


ازداد صراعها وتغلبت عليها الآم الماضي والحاضر الذي لا ينذر بأمل فصاحب بهما قائلة:


توقفا... توقفا الآن...


ابتعد يامن أولاً بعدما مسه صوتها الباكي وناظرها جاسم بحزن وخجل من أفعالهما الصبيانية...


تحدثت اليهما بقوة وتحذير قائلة:


أشكر إليك صنيعك سيد جاسم.. لقد وقفت الى جَواري ولم تتخلّ عن مساندتني أنا وامي. لكنني آسفة لن أستطيع الوثوق بك مهما حدث ومهما فعلت.. عليك الانصراف

ظل واقفاً من فرط صدمته فوجهت بصرها الى يامن قائلة بقوة زائفة:


وأنت أيضاً دكتور يامن أعتقد أن وجودك هنا لا مبرر له.. لست في حاجة إليك..


يامن بترقب : قمر أعلم أنكِ غاضبة أنا لم أقصد الشجار معه بل هو من...


أشارت إليه منهية الحديث قائلة:


جاسم لم يخطئ في قوله.. بالفعل أنا أخطأت في القدوم معك الى هنا والسماح لك بالدلوف الى بيتي.. وهذا ليس انتقاصاً من شأنك مطلقاً بل هناك أصول وعادات لا يجب علينا تخطيها..


يامن بجدية : لن أتركك إلا بعد الاطمئنان على والدتك وخروجها 


قمر باصرار : وأنا اطلب إليك الرحيل.. وأرجو ألا تعد الى هنا..


 قالتها برجاء يشبه الاحتضار فنظر اليها يعاتبها لكنها أكدت قولها :


أرجو المعذرة لم أعد راغبة في رؤيتكما.. أنا لست دمية تتنازعان عليها.. 


انظرا حولكما وشاهدا كيف التم الناس من حولنا أنا في غنر عما تسببان لي من فضائح وتشهير.. 


جاسم : أعتذر إليكِ يا قمر.. سوف أذهب ولن أسبب لكِ مزيداً من المتاعب.. 


ابتسم اليها بحزن قائلاً :


ما تحتاج إليه الخالة سميحه أنا كفيل به... وقبل أن تسيء الظن بي... أنا لا أقعل ذلك طلباً لود أو زواج فقد أيقنت أن قلبك لم يعد لي.. لكن صدقيني أنا لن اتخلّ عنكِ ثانية.. على الأقل كصديق... 


غادر جاسم دون الالتفات وراءه وهمت قمر بالرحيل متجاهلة يامن الذي أمسك بيدها ساحباً إياها خلفه.... 


دفعها يامن عنوة الى سيارته لتنظر اليه قمر بغضب ورفض قائلة:


هل جننت.. ألم أطلب إليك الرحيل.. ما الذي تريد ؟؟!


يامن : أريد الزواج بكِ... هل هذا ما تنتظرين مني أن أقوله.. أن أمسك بيدكِ واختطفك بعيداً ونحيا بسعادة كما الروايات 


أجابته نظراتها الموجعة فتنهد بيأس قائلاً :


ربما أستطيع... لكنني لن أفعل.. أتدرين لمَ

لأنني لن أحميك.. لن أستطيع درأ الأذى عنك يا قمر.. حياتنا ليست هينة كما تعتقدين.. ليس الحب كافياً.. هناك ماهو أقوى.. 


هناك سلطة ونفوذ قادران على دهس قلوبنا ..صدقيني أنا لا أخشى شيئاً مطلقاً فمهما حدث أبي لن يؤذي ولده.. لكنه سيؤذيني فيك.. 


قمر : تخشى أن يصيبني أذى من والدك اذاً؟


يامن بصدق : بكل تأكيد ..


قمر : اذاً ابتعد عن دربي.. صدقني أنا أتألم بقربك ابتعد وعش كما تريد ولا تقلق..

 أيام قليلة وستأخذك الأيام وأحلامها الوردية التي لم تخلق لمثلي بل هي خاصة بك.. ابتعد ولا تلتفت اليَ 


يامن : لا أستطيع.. عليك الصمت والتوقف عما تقولين أنا لن أبتعد 


صرخت بوجهه : إذاً ماذا أفعل أنا..!!!

 اللعنة على اليوم الذي قابلتك به.. لقد اعتدت الوحدة واعتدت الاختباء.. اعتادت روحي على الخوف وصاحبت الحياة كما هي.. حياة قاسية بوجه عابس 


لمَ التقيتك وأعدتني الى التمني.. إنه قاتل ومؤلم لقلبي.. وجع لن تدركه وأرجو ألا تعايشه... 


حررني منك أنا لم أعد راغبة بذاك الأسر الذي تمنيته طويلاً...


🔸🔸🔸🔸


تحدث إليها الضابط بجدية وتحذير قائلاً:


اصمتي يا امرأة وكفي عن العويل لقد أصبتني بالصداع


تحية : أتوسل اليك سيدي.. لقد سرقوا اموالي


الضابط : هل لديك شهود؟


تحية بمكر : أجل لدي..

الضابط : حسناً سوف نبدأ في الاجراءات اللازمة..


تحية بانفعال : عليك القبض عليهما.. لمَ الانتظار؟


الضابط بحدة : لمَ لا تجلسين هنا بدلاً عني....وتقومين بعملي


تحية : عذراً سيدي لكن ما حدث ليس بالهين...


الضابط : إذاً دعينا نقم بعملنا وكفي عن تضييع الوقت بما تفعلين...


تحية : أمرك سيدي

تطلع اليها الضابط بامتعاض قائلاً :


عليكِ الانتظار خارجاً الى أن أطلب إليكِ المجيء... 


وشرع في استكمال الأوراق الموضوعة أمامه...


تحركت بآلية تخشى الوقوف أمامه لتتنفس الصعداء عقب خروجها..


أمسكت هاتفها واجرت اتصالاً بشخص ما ليأتيه صوته بعد قليل قائلاً:


مرحباً بتحية الفاتنة...


اجابته باقتضاب : استمع اليَ أيها التعس.. أود منك تنفيذ ما أقول....


اجابها باهتمام : حسناً كلي آذان صاغية...


تحية : لقد تمت سرقتي ولم أرَ السارق لكنني اتهمت علياء وشقيقتها بما حدث


أجابها هو بتعجب : ولمَ فعلتِ..

؟؟

تحية بحقد : سوف أساومهمها.. لقد ترك لهما أبيهما وديعة نقدية ضخمة لا يعلمان بشأنها.. أريدهما أن يتقاسمانها معي..


فأنا لن أخرج خالية الوفاض ولن أعش باقي أيامي أتجرع الفقر وذله...


تساءل في فضول:


وما شأني أنا؟


تحية : أحضر لي بعض الشهود.. أريدك أن تلقنهم ما أقوله لك دون زيادة أو نقص


هو : كما تشاءين.. ولكن...!!!


تحية بثقة : لا تخف.. لن انسى لك صنيعك وسأدفع إليك ما تطلب 


🔸🔸🔸🔸

  تساءلت نسمة في خجل وتردد :


هل تريدني أن أتزوج الآن.. ؟؟


أجابها عمها بحب : لم أقصد ما فهمت يا حمقاء.. هل أزوجك وانتِ قصيرة هكذا 


قهقت نسمة بطفولية فاحتضنها هو قائلاً:


نادر رجل شهم ذو أصل طيب ووالديه على خلق لا غبار عليهما.. وكما رأيت حورية بفضل الله قد أنعم الله عليها بزوج صالح.. واسرة حانية...


ونادر لا يقل عن شقيقه بل ربما يعلو عليه

اجابته بتوتر : إذاً ماذا أفعل...!!


تحدث بجدية : تصلين استخارة وتتريثين في قولك.. وان وافقت تتم خطبتكما الى أن تنهين عامك الأول بالجامعة.. فإن أردتِ الاستمرار معه عقدنا قرانكما ويتم الزواج بالوقت الذي تحددين  وإن أردت إنهاء الخطبة فعلنا....


نسمة بتردد : ولكن لمَ التعجل.. أنا مازالت صغيرة...


العم بتعقل : أجل انتِ صغيرة ولكن لستِ بطفلة.. لقد صرتِ شابة جميلة وخطابك كثر.. أرغب في الاطمئنان عليك يا بنيتي...


نسمة بحزن : ولكني أخشى الزواج ومشاكله ..


العم بصدق : الحياة لا تخلو مطلقاً من الصعاب والمشكلات لكن العاقل يروضها ويتجنب منحدراتها الشاهقة قدر استطاعته وانتِ ذكية فطنة سوف تنجحين في الحفاظ على بيتك... 


نسمة ببعض الارتياح : حسناً أبي كما تشاء.. سوف أستخير الله وأخبرك...


🔸🔸🔸🔸🔸

غفا سويعات قليلة ليفق بعدها يتطلع الى علياء.. تلك النجمة التي حرم منها وحرمت عليها سنوات فصارت حياته ليلاً متواصلاً.. ليلاً يأبى الرحيل


تأملها بعشق واقترب يشبع شوقه إليها فبادلته ولم تمتنع..


كانت تدعي النوم لكنها ومنذ دلوفه الى جوارها لم تستطع النوم.. لقد قضت سنواتها الماضية نائمة تهفو الى لقياه ولو بأحلامها لكنه كان قاسياً ولم يأتها سوى مرات قليلة لم ترو ظمأها اليه...


تساءل بخفوت : هل أيقظتك ؟


علياء : لا.. لم أكن نائمة ...


عثمان : أحبكِ.. أحبكِ ياعلياء 


علياء : أعلم يا حبيب العمر.. أعلم يقيناً أنك تحبني


عثمان : إذاً لمَ الجفاء.. لقد أضنيتني بالهجر ...


ابتسمت بخجل : أمازالت تستمع الى فريد ؟!


عثمان : وكيف لا أستمع إليه وكل غنوة لها بيني وبينك ذكرى لا تنسى ...


تساءلت في دلال : إذاً هل استمعت إليه عندما قال.. لا وعينيك ...


عثمان : مراراً.. استمعت إليها وفي كل ليلة كنت أتخيلك جواري فأهمس إليك قائلاً :


مازالت بك هائماً.. فلا تصدقين ما أقول... 


ابتعد عنها بعد قليل يرجوها أن تأذن له بالبقاء فتحدثت بصوت متعب قائلة:


لا تبتعد عثمان.. لا تترك يدي مهما حدث.. خذني إليك فقد اشتقت الى قربك..


ضمها اليه وانتهى ما كان.. انتهى العتاب على أعتاب نظرته العاشقة ورق القلب لمالكه الأوحد وصارت له زوجة....


وبعض القلوب قوية لا تسمح لساكنيها بالرحيل بل تحتويهم وتحميهم من ايادي الغدر الراغبة في انتزاعهم عنوة ...


تدافع عنهم وتدفع عنهم الأذى دون كلل الى أن يأتي اليوم الذي ينعم به  القلب بالوصال...


🔸🔸🔸🔸

تركها تترجل من سيارته وبقى ساكناً.. سكون مخيف يهيئ لمن يراه أنه فاقد للحياة..

تابعها وهي تهرول بقهر تختبئ خلف أسوار المشفى الي اختفت عن ناظريه..


نعم هي محقة في ثورتها.. لكنه محق هو لن يتغافل عن واقع يعايشه..


ينبغي عليه التعقل من أجلها.. ربما كان قاسياً ولكن قسوته مهما بلغت لن تقارن بما يقدر عليه والده..


لقد عاد الي عرينه من أجلها هي.. فكيف يضحى بها الآن...


لمَ لم تتفهم مقصده!؟


ضحك ساخراً من نفسه قائلاً:


اي مقصد أيها الغبي.. أنت لم تفصح عن شئ لم تخبرها بالكلمة التي ترنو الى سماعها...


آه يا إلهي.. لقد تعبت.. سنوات أخشى ذاك الألم وأتجنبه.. أعلم أن آثامي لا حصر لها ومحال أن تنتهي.. لكنني متعب.. لمَ هي دون البشر...


لمَ الحب مؤلم هكذا...!!


لمَ الثبات هش مهدد دائماً!!


لمَ أنا خائف من الوقوع والزلل.. أنا إن وقعت مرة ثانية محال أن ابتعد...


ترى هل انتهينا هكذا..!! وهل بإمكاني النسيان مثلما قالت...


وكيف أنساكِ يا قمر.. أخبريني بالله كيف السبيل الى نسيانك وقد أفعل...


...........

دق باب والدته بقوة فأسرعت بقلق وترقب الى  رؤية الطارق..


ألقى بروحه إليها يبحث عن إجابة لمَ يمر به فاحتضنته والدته باشتياق قائلة:


يامن.. اشتقت إليك كثيراً يابني...


باغتها بقوله:


لمَ ترفضين ارتباطي بقمر.. هل السبب كونها مشوهة فقط!!؟


ابتلعت والدته ريقها بتوتر قائلة:


أنت لم تفصح عن رغبتك بالارتباط بها..؟

 ولكن أجل أنا رافضة للأمر فهي غير مناسبة لك..


تحدث بغضب : إذاً من المناسبة.. هل تأتين اليَ بعروس مناسبة ليامن رشدان.. 

الفاسق الثري سليل الحسب والنسب.. زير النساء الذي لا يهاب أحداَ ولا يلتفت الى تحد غير نفسه


هيا أمي.. احضري لي عروساً ترقى الى شرف الزواج بي...


نهال في حدة : كان ذلك فيما ماضي


يامن بقوة : لكنه لم يمض.. مازال عالقاً بذهني وقلبي.. مازالت مدمناً على الرجوع.. أقاوم نفسي كي لا أضعف... أنا ضعيف.. أشعر بالحنين الى ملذات ابتعدت عنها سنوات..


شهقت نهال قائلة:

إياك يا يامن...


يامن : لمَ.. تخافين عليَ من بعض المرح.. ما كنت أفعله لم يكن سوى نزوات.. طيش لشاب ثري.. حق مكتسب..


نهال : بالله عليك توقف.. اهدئ قليلاً وانظر اليَ...هل تحبها!!


يامن بخوف:

ربما .. لا أعلم  لكن قلبي يؤلمني عندما تبتعد...أريدها جواري.. لكنني لا أستطيع.. 


نهال بحزن : وان كنت تحبها.. ما كان الحب يوماً كافياً لاستمرار الحياة.. هناك أشياء أهم وأقوى...


حياتنا تختلف عن حياتها.. أنا أحبك وأخشى عليك لكنني أخشى عليها.. هي لن تحتمل أن تخذلها...


🔸🔸🔸🔸🔸

في الصباح الذي أتى وكأنه وليد جديد لم ير من قبل.. كان جميل بكل ما فيه.. متناغم.. هادئ.. نسيمه عليل...


تبسمت في خجل الى عثمان فتحدث بسعادة

مبارك صباحك يا أجمل عروس...


تمتمت بخفوت : عثمان توقف عن التحديق اليَ هكذا.. 


عثمان برغبة : وهل أستطيع يا فاتنة..


علياء : علينا النزول الى والديك.. ترى ماذا يقولون؟؟


قهقه بمرح : لن يقولا شيئا.. سيدعوان لنا بالبنين والبنات عما قريب...


علياء بخجل : حسنا توقف عن وقاحتك...

عثمان : لم ولن افعل.. لقد بدأت رحلتي للتو يا نجمتي....


حلقا سوياً بعيداً عن هموم الماضي وتنعما بما صار محللاً لهما....


بينما والده ينظر الى ساعته بترقب يتمنى أن يتحقق مبتغاه وينعم ولده بمحبوبته وينتهى فراقهما الذي كان يؤلمه بقدر ما آلمهما وزيادة..



#الفصل_السابع_عشر

#خسوف_القمر

#حصري

#نداء_علي


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🔸🔸🔸🔸

 وليت النسيان كالوقوع في الحب يأتي سهواً ودون إرادة.. ليته يتغلغل بداخلنا فينتزع تلك الذكريات القاتمة التي تأبى أن تترك مجالاً لسواها..


ليتنا ننسى وننسى وننسى الى أن نمسى بلا هوية


تأوهت في خفوت متعب تخشى الافصاح عما يؤلمها فهي بكل حال لن تجد دواءًا لما تقاسيه..


أمسكت بيد والدتها التي بدت ساكنة واسندت برأسها الى مرفق الفراش الطبي النائمة فوقه وأغمضت جفنيها هاربة الى اللاشئ....


🔸🔸🔸🔸🔸


انزوى في غرفته يبكي في صمت بكاء من فاته اللحاق بالركب الأخير ويستشعر الوحدة والخوف من البقاء بمفرده 


بكاء يستحقه فقد ألقى بها خلف ظهره ولم يلتفت الا بعدما فات الأوان.. 


لكنه صادق فيما قاله.. هو لن يخذلها مجدداً سيكن لها سنداً حتى وإن أبت سيعوض عن ذلته ربما يأتي يوم وتصفح عنه وربما ينعم عليه الله بحب ينتشله مما يعانيه... 

سيؤازرها الى  أن تعد كما كانت.. قمر


🔸🔸🔸🔸🔸🔸


ترك سيارته وتريض بلا وجهة.. يتذكر وينفض عن رأسه تلك الذكريات.. يبتسم ويتنهد في ضيق.. يشاكسه بعض الألم وتمحوه سريعاً أعين الحقيقة والواقع الذي يحيطه ..


من أين أتاه الضعف الذي يعايشه الآن وكيف أدخله الى عالمه..


يامن رشدان لم يعلم من قبل معنى الخوف.. عليه الصمود.. محال أن ينهزم هكذا.. ليس من شيمه الاستسلام.. لطالما استمر فيما مضى مدافعاً عن كل باطل فكيف به الآن يتقهقر خائفاً يخشى الزود عن حقه.... 


تمتم في حزن :


أين أنت يا رأفت.. لقد تبدل الكون عقب رحيلك.. لم اختلفت الاشياء وبدت قاتمة..

 هل ابتعادَك سر ما أعانيه أم أن موتك كان صفعة مازال صداها يتردد بأذناي ويزلزل عالمي... 


شرد بذاكرته الى يوم شبيه بأيام كثر كان يدلله بها رأفت الى الحد الذي أفسده... 


فلاش باك 


عبث رافت بخصلات شعره قائلاً بمشاكسة:


هل مازالت غاضباً أيها الوسيم ؟؟


يامن بغضب : انصرف الآن ودعني استرح قليلاً ..


رأفت : هيا يا أمير آل رشدان لقد كدت أصدق أنك وقعت في شباك تلك الفتاة.. 

هل أحببتها حقاَ !!


يامن بغرور : محال.. لم تخلق بعد من يقع يامن رشدان في هواها.. لكنني لا أقبل الهزيمة أيها القائد ..


رأفت بحب : إذاً دع عنك هذا الهراء وهيا بنا لقد أعددت رحلة سفاري لن تنسها.. 


جذب يامن الغطاء مخفياً وجهه قائلاً :

لا أريد ...


ازاح رأفت الغطاء بقوة والقاه ارضاً قائلاً :


سنذهب أيها الوسيم وأعدك بأن أهديكَ فتاة تنسيك ماهي وعائلتها بأكملها ..


نظر إليه يامن بترقب فأومأ إليه رأفت قائلاً :


هل خذلتك من قبل يا يويو ؟


أمسك يامن إحدى الوسائد ملقياً إياها بوجه شقيقه قائلاَ :


لا تدعني بذاك الاسم أيها السمج ..


قهقه رأفت وبادله يامن بغبطة وسعادة لم يخيل إليها آنذاك أنها سعادة واهية كسراب الظمآن.. 


انتبه إلى صوت هاتفه واتصالاً متكرراً يحثه علة الاجابة.. تأفف بعدما قرأ اسم راشد... 


تجاهل الاتصال لكن تكراره تصابه بالقلق 

يامن في ترقب : ما الأمر يا راشد ؟


راشد : مرحباَ سيدي هل بإمكانك المجيء الى القصر ..؟


يامن : هل تصاب أبي خطب ما ؟


راشد بادعاء : أمر هين إن شاء الله لقد بدأ متعباً بعض الشئ فبادرت باستدعاء طبيبه الخاص ...


يامن بجدية :حسناً أنا قادم إليك..   


🔸🔸🔸🔸🔸

جمعت تحية ما تمتلك من مصوغات ذهبية كانت حريصة على امتلاكها أثناء زيجتها السابقة...


حملت بين يديها حقيبة سوداء صغيرة بها بعض الأوراق.. افرغت محتويات الحقيبة فوق الطاولة..


نظرت الى مظروف مطوى أمامها وبدأت في قراءته بشماته:


آه يا عثمان الي الان لم أجد ما يميز علياء الى الحد الذي يجعلك هائماً بها هكذا..


لقد أخفيت عنها تلك الخطابات التي أرسلتها إليها عقب سفرك.. لطالما استمتعت بفراقكما....أكرهها بكل جوارحي هي وشقيقتها ولا أطيق رؤيتهما...


حسناً عليَ الاختفاء قليلاً الى حين القبض عليهما لنرى هل بإمكانهما الصمود أم سيدفعان اليَ ما أريد من مال...


تحدثت باقتضاب الى المحامي الذي هاتفته قائلة:


لا لست علي دراية بمحل إقامتهما.. لقد انقطعت عني اخبارهما منذ رحيلهما 


المحامي : هذا أفضل.. سنعمل على إكلامهما بالدعوى المقدمة بطريقة خاطئة...


تحية : لم أدرك مقصدك ..


المحامي : سأتفق مع أحدهم لكي يسلم الدعوى الى الفتاتين دون أن يعلما.. أقصد نبحث عن عنوان وهمي ونستمر في الدعوى الى أن ننتزع حكماً قضائياً ..


تحية : افعل ما تشاء كل ما يهمني التنفيذ ...


المحامي : أريد منك دفعة من أتعابي... 

تحية : غداً سآتي اليك..


🔸🔸🔸🔸


هبت قمر فزعة بعدما غفت دقائق قليلة عقب استماعها لخطى تقترب من غرفة والدتها..


حاولت استجماع شتاتها والتركيز قليلاً لتهدأ رويداً رويداً الى أن اتاها صوت الطبيب قائلاً بصوت رزين:


السلام عليكم..


أجابته قمر : وعليكم السلام.. خيراً يا دكتور.. هل تحسنت الحالة قليلاً..


الطبيب بجدية:


أعتقد انه علينا الاسراع في البدء في تجهيز المريضة.. لقد قام أحدهم بالتواصل مع مدير المشفى وغداً سيتم إجراء الجراحة..


قمر بسعادة حذرة : صدقاً.. ومن هو


الطبيب : لا علم لدي.. مؤكد انه أحد معارفك..


أومأت في حزن متذكرة جاسم ويامن.. أحدهما هو الفاعل وفي الحالتين قد طوقها بصنيعه...

تحدثت الى الطبيب بصيغة عملية معتمدة على ما لديها من خبرة طبية فناظرها الطبيب باعجاب متسائلاً:


هل أنتِ طبيبة؟


قمر : لا بل طالبة صيدلة..

الطبيب : أي أنكِ طبيبة.. ما إسمك؟

قمر : قمر.. قمر القادري


التفت إليها الطبيب بكامل تركيزه متساءلاً:


هل والدك السيد عبدالرحمن القادري؟


قمر في دهشة : أجل هو أبي رحمه الله..


الطبيب في حزن : هل توفى الأستاذ عبد الرحمن!!


لقد كان مربياً فاضلاً.. لكم له من أيادي لا تنسى على طلابه وأنا أولهم فلولاه ما أكملت دراستي ولا صرت طبيباً..


ابتسمت بحنين الة والدها الحنون قائلة:


رحمه الله لقد غادر الحياة وغادر معه كل جميل بها


الطبيب : رحمه الله بالفعل يغادرها الطيبيون على عجل.. أرجو أن تسمحي لي برد جزء ضئيل مما له لدي من أفضال..


قمر : أشكرك كثيراً يكفي أنك تذكره بالخير.. فقد اشتقت الى وجوده...


الطبيب : أنا يوسف.. يوسف خالد.. طبيب بالمشفى هنا وغداً ان شاء الله سوف أشرف على جراحة السيدة والدتك... اطمئني


أومأت إليه وقد تجدد بقلبها بعض الأمل وابتسم اليها في عجالة وغادر مسرعاً....


🔸🔸🔸🔸🔸

يتتبعها أينما ذهبت وكأنها حلم سينتهي ان ابتعد يبتسم إليها بوله ولا يرغب في الابتعاد....


بينما تخجلها نظراته وقربه الزائد متناسياً أنه بالمكان آخرون...


همست إليه في غضب:


ابتعد قليلاً عثمان.. أما ترى والدك جالساً بالجوار..


عثمان : وإن يكن.. أنتِ زوجتي وأنا أشتاق إليكِ


علياء في خفوت : عثمان.. استحلفك بالله ألا تخجلني بجرأتك الزائدة تلك...


عثمان بصدق : أما تفهمين.. أنا خائف أن ابتعدت عنكِ أصحو من حلمي واعد الى واقعي السابق...


ابتسمت بسعادة قائلة:


أحبك.. ولكن هيا انصرف الآن واجلس بصحبة عمي الى أن انتهى من إعداد الطعام..


عثمان : حسناً ولكن سيأتى بعد قليل نادر الأحمق وزوج حورية.. عند وصولهما عليك الصعود الى الأعلى وانتظاري...

إياكِ والخروج إليهما...


علياء : عثمان الرجل أتياً لخطبة شقيقتي كيف لا ألتقي به..


عثمان في تحذير : نلتقي به عند عقد القران.. هذا إن سمحت له بالزواج من نسمة فأنا تراه سمجاً غليظاً كما يكبرها بأعوام كثر...


قهقة علياء تناظره بتعجب قائلة:

مؤكد أنت تمزح؟!


عثمان بثقة : مؤكد أنا جاد للغاية.. وإياكِ أن تخالفين ما أقول يا نجمتي.. هل اتفقنا؟؟


أجابته بمكر : فيما بعد نتفق يا عثمان.. هيا الآن والدك يناديك...


عثمان بغيظ : هل تعارضين ما أقول؟؟


علياء : لست معارضة كما انني غير راضية عن تلك الغيرة الغير مبررة.. في المساء نتناقش وتقنعني بما تريد أو أقنعك أنا..


 قالتها بدلال أفقده صوابه ليهمس اليها محذراً...


تذكري فيما بعد أنكِ البادئة يا لولو وفي المساء لقاءنا....


🔸🔸🔸🔸🔸

اقترب يامن من جناح والده بلهفة يبحث بعينيه عن مجلسه.. وجده غافياً بفراشه ووجه متعب الى حد بعيد...


وجه بصره الى الطبيب متساءلاً بجدية

ما الأمر.. هل هناك ما يؤلمه..؟؟


الطبيب : سيادتك تعلم أن جمال بيك يعاني من ضعف بعضلة القلب وتحدثت إليه مراراً ألا يغالي في الحركة وبذل الجهد لكنه عنيد للغاية.. كما أنه يدخن بشراهة غير مقبولة...


يامن : وما الحل الأمثل الذي تراه...؟


الطبيب : عليه الاسترخاء قليلاً ربما كان الابتعاد عن العمل لبعض الوقت مفيداً لوضعه الصحي


يامن : هل مسموح له بالسفر؟


الطبيب : لا مانع شرط أن ينعم بالراحة


يامن بعملية : حسناً.. بإمكانك الانصراف..

غادر الطبيب وتطلع يامن الى والده بإشفاق فيبدو أنه مصر علة المكابرة في كل شئ...


🔸🔸🔸🔸🔸🔸

انتهى راشد من تجهيزات السفر بيسر معتاد.. توجه يامن الى المشفى باحثاً عن قمر.. سيخبرها بشأن سفره.. 


تطلع إليها باشتياق عندما لاحت أمام ناظريه كريمتيها المميزتان ..


اقتربت منه قائلة بجدية :


مرحباً دكتور يامن.. هل تبحث عن أحد ؟

يامن بجدية : وهل هناك أحد سواك يستحق أن أبحث عنه ؟؟


ناظرته باستنكار فابتسم قائلاً :


يبدو أن أقدارنا تشاكسنا كلما التقينا يا قمر.. أسعى إلى الابتعاد جاهداً وفي ذات اللحظة أجدني أمامك واقفاً أحادثك ولا أدرِ السبب... ؟


قمر بقسوة  : حسناً.. أود أن اعلم هل أنت من تكفل بإجراء الجراحة لوالدتي أم انه جاسم؟؟


يامن بغضب : وهل لي أن اسألك عن سر اهتمامك؟


قمر ساخرة : ربما كون المريضة والدتي ومسؤولة مني!!


يامن : وكلاكما مسؤول مني أنا..


قمر : حسناً.. أي أنك الفاعل.. جزاك الله خيراً لكننا لا نقبل صدقة من سيادتك.. لقد تنازل الطبيب عما له من حق.. أي أننا لسنا في حاجة بعد الآن.. 


يامن بهدوء : ما اسمه ؟

قمر بتوتر : لمَ؟

يامن : ربما ينبغي عليَ شكره ..

قمر بتحذير : إياك وإيذاءه يا يامن ..


ابتسم عندما ذكرت اسمه مجرداً وتداركت الأمر قائلة :


آسفة.. لم اقصد ..


يامن : اجلسي هنا الى أن أعود إليكِ


نظرت إليه بتشكك فابتسم إليها هامساً :


يامن رشدان لا يتشاجر مع أحد مهذب.. جاسم كان له مكانة مختلفة ..


ابتسمت رغماً عنها فهو بالفعل سئ للغاية يعيدها الى عالمه بنظره وابتسامة هادئة 


كلما عاهدت قلبها على الصمود يستسلم بعدما يحادثه بحضوره الآخاء.... 


هل كان يعاقب جاسم لغدره بها سابقاً.. هل يقصد أنه لا يتشاجر ألا مع من يحزنها ويسبب لها الألم !


تنهدت في يأس بعدما تذكرت حوارهما الأخير.. وعاتبت نفسها الضعيفة قائلة:


كفى يا قلب.. عليك الصمود قليلاً.. لقد أدركنا منذ سنين أن الحب ليس لنا به نصيب فارتضي بما كتب.. دعه وشأنه وسيمضي الى عالمه...


🔸🔸🔸🔸🔸

أرجع عثمان رأسه قليلاً للوراء يطالع نادر بترقب وغموض بينما نادر  يبتسم إلى نسمة المتوترة من جلوسها معهم ..


تحدث عثمان في جدية مصطنعة قائلاً:


أعتقد أن فارق السن بينكما يدعو للتريث قليلاً ..


نادر بهدوء : اعتقد أنه نفس الفارق بينك وبين علياء ..

 

عثمان ببرود : الحب يطغى على الفارق لكن نسمة لا تحبك ..

نادر : وما أدراك !؟


رفعت نسمة وجهها تطالعه بتعجب فتحدث عثمان قائلاً :


أيعقل أن تقع إحداهن في غرام سمج مثلك 

قهقه شقيق نادر قائلاً :


يبدو أن لنادر منزلة عظيمة بقلبك ..


عثمان : أجل..  مكانة لا يستهان بها 


نادر : إذاً متى موعد الخطبة ..؟


عثمان : ومن قال اننا قد وافقنا بعد على تلك الخطبة ؟


نادر : عمي بارك زيجتنا وجلوسنا الأن من اجل الاتفاق.. أليسكذلك عمي ؟


والد عثمان : أعتقد أن عثمان وأنت لم تتيحا لي مجالاً للرفض أو القبول ..


عثمان باحترام : حاشا لله أبي.. الكلمة الأولى والأخيرة لك دون سواك ..


نادر : بالتأكيد عمي.. أنا رهن إشارتك .


والد عثمان : لنسأل العروس أولاً.. هل انت موافقة يا بنيتي ؟


نسمة بخجل : الذي تراه مناسباً عمي أنا أرتضيه.. 


ابتسم العم في حبور موجهاً حديثه الي

زوجته ووالدة نادر قائلاً:


لنسمع بعض الزغاريد منكما....

🔸🔸🔸🔸🔸


انتهى من حديثه الى يوسف وتوجه الى غرفة سميحة واطمأن عليها.. تردد قليلاً قبل أن يهتف في جدية قائلاً:


لقد اضطرني أمر ما الى السفر.. غداً سوف أغادر الى ألمانيا...


انقبض القلب.. هل الابتعاد مؤلما هكذا..

ابتلعت ريقها بشق الانفس قائلة:


صحبتك السلامة


يامن : ألا تودين معرفة السبب!؟


قمر : وهل لي أن أسأل؟!


يامن : والدي مريض.. بحاجة الى بعض الفحوصات والراحة وينبغي عليَ مرافقته..


قمر بحزن : مؤكد.. أرجو أن يمن الله عليه بالعافية..


يامن : لن تتغيب طويلاً..


قمر محادثة نفسها : أتمنى ألا تغيب مطلقاً...


يامن بترقب : هل تريدين شئ ما...؟

قمر : سلامتك..


🌟🌟🌟

في صبيحة يوم كسابقيه جلست نهال ترتشف قهوتها في سكون.. تشعر بالاشتياق الى رؤية ولدها.. لقد سافر بصحبة جمال منذ ثلاثة أيام استشعرت خلالهم وحدة شرسة.. 


أخذت تطالع الجرائد لتشهق برفض ونفور عقب رؤيتها للأخبار المتداولة حول ابنها الشاب الذي عاد نجمه الى السطوع وتصدر صفحات المجلات...


تمتمت في غضب قائلة:


اللعنة عليك يا جمال.. أعلم أنك تشبه الثقب الأسود تمتص كل ما يقترب من محيطك وتخفيه لكن محال أن اترك يامن لعبة بين يديك وتضيعه كما أضعت رأفت...



#الفصل_الثامن_عشر

#خسوف_القمر

#نداء_علي

#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


البارت الثامن عشر خسوف القمر

نداء علي


🔸🔸🔸

وكل شئ يهون ويتبخر بعدما تسطع شمس الايام وتتبدل الاحوال فلا يثبت شئ سوى التغير نراه سنة كونية لها اليد العليا علي القلوب وأصحابها..


هكذا نمني أنفسنا لكن الحقيقة هي أن كل شئ يهون ألا الهوان والذل.. إن تنكسر روحك رغماً عنك لا لشئ ولا جُرم جنيته بل لأن الآخر أقوى منك....


انتابتها حالة من الجمود جعلتها ساكنة محلها تعجز عن الحركة لم تدر ما السر خلف تلك العدسات المسلطة عليها وكيف أتوا اليها.. هل صارت محطاً للانظار وحدثاً هاماً تتناقله الأخبار...


ارتعدت اطرافها واحترقت روحها وانقبض قلبها ألماً عندما تحدث راشد قائلاً:


اهدؤا قليلاً كما رأيتم كل ما قيل ما هو إلا إشاعات روجها بعض المنافسين.. لا يوجد ما يربط بين يامن بيك والآنسة قمر سوى علاقات طيبة ترجع الى رقة قلب يامن رشدان ودسامة أخلاقه حيث أن الآنسة تحتاج الى مساعدة لإنقاذ حياة والدتها وقد تطوع يامن بيك مشكوراً ومؤسسة رشدان بالتكفل بكل ما يخصهما....


ازداد الحضور هياجاً ووجه الصحافيون الاسئلة الى قمر قائلين:


هل هذا ما حدث آنستي؟


ناظرتهم بعدم استيعاب.. لم يصل الى ذهنها بعد ما يدور من حولها.. اي مساعدة واي مؤسسة.. هل كان يشفق عليها كما قالت من قبل.. اذاً لم.. لمَ اعطاها أمالاً كاذبة..


 انهمرت دموعها بغزارة تماثل غزارة تخبطها الى أن أتاها صوت يوسف قائلاً:


بالفعل السيد يامن عرض علينا المساعدة لكننا لسنا بحاجتها فجراحة السيدة سميحة القادري قد تمت بنجاح بعدما تم دفع كافة التكاليف..


ناظره راشد بتقييم فاستكمل يوسف قائلاً:


غير مسموح لأحد بالتواجد داخل المشفى نحن لسنا بمهرجان سينمائي.. عليكم جميعا الانصراف حرصاً على راحة المرضى....


غادر الصحافيون مرغمين بعدما تبدلت لهجة يوسف من الرجاء الى الأمر وبقيت قمر مكانها تحدث اليها برفق قائلاً:


هل لنا أن نتحدث قليلاً؟


اومأت اليه واصطحبها الى مكتبه الملحق بالمشفى..


ساد الصمت دقائق عدة فتحدثت قمر قائلة:


ما الذي أفعله كي ابتعد عن العالم بأسره.. هل هناك من مخرج؟؟


ابتسم يوسف قائلاً:

أتعلمين يا قمر.. أن سمحت لي بازالة الألقاب بيننا؟؟


اومأت اليه بألية فاستطرد:


لقد توفيت أمي بعدما اصيبت بمرض لم يمهلها الكثير ورغم كوني طبيباً وقفت عاجزا عن فعل ما يهون عليها ولو قليلاً مما تعانيه..


دائما نتعرض الى اختبارات لا تنتهي وعلينا الصمود...


همت قمر بالوقوف ليستوقفها يوسف  بقوله

رغم اني لم اتعرف كفاية الى يامن رشدان الى أنني أجده رجلاً لا يسعى الى شهرة رخيصة...


قمر بخفوت:

ربما أنت محق.. ولكن ما باليد حيلة...


🔸🔸🔸🔸

استمع داوود الي نهال بهدوء الى أن انتهت ليباغتها بقوله:


وهل تودين الآن تزويج يامن من قمر!؟


نهال : لا أعلم يا داوود.. لكن ابني تائه بين عالمه الذي اعتاده وعالمه الذي صنعه بنفسه..


اخشى عليه من الانتكاس والعودة.. وانت على يقين ان الرجوع الى المعاصي يكسبك شراهة في تعاطيها..


داوود : وما ذنب الفتاة.. هل تلقين بها الى جحيم لا قبل لها به من أجل يامن..!!


نهال : ما الذي تقوله يا داوود.. وهل لها أن ترفض زيجة كتلك..؟؟


داوود ساخراً : آه منك يانهال.. أنتِ كنت ومازالت سريعة التحول تجاه من تحبين


نهال بتساؤل : هل انت غاضب مني؟


داوود : بل أنا مشفق عليك.. أنا لا ألومك مطلقاً بل ربما إن وضعت بنفس موقفك سأخطو نفس خطواتك فكلانا من بني أدم.. نسعى الى كمال لا نمتلكه..


لكني أرجو منك إجابة هل تأمنين جانب جمال.. تدرين ما يمكنه فعله لتلك المسكينة


نهال بجدية : لم أعد أخشى جمال بمفرده بل أخشى ان يتراجع يامن وتنكسر تلك الفتاة...


داوود : عليك ردأ الصدع قبل السكن داخل البيت.. ولدك يحتاج الى وقفة مع نفسه وقمر تحتاج الى قوة لا تمتلكها.. ربما تساعدينها انتِ على الحصول عليها قبل البدء في أي شئ


🔸🔸🔸🔸

جلست تحية ال ى المحامي تستمع الي بترقب بينما هو يتفحصها برغبة يسعى الى إخفاءها...


تحدث بعملية وتوضيح قائلاً:


هل لديكِ صورة لبطاقتهم الشخصية.. أود أوراق ثبوتيه خاصة بالفتاتين..


تحية : أجل لدي صوراً من كل أوراقهما الرسمية.. والدهما كان يحتفظ بكل شئ بحقيبة خاصة به وهي معي..


المحامي : حسناً.. البلاغ تم تحويله الى النيابة وتم اثبات الجنحة..


تحية : لم أفهم ما تقول

المحامي : ما قدمناه من شكوى الى قسم الشرطة يحول الى النيابة كونه جنحة.. اي اتهام من طرف لأخر متهم ومجني عليه..


وعما قريب سيصدر حكماً غيابياً ضدهما بعدما تغيبتا عن الحضور أمام النيابة..


تحية بتمني : صدقاً.. يا ليت وقتها سأدفع إليك ضعف ما تطلب..


لم يجبها فقد كان يناظرها بصورة حسية جعلت تبتسم في انتشاء قائلة:

هل أنت معي؟


اجابها هو بحرج : بالتأكيد.. لقد شردت قليلاً.. أعتذر اليكِ..


ابتسمت في دلال قائلة : هل انتهينا..؟


المحامي : لا.. ليس بعد.. هل لي بسؤالك عن أمر بعيداً عن القضية قليلاً...


تحية بترقب : أجل.. ماذا هناك؟!


المحامي : أما ترغبين في الزواج.. أقصد هل تقبلين الزواج ان تقدم اليكِ رجل مناسب...؟


تحية بمكر : ربما.. ولم لا فأنا مازالت صغيرة..


ابتسم المحامي قائلاً:

بالطبع انت في ريعان الشباب وجميلة الى حد بعيد...


🔸🔸🔸🔸

تطلعت علياء الى شقيقتها برفض لما تقول ولكن نسمة لم تهتم بل استطردت قائلة:


هل ما أقوله خطأ.. أجل يا علياء الحب ضعف لا يجني صاحبه منه سوى الألم والضعف.. اعتقد ان الزواج يجب أن يحكمه التعقل والمودة ليس الا..


علياء بهدوء:


ربما أنت مشتته جراء قصتنا انا وعثمان ولكن لكل انسان قصة وأحداث خاصة به واصابنا بأمر الله لن يمسك بسوء..


نسمة : هل لديك ما يؤكد قولك؟؟

علياء بالطبع لا.. كل شئ مقدر بيدي الله


نسمة : اذاّ دعِ عنك هذا الهراء لا أريد الحب ولا توابعه..


أتدرين أنا رافضة للزواج كلياً الا أن اصرار عمك ومديحه في نادر جعلني استجب لمطلبه.. تنهدت في حزن قائلة:


لقد تركتنا امي صغاراً وذقنا الويل من زوجة أبي لمَ اتزوج وآتي بأطفال ربما أتركهم وأرحل كما فعلت امي...


ضمتها علياء الي صدرها بخوف ناهرة اياها بقوة وخوف قائلة:


توقفي أيتها الساذجة عما تتفوهين به من حماقات.. ما الذي دهاك اليوم.. حبيبتي كلنا نخاف من المجهول لكن عليك الاستمتاع بما لديك فها أنت قد من الله عليك برجل مناسب وحظينا بأسرة من جديد.. أما ترين كيف يسعى عمنا وزوجته الى إسعادنا بشتى الطرق ..


نسمة : أنا لا أعلم ما الذي أصابني.. ربما الخوف من فقد ما ننعم به هو السبب.. 


علياء : هيا صغيرتي طوعي نفسك عليطى السعادة التي لم تعرف إلينا طريقاً منذ سنوات ولا تهتمي لما هو قادم... 


ابتسمت نسمة وشددت من احتضانها لشقيقتها.. 


طرق عثمان الباب بفوضاوية جعلت علياء تبتعد عن شقيقتها تناظرها بحنق هامسة 

اتعلمين يا نسمة انتِ محقة.. الزواج إزعاج لا حد له خاصة وان رزقت بزوج مجنون كعثمان ..


قهقهة نسمة قائلة :


أبيه عثمان ليس مجنوناً فقط بل هو عاشق وبعدما اجتمعت به الصفتان صار خطراً علي المجتمع ..


تنهدت علياء قائلة في همس:


لكنني أعشقه اضعاف يا نسمة.. أحبه كما لو أن روحي متعلقه به.. يزداد القلب نبضاً بقربه ويخبو صوته أن أبتعد... 

أحبه حد الألم... 


اشتد طرقه فوق باب الشقه فأسرعت اليه قائلة'


انتظر عثمان.. انتظر ايها الهمجي ..


احتضنها بقوة هامساً : اشتقت إليكِ يا نجمتي.. ألم تشتاقين اليَ؟


قهقهت دافعة إياه قائلة بتحذير :

نسمة معي ايها الوقح.. هيا ادخل ودعنا نجلس سوياً...


خرجت اليهما نسمة قائلة :


لا أستطيع البقاء بصحبتكما.. سيأتي السيد نادر ووالدته بعد قليل وعلى الاستعداد 


أمسك عثمان بيدها مجبراً إياها على الجلوس قائلاً :


لا تهتمي له.. دعيه يأتي وينتظر عله يمل ولا يأت ثانية ...


ناظرته علياء بتحذير لكنه لم يبال لها بل استطرد 


هيا اجلسي نشاهد فيلماً جديداً ونتناول العشاء بعيداً عنه ..


دفعته علياء بعيداً عن نسمة قائلة:


هيا حبيبتي استعدي وأنا سأتي إليكِ بعد قليل ولا تستمعي الى عثمان فهو عدو لدود لنادر ومؤكد تعلمين السبب ..


هبطت نسمة وتركت علياء تلاقي مصيرها المعتاد والذي تعشقه ولا تهفو الى سواه ليأخذها عثمان الى عالمه بقوة اشتياقه وحرمانه ورغبته بها...


🔸🔸🔸🔸

سويعات قليلة قضاها جمال بأحدى العيادات الطبية الذائعة الصيت.. اطمأن قليلاً وغادر رغم طلب الاطباء إليه البقاء..


ليبدأ في المساء مزاولة نشاطه كأن شيئاً لم يكن.. اصطحب يامن الي الباخرة الخاصة بهم لصدم يامن بعدد هائل من رجال وسيدات الاعمال المقيمين بألمانيا..


استقبلهم الحضور بترحاب وإحترام لشخص جمال وثقله كرجل ثروته ترجح كفته بين الجميع بينما اكتفي يامن بالصمت...


اقترب من والده قائلاً:

أما كان عليك الانتظار قليلاً.. ألم يطلب اليك الطبيب ان تحظى ببعض الراحة

نظر جمال من حوله ليهتف بمزاح وقور قائلاً:


وأين أجدها تلك الراحة.. هل رأيتها بالقرب من مجلسنا؟؟


يامن : أبي.. عليك التوقف عن عنادك ولو قليلاً..


جمال : أن توقفت عن عنادي فلن أصبح جمال رشدان يافتي.. هيا اذهب واستمتع.. أما ترى ما يفعل الشباب من حولك


................ 

الصخب من حوله أصابه بشئ من التوتر.. زفر بضيق وتحرك مرتقياً سلم الطابق السفلى  ليجد نفسه حراً فوق سطح الباخرة يستنشق هواءاً عليلاً قوياً يصعب السيطرة عليه أو التحكم به يغدو ويروح دون قيود.. يضرب بقوة إن شاء ويمسى نسيماً لمن يحب....


تعجب من والده وافعاله المتناقضة فها هو يضرب بما قاله الطبيب عرض الحائط..


تنهد باشتياق الى من تهفو إليها روحه الحائرة وتطلع امامه الى المياه الساكنة والليل الصامت واستشعر حاله كحال الليل من حوله ساكن وبداخله ضوضاء وصخب هادئ كهدوء بركان خامل ينتظر الأذن بالنشاط والحركة.. حممه الكامنة لا تهوى تلك الرتابة لكنه يكبح ثورتها قدر استطاعته....


التفت نصف التفاته الى احدى الفتيات التي أتت في أثره ويبدو أنها تتبعه منذ بدأ الحفل...


اقتربت منه الى حد خطر قائلة بغنج:

لمَ تركت الحفل.. أما يعجبك؟؟


يامن باقتضاب : ليس الى الحد الذي يدفعني الى تحمل صخبه المزعج..


تساءلت بتعجب : هل انت بالفعل يامن رشدان!!!


يامن : وهل تقابلنا من قبل؟


ضحكة ساخرة منه قائلة:


ربما كنت ثملاً تلك الليلة الى الحد الذي لا تتذكر ما حدث بيننا..


انقبض قلبه وتبدلت ملامح وجهه ها هو الماضي يطالعه من جديد خطوة بخطوة يكشر عن انيابه تدريجياً.. تثاقلت أنفاسه ليسألها بترقب:


ما الذي تقصدينه؟


اجابته بجدية:


لقد صفعتني ذات ليلة بعدما أوقعت دون قصد الكأس الذي أحمله.. لقد كنت شرساً للغاية.. هل تذكرت؟


عادت إليه أنفاسه الهاربة وابتلع ريقه ليتحدث دون تردد...:


أعتذر.. أعتذر كثيراَ ولكن كما قولتي منذ قليل كنت ثملاً للأسف أنذاك..


أجابته بابتسامة : لا بأس.. لقد قبلت اعتذارك ولكن عليك دعوتي الى العشاء.. هلا فعلت؟


ناظرها بتردد ولكنها لم تعطه مجالاً للرفض بل غادرت مسرعة قائلة وهي تلوح بيدها

غداً سأنتظرك.. ان لم تأتِ لن أسامحك.. هل فهمت؟


🔸🔸🔸🔸


في المساء توجه يامن الى الدعوة التي صاغتها الفتاة في صورة رسمية بعدما ارسلت إليه بطاقة تخبره من خلالها بموعد تناولهما للعشاء ورقم الطاولة..


ناظرها من بعيد فلاحظ أناقتها الظاهرة وثقتها الزائدة بنفسها


اقترب منها متحدثاً بجدية:


مساء الخير

مدت يدها تصافحه فتذكر تلقائياً لقاءه الأول مع قمر وود لو انه استجاب ذاك اليوم واحتضن كفها بين يديه.. أعاده الي الواقع الحرج البادي بصوت الفتاة قائلة:


دكتَر يامن.. هل ستترك يدي معلقة هكذا

التقط يدها بخفة ليبتسم بمجاملة قائلاً:


لم اشأ إحراجك.. لكنني لا أسلم على النساء

ناظرته بتعجب وشئ من السخرية قائلة:

هل صرت متطرفاً ام ماذا؟!


يامن بهدوء : بل صرت رجلاً


تطلعت اليه باعجاب قائلة:


بالفعل أنت لست رجلاً عادياً...


ضحك يامن ساخراً من نظراتها الهائمة ليتحدث..:

هل طلبت العشاء؟


الفتاة : ليس بعد.. لنطلب سوياً.. اوه نسيت إخبارك باسمي.. أنا رفيف.. روفي إن شئت كما يناديني الاصدقاء ...


تحدث اليها باقتضاب : حسناً رفيف.. لنتناول العشاء فأنا جائع بالفعل.. 


ناظرته بإحباط وأخفض هو بصره يفكر فيما ينبغي عليه أن يفعل.... 


بينما المصور يلتقط لهما بعض الصور بزوايا ووضعيات مختلفة تظهرهما كما لو كانا في موعد غرامي...


🔸🔸🔸🔸🔸

كعادته منذ إدراكه لحقيقة العلاقة بينه وبين قمر وانها صارت علاقة مشوهة...


فبعض المواقف تحفر في القلب والذاكرة.. محال أن تنسى شخصاً مد اليك يده ورفعك عالياً بعدما اوشكت علي الفناء.. ذاك الغريق الذي كادت الامواج أن تزهق روحه وصار موته وشيكاً محال ان ينسى من مد له يد الغوث


وما فعله هو محال أن ينسى لذا عليه الاستسلام ...


لم ينتبه جاسم الى ذاك الشجار الدائر بين رجل وامرأة علي جانب الطريق ليفزع جاسم بعدما دفع الرجل المرأة التي امامه بقوة اطاحت بها فوق زجاج السيارة ليدور جاسم بسيارته من فرط صدمته وهول المفاجأة ويلوذ الرجل بالفرار......


استعاد جاسم تنفاسه التي كاد ان يلفظها وترجل من السيارة بخوف حذر يتبين حجم المصيبة التي حدثت...


لم يكد ينظر الي المرأة الواقعة أرضاً واكتفي بالنظر بعيداً بعدما افزعه مشهد الدماء المتناثرة من حولها....


التم حوله بعض الشهود الذين راقبوا في صمت ما حدث منذ قليل بين الرجل والمرأة المصابة ليهتف احدهم بجدية:


لا تخف يا استاذ.. لقد شاهدنا ما حدث ولا ندر لم دفعها ذلك الرجل أمام سيارتك


جاسم بترقب : وما الذي عليَ فعله الأن

اجابه اخر : لقد استدعيت الشرطة وربما يجب علينا الانتظار


جاسم بتردد : إن انتظرنا قدومهم قد تلقي المراة حتفها.. انها مصابة بشدة


اقترب أحد المارة قائلاً بعملية : الافضل تركها دون حراك فمن الواضح ان بجسدها كسور ليست بالهينة واي حركة غير محسوبة قد تؤذيها....


جاسم : هل انت طبيب؟


الرجل : أجل سيدي.. انا طالب بكلية الطب..

جاسم : هل بإمكانك مساعدتها ولو قليلاً


جثي الشاب بجانب الفتاة المصابة ممسكاً معصمها يتبين نبضها ليهتف قائلاً:


نبضها ضعيف للغاية.. يجب نقلها علي الفور الى المشفى.. هلا احضر احدكم سيارة اسعاف...


🔸🔸🔸🔸

تحدث عثمان الي زوجته بجدية قائلاً

لقد قدمت دعوى منذ قدومكما الي هنا ويتابعها المحامي باهتمام..


علياء بخوف : دعوى لمَ؟


عثمان : لاسترداد ما لكما من حق.. هل ظننت انني سأتقاعس عن دوري كزوج وسند لك.. ان لم ارجع اليك حقك فلست برجل...


ابتسمت قائلة : بل انت كل الرجال ولا رجال سواك..


عثمان مشاكساً اياه:

انا أعلم لكن تواضعي الزائد يمنعني عن الحديث عن نفسي...


ناظرته بسخط ليستكمل:


لم أكره امرأة في حياتي كما أكره زوجة أبيك رحمه الله.. لقد ابتلينا بها.. كم اتمنى أن أزهق روحها بيدي كما ازهقت روحي بفراقي عنك


ادمعت عينا علياء قائلة:

لكم تمنيت ان تراعي الله فينا.. لم أجد سبباً لسخطها الشديد ومقتها لي ولنسمة..


الى الآن لا أصدق انها قد تسببت في فراقنا وتزويجي بآخر..


ضغط عثمان معصمها بقوة قائلاً :


علياء حذاري ان تذكري تلك الكلمة ما حييت.. انتٍ لم ولن تكوني زوجة لآخر.. 


امتعض وجه علياء فأغمض عيناه محاولاً السيطرة على ما أصابه من غضب شرس ليهتف بحنو..:


أنا لم اقصد اغضابك لكنني كلما تذكرت اود أن ادق عنق تلك الحية.. بالله لا عليك لا تحزني هكذا ..


اومأت اليه هامسة بخفوت :

دعنا نهبط الى نادر ووالدته يجب علينا استقبالهما ..


عثمان : لن أفعل إلا بعدما يشرق وجههك بابتسامة صافية ..


علياء : صدقاً انا بخير لكن قمر أمورها ليست بخير مطلقاً.. الخالة سميحة بالمشفي وقد اجريت لها جراحة دقيقة وقمر تبدو محبطة ومتخبطة واعتقد انها تخفي شيئاً ما... 


عثمان بتعاطف : معها كل الحق فيما تعانيه من تخبط يا علياء فهي وحيدة بعالم لا يعرف الرحمة وفقدانها لوالدتها مؤكد أمر يؤرقها... ستمسي دونها وحيدة تماماً... 


أغمضت علياء عينيها في تعب تستشعر العجز عن مؤازرة صديقتها ليطمئنها عثمان قائلاً 

سنذهب اليها إن شئت اري انه ينبغي على الوقوف الى جوارها... 


علياء بسعادة : حقاً.. هل انت جاد ؟


عثمان بحب : جاد للغاية يا فتاة.. هيا بنا نطمئن علي نسمة ونادر الوجود وعقب صعودنا نحدد موعداً ونذهب الى قمر.....


🔸🔸🔸🔸


بعدما هدأت الاجواء وانتهى الحفل وسكن الجميع تحدث جمال بترقب الي يامن قائلاً

ارى انك قد حظيت بسهرة مسلية انت ورفيف 


يامن بلامبالاة : كانت سهرة جيدة لا بأس بها.. 

جمال : اتعلم ابنة من هي؟ 


يامن : ابنة من.. مؤكد أحد رجال الاعمال والا ما دلفت الى حفل خاص بجمال رشدان

جمال : لكنها لم تأت من أجلي بل كانت تتوق الى رؤيتك.. يبدو انها احدى المعجبات القدامى 


يامن : كما ذكرت انت.. قدامي اي انه ماضي.. 


جمال : وما المانع أن تسمح لنفسك ببعض التسلية تقدم الىخطبتها ان شئت.. 


اعتقد انه قد أن الآوان لكي تتزوج وتنشئ اسرة وتحظى بأولاد يحملون اسم العائلة 


يامن : عندما يشاء الله سأفعل.. 


جمال : وماذا عن رفيف.. ألا تعجبك ؟


يامن : تعجبني كأنثى مثلها مثل الكثيرات جميلة ومثيرة.. لكنني عندما انتوي الزواج سابحث عمن اعشقها.. احبها وتأخذني الى عالمها.. أريد امرأة تجعلني لا أرى سواها...

 

جمال : هل تقصد تلك القبيحة.. أعتقد أنها بالفعل ستجعلك لا ترى سواها فمن يتزوج بمشوهة مثلها سينأى عن باقي النسوة ؟


يامن بتحذير : أبي.. قمر خط أحمر !!

لقد تحدثنا من قبل أنه لا شأن لك بها 

ولا تنسى أنني عدت الى هنا من أجلها ومن أجلها هي فقط...


ناظره جمال بغضب وقسوة قائلاً:


استمع اليَ ايها الغبي... الحياة لا تحتضن الضعفاء وتقويهم بل تلفظهم خارجها وان احتضنتهم تكسر عظامهم ولا تترك لهم فرصة للعيش


هي حية ناعمة تتود الى الجميع في خنوع زائف وتتريث الى أن تحين اللحظة الحاسمة فتلدغ من أعطاها الأمان...


لا مكان في عالمنا لحب ولا ضعف فكلاهما قاتل...


يامن بغضب:

وامي.. ألم تحبها؟


جمال بتأكيد:

احببتها ولم أحب سواها لكننا نار وجنة.. 

هل يلتقيان..!!؟



#الفصل_التاسع_عشر

#خسوف_القمر

#نداء_علي

#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم


لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🍁🍁🍁🍁🍁🍁


ناظر يامن والده بجدية قائلاً:


لقد أدركت مقصدك وما تراه حيال الحب وما يعقبه من ضعف لكنني غير ملزم بتنفيذ ما تقول فكل منا له أراء وقناعات مختلفة..


جمال ساخراً : 


منذ متى وأنت لديك قناعات أيها الأمير المرفهه..هل تراني أحمق كما الجميع وقد صدقت رفضك التام لحياتنا وعالمنا.. 


ان لم تكن راغباً بالعودة ولو بواحد في المئة لما عدت.. لقد مللت من الفقر وتبعاته.. اشتاقت روحك الي السلطة وبريقها الآخاذ...


أنا غير مقتنع بأنك قد عدت من أجل تلك البائسة وان كنت جاداً فيما تستشعره تجاهها فحذاري يا يامن.. 


أنا لن اهدد بإيذائها بل سأمحها من فوق الأرض ووقتها لا تلومن إلا نفسك..


انت ولدي ومن واجبي عليك الطاعة وانا لا اطلب اليك معصية بل اقومك بعدما كدت ان تنزلق قدماك في بئر الحب الأعمى الذي لن تجني منه سوى الندم.. 


هل سيتقبل المجتمع.. ولا أقصد مجتمعنا فقط بل اقصد المجتمع بأكمله ان تتزوج بمشوهه.. هل سيفتخر بها ابناءك.. تصطحبها الى حفلات ومناسبات.. ترغبها ولا تمل بعدما ترجع الى رشدك


بالطبع لن تفعل وإن فعلت واستطعت أنت تقبلها حتى وإن اجريت لها ما يجمل وجهها.. هل اسم وتاريخ عائلتك يسمح لك بالارتباط بمثلها..


تحرك جمال بغضب ولم يمهل يامن فرصة للرد..


تحدث الى راشد بأمر قائلاً:


اذهب الى تلك الفتاة وأعطها مبلغاً نقدياً مناسباً اخبرها انه هدية من يامن.. وان سألت عن السبب أخبرها أنه هدية خطبته وزواجه الوشيك...


🔸🔸🔸🔸🔸


لم يستطع البقاء جالساً هكذا دون حراك فمنذ دخوله الى المشفى بصحبة تلك الفتاة التي لا يدر من هي وما الذي اصابها وهو يفكر بتعجب وخوف مترقب لما سيحدث


ترى هل فقدت حياتها أم أصابها مكروه.. رغم أنه ليس مسؤولاً عما حدث لكنه يشعر تجاهها بالسوء فالنتيجة سيان هي قد صدمت بسيارته وكادت أن تفقد حياتها تحت أطارها


هب واقفاً متحركاً بخطوات مسرعة تجاه الطبيب الذي بدا هادئاً نوعاً ما ليسأله جاسم بحذر:


هل المريضة بخير.. هل مازالت على قيد الحياة؟!


أجابه الطبيب بعملية قائلاً:


جسدياً هناك بعض الرضوض القوية ولكن لا يوجد كسور.. ولكن!!


جاسم بترقب : ولكن ماذا؟!


الفتاة بوجهها إصابات بليغة نتج عنها تشوهات من الصعب ان تمحى دون تجميل


جاسم بذهول


كيف.. تشوهات.. ألم تقل أن السيارة لم تؤذها بشدة!


الطبيب : الجروح بوجهها ناتجة عن ألة حادة ربما مطواة أو مشرط...


جحظت عينا جاسم وتذكر ذاك الرجل الذي دفعها تجاه السيارة.. تنهد بقلة حيلة قائلة


اذا ما الذي عليَ فعله حيالها.. متى ستفيق؟؟


الطبيب : لقد أفاقت بالفعل لكنها تعاني انهياراً حاداً فاضطررت لحقنها بمادة مهدئة


جاسم : حسناً.. هل بإمكاني الانصراف؟


الطبيب : بالطبع.. فقد استكملت الشرطة التحقيق بالواقعة واقر الشهود براءتك...


🔸🔸🔸🔸


فعل راشد ما طلبه اليه جمال ورغم انه لا يحكم قلبه فيما يخص العمل الا انه استشعر الحزن من اجل تلك الفتاة ولا يجد سبيلاً للتراجع فجمال رشدان لن يتهاون معه ان تقاعس عن تحقيق ما يريد...


جلس قبالتها متحدثاً بلباقة وصراحة دون تمهيد قائلاً:


أرسلني اليك السيد يامن


ابتسم قلبها بحبور وكأنه يجيبه بدلاً منها قائلاً كم اشتقت اليه....:


فباغتها بقوله:


تلك الأموال اعتقد انها كفيلة بتوفير حياة كريمة لك ولوالدتك... لقد أخبرني انها هدية لك


قمر : هدية لي.. لماذا.. هل يتصدق عليَ بأمواله؟!


راشد : لا داع لتلك المبالغة.. كل ما في الأمر انه يكن لك من المعزة والتقدير ما يكفي لكي يهتم لأمرك.. لكنه حالياً منشغل بخطبته وتجهيزات الحفل فكما تعلمين ارتباط كذاك ينبغي ان يعد له مسبقاً...


🔸🔸🔸🔸🔸


تحدث اليها دون مواربة قائلاً:


أنا أعزب.. وقد انجذبت إليك كثيراً فانت جميلة للغاية


تراقص قلبها طرباً بكلمات الاطراء التي تعشقها وتبسمت في انوثة ودلال قائلة


لم افهم مقصدك...!؟


المحامي : اود الزواج بكِ


تحية : تتزوجني؟


المحامي : ولم لا.. هل أنتِ مرتبطة؟


تحية : لا.. ولكني لم افكر في الأمر منذ وفاة زوجي


المحامي : اذا قد حان وقت التفكير.. فأنا لا أجد ما يعيقنا...


ناظرته بتقييم وشردت قليلاً في هيئته الرجولية الجذابة واناقته الواضحة ووسامته.. تنهدت بارتياح فربما قد أتت اليها فرصة لن تعوض لذا ودون وعي منها تحدثت بسعادة قائلة:


موافقة..


ولكن لدي بعض الشروط


اجابها بثقة : كما تشائين انا مستعد لكافة أوامرك


لم تتردد في الطلب وكيف لها ان تضيع فرصة كتلك واجزل هو في العطاء ليسحبها الى المكان الذي يريد... 


ابتسم بخفوت فقد حظى بفريسة جديدة.. فريسة ستكون نداً له فيما يعشقه......


🔸🔸🔸🔸


لم تجد ملجأَ ولا يداً تربط علي قلبها المحتضر.. توضأت دون وعي وسجدت بين يدي الله.. لا تدر ما تقول بل تنتحب في قهر.. تتذكر ما قاله راشد .. تقتلها نيران الغيرة بلا رحمة تبكي وتبكي ولم تفعلها من قبلها..


ربما كان اللجوء الى ذاك الركن الشديد الذي لا يميل ولايمل من شكوانا هو الحل الأمثل بعدما ضاقت السبل


تضرعت الى الله بكل ما تعلمه من أدعية بسيطة همهمت بخجل قائلة:


انا أعلم انني لم أكن قريبة منك كما ينبغي.. لكنني بحاجة إليك.. قلبي يحترق.. أتوسل بك إليك يا الهي أن تنتزع من داخلي ما يؤلمه.. لم أعد راغبة بالحب مطلقاً..


تبكي بخفوت وقد اوشكت روحها علي الغروب تتأمل صوره باشتياق وسرعان ما يخبو اشتياقها كلما استيقنت الحقيقة


لقد سافر من اجل امرأه اخرى تبدو حبيبة..


كلمة مؤلمة يأبى قلبها نطق حروفها..

اذا هي متوهمة حمقاء.. كان مشفقاً علي حالها وترجمت هي اهتمامه بصورة خاطئة


لقد سمحت لخيالها أن يحيا بعدما وأدته لسنوات.. وليتها ما أحيته.. لقد ذبح تلك المرة.. ما عذرها.. هل تذهب اليه تعاتبه وتخبره انه ينبغي عليه ان يرأف بها ويبادلها حباً محالاً...


لقد أحبت جاسم من قبل لكنه كان حباً سهلاً ميسراً متكافئاً لذا عندما انتهى وجدت لقلبها مبرراً للصد فقد خان جاسم عهد الهوى بينهما.. ولكن يامن لم يعط وعداً ولم ينطق بما يدينه بل هي المدانة.. هي الملامة...


هل هكذا يكون الحب من طرف دون الأخر.. هل يجرح ويقتل دون تمهيد...


امسكت صورته تناظره بوداع قائلة:


ربما لن نلتق مرة اأخرى لكنني أحببتك.. واعلم انه جرم استحق عليه العقاب.. لكن عقابي الذي اعانيه الان أقسى مما تتخيل


اتمنى لك سعادة لم اكن يوماً لأتمناها لاحد سواك سعادة تلزمني بالاختفاء فما كان لقلبي ان يحتمل رؤياك مع اخرى...


🔸🔸🔸🔸


تناول عثمان الطعام بشهية وتلذذ بينما نادر يطالعه بغيظ فتلك ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة كما يبدو التي يشاركه فيها عثمان الطعام ولا يتركه الا وقت المغادرة


يتفنن في ابعاده عن الانفراد بنسمة متعللاً انه لا يجوز ليهتف نادر بضجر قائلاً:


هل ان أطلب اليك أمراً يا عمي؟


أجابه والد عثمان بجدية:


لكِ ما تشاء يا نادر ان كان الأمر بيدي


نادر : ارجو ان نعقد القرآن عما قريب


ابتسم والد عثمان بهدوء عندما ادرك غايته ليتحدث بوقار


وان عقدت القرآن هل سيبتعد عثمان عن دربك


تعرق جبين نادر حرجاً ليتحدث والد عثمان بتوضيح


نسمة ليست فقط ابنتي بل هي أمانة ويتيمة الأبوين لذا ربما نبالغ في حمايتها وربما اصابك الضيق من تصرفات عثمان..


نادر معتذراً : اعتذر اليك عماه لم اقصد ما تبادر الي ذهنك كل ما في الأمر ان عثمان لا يطيق وجودي


والد عثمان : اذاً تحدث اليه فكلاكما رجل ينبغي عليه المواجهة.. اما ترى ذلك


اومأ نادر اليه في موافقة... ليأتي عثمان بعد قليل بعدما أحضر الشاي الذي اعدته علياء ليضعه امام نادراً قائلاً:


اليك الشاي.. بالهناء مقدماً


نادر بجدية : اجلس يا عثمان لنتحدث فقد مللت من تلك الألاعيب السخيفة


عثمان بجدية مماثلة : أتعلم أنه لولا نسمة لأرديتك قتيلاً


قهقه نادر قائلاً : ويحك يا عثمان انت حقاً مجنون لقد اخبرتك ان ما حدث كان تدبير والدك


عثمان : ها انت قد قولتها.. والدي.. أي انني لا يحق لي معاقبته او محاسبته..


نادر : اذا انا اعتذر اليك.. صدقني كل ما اردته هو مساعدة عمي في لم الشمل َتزويجك بعلياء...


عثمان : لكنك تماديت وكنت تبتسم اليها وتتأملها أيها الوقح


نادر بصدق : مطلقاً.. بل كانت عيناي تتبعان نسمة وهي بدورها دائمة الجلوس جوار شقيقتها فكان يهيئ اليك انني اناظر علياء...


عثمان بغضب طفيف : حسناً... ما الذي تريده اذاً!


نادر : أن تكف عن مضايقتي وان نطوي تلك الصفحة ونبدأ من جديد


عثمان ممازحاً : أنا لن اعود اليك.. لقد خدعتني...


قهقه نادر قائلاً:


سامحك الله بالفعل انت لا تطاق.. هيا ابتعد عن دربي


تحدث عثمان بجدية قائلاً:


حسنا ربما علينا بدء هدنة مؤقته ولكن حذاري واغضاب نسمة فهي كما ابنتي.. هل فهمت


ابتسم اليه نادر بارتياح قائلاً:


فهمت سيد عثمان


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


ترددت كثيراً وتضاربت افكارها وعلا صوت القلب وصراخ العقل وكلاهما مؤيد ومعارض كلاهما يتمنى الأفضل دون تنازل لكن بات الكمال محالاً


عليها الرجوع الى اصولها نهال التي فعلت ما لم تستطع انثى سواها فعله وان كان مؤقتاً.. لقد كسرت غرور جمال رشدان وتزوجها رغماً عن الجميع احبها وان كان حبه مختلفاً عما تمنته لذا عليها التحلي بالقوة.. ستنقذ وليدها ولن تكسر روحه مرة ثانية يكفي انها خذلته من قبل...


توجهت الى سيارتها وانطلقت الي حيث القمر يحتضر يقبع في خسوف كلي لا رجوع منه...


كدر الجماعة خير من صفو الوحدة.. ربما للوحدة صفو لا ينعم به سوى من امتلك بداخله ذكريات تغنيه عن الأخرين.. أمآلاً تؤنسه.. أفكار تسعده.. لكنها مطلقاً لن تصفو لمن انتزع منه حق التذكر والتأمل فماضيه قد شوه وحاضره ومستقبله صارا بلا عنوان


غادرت قمر المشفي خفية دون ان يراها أحد وهرعت الى منزلها ..


لم تفكر فهي قد اتخذت قرارها دون تردد

امسكت سكيناً حاداً وغرسته دون شعور بمعصمها وجلست تنتظر قدوم الموت..


 ستحظى براحة أبدية هي لم تقتل نفسها بل تهديها سلاماً بعيداً ستحيا بعيداً عن البشر وهل هناك سلام يضاهي الابتعاد عن قسوتهم..


تمتمت بضياع ودون ادراك لما تفعل

أرجو ان تسامحيني يا أمي لقد اكتفيت.. نيران الانكسار تذيبني ولم أستطع الصمود اكثر من ذلك..


أريد الذهاب الى أبي.. أود رويته والاختباء بداخله

أنا متعبة مهزومة...



#الفصل_العشرون

#خسوف_القمر

#حصري

#نداء_علي


بسم الله الرحمن الرحيم 


🔸🔸🔸🔸 

ولا يعني الضعف والاستسلام خللاً بصاحبه بل هو طبع بشري.. فكلنا نقوي ونضعف.. نخطو ونتعثر.. نقدم ونتراجع.. ننكسر ونكمل.. نخطئ ومنا من يموت.. كلنا نحيا لنموت.... 


ترجلت نهال بترو من سيارتها تفكر فيما ينبغي أن تقوله لتلك الفتاة.. هل ستخبرها بالحقيقة وانها تسعى الى مصلحة ابنها ليس إلا ..وما المانع من ذلك سيحظى يامن بمن يريد وتحظى قمر بحياة جديدة.. 


استجمعت قوتها وتحركت بخفة الى وجهتها... 


شهقت نهال بتذكر فهي لم تأت من قبل الة بيت قمر ولا تدري بأي شقة تقطن..

همت بالعودة لكنها لم تفعل بل انتظرت الى ان اقترب أحد المارة لتسأله بترقب:


أستمحيك عذراً سيدي.. هل أنت مقيم هنا.. بتلك البناية؟


الرجل باحترام : أجل سيدتي.. 


نهال : هل انت على معرفة بفتاة تُدعى قمر تقيم هنا بصحبة والدتها ؟؟


الرجل : تجل تلك الفتاة المسكينة.. لقد عادت منذ قليل رأيتها وأنا ذاهب الى المسجد وحدثتها لكنها بدت واجمة غير مدركة لما يدور من حولها.... 


تحيرت نهال قليلاً لتهتف بتهذيب :


هلا ارشدتني الى الشقه ..


اومأ اليها بهدوء واصطحبها الى شقة قمر التي كانت تصارع الموت الذي تخيلته حلماً ستصحو منه في لحظات وتجد نفسها مع من تحب ستلتحق بوالدها وربما والدتها.. ستنسي يامن وجاسم وألالام السنوات المهلكة.. ستنصهر جبال الخوف... 


لكن الموت لا يطلب فنناله بل يأت عندما يقرر من بيده الأمر.. 


لو أنه سهلاً ميسراً لتجرعه كل من شكا أمراً دون تردد ولكن خالق النفس وهبها غالية لا تقدر.. زودها برغبة في البقاء مهما اشتدت وضاقت الدنيا نتوق اليها نتأمل غد افضل... سوى العسر واخاه باليسر في رحم واحد.... 


طرقت نهال بخفة وترقب وعل مقربة منها يقف ذاك الجار راغباً في الاطمئنان علي تلك الفتاة... 


أعادت نهال الكَرة مرات عديدة لتهتف في يأس ... 

يبدو أنها قد غادرت... 


ناظرها الرجل في تحير ليتحدث في دهشة 

لم يمضِ على رؤيتي لها الكثير.. متى غادرت !


تحدثت نهال في اقتضاب :


ربما أتى اليها فيما بعد... 


استوقفها الرجل قائلاً :


انتظري قليلاً هناك صوت بالداخل كما لو كان أحدهم ينازع من الألم... 


غشى وجهها القلق والتوتر لتضع أذنها بالقرب من باب المسكن في حذر وخوف ولكن دون جدوى الي أن استغاثت قمر بأنين خافت متأوهة في احتضار جعل نهال تبكي دون ارادة منها متحدثة الى الرجل بترجي 

ساعدني لنجدتها يبدو انها ليست بخير 

تردد الرجل قليلاً لتغلبه شهامته التي  قد تخبو وتنهزم رغماً عن البعض تحت وطأة الفقر والحاجة والخوف من الظلم وتجنب الأمواج العاتيه... 


تراجع عدة خطوات ليقترب بقوة تناسب ما ينتويه ليدفع بكتفه الباب مرة واخرى الي إن تمكن من كسره... 


توقف الاثنان بصدمة من فزاعة المشهد لتستوعب نهال ما تراه فيعلو صراخها وينتبه الرجل فيستعيد رباطة جأشه ويقترب من قمر في شجاعة جاثياً أمامها ممسكاً بمعصمها ليتلفت باحثاً عن شيئ يمكنه من ايقاف الدماء المتدفقة بغزارة...... 


جذب غطاء الطاولة المجاورة له.. ولفه حول يدها بقوة وحملها بين يديه قائلا:


هيا بنا الى المشفي المجاور ربما نتمكن من انقاذها قبل فوات الأوان 


لم تجبه بل اخذت تحرك رأسها نفياً صارخة ...


لقد ماتت.. لقد يأست من الحياة... !!


صاح الرجل بوجهها ليرجعها الي صوابها بصوت غاضب :


توقفي يا امرأة.. الفتاة مازالت على قيد الحياة.. هيا أسبقيني فأنا لا امتلك سيارة وإلا ما انتظرتك


🔸🔸🔸🔸🔸


خطى الى غرفته بإجهاد وتعب وألقى بجسده فوق الفراش راغباً في النوم وقبل ان تغفو عيناه ولجت والدته بوجه عبوس وصوت هادر قائلة:


هل تخال نفسك مقيم بفندق تأتِ وتذهب كما تشاء.. أما تستحي.. يومان ولا ندري عنك شيئ وهاتفك مغلق...؟؟؟!


ترى اين كنت ومع من..؟


ناظرها بتأمل به كثير من العجب محادثاً نفسه هل والدته تحبه حقاً.. هل أخطأت من قبل في حقه ام اخطأ هو في حق نفسه.. أتشعر بالقلق حياله أم أن ثورته نابعة من توقها الدائم الي فرض سطوتها...


قص علي مسامعها باقتضاب ما حدث لتصدمه بقولها...


ولمَ حملتها الى المشفي أيها الأبله.. ألم يجدر بك الفرار.. انت بالفعل أحمق الى حد بعيد....


جاسم برفض : وأتركها للموت!!


والدته : وما شأننا... لقد أخبرتني تواً أنك لم تصدمها عمداً بل دفعها أحدهم تجاهك..


ماذا لو لم يشاهد البعض ما حدث وقتها ما كانت الشرطة لتطلق سراحك...


جاسم : حمداً لله لم يحدث سوء واستطعت انقاذها


ليتك لم تفعل.. أما تقول أنها مشوهة بالفعل...!!


أغمض عينيه بندم متذكراً كلماتها الشبيهه فيما يخص قمر.. ليسكت والدته قائلاً بحزم..:


ارغب في الارتياح قليلاً لكي أصحو باكراً فقد تراكم لدي الكثير من العمل...


والدته بسخرية : وابنتك.. ألا تشتاق اليها؟!


جاسم بحزن : دلفت الى غرفتها قبل قليل ووجدتها نائمة..


تحركت والدته مولية ظهرها اياه قائلة:


أعانك الله على نفسك فكل خطواتك غير محسوبة ولا تأتِ بخير


صفعت الباب من خلفها بقسوة كحالها معه فرغم انه علي يقين من حبها له الا انه مطلقاً لم يجد مبرراً لشدتها الدائمة معه وكأنها تعاقبه على ذنب ما....


تنهد في عدم ارتياح مبتسماً في يأس مما يقابله فقد استشعر حاله نذير شؤم اينما توجه يلاحقه المصائب...


🔸🔸🔸🔸 

صراخه بوجه محاميه جعل المحامي يطالعه بغيظ محذراً اياه قائلاً:


لا يجوز ما تفعله سيد عثمان.. يجب عليك مراعاة الفاظك قليلاً.. هناك موكلون بالمكتب 

عثمان : تباً.. وما شأني وشأن موكليك...


تخبرني ان زوجتي وشقيقتها متهمتان بجريمة ملفقة وعليَ الصمت.. إما كان عليك الحرص واليقظة أم أنك محامي مبتدئ؟


المحامي بغضب : سأتغاضى عما تقول فأنا اعلم ما تمر به ولكن كفى أنا لم أقصر بل هاتفتك فور علمي بالقضية..


عثمان محاولاً التريث ودحر غضبه: 

وما الحل الذي تراه مناسباً؟


المحامي : لقد اخبرني أحدهم ان السيدة تحية قد باعت بيت عمك وقبضت الثمن كاملاً لتدعي عقب ذلك سرقت المبلغ من قبل ابنتي زوجها الراحل...


سب عثمان بسبة نابية فتنهد المحامي في ضيق قائلاً:


عليك التحلي بالصبر قليلاً.. ما تفعله لن يفيدنا في شئ..


عثمان في جدية : لا تقلق أنا من سيجد حلاً وإياك ان يعلم سواي بما حدث..هل فهمت؟


لم يمهل المحامي فرصة للرد بل غادر وما قاساه من قبل وما يقاسيه الآن يطارده عازماً على القصاص من تلك المرأة والتخلص من شرها... 


منذ عودته من الخارج وهو مكتفي بالصمت 

اختلى بنفسه على غير العادة صمته يبث الملل والرتابة من حوله.. ترددت علياء في القرب منه فهو يبدو غاضباً الى حد بعيد لكن القلب لن يجرؤ علي الابتعاد لذا تحركت دون ارادة منها وتمددت الي جواره متمسكة به بقوة قائلة:


ماذا بك يا حبيب الروح؟


تنهد في وجع قائلاً : وهل لروحي أن تهنأ دونك يا علياء.. أما اكتفينا فراقاً


انتابها القلق لتتساءل:


هل هناك ما لا أعلمه.. هل انت بخير..؟


احتضنها بكامل قوته قائلاً باحتياج:


أنا بخير جوارك.. وبك.. أريدك يا علياء.. أحتاجك..


سلمته زمام أمرها ولم تشأ ازعاجه بسؤاله عما يؤرقه واكتفى هو مؤقتاً بالقرب منها....


🔸🔸🔸🔸 

لقد صفعه والده بكلماته دون أن يصفعه.. لقد كشف ستر رغباته التي يأبى الاعتراف بها.. لقد اصابه الوهن.. حب الدنيا وجمالها الآخاذ الذي زين بكل ماهو جذاب.. كراهية الزهد الذي يجبره عن الركض مبتعدا عن كل ما تتوق الى النفس..


لم يدع جمال كذباً بل وضع راحتيه فوق موضع الألم وضغط بعزمه...


لطالما كان الثبات منهكاً لكنه الأن بات محالاً.. لن يجدي الدواء نفعاً اذا انكر المريض علته.... 


سار بلا وجهة محددة ليصطدم بها دون قصد منه وعقب تخطيط مسبق وترقب منها.. امسكها مقربها اياها اليه قبل ان تسقط أرضاً معتذراً بلباقه 


أعتذر اليكِ آنسة رفيف.. لم انتبه الى قدومك...


رفيف بدلال : لا بأس.. وهل هناك أجمل من وجودي بين يديك !


تنحنح في حرج بعدما ساعدها على الوقوف قائلاً :


حسناً.. ينبغي اليَ الرحيل الآن... 


تأكدت رفيف من خلو المكان حولهما لتقترب منه الي حد خطر هامسة أمام شفتيه :


لا ينبغي عليك الهرب كلما رأيتني... 


ناظرها يامن بتردد وضعف كاد أن يجبره علي التنازل والنزول الي القاع الذي ارتقى بعيداً عنه من قبل... لاحظت سكونه فاقتربت تحيط رقبته بأنوثه وجرأة... قبلته واستجاب لها دون ادراك لما هو مقبل عليه.... 


كاد أن يهم بمعصية قلة من يقوون علي دفعها ولذا جعل الله من يواجهها ممن يظلهم في ظله يوم القيامة..


وها هي أمامه امرأة فاتنة مكتملة الأنوثة تبادر بالتودد اليه دون شرط او قيد... 


هل عليه أن يفكر أم عليه أن يتمتع بما تقدمه اليه ... 


تذكر رأفت وما حدث معه فدفعها عنه بقوة وقسوه وصاح بغضب منها ومن نفسه ومن العالم بأسره 

ابتعدي عن دربي.. هل سمعت ان رأيت بوجهي بعد الأن لا تلومن الا نفسك 

صاح بها بقوة أشد بعدما تسمرت قدماها أمامه لتهرول ودموعها تغرق وجهها مما فعله بها فقد أهانها رغم إعجابها به وتقربها له.... 


عاد ادراجه الى غرفته يصيح بجنون يلقي بما يقابله أرضاً لا يصدق ما فعله منذ قليل.. 


اقترب جمال منه بقلق حقيقي متسائلاً :


ماذا حدث.. هل أصابك مكروه ؟؟


يامن بصدق : أجل أصابني الكثير.. انت مصابي الأول والأخير يا أبي.. أنت لعنتي..


جمال بصدمة : أنا.. هل أذيتك في شئ 

يامن : أجل فعلت.. لقد أفسدت روحي منذ البداية جعلتني خاوياً.. حيواناً يسعى خلف غرائزه.. وعندما أردت الرجوع أعدتني وانت على يقين انني ضعيف هش... 


هل أنت سعيد بيَ الآن.. !!


تنهد جمال في ضيق قائلاً :


لم أطلب إليك ان ترتكب معصية يا بني..


لقد تركت لكما انت وشقيقك حرية الاختيار.. أردتكما رجالاً منذ الصغر ..


يامن بانهيار : وهل تلقِ بطفلك وسط النيران وتطلب اليه ألا يحترق.. أتغرقه بترحاب وسط أمواج لا ترحم... 


جمال هو الأخر بغضب : ما الذي تريده الآن.. هل تسعى الى الابتعاد مرة اخرى..!!


حسناَ فلتذهب أنا جمال رشدان ومحال ان أستجدي منك عطفاً او أتوسل إليك البقاء... 


يامن في جدية واصرار : لن أتركك يا أبي.. ولكن عليك احترام ما اريد بعد الأن.. حياتي ملك لي انا فقط.. ولا يعنيك ما أفعل بها... حتى وإن اردت الزواج من قمر فلن يمنعني عنها أحد بعد الآن.. لن أسمح لنفسي أن تتبعك


اكمل بجدية قائلاً:


لقد اتينا الى هنا كي نطمئن على صحتك وتحظى ببعض الراحة لكنك لم تفعل لا هذا ولا ذاك ويبدو ان مجيئنا كان من أجلي أنا ليس إلا...


ابتسم جمال في خفوت قائلاً:


وان يكن.. هل ستغضب عليَ الآن وتضربني عقاباً لي علي فعلتي!!!


يامن بهدوء : رغم كل شئ تعلم يقيناً أنني مستعد لكي أفتديك بروحي دون تردد


ابتسم جمال رغماً عنه فاستكمل يامن في تقرير:


إلا أنني لن أبقي خارج مصر يوماً إضافياً لذا عليك الاستعداد للعودة الى البلاد.. ولا تقلق فأنا باقِ معك الى أن تطردني....


أشار اليه جمال بيده قائلاً:


هيا انصرف الآن فلست في مزاج جيد لكي تمازحني أيها السمج...


اومأ اليه وغادر شاعراً بارتياح واغمض جمال عينيه مبتغياً الراحة...

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


استمع جاسم الى ما تقوله الفتاة بترقب ليسألها بتركيز:

ما اسمك؟


اجابته بضعف : نجاه


تحدث اليها بحنو : وما قصتك يانجاة ومن ذاك الرجل الذي دفعك الى سيارتي!؟


أدمعت عيناها قائلة : كان فيما مضي خطيبي وحب سنوات قضيتها في وهم...


لقد تركني بعدما تشوه وجهي هكذا..


جاسم : وما السبب فيما أصابك!؟


نجاة : كان أحد الشباب المجاورين لنا في منطقتنا.. لكنه مدمناً.. حاول التقرب اليَ مرارا وعندما صددته وتمت خطبتي الى أكرم جن جنونه وترصدني الى أن اختطفني ذات ليلة وشوهني هكذا..


لقد تركني اكرم دون تردد.. وتزوج..!


 تزوج بأخرى وتناسى ما كان بيننا..


شهقت باكية لتكمل.. لكنه لم يكتف بها فعاد يلاحقني مدعياً أنه مازال محباً لي.. طلب اليّ الزواج فرفضت بشدة وتشاجرنا سوياً..


 من فرط غضبه وجنونه دفعني بقوة لأقع أمام سيارتك...


#خسوف_القمر

#الفصل_الحادي_والعشرون

#حصري

#نداء_علي


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🔸🔸🔸🔸


لم تستطع المواجهة فادعت النوم وكيف تقوى على مواجهة تلك المرأة.. نعم لم تكن بكامل وعيها بل أصابها اليأس بتيه وضياع جعلها لا تدري أين هي ومن تكون.. استسلمت وتمنت الارتياح ولو مؤقتاً لكن يبدو ان لله تدابير لا تعلمها.. ادمعت عيناها في صمت ذليل.. ألا يكفها أنه مشفق عليها لقد صارت مدينة لوالدته هي الأخرى بحياتها...


تتبعت نهال ملامح وجه قمر وادركت انها مستيقظة فحادثتها بتوبيخ قائلة:


لا أجد ما أقوله لك سوى أنك أضعف مما تخيلت.. لقد توسمت فيك اصرار وقوة لكنك خيبت ظني بك..


تخلت قمر عن صمودها وصمتها وناظرت نهال بغضب قائلة:


أنا لست قوية أنا مشوهة صرخت بانهيار قائلة:


اتدرين ما اعانيه.. أنا اتألم عندما أناظر وجهي بالمرآة.. اكرهني رغم انني لم أرتكب جرماً.. اتعلمين ما يصيبني عندما يناظرني احدهم بتفحص مشمئز.. أتدرين كم من فتاة ابتعدت مسرعة اذا ما اقتربت منها... لقد صرت محطمة بلا هدف بلا روح ولا استطيع الاستمرار.. أنا لست ضعيفة أنا فقط أهفو الى الابتعاد عن عالمكم.. أنتم قساة للغاية.. قسوتكم مهلكة...


همهمت بخجل من نفسها....


لقد اعتقدت واهمة ان ابنك يرى بي.. 

خفت صوتها لا تجرؤ على قول ما تمنى القلب من قبل لتهمس صديقة.. 

لكنه مثل الجميع كان يشفق علي حالي.. أرسل الي أموالاً اقتات منها كما لو كنت متسولة..


لمَ.. هل أسأت اليه أو الى سواه.. بالله عليكم أخبروني هل طلبت اليكم صدقة أو شفقة....!!


تنهدت نهال في ضيق ورفض لما آل إليه الأمر وأدركت أن جمال مستمر فيما اتفقا عليه سوياً انتابها احساس بالندم كونها وافقته من قبل على خطته لتتحدث الى قمر بثبات قائلة:


وهل الكون بأكمله قد خلا من المصائب والمحن.. هل أنتِ فقط من يختبرها الله ببعض الابتلاءات؟؟


أما تناظرين الناس من حولك...!!


قمر : لا أناظر احداً ولا أقارن نفسي بأحد فأنا أتجنب البشر أبتعد عن مجالسهم.. فقط أرجو منهم


منحي فرصة لأحيا دون خوف..


نهال : رغم ما تقولين يا قمر لا أجد مبرراً كافياً حتى ترتكبين جرماً كالذي فعلته وتقتلين نفسك وتخسرين ما نسعى اليه باستماته.. 

تخسرين جنة تبقينا علي يقين يمكننا من الاستمرار في تلك الحياة البائسة..

القنوط كفر.. أما تعلمين؟!


أدارت قمر وجهها الى الجانب الآخر تتحدث بضعف:


أمي تصارع الموت.. وموتها يعني نهاية لكل أمل..


لا أطيق العيش دونها فهي فقط من تتقبلني كما أنا هي فقط من ألقى بروحي بين يديها فلا أخاف الصد والنفور...


نهال بترقب : ويامن!؟


قمر دون تردد : أنا أكرهه..


 أصابها نوبة من بكاء مرير وكأنها تعبر من خلاله عن جرحها الغائر لتبتسم نهال في هدوء وقد أيقنت ان الضعف الذي عصف بكيان قمر يرجع الى خيبة أمل قاساها قلب تعلق بأحدهم وخذله.... 


تذكرت في حنين مؤلم ما كان بينها وبين جمال منذ سنين.. 


لقد ألتقيا صدفة ورغم الاختلاف بينهما في كل شيء الا أن القلوب خالفت المألوف وعشقت.... 


كان حبها الأول لكنها لم تكن الأولى بحياته فهو كان خبيراً في التلاعب بمن يريد متي يشاء وكيف يشاء الا انه وقع اسيراً لعشقها الصادق واكتفى بها مؤقتاً عن العالم الذي تربى بين يديه.. لكنه عاد كما كان ولم تحتمل هي.. لم تحتمل أن يمتلك فؤادها ويرجع الي رغباته ونزاوته التي شكلت سداً منيعاً بينها وبينه لتختار الطلاق دون تردد


فلاش باك

.................. 


في المساء الصامت كما هي الحال بينها وبين زوجها منذ أسابيع امتدت الى أشهر... تنتظر عله يرجع عن رعونته وخيانته لكنه لم يفعل واتخذ من صمتها مبرراً للتمادي فهي بالأخير تحبه وستغفر له 


اطمأنت على طفليها واتخذت قراراً ليس مهيناً مطلقاً لكن هوان الخيانة لا يقارن بما هي مقبلة عليه.... 


تزينت وتأكدت من اخفاء أثار التعب والصراع المرير المتجسد بملامح وجهها الشاحب لتبدو فاتنة كما لو كانت عروساً ليلة زفافها.. 


دلف جمال الى جناح اقامتهما لي.. تأملها بإعجاب جلي واشتياق رغم انه على يقين بتجنبها له وعلمها بما يدور من حولها الا ان جمالها الساطع جعله يتقرب اليها دون تردد محتضناً اياها في لهفة هامساً :


اشتقت اليكِ كثيراً يا نهال.. آه منك لا تزلزل كياني امرأة سواك ولا أتلهف الى أخرى كما أفعل معك... 


نهال بهدوء : ربما يا جمال.. ولكن ما حدث منك لا يدل على ذلك ...


تمتم بتيه من قربها:

لن أكررها.. لقد كانت نزوة عابرة وانتهت قبل أن تبدأ.. 


ابتسمت بمرارة ساخرة مما يقول هامسة اليه :


سأشتاق إليك الى أن أموت... 


طالعها بتوجس قائلاً :


ماذا تقولين.. نهال تعلمين انني أحبك 


نهال في ثقة واهية : أعلم انك تحبني.. ولكن هذا الحب لا يبقيني جوارك.. 

لقد دهست كرامتي وانتهكت مبادئي... 

لقد خنت عهداً قطعته قبيل زواجنا ووعدتني الا تؤذني وفعلت.. وانا انتظرت الي أن انقطعت بيننا كافة السبل.. حتى وان تراجعت عن غدرك وصرت صادقاً فكيف لي أن أنسى انك خنتني مراراً.... 


لقد رأيتك بعيني يا جمال وانتهى.. انتهى كل شئ ..طلقني ..


جمال في غرور : لن افعل... سأترك لكِ فرصة تهدأين وتراجعين بها نفسك 


نهال في اصرار : لا ترغمني على اللجوء الى القضاء ..


ناظرها بدهشة من قوتها قائلاً:

والداي لن يخرجا من هذا القصر.. اما أن تبقين جوارهما أو تخرجين دونهما... 


قالها محذراً راغباً في اخافتها ربما تتراجع وتظل في كنفه لكنها باغتته بقولها.... 


طفلاي سيكبرا ويأتيان اليَ... ولكن ان بقيت أنا فمحال أن ابقى كما أنا سأفقد احترامي لذاتي وتختفي هويتي وعندها وجودي لن يفيدهما في شئ.. طلقني وأبتعد عني.... أنا صرت أكرهك.... 


قالتها كاذبة فهي لم تكن لتكرهه والا ما رحلت ليهمس بتألم :


كما تريدين.. انتِ طالق ...


🔸🔸🔸🔸🔸

حاولت علياء استمالته ومعرفة ما يدور بخلده دون فائدة.. تدرك يقيناً أنه يخفي امراً يؤرقه لكنه لن يبوح بما يختلج صدره فهو كتوم الى حد مرهق.....


انتهى من ارتداء ملابسه وودعها مغادراً... لتشهق باكية فهي تشعر بانقباض قوي يخيفها....


اتجه الي غايته وسيأثر من تلك المرأة حتي وان قضى باقي ايامه سجيناً....


تمعن النظر الى الورقة المطوية بين يديه ليفتحها في ترقب ناظراً الى عنوان تحية وبيانات المحامي الموكل بمتابعة القضية....


قطع المسافة الفاصلة وبين مبتغاه في وقت قصير بفضل قيادته الفائقة السرعة وكأنه يسابق الوقت.... 


دق باب المنزل المراد اليه بقوة جعلت صاحب المكان يهرول الى إجابة السائل... 

تطلع عثمان بتقييم الى الرجل الذي امامه ليسأله في ترقب :

هل انت عادل؟

 

أجابه هو بثقة : أجل انا هو.. من أنت 

لكمه عثمان بكامل قوته ليترنح عادل في صدمة ولم يمهله عثمان فرصة ليدرك ما حدث بل جذبه اليه ساحباً اياه كما لو كان ذبيحة تساق الى حتفها ..


صرخ عادل به قائلاً:

توقف ايها المخنث.. كيف تجرؤ وتضربني 

احتدت عيني عثمان بعدما سبه بتلك الكلمة ليباغته(بروسية) قاسية افقدته الوعي مباشرة... 


وضعه عثمان داخل السيارة واتجه الى تحية ليكمل ما يخطط له


🔸🔸🔸🔸

غادر المشفى يتحرق شوقاً ويتألم ندماً.. لم يدرك من قبل قبح فعلته الا عندما جابهته نجاة بنذالة شبيهه بنذالته.. كان يتميز غيظاً من ذاك الندل الذي ترك محبوبته وتزوج بسواها وقت حاجتها اليه تخلي عنها وخذلها بل وذبح انوثتها وكبرياءها..


وكيف يلومه وقد أتى بذات الفعلة...


لن يكرر ماضيه الذي يلاحقه بل سيكفر عن ذنبه تجاه قلبه قبل قمر.. لقد حرم فؤاده ممن امتلكته وها هو يقاسي مرارة الفقد التي يستحقها....


تذكر نحيب تلك الفتاة المسكينة وفزعها من ذاك المدعو أحمد ليجد نفسه دون تردد يمنحها وعداً بالبقاء الي جوارها ومساندتها.. لما عاهدها علي شئ غير مجبر علي فعله وما الذي يربطه بها.. لم يجد جواباً مناسباً الا أن نجاة هي فرصة لاستعادة روحه التي سلبها غدره السابق بقمر فهو وان عجز عن مساندة قمر لن يتخلى عن نجاة...


توجه الى مكتبه الهندسي وطلب الى شريكه سحب مبلغاً ليس بالقليل ليرجع بعدها الي المشفى القابعة به نجاة منتوياً اجراء ما يلزم من اجل تلك الفتاة....


يعلم ان ما يفعله قد يبدو جنونا وتسرعاً لكنه يفعل ذلك من اجله هو وليس من اجلها.....


تذكر قمر وأدرك انه مديناً لها باعتذار حقيقي اعتذار لن يفيد لكنه قد ينتزع بعضاً من احساسه بالخسة تجاهها


كيف هان عشقاً دام سنوات وانجرف خلف متاع زائف.. متاع تجسد في زوجة فاتنة جميلة الهيئة قاسية الطباع متحجرة المشاعر... لقد تبلدت مشاعره في قربها.... 

وأه لو أن الماضي يعود ولو لحظات لما ابتعد وما تخلى ولكن محال..... 


بحث عنها بمحل عملها ولم يجدها وعلم ما أصاب والدتها فأسرع الي المشفي لمؤازرتها لكنه اصيب بخيبة أمل عندما اخبره يوسف باختفائها من داخل المشفى.... 


عاد الى منزلها عله يجدها فأخبره الجيران بما كان ليزداد احساسه بالندم اضعافاً ويهرول دون تردد اليها....... 


اقتحم غرفتها دون انذار ولم ينتبه الي نهال الجالسة في صمت بركن بعيد 

تحدث الى قمر قائلاً:


كيف يا قمر ولمَ.. انت لم تضعفي هكذا وقت الشدة والابتلاء الحقيقي.. كيف تهون عليك نفسك ووالدتك... 


أنا آسف وان بقيت باقي العمر أعتذر لن يعبر عما اشعر به من ندم.. ولم ادرك قبل اليوم فداحة ما فعلت بحقك.. لم أرَ من قبل مدى حقارتي بعدما تركت يدك وسط الطريق ولم أساعد ولم انتظر الى أن تصلين الى ملجأ يحميك.... 


أعلم انني خذلتك ولكن قبل اليوم لم أدرك كم انا ضعيف وأنتِ قوية فرغم ما حدث انتِ استكملت وقاومت قدر استطاعتك وانا يأست وأنهيت حياتي بيدي.... 


ابتلعت قمر ريقها بحزن قائلة:


هون عليك يا جاسم لقد مضى وما فعلته أنا لحظة يأس وذنب في حق نفسي وخالقي ادعو أن يغفره لي.. أما انت فقد سامحتك ولا أكن لك بغضاً ولو كان قلبي بيدي لأعدته إليك ولكن أحكامه تعلو فوق ما نريد.....


🔸🔸🔸🔸🔸

ابتسمت تحية بخبث فور أن رأت عثمان وكأنها تشتاق الى رؤيته وشامته به في ذات الوقت لتسأله في سخرية


هل عدت الى الوطن يا عثمان.. لقد مضى زمن يا وسيم...!!


نظراته الكارهه جعلتها تتوقف عما تقول ليرفع كف يده الي وجهها مشيراً الى أصبعه المزين بخاتم زواجه من علياء قائلاً:


أترين تلك الدبلة يا حرباء.. إنها لعلياء.. زوجتي ..رغماً عن أنفك وأنف العالم بأسره.. قدري وعشق الماضي وماهو أتٍ..

 من ابتعدت عنها سنوات جراء أفعالك وافتراءك أيتها الفاجرة...


صرخت بوجهها بجنون ورفض فهي مطلقاً لم تتخيل أن يرجع الي علياء قائلة:


كيف.... ألم تتزوج بأخرى.. لقد تتبعت أخبارك لفترة لا بأس بها وعلمت أنك قمت بخطبة أخرى.. كيف عدت اليها.. تباً لكما..


صفعها بقسوة متحدثاً ببغض:


لقد تربيت من الصغر أن من يصفع امرأة او يضربها ليس برجل.. لكنك لست امرأة بل انت شيطان لعين... ما الجرم الذي ارتكبناه بحقك كي تفرقين بيننا.. كيف استطعت تفريق شملنا أيتها الحقيرة الساقطة..


دفعته بحدة لكنه لم يتزحزح لتقهقه بانتصار قائلة:


طلقها يا عثمان فأنا لن أتركها تنعم بقربك ما حييت.. أتدري لما.... لأنني أكرهها كلما رأيتها ازداد حقدي عليها.. كلما لمحت عشقك لها بغضتها أضعاف....


دفعها عثمان بقوة فوقعت لتصطدم رأسها بمقدمة الطاولة الرخامية وتقع مغشياً عليها....


🔸🔸🔸🔸

يومان انقضيا وتحسنت قليلاً قمر واستمرت نهال في رعايتها دون حديث بينهما بل كان الصمت حليفهما....


عاد يامن الى القاهرة وتابع أعماله بعض الوقت لينتهي ويهاتف والدته التي اشتاقها كثيراً


ترددت نهال في اجابته بادئ الأمر فهي تشعر بالحنق من تصرفاته وتصرفات والده ولا تجد ما تقوله بشأن قمر لكنه يجب ان يعلم بما حدث...


تحدث اليه بحب واشتياق قائلا:


اشتقت اليكِ كثيراً يا أمي


نهال : وهل كان لديك ما يكفي من الوقت لتشتاق اليَ..


يامن دون فهم : بالتأكيد امي وهل هناك ما يمنعني عن الاشتياق اليكِ؟!


نهال : يامن أنا غير معتادة على تلك الالاعيب ولا أحبذ الكذب.. ألم ترى اخبارك بين صفحات المجلات وأنت بصحبة فتاة ما... هل عدت تلي سابق عهدك؟؟


تصلب جسده قليلاً ولم يتحرك عقله سوى باتجاه قمر لتساءل في جنون...:

 ترى هل شاهدت قمر تلك الصور؟


استفز نهال صمته وظنت أن يامن قد عاد بالفعل الي حياته كما كانت فتحدثت بغضب ملؤه العتاب وخيبة الأمل:


لقد حطمت فؤادي يا بني وفؤاد تلك الفتاة التي تكالبنا على ابعادها عنك ظناً مني انها غير لائقة بك ولكن يبدو انك من لا تستحقها


يامن : أمي بالله عليك لا تسئ الظن بي ودعيني أخبرك ما حدث


نهال بحدة : لا أريد حجج ولا اعذار واهية.. لقد انكسر ما لدي الفتاة من أمل ضعيف وانتحرت... 


أنهت الاتصال بينهما أما هو فكاد أن يفقد القدرة علي الحركة مما قالته والدته.. هل تسبب لها ولقمر في ذاك الأسى.. هل حاولت قمر انهاء حياتها!!!


كانت نهال تعلم انه سيأتي لذا انتظرت وصوله ساعة واخرى الي أن وقف قبالتها ولا يقوي علي النظر اليها متسائلاً بلهفه مجنونة ..


امي أين هي !!


أشارت إليه بكف يده ولم تتحدث إليه فأدرك انها غاضبة منه نكس رأسه في أسف وتحرك الى قمر.... 


كانت مستيقظة تنظر الى سقف الغرفة بحزن وتتمنى لو ينتهى ما يدور برأسها من لقطات لما عايشته منذ البدء.... 


همس باسمها فانتفض القلب اشتياقاً وتضاربت نبضاته :


انتظر سماع صوتها وعندما لم تجبه أقر بجدية :

هل اقدمت على الانتحار حقاً..هل كنت ترغبين في الموت!!


قمر بتعب : وما شأنك أنت.. هل حياتي ملك لك أم هي ملك لي.. !!

آه ربما تعتقد أنها صارت ملكاً لك بعدما اشتريتها بنقودك التي أرسلتها اليَ


يامن بتعجب : أي نقود.. هل تهذين!!!


قمر : اصمت.. انا لا أطيق سماعك ولا وجودك.. ما الذي أتى بك وأين خطيبتك؟


تحير ولم يجد ما يقوله فصرخت في لوعة:


لمَ أذيتني هكذا.. لقد اعتقدت أن الألم قد باعني مفتاحه وانني أدركت خباياه ولم أنتظر منه المزيد الى ان ظهرت انت بدربي....


أنت انتقام أم ماذا..!!! هيا خبرني...؟؟


يامن : قمر انا بالفعل لا أدرك مغزى كلماتك.. وإن كنتِ غاضبة مما نشر بالأخبار فهو إدعاء...


قمر : أنت كااااذب.. أنا لن اصدقك ما حييت.. لقد أتاني راشد بحقيبة من الأموال ارسلتها أنت اليَ نظير شيئاً لا أعلم.. لقد قال إنها هدية ولكن حقاً لا تقدم الهدايا بين أمثالي وامثالكم.. بل لها مسمى واحد..

 صدقة..أو إحسان...


أغمض عيناه وقد تراكمت فوق رأسه الكثير من الأمور وعلم ما حدث ليضطر رغماً عنه الى البوح بما دفنه سنوات بعيداً عن الجميع:


قمر..أنا لن أدعي الفضيلة وأخبرك كذباً أنني لم أضعف.. لقد فعلت.. لكنني تراجعت رغبة في التمسك بما وصلت اليه ورغبة مني في وفاء بعهد لم أقطعه لكِ بقولي بل قطعه القلب لكِ 


أتدرين.. لقد كانت الحياة ليلاً نحياها في صخب ومجون.. مجون ربما من هم على شاكلتك وبراءتك لن يصل بعقله البكر الى مدى قبحه..


كم كنا نتباهى بالمعصية.. خمور ونساء ورهانات لا تنتهي على أشياء من بالغ تفاهتها لم أعد اتذكرها..


لم أكن وقتها أرى ضوء الشمس وقت شروقه كنت اترنح من فرط تناولي للخمر..


 أدمعت عيناه بقوة ليستكمل..


وكذلك كان يفعل أخي.. بل كان هو قدوتي فيما أفعل كنت أرى به مثالاً للكمال

شاب لا تشوبه شائبة.. ترتمي النسوة والفتيات تحت اقدامه يتفنن في لفت انتباهه...


كان على عكسي تماما فيما يتعلق بأمور العمل فقد كان يقضي ليله يستمتع بكل شئ دون قيود ويقضي نهاره في شركات والدي.. كما انه...


نظرت اليه قمر تنتظر منهان يكمل حديثه فتنهد بضعف قائلاً:


كانت علاقته بأمي أقوى واقرب فقد كان رقيقاً معها يودها ولا ينقطع عنها.. اما انا فلم أكن أحبذ لقياها كثيراً فقد كانت أنذاك رمزاً للحياة الرتيبة المنغلقة التي لم أشأ أن أحيا خلالها


بكي يامن بكامل حواسه.. كان ينتحب ال الحد الذي جعل قمر تنتحب في صمت من أجله.. هدأت ثورته قليلاً فابتسم باشتياق قائلاً:


لا أعتقد انني عارضت أخي ذات يوم.. بل كنت مؤيداً لا يتزحزح عن مؤازرة من اختاره..

الى اليوم الذي تبدلت به الحال تماماً..


تراهنا سوياً على صحبة فتاة نالت اعجابنا معاً وكالعادة أذابها رأفت بنظرة واحدة وابتسامة جعلته يقضي الليلة بصحبة تلك الفتاة..


عاد رأفت في اليوم التالي لكنه بدا شاحباً قليلاً وفي نهاية اليوم أصابه حمى قوية استمرت قرابة الاسبوع.. للأسف وقتها لم اهتم كثيراً كنت احسبه وهن بسيط وسيمضي..


بعدما شفي رأفت تفاجأنا به وقد تبدل كلياً توقف عن السهر والخمر والنساء.. صار صامتاً أغلب الوقت..


تخيلي لقد توجهت الى غرفته فوجدته ساجداً.. خفت صوت يامن كثيراً بضعف وخجل مما فات قائلاً:


في ذاك اليوم نظرت الى أخي مستنكراً فعلته فقد كانت سابقة أن اري أحداً يصلي في القصر..


اختلف حال رأفت واستمر علي ثباته وازداد انعزاله عن عالمنا الي اليوم الذي تشاجر فيه والدي معه وللأسف كنت سنداً لوالدي فلم يرق لي ابتعاد شقيقي عن دربي.. 


كنت أفتقده يا قمر.. كنت في حاجة ماسة اليه واعتقدت ان تدينه المخالف لطبيعتنا سيبعده عني لذا كنت أهاجمه دون وعي صرخت بوجهه وربما كان اول وأخر خلاف بيننا قائلاً له:


هل أصابك العته.. هل انضممت الى أحد الجماعات المتطرفه التي تغيب العقول..

نظر اليَ بهدوء وثقة ارهقتني قائلاً:


بل كان عقلي مغيباً يا أخي.. لقد هداني الله كي أتوب اليه قبيل وفاتي.. ما الذي افعله ويغضبكم الي تلك الدرجة.. هل صلاتي تؤرقك يا جمال بيك أم أنك تخشى من وسائل الاعلام التي ستتحدث عن ولدك المتطرف الذي بدأ في الصلاة بعدما تعدى عمره الثامنة والعشرون...


تحدث يامن بدلاً من والده قائلاً بغلظة:


مؤكد أن هناك خطب ما.. ما الذي دفعك الى التغير هكذا.. هل هي والدتك..!


جمال بقسوة : بالطبع هي نهال ومن غيرها... تريدكما أن تلجئا اليها ولكن هيهات يا رأفت.. انتما ابنائي.. هي قد آثرت الطلاق وترككما لذا محال ان اسمح لها بأخذكما بعدما صرتما رجالاً...


صرخ رأفت بوجه ابيه قائلاً:


امي لا شأن لها.. لقد كنت تائهاً ضالاً فهداني الله بعدما رأيت الموت بعيني لقد كنت اصارع المرض ولا ادر هل تنتهي حياتي هكذا وانا غارق في المعاصي حد الهلاك..


 أنا لا اريد شيئاً سوى الرجوع الى خالقي ولو حبواً فأنا متعب للغاية..

 أما تستشعر التعب مما نفعل يا يامن..

 اما مللت من الزنا والسكر والنفاق والكذب..


نظر اليه يامن بسخرية وتحدث جمال بدلاً منه قائلاً:


دع أخيك وشأنه فيكفي معتوه واحد بالبيت واليك ردي علي ما تفعل.. سوف احرمك من كل صلاحياتك بالشركات الى ان تنتهي عن عبثك وترجع الى عقلك وقوتك...


رأفت : لا أريد منك اي شئ..


جمال : حسناً سنرى يا رأفت.. أما والدتك فحسابها معي عسير...


تحدث يامن بندم قاتل:


لقد خاصمته شهراً كاملاً وتفنن والدي في عقابه وحرمه من كافة المزايا التي كانت بين يديه.. سحب منه سيارته وحسابه البنك لكن رأفت كان مصراً علي موقفه الى حد أذهلني وجعلني ازداد عناداً معه...


الى اليوم الذي عاد فيه رأفت من المسجد المجاور لنا فصدمته احدى الشاحنات بقوة قاتلة.. لفظ انفاسه الأخيرة على الفور وتبين لنا فيما بعد ان أحد منافسين والدي هو الفاعل بعدما تسبب والدي في خسارته لثروته بأكملها اصاب الرجل حاله من السخط واليأس دفعته الى الثأر من والدي فقتل أخي.. قتله بعدما خذلته أنا ولم استمع إليه..


سامحيني ياقمر لقد أدخلتك الى دائرة مغلقة لا تنتهي مآسيها.. 



#الفصل_الثاني_والعشرين

#خسوف_القمر

#حصري

#نداء_علي


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


كل عام وانتم بخير حال.. ارجو ان نكثف الدعاء لإخواننا في غزة..


🔸🔸🔸🔸🔸

وقد يبدو الحديث بكلماته بسيطاً هيناً لمن يستمع اليه لكنه ثقيلاً على قائله متعباً لقلبه يذكره بما مضى يؤلمه بلا رأفة فيجعله هشاً يهفو الى الصمت....


كانت كلمات يامن تزلزل كيانه بأكمله تنتزعه من عالمه الجديد الذي رسمه بمشقة فأتت تلك الذكريات وشوهت لوحته..


يخبرها بما يستحى أن يذكره بينه وبين نفسه لكنه مجبر ولا خيار أمامه عليه ان يبوح بكل شئ ربما ينته ذاك الماضي ويبتعد الي الأبد لكنه يعي أن ماضينا جزء من حاضرنا وما هو آت إلينا لذا تنهد بضعف قائلاً:


ما سمعتِه الأن ماهو إلا تجميل لماضي مشوه.. هناك الكثير من الأمور التي يأبى عقلي استحضارها والبوح بها.. 


أتعلمين يا قمر لو أنني قابلتك آنذاك لما عرفتني..

لكم سخرت وتنمرت عليّ اصدقاء لا لشئ إلا لاختلافهم عما أريد...


منذ استمعت الى صوتك عندما جئت راغبة في وظيفة لدينا انجذبت إليكِ رغماَ عني..


ظننت بادئ الأمر انه حنين الي امرأة ليس الا.. لكنني...


أراد الاعتراف بمشاعره ولكنه لم يستطع فملامحها توحي بالكثير تبدو شاحبه تائهة رافضة للتصديق.....


تبكي متألمة منه وعليه ألم ينخر بداخلها يسعى الي اقتلاع ذاك العشق من الضلوع فيأبى الخضوع ويختبئ بعيداً صارخاً انه لن يختفى هكذا....


تتعجب مما يقوله وترفض الاقتناع ان ما يقوله حقيقة.. هل كان لعوباً يتنقل بين النساء بلا رادع.. هل صورته التي بمخيلتها وهم.. لقد رفضت الرجوع الي جاسم بعدما تملكت امرأة اخرى من احضانه وصارت زوجة له.. حلاله لكنه حرمته عليها.. فكيف تتغاضى عما قاله يامن الأن...


هل تصبح إحدى جواريه الكثر اللائي لا يتذكر عددهن... هل حبها له سيشفع ويمحو الحقيقة...


دموعه تذبحها وتؤذيها اكثر مما تؤذيه ويدفعها قلبها الي ضمه بقوة واحتواءه وينهرها عقلها رافضاً القرب منه..... 


صارت مشتتة لم تعد تصغي اليه... بل طغى صوت الصراع الشرس الذي تحياه الآن


🔸🔸🔸🔸

عاد جاسم ال بيته حاملاً بين يديه الكثير من الحلوى والهدايا لطفلته راغباً في اسعادها قدر استطاعته فقد شغل عنها بالأيام الماضيه بين عمله ومساندته لتلك الفتاة التي ظهرت له من العدم....


لم تمهله والدته وقتاً بل باغتته كعادتها بقولها


لقد اتاني اشعاراً من البنك عصر اليوم.. لمَ قمت بسحب ذاك المبلغ الضخم واين انفقته...


جاسم بهدوء : وهل عليَ ان اقدم تقريراً كلما انفقت بعضاً من نقودي....


والدته : ما انفقته ليس جنيهاً ولا بضع الآلاف بل قمت بسحب ما يزيد عن المئة ألف.. هل جننت!


جاسم بهدوء : امي تعلمين ان تلك الأموال تخصني وحدي فقد تركها لي والدي الحقيقي الذي لم اكد اعرفه بعدما تطلقتما وقمت بتربيتي بعيداَ عنه انتي وابي رؤوف الذي لاانكر فضله مطلقاً بل انه كان لي أباً حقيقياً وسنداً طوال الوقت....


والدة جاسم بغضب : مرحى يا جاسم بيك.. لقد صرت رجلاً وتتحدث اليَ كما لو كنت عدواً لك.. 


هل تلومني على شئ حدث منذ زمن.. ووالدك الذي تتغنى به الأن لمَ لم يأت اليك.. لولا انه قد حرم من انجاب وريثاً غيرك لما ترك لك قرشاً واحداً لكنه اضطر الي اعطاءك ما لديه والا ضاعت تركته هباءَا....


جاسم : رحمه الله.. لم يعد يعنيني ان كان ظالماً أم مظلوماً..


والدته : اذاَ اخبرني ما الذي فعلته بتلك الأموال ولا تتطرق الي أمور فرعية كي تتهرب من الاجابة


جاسم بهدوء : سوف أتزوج...


والدته بغضب : وهل ستتزوج دون علمي


جاسم : بالطبع لا والا ما اخبرتك الأن


والدته : ومن هي.. وما هي عائلتها...


جاسم : سأخبرك كل شئ لاحقاً يا أمي..

 بالتأكيد سنذهب ونتقدم اليها


والدة جاسم : رغم تخوفي من اختياراتك الا انني سأنتظر علك تحسن الاختيار تلك المرة....


غادرت وتركته واسرع هو الي غرفة صغيرته عله يتناسى ماهو مقبل عليه يعلم ان ارضاء والدته غاية صعبة المنال وربما محالة لكنه لن يتراجع ولن يتخلى عن تلك الفتاة......


🔸🔸🔸🔸

دار عثمان حول نفسه لا يصدق ما حدث هل قتلها ام مازالت حية.. انها حية رقطاء حتي وان فقدت الحياة.. لقد تسببت في دماره سابقاً وها هي تسعى الي القضاء علي مستقبله


ايتركها وينصرف هارباً أم يحاول انقاذها.. هل سيقضي باقي عمره سجيناَ ان انتهت حياتها.. وهل من مثلها يستحق العيش....

وماذا عن علياء.... صاح بقهر متأوهاً.. رباه لقد ضاقت بيَ السبل ولم اعد أرى مخرجاً...

صوت خافت وانات جعلته ينظر متلهفاً الي تحية التي بدأت باستعادة وعيها لكنها تتألم بقوة....


اقترب منها يتفحصها لكنها أغمضت عينيها مرة ثانية من فرط الألم...


أصاب عقله شئ من العجز فلم يكد يحرك ساكناً بل ظل يطالعها الى أن حسم أمره فحملها بنفور متجهاً الي سيارته وقد حمد الله بداخله أن احداً لم يره..... 


قاد عثمان سيارته وبداخله الكثير من الأفكار ولا يعلم الحل الأمثل لتلك الورطة.... 


تنهد بضيق بعدما اضاء هاتفه مجدداً بأسم علياء ويبدو انها قد احست بمصابه...

 

اغلق الهاتف والقى به بعيداً واقترب من البيت الذي استأجره مسبقاً من اجل تحيه وذاك المحامي ..


توقف امام المنزل واستد


#خسوف القمر

#الثالث والعشرون

#حصري


#نداء علي


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين

البارت الثالث والعشرون

خسوف القمر

🔸🔸🔸🔸

قد يجبرنا البعض علي التخلي عن أرواحنا النقية ومبادئنا وارتداء اقنعة القسوة والجحود ومهما حاولنا الثبات تجرفنا افعالهم الفظة تجاه الزلل فنقع في أبار ردود الافعال التي تتماشى مع حقارتهم.... 


بعدما انتهى الطبيب من اجراء الاسعافات الطبية اللازمة لتحية غادر علي وعد بالتكتم حول ما حدث...


أفاقت تحية كلياً ورغم خوفها مما يحدث الا انها صرخت بوجه عثمان قائلة

لن اتركك يا عثمان.. عليك بتطليق علياء واعدك ان اتنازل عن القضية واتغاضى عما فعلته بي... 

اياك والظن انني خائفة منك.. 


عثمان موجهاً حديثه الي المحامي الذي ظل صامتاً يتابع ما يحدث بمكر لم يخف علي عثمان...

وانت ايها المخضرم ما قولك فيما تعرضه عليَ السيدة تحية.. هل اطلق زوجتي وانجو بنفسي... 

اجابه الأخر مدعياً البراءة : يا سيدي أنا لست طرفاً فيما تقول ولا شأن لي بك.. أنا اقوم بواجبي وما يقتضيه عملي كمحامي ليس الا.. 

عثمان بحدة : وهل عملك يقتضي التدليس والصاق التهم الباطلة بالأخرين أيها الوغد.... 

تحية بحقد : أنا من طلبت اليه ذلك ولن أدع علياء تهنئ يا عثمان... 

عثمان : لقد دمرت حياتي سابقاً ايتها الفاجرة ولن اسمح لك بتكرار الأمر مرة أخرى وان اضطررت الي قتلك سأفعلها دون تردد 

ملامحه الجادة الغاضبة جعلتها ترتجف خوفاً لكنها نظرت الي المحامي قائلة

أرأيت.. أسمعت ما يقول.. لن اتنازل عن القاءه بالسجن هو الأخر 

تحدث المحامي بدهاء قائلاً

اعتقد أن الوصول الي حل وسط افضل للجميع.. لقد تقدمت السيدة تحية بدعوى بعدما فقدت مبلغاً نقدياً ليس بالقليل.. لمَ لا تدفع اليها ما يعوضها فهي بالأخير زوجة عمك الراحل وما كان لك ان تتركها بلا مأوى أو مال يكفها.... 

عثمان : لو ان الأمر بيدي لتركتها في الجحيم حتي تحترق 

اصاب تحية حالة من الهياج واخذت في سب عثمان والتوعد له بينما بقى هو صامت.... 


ترقب عثمان الوضع من حوله ليشير الي أحد الرجال من حوله قائلاً

قم بتنفيذ ما اتفقنا عليه

صوب الرجل سلاحه تجاههما واطلق رصاصته

لتستقر بمكانها المقصود......

توقف قلبها عن النبض للحظات معتقدة أن الرصاصة قد اصابتها لكنها استعادت انفاسها المسلوبة بعدما تبينت أنها مازالت علي قيد الحياة نظرت الي محاميها فوجدته في صدمة لا تقل عن صدمتها ليبتسم اليهما عثمان قائلا

بدلاً من اهدار اموالي من أجل .... مثلك ادفعها الي احد الرجال الواقفين أمامكما ويقوم هو بتخليصي وتخليص العالم من شركما... وكما تعلم باعتبارك رجل قانون أن القضية ستقيد ضد مجهول.. حادث سرقة وتغلق قضيتكما الي الأبد حتي وان انتهى الأمر بالقبض عليَ فأنا لا اكترث فما يهمني هو اخذ روحيكما...

🔸🔸🔸🔸

قد تجيد الكذب ويطيعك لسانك ناطقاً بما تريد لكن محال ان تنقل اليَ عيناك كذباً ولو كلمة... انا استشعر أنفاسك وكأنها داخلي يؤلمني ما يصيبك وقبل أن تدق السعادة بابك تلقي علي قلبي التحية أولاً


احتضن يامن بين كفيه يديها فطالعته بخجل فهي لم تعتد منه ذاك القرب وتلك النظرات..

همس اليها بصدق قائلاً

لقد اخبرتك قبل قليل أني أحبك...

لم تحتمل ما يقول فأغمضت عيناها خجلاً وخوفاً فاستكمل

أنا أحبك.. هل تبادلينني مشاعري يا قمر

عجزت عن اجابته لكنه أبى ان يستسلم فأعاد عليها السؤال بصوت خفيض

هل تحبينني؟ 

نظرت اليه قائلة :

أنا... محال أن أصدق ما تقول.. كيف تحبني ولمَ! 

يامن : لن اجيبك الأن ولكن اعدك أن اثبت لك أنني احبك كما لم افعل مع سواك من قبل...

ولكن هل تحبينني؟ 

قمر : أجل...

يامن : أريد الزواج بك

لا تدر قمر تلك اللحظة لما لاحت بعيناه سحابة من الحزن الذي جعل الخوف يتسرب الي قلبها اكثر واكثر وقلبها يخفق منقبضاً لكنها طردت عن رأسها تلك الافكار قائلة بسعادة 

لا استطيع القبول أو الرفض قبل الرجوع الي أمي أولاً فكما تعلم ليس لي سواها... 

ابتلع يامن ريقه بتوتر لكن عليه ان يستجمع قوته من اجلها.. تحدث اليها بجدية قائلاً 

أنا معك ولن اتركك... ولكن عليك الوثوق بي.. من اجلي ومن اجل والدتك عليك المضي قدماً يا قمر.. الحياة لا تسير وفق أهواءنا بل نتمايل نحن مع اقدارها تحركنا كما تشاء وعلينا الرضا والقبول بما قدر لنا.. أليس كذلك؟ 

بدأ الضعف يغلف ملامحها وانكسر بداخلها الأمل الذي لم يكد يلوح بعالمها لتصرخ بانهيار قائلة

ما الذي تقصده.. هل اصاب امي مكروهاً... 

يامن : لقد اختارها الله فقد عانت كثيراً وعليك الدعاء لها بالرحمة 

لطمت وجهها بضياع قائلة

وأنا اين أجد الرحمة.. هل تركتني وذهبت كما فعل عالمي بأسره.. هل تخلت عني هي الأخرى....

اذاً كل ما تقوله منذ قليل ماهو الا مسكن لما تخبرني به الأن.. تخشى عليَ من الحقيقة.. وهل هناك شئ يخرجني مما ابتليت به.. هل اعترافك الزائف بانك تحبني سيجعلني اتقبل موت امي 

دفعته بقوة لكنها قوة واهية فقد انتهت قوتها بموت والدتها وصارت طفلة صغيرة بلا مأوى.. هشة ضعيفة ضعفها قاتل... 

لم يحرك يامن ساكناً بل بقى بمواجهتها يحتويها بنظراته المتألمة قائلاً

اهدئي يا قمر.. عليك بالصبر والاحتساب.. قولي لا حول ولا قوة الا بالله... 

هدأت الاصوات من حولها فتحدثت بصوت مهزوز قائلة 

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. لمَ خدعتني .. ألم تعدني أن تعيدها اليَ.. هل جميعكم كاذبون...

يامن بهدوء : انا أسف.. لكنه أمر الله.. أولسنا مؤمنين ياقمر أما ينبغي علينا الاستسلام لله...

قمر : أريد أمي يا يامن.. أنا لا اريد سوى رؤيتها.. ربما تعد اليَ أن جلست جوارها.. 

اجابها بتعاطف 

سأصحبك اليها.. هيا بنا

🔸🔸🔸🔸

لا يعلم يقيناً هل نجاة أتت اليه مصادفة أم انها قدر واختبار جديد بعدما رسب فيما مضى.... لقد اختطفته براءتها وصوتها الخجول المستضعف.. جذبه احتياجها اليه.. يرى بها طفلة كطفلته فلم يجرؤ علي تركها وحيدة....

لا يتذكر ولم يدرك ما تفوه به لقد طلب منها الزواج رغم عزوفه ورفضه المطلق لخوض تلك التجربة القاسية لكنه فعل رغماً عنه....

لقد تبدلت كلياً وعادت اليها نضارتها بعدما تمت عملية التجميل بنجاح.... صار وجهها جميلاً وعادت الي عينيها بهجة الحياة ولكن والدته لن تمرر الأمر مرور الكرام.....

عليه الصمود ومهما حدث فهي بالأخير والدته وعليها تقبل قرارته  وان لم تتقبلها فعليها التعايش معها كما تعايش هو سابقاً مع كافة قرارتها...

نظر الي الخاتم اللامع بإصبعه بتعجب فقد انتقل اليه دفئ محبب غلف قلبه المتجمد منذ سنين.. ترى هل سيقع بالحب من جديد ويحيا مرة أخرى أم أن بانتظاره جرح اقوى.....


انتبه الي صوت نجاة تناديه بخفوت قائلة

سيد جاسم لقد نامت ماسة.. هل أغلق الاضاءة جوارها أم اتركها؟ 

تطلع اليها جاسم في صمت فخفضت بصرها قائلة

هل أعد لك العشاء؟ 

جاسم : هل تناولت طعامك؟ 

نجاة بخجل : ليس بعد.. 

جاسم : حسناً.. لنأكل سوياً فأنا منذ الصباح لم اتناول شيئاً

نجاة بحزن : اعتذر اليك عما حدث بينك وبين والدتك

جاسم : ولمَ تعتذرين... والدتي رافضة لأي اختيار اقدم عليه دون الرجوع اليها...

نجاة : لكنها محقة فانت تستحق الأفضل

جاسم : ليس كل ما يلمع ذهباً يا نجاة أما يقولون ذلك..

لم تدرك نجاة ما يريد قوله فاكتفت بإيماءة خفيفة محاولة الابتسام بعدما كررت سؤالها حول ماسة ليجيبها بحب

ماسة تخشى الظلام لذا اترك جوارها ضوء خافت

نجاة : حسناً لقد فعلت ذلك ولكن أردت التأكد.. فأنا أيضاً اخشى الظلام

جاسم بجدية : لا داع للخوف بعد الأن.. أنا صرت زوجك.. وان كان الأمر برمته قد تم علي عجل الا أنه تم...

ظلت صامته فتحدث بقليل من المرح

كما ان اسمي جاسم وليس سيد جاسم يا سيدة نجاة

لم تدر ما تقول لكنها لن تعارضه وانَىَ لها أن تفعل وقد مد اليها يده فانتشلها من بين الحطام المتراكم من حولها... لقد كان سقوطها تحت اطار سيارته حياة جديدة لها وربما له هو الأخر....

🔸🔸🔸🔸

رمقها عثمان بسخط واشمئزاز ليهتف بثقة

لن تبرحا مكانكما الي أن تعودا علي رشدكما وتبتعدان نهائياَ عن دربي وما يخصني... عليك باقناعها أيها الماكر فكما سمعت انك ذائع الصيت وجعبتك لا تخلو من الحيل.. أليس كذلك

غمزه عثمان بنظرة ساخرة وصل مغزاها الي دياب الذي أيقن جيداً ان عثمان يعلم عنه الكثير لذا ابتلع ريقه بتوجس قائلاً بخضوع لم يغفله عثمان:

لا داع لكل ما يحدث دعنا نتحدث قليلاً أنا والسيدة تحية....

وافق عثمان وغادر تاركاً أحد الرجال بصحبتهما.. 

تحدث دياب الي تحية قائلاً

لا يجب عليك استفزازه هكذا.. لقد تأكدت الان انه لن يتركنا قبل الحصول علي مراده واعتقد انه عليك التنازل عن تلك القضية الخاسرة

تحية بغضب : لن افعل.. لن اتركهما ينعمان سوياً وينتصران عليَ

دياب بمهادنة

تحية.. ألم اطلب اليك الزواج ووافقت؟ 

تحية : اجل فعلت وهذا ادعى أن تقف الي جواري لا أن تطلب اليَ التراجع .. هل أصابك الخوف يا دياب بيك

دياب بجدية : وهل تنتظرين مني الوقوف بوجهه والتضحية بحياتي ايتها الحمقاء.. أنا محامي ذو صيت لا يستهان به.. كافحت سنوات كي احقق ما وصلت اليه.. ولي الكثير من الأعداء المتربصين بي كما أن حياتي ذات قيمة لديَ ولا انتوي التفريط بها دون طائل .. وان كان أقصى طموحك بعض الأموال ستحصلين علي الكثير وانت زوجتي....

تحية بتردد : ولكن...

دياب مقاطعاً : الأمر خرج عن نصابه الصحيح وأنا اطمح الي منصب سياسي هام ولا أرغب في اثارة القيل والقال...

تحية بطمع : حسناً كما تشاء ولكن عدني ان تنتقم ليَ منه فيما بعد

دياب بتأكيد : دياب لا يترك ثأره مطلقاً ولكن علينا اقتناص الفرصة المناسبة...

كانا يتحدثان بصوت خفيض كي لا يصل الي الحارس المصاحب لهما بينما كان عثمان يتابعهما عبر الكاميرات التي قام نادر صديقه اللدود بغرسها دون أن يعلم أحد بشأنها... 

بحث عن هاتفه الذي يستخدمه للتواصل مع نادر ليهاتفه منتظراً اجابته الي أن أتاه صوت نادر قائلاً بصوت ناعس 

مرحباً صهري العزيز.. كيف انتهى بك الأمر هل القيَ القبض عليك

قهقه عثمان قائلاً : ليس بعد أيها الحاقد.. أتعلم لقد حدث كل ما توقعته يبدو لي أنك مجرم معتد الاجرام ولست صحفياً مغمور لا يعلم أحداً بشأنه

نادر بثقة : أنا صحفي في قسم الحوادث وقد تعلمت منها الكثير.. هيا اخبرني تفصيلاً بما حدث.. 


قص عثمان علي مسامحه ما حدث ليشهق نادر بكره لتحية قائلاً

تلك المرأة مريضة بالفعل.. لمَ تكره علياء الي هذا الحد... 

عثمان : هي كارهه للعالم بأسره.. كم أود قتلها بيدي 

نادر : لا بالله عليك.. أود الزواج بنسمة اولاً وان تم القاؤك بالسجن لن اهنئ بزيجتي.. عليك بالعدول عن ميولك حالياً والتفكير بمستقبلي 

عثمان : حسناً.. لقد تأثرت بما قلته ولن اقتلها ولكن تبقى الخطوة الأخيرة 

🔸🔸🔸🔸

لم تحرك قمر قدميها وكأنها تسمرت بالأرض.. كانت ساكنة الي حد مريب.. تتابع جثمان والدتها المحمول بخفة بين يوسف ويامن وبعض الرجال الذين قد اتوا لحضور مراسم الدفن وجنازة والدتها

وضعت والدتها بالقبر وانتهى الأمر...

لحظات لا تذكر تمر بلمح البصر كما يمر العمر بأكمله لكنها تعد لحظات الموت الحقيقي لمن ترك وحيداً يتجرع مرارة الفقد فوق ظهر الأرض وشطره مدفون بباطنها...

سكون نابع من العجز وبرودة تؤلم الجسد وخوف من مجهول....

بينما يامن شارداً فيما عاناه من قبل وكيف وارى بيديه جسد أخيه واكسير حياته من قبل....

لقد كانت تلك اللحظة هي الأعظم في قوتها وضعفها..

كانت قوتها صادمة انتزعته من بيئته وعالمه الذي اعتاده ودفعته الي عالم مضاد....


شدت نهال علي يد قمر قائلة

هيا يا قمر.. لقد غربت الشمس ياحبيبتي

هزت قمر رأسها نفياً قائلة

لن اترك أمي.. لن اتركها هي وأبي..

جذبت نهال الي احضانها بحنان ولم تدع لها وقتاً للتفكير بل تحركت بهدوء بعدما أشارت الي يامن بتجهيز سيارته......

تحدث يوسف الي يامن بجدية قائلاً

اعلم أن الوقت الأن غير مناسب ولكن قمر لن تبقى بمفردها ومن غير اللائق بقاؤها معك..


يامن باختصار : والدتي تحيا بمفردها فانا أقيم بصحبة أبي حالياً.. كن مطمئن.. محال أن أسئ الي قمر.. كما أنني سأعقد قراننا عقب انتهاء فترة الحداد....

يوسف بهدوء : ان شاء الله وانا سأكون علي تواصل دائم معك...

🔸🔸🔸🔸


#خسوف #القمر

#الفصل #الخامس والعشرين

#حصري


بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين


🔸🔸🔸🔸

وبين ألف لا ونعم واحدة يميل القلب الي تلك النَعم التي تعني قرب من حبيب محال أن نحظى به الا أنه يسعى بكل الطرق للقرب.. تجاهلت قمر كل ما يطرق بابها رافضاً لزواجها من يامن وفضلت دخول كلمة الموافقة، ربما كانت واهمة لكنها تطمع في شئ من السعادة ولو لسويعات قليلة لقد اصابتها تخمة من الحزن واليأس.


"نداء علي"


جلست نهال الي جوارها ينتقيان أثاث الجناح المفترض بها الانتقال اليه عقب الزواج لتتحدث بتردد قائلة:


لمَ لا نبق هنا عقب الزواج؛ وهل يجب علينا العيش في ذاك القصر مع والد يامن؟


نهال : جمال رغم عناده وقسوته الا أنه والد يامن شئنا أم أبينا؛ واعتقد أن بقاء يامن الي جواره يعصمه من الكثير.


انت لا تدرين كيف يبدو عالمه؛ عالم جمال وامثاله أشبه بالغابة؛ لا وقت فيها لمراجعة الأفعال ولا محاسبة الذات؛ يظل الجميع يركض فيها بلا هوادة الا أن يهوى أرضاً بعدما يتركه الجميع فيجد ان وقته قد أزف وانتهت حياته هباءًا.


قمر : ولكنه لن يتقبل وجودي


نهال : يامن لن يسمح بأن يتطاول أحد عليك مهما بلغت مكانته دعك من تلك المخاوف وانظري الى هديتي لكِ


قدمت نهال الى قمر علبة ضخمة مزينة بشكل رائع انتقلت روعتها الي عيني قمر التي التمعت بالسعادة فهي طفلة مهما انكرت ذلك؛ طفلة تطمح الى بعض الدلال والاهتمام.

مدت يدها تحتضن الصندوق بترقب تعض شفتيها بخجل من تسرعها لكن نهال شجعتها قائلة :


هيا انظري الى ما بداخله واخبريني برأيك.


تطلعت قمر الى محتويات العلبة بسعادة بالغة لتتحدث بود قائلة :


انه رائع للغاية؛ بديع الشكل.


نهال : لقد صممته من أجلك وتمنيت أن ينال استحسانك


قمر : شكراً لك؛ لم يكن من داعِ لذلك فكما اتفقنا عقد القران لن يحضره أحد.


نهال بمشاكسة : سيحضره أهم الشخصيات وأحبها الى قلبي يا فتاة أما يكفك يامن رشدان.


أخفضت وجهها خجلاً لتتحدث اليها نهال بشئ من الجدية قائلة :


يامن هو كل ما لدي يا قمر لذا اطلب اليك احتوائه والبقاء الي جواره مهما حدث.

اومأت قمر بتفهم قائلة:

سأفعل ان شاء الله. 


نهال : عليك انت ايضاً مراعاة مستقبلك والعمل علي مساندة قمر.


قمر : وكيف أفعل! 

نهال : بداية لقد قمت بتقديم أوراق التحاقك بكلية الصيدلة من جديد؛ لا يليق بك أن تضيعي تعب سنوات عدة وتتراجعي عن تحقيق حلمك وانت علي بعد خطوات منه.


قمر برفض : لا استطيع فعقلي لم يعد كما في السابق ولا طاقة لي بالمذاكرة؛ سأفشل بلا شك.


نهال : كلنا معرض للفشل ولا داع للهلع هكذا اطمئني يامن سيقوم بتدريسك.


ابتسمت قمر في صمت وخجلها يزداد لتباغتها نهال بهديتها الأخيرة قائلة:


لقد تحدثت مع مشفى مختص بالجراحات التجميلية من أجلك 


ناظرتها قمر بحزن وتساءلت بصوت كسير

هل طلب يامن اليك ذلك؟


نهال بحب : يامن لا يحتاج الى وسيط بينك وبينه وان شاء أن يطلب اليك امراً سيخبرك اياه مباشرة؛ أنا أفعل ذلك من أجلك أولاً ومن أجله ثانياً


لنفترض انكما تزوجتما وانتقلتما للعيش بصحبة جمال؛ هل ستختبئين منه؛ أليس من المحتمل أن يطلب رؤيتك؛ دعك من جمال؛ ماذا عن اصدقاء يامن وزوجاتهن هل ستقضين عمرك بأكمله في عزلة؛ صدقيني يابنيتي يامن يحبك بلا شروط وذاك أمر لا جدال فيه لكن الحياة واقعها وتوقعاتها دائما تخالف أحلامنا؛ لا اتمنى لك جرحاً نحن في غني عنه.


ثم إن ما أقوله رأي شخصي يمكنك رفضه أو القبول به أنا لا اضعك أمام أمر واقع وعليك الرضوخ وتقبله بل لك مطلق الحرية في اختيار ما تشائين.


🔸🔸🔸🔸🔸

واجتماع الأحبة له مذاق يمحو مرارة ما يعتري قلوبنا

شعور بالاكتمال واحساس بالأمان ورغبة في توقف الزمن كي لا نفترق مجدداً

قامت نسمة باعداد قالب من الحلوى بشكل مميز للغاية وزينته بكلمة حياة جديدة

ابتسم نادر قائلاً بمشاكسة:


هل تقصدين حياتنا سوياً يا نسمة؟


أغمضت عيناها خجلاً فنظر اليه عثمان محذراً قائلاً :


تأدب والا طالت فترة خطبتكما عاماً أخر.

شهق نادر قائلاً بفزع مصطنع : ما الذي تقوله يا عمي عثمان؛ وهل يطاوعك قلبك علي عقابي بتلك الصورة الشنعاء. 


تساءلت والدة عثمان قائلة بترقب :

اذاً ماذا تقصدين بكلمة حياة جديدة يا نسمة؟ 


أشارت نسمة الى علياء قائلة :


هيا أخبرينا يا علياء بما نقصده؟ 


علياء بخجل : أقصد أن حياتنا ستغدو أجمل عما قريب ان شاء الله بعدما يقتحمها فرد جديد. 


عثمان ودقات قلبه تتراقص بعدما بدأ في ادراك ما تريد قوله


هل تقصدين انكِ تحملين طفلي بداخلك ياعلياء؟ 


شهقت والدته بسعادة وابتسم والده بينما امتلئت عينا علياء بدموع كانت فيما مضى تصحو وتنام بصحبتها وهي تدعو الله أن يجمعها بعثمان وها هي بعد سنين تنعم بقربه وأتم الله فضله بحملها...


هب عثمان مندفعاً تجاهها محتضناً اياه بسعادة مجنونة لا يلق بالاً لمن حولهم بل تناسى العالم بأكمله وقد غدت هي كل عالمه.....


يتمتم بكلمة معناها احتواء وتمسك وأمان.. كلمة لا يلتزم بها سوى الرجال أما أشباههم فلا يدركون لما لها من مكانة.. كلمة أحبك هي ميثاق غليظ لا يجب أن يقطعه سوى الشجعان أما هؤلاء الجبناء فلا ينبغي أن يتلفظوا بها:


أحبك يا علياء؛ أحبك حتى الممات.


🔸🔸🔸🔸

ومشاعرنا كأمواج البحر تعلو وتبلغ ذروتها لتهبط الي الأسفل تتأرجع علواً وهبوطاً..

لكن هناك مشاعر تزداد وهجاً و شراسة بمرور الأيام والسنوات... 


الظلم والحقد الناتج عن التعرض له يشبه النيران في اندلاعها.. لهيبها حاد وقاس يحرق صاحبها ومن حوله ولا يخبو الا بانتهاء كافة الاشياء من حوله... 


تطلع عزت الى ما بيده من أوراق بإبتسامة باهته فها هو يحظى بحرية مزيفة؛استطاع بعد عناء الهرب من محبسه؛ والسعي الي ثأره.

جمال رشدان من تسبب في فقده لثروته وحياته الرغدة بأكملها؛ تركته زوجته بعدما أعلن افلاسه؛ وتراكمت الديون من حوله إلى الحد الذي جعله يفكر في إلانتحار لكنه لم يستطع؛ توجه الي جمال طالباً منه الرحمة والمساعدة فطرده بلا شفقة.


نعم هو لم يتخلى عن المحاولة ذهب اليه مرات متتالية لكنه أمر رجاله بتلقينه درساً كي لا يعاود الظهور أمامه من جديد


تعرض لضرب مبرح علي يديهم وقضى بالمشفى ثلاثة أشهر يعاني من كسور متفرقة والآلام مبرحة لتنتهي عقب خروجه كافة أحلامه عندما صدم بموت والده؛ فقد والده ولم يستطع رؤيته وكان السبب جمال رشدان.

وها هو يقضي عدة سنوات خلف أسوار السجن بعدما صدم بسيارته رؤوف؛ الابن الأكبر لجمال رشدان؛ لكنه استطاع الهرب وها هو يحظى بفرصة أخيرة للقضاء علي جمال وابنه الآخر.


🔸🔸🔸🔸

تنهدت نجاة في ملل فها هي تقضي يومها بين أعمال المنزل والاهتمام بتلك الصغيرة التي صارت كنسيم هادئ في يوم حره قاسي؛ ورغم ذلك تفتقد الحديث الي جاسم رغم كونه حديث رسمي لا يرقى الي ما يدور بين الأحبة لكنه يشعره بدفئ ذو طابع خاص.


شردت قليلاً بينما كانت تعيد ترتيب ملابسه فلم تنتبه الي عودته من العمل واقترابه منها الا بعدما تحدث بهدوء قائلاً:


هل ماسة نائمة؟


نجاة بترقب : أجل لقد انتظرت عودتك وعندما تأخر الوقت طلبت اليها النوم علي وعد بإيقاظها متى عدت.


جاسم متوجهاً الي الحمام الملحق بغرفتهما : لا داع لايقاظها فغداً تنتظرنا أمي لقضاء اليوم بصحبتهم فدعيها تنل قسطاً كافياً من النوم؛ هم بالابتعاد لكن اعتراضها استوقفه بعدما قالت :


لن أذهب معكما.


جاسم بحدة : وهل هذا قرار وعليَ القبول به أم ماذا؟


نجاة بصوت مختنق بدموع الخوف : 

أنا لا اريد التواجد بمكان أعلم يقيناً انني غير مرحب بي داخله.


جاسم : كما تشائين؛ يبدو أنني قد تسرعت بالفعل في زيجتنا وهناك الكثير من الأمور التي يجب مراجعتها.


اهتز جسدها بعدما أغلق جاسم الباب بغضب يضاهي مشاعره الثائرة وجلست هي بطرف الفراش تبكي في صمت.


بينما هو واقف بكامل ملابسه أسفل المياه المتدفقة لا يكاد يستوعب ما يحدث معه فيبدو انه لا حظ له مع النساء فكل من دخلت حياته تركت بها بصمة من الألم بداية من والدته مروراً بقمر التي ترك ظلمه اياها بنفسه اثر لم يستطع تخطيه؛ ثم زوجته السابقة وانتهاءََا بتلك الفتاة الغامضة العاجز كلياَ عن فهم ما تريد.


تداخلت الأفكار برأس نجاة وبدأت تشعر بالاختناق ودون وعي منها قامت بسحب حقيبة صغيرة تضب بداخلها بعض الملابس دون النظر اليها بينما كانت دموعها تنهمر بلا توقف وكل ما يدور بخلدها أن جاسم قد اشتاق الي طليقته وما كان زواجه منها الا لكي يثير غيرتها.....


🔸🔸🔸🔸

تألق يامن بطلته الجذابة وانتهى من تصفيف شعره وتعطر بعطره الساحر ليطالع نفسه بتركيز محدثاً نفسه قائلاً :


كم افتقدك يا رأفت؛ ترى لو أنك معي الأن بالطبع وسامتك كانت ستطغو عليَ وتمسي نجم الحفل؛ كم اشتاق اليك. 


أغمض عيناه يستجمع شتات نفسه وتحرك بخفة ليقابل والده الذي شمله بنظرة تجمع بين طياتها الكثير الا أن عناده قد غلبه كالمعتاد ليهم بالابتعاد لكن صوت يامن استوقفه قائلاً:


هل ستتركني بمفردي اليوم يا أبي ؟!


جمال بجمود : لست بمفردك؛ معك والدتك واعتقد انها تكفي 


يامن بحب : لا أحد يغني عن وجودك 

جمال بهدوء : لا وقت لدي.. أراك لاحقاً. 

تركه وغادر مسرعاً كي لايضعف ويرجع اليه يحتضنه بقوة يخبره بمدى سعادته بما وصل اليه يضم من خلاله روح رأفت الذي فارق الحياة قبل أن يسعد بيوم كهذا؛ لم ينعم برؤيته عريساً. 


لكنه أثر الرفض معتقداً ان قمر ما هي إلا نزوة وحتماً ستنتهي لذا توجه إلى مكتبه حاسماً امره وعازماً علي إرسال هديته إليها ربما تبتعد وينتهي الأمر. 


قاد يامن سيارته بحزن رغم سعادته فكم تمنى اصطحاب والده له ورضاه عن اختياره. 

بلغ وجهته وترجل من سيارته حاملاً بيده باقة ورد انتقاها بيده لقمر.


مر بعض الوقت وطال انتظار يامن والشهود وطالعَ المأذون ساعته قائلاً:


أين العروس يا جماعة؛ لدي عرس آخر وعليَ الانصراف


وجه يامن بصره الي والدته فغمزته بعينه 

هب يامن واقفاً في عقب والدته ليقف قبالتها قائلاً :

ما الخطب يا أمي؛ اين قمر؟ 


نهال : بغرفتها تبكي وتأبى الخروج. 


تحرك يامن بغضب الي غرفة قمر ليفتح الباب دون ان يطرقه قائلاً بحدة:


هل نحن اطفال في روضة يا قمر؛ ما هذا الهراء وكيف تمتنعين عن الخروج الينا؟ 


وجهها الباكي وضعفها البادي بعينيها جعله يتنهد باستسلام قائلاً:


بالله عليك توقفي عن البكاء؛ لمَ تصرين علي عذابنا سوياً؛ كم من المرات ينبغي عليَ أن أخبرك بحبي يا قمر؟


ازدادنحيبها فجلس جوارها قائلاً بحنو بالغ وترجي وصل اليها هامساً:


المأذون بالخارج تسرب الى قلبه الشك وربما يستعين بقوات الشرطة


قمر بتعجب متناسية خوفها :

لمَ؟ 


- مؤكد أن العروسة تأبى الخروج

لأنها مجبرة على الزواج وربما يتهمني باختطافك؛ أرأيت كم انتِ قاسية.


قمر : يامن أنا...اناا !!


-هيا توقفي عن البكاء واخبريني لمَ انتِ خائفة هكذا؛ هل تغيرت نظرتك لي بعدما أفضيت اليكِ بما كان من قبل؛ هل تخشين الارتباط بشخص ماضيه ملوث كحالي؟ 


باغتها بقوله وعجزت عن الرد؛ لقد تأثرت بالفعل وازداد خوفها من ارتباطهما؛ من الممكن ان يشعر بالحنين الي عهده السابق؛ يشتاق الي الفاتنات من مجتمعه ويزهد قربها ووقتها لن تحتمل سيتحطم فؤادها دون رحمة. 

حاول يامن الصبر قدر استطاعته؛ يلتمس لها أعذارًا فيما يجول بخاطرها إلى أن تحدثت قمر بتيه قائلة :


انت لا تدرك ما أحيا به من صراع شرس يكاد يزهق أنفاسي؛ انت لي كحلم محال أن يتحقق وها انت جالس أمامي تسعى بكل جدية إلى الزواج بي، بفتاة مشوهة خارجها وداخلها مشوه بصورة لا يمكن وصفها ؛ أتعلم ما أعانيه يا يامن أتدري كم الهموم التي تعايشت معها سابقاً؛ لكم تمنيت الموت سابقاً من نظرات كانت تجلدني بلا هوادة؛ نظرة واحدة من شخص يطالعني بنفور كانت أقوى من ألف سيف بتار نصله مميت. 


أتطلب الى فتاة كان أقصى طموحها في الحياة أن تختفي؛ عندما كنت أسأل نفسي سابقاً عما اتمناه كنت اجيب بلا تردد أنني اريد تلك القبعة السحرية "طاقية الإخفاء" ارتديها فلا يشعر بي أحد؛ وفجأة دون سابق انذار التقي بك؛ شاب وسامته مهلكة كالقرب منه تماماً؛ أقع في حبه رغماً عني فيعاندني حظي التعس ويبادلني تلك المشاعر الهوجاء؛ مشاعري تجاهك ليست من حقي؛ أنا أصابني الطمع وتمنيت ما لا يليق بي. 


تركها تبكي كما تشاء الى أن هدأت قليلاً ليتحدث بصوت متعب قائلاً:


أنا وانتِ لن نبتعد ياقمر؛ لقد حاولت مراراً ويرجعني اليكِ قلبي؛ أنا داخلي مشوه الى حد قد يدفعك الى الهرب دون الالتفات وراءك مرة أخرى أتدرين لمَ؟ 


لأن تشوهي كان من صنع يدي؛ اما انت فما حدث معك ما هو الا ابتلاء واختبار من الله.. عليك بمساعدتي علي تخطى ذاك الماضي؛ ها أنا ألقي بعمري بأكمله بين يديك فلا تبتعدي.


 هيا بنا أولاً فهناك الكثير بيننا يجب أن يقال ولكن لا يجوز قبل عقد القران..


طالعته بدهشة ليهمس اليها بمشاكسة:


لا داعِ لأفكارك المنحرفة تلك؛ انا رجل مهذب للغاية ولم أقصد ما جال بخاطرك


تبدلت نظراتها الى شراسة استحسنها يامن ليجذب يدها قائلاً:


أخبرتك أن المأذون والشهود على عجل من أمرهم؛ دعينا ننهي الأمر أولاً يا قمر يامن...ثم افعلِ ماتشائين بي

تابعووووووني 



الفصل الخامس والعشرين حتى الفصل الثلاثون والاخير من هنا




تعليقات

التنقل السريع
    close