أخر الاخبار

رواية جبل النار الفصل الاول حتى الفصل الثاني عشر الكاتبه رانيا الخولي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية جبل النار  الفصل الاول حتى الفصل الثاني عشر  الكاتبه رانيا الخولي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 

رواية جبل النار  الفصل الاول حتى الفصل الثاني عشر  الكاتبه رانيا الخولي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

…….

ترجل الدرج حافي القدمين يتحسسه قبل نزول كل درجة منه ويحسب مسافاته بدقة ويعد كل درجة حتى انتهت المعاناة عند الأخيرة وحينها أخذ بصعوبة يتحسس الطريق بقدمه لكن تلك المرة بمساعدة عصاه حتى يعتاد عليه

لم يتذكر المكان جيدًا فقد مرت أعوام لم يأتي فيها إليه.


الظلام دامس من حوله لكنه اعتاد عليه أو هكذا يتظاهر كي لا يؤلم عمه

ظل يتخبط في الأشياء الموجودة في المنزل ومنه يستكشفها كي لا ينصدم بها مرة أخرى حتى استطاع الوصول إلى الشرفة.

قام بفتحها فتلفح وجهه نسمات الليل الآتية من البحر الهادئ على غير عادته.

فهو لا يحبه هادئًا مستسلمًا بل يعشقه ثائرًا هادرًا فيجابهه هو بكل شجاعة.

سار إليه بأقدامه العارية متلذذًا بنعومة الرمال رغم سخونتها لكنه لم يبالي فقد حرم من رؤية الشمس لذلك يتلفح بدفئها 

توقف عن السير عندما بللت الموجة الرتيبة قدميه العارية وأخذ يتنفس بعمق ويملأ رئتيه برائحته الندية.

أعلنت ساعة يده عن العاشرة صباحًا وذلك الوقت الذي كان يستمتع به على الشاطئ قبل أن يفقد بصره.

اخرجه من شروده صوت عمه وهو يعاتبه

: داغر ايه بس اللي خرجك لوحدك؟

ابتسم داغر لعمه الذي لا يكف عن الإهتمام به منذ ما حدث وتمتم بروية: متخفش ياعمي انا فاكر المكان كويس وبعدين انت نسيت إني بقالي سنة بتدرب على التعامل مع الطريق حتى البحر.


تقدم منه عمه وقد أشار للعامل أن يأتي بمقعدين يجلسا عليهما وقال 

_ماشي ياسيدي خلينا بقا نقعد نستمتع  بالجو الجميل ده بدل ما انت واقف حافي كدة.


جاء العامل بالمقاعد وساعد خليل ابن أخيه على الجلوس ثم قال داغر للعامل: ياريت يا صالح تعملي فنجان قهوة 

استاء عمه من طلبه وتمتم بامتعاض: وبعدين معاك ياداغر مش الدكتور منعك منها؟

رد داغر بابتسامته الواهنة: معلش مرة واحدة في اليوم مش هتضر.

وافقه خليل على مضد ثم انصرف العامل وظل داغر يستمع إلى الاصوات من حوله 

فقد فقد بصره لكنه يرى بأذنيه ويتخيل كل ما حوله بالأصوات التي تترامى حوله 

زقزقت العصافير في ذلك الصباح  

وتلك النسائم الآتية من الشمال تتناغم مع رائحة يود البحر والتي تذكره بالماضي.


ذلك القبطان الذي كان يبحر في كل البحار أصبح الآن عاجزًا مستندًا على عصاه

ترى هل سيأتي اليوم الذي سيعود فيه ذلك القبطان قائدًا على مركبه؟

أم كتب عليه وعليه الرضا بما قسم له.


انتبه لانفاس عمه التي تدل على صعوبة تحكمه في دموعه حزنًا عليه ولا يعرف بأنه تعود على الحرمان من كل شيء 

تحسس بيده حتى وصلت إلى يد عمه وشدد عليه قائلًا: طول عمرك وانت الجبل اللي بسترد منه ثباتي، بلاش تيجي في أكتر وقت محتاج قوتك فيه وتضعف.

حاول خليل جعل صوته ثابتًا وغمغم بحزن

: أنا مضعفتش بس أول مرة أقف عاجز قدامك

طول عمري وأنا بحاول أعوضك عن كل شيء مفتقده، فيه اللي قدرت أعوضك وفي اللي فشلت بس صدقني….

قاطعه داغر بصدق: انت عمرك مافشلت بالعكس لولا وجودك في حياتي وطريقي اللي رسمته معاك كان زماني مدمن مخدرات ولا واحد فاشل مستني قرشين أبوه يبعتهمله كل شهر وخلاص بس انت فضلت جانبي لاحد ما كبرت وبقيت راجل وحققتلي كل أحلامي بدعمك ليا، عشان كدة عايزك تكمل جميلك للآخر.

ربت بيده الأخرى على يد ابن أخيه وتمتم بحب: هفضل في ضهرك لآخر يوم في عمري.

ابتسم بامتنان لذلك الرجل الذي لم يتخلى عنه كما فعل والده وظل بجواره حتى تلك المحنة.


أراد التطرق في موضوع آخر وقال بثبوت

_بس أنت شايف إن أجازتك طولت أوي ولازم ترجع شغلك يا سيادة المستشار.

تنهد خليل بتعب وقال: والله ياابني انا بفكر أقدم استقالتي وأكتفي بالهدوء اللي أنا عايشه دلوقت.

علم داغر بأنه يود ترك عمله كي يبقى بجواره لذا تحدث برتابة

: بس ياعمي دي رسالة ولازم حضرتك تقدمها للآخر.


فكر خليل في العودة حقًا لعمله لكنه أيضًا لن يستطيع تركه وحيدًا حتى لدقائق معدودة 

فمنذ ذلك الحادث وهو لا يتركه لحظة واحدة  ويخشى أيضًا أن يشعره بأن إعاقته سببت مشكلة له لذا تحدث بجدية: صدقني من وقت ماعرفت إن سالم أخد إعدام وأنا قررت إني اتنازل عن المنصب ده.

ساد الصمت بينهم وكل واحد بهم يحمل نفسه ذنب ذلك الشاب الذي اتهم زورًا واستطاع الجاني تضليل العدالة والفرار منها متخذًا من شاب لم يتعدى عمره الثلاثون عامًا درعًا له

فلولا أن اضطر خليل لترك القضية اثناء الحادث لما حدث ذلك.

فقال داغر بإصرار

_يبقى الافضل إنك ترجع عشان اللي حصل ده ميتكررش تاني، أرجوك ياعمي بلاش تحسسني إني بقيت عقبة في حياتك عايز كل حاجة ترجع لطبيعتها.

تنهد خليل بيأس منه وقال باستسلام 

_ماشي ياسيدي بس عندي شرط.

………….


وقفت تنظر إلى تلك الأمواج التي تتلاطم على الشاطئ في شرود وذكريات الماضي لا ترحم ذلك القلب الذي لاقى من الدنيا أشد العذاب

وكلما تقدمت خطوة  للأمام اعادتها الدنيا خطوات للوراء كي تكسر شوكتها

لكن روح العناد ظلت تعافر ولم تستسلم مطلقًا

ليس قبل أن تنتقم ممن أذوها ودمروا كل شيء بداخلها 

فيشتعل لهيب الانتقام كلما تذكرت ما فعله ذلك الخائن بها

لن ترحم ولن ترأف به كما لم يرأف بها من قبل 

عليه أن يركع تحت أقدامها يطلب منها الصفح ويتوسلها كما توسلت هي قبله

وحينها فقط ستهدئ تلك النيران التي أشتعلت منذ عامين ولم تهدئ حتى الآن 

فكلما فكرت أن تطوي صفحة الماضي وتبدأ صفحة أخرى بيضاء تسطر بحروف من نور 

لكن هيهات فكلما أمسكت قلمها لتكتب ينكسر ومضى عامين لم تستطيع ملئ تلك الصفحات


_ ما..ما.

استدرات أسيل لتنظر إلى ذلك الصوت الذي يخطوا اولى خطواته فاردًا يديه الصغيرتين بسعادة لا توصف يسقط وينهض بإصرار وهي تقف تراقبه بابتسامة خاصتها له وحده 

حتى وصل إليها أخيرًا 

فتحت ذراعيها له فيقترب منها ذلك الصغير ويلقي بنفسه داخل أحضانها الساجية فينثر بضحكته السعادة داخل قلبها ممحيًا بها مرارة الألم.

هو وحده من يستطيع انتشالها من قسوة الذكريات بضحكاته التي تجعل قلبها يرفرف بسعادة كبيرة.

جاءت امرأة كبيرة في السن تسير بصعوبة وتقول بتعب

_ وبعدين في ابنك ده انا خلاص كبرت ومش قادرة اجري وراه.

ضحكت حور وهي تنظر لطفلها وقالت بسعادة

_ إيه يا ديدو مزعل تيتا ليه؟ وايه اللي مصحيك بدري كدة؟

اخفى الطفل وجهه في ثنايا عنقها فقالت تلك السيدة

_ صاحي بقاله ساعة ومطلع عيني من وقتها شكله هيكون متعب زي خاله.

لم تنتبه أمينة لكلماتها والتي جعلت حور تتذكر ما حاولت جاهدة نسيانه.

ابتسمت كي لا تلاحظ أمينة شيء وقالت 

_طيب تعالي ندخل جوه عشان الجو برد هنا.


عادت للداخل مع أمينة وهي تحاول جاهدة عدم التفكير في عائلتها 

تطلعت إليها وقالت: معلش يادادا خديه لحد ما اخد شور وانزل اجهز الفطار.

حملت الطفل عنها وقالت بتعاطف: اطلعي يابنتي ارتاحي انتي واقفة على رجلك طول الليل وأمبارح منمتيش كويس.

: لأ انا نمت في المستشفى لأن مكنش فيه حالات كتير.

صعدت غرفتها وخلعت حذاءها في منتصف الغرفة بإهمال ودلفت المرحاض لتقف أسفل المياه الباردة ربما تهدئ نيرانها

لكن نيرانها لا يمكن لشيء أن يخمدها إلا بالانتقام ممن آذوها وبالأخص هو

لن ترأف ولن ترحم حتى لو وصلت إلى قتـ.ـله، كما فعل بها من قبل 

مازالت تلك الليلة عالقة في مخيلتها ولم يمحيها الدهر.

خرجت من المرحاض ووقفت أمام المرآة تمشط خصلاتها فجالت إليها بعض الذكريات التي خدعت بها عندما كان يتغنى بلونه البني وخدعت هي بكلماته المعسولة.

تساقطت دموعها وهي تتذكر كيف كان يستجدي نظرة واحدة منها 

كيف كان يستجدي قلبها حتى خضع له

كل ذلك كان محض اكاذيب ووقعت هي في شركه

فاقت من مشاعرها الوردية على حقيقته التي دمرتها وقضت عليها 

أخذت تغسل في جسدها كأنها بتلك الطريقة تمحي آثاره علها لكن لا فائدة

مازالت تشعر بلمساته القاسية وأنفاسه التي كانت تقذف حممًا تحرقها بلهيبها

تذكرت حينما استطاعت الافلات من بين يديه والهرب منه لكن ما أن وصلت لباب الغرفة حتى استطاع الوصول إليها وجذبها من خصلاتها

كان أقوى منها وهي ببنيتها الضعيفة لم تستطيع مجابهته

ترجته استعطفته لكن ذلك الذئب الغادر صم أذنيه عن رجاءها واستحل ما ليس له

لم يرأف بها ولا بأنها مرتها الأولى فأخذها بعنف شديد ولم يتعاطف مع صرخاتها

حتى فقدت الوعي

سقطت على الأرضية لتبكي بألم يمزق القلوب واحتوت جسدها العاري بيدها كأنها تحميه وكأن أيضًا المشهد يعاد بقسوته مرة أخرى.

تذكرت عندما عادت لوعيها ووجدت نفسها وحيدة داخل الغرفة وهي ملقاه على الفراش الذي أكد بأنها فقدت اعز ما تملك وانتهى الأمر

بيد مرتعشة سحبت ملابسها الممزقة وارتدتها لكنها سترتها كانت ممزقة بشكل كامل فلم تخفي شيء 

وجدت قميصه ملقي على الأرض بجوار الفراش فلم تجد حل آخر سوى ارتداءه وبعدها سترتديه يومًا في عزاءه.

كان كبيرً فضفاضًا عليها لكن في تلك اللحظة لم تبالي بشيء

خرجت من الغرفة ولم تبالي بهيئتها ولا لآثار الصفعات الحادة على وجهها.

كل ما يهمها هو الهرب من ذلك المكان.


سمعت طرق على الباب وصوت أمينة تناديها بقلق

_حور انتي كويسة؟

اغمضت عينيها وأخذت نفس عميق تطرد به تلك الذكريات الأليمة ثم تمتمت بصوت مهزوز

_ا..اااه متقلقيش انا خارجة حالًا.

أخذت نفس عميق مرات متتالية كما اخبرها الطبيب عندما تداهمها الذكريات ثم نهضت لتلف جسدها بالمنشفة ثم خرجت من المرحاض


مرت أمام المرآة فتنتبه لأول مرة أنها تغيرت كثيرًا

حتى ملامحها أصبحت ذابلة 

وضعت يدها على تلك الندبة التي احتلت جانب عنقها وظلت متمسكة به رغم مرور عامان وأكثر 

وضعت يدها تتحسسها وجالت بخاطرها الذكريات عندما عادت إلى المنزل في ذلك الوقت المتأخر

كانت تجر قدميها وتدلف من الباب الخلفي كي لا يراها أحد

لكن كانت مدبرة المنزل ومربيتها قد جافها النوم من القلق عليها وجلست في الحديقة تنتظر عودتها بعد أن فشلت بالاتصال بها.

صكت على صدرها عندما وجدتها تدلف عليها بتلك الحالة 

أسرعت إليها عندما سقطت أسيل على ركبتيها وجثت امامها تسألها بفزع

_ ايه اللي عمل فيكي كدة؟

تجمعت العبرات داخل عينيها وتمتمت بصوت مهزوز

_دبحني يادادة.

اتسعت عين أمينة بصدمة وتطلعت إلى آثار عنفه عليها فعلمت بأن ذلك الرجل قام بالغدر بها 

أمسكت ذراعها تساعدها على النهوض وقالت بوجل

_طيب تعالي نطلع اوضتك قبل ما حد يشوفك.

كانت مسلوبة الإرادة واستسلمت ليديها التي تساعدها على النهوض وهمت بالتحرك لكن توقفت أقدامهم عن الحركة عندما رأته أمامها 


أغمضت عينيها تحاول محو ذلك الماضي من رأسها لكن يبدو انه سيلاحقها طوال عمرها


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في اليوم التالي


ترجل داغر الدرج وقد بدا يعتاد المكان بعد غياب استمر عامين

أخذ يتحسس الطريق حتى وصل لغرفة الطعام حيث ينتظره عمه تقدم من الطاولة وهو يقول

_صباح الخير يا عمي.

ترك عمه الهاتف من يده ورد بحب

_صباح النور، ها نمت كويس؟

جلس داغر على المقعد ورد بعدم اكتراث 

_عادي مفيش فرق، المهم هتنزل القاهرة النهاردة؟

شرع خليل في تناول افطاره وأجاب باقتضاب

_لأ.

_ليه؟

_لأنك ببساطة مردتش عليا.

جعد وجهه باستياء لأصرار عمه على ذلك الطلب وقال بامتعاض

_ ياعمي انا مش عارف انت ليه مصر على الطلب ده، هما هيكونوا تلات أيام بس في الأسبوع وهترجع تاني، بلاش تحسسني إني عيل صغير مش هعرف افضل لوحدي.

_لا ياابني الموضوع مش كدة بس كل الحكاية….

قاطعه داغر بتصميم 

_لازم ترجع شغلك لأن القضاء أكيد مفتقد انسان نزيه زيك، فبلاش قلقك الزيادة ده لأنه بيحسسني بالعجز.

 رد خليل بإصرار 

_قول اللي تقوله انا مصر ومش هغير رأيي.

تنهد داغر باستسلام 

_ماشي ياعمي اللي تشوفه، مع اني شايف إن سلوى قايمة بالدور وزيادة


_يا ابني سلوى كلها اسبوع وتسينا عشان هتسافر لجوزها ولازم يكون حد موجود معها 

الحاجة التانية انها تدربها عشان يبقى عندها دراية بكل حاجة.

رن هاتف داغر وكان المتصل والده

تحسس هاتفه وقام بكتم الصوت وتركه فقال خليل

_مش هترد عليه؟

رد داغر باقتضاب وهو يمسك الملعقة ويبدأ بتناول طعامه

_لأ 

_ليه بس دا مهما كان ابوك وعايز يطمن عليك.

تظاهر داغر بانشغاله بتماول الطعام ولم يرد على عمه 

لم يضغط عليه وتركه كي لا ينفعل وتتضرر حالته أكثر من ذلك

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تطلعت حور إلى طفلها الذي يتناول طعامه ويرفض مساعدتها

ذلك العنيد الذي يزداد الشبه بينه وبين أبيه كلما كبر.

عينيه الرمادية بحدتها، وخصلاته القاتمة كقتامة قلبه الغادر.


يشبهه في كل شيء حتى طباعه لكنها لن تقبل بأن تكون هناك نسخة أخرى لذلك القاسي

تذكرت عندما علمت بحملها

كانت صدمتها قاسية وقد كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير

تذكرت عندما ترجت الطبيب أن ينزله لكنه أبى ذلك وأقنعها على أن تتركه ربما يكون هو سندها الوحيد بعد أن تخلى عنها الجميع.


أخذت نفس عميق تحاول به تهدئة تلك النيران التي تشتعل بداخلها للذكرى

مسحت دموعها عندما طرق باب المنزل ونهضت لتفتح فلم يكن سوى حازم الذي جاء ليطمئن عليهم.


_صباح الخير، عديت عليكي عشان أخدك في طريقي بس قالولي انك روحتي.


ابتسمت حور له بود وتنحت عن الباب كي تسمح له بالمرور وهي تقول

_صباح النور معلش يادكتور خلصت بدري قلت أروح عشان إياد.

دلف حازم الذي ما أن رأه إياد حتى أسرع إليه وهو يتمتم 

_بـا…بـا.

حمله حازم وقد شعر بالسعادة من سماع تلك الكلمة منه والتي تجعل الأمل يزدهر بقلبه وتمتم مداعبًا

_أحلى صباح لأحلى ديدو في الدنيا.

لم يسر حور ما يحدث بل يزيد الكره بداخلها له لذا قررت قطع تلك اللحظة وقالت بثبوت

_ثواني هنادي على طنط.

تركته ودلفت إحدى الغرف وتركها تتهرب منه كعادته بها، فلا يريد الضغط عليها كي لا تنفر منه ربما يلين قلبها يومًا من الأيام وتشعر به.

أما هي فدلفت غرفة أمينة فتجدها مستلقية على الفراش شعرت بالقلق عليها فجلست على الفراش بجوارها وسألتها

_رقدة ليه ياطنط انتي كويسة؟

ردت أمينة بارهاق

_انا كويسة ياحبيبتي بس قلت انام شوية لأني منمتش طول الليل.

_ليه في حاجة قلقاكي؟

اخفت أمينة عليها تلك الكوابيس التي ترواضها منذ أيام كلما اغمضت عينيها وهي ترى حور تلقى في التهلكة وتستنجد بمن ينقذها فقالت بثبات مزيف

_عادي يابنتي بس انتي عارفة لما بتاخدي شيفت بالليل بقلق عليكي ومش برتاح إلا لما ترجعي.

ابتسمت حور بود لتلك المرأة وقالت بامتنان

_مش عارفة لولا وجودك في حياتي كنت عملت ايه.

ربتت امينة على يدها وقالت بحنان مفرط

_هو انا عملت ايه دا انتي بنتي اللي ربتها ومصدقت انها رجعت ليا تاني.

تذكرت حور امر حازم فقالت

_ينفع كدة نستيني إن حازم برة وعايز يشوفك.


_طيب خليه يدخل.

أومأت حور وخرجت إليه تدعوه للدخول

فأخذتها فرصة وأخذت طفلها ودلفت غرفتها.


غرفة العذاب كما تطلق عليها 

فكلما خلت بنفسها حتى تداهمها الذكريات التي لا تزال عالقة بذهنها

تخطط وتستعد للأنتقام منه لكن هناك من يجعلها تتراجع

وهو ذلك الطفل الذي يحكم قبضته عليها كلما حاولت الوصول لمبتغاها.

لكن قريباً سيأتي ذلك اليوم وتنتقم ممن أذوها وهو أولهم 

ظلت تلاعب طفلها م

في غرفة أمينة

جلس بجوار والدته يقبل يدها وقال بحب 

_عاملة ايه ياست الكل؟

ابتسمت له وقالت بحب

_بخير ياحبيبي الحمد لله انت اخبارك ايه وهايدي والولاد؟

_كلهم كويسين وبيسلموا عليكي، حتى هايدي اصرت أننا نعزمكم على الغدا بكرة وتقضوا اليوم معانا.

ترددت والدته بالقبول وقالت 

_كان نفسي ياابني والله بس انت عارف ظروف حور…

قاطعها حازم  بإصرار

_متقلقيش أنا مأمن كل حاجة وهاجي أنا وهايدي ناخدكم بالعربية ومحدش هياخد باله من اياد.

_حاضر هحاول أقنعها وإن رفضت مش هقدر أسيبها هي وإياد لوحدهم انت عارف ظروفها.

اومأ لها بتفاهم رغم امتعاضه ثم أخذ يتحدث معها في بعض الأمور ومن ثم انصرف.


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الثاني 

………………


أخذته قدماه إلى الشرفة عندما استمع لصوت أحد السفن التي تشق الأمواج متجهة إلى وجهتها

عادت إليه الذكريات بحلوها وهو يتولى قيادتها يصارع الأمواج وتصارعه

فمنذ نعومة أظافره وهو يعشق البحر ورائحته التي تنثر الطمأنينة في قلبه وعقله

أقسم منذ صغره أن يجوب العالم ببحاره وأنهاره وحتى المحيط

كانت ملامحه تستاء عندما ترسوا قدماه على اليابسة وكأن روحه تكاد تفارق جسده لذا كان يرفض الأجازات التي تسمح له ويفضل العودة للبحار

لولا عمه الذي يشتاق إليه ما فكر يومًا بالعيش خارج المياه.

حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه من ينافس البحار في قلبه.

يتذكر ذلك اليوم جيدًا عندما وجدها تقف مستنده بمرفقيها على السياج تتلاعب الرياح الهادئة بخصلاتها فتثور مشكلة هالة من الجمال حول وجهها.

لا يعرف لما ساقته قدماه إليها ووقف بالقرب منها يتطلع إليها بجانب عينيه

كانت تنظر للأجواء من حولها وطيور النورس التي ترفرف بالأعلى تبحث عن صيدها بأصوات متناغمة بانبهار فجعلت ثباته يتلاشى وتقدم منها أكثر متمتمًا بهدوء

_عجبك المنظر؟

تطلعت إليه بانبهار لزي القبطان الذي يرتديه وردت بخجل

_أمم.

تطلع داغر أمامه وتحدث بشغف

_الحياة في البحر حاجة تانية سواء بهدوءه أو عنفه، بيخلي الأنسان يحس انه ملك العالم كله

وخاصة بقا لو في مغامرة من مغامراته.


لعب على عنصر التشويق داخلها مما جعلها تسأله بلهفة

_مغامرات؟

اومأ بسعادة لأنه استطاع لفت انتباهها اكثر وقال

_بس المغامرات مش بتكون بسفن زي دي، بتبقى كدة بيخت او مركب وتواجهي بقا الثوران ده في يوم يكون فيه عاصفة.

لمعت عينيها وسألته

_على كدة جربتها؟

_كتييير.

_هنا في مصر؟

هز رأسه بنفي وتحدث برتابة 

_لأ نادرًا اوي لما تلاقي الأجواء دي في مصر، بس أنا خضتها في المحيط أكتر من مرة.

لاح الاستياء على ملامحها مما جعله يسألها

_انتي عايشة فين؟

تحول الاستياء إلى حزن وتطلعت إلى الأفق البعيد أمامها متمتمة بخفوت لم يسمعه

_في الجحيم.

_نعم؟

انتبهت لما تفوهت به ثم عدلت قائلة

_في القاهرة.

رغم امتعاضه أنه لن يراها مرة أخرى لكنه سألها 

_مش ناوية تسافري تاني؟

حاولت الابتسام فخرجت باهتة وتمتمت بخفوت 

_لأ.

شعر بالاستياء لعدم خوض تلك التجربة معها إلا إن ذلك الشعور تبدل عندما تذكر بأن عليه الذهاب للقاهرة بسبب انشغال عمه الذي طلب منه الذهاب إلى القاهرة

تطلع إليها ليلاحظ نظراتها الحزينة

فشعر بأن تلك الفتاة خلفها قصة عويصة وذلك جعل روح المغامرة بداخله تتمسك بها فعاد يسألها

_ولا حتى سفرية صغيرة.

هزت راسها بنفي لكنه لم ييأس وقال بثقة

_انا واثق انها هتتكرر ووقتها هخليكي تعيشيها.

تطلعت للمياه التي تتماوج بسبب انشقاق السفينة لها وقالت بشرود

_بس انا بسمع إن البحر غدار.

تأكد حسه لذا رد عليها بحكمة تعلمها من تجاربه

_البحر عمره ما كان غدار لأن دي طبيعته واحنا اللي بنتعدى عليها يعني الغلط بيكون مننا مش منه.


قطع سحر اللحظة صوت أحد العاملين على السفينة وهو يناديه

_كابتن داغر محتاجينك في غرفة القيادة تحت.

أومأ داغر وتطلع إليها باعتذار

_كان نفسي نكمل كلامنا بس اكيد في حاجة مهمة، بس لو عايزة تعرفي أكتر عن البحر استنيني هنا الساعة عشرة بالليل.

اومأت رغم رفضها واستئذن منها ذاهبًا إليهم أما هي فقد اخذت تستمع لطيور النورس التي تشدوا بأجمل الألحان في سكون تام.


في المساء 

أخذ ينظر في ساعته كل برهة حتى شعر بأن الوقت ثابت لا يتحرك

تطلع من نافذة السفينة ينظر إلى المياه التي تتلاطم بالسفينة فلم يعد يستطيع الانتظار اكثر من ذلك.

خرج من غرفة القيادة والتي تولاها مساعده وصعد على سطحها يبحث عنها بعيناه

لم يحين موعدهم بعد لكنه فضل ان ينتظرها في ذلك المكان 

مر الوقت وجاءت العاشرة لكنها لم تأتي 

انتظر وانتظر حتى فقد الأمل في مجيئها.

اندهش من نفسه

لما يريد رؤيتها بذلك الإلحاح

هو لم يراها سوى تلك المرة ولا يعرف حتى اسمها

منذ متى وهو بتلك السطحية حتى يتعلق بفتاة عابرة

هل لأنها جميلة؟

لكنه رآى من هم أجمل بكثير

ربما لانها تشاركه هوايته؟

لكن ايضًا ما أن يصعد لسطح السفينة حتى تهفوا إليه الفتيات واللاتي يحاولن جذب انتباهه بالحديث عن البحر

وكان البعض يلقبه بالسندباد ويسمع حديثهم وهم مبهورين به وبوسامته

إلا تلك الفتاة التي لم يجذب انتباهها إلا بالحديث عن البحر ومغامراته

حتى انها لم تنظر إليه إلا نظرات عابرة عندما تحدثه او تسأله عن شيء 

أراد ان يمحوها من تفكيره وقرر الصعود لأعلى السفينة حيث يجلس الجميع وهم بالصعود على الدرج لكنه توقف عندما وجدها تستند على السياج تنظر إلى البحر بشرود.

شعر بأنها تفضل الوحدة لذا احترم رغبتها ولم يتطفل عليها وصعد إلى الأعلى 

وبدأت النظرات تهفوا إليه لكن نظراته هو تعلقت بها وهو ينظر إليها من الأعلى 

تجمعت الفتيات بالقرب منه يحاولن جذب انتباهه لكنه لم يبالي سوى بمن خطفت بصره وجعلته لا يرى سواها

رفع الكاب ووضعه جانبًا وأخذ يتطلع إليها بتفحص.

جميلة حقًا بملامحها الهادئة وجسدها الممشوق، مجرد النظر إليها يجعل من يراها يشعر بالرضا 

ودون ارادته وجد قدمه تسوقه إليها ونزل للأسفل ليصابوا من حاولوا رمي شباكهم عليه بالاحباط

تقدم منها ليقف بجوارها متطلعًا إلى المياه امامه وتمتم بعتاب مرح دون النظر إليها 

_أنا قلت هلاقيكي مستنياني بس انا اللي استنيتك كتير.

تطلعت إليه بابتسامة باهتة وتمتمت بتمهل

_أنا قلت اكيد مشغول وبلاش اعطلك.

نظر إليها مبتسمًا 

_بس انا في الوقت ده بكون فاضي وعشان كدة قولتلك عليه.

عادت تنظر إلى البحر وتمتمت بروية

_بيت جدي على البحر في إيطاليا، كان بيحب البحر أوي أوي، بس مكنش بيقرب منه لأن أخد منه مراته اللي هي تيتا.

لمعت السعادة بعينيها وهي تردف

_تخيل أنه رفض يتجوز بعدها؟ وعايش حياته كلها على ذكراها؟

تمتم داغر بينه وبين نفسه

_الإيطالي عادي عنده بيقضيها وخلاص.

سألته بحيرة

_بتقول حاجة؟

حمحم بإحراج 

_لا انا بس بقول انه شخص وفي جدًا.

_دي حقيقة، تخيل أنه رفض ينزل البحر من وقتها؟ كان بيكتفي أنه يبصله بس.

_بس انا ملاحظ انك بتتكلمي مصري كويس مع انك عايشة في إيطاليا.

عاد الحزن يغزو عينيها وتمتمت بصوت حزين

_انا ماما إيطاليه إطلقت من بابا بعد عشر سنين، معرفتش تتأقلم على الحياة في مصر وعشان كدة طلبت الطلاق بابا اخدني وعشت في مصر لحد ما ماما تعبت من سنتين وطلبت وجودي جنبها وقضيت سنتين الجامعة الباقيين هناك

ازداد الحزن بداخلها وهي تتابع

_بس خلاص ماتت وبابا أمرني إني أرجع مصر، بعيد عن كل حاجة بحبها.


تأثر داغر بحديثها لكنه لم يبين ذلك وقال بمرح اراد به بث السرور بداخلها

_طيب ايه رأيك باللي يعوضك عن الحرمان ده؟

قطبت جبينها متسائلة فأجابها

_السفينة هتفضل في البحر أربع أيام وأنا بقا هعيشك أجواء البحر بكل ما فيها.


عودة للحاضر.

عاد لواقعه الأليم وعينيه الحادة ثابتة لكنها تغلي كبركان ثائر من تلك الغادرة التي تخلت عنه تلك الليلة.

عامان مضوا ولم يعرف عنها شيئًا سوى طعنة قا.تلة أصابت قلبه الخائن والذي نبض فقط لأجلها.

لكن سيأتي اليوم الذي سيقابلها به وسيكون انتقامه أشد قسوة من الموت.

لكن كيف ذلك وقد أصبح عاجزًا لا يقوى حتى على السير دون مساعد

أغمض عينيه بشدة يريد أن يدمر كل ما حوله كي ينفث عن غضبه لكن حتى تلك لا يستطيع فعلها

ضغط بقبضته على ستائر النافذة حتى ابيضت مفاصله

لما حكم عليه القدر ان يعيش ذلك العذاب وكأن الدنيا لم تجد غيره لتقسو عليه بتلك الحدة

خرج من الغرفة ومن المنزل بأكمله وسار بخطوات رتيبة حتى وصل للمر المؤدي ليخته

يتوقى للأبحار به ويسقط المرسى في وسط البحر كما كان يفعل ويغوص ويتعمق بداخله.

ابتسامة محملة بالمرارة غزت فمه عندما سمع تلاطم المياه به

وتساءل

هل باستطاعته يومًا فعلها؟

وإن لم يرد إليه بصره كيف باستطاعته العيش هكذا؟

فقد مر عامان ولم يستطيع تقبل الأمر مطلقًا

فماذا إن طال الحال به أكثر من ذلك

أسئلة كثيرة لكن لا يعرف لها إجابة


 ❈-❈-❈


جلست تنتظر عودته في سكون تام رغم عقلها الذي يطلب منها الإعتراض على ذلك الظلم التي تراه على يده

لكن ماذا تفعل في قلبها الذي يرفض دائمًا ويواصل عصيانه.

ذلك القلب الأهوج الذي يتعلق به حد الجنون وهو عاشقًا لأخرى

ترى ذلك الكم الهائل من المشاعر التي يغدقها بها وتقف هي تشاهد في صمت متعللة بأن الأخرى لا تبالي بمشاعره.

تنتظر من اجل أن تحافظ على ما تبقى لها منه على أمل ان يشعر بغلطته ويعرف أن لا احد في تلك الدنيا يعشقه مثلها 

تتساءل لما لا يشعر بها؟

لما لا يرى حبها له؟

ماذا تفعل اكثر من ذلك كي تكسب وده؟

تعبت حقًا لكنها لن تيأس وستظل تتظاهر بالجهل حتى يأتي ذلك اليوم الذي يأتي إليها فارغ القلب لتملؤه بعشقها وولعها به.

لكن متى؟

مسحت دموعها بظهر يدها عندما انفتح الباب ودلف حازم مغلقًا الباب خلفه.

وضع المفتاح بأهمال على الطاولة وجلس على الأريكة بإرهاق قائلاً 

_صباح الخير ياحبيبتي.

استطاعت ببراعة تخفي آلامها وردت بابتسامة 

_صباح النور ياحبيبي، ثواني هجهز السفرة ونفطر مع بعض.

تطلع بساعته فوجدها قد تعدت الثانية عشر فسألها بدهشة

_معقول لسة مأكلتيش؟ أحنا بقينا الضهر.

هزت كتفيها بعدم اهتمام

_عادي ياحبيبي انت عارف إني مش بعرف أكل من غيرك

نهضت لتدلف المطبخ وتلفت هو خلفه ليسألها

_أومال فين الولاد؟

اجابت وهي تحمل الأطباق لتضعها على السفرة

_عند ماما قلت بما إننا أجازة النهاردة وبكرة من المستشفي نقضي اليوم لوحدنا وبكرة هجبهم عشان يقضوا اليوم مع طنط وحور.

_طيب هدخل آخد شاور لحد ما تجهزي السفرة.


دلف حازم الغرفة اما هي فقد رتبت السفرة بعناية فائقة ووضعت في منتصفها باقة من الورود التي يحبها وكل الأصناف التي يفضلها 

انتهت من تجهيزها وقد انتهى من اخذ حمامه وخرج إليها بمنامة قطنية فتقدم منها ليضع قبلة عابرة على وجنتها ثم جلس على مقعده.

جلست هي بدورها وهي تقول بابتسامة 

_عملتلك كل الأصناف اللي بتحبها يارب بقا تعجبك.

ابتسم بمجاملة لها وتمتم بصدق

_بس انتي واثقة كويس إن كل حاجة بتعمليها بتعجبني.

أخذ يدها ليقبلها ثم يعود الجمود لملامحه وقال بثبوت وهو يبدأ تناول طعامه

_انا كلمت ماما تيجي تقضي اليوم معانا بس قالت احتمال متقدرش عشان حور عندها شيفت بالليل ومش هتقدر تيجي معها.

شرعت هايدي في تناول طعامها وقالت متظاهرة بالثبات

_أنا مش عارفة ليه حور بترفض الخروج من البيت مع إنها شغالة ممرضة في المستشفى.

تهرب من سؤالها وقال بعدم اكتراث

_دي طبيعتها ومش عايزة تغيرها.

علمت أنه مثل كل مرة يغلق الحديث عنها قبل ان تفتحه، احترمت رغبته ورفضت التحدث عنها وظلوا على صمتهم حتى انتهوا..


نهض ليغسل يده وهي اخذت الاطباق للمطبخ وأعادت كل شيء لوضعه ثم قامت بتحضير قهوته وتقديمها له ثم دلفت غرفتها وبدلت ملابسها بملابس رقيقة كرقتها ثم أسدلت شعرها بحرية متعطرة بذلك العطر الذي يفضله دائمًا 

وضعت أحمر شفاه جعلها تبدو بفتنة تسلب الأنفاس وكان ثوبها طويل بفتحة جانبية تصل لأعلى ركبتها عاري الأكتاف

دلف حازم الغرفة فتسقط عيناه على تلك الفاتنة وتقابلت أعيونهم في المرآة محركة  مشاعره بهيئتها.

ابتسم برضا لها فهي تعرف جيدًا كيف تسعده وكيف تلبي احتياجاته كرجل لكن ذلك القلب الأحمق لم يستطيع النبض لها

بخطوات بطيئة تقدمت منه وكأنها تتلاعب على أوتاره حتى وقفت على قدمية العارية وقربت وجهها من وجهه متمتمة بخفوت بين شفتيه

_وحشتني، بقالنا فترة بعاد عن بعض وقلت….

لم يتركها تكمل جملتها وقاطعها بأن وضع أصبعه على فمها وأخذت عينيه تجوب ملامحها ثم نزلت لعنقها الذي يغريه لطبع بصمته عليه

ولم يتواني لحظة واحدة مستجيبًا لتلك الدعوة فيميل على عنقها يقبله بنعومة قبل أن يتذوق شهده بقبلة متلهفة تاركًا بصمته عليها أما هي فاستسلمت ليديه التي حاوطتها لتقربها منه بقوة 

ترحب بتلك اللحظات التي تعيشها بين يديه ويتغزل بها بكل الكلمات التي يعرفها لكن يقتـ.ـلها بل يذبـ.ـحها عندما ينطق بأسم أخرى وهي التي باحضانه

كانت قبلاته متلهفة تطالب دائمًا بالمزيد ومن بين قبلاته ينطق اسمها.


تتقبلها وتتصنع عدم سماعها حتى تنتهي جولتهم ويستلقي بجوارها يضع رأسه على كتفها كطفل صغير يتشبث بمن يعيطه الحنان لكن عقله وقلبه مع أخرى.

لا تنكر أنه يغدقها بكرم حنانه ومشاعره بل وكل شيء لكن قلبه ليس لها 

لو فقط يعشقها مثل ما تعشقه لكانت أسعد امرأة بالوجود لكن ليس كل ما يطلبه المرء يدركه

اخذت تتلاعب بخصلاته وهي تنظر إليه بعتاب حتى غلبها النعاس ونامت بجواره.


في المساء 

كانت حور تعمل في قسم العناية المركزة عندما أخبرتها الممرضة بأن مدير المشفى يريدها في الطابق الثالث

ذهبت إليه وهي مندهشة من طلبه لها في ذلك الوقت واثناء مرورها في ممر المشفى وجدت والدها واقفًا أمام إحدى الغرف.

صعقت لرؤيته وعادت بظهرها للخلف وقد أخذت ضربات قلبها تهدر بعنف.

ما الذي جاء به إلى هنا؟

هل علم بوجودها؟

لكن كيف؟

القت نظره اخرى فوجدته مازال واقفًا ويبدو عليه القلق.

ماذا حدث؟

ولما جاء إلى الإسكندرية؟

هل يعلم الدكتور عاصم بوجوده؟

ولما لم يطلب منها توخي الحذر؟

كل تلك الأسئلة تدور بخلدها

عليها الهرب بأي طريقة 

فإذا رآها وعلم أنها مازالت على قيد الحياة فلن يرأف بها ولا بسليم

ظلت تدعوا ربها أن ينقذها من ذلك الموقف 

أخذ الدوار يقتحم رأسها لكنها قاومت ليس الآن فهي على وشك الوقوع في براثين والدها

حاولت تنظيم أنفاسها المتسارعة كي يخفف من حدة الدوار لكنه يشتد أكثر 

ألقت نظرة أخيرة عليه لكنها شهقت برعب عندما تقابلت نظراتهم

عادت مسرعة للوراء ودقات قلبها تهدر بقوة حتى جعلت جسدها يرتجف بشدة


لقد رآها، علم بوجودها، انتهى أمرها.

شعرت بأقدام تتقدم منها وعند تلك النقطة استسلمت لمصيرها

       

❈-❈-❈

_داغر

انتبه داغر لذلك الصوت والذي تعجب من سماعه

استدار مستعدًا لتلك المشاغبة والتي ستنتهي سكينته بوجودها

شعر بيديها تلفت حول عنقه تتعلق به بسعادة وهي تتمتم

_I miss you

ابتسم داغر وهو يتحسس وجهها بحب

_وانتي كمان، ليه مقولتيش كنت بعت حد يستناكي في المطار؟

ردت الفتاة بلهجة ركيكة 

_قلت اعملها مفاجأة، داد حاول يتصل بك كتير بس انت مش بترد

احتضنت ذراعه وتابعت بحب

_افتقدتك كتيير داغر، مقدرتش اقعد من غيرك.

ضحك داغر وسألها 

_هصدق مع انك رفضت تيجي تسلمي عليا قبل ما أمشي

قالت بدلال

_مش بحب الوداع وانت عارف كدة كويس وبعدين لو كنت قابلتك كنت هقع بلساني واقولك إني جاية وراك

جذبت يده وقالت

_تعالي ندخل جوه لأن عمو وحشني اوي

دلفت معه للداخل وقد استطاعت أن تخرجه من حالة اليأس التي تمكنت منه تلك الفترة.


دلفت للداخل فتجد خليل ينزل الدرج

اسرعت إليه تحتضنه بدوره وقالت بمرح

_ايه رأيك في المفاجأة دي؟

احتضنها خليل بحب وقال بابتسامة 

_مفاجأة جميلة طبعاً يا حبيبتي بس جيتي ازاي.

نزلت معه باقي الدرجات وهي تجيبه بحماس

_أنا طلبت من بابا إني ارجع معاكم وهو وافق صحيح ماما رفضت بس فضلت وراها لحد ما وافقت بس اوراقي طولت شوية وقلت اسافر وراكم

أحاطها داغر بذراعه ليقبل رأسها 

_ناوية تطولي ولا هترجعي على طول؟

_هرجع معاكم وقت العملية، بس في الإجازة هقضيها معاكم.

قال خليل

_طيب يلا غيري هدومك وتعالي نقعد مع بعض.

 ❈-❈-❈


وقفت حور ترتعد بخوف تنتظر نهايتها حتى تفاجئت بصوت يسألها

_حور ايه اللي موقفك كدة؟

انتفضت حور اثر ذلك الصوت فاطمئنت عندما وجدته الدكتور ثابت ازدردت جفاف حلقها وردت بتيهة

_لا أبدًا انا بس كنت دايخة شوية وقلت ارتاح شوية.

تطلعت إلى مكان والدها فوجدته

يدلف الغرفة التي كان واقفًا أمامها وحينها أخذتها فرصة وأسرعت بالهرب متجهة إلى المصعد كي تخرج من المشفى قبل ان يعثر عليها.

فتحت المصعد وضغطت على الزر مرات عديدة حتى أغلق ونزل بها للطابق السفلي فتضع يدها على قلبها تنظم انفاسها المتلاحقة 

حتى توقف المصعد وفتح الباب فتشهق بصدمة أكبر عندما وجدته أمامها…


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الثالث 

…………….


لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 


استدارت مسرعة عندما وجدت سليم يدلف المصعد وهو يتحدث في الهاتف 

صدمة أخرى وخطر آخر حاوطها 

وتلك المرة في الزاوية

أولته ظهرها كي لا يراها وقلبها تزداد وتيرته بعنف

هل هذه نهايتها؟

وإن رأوها ماذا سيكون مصير طفلها؟

مؤكد والدها لن يرحمه كما فعل معها


تظاهرت هي أيضًا بالعبث بهاتفها كي لا ينتبه إليها لكنها اندهشت عندما سمعته يقول لمن يحدثه

_متقلقيش البرج بيبقى عليه حراسة ٢٤ساعة مفيش داعي لخوفك واحتمال بكرة بالكتير هكون عندك.

_………

_ملقتش طيارة لأمريكا النهاردة غير بالليل وكمان الحجز خلص إن شاء الله هحاول  اكون عندك.

كانت واقفة منزوية في اكد الأركان تنتفض رعبًا


لم تستطيع الخروج من المصعد فما إن تستدير لتخرج ستتقابل وجوههم وحينها لن يردعه شيء عن قتلـ.ـها.


توجه المصعد للدور الثاني حيث ينتظر والدها وحتى الآن لم تعرف سبب وجودهم أخذت وتيرة دقاتها في ازدياد حتى خشيت أن يسمعها أخيها 

كانت يدها ترتعش بقوة مما جعل الهاتف يسقط منها فينتبه إليها باعدًا الهاتف عن أذنه ليسألها

_في حاجة يا آنسة؟

هزت راسها مسرعة ومالت على الهاتف تلتقطه في خوف

كان يتحدث مع فتاة لذا أخذت كل إحساسه فلم ينتبه لتلك التي ترتعد بخوف لو لاحظه لشك بها.

 

فتنفست الصعداء حينما توقف المصعد وخرج أخيها.

مما جعلها تسقط على الأرض عندما أغلق المصعد خلفه وضمت ساقيها لصدرها وقد عاد الخوف بأشده إليها 

عادت إليها تلك الذكرى تقتحم مخيلتها 

وهي بين يدي والدها يذيقها العذاب بيدين حادتين 

ورأسها الذي ضرب في الحائط مرات عديدة بلا شفقة أو رحمة مما سبب لها حالات إغماء مستمرة معها حتى الآن 

والكسور التي تعرضت لها وهو يضرب بلا هوادة فقط يضرب وصوته المرعب يدوي صداه في أذنها حتى الآن 

وضعت يدها على أذنها تكتم ذلك الصوت وهو يهدر بها بسخط

_فضحتيني وجبتيلي العار يافاجرة…….مين هو لخلص عليكي……..انتي لازم تموتي واتخلص من عارك………

وبعد كل ذلك تجثو على ركبتيها وهي مقيدة على شاطئ البحر تنظر للمياه التي تتلاطم عليه فتغمض عينيها بوداع أخير وقدم أخيها التي تهتز على ظهرها تستعد لقذفها.


أصوات تأتي من البعيد 

وأيدي تصفعها بروية تحسها على العودة لوعيها 

لكن لا لا تريد العودة لتلك الحياة الظالمة.

وخز بالإبر وأصوات لا تعرفها لكنها تأبى العودة تريد الرحيل لكن جالت بخاطرها صورة طفلها الذي لا يعرف سواها.

فقاومت وتحدت ذلك الظلام وفتحت عينيها تردد اسمه "إياد"


❈-❈-❈


استيقظ من نومه وهو يشعر بألم شديد في رأسه من تلك الكوابيس التي أصبحت ملازمة له.

نفس الحلم يتكرر معه 

مسح بيده على وجهه 

ثم مد يده يتحسس المنضدة بجواره حتى وصل لهاتفه 

جلس مستندًا بظهره على الوسادة وفتح هاتفه ببصمة الصوت طالبًا رقم عمه وعندما جاءه الرد 

_ايوة ياعمي صباح الخير 

رد عمه وهو بسيارته

_صباح النور يا داغر شكلك لسة قايم من النوم.

مسح داغر بكفه على وجهه وسأل 

_انت فين؟

_رايح يا سيدي المشوار اللي اتفقنا عليه امبارح ولا انت بتنسى؟

زفر داغر بحنق وتمتم مستسلمًا 

_ماشي ياعمي اللي تشوفه بس حاول متأخرش.

أغلق الهاتف وألقاه على الفراش بإهمال ثم فتح الدرج كي يخرج سجائرة التي اخفاها عن عمه كي لا يلقيها في القمامة كلما وقعت عيناه عليها.

أخذ واحدة وأشعلها ثم أخذ نفس عميق منها وزفر دخانها فتجول بخاطره ذكرى مشابهة

عندما تقابلوا مرة أخرى على سطح السفينة وعلى نفس السياج

وأثناء حديثهم جاء شخص ليشعل سيجارته بالقرب منها 

فأخذت تسعل بقوة

تطلع إليها بقلق يسألها

_انتي كويسة؟

اومأت له بضيق من ذلك الشخص 

_اه كويسة بس بتخنق من ريحة السجاير.

تطلع داغر إلى ذلك الرجل وقال بأمر

_ارمي السيجارة دي انت عارف إن ممنوع التدخين على السفينة.

رد الرجل بفتور وهو يكمل تدخينه

_انا بدخن على البحر وبرمي السيجارة فيه مش شايف أي مشكلة.

انفعل من رده وقال باحتدام

_لو مرمتش السيجارة دلوقت هخلي الأمن يدخلوك اوضتك بالإجبار.

تطلع إليهم الرجل بحنق ثم ألقى السيجارة وابتعد عنهم.

تطلع إليها وسألها باهتمام

_بقيتي أحسن؟

اومأت بامتنان 

_اه احسن.

_تحبي نقعد؟

هزت راسها بنفي وعادت تنظر للبحر

_لأ خلينا هنا.

تطلع إلى شعرها الذي قيدته بعصبة فلم يعد حرًا مسترسلًا حول وجهها كما رآه أول مرة 

وكم أراد في تلك اللحظة أن يجذبها ويحرر أسره كي يتناغم مع ذلك الهواء الطلق لكنه احجم رغبته كي لا يخيفها منه

_تعرفي اني لحد دلوقت معرفش اسمك؟

تهربت عينيها منه بخجل ثم تمتمت بخفوت 

_أسيل.

استعذب نطق اسمها عندما ردده بينه وبين نفسه ثم قال بثبوت

_جميل.


_كابتن داغر عايزينك ضروري.

اغمض داغر عينيه بضيق ثم نظر إليها باعتذار.

_أسف.

نظرت إليه بدهشة 

_على ايه ده شغلك.

قال باقتراح 

_طيب ايه رأيك نتعشى مع بعض النهاردة؟

ظهر الرفض واضحًا دون قوله لكنه لم يقبل و قال بإصرار

_وافقي ومش هتندمي المطعم اللي فوق بيبقى حكاية بالليل.

رغم أن عقلها رفض ذلك إلا أنها أحبت أن تودع حريتها على الباخرة قبل عودتها إلى المنزل

أومأت له بصمت مما جعله يقول بسعادة

_خلاص هستناكي في المطعم أوعي متجبش.


تركها ورحل دالفًا غرفة القيادة فوجد المساعد يقول بقلق

_جالنا بلاغ إن في عاصفة هتقوم الليلة وهنضطر نوقف الباخرة لحد ما تمر.

تطلع داغر إلى مؤشرات الرياح فلاحت ابتسامة على محياه ثم قال آمرًا

_خليهم ينزلوا المراسي.

اومأ له المساعد وتركه كي ينفذ مهمته

أما هو فقد أخذ يفكر في خوض مغامرة جديدة يشاركها لأول مرة مع أحد.

أعلن للركاب أن السفينة ستتوقف هذه الليلة بسبب هبوب رياح خفيفة.

مفيش داعي للقلق

العشاء هيكون في اوضكم وياريت محدش يخرج على السطح نهائي.


بدأ الجميع ينسحب بهدوء إلى غرفهم إلا منها

أرادت أن ترى تجمع السحب الهائل في ذلك الجو البارد

تشعر ببرودة شديدة لكنها رفضت ان تدلف غرفتها كي ترتدي معطف يحميها من البرودة شعرت بالخوف لربما أحد يمنعها من الخروج مرة أخرى.

أخذت تشاهد المنظر وقد بدأت الرياح تهب على سطح السفينة والبرودة تشتد أكثر حتى أنها أخذت تدلك ذراعيها كي تبث الدفئ بها

انتبهت فجأة لمن يقف خلفها ويضع معطفه على أكتافها ولم يكن سواه

التفتت إليه فوجدته يتطلع إليها بعينيه الرمادية والتي لم ترى في جاذبيتها من قبل 

ربما لأنها كانت تبتعد عن الجنس الآخر عامة مخافة من أبيها لكن ذلك استطاع ان يلفت انتباهها بكل سهولة ويسر 

ابتسمت له بامتنان 

_ميرسي.

اومأ لها بابتسامته الساحرة مما جعلها تهرب مسرعة وصوته الأجش يقول

_كنت عارف إني هلاقيكي هنا، كنت هتعب اوي لو ملقتكيش.

قطبت جبينها بدهشة وسألته 

_ليه؟

اسند مرفقيه على السياج ناظرًا إلى الغيوم بالأعلى وقال بثبوت 

_كنت هدور في كشف المسافرين عن واحدة اسمها أسيل واعرف رقم اوضتها عشان تعيش معايا الجو ده.

بدأت السفينة تتراقص مع الامواج وعينيها هي تتهرب منه

مما اعطى له فرصة للتأمل في ملامحها 

تلك الحورية التي خرجت له من المياه لتنثر سحرها على ذلك القلب الصلب والذي أحاط إياه بسياج من حديد كي لا تستطيع امرأة خرقه

تلك الصلابة لانت عند نظرة واحدة منها 

لم يصل لمرحلة العشق لكن ما يعرفه بأنه وضع قدمه على أولى درجاته.

ساد الصمت بينهم وكأن لا أحد منهم يريد اختراقه أو ربما ينتظر كل منهما أن يبدأ الآخر 

وكان هو من اخترق صمتهم قائلًا

_تحبي نطلع فوق.

شعرت بالقلق لأول مرة عندما جاءت موجة عالية حركت السفينة فقالت بقلق

_مفيش خطر؟

_هو لو فيه خطر هطلبه منك ليه، وبعدين عيبة في حقي أوي، أنا بقالي سنييين طويلة في البحر وعارف كل حركاته.

ضحكت أسيل مما جعله يشرد بضحكتها 

كل شيء بها يلفت انتباهه ويجعل ضربات قلبه تنبض بالسعادة.

أشار لها بالتقدم وظل يراقبها خوفًا عليها من السقوط حتى صعدوا إلى أعلى السفينة.

الرياح أشد بالأعلى مما جعلها تتشبث بالسياج ولم تفلح تلك العصبة بإحكام خصلاتها 

وظل يتهرب خصلة تلو الأخرى حتى سقطت وهو يشاهد في صمت مطبق

كانت تنظر للأفق منبهرة بالأجواء حولها وهو منبهر من تلك الفتاة التي جذبته بعفويتها وعدم تصنعها.

ماذا سيفعل عندما تنتهي رحلتهم ويعود كل منهم لحياته

هو لعمله الذي يجبره على التغيب أيام طويلة

وإذا عاد يعود إلى الاسكندرية

هو لا يتحمل الآن عودتها إلى الغرفة فكيف يتحمل فراقها.

هذا ما كان يخشاه وهذا ما جعله يحصن قلبه جيدًا.

عاد لواقعه وهو مازال يدخن سيجارة تلو الأخرى وكأنه يريد أحراق ذكرياته كما يحرق سيجارته.

لكن هيهات فقد حفرت داخله ولن يستطيع التخلص منها سوى بالثأر

سينتقم منها اشد انتقام وسيجعلها تسقط تحت أقدامه تطلب منه الرحمة لكن حينها لن يكون لديه قلب يغفر به.

أطفئ السيجارة في المطفئة بغضب جحيمي ثم أمسكها وقذف بها فتنصدم بالجدار وتتناثر أجزاؤها في كل مكان.

لكن لم تخمد خركته تلك لهيبه بل تشتعل أكثر وأكثر 

لما كل هذا العذاب الذي يعيشه

وإلى متى؟

طرق الباب ودلف منها محسن وهو يسأله بقلق

_في حاجة ياابني؟

حاول ضبط اعصابه وتمتم بثبات 

_مفيش حاجة ياعم محسن الطفاية بس اتكسرت مني.

تطلع محسن إلى موضعه على الفراش وإلى الزجاج الذي لف الغرفة بأكملها فعلم أنه فعل ذلك من شدة غضبه.

_طيب خليك متتحركش لحد ما ابعت للبنات تيجي تنضف المكان من الازاز ده.

خرج محسن ورفع داغر الغطاء ثم ارتدي خفه وتحسس طريقه حتى وصل للمرحاض.

وقف أمام الحوض وتطلع بظلامه للمرآة والتي كلما واجهها تقتحم تلك الفتاة مخيلته

لا يستطيع التخلص منها

وكأنها توغلت داخل أوردته فأصبحت جزء لا يتجزأ به

ماذا يفعل حتى يستطيع التخلص منها

وإذا أراد الانتقام كيف ذلك وهو لا يعرف عنها شيء

استخدم معارفه وكل شيء حتى يستطيع الوصول إليها لكن لا أثر لها

مال ليضع رأسه أسفل المياه الباردة ربما بذلك يهدئ من ثورانه لكن لا فائدة

مازال ذلك الخائن ينبض لها

مازال عاشقًا لمن تخلت عنه ولاذت بالهرب فور أن علمت بإعاقته

النيران تشتعل بداخله والمياه الباردة لا تجدي نفعًا 

مر وقت طويل وهو يضع رأسه أسفل المياه حتى رفعه بعد وقت طويل ناظرًا للمرآة

هل مازال يراها؟

رفع يده يتحسس موضع المرآة ويقوم بمسحها بيده ربما تكون طريقه منه لمحوها

لكن جاءته الإجابة بأسرع وقت

بأن لا فائدة ترجوا وليس له سوى الصبر.


كانت المياه تتساقط من خصلاته على صدره العاري ولم يشعر ببرودتها

مادامت تلك الفتاة بداخله فستظل دماءه تغلي كبركان ثائر 


 ❈-❈-❈


وضعت حور الكوب على المنضدة بجوارها بتعب فسألتها أحدهم

_ها بقيتي احسن دلوقت؟

اومأت لها وقد بدأت تسترد وعيها وسألتها بوهن

_ايه اللي حصل؟

نهضت زميلتها كي تنزع المحلول من يدها بعد انتهاءه وقالت

_كالعادة حالة الاغماء اللي بتتعرضي ليها بس المرة دي طولت أوي.

_هي الساعة كام دلوقت؟

خلعت الجهاز من يدها وهي تجيبها

_احنا بقينا الصبح ميعاد انصرافك.

نهضت من السرير لتستعد للذهاب لكن سهى منعتها قائلة

_انتي رايحة فين بحالتك دي، اصبري شوية لحد ما تفوقي.

نهضت حور بإصرار قائلة

_لأ، انا لازم اروح.

دنت منها لتساعدها على السير

_طيب خليني اساعدك.

عادت حور إلى المنزل وتوجهت إلى غرفتها كي لا يلاحظ أحد حالتها 

أخذت حماماً دافئًا ثم اندست تحت الفراش لتسمح لدموعها بالعنان

مازال الخوف يفعم قلبها

وكلما حاولت نسيان الماضي يأتي إليها بأشده


ماذا ستفعل لو علموا بوجودها؟

لن يرحمها أبيها مهما ترجته وربما أيضًا يؤذي طفلها إن علم بوجوده.

بعد مرور وقت طرق الباب ودلفت أمينة التي تفاجئت بمجيئها

_حور انتي رجعتي امتي انا قلقت عليكي وقلت ايه اللي اخرك.

مسحت دموعها مسرعة واعتدلت في فراشها قائلة

_اصلي جيت بدري النهاردة وطلعت أوضتي على طول، قلت بلاش اقلقكم.

اومأت لها بتفاهم 

_طيب لسة مصرة تفضلي لوحدك؟ حازم  تحت وعايزك تقضي اليوم معاهم.

_معلش سيبوني على راحتي.

تنهدت أمينة بيأس منها

_خلاص براحتك بس انا هاخد إياد معايا ومتخافيش محدش هياخد باله منه.


تركتها أمينة وخرجت من الغرفة فوجدت حازم واقفًا على احر من الجمر

تنهدت بيأس من ابنها الذي مازال ينتظر أملًا زائفًا ويترك زوجته التي تفعل كل ما بوسعها لاسعاده

دنت منه وهي تقول بروية

_يلا نمشي احنا عشان هي جاية تعبانة ومش هتقدر تيجي معانا.

سألها بلهفة

_ليه مالها؟

_مفيش هي بس عايزة تنام لأنها منمتش امبارح كويس.

اومأ لها وحمل إياد وخرج مع والدته وذهب بهم لمنزله

كانت هايدي سعيدة بوجوده معهم بمعزة صافية واهتمت به طوال مكوثه معهم 

دلف حازم المطبخ مقبلًا وجنتها وقال 

_تحبي أساعدك؟

ابتسمت هايدي وقالت

_اه ياحبيبي حط الأطباق على السفرة وخلاص.

قام بمساعدتها وهو ما يفعله دائمًا في يوم أجازته، يساعدها في كل شيء فهي تعمل طبيبة مثله ولا تسمح بأن يأتي احد لمساعدتها لذا هو يساعدها كما تساعده هي في كل شيء.

تعلم جيدًا بأنه يفعل ذلك لشعوره بالخيانة تجاهها وكأنه بتلك الطريقة يكفر عن ذنبه بحقها ولا يعرف أنها لا تريد سوى قلبه 

كانت أمينة تنظر إليهم برضا وتمنت أن ينزع الله حب حور من قلبه لأجل زوجته التي لا تفعل شيء سوى اسعاده.

قد تكون مبالغة في اهتمامها به حتى عندما تسمح له بمساعدتها تسمح له فقط بالاشياء البسيطة وهذا يعد خطأ كبير من وجهة نظرها.

عليه أن تشعره بالفقد كي يشعر باحتياجه لها لكنه الآن ينعم بذلك الإهتمام ولا يشعر بالنقص.

جلسوا جميعًا على طاولة الطعام والتوأم يتسابقون على إطعام إياد والذي كان بدوره سعيد بوجوده معهم.

تطلعت هايدي إلى إياد بحب وقالت

_كل ما اشوف إياد أحن للأطفال.

تطلعت لحازم الذي يتناول طعامه دون انتباه لها وسألته

_ايه رأيك ياحازم لو نجيب بيبي تاني؟

انتبه حازم لكلمتها الأخيرة فتطلع إليها بامتعاض قائلاً 

_انا قلت إن العذاب اللي شوفتيه مع عمر وعلي هيخليكي تنسي الموضوع ده خالص.

_لأ طبعًا انت عارف انا بحب الأطفال اد ايه وبعدين ده تخصصي.

ترك الملعقة من يده ورد بعدم اهتمام وهو ينهض من مقعده

_خليها لما الولاد يدخلوا المدرسة.

تركها دالفًا المرحاض فتطلعت في أثره بنظرة يملؤها العتاب 

ربتت امينة على يدها وقالت بحنان

_هو اكيد خايف عليكي عارف إنك مضغوطة في البيت والمستشفى.

اخفت هايدي تلك الغصة بداخلها وقالت بابتسامة زائفة

_أكيد.

نهضت لتحمل الأطباق وتضعها في المطبخ

أما أمينة فدلفت غرفة المكتب خلف ابنها وقالت باحتدام

_وبعدين معاك ياحازم انت هتفضل كاسر بخاطرها لحد أمتى.

عقد حاجبيه باندهاش وهو يجلس خلف مكتبه 

_أنا ياأمي؟ ليه؟ هعمل ايه اكتر من اللي بعمله؟

جلست أمينة على المقعد قبالته وقالت بحيادية

_انا عارفة إنك مقصرتش معها في حاجة بس أحيانًا ردك عليها بيجرحها، هي نفسها تخلف تاني ليه بقا بترفض بقلة الذوق دي.

تنهد بتعب وعاد بظهره للوراء

_مينفعش دلوقت على الأقل وقلت الكلام ده اكتر من مرة.

_ليه؟

تهرب حازم برتابة

_ياستي انا مش عايز حاجة تشغلها عن على وعمر هما برضه لسة مكملوش خمس سنين.

_بس هي نفسها في…

قاطعها حازم بحزم

_ماما خلاص خلينا نقفل على الموضوع ده.

كانت تود أن تواجهه بحقيقة رفضه لكنها فضلت الصمت تحسبًا لوجود زوجته.

❈-❈-❈


استيقظت حور اثر تلك اللمسات الناعمة التي تداعب وجهها

فتحت عينيها بتثاقل فيقع بصرها عليه وتقابل عينيها الصافية بعينيه التي تنثر سحرها على كل من يراها

ذلك الحبيب الذي استوطن قلبها دون أي مجابهة كي تحرر قلبها من استيطانه

لاح العتاب بعينيها وكأنه أبلغ من الكلام 

عاتبت عشقه الذي خدعها به

وقلبه الذي أضعف قلبها بهوى الروح

وعيونه… آااااه من تلك العيون التي تأسر بسحرها الأبصار فتجعلها خاضعة لها كي لا ترى غيرها.

وقد كان له ما أراد وجعلها رغم قسوته إلا إن قلبها مازال ينبض له كلما تذكرت أوقاتهم معًا

مازالت تعشقه ومازال الحب مستوطن اوردتها يسير بدمائها 

رفعت يدها تتحسس تلك العينين لكن انتهى كل شيء فور عودتها لواقعها المرير 

فتجد نفسها وحيدة منبوذة ملقبة بالخاطية من أهلها


نهضت تهرب من ذكرياتها والتي زادت تلك الأيام ولا تعرف لما.

فضلت العمل بالليل كي تعود في الصباح منهكة وتلوذ بالفرار للنوم لكن لم يفلح شيء معها

رن هاتفها ولم يكن سوى مدير المستشفى التي تعمل بها

لابد أنه غاضب منها لتركها المشفى دون أن تخبره.

ردت عليه فتجده يبدأ هو

_أيوة ياحور انتي فين؟ بعتلك تاني قالوا انك تعبتي وروحتي البيت.

اعتدلت حور في الفراش وتمتمت 

_انا تعبت شوية ومقدرتش آجي لما لقيت بابا في المستشفى هو كان في حاجة.


رد عاصم بعدم اكتراث

_ مفيش هو كان عازم نفسه عندي على العشا وشكل مراته كان عندها برد في معدتها فحبت تدلع شوية لكن متقلقيش انا كنت مأمن كل حاجة وعشان كدة طلبت من الممرضة انها تبعتك المكتب اللي فوق، المهم أول ما توصلي تجيني المكتب عشان عايزك ضروري.

اغلقت الهاتف ووضعته على المنضدة 

ثم خرجت من الغرفة فتجد المكان معتم

يبدو انهم لم يعودوا بعد.

أضاءت الانوار ودلفت المطبخ كي تحضر طعامها لكنها لم تشعر بالجوع لذا قررت الذهاب للمشفى 

قامت بتبديل ملابسها وذهبت إليها متجهة إلى مكتب المدير كما طلب منها

سمح لها بالولوج بعد ان طرقت الباب ودخلت ليشير لها بالجلوس على المقعد 

_تعالي ياحور أقعدي.

جلست قبالته وهي تسأله

_خير يا دكتور.


_شوفي ياستي واحد صاحبي ابنه عمل حادث وللأسف أصبح كفيف وهو بيضطر يسافر القاهرة كتير عشان شغله ومحتاج ممرضة تكون جانبه.

رمشت بعينيها مرات متتالية وتمتمت 

_بس انت عارف اني مقدرش اسيب ابني وخصوصًا…..

قاطعها بإصرار

_ابنك انتي سيباه مع دادة أمينة يعني مفيش قلق عليه وبعدين ده صديق عمري ومش عايز ابعتله اي واحدة وخلاص، وانتي برضه عارفة معزتك عندي اد ايه وعشان كدة اختارتك انتي ومتخافيش

المكان بعيد ومحدش فيه هيعرفك.

لم تجد حل آخر بعد ان رأت والدها في المشفى لذلك وافقت مجبرة كي تبتعد عن المنطقة قليلًا 

تابع عاصم حديثه

_هو اسمه خليل الحسيني وعايش هنا في اسكندرية في ……. لمدة شهرين وهيرجع تاني أمريكا عشان يعمل العملية الأخيرة.


رددت حور الاسم لتمر لحظات قبل أن تستوعب الموقف و…..


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الرابع.

……………..


مر اليوم ببطئ شديد وقد أصبحت حياته خالية من كل شيء 

فقط ظلام دامس ومجرد أصوات تخبره بأنه مازال على قيد الحياة 

لكن أي حياة تلك التي يعيشها وقد انتزعت منه كل سبلها

يقف على الشاطئ يستمع لتلاطم المياه والتي وحدها تشعره بأنه مازال حي يتنفس

كانت ليلة باردة تنذر بهبوط أمطار مما صعب الأمر عليه

كانت تلك الليالي من أمتع الأوقات على قلبه حيث يأخذ زورقه ويجابهة تلك الأمواج الثائرة غير عابئ بقسوتها.

عادت إليه الذكريات في تلك الليلة العاصفة

كيف وقفا وحدهما على سطح السفينة يشاهدوا الأمواج التي تعلوا وتهبط وتهز السفينة فتجعلها تتمرجح على سطح المياه متناغمة مع أمواجه.

كانت سعادتها لا توصف عندما تساقطت الأمطار الغزيرة وهي متشبثة بالحديد كي تثبت توازنها مع حركة السفينة

فتبلل خصلاتها وتخمد ثورتها التي لفحت وجهه مرات كثيرة.

تطلعت إلى المكان حولها وتمتمت بشغف

_انا مش مصدقة إني بعيش الأجواء دي وسط البحر.

استند بظهره على السياج يراقب شغفها ثم تحدث بابتسامة عريضة 

_لو عايزة تعشيها في قلب المياه معنديش مانع.

قطبت جبينها بدهشة وسألته 

_ازاي مش فاهمة؟

اعتدل في وقفته ومد يده يجذب يدها 

_تعالي معايا وانا هعرفك.

سحبت يدها مسرعة وأخفتها خلف ظهرها مما جعله يعتذر قائلاً 

_أنا أسفة بس أنا شايف انك مش متوازنة على السفينة ولو اتحركتي هتقعي.

هزت راسها بنفي وتحدثت بإحراج 

_لأ هقدر اتحرك عادي.

وما إن تركت يدها السياج حتى سقطت على الأرض فيسقط قلبه معها

كانت ترتدي بنطال أسود وبلوزة شتوية ثقيلة وعليها سترته التي غاصت بها لفرق الحجم بينهم، سألها بلهفة

_انتِ كويسة؟

تبللت ملابسها إثر سقوطها فاستندت على ركبتيها متمتمة بخجل

_اه كويسة.


مد يده وهو يومئ ًلها ألا تعاند

فنظرت إلى يده الممدودة بتردد وقد سرت البرودة في جسدها من ابتلالها بمياه الأمطار أبت لكن عندما وجدت صعوبة في النهوض ارضخت له ومدت يدها مجبرة.

وما إن لامست يداه أناملها الرقيقة حتى شعرت بتدفق الدماء في جسده احتجاجًا على قوة هذه المشاعر التي شعر بها.

لو كان يعلم أن هذا ما سيحدث له من هذه اللمسة ما فعلها حتى إذا كانت انفاسه الأخيرة بها، فقد جعلت وتيرة قلبه تزداد بقوة 

وكم صعب عليه الأمر حينما اضطر إلى الاحتفاظ بها حتى تنزل الدرج مما جعله يسحبها بتشتت، وضع حد لتلك المعاناة قائلاً 

_اسندي على السور الحديد وانزلي براحة وحاولي تكون حركتك متزنة عشان متقعيش.

هستناكي قدام الممر لحد ما تغيري هدومك، وياريت تكون حاجة مناسبة للجو ده.

خلعت سترته لكنه رفض قائلاً 

_خليها انا مش محتاجها.

دلفت الغرفة وقامت بتبديل ملابسها بأخرى ثقيلة تحميها من المطر وارتدت حذاء مناسب. 

نظرت لهيئتها في المرآة ثم شعرت برعشة تنتابها وهي تتذكر والدها

ماذا سيفعل إن علم بما تفعله

ماذا إن كان هناك من يراقبها بدافع منه وينتظر وصولهم حتى يخبره بما تفعله

حاوطت جسدها بذراعيها وكأن المشهد يحدث أمامها.

ضرب بل تعذيب، حبس بأربع جدران، نظرات شامتة متشفية

وعند تلك النقطة قد تصل للق.تـ.ـل

ازدادت ارتعاشتها وهي تتذكر صوته الذي طنينه يظل بأذنها حتى يكاد يدفعها للجنون

سقطت على الأرض وأنزوت بأحد الأركان تصم أذنيها عن ذلك الطنين وجسدها يرتعش بخوف

لكن لم تفلح يديها في صد تلك الأصوات عنها


سئم داغر من الإنتظار وتطلع إلى غرفتها فلم يجد إشارة لخروجها.

انتظر أكثر حتى شعر بالقلق عليها فتقدم من الغرفة وطرق الباب فلم يجد رد

ازداد شعوره بالقلق أكثر فسألها

_أسيل انتِ كويسة؟

لم تجيبه فاسترق السمع أكثر لكن لم يسمع شيء.

طرق الباب بقوة أكثر 

_أسيل ردي عليا..

لم يجد منها إجابه مما جعل شعور القلق بداخله يزداد

فلا بد من فتح الباب والدخول لكن كيف ذلك

لمح عامل النظافة يمر داخل الممر فناداه قائلاً 

_عم طلال تعالى أفتح الباب ده.

تقدم العامل منه وهو يقول 

_من عينيه يا غالي.

أخرج العامل الكارت ووضعه في مكانه فانفتح الباب ثم شكره 

_متشكر يا عم طلال.

انصرف الرجل ودلف داغر فيجدها منزوية في أحد الأركان تنتفض بخوف 

أسرع إليها يجثو أمامها ويسألها بلهفة

_في ايه؟

كانت تضع يدها على أذنها بشكل مهيب فمد يده كي يبعد يدها عن اذنها لكي تسمعه لكن حينها صدرت منها صرخة خوف وأخذت تنزوي أكثر 

رفع داغر يديه وتمتم بهدوء 

_طب إهدي، إهدي متخافيش انتِ في أمان معايا.

أعادها صوته الحاني إلى رشدها قليلًا لكن تلك الأصوات مازالت تقتحم أذنها 

تمتم داغر بحنو 

_قولتلك متخافيش انتِ في أمان معايا، مفيش داعي لخوفك ده.

مد يده بروية كي يبعد يديها وهو يتمتم بحيطة

_خلاص اهدي 

بهدوء وروية ابعد يدها عن أذنها واستسلام تام منها ثم رفعت اهدابها بتباطئ كأنها تخشى مما ستراه أمامها وعندما لاحظ ذلك تمتم بخفوت

_متخافيش طول ما انتِ معايا متخافيش من أي حاجة قومي متخافيش.

ولم يستوعب ذلك الذعر الذي يراه بعينيها والذي يدل على أن هذه الفتاة لاقت من الدنيا أشد العذاب

شعر بغصة تهز قلبه لكنه اخفاها بابتسامة بثت الأمان بداخلها عندما لاحظ ترددها

_قولتلك طول ما انتِ معايا متخافيش.

قومي معايا……….


عاد داغر إليها وهو يحمل عصير الليمون الذي أصر أن يعده بنفسه

فيجدها جالسة على حافة الفراش في شرودها المعتاد

جذب المقعد ليجلس عليه أمامها ثم قدم لها الكوب قائلاً بابتسامة 

_اشربي الليمون ده هيهديكي شوية.

مدت يدها التي ما زالت تنتابها رعشة خفيفة وتمتم بخفوت

_متشكرة.

_لا شكر على واجب يا ستي المهم تخلصي العصير بسرعة عشان ننفذ اللي وعدتك به.

قطبت جبينها متسائلة فرد قائلاً 

_نسيتي ولا أيه؟ 

تذكرت أسيل وتمتمت بخفوت 

_لا منستش بس خليها مرة تانية.

رد بإصرار 

_أنا مش ضامن أنها تتكرر تاني وانتِ معايا، يلا وانا هخليكي تنسي اسمك..


وافقت أسيل مرغمة لكنها ارادت أن تسرق لحظات سعيدة من الزمن ربما تظل ذكرى سعيدة بحياتها ولا تكون نقمة سقطت عليها 


أخذها وذهب للمركب الملحق بالسفينة مما جعلها تندهش وتسأله بحيرة 

_هتعمل ايه؟

رد بابتسامة يطمئنها بها وهو يحل وثاقه

_هعيشك مغامرة عمرك ما هتنسيها.

لاح على محياها التردد وهي تنظر للأمواج المتلاطمة وشعرت بالخوف، ليس خوفًا على نفسها فالموت أهون بكثير من الحياة المقبلة عليها

لكن هي لا تريد أن تكون سببًا في حادث قد يؤدي بحياته

وعندما لاحظ ترددها قال بثقة

_تعالي ومتخافيش.

بعد تردد دام للحظات استسلمت ليده التي مدها إليها وساعدها كي تصعد على متنه ثم ساعدها للجلوس على المقعد المخصص بجواره وأخذ هو يتولى تشغيله وسألها

_جاهزة؟

تطلعت بعينيها البنية إلى عينيه وأومأت له بصمت.

تحرك المركب ببطئ في البداية ثم بدأ يسرعه رويداً رويداً وهي تتشبث بخوف بكل ما تجده.

_كابتن داغر أرجوك هدي السرعة شوية.

تمتم داغر بامتعاض

_ايه كابتن دي في وقت زي اللي بنعيشه ده مش عايز أي ألقاب.

أومأت له بابتسامة لكنها أختفت عندما وجدت انهم ابتعدا كثيرًا عن السفينة

ظل يقود المركب بسرعة حتى ابتعد عن الباخرة فقالت بوجل

_لأ بلاش نبعد أكتر من كدة.

تطلع إليها بعينيه التي لم يخفي الظلام حلاوتها وقال بلهجة بثت الاطمئنان بداخلها

_طول ما انا معاكي متخافيش.

طمئنها بجملته لكنه لا يعرف أنها لا تخاف على حياتها بل حياته هو

ظل ملتزم الصمت منتبهًا فقط للمياه أمامه وتركها تتأمل الأجواء بانبهار

تصرخ عندما يرتفع الزورق بهم وينزل

لكن صرختها تكون بفرحة وانبهار وقد تناست كل شيء في تلك اللحظة 

فقد تريد أن تتعايش مع لحظاتها التي من المؤكد أنها لن تعيشها مرة أخرى.

قذفت موجة مياهها عليهم فقالت أسيل

_كابتن احنا كدة هنغرق.

ضحك داغر

_هو انا هقولها كام مرة(شدد على كلمته) انتي معايا.


وبعد مرور لحظات وجدت المركب يتوقف أمام جزيرة ليست كبيرة ويوجد بها منارة عالية يلتف ضوءها بروية 

أوقف المركب بجوار الممر ثم ترجل هو أولًا 

وقام بربط المركب كي لا ينجرف مع التيار ثم مد له يدها كي يساعدها على النزول

لكنها ابت وسألته

_احنا فين؟

_ثقي فيا و تعالي.

رفضت يده التي يمدها لها وأبت أن تكررها وتماسكت جيدًا ثم خرجت منها رغم صعوبتها.


توقفت أسيل مكانها وهي تنظر إلى المكان بعدم استيعاب 

الأشجار المثمرة والأرضية الخضراء تبث الراحة في قلب من يراها

كانت الاضاءة خافتة وضوء المنارة يدور في المكان مشكلًا هالة من السحر

خرج رجل من كوخ صغير وهو يشير له متحدثًا…..

_كنت انتظر مجيئك.

تطلعت إلى داغر الذي أشار له بدوره ورد قائلاً 

_تعلم جيدًا بأني لن افوت مثل تلك الفرصة.

ثم نظر إلى أسيل 

_تعالي يا سيلا هنفضل هنا شوية لحد العاصفة ما تهدي لأن شكلها هتزيد.

وافقت وهي لأول مرة تتصرف بتهور

فهي تدرس كل خطوة قبل أن تخطيها إلا منذ ولوجها لتلك السفينة

كل شيء تبدل حتى هي

سارت بجواره حتى تقدموا من ذلك الرجل واحتضن داغر ثم قال بمزاح وهو يبتعد عنه

_اوووه أرى ملابسك قد تبللت، لديك الكثير من الملابس بالداخل ادخل انت وحبيبتك كي تبدلها.

لم تفهم أسيل ما يقول لذا التزمت الصمت فنظر إليها قائلاً 

_تعالي نغير هدومنا عشان متبرديش.

ازدردت لعابها بوجل وقالت

_لأ أنا كدة كويسة.

علم أنها شعرت بالخوف من ذلك المكان ولا يلومها على ذلك فلم يمر عليهم سوى يومين فقال بلهجته الحانية

_لو خايفة من حاجة فأنا بطمنك ان المكان هنا آمن ومفيش داعي لخوفك.

أخفضت عينيها للحظات ثم رفعت وجهها إليه لتومئ له بصمت

أشار لها بالتقدم وسارت معه حتى دلفوا إلى الكوخ

كان منظم رغم قدمه والحياة به تبدو جميلة اشار لها داغر على أحد الغرف

_ادخلي الاوضة دي.

دلفت الغرفة فوجدته يدلف خلفها وقبل ان تعترض وجدته يتقدم من الخزانة وأخرج ملابس منها ووضعها على الفراش أمامها

_معلش بقى لبس رجالي لأن مفيش حد بييجي هنا غيري او عمال الصيانة لو في عطل في المنارة.

تطلعت إلى الملابس التي تبدو خاصة به هو لعلامتها التجارية المطبوعة عليها لن يرتديها واحد مثل چاك في ذلك المكان.

خرج داغر من الغرفة بعد أن أخذ ملابس له أيضًا وقامت هي بتبديل ملابسها.

ارتدت ملابسه الفضفاضة وكان مثل ما كانت ترتدي بنطال أبيض وبلوزة بيضاء.

لاحت ابتسامة على ثغرها ثم خرجت من الغرفة لتجده هو ايضًا ابدل ملابسه لمنامة قطنية

ووقف يحضر الطعام مع چاك 

كانت رائحة الطعام جيدة مما جعلها تشعر بالجوع أكثر 

تركتهم وخرجت من الكوخ فتجد أن الأمطار توقفت لكن البحر مازال ثائر 

ظلت تتمشى حتى وصلت للشاطىء ولم تعلم بأنه يراقبها

كانت ترتدي غطاء رأس صوفية مما حدد وجهها أكثر 

سار كالمسحور خلفها حتى وقفت عند الشاطىء وعندما شعرت بخطوات خلفها استدارت مسرعة فوجدته هو بابتسامته الجميلة

_متخافيش المكان هنا آمن.

عادت تنظر للأمام وقالت بإعجاب 

_كل حاجة هنا حلوة، الهدوء والطبيعة والبحر بتخيل المكان ده بالنهار بيكون شكله ايه.

استمتع بانبهارها 

_بيكون ساحر أكتر وملفت أكتر.

جالت الذكريات في مخيلته وهو يتابع.

من تلات سنين فكرت اعمل اللي عملته النهاردة بس المركب كان فيها عطل ومنتبهتش له

كنت بعيد عن السفينة ومكنش قدامي غير جزيرة المنارة 

نطيت في المايه وفضلت اعوم لحد ما وصلت لها ووقتها كنت خلاص جسمي اتشنج من البرد والعوم المسافة دي كلها

چاك انقذني وفضلت عنده لحد ما الفريق اللي معايا لاحظ تأخري وبدأوا يدوروا عليا لحد ما وصلوا للجزيرة 

ومن وقتها وانا وچاك اصدقاء وبنتقابل كل فترة.

أشار لها بالجلوس

_تعالي نقعد لحد چالك ما يجهز العشا.

جلسا على الأعشاب المبتلة ثم سألها

_أنا معرفش حاجة عنك غير اسمك وانك من ام إيطالية 

عاد الحزن يغلف عينيها وكأنه ذكرها بما تود نسيانه لكنها رغم ذلك قالت بشرود

_أنا أسيل حسين النعماني عمري اتنين وعشرين سنة اتعلمت في مصر بس دخلت الجامعة في ايطاليا آخر سنتين، عشان اكون جانب ماما

ليا اخ وحيد وبابا بعد ما طلقها اتجوز بنت عمه بس مش بتخلف وهو ما اهتمش انه يخلف تاني، كانت علاقتي بيها سطحية ومكنش فيه كلام بينا وعشان كدة هي اللي أقنعت بابا أني أسافر لأمي عشان تخلص مني

ولما ماما ماتت كنت خلصت الجامعة وبابا طلب مني أرجع مصر، هي دي كل حكايتي.


_تعرفي إن قصتنا متشابهة.

عقدت حاجبيها متسائلة فتابع

_ماما برضه ماتت وانا عمري تلات سنين وبابا برضه اتجوز بس اتجوز أختها من الأب ولأنها كانت بتغير منها رفضت وجودي في حياتها 

ولما بابا قرر يعيش برة مصر رفضت اكون معاهم وأنا طلبت إني أعيش مع عمي ومش بشوفه غير كل تلات سنين واكتر كمان.

تأثرت أسيل بقصته والتي شابهت قصتها هي أيضًا

جاء چاك وهو يحمل الطعام ووضعه أمامهم ثم قال لداغر

_سوف انام بالمنارة وبعد الانتهاء من طعامكم بامكانكم النوم في الكوخ.

أومأ له داغر وتركهم متجهاً إلى المنارة.

تطلعت إليه أسيل بامتعاض

_احنا هنبات هنا؟

_لا طبعاً لأني لازم أرجع شغلي، أول العاصفة ما تهدى هنمشي على طول.

كانت رائحة الطعام شهية فقال داغر وهو يضع الطبق أمامها

_عايز أقولك إني باجي هنا مخصوص عشان آكل السمك ده من أيد چاك.

بدأوا بتناول طعامهم وكل واحد منهم يحكي للآخر ما يفضله او يبغضه حتى هدئت العاصفة واضطروا للعودة


تناسوا تمامًا أمر ملابسهم وعادوا بالملابس التي ارتدوها ولم تنتبه لها أسيل إلا فور دخولها الغرفة.

أما هو فلم يبالي فقد اقسم أن يعودوا إليها مرة أخرى مهما مرت ألاعوام.

دلفت أسيل غرفتها وأبدلت ملابسه التي ترتديها

استلقت على فراشها بعد أن اشعلت المدفئة وأخذت تفكر في لحظات لم ترى مثلها من قبل.

حتى إنها لأول مرة تسعد بقرار اتخذته

عندما قررت السفر بالباخرة كي تماطل في سفرها.

تطلعت لملابسه التي وضعتها بعناية على المقعد وأخذت تتذكر أوقاتهم معًا وذلك الشعور العجيب الذي يراوضها كلما وقعت عيناها عليه.


أما هو فلم تترك مخيلته لحظة واحدة ولا يعرف سبباً لذلك

هو هو العشق الذي سمع عنه؟

لكن كيف أتى إليه بتلك السرعة.

أخذ هاتفه من فوق المنضدة وقام بفتحه والنظر إلى صورها التي التقطها دون أن تدري.

كانت واقفة مستندة بمرفقيها على السياج

وأخرى وخصلاتها تتطاير بفعل الهواء.


وأخرى أظهرت عينين لاح بها حزن الدنيا.


وأخرى التقطها وقت غروب الشمس فظهر وجهها واضحًا بجوار قرص الشمس المستدير فلم يفرق بينهما

هي شمسه التي اعترف أخيرًا بأنها وحدها من استطاعت بنورها اضاءت عتمة قلبه.


 

أشرق الصباح عليهم ولم يستطيع أحد منهم النوم 

كان كل تفكيرهم في وصولهم لمصر ماذا سيفعل كلاهما

هي ستعود لمصير محتوم وهو لحياته وعمله 

كانت أجازته تلك المرة ثلاث أيام فقط وسيسافر بعدها برحلة تستمر اسبوعين.


خرجت لسطح السفينة كي تتناول افطارها رغم عدم وجود شهية لديها 

لكنها ارادت أن تراه مرة أخرى قبل أن يعودوا الليلة إلى الإسكندرية 

اخذت تتلاعب بطعامها بشرود حتى يأست من مجيئه فعادت إلى غرفتها كي تحاول النوم.

طرق الباب مما جعلها تندهش

ارتدت مئزرها وفتحت الباب فتجد أحد عمال المطعم يحمل بين يديه طاولة طعام صغيرة وقال باحترام

_أسف على ازعاج حضرتك بس الكابتن داغر طلب مني ابعتلك الفطار ده وقالي مرجعش إلا لما تخديه مني.

حاولت اخفاء ابتسامتها وقالت بامتنان

_متشكرة اوي تقدر تدخله.

دلف العامل وقام بوضعه على الطاولة ثم انصرف 

تقدمت من الطعام تنظر إليه برضى فتلاحظ ورقة مطوية داخل زجاجة صغيرة 

امسكتها بحيرة ثم فتحتها واخرجت منها الورقة وكان محتواها

_لاحظت إنك مأكلتيش شيء من فطارك فقلت ابعتلك فطار على ذوقي أما الغدا فهيكون برضه على ذوقي بس في المكان اللي يعجبك.

طوت الورقة ووضعتها مرة أخرى في الزجاجة ثم اخذت تنظر إليها بسعادة رفرفت بقلبها لأول مرة

أحتضنتها بشدة قبل أن تضعها داخل الحقيبة ثم جلست تتناول الإفطار بشهية حتى انهته.


❈-❈-❈


عادت حور إلى المنزل كي تستعد لتلك المهمة 

لكن كيف تقنع حازم وامينة بذلك العمل الجديد

تعلم جيدًا بأنه يرفض مثل ذلك النوع من العمل وخاصة إن كان رجلًا

هي لا ترى ضير في ذلك كما أنها ستعود في المساء 

دلفت المنزل فتندهش أمينة من عودتها فسألتها بقلق

_حور، مالك يابنتي ايه اللي رجعك؟

وضعت حور الحقيبة على الأريكة وجلست بجوار أمينه وهي تقول بثبوت

_غيرت الشيفت وبعد كدة هشتغل بالنهار.

_أحسن برضه أنا كنت ببات قلقانه عليكي طول الليل، هقوم بقا اسخنلك العشا اللي هايدي بعتته ليكي بس لقيتك مشيتي قبل ما اوصل.

منعتها حور من النهوض 

_خليكي انا هقوم أجهزه بنفسي.

نهضت حور وتبعتها أمينة بعينيها وقد اندهشت من حالتها

أمس كانت بحالة يرثى لها اما الآن فالأمر مختلف تمامًا

تبدو أمامها وكأنها كانت تعاني حملًا ثقيلًا وانزاح أخيرًا عن كاهلها

أخذت تراقبها وهي تتناول طعامها بشهية لم تراها من قبل مما جعلها تسألها بحيرة

_حور انتي كويسة؟

اومأت دون النظر إليها وهذا جعلها تقلق أكثر فعادت تسألها

_طيب في حاجة حصلت امبارح في المستشفى؟

أجابت دون ان ترفع عينيها من الطبق

_شوفت بابا وسليم امبارح في المستشفى.

 

ضربت امينة بيدها على صدرها وقالت برعب

_حد منهم شافك؟

_تؤ محدش أخد باله مني.

رفعت عينيها أخيرًا واردفت 

_بس كان ممكن يشفوني بسهولة فقررت إني أبعد عن المستشفى الفترة دي.

قطبت أمينة جبينها بدهشة وسألتها 

_ازاي بتقولي هتشتغلي بالنهار وانتي هتبعدي عن المستشفى الفترة دي زي ما بتقولي.

تركت الملعقة من يدها وقالت ببساطة 

_لأني ناوية أشتغل ممرضة خاصة لواحد أعمى.

قالت كلمتها الأخيرة وهي تحاول ضبط أعصابها لكن يبدو انها فشلت في ذلك وبدأ الشك يتلاعب بقلب امينة فتسألها

_ومن أمتى بتوافقي على الشغل الخاص؟

مسحت يدها بالمحرمة وألقتها بأهمال على الطاولة وهي تجيب

_من وقت مشوفتهم في المستشفى عايزة ابعد عن أي حاجة تفكرني بيهم.

_مختلفناش بس مش بالطريقة دي ومع راجل كمان.

بدأ يصعب عليها التحكم في أعصابها وقالت باحتدام

_بقولك أعمى.

ردت أمينة بصبر عندما لاحظت تعصبها 

_برضه راجل ياحبيتي وانا مش هآمن عليكي وانتي مع ناس….

قاطعتها حور بإصرار

_أنا مش صغيرة واعرف أحافظ على نفسي كويس.

لم تشاء أمينة أن تجادل معها اكثر من ذلك كي لا تنهار وتفقد وعيها لذا قررت أن تهاودها 

_طيب انتي تعرفي الناس دي؟ يعني ناس كويسة آمن عليكي معاهم.

اهتزت عينيها قبل ان تجيب

_الدكتور عاصم يعرفهم قالي أنه ابن واحد صاحبه.

اتسعت عين أمينة وقالت باندفاع

_كمان شاب؟

تنهدت حور بتعب وقالت

_ايه المشكلة لما يكون شاب وبعدين هو مش لوحده وهكون معاه بالنهار بس وهرجع ابات معاكي يبقى فين المشكلة.

ردت أمينة بحدة 

_المشكلة اللي مش واخدة بالك منها هو حازم، مستحيل يوافق على المهزلة دي.

_وايه اللي هيعرفه؟

عقدت حاجبيها بدهشة وسألتها 

_يعني ايه؟ عايزة تخبي عليه؟

نهضت حور تنهي ذلك الجدال لكن أمينة لم تتركها وذهبت خلفها إلى غرفتها

_كلميني زي ما بكلمك وعرفيني ايه اللي في دماغك بالظبط، لو كان على ابوكي وسليم فده شيء عادي يومين بيجوهم كل سنة عند عاصم بيه وبيرجعوا تاني، شغلك ده مش سبب ابدًا.

علمت حور أن الجدال لن يجدي نفعا معها لذا قررت أن تتحدث باللين 

_دادة قولتلك أنا عارفة انا بعمل ايه وعمري ما هعمل حاجة تسيء ليا وانتي عارفة كدة كويس، الشغل ده انا محتاجاه بجد ومش هسيبه تحت اي ظرف من الظروف

ده هيكون لمدة شهر واحد وبعدها هيسافر يكمل علاجه ارجوكي بلاش حازم يعرف حاجة.

_يعني مفيش حاجة هترجعك عن اللي في دماغك؟

هزت راسها بنفي فاضطرت أمينة على الموافقة

_خلاص انتي حرة بس لو حصل…..

قاطعتها حور بثقة وقد ظهر بريق عجيب بعينيها

_مش هيقدر يعمل حاجة متقلقيش.


      _______________


استيقظ داغر من نومه على صوت الباب

مما جعله يستاء من الطارق

فلم ينام تلك الليلة جيدًا 

مسح على وجهه يحاول محو النوم ثم سمح للطارق بالدخول

دلفت سلوى قائلة 

_صباح الخير يا داغر بيه خليل بيه تحت وبيقولك إن الممرضة زمانها على وصول ولازم تنزل تشوفها

تنهد داغر بضجر وقال بثبات 

_طيب انزلي انتي وانا جاي وراكي.

خرجت سلوى وضغط على ساعته التي انبهته بأن الوقت العاشرة صباحاً 

ازاح عنه الغطاء ثم أخذ يتحسس عصاه حتى وصل لها وهم بالنهوض بها لكنه تراجع وقذفها جانبًا ثم توجه إلى المرحاض 


وقفت أمام ذلك المنزل الكبير القريب من الشاطئ والذي يتمتع بموقعه الفريد وبنيانه الفاخر

تقدمت من آمن الباب الرئيسي والذي أخذ يستجوبها ويتأكد من هويتها قبل الدخول

دلفت للداخل فتجد الخادمة تنتظرها في الحديقة وأخذتها لتصلها للداخل حيث ينتظرها خليل

تقدمت منه لتقدمها العاملة قائلة

_الممرضة وصلت يافندم.

رفع خليل عينيه عن هاتفه وتطلع إليها لحظات قبل أن يرحب بها 

_أهلًا يابنتي اتفضلي.

ازدردت جفاف حلقها بصعوبة وتقدمت لتجلس على المقعد بجواره وقال بهدوء 

_دكتورعاصم شكرلي فيكي وقالي انك ممرضة ممتازة وإن شاء الله تتبسطي معانا.

لم تستطيع الرد سوى بأيماءه من رأسها وقد بدأ ثباتها يتلاشي عندما وقعت عينيها عليه وهو ينزل الدرج فيعاد أمامها المشهد بقسوته وجبروته.

ازدردت لعابها بصعوبة وهي تراه ينزل الدرج بكل جبروت ولا تتخيل أنها تقف أمامه الآن 

ودون ارادتها أحاطت جسدها بذراعيها عندما تقدم صوبها فتزداد وتيرة تنفسها وضربات قلبها تهدر بعنف 

انتهى ثباتها وضاعت القوة الزائفة التي دلفت بها 

ارتعشت أوصالها عندما سمعت صوته الغادر يقول 

_صباح الخير ياعمي…….


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الخامس 

………………


في المشفى 

دلفت هايدي مكتب حازم فتجده يتابع احد العمليات على جهازه

تقدمت منه لتجلس على المكتب أمامه وأغلقت حاسوبه وهي تقول بدلال

_هتفضل شاغل نفسك كدة طول الوقت؟ افضالي شوية.

ابتسم حازم وتمتم بمكر

_اومال اليومين اللي فاته دول كانوا إيه؟

تلاعبت هايدي بنظارته التي يضعها على عينيه وقالت بغنج

_دي حاجة كدة حلواني إنما الاشتياق ده مستمر حتى وانت في العيادة اللي جانبي.

هزت كتفيها بدلال 

_ولا أيه؟

لمع المكر بعينيه وهو يقربها منه

متأكدة إنك قفلتي الباب كويس؟

اومأت وهي تقرب وجهها منه

_أوي.

نظر لثغرها برغبة ومال عليه يلتقطه لكن صوت الباب منعه من التكملة فأغمض عينيه بضيق وغمغم من بين أسنانه

_عجبك كدة؟

ضحكت هايدي ونهضت من أمامه قائلة

_زي ماعجبك كدة، انا هرجع بدري النهاردة يا ريت انت كمان متأخرش، باي.

خرجت هايدي ودلفت الممرضة تخبره بميعاد العملية.

مرت على صديقتها في المختبر كي تعرف منها نتيجة التحليل 

وفور دخولها قالت بابتسامة وهي تشير لها بالنتيجة

_شكك طلع في محله، مبروك ياقمر انتي حامل.

تبدلت ملامح هايدي واخذت منها الورقة كي تتأكد بنفسها فتجد النتجية إيجابية كما أخبرتها فتمتمت بعدم استيعاب

_مش ممكن انا باخد الحبوب بانتظام.

_عادي يابنتي بتحصل وبعدين ده رزق من ربنا هنقوله لأ.

لا تنكر تلك الفرحة التي شعرت بها لكن خوفها من رد فعله جعل تلك الفرحة تتلاشى

     __________________


شعرت بالأرض تميل بها حتى أنها امسكت بالمقعد قبل ان تفقد توازنها فسألها خليل بقلق

_مالك يابنتي انتي كويسة؟

حاولت حور التحلي بالشجاعة وقالت بارتجافة غلفت صوتها

_لا أبدًا أنا…. اصل الطريق كان طويل شوية وأخدت وقت لحد ما عرفت البيت.

توهجت عينيه الرمادية بوميض عجيب قبل أن يقول بصوت ثابت

_عشان كدة أخرتي؟

انتفض قلبها بشدة عندما وجه حديثه لها وتمتمت برهبة 

_عشان أول مرة، بس مش هتتكرر تاني.

أومأ لها بصمت ثم جلس على المقعد ويضع قدم على الأخرى قائلاً بتكبر

_طيب عرفتي دورك هيكون ايه؟

شعرت للحظات بان الكلمات توقفت في حلقها لكنها جاهدت ليخرج صوتها ثابتًا

_اه عارفة دكتور عاصم عرفني كل حاجة.

رد بمغزى

_بس اللي عرفك بيه الدكتور عاصم غير اللي انا هقوله دلوقت، ولو عندك اعتراض تقدري تتفضلي.

هم خليل بالاعتراض لكن داغر منعه

_لو سمحت ياعمي انا وافقت عشان خاطرك سيبني بقا اعمل اللي يريحني.

تقبلت حور تلك الإهانة وقالت بثبوت

_اتفضل قول.

التزم الصمت لبرهة وكأنه يختبر صبرها ثم تحدث بجدية 

_انتي هتكوني مسؤولة عن كل متطلباتي مش بس مواعيد الأدوية أو التدريبات المطلوبة منك

يعني هتقومي بكل الأدوار، الممرضة والعاملة وحتى الأكل انتي اللي هتكوني مسؤولة عنه.

رغم رفضها لكل ذلك إلا إنها تقبلت إهانته، لن تستسلم بتلك السهولة فمنذ ان علمت بعودته وهي تتوقى لمثل تلك الفرصة كي تنتقم منه أشد انتقام 

لن ترأف به ولن ترحمه ستجعل حياته بين يديها وتدمرها كما دمر هو حياتها 

فقط عليها التحمل في بداية الأمر وبعدها ستنفذ ما انتوت فعله وخططت له.

_ودلوقت تقدري تدخلي المطبخ تحضري الفطار.

اكتفت بهز رأسها واخذت تبحث بعينيها عن مكانه فأشار لها خليل

_هتلاقيه على ايدك الشمال وانتي داخله من الباب ده.

انصرفت حور ونظر خليل له بانفعال

_ممكن افهم ليه بتعامل البنت بالأسلوب ده؟

رد داغر مدعي عدم الفهم

_بعاملها ازاي مش فاهم.


_داغر انت فاهم أنا اقصد ايه كويس، مش هفهمك إن دي بنت ناس وعاصم وصاني عليها لأنها بنت صاحبه فياريت تخلي اسلوبك مهذب معها.


_ربنا يسهل، انت هتسافر أمتى؟

علم خليل انه يغير مجرى الحديث فقال بانفعال

_متغيرش موضعنا ومش هقولها تاني لو ضايقت البنت أنا اللي هقفلك.

نهض خليل ليدلف مكتبه وترك داغر يضغط على أسنانه بغضب جحيمي ثم أخرجه في الطاولة الزجاجية أمامه وهو يطيحها بقدمه جعلها تصتدم في المقعد المقابل فتتهشم  محدثة صوت ليس عاليًا لسمك السجادة التي سقطت عليها


نهض بغضب وصعد إلى الغرفة وحينها شعر بأنه لا يستطيع التنفس بأريحية وكأن العواء سحب من المكان


وعادت إليه الذكريات بأشدها ولم يرحمه الظلام الذي أحيط به من قسوتها

عودة للماضي


ارتدت أسيل بنطال أبيض وبلوزة زيتونية ثم نظرت لصورتها في المرآة تتأكد من تحشم ملابسها

فرغم حياتها التي قضتها في الخارج إلا إنها التزمت بمعايير بلدتها 

خرجت من الغرفة وذهبت حيث ينتظرها

قال لها تتبعي قلبك ليدلك على مكان وجودي

رسالة عجيبة وكأنه يستشف إذا كانت تحبه أم لا.

وللحقيقة هي لا تعلم حتى الآن 

كل ما تعرفه أنها تشعر بالسعادة كلما رأته عيناها 

والوقت الذي تمضيه معه يمر كأنه حلم جميل.

ذهبت للمكان التي رأته به أول مرة لكن لم تجده؟

إذًا أين هو؟

ظلت تتجول على سطح الباخرة حتى صعدت على متنها فوجدته بالفعل واقفًا ينتظرها بزيه الذي يعلم جيدًا بأنه يسلب أنفاسها به.

وقفت مكانها على أعلى الدرج ولم تستطيع التقدم خطوة واحدة 

فلأول مرة تجد من يحاول بشتى الطرق اسعادها

كان واقفًا أمام طاولة صغيرة بجوار السياج تحمل بعض الأطعمة الخفيفة وضوء شموع خافت موضوع عليها

تقدم منها بخطوات ثابتة وكأنه يعلم صداها داخل قلبها 

توقف أمامها متطلعًا إلى عيناها التي توهجت على ضوء الشموع 

وشعرها الثائر بفعل الهواء يحجب وجهها عنه فترفع أناملها الرقيقة لتبعده وتحكمه خلف أذنها

كم تمنى أن يفعلها يومًا ويضعها هو خلف أذنها

لكنه أحكم تلك الرغبة وتمتم بثبات 

_أخرتي أوي.

اهتزت نظراتها وقالت بروية

_وانت واقف وشايفني وانا بدور على المكان وساكت.

رفع حاجبيه بمكر 

_مكنش ينفع اغششك كان لازم تيجي بقلبك.

رفعت عيناها إلى عينيه التي تاهت بغيومها فوجدتها تتطلع إليها بشغف لم ترى مثله من قبل 

_أنا قلت الليلة دي أخر ليلة لينا مع بعض 

تطلع في ساعته وتابع 

_قدامي ساعتين بس اللي مسموح بيهم وقلت أقضيهم معاكي.

اشار لها على الطاولة فتقدمت منها تجلس عليها وجلس هو قبالتها ثم قال

_بما إنك بتحبي البحر تبقي بتحبي السمك وصيت الشيف انه يعملنا حاجة كدة من الآخر يارب يعجبك.

نظرت إلى الأصناف الموضعة على الطاولة وغمغمت باحراج

_بس للأسف انا مليش في النوع ده من الأسماك.

هم بالنهوض وهو يتمتم

_خلاص هكلم الشيف يجبلك غيره.

منعته أسيل مسرعة

_لا مفيش داعي أنا أصلًا مليش نفس.

_طيب خلاص دوقيه انا متأكد أنه هيعجبك.

اومأت بصمت وشرعت في تناوله

لم تتقبل مذاقه في البداية وعندما لاحظ ذلك تطرق في الحديث كي لا تركز به

انتهوا من تناول طعامهم وسألها حينها

_ها ايه رأيك؟

ردت باحراج

_بصراحة متقبلتوش في البداية بس بعد كدة عجبني.

مسحت يدها بالمنديل المعطر وكذلك فعل هو ثم وقفوا على السياج يتحدثوا في أمور عدة

حتى جاء موعده 

تطلع إليها باستياء 

_معلش انا لازم امشي دلوقت وممكن معرفش اشوفك إلا واحنا نازلين من السفينة 

اومأت له وقالت بتفاهم

_ده شغلك ومينفعش تتأخر عنه، وبجد انا سعيدة جداً إني اتعرفت على حضرتك.

قطب داغر جبينه بدهشة مصطنعة 

_ايه شغل الوداع ده محسساني إننا مش هنشوف بعض تاني.

لاح الحزن على قسماتها لكنها أخفته مسرعة بملامح مبهمة

_اكيد طبعًا كلها ساعتين بالكتير وكل واحد هيرجع لحياته.

لم ينتبه داغر لمثل ذلك الأمر ولم يفكر به

ولم يعد يملك الوقت كي يقرر فسألها

_في حد هيكون مستنيكي؟

عاد الحزن على ملامحها وهي تجيب باقتضاب 

_لأ.

_خلاص خليني أوصلك فـ طريقي بدل ما تسافري لوحدك.

اهتزت نظراتها من شدة الخوف والذي ظهر واضحًا على محياها وتمتمت بريبة

_لأ مش هينفع.

عقد حاجبيه باندهاش وسألها 

_مالك خوفتي كدة! أظن إن الليلة اللي قضناها في الجزيرة يخليكي تثقي فيا.

ازدردت لعابها بوجل وتمتمت برهبة 

_مش قصدي بس أهلي لو عرفوا مش هيعدوا الموضوع بالساهل.

تافهم مع خوفها وقال بتروي

_أنا برضه مش هآمن عليكي تركبي مع حد غريب وخصوصاً إننا هنوصل بالليل، خليني أوصلك لحد القاهرة وبعدها هطلبلك أبر يوصلك لحد البيت.

أومأت بعينيها وأومأ هو بابتسامته التي تسحرها ثم انسحبت بهدوء وعاد هو لعمله.

❈-❈-❈

في مكان آخر 

خرج حسين من مكتبه فيجد سليم يصعد لغرفته فنادى عليه

_سليم.

استدار له سليم وتمتم باقتضاب 

_نعم.

تقدم منه يسأله بجمود

_هي فين؟

_السفينة وققت الليلة ومش هتوصل غير بكرة اخر النهار.

_طيب غير هدومك وتعالى عشان عايزك.

اومأ سليم وأبدل ملابسه ونزل إليه 

_خير؟

أشار له بالجلوس ثم تحدث

_انا فتحت فرع للشركة في امريكا، شاهي هناك وخلصت كل حاجة بتوكيل مني، لو شايف إنك……

قاطعه سليم بلهجة لا تقبل نقاش

_لأ مش شايف انت عارف كويس إني رافض ابعد برة مصر، لو هي شايفة إن الفرع ده هيرفع من شأن الشركة يبقى تتابعه هي انما أنا لأ.


كالعادة لا يقول كلمة واحدة لابنه، ليس من باب التعلق به، ولكن حتى لا يهدم ما بناه بداخله

أن يكون بكلمة لا يمكن الرد عليها، وإنسان لا يمكن أن يهزه شيء

وخاصة حينما تابع

_انا مش هسيب الشركة اللي تعبت فيها وأروح أبدأ من الأول في فرع ممكن يفشل، عايز حد يديره يبقى شوف غيري.

ثم تركه وغادر

صعد إلى غرفتهوهو يشعر بضيق حقيقي من تلك الحياة وذلك المنزل الذي برغم وسعه إلا أنه يشعر دائماً أنه ضيق حد الاختناق

خلع رابطة عنقه وفتح الازرار العلوية ووقف في شرفته ربما يخف ذلك الاختناق

الحياة في ذلك المنزل أصبحت لا تطاق لكن عليه التحمل لأسباب عدة وأولهم ألا يترك الساحة لزوجة ابيه التي تود الخلاص منه بأي شكل.

والسبب الآخر هي أسيل التي ستكون دمية في أيديهم يفعلوا بها ما يشاءوا 

والأهم من كل ذلك هو قلبه الذي عشق وعشقه حكم عليه بالعذاب منذ مولده.

حكم عليهم أن يكونوا تحت سقفٍ واحد ويتعاملوا كالأغراب.

لذا عليه البقاء مهما ازداد بداخله ذلك الشعور.


❈-❈-❈


في اليوم التالي 

رست السفينة في الميناء البحري وبدأ الجميع بالخروج منها وعين داغر تراقبها وهي تسير على الممر

شعر برغبة ملحة في التقدم منها وحملها بين يديه والسير بها على ذلك الممر لكن ليس هنا

سيكون في ممر منزله 

وإلى يخته الذي ينتظره بالإسكندرية وخصلاتها الثائرة موضوعة بأريحية بعض منها على كتفه وأخرى على صدره.

حمحم باحراج من نفسه على تلك الأفكار التي يفكر بها ثم توجه إلى سيارته بعد ان أنهى الإجراءات وانتظر مجيئها.

ها هي تخرج تسحب حقائبها وبقى هو منتظرها داخل السيارة كما طلبت منه 

لكن انتهت أحلامه عندما وجد شاب يقترب منها يقبل وجنتيها بفتور وآخر تقدم منهم ليحمل الحقائب 

توقفوا لثواني معدودة ثم رحلت معه 


عودة للحاضر 

تنهد بتعب من تلك الذكريات التي لا تترك مخيلته لحظة واحدة وكأنها لعنة سقطت عليه

أخرج هاتفه من جيب بنطاله وقام بالنطق على الرقم المنشد حتى جاءه الرد

_آمر ياكابتن.

_ساعتين بالظبط وتكون جايبلي كل المعلومات المطلوبة عن حور وجدي حمدان.

اغلق الهاتف دون أن يستمع لرد وأعاده لجيبه

عليه أن يعرف كل شيء عنها 


أما هي فقد تحججت بحاجتها للمرحاض وأسرعت بالولوج إليه لينتهي ذلك الثبات التي تمسكت به قدر الامكان كي لا تنهار أمامه وأخذت تنتفض بخوف

وذكريات تلك الليلة تهاجمها بشراسة 

عادت بأشدها وكأن المشهد يعاد أمامها

تستنجده، تستجديه، ترجوه لكن لم يرأف ولم يلين، ازدادت انتفاضتها وهي تتذكر عيونه وقتها وكيف كانت بنفس الصلابة التي تراها الآن.

وقفت امام الحوض لتغسل وجهها مرات عديدة كي تنتهي تلك الرجفة لكن لا فائدة 

أسندت رأسها على الجدار وأخذت تبكي وتنتحب، لما عادت إليه 

من اخبرها أن باستطاعتها مجابهة ذلك الرجل بعد ما حدث.

عن اي انتقام تتحدث وقد انتهت كل قوتها الزائفة التي أتت بها لذلك المكان

ذلك المكان الذي شهد يومًا لحظات سعيدة قضتها معه، على ماذا سيشهد الآن.

بكت وانتحبت بشدة وذكريات الماضي التي علقت بذهنها لا ترأف بها

لا ترحمها

حتى شعرت ببوادر نوبتها لكنها قاومت

عليها أن تقوى كي لا تظهر بذلك الضعف أمامهم


مسحت دموعها بظهر يدها وعادت تغسل وجهها جيدًا كي يختفي ذلك الإحمرار بعينيها

عليها أن تثبت كي لا يشك أحد بأمرها

اخذت نفس عميق ثم جففت وجهها وخرجت كي تعد طعام الإفطار كما طلب منها.


دلفت المطبخ فوجدت سيدة في عقدها الثلاثين تجلس على المقعد وتقوم بتجهيز الطعام على الطاولة أمامها

وعندما رأت حور ابتسمت بترحيب وقالت

_انتي الممرضة مش كدة؟

اومأت لها بصمت ثم تقدمت منها قائلة

_أنا كنت عايزة اعمل الفطار.

اندهشت سلوى وسألتها باستفهام

_مين اللي طلب منك تدخلي المطبخ؟

اهتزت نظرات حور وهي لا تستطيع نطق اسمه

_د..الكابتن.

تركت سلوى الطعام من يدها وهي مندهشة ونهضت قائلة

_ده الأكل بتاعه بما انه طلب منك يبقى كمليه

أشارت لها على المبرد 

_هتلاقي كل حاجة موجودة في التلاجة ولما تخلصي الأكل ابعتيلي افهمك التقديم هيبقى ازاي.

شرعت حور في تحضير الطعام حتى انهته سريعًا ثم وضعته على الحامل وتطلعت إلى سلوى لتسألها

_انا خلصت في حاجة تاني؟

ردت سلوى بتأكيد

_اه طبعا تعالي افهمك.

أخذتها عند طاولة المطبخ وتابعت

_الأكل مش هيتقدم عادي كدة، الطبق قدامه بيكون نظام الساعة

بمعنى اللحوم بتكون على الساعة 12 الأرز بيكون على 6

السلطات بيكون على 3

لو خضار بيكون على 9

إن كان شوربا بتكون في طبق عميق عادي، تمام؟

أومأت حور بتفاهم ثم تابعت سلوى

_بس كل ده بيتعمل على السفرة 


_هو فين؟

تعجبت من سؤالها

_هو مين؟

شعرت بصعوبة في نطق اسمه ولكنها أجبرت نفسها على نطقه

_داغر بيه.

_اه، أكيد طلع اوضته او على البحر.

دلفت فتاة أخرى فسألتها

_داغر بيه فين يالبني؟

_طلع اوضته من شوية.

تنفست الصعداء عندما عرضت الفتاة ان تصعد هي بالطعام إليه.


جلست هي بجوار سلوى التي سألتها

_تحبي تشربي حاجة؟

هزت راسها برفض فعادت تسألها

_انتي منين ياحور؟

رمشت بأهدابها وأجابت بعد برهة

_من اسكندرية.

_عارفة انك من اسكندرية بس بسألك من أي مدينة فيها.

_من******

_بس دي بعيدة أوي وصعب إنك تروحي وتيجي كل يوم.

_عادي أنا متعودة على كدة لأن المستشفى اللي شغالة فيها برضه بعيد عن البيت.

سألتها سلوى بفضول

_متجوزة؟

هزت راسها سريعًا 

_لأ

اندهشت سلوى من طريقة ردها

وقاطعهم دخول لبنى وهي تحمل الطعام ويبدو عليها الخوف سألتها 

_رجعتي ليه بالأكل.

ردت الفتاة وهي تنظر لحور

_أنا معرفش ايه اللي حوله كدة، اول ما دخلت وبقوله الفطار جاهز اتعصب عليا وقالي انا مطلبتش منك فطار أنا طلبت منها هي.

تلاعب الخوف بداخلها وشعرت بأن ما مضى سيتكرر مرة أخرى لكنها احجبت ذلك الخوف وأخذت منها الطعام وصعدت به.

تطلعت إلى الطعام الذي وضعت به تلك المادة التي ستقضي عليه بتروي 

ثم دلفت الغرفة بعد ان سمح لها بالدخول.

كان واقفًا أمام النافذة والتي تطل على الشاطىء ويخته يتراقص مع الأمواج أمامه 

شعرت بالتشفي به وهو واقفًا أمامها بذلك العجز لكن ذلك لن يشفي غليلها 

ستقف تراقبه وهو يضعف أمامها بفعل تلك المواد التي شرعت في وضعها داخل طعامه 

تلك الطريقة التي ستشفي صدرها من الغصة التي تأرق لياليها وهو يعيش حياته وكأنه لم يظلم أحد.


_هتفضلي واقفة كدة كتير؟

أخرجها من شرودها بلهجته الحادة والتي ذكرتها بذلك الحادث فحاولت التحكم بتلك الرجفة التي عادتها وردت بفتور 

_الفطار جاهز.

غمغم وهو على نفس وضعه

_مليش نفس دلوقت خليه كمان ساعة

زمت فمها تحاول السيطرة على ثباتها وقالت 

_تمام اللي تشوفه.

سارت إلى الباب كي تهم بالخروج من الغرفة لكنه أوقفها 

_استني عندك انا مسمحتش انك تخرجي.

استدار إليها فوقع نظرها على عينيه الرمادية التي كانت تنهش بجسدها في ذلك اليوم هي الآن ثابتة لا تتحرك وكم أرادت في تلك اللحظة أن ترمي بتعقلها عرض الحائط وتقوم بقتله لكنها أحجمت تلك الرغبة لن تجعله يموت بتلك السهولة تنهدت باستياء وقالت بنفور

_نعم.

جلس بثقة على المقعد المجاور للنافذة وأخرج سجائره متناولًا واحدة يشعلها ثم ينفخ دخانها بقوة وقال بفتور

_سيبي الفطار واعملي فنجان قهوة.

تطلعت إليه بازدراء لبرهة وهي لا تصدق حقيقة ذلك الرجل الذي استطاع خداعها بهذه السهولة 


………….


عادت هايدي للمنزل بعد أن تركت الأولاد عند والدتها فاليوم قررت أن تخبره بحملها 

تعلم جيدًا بأنه سينفعل من ذلك لكن هي على ثقة بأن غريزة الأبوه ستغلب عناده

قامت بترتيب شقتها بعناية فائقة كما اعتادت

وأخرجت منامته ووضعتها على الفراش 

كل شيء مرتب كما تحب أن يكون

نظيف ومرتب

أنهت الطعام 

ودلفت غرفتها لتخرج منامة حريرية من الخزانة ودلفت المرحاض كي تأخذ حمامًا دافئ قبل عودته

عليها دائمًا أن تظهر أمامه بأبهى صورها كي لا يشعر بأي تقصير ومع مرور الوقت سيعلم أن راحته معها هي 


تلك الفتاة لم تقدم له شيء اما هي فقد قدمت إليه الكثير والأهم من كل ذلك قلبها

عاد حازم من الخارج فينتبه لتلك الرائحة العطرة فأخذ يبحث عنها بعيناه

ألقى المفاتيح على الطاولة ونادى عليها

_هايدي.

تطلعت برأسها من المطبخ وهي تجيب

_انا هنا ياحبيبي ادخل خد شاور ويلا عشان الغدا جاهز.

القى هاتفه على الاريكة وخلع سترته وهو يسألها

_الولاد برضه عند مامتك؟

أجابت وهي تحمل الاطباق للطاولة

_اه بس بصراحة ماما اللي طلبتهم النهاردة لأنها كانت موعداهم توديهم الملاهي.

اومأ لها مبتسمًا وتقدم منها يحاوطها بذراعيه وسألها بمكر

_بس كدة؟

هزت كتفيها بدلال 

_لأ في أسباب تانية.

داعب وجنتها بأنامله وهو يسألها

_أيه هي؟

_تؤ مش دلوقت خليها بعد الغدا.

انسلت من بين يديه كي تكمل الطعام ودلف هو للغرفة كي يأخذ حمامه.


استلقى حازم على الفراش ووضعت هي رأسها على صدره تستمع لنبضاته المتسارعة 

ملس على خصلاتها وهو يسألها

_مقولتيش ايه المفاجأة.

رفعت وجهها من فوق صدره وقالت بمكر

_هي ممكن تضايقك شوية بس انا واثقة أنها هتسعدك.

ضيق عينيه بحيرة 

_مش فاهم.

أخرجت النتيجة من درج المنضدة بجوار الفراش ثم قدمتها له

_اتفضل شوف بنفسك.

اعتدل حازم واخذ منها الورقة ليرى ما بها فتتصلب ملامحه لحظات قبل أن ينظر إليها وغضب الدنيا تجمع حممًا نارية في عينيه


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل السادس

…………..

نقل بصره بينها وبين الورقة التي بين يده وكأنه لا يصدق ما يراه

اخذ نظارته وأرتداها كي يتأكد وبدأ الغضب يتجمع داخل عينيه مما جعلها تجفل من هيئته فأشار بالورقة أمامها

_ايه ده؟

شعرت هايدي بالخوف واخذت مئزارها ترتديه وردت بتلعثم

_أ…أنا.. اتفاجئت زيك….

قاطعها بصوت هادر وهو يعتدل في فراشه

_اتفاجئتي ازاي وانتي بقالك سنة بتقنعيني انك تحملي، ايه بتستغفليني؟!

ذهلت هايدي من مدى غضبه وكأنها فعلت ذلك بالحرام

_انت بتقول ايه؟

ازاح الغطاء بغضب وارتدى ملابسه وهو يقول باتهام

_بقول الحقيقة ياهانم هي كلمة واحدة مفيش غيرها الحمل ده ينزل.

اتسعت عينيها بصدمة كبيرة من حديثه وكأن من يقف أمامها الآن شخص آخر غير الذي أحبته

_انت مستوعب كلامك؟

أشاح بوجهه بعيدًا عنها وقال بإصرار 

_اللي قولته لازم يتنفذ وده آخر كلام عندي.

شعرت هايدي بخنجر حاد يخترق قلبها بقوة وصدمة أخرى تضاف لقائمة صدماتها به

لكن تلك المرة هي الأشد والأقوى

لهذه الدرجة لا يريد شيء يربطه بها؟

هل حبه لأسيل وصل إلى مرحلة تجعله يقتل طفله 

هزت راسها برفض وقالت بحدة

_لأ.

ضيق عينيه مستفهمًا

_لأ ايه؟

اجابت بتحدي وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه

_مش هقتل ابني حتى لو وصلت للطلاق.

ردد حازم كلمتها بذهول

_طلاق؟!


لن تبكي على شيء ولن تبالي، هو يعشق أخرى لذا لن تحفل به بعد الآن فقالت بتحدي

_أيوة طلاق أنا خلاص اللي قولته ده دمر الخيط الوحيط اللي كان رابطنا ببعض.


ازداد غضبه من عنادها وتقدم منها يمسك ذراعها بقبضته ويهزها بعنف

_انتي قصدك تلوي دراعي…

قاطعته بأن سحبت ذراعها من يده وقالت بألم لم يعد باستطاعتها اخفاءه

_انا مش في حياتك أصلًا عشان ألوي دراعك ببعدي زي ما بتقول.

تجمعت العبرات بعينيها وهي تردف

_انا بالنسبالك مجرد واحدة عجبتك وحسيت بتوافق اجتماعي بينك وبينها إنما ده…

أشارت بسبابتها على قلبه وتابعت بضياع

_عمره ما حس بيا.

تهرب بعينيه منها وتابعت هي

_لأنه مش بيحس غير لغيري

اهتزت نظراته عندما حشرته في الزاوية وغمغم بنفي

_محصلش أنا….

قاطعته وهي تمتم بعذاب

_شــش بلاش تكدب، لأنك لو كدبت هصدقك هكدب عينيه واصدق(صرخت بألم) هكدب وداني اللي بتسمعك بتردد اسمها وانت في حضني وأصدقك.

رمش بعينيه وغمغم بنفي

_محصلش

_لأ حصل

هزت رأسها بضياع وتابعت

_انا عارفة كل حاجة مهما حاولتوا كلكم تخبوا عليا.

بس انا رفضت أسمح لحاجة تفرق بيني وبين جوزي وحاولت بكل الطرق اعوضك عنها بس انت رافض تشوف أي حاجة بعملها عشانك مش شايف غيرها هي وبس.

استدار كي لا ترى اهتزاز نظراته وتمتم بانفعال

_الكلام ده مش حقيقي دي أكيد أوهام.

اومأت له بألم

_صح، ده اللي كنت بضحك على نفسي بيه لحد ما سمعتك وانت بتعترفلها انك لسة بتحبها. قلت بلاش تخربي بيتك بإيدك وأكيد ده مجرد وهم وهيرجع لحضنك تاني

تطلعت للغرفة حولها وتابعت

_عملتلك بيتنا ده جنة ومخلتكش تحس للحظة واحدة إن ناقصك حاجة تخليك تبص لغيري، ومع ذلك كنت بلتمسلك اعذار وبقول حب طفوله وأكيد مع الوقت هينساها، لحد ما ظهرت في حياتنا وضحكت عليا وفهمتني أنها أختك والاخر طلعت أسيل اللي بتنام جانبي وتحلم بيها.

اتسعت عينيه ذهولًا من حديثها وتحدث بانفعال

_ايه الكلام اللي بتقوليه ده، ده مش حقيقي.

تطلعت إليه بابتسامة مغمرة بالمرارة وقالت 

_ما قولتلك بلاش تكدب لأني هصدقك، عارف ليه؟ لأن رغم اللي بتعمله فيا ده ولسة بحبك، عارف لو قولتلي إنك عمرك محبيت غيري وأنا بس اللي في حياتك برضه هصدقك، عارف برضه ليه؟

قالتها بكل المرارة التي تحملها بداخلها

_عشان بحبك ياحازم بحبك.

خرجت من الغرفة وهي تجري وتدلف غرفة الأطفال كي تسمح لنفسها بالأنهيار أكثر.


انتهت الآن القوة الزائفة التي كانت تتحلى بها

لقد انتهى؛ ضاق بها ذرعًا لم تعد تستطيع التحمل

انتبهت لصوت أغلاق الباب مما جعلها تنخرط أكثر في البكاء

انتهى كل شيء بعد ما حدث 

لن توافقه وستحتفظ بطفلها وتتركه هو لسرابه.

..

بيد مرتعشة سحبت حقائبها وخرجت بها من الشقة وقلبها يعتصر بغصة مؤلمة 

ألقت نظرة أخيرة على المكان قبل ان تغلق الباب وترحل منتوية وضع حجر صلب على قلبها والذهاب دون عودة، ليس لها مكان في حياته ولن تفرض مشاعرها عليه أكثر من ذلك.


…………..


وقفت حور تعد القهوة ومازالت تلك الرعشة تنتابها

نعم تشعر بالخوف كلما رأته لكن الأدهى من  ذلك الآن انه يظهر أمامها بوجهه الحقيقي دون زيف او خداع

وكل ذلك الهيام كان لغرض الوصول إليها 

وجالت بخاطرها ذكريات من الماضي لم تترك مخيلتها لحظة واحدة


عودة للماضي

سارت على الممر وهي تسحب حقائبها تبحث بعينيها عنه

أخبرها بأنه سينتظرها بالسيارة وهي وافقته رغم أنها مجازفة قصوى إن علم بها والدها فلن يمرر الأمر مرور الكرام وستكون عاقبتها جسيمة 

لكن هي قررت أن تعيش تلك اللحظات عندما بدأت تشعر ببوادر عشق تسلل إلى قلبها.


لأول مرة تجد من يبحث عن سعادتها ويشاركها بها 

لذا ستسرق هذه السعادة من الدنيا وتعيشها حتى لو تحولت بعد ذلك لندوب

لكن أحلامها تبخرت عندما وجدت سليم أخيها واقفًا أمام سيارته ينتظرها.

وقفت مكانها تنظر إلى أخيها تارة ولداغر الذي مازال ينتظرها في سيارته تارة أخرى

هل تتدارى وتذهب إلى داغر متعللة بأنها لم تجد أحد 

أم تنجو من خطر مؤكد وتذهب مع أخيها


وقد كان للقدر رأي آخر إذ لمحها أخيها وتقدم إليها كي يحسم قرارات ذلك القلب الحائر

حاولت رسم ابتسامة على محياها عندما دنى منها يقبل وجنتها بفتور كعادته وقال بثبوت 

_حمد لله على السلامة.

حاولت البحث عن صوتها حتى وجدته فخرج متقطعًا

_الله…يسلمك.


_طيب يلا بسرعة عشان الوقت آتاخر 

سارت معه وحمل الحقائب ليضعها في السيارة

فألقت هي نظرة على داغر فوجدته يرمقها بنظرات مبهمة لا تعرف إذا كان إحباط أو زعل أم ضيق

استقلت السيارة مع أخيها وانطلقوا بها 

وحينها تأكدت إن قصتها قد انتهت قبل بدايتها.

كان أخيها ملتزم الصمت كعادته وهي ظلت طوال الطريق بشرود حتى وصلوا إلى منزلهم عند شروق الشمس.

شعور بالإحباط يكتنفها 

لكنها حاولت الثبات كي لا يشعر بها أحد.

دلفت السيارة ساحات المنزل الكبير الذي برغم مساحته إلا إنها تشعر بضيق كأنه قبو.

حتى تنفسها أصبح ثقيلًا

توقفت أمام البوابة الكبيرة وأخذت أسيل تنظر إليها من النافذة كأنها سجينة يقودها لحبسها

فتح السائق لها الباب وشعرت بأن قدميها أصبحت كالهلام لا تقوى على تحريكها 

تحاملت على نفسها وترجلت من السيارة وسارت بصحبة أخيها حتى دلفت للداخل


مازال كما هو لم يتغير شيء منذ أن رحلت منذ خمس سنوات

تقدمت منها مديرة المنزل ومربيتها ترحب بها بحفاوة

_حمد لله على السلامة ياأسيل وحشتيني اوي.

رحبت أسيل بتلك الأذرع التي احتضنتها بود وردت بصدق

_وانتي كمان يادادة وحشتيني أوي.

ابتعدت عنها أمينة لتنظر إليها 

_البيت كان وحش أوي من غيرك، باباكي في المكتب ادخلي سلمي عليه لحد ما احضر الفطار.

تطلعت إلى المكتب برهبة ورغبة ملحة بالهرب 

عادت إلى جحيمها بنفسها لكن ماذا تفعل أمام أوامر لا يمكن عصيانها 

بأقدام ثقيلة تقدمت بخطوات بطيئة إلى باب المكتب

وسليم صعد إلى غرفته وتركها كحاله دائمًا معها.

طرقت الباب وهي تزدرد لعابها بوجل ودلفت المكتب فتجد والدها جالسًا خلف مكتبه يتحدث بالهاتف 

ظلت واقفة تنظر إلى جبروته وتحكمه بمن يهاتفه 

ذلك الرجل الذي لا يعرف شيء عن الرحمة ولا يعرف شيء سوى أن يكون ساخط على من يقف أمامه

 انتهى شرودها عندما انتهى هو من مكالمته

نهض من مكتبه وتقدم منها وبدون إرادتها وجدت نفسها ترتد خطوة للوراء خوفاً 

_حمد لله على السلامة.

رمشت بعينيها وصوته الحاد يشوبه بعض الترحيب منه 


حاولت أسيل الابتسام لكنها ظهرت باهتة 

_الله يسلمك آسفة ان كنت قلقت حضرتك.


كانت عينيه الحادة ثابتة لا تظهر أي عاطفة وتحدث بامتعاض

_مكنش في داعي أبدًا إنك تيجي مصر بالباخرة، الطيارة كانت هتوصلك في ساعات قليلة، لكن إصرارك على الباخرة أكيد كان له دوافع.

انقبض قلبها خوفًا من ان يكون علم ما فعلته عليها فتمتمت بارتباك

_لا…لا..كل الحكاية إني بخاف من الطيران وعشان كدة فضلت الباخرة مش أكتر.

_على العموم حصل خير، اطلعي اوضتك غيري هدومك وانزلي نفطر مع بعض.

وافقت دون اي اعتراض وخرجت من المكتب لتأخذ نفس عميق وكأن رئتيها لم تستنشقه منذ أن شاهدته.

وضعت يدها على قلبها تهدئ من ضرباته وصعدت غرفتها فتجد أحد العاملات تفرغ الحقائب وتضعها في الخزانة.

قالت لها بتهذيب

_سيبي وانا هفضيها.

همت الفتاة بالاعتراض لكنها أصرت

_قولتلك أنا هرتبهم بحب اعمل كل حاجة بنفسي.

اومأت الفتاة وخرجت من الغرفة 

ثم اخذت أسيل ملابس لها ودلفت المرحاض.


على مائدة الافطار

لم تنام أسيل في السيارة كما كانت تتظاهر أمام سليم بل ظلت تفكر في رد فعله

هل باستطاعتها رؤيته مرة أخرى

لكن كيف ذلك وهو لا يعرف عنها شيء سوى اسمها

حتى انهم لم يتبادلوا أرقام هواتفهم.

هل انتهت قصتهم قبل بدايتها

ام انها قصة ليس لها بداية أو نهاية 

نزلت الدرج فتجد والدها وسليم جالسين على المائدة كلاً في واديه

القت عليهم السلام وجلست على مقعدها

لم تملك الشهية للطعام لكن لن تستطيع الرفض

هكذا حياتها لا اعتراض او نقاش

ظلت تتلاعب بطعامها وأبيها يتحدث مع سليم في امور العمل

عادت لوحدتها ولسجنها

ليت والدتها لم تمت وتتركها لذلك العذاب

لكنها رحلت وتركتها تنكوي بنيرانهم

نهضوا جميعاً وتركوها دون ان يلتفتوا إليها مما جعلها تشعر بالنفور من تلك الحياة


عودة للحاضر 

انتبهت لفوران القهوة فقامت بغلق الموقد سريعًا وقامت بعمل غيرها..

عليها ان تكون منتبهة اكثر من ذلك.


في غرفة داغر


دلفت حور وهي تحمل القهوة فتجده مازال جالسًا على مقعده وعينيه الرمادية ثابتة لا ترمش إلا قليل


تقدمت منه تضع القهوة على الطاولة الصغيرة بجواره وتمتمت بخفوت 

_اتفضل القهوة.

عاد بظهره للوراء وهو يغمغم بتعند 

_أشرب القهوة ازاي من غير فطار.

بوغتت بحديثه وعلمت أنه فقط يتلاعب بها فقالت بثبات 

_عملت الفطار وقولتلي عايز قهوة.

من مصدر صوتها علم أنها تقف قبالته 

تحسس الطاولة بجواره ليأخذ سيجارة أخرى وبدأ في اشعالها 

وقال بعدم اكتراث

_طيب هاتي الفطار وشيلي القهوة.


كم أرادت في تلك اللحظة أن تلقيها في وجهه وتحرق ذلك الوجه الذي استطاع خداعها بقناعه البريء لكنها أحجمت تلك الرغبة 

وبيد مترددة قامت بوضع الطاولة أمامه والتي يحتوي طعامها على تلك المادة 

وكي لا تجبر نفسها على التراجع اخذت فنجان القهوة وقالت 

_هعملك قهوة غيرها.

خرجت مسرعة من الغرفة وقلبها يهدر بعنف

رغم بغضها الشديد له ورغبتها في الانتقام إلا إنها لا تعرف كيف استطاعت فعل ذلك الشيء المشين

كانت هناك طرق كثيرة غير القتـ.ـل، لما اختارت تلك الطريقة 


دلفت المرحاض تحاول تنظيم أنفاسها كي توقف تلك الرجفة

يحسها قلبها على الذهاب إليه ومنعه من تناول ذلك الطعام

ذلك القلب الخائن يأبى رضوخها لنار الانتقام لعلمه بأنه أول من يكتوي بنارها.

تدحرجت دموعها تنزل بغزارة وهي في صراع داخلي ما بين تركه ومواصلة انتقامها وبين مشاعرها التي مازالت مستمرة في عشقه، حقيقة ظهرت امامها فور رؤيته 

وخاسرة هي إن فكرت في الوقوف أمام قلبها.


أما هو فلم يستطيع تناول طعامه 

عندما اكتشف أن قلبه مازال عاشقًا لها

لا يعرف ماذا يفعل 

وقد أصبحت متواجدة معه تحت سقف واحد.

هي؛ نعم هي.

لن يخطأ بذلك الصوت الذي ظل يتردد بأذنه طوال تلك الأعوام 

ورائحتها التي لم تتغير وقلبه الخائن الذي أخذ يدق بعنف فور إن سمع صوتها

ضغط على عينيه بقوة وهو يتساءل

لما عادت؟ 

لقد بعث الكثير ليبحثوا عنها أثناء وجوده في الخارج وكلهم أكدوا بأنها سافرت ولن تعود

والأدهى من ذلك لما قامت بتغيير اسمها؟

ولما أيضًا تعمل كممرضة؟


هل هي حيلة أخرى كي توقعه بشباكها وترحل كما فعلت من قبل؟


أسئلة كثيرة تدور برأسه يريد لها إجابة وعليه أن يعرفها 

وأولها لما تخلت عنه بعد أن وضع حياته بين يديها

صراع حاد بين عقل يرفض ذلك اللين وأن ينتقم منها أشد انتقام على تخليها عنه

وآخر قلبه الذي لا يزال يشتاقها


❈-❈-❈


ظل داغر حبيس غرفته كما حال ظلام

كل شيء حوله تبدل بعودتها

بظهورها بعد أن فقد الأمل بالعثور عليها

ماذا سيفعل الآن؟

هل يتركها تضغط على جروح لم تلتئم بعد

أم يبعدها حتى تشفى جروحه وحينها سيكون انتقامه أشد وأقوى.

أخرجه من شروده طرق الباب ودلوف سلوى

_مساء الخير يا كابتن.

تنهد داغر ورد بثبوت

_مساء النور يا سلوى خير؟

ردت سلوى باستياء

_حضرتك ما أكلتش حاجة من الصبح وكمان مأخدتش العلاج وخليل بيه لو عرف كل ده هيسبب مشكلة معايا.

مسح داغر على وجهه وقال بفتور

_تمام خليها تجهز الغدا


على الغداء


جلس داغر على السفرة وهي واقفة بجواره تنتظر تعليمات منه

سألها

_ايه نوع الأكل؟

أخذت أسيل تشرح له كما علمتها مديرة المنزل وبعد انتهاءها قال بجمود

_شيلي الأكل ده.

حرقة اعصاب اخرى لكنها تلك المرة سألته

_ممكن اعرف ليه؟ الأكل انت طلبته بنفسك.

رد بانفعال

_انتي هتناقشيني، قلت شيلي يبقى تشيلي من سكات.

ازداد بغضها له وقامت بحمل الاطباق وأعادتها للمطبخ

سألتها مديرة المنزل

_ايه يا حور رجعتيه ليه؟

وضعته حور على الطاولة الرخامية وقالت باقتضاب

_مش عجبه.

_يبقى اكيد متعصب من حاجة، أنا هروح له.

خرجت سلوى وجلست حور تنظر إلى الطعام بقلق

عليها ان تتخلص منه كي لا يأكله احد آخر

قامت بالبحث عن اكياس بلاستيكية وألقت بها الطعام ووضعته جانبًا


تقدمت سلوى منه وسألته

_كابتن داغر لو الأكل مش عاجبك نعمل غيره، تحب حاجة معينة

سألها بحزم

_هي فين؟

سألته بحيرة

_هي مين؟

رد بانفعال 

_اللي أخدت الأكل وبعتتك.

_اه تقصد حور، هي قالت الأكل مش عجبك قلت اسألك

تحدث بانفعال أشد

_بس انا طلبت منها هي يبقى كل حاجة تتنفذ زي ما أنا عايز.

لم تزعل منه لأنها تعرف تلك الحالة جيدًا فقالت بروية

_اللي تشوفه ثواني هبعتهالك.

ازاح كوب الماء من أمامه فيسقط على الأرض متحطمًا ولم يهدئ ذلك من غضبه

ولما لا وقد عاد الحنين لرائحتها بعد غياب عامين

تقدمت حور بحذر عندما رأت الزجاج المهشم وقالت بثبوت

_نعم.

توهجت عيناه بغيومها عندما اقتحمت رائحتها كيانه فحاول الثبات امامها وقال بحزم

_فين الأكل؟

_أكل ايه؟ انت مقولتش …..

قاطعها بحدة

_الأكل اللي شلتيه دلوقت.

تطلعت إليه بدهشة لم تلبث كثيرًا وردت 

_للأسف رمناه.

قطب جبينه مندهشًا وسألها باحتدام

_انا اذنت بكدة؟

ردت بنفاذ صبر

_لأ بس حضرتك قلت الأكل مش عاجبني فركناه ومستنيين تؤمر بأيه تاني.

_عايز نفس الأكل اللي رمتيه ويكون جاهز في خلال ربع ساعة

لو كانت النظرات تقـ.ـتل لكان الآن غارقًا بدماءه لكنها احجمت رغبتها وقالت بسخط

_تمام

همت بالذهاب لكنه منعها

_رايحة فين انا مسمحتش بانك تمشي.

اغمضت عينيها بضجر 

_نعم.

نهض وهو يقول بأمر

_متعمليش اكل انا أصلا مليش نفس.

نهض من مقعده وقال بأمر

_هتيلي القهوة على المكتب.


نهض ليدلف المكتب وهو يحاول جاهدًا ألا يتعثر في سيره بدون عصاه أمامها

أما هي فقد ظلت تنظر إليه بوجوم حتى اختفى داخل المكتب.

لن تسأم بتلك السهولة عليها ان تتحمل قليلاً كي تصل لمرادها


دلفت المطبخ وقامت بإخراج الزجاجة من جيبها فلاحظت انها على وشك الانتهاء ولم تفلح محاولة منهم.

أفرغت محتواها بالقهوة وهي تعدها ثم وضعتها على النار رغم اعتراض قلبها على ذلك.

دلفت مكتبه وهي تحمل القهوة بيد مرتعشة ووضعتها أمامه قائلة بارتباك

_القهوة..

قال بأمر

_هاتيها على الجانب التاني هي سلوي مفهمتكيش ازاي تقدمي حاجة لواحد أعمى؟

اندهشت حور كيف له ان يميز مكانها

_لا فهمتني

حملت الكوب ووضعته على يمينه وقالت 

_حاجة تاني؟

عاد بظهره للوراء

_اه هتيلي علبة السجاير من اوضتي.

اومأت بصمت وذهبت لتأتي بها فلم تجدها

أخذت تبحث في كل مكان حتى وجدتها أسفل الوسادة

عادت إليه تضعها على يمينه فقال 

_السجاير بتبقى على الشمال

رمشت بضجر وقامت بوضعها على يساره 

_اتفضل.

أخذ واحدة وقام باشعالها  وهو ينفخ دخانها بقوة، تطلعت إلى عينيه الغائمة من بين الدخان وعاتبت نفسها كيف خُيل لها أن تلك العيون تعرف شيئاً عن الحب

ازعجتها رائحة الدخان فأخذت تسعل

بقوة فسألته

_عايز حاجة تاني؟

لم يجيبها وانتظر حتى انهى سجائره واطفأها في المطفأة أمامه

_غيري القهوة لأنها بردت.

بصمت مطبق أخذت القهوة وخرجت بها من المطبخ كي تعد غيرها دون جدال 

هي تعلم بأنه يفعل ذلك كي تمل منه وتتركه

وللمرة الرابعة يفشل مخططها لذا عليها ان تكون أكثر حرص المرة القادمة

قامت باعداد غيرها وقد انتهت الزجاجة ولم يعد بها نقطة واحدة

لذا اعدتها بضيق ثم عادت إليه و ضعته على يمينه

_القهوة.


مد يده ليأخذ الفنجان ثم تحدث بجمود

_مظبوط؟

ردت بثبوت

_ايوة زي ما بتشربها.

أعادها لوضعها وتحدث باستنكار

_ومين قالك إني بشربها مظبوط؟

حاولت أسيل التحلي بالصبر وقالت بتروي

_آنسة سلوى اللي قالت.

زم فمه بصعوبة شديدة بتحكم غضبه وازاح الفنجان من أمامه وهو يصيح بها بعنفوان جعلها تنتفض في وقفتها

_انا اللي اقولك وانا اللي أحدد ايه اللي اشربه فاهمة ولا لأ.

الكلمة هنا في البيت ده كلمتي ومفيش حاجة تتعمل إلا باذني

كان يزمجر كليث مذبوح وتابع بهدر

_اتفضلي امشي من قدامي وبعد كدة تسأليني قبل ما تخطي اي خطوة في البيت ده.

لم يزيدها حديثه إلا مرارة وازدراء علقمت قلبها

لذا انسحبت بهدوء وهي تراه يقوم بإذلالها بكل ذلك الجبروت

مسحت دموعها باناملها وهي تدلف المطبخ وتضع الفنجان في الحوض كرهت كل شيء

وعلمت أنها لن تستطيع الاستمرار اذا استمر هو على ذلك.

مر الوقت بطيء حتى جاء موعد انصرافها

أخذت حقيبتها وخرجت من المطبخ

لكنها توقفت عندما شاهدته وهو يصعد الدرج يقيس مسافة كل درجة بعصاه ولم يكن يعلم بأنها تشاهده.

شعرت بالتشفي وهي تراه أمامها بذلك العجز

تغير كثيرًا ولم يعد ذلك الشاب المفعم بالحياة

بل أصبح ذليل لتلك العصاه والتي تعد طوقه الوحيد لكن لم يشفي ذلك جراح قلبها

تريد أن تراه مذلول أكثر وأكثر وستعمل بكل الطرق كي تنقم منه

الأهم الآن ان تضغط على ذلك القلب كي لا يكون عقبة أمام انتقامها.


دلف غرفته يزيح بقدمه كل ما تراه عيناه وقد تحولت رماديتاه إلى غيوم تنذر بهبوب عاصفة هوجاء حتى وصل لمقعده

ألقى بثقله عليه وقد ازداد غضبه من ذلك القلب الذي يعترض على معاملته معها

دائما ذلك الخائن يلتمس لها آلاف الأعذار 

منذ أن استيقظ من غفوته وعلم بأنها تخلت عنه

لما عليه أن يكون بذلك الضعف أمامها

لما ذلك وقد قامت بنحره بكل قوتها ولم ترأف به او حتى تشفق عليه كما يفعل معه الجميع؟

لما هانت عليه رغم أنها لم تهون ومازال حتى الآن يعشقها

وضع وجهه بين كفيه ثم مررهم على خصلاته الفحمية يريد أن يقتلعهم من شدة غضبه.

تنفس بقوة يحاول العودة من ذلك الشتات التي تسببت به بعد ان بدأ يتقبل حياته كما هي دي

رن هاتفه بالرقم المنشود فأسرع بإخراجه من جيبه وقام بالرد عليه مسرعًا يسأله بلهفة

_عملت ايه؟ وصلت لحاجة؟


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل السابع


رد الرجل من الجانب الآخر 

_المعلومات اللي وصلتلها ضعيفة جداً لأنهم مش مختلطين بحد في المنطقة وكل اللي وصلت له إنها عايشه مع أمها في بيت على البحر ولها أخ دكتور اسمه حازم

ضغط على أسنانه بغضب جحيمي وخاصة عندما تابع الرجل

_هما عاشوا في المكان ده من سنتين والبنت مكنتش بتظهر نهائي لمدة سنة بعدها بدات تشتغل ممرضة.

حاول جعل صوته ثابتًا وهو يسأله

_وحازم ده سايبهم لوحدهم؟

_لا بيعدي كل يوم عليهم وهو راجع من الشغل وأحياناً بترجع معاه في العربية.

_انت متأكد من المعلومات دي؟

سأله داغر فأجابه بتأكيد

_زي ما قولتلك بالظبط.


أغلق داغر الهاتف وأمسك عصاه وأخذ يضغط عليها كأنه ينفث بها غضبه

إذًا هي اختارت ذلك الطبيب العاشق وهربت معه بعد أن أصيب هو بالعمى.

حسنًا سيجعلها تندم على ذلك اليوم وهو كذلك.


❈-❈-❈


في منزل والد هايدي

لم يحتاج فريد لفطنة كي يعلم حالة ابنته عندما دلفت بحقائبها ودلفت غرفتها القديمة طالبة عدم استجوابها الآن 

ولبى رجاءها تاركًا إياها حتى تهدئ


لكن الآن عليه أن يتحدث معها ويعرف ما حدث.

دلف غرفتها فيجدها جالسة في شرفتها شاردة في الفراغ أمامها

جلس بجوارها وهو يتمتم بمزاح

_طيب انتي زعلانة مع جوزك احنا بقا ذنبنا ايه؟

تطلعت إليه بابتسامة مغمزة بالمرارة وقالت 

_ومين قالك إني زعلانة معاه؟


عادت بنظرها للفراغ أمامها وأردفت

_أنا زعلانة على نفسي عشان قليت منها كتييير أوي.

تنهد فريد وقال بحكمة

_الزوجة بالنسبة للزوج هي نصه التاني يا هايدي، يعني جزء لا يتجزأ منه، فـ منجيش نعاقب جزء مننا ونتهمه بأنه السبب في شوية مصاعب بنمر بيها.

قطبت جبينها بدهشة وقالت بحيرة

_خفيفة؟ انت بتسمي اللي انا فيه ده مصاعب خفيفة! أومال لو مكنتش عارف كل حاجة.

 

أيد حديثها

_وانا عشان عارف كل حاجة بقولك أنها مصاعب لو صبرنا عليها وعالجناها هتعدي، ستات كتير أوي عايشة مع اجوازهم وعارفين أن قلبهم مش معاهم ومع ذلك مكملين لأن بينهم اطفال من حقهم يعيشوا بهدوء عشان يكونوا سويين.

قطبت جبينها بعذاب

_بس انا بشر ولما توصل انه عايز يسقطني طبيعي إني انسحب بكرامتي وأشيل من قدامه العقبة اللي منعاه عنها.

لم يتقبل فريد ذلك القرار والذي أغضبه بشدة لكنه لم يبدي لها وقال بمحايدة

_انا معاكي في دي بس انتي برضه غلطتي لما حملتي غصب عنه وانتي عارفة كويس أنه رافض.

_والله يابابا كان غصب عني.

_وليه موضحتيش حاجة زي دي؟

_وضحت وقلت بس أصر على قراره وعشان كده سبت البيت ومشيت وأصريت على الطلاق.


لم يريد الضغط عليها أكثر من ذلك فربت على يدها قائلاً بتروي

_على العموم أنا هسيبك تنامي دلوقت والصباح رباح.


خرج فريد من غرفة ابنته فيجد والدتها تطعم الأطفال

فور خروجه تركت الأولاد وتقدمت منه تسأله

_ها يافريد عرفت حاجة؟

تنهد بتعب ورد بخيبة أمل

_للأسف المرة دي ليها كل الحق وإن هو أصر مفيش حاجة قدامي غير الطلاق.

اتسعت عينيها بصدمة وكررت كلمته

_طلاق؟!

اومأ لها وهو ينظر لأحفاده

_أيوة طلاق.

انسحب بهدوء ودلف مكتبه ثم قام بالاتصال عليه لكن هاتفه قيد الإغلاق 

ترك هاتفه على المكتب وأخذ يفكر في حل لتلك المعضلة التي وقعت بها ابنته.


❈-❈-❈


في القاهرة 

دلف خليل مكتب المحامي الذي كلفه بمتابعة القضية أثناء غيابه مع ابن أخيه 

رحب به الرجل بحفاوة وسأله

_تشرب ايه الأول؟

رد خليل باستياء

_انا مش جايلك عشان اضايف

ازاي ياشكري اسلمك انت بالذات قضية مهمة زي دي وانت تسلمها لمحامي مبتدأ بالبساطة دي، هو ده حفاظك على الأمانة اللي امنتهالك؟

_طيب اهدى وخلينا نتكلم بهدوء

انفعل خليل أكثر ورد بحدة

_هدوء ايه، انت خليت فيها هدوء بعد ما سلمت شاب بريء للموت باديك.

مسح الرجل على وجهه يحاول تهدئة نيران ضميره التي لازالت مشتعلة حتى الآن وقال بثبوت

_صدقني يا خليل الموضوع اكبر مني ومنك دي وصلت لخطف بنتي وتهديدي بقتـ.ـلها

رد خليل باستنكار 

_مكنوش هيقدروا يعملوا حاجة لأن آخرهم يهددوا بس، وانا قبلك اتهددت ومع ذلك رفضت استسلم.

قال شكري بمغزى

_عايز تقولي أن حادثة ابن اخوك كانت قضاء وقدر.

أكد خليل بثقة

_ايوة كانت قضاء وقدر وتأكدت بنفسي مع الشرطة من حاجة زي دي

نهض خليل وتابع

_الانسان ده هيفضل ذنبه في رقبتك ليوم الدين

خرج من المكتب رغم نداء شكري عليه ثم استقل سيارته وعاد إلى منزله الذي كان يقطن به قبل سفرهم..


❈-❈-❈


أخذت حقيبتها وخرجت من المنزل بعد أن باءت كل محاولاتها بالفشل

تأخر الوقت وكأنه تعمد ذلك غير عابيء بعودتها إلى منزلها في وقت متأخر وفي ذلك الشتاء القارس.

همت بالخروج من البوابة الرئيسية لكنها توقفت على صوت أحد العمال الموجودين في المنزل وهو يناديها

_آنسة حور.

التفتت حور إليه فوجدته يتقدم منها ويقول باحترام 

_كابتن داغر طلب مني أوصل حضرتك بالعربية.

ابتسمت بمجاملة وتمتمت بلباقة

_لأ متشكرة أنا هروح لوحدي.

_معلش مش هينفع لو سيبتك تمشي هتسببيلي مشكلة معاه.

وافقت حور تلك المرة لأنها حقًا متعبة لكن لن تقبلها مرة أخرى.

هي تشعر بالنفور من تواجدها معه تحت سقف واحد ولن تزيد الأمر باستخدام اشياءه.


تطلعت إلى السيارة من الداخل وتذكرت أنها ذلك اليوم الذي خرجت معه بها.


عودة للماضي 


كانت تحتسي قهوتها في شرفة غرفتها وصورته لا تترك مخيلتها لحظة واحدة 

وتساءلت ما كان ظنه بها عندما رآها مع سليم وهو يقبلها بعد أن أخبرته بأن لا أحد سيكون بانتظارها؟

وضعت الكوب على الطاولة ونهضت لتقف وتشاهد حديقة المنزل وكأنها تشغل نفسها بأشياء أخرى غيره

انتبهت لدخول أحد العاملات بالمنزل وقد ظهر عليها الارتباك عندما وقفت أمامها وكأنها تتردد في اخبارها 

فسألتها بحيرة

_في حاجة ياشهد؟

فركت الفتاة يدها بارتباك قبل أن تقول بتلعثم

_أصل … أصل يعني…

قطبت جبينها بدهشة وسألتها 

_مالك في ايه؟

تشجعت الفتاة عندما تذكرت عرضه السخي وتمتمت بخفوت 

_أصل في واحد برة اسمه كابتن داغر وعايز يشوفك ضروري.

اتسعت عين أسيل بصدمة ولم تتخيل لحظة واحدة ان يكون بتلك الجرأة ويأتي إلى منزلها وبهذا الوقت، ضغطت على شفتيها تفكر هل تذهب إليه وتخبره ألا يفعل ذلك مرة أخرى لأجل سلامته أم ترفض مقابلته وتكون بذلك حرصت على سلامتها أيضًا.


_هو فين؟

سألتها شهد بتوجس

_ليه؟

انفعلت أسيل من ردها وقالت بانفعال

_هو ايه اللي ليه! بقولك هو واقف فين؟

ازداد خوف الفتاة وقالت بوجل

_عند الباب الوراني، وانا راجعه من بره لقيته وقفني بعربيته وسألني أن كنت بشتغل عند حسين بيه افتكرته عايز يقابله بس لقيته بيطلع فلوس كتير من جيبه وبيطلب مني أوصله ليكي وهيديني قد المبلغ ده مرتين، بس أنا والله رفضت اخدهم وقولتله إن حضرتك مش بتاعت الكلام ده فقالي إني أوصلك الرسالة دي وخلاص.

وقفت حائرة لا تعرف ماذا تفعل 

لا تنكر أنها تريد رؤيته أيضًا لكن ستكون مخاطرة كبيرة ولن تجازف 

_طيب اسمعيني كويس.


ظل جالسًا بسيارته ينظر بساعته بين الحين والآخر 

وقد أخذ القلق يتسرب إلى قلبه

هل رفضت مقابلته؟

أم أن الموضوع انتهى بالنسبة إليها منذ ان حطت قدمها خارج السفينة.

ترجل من السيارة واستند بظهره عليها ينظر إلى المنزل بشرود

" حسين النعماني " رجل اعمال لا يعرف في هذه الدنيا سوى المال

تزوج بالفعل من فتاة ايطالية تعرف عليها في مطعم أبيها وتزوجها وجاءت معه مصر ولم يمضي الكثير وعادت لبلدها

هذا ما استطاع بعد عناء الوصول إليه من معلومات عنه.

لكن هي لم يعرف عنها سوى ما أخبرته به بالسفينة وقد تطابق بالفعل ما عرفه عنها.

مرت ساعة أخرى ولم تخرج له مما جعله يفقد الأمل في رؤيتها وينصرف.


ستبحر سفينته بعد غد ويريد أن يراها قبل ذهابه.

انطلق بسيارته بعد أن يأس من مجيئها ولم يعلم بأنها واقفة بالقرب منه تراقبه فقط حتى ابتعد

عادت إلى غرفتها وقد بدأت مشاعرها توضح قليلًا بعد أن رأت بعينيها كيف ظل واقفًا كل ذلك الوقت كي يلمح طيفها 

مشاعر متضاربة تتلاعب بذلك القلب الذي لم يختبر العشق يومًا

لقد مر أربعة أيام على وجودها وكل شيء يذكرها بتلك الأيام التي قضتها معه

هي بطبيعتها انطوائية ولم يكن لها أصدقاء يومًا سواء بإيطاليا أو بمصر 

لذلك لا تستطيع معرفة حقيقة مشاعرها

هل العشق كما تقرأ عنه بالروايات التي تقرأها سواء إيطالية أو عربية

يتصادف الإثنين وتنشأ بعدها قصة حب يضحوا من أجلها بالكثير 


وحاله ليس أفضل من حالها وهو واقفًا في حديقة منزله ينظر إلى الفراغ أمامه

لما رفضت رؤيته؟

لقد ظل اربعة ايام يحوم حول المنزل كي يستطيع الوصول إليها 

هل خافت؟

أم أن العاملة خشيت اخبارها؟

ظل كلاهما التفكير والانتظار لا يرأف بهما حتى حينما ابحرت سفينته

ظل طوال رحلته يتنقل بين الأماكن التي تقابلوا بها

وعند كل مكان يؤكد قلبه حقيقة تلك المشاعر الوليدة

رياح أخرى وأمطار وتهيج البحار لكن تلك المرة في وضح النهار

تراست المراسي في المياة كي تحكم السفينة وينطلق هو بمغامرة أخرى من مغامراته.

قفذ ذلك السندباد في المياه يجابه الأمواج وتجابهه يتحدى قوتها وتعانده 

فأخذ يغوص في الأعماق متخذًا سلسة المراسي طريقًا له حتى وصل للأعماق

مغامرة قصوى لكن يعلم جيدًا بأنه قادر عليها 

وقد كان له ما أراد 

إذ وجد تلك المرة صندوق صغير ساقطًا على صخرة كبيرة 

ففي كل مرة يخوض تلك المغامرة يخرج بشيء ثمين مثل محار يحتوى على لؤلؤة بالمياه العذبة أو بعض آثار التي سقطت نتيجة عن تحطم سفينة أو أشياء من حروب القراصنة القديمة.

اكتفى هذه المرة بذلك الصندوق وعاد للسفينة.

قرر ألا يفتح إلا وهي معه كي يفتح معه قلبه لها ويعترف بأنه عاشق.

نعم عاشق حتى النخاع مهما أنكر ذلك


عودة للماضي 

هكذا أكد لنفسه مرة أخرى وهو واقفًا يتحسس ذلك الصندوق الصغير

ظن لوهلة أنها خرجت من حياته دون رجعه وأكتشف فور سماع صوتها أنه مازال تحت سطوة ذلك العشق 


……..


تطلعت أمينة لأبنها بصدمة وقالت بعدم استيعاب 

_تسقطها؟ انت اتجننت؟

رد حازم وهو يسقط عينيه أرضًا

_مفيش حل تاني بعد اللي قلته ليكي، الحمل ده في خطر مؤكد على حياتها وانا مقدرش اشوفها بتموت قدام عينيه واقف اتفرج.

_طيب ما تقولها.

_مش هتقدر تتحمل صدمة زي دي، هايدي بتحب الاطفال أوي كانت ديمًا تقولي إن نفسها تخلف طفل كل سنة وشوفتي بنفسك كانت بتحاول تقنعني قد ايه انها تخلف بعد سنة من ولادتها لعلي وعمر صدقيني مش هتتحمل صدمة زي دي.


_بس افضل من صدمتها فيك بعد ماتجبرها انها تسقطه.

زم فمه بضيق وغمغم بتعند

_عادي هتزعل شوية وترجع تاني.


_طيب ولو رفضت؟

شعر حازم بنغصة حادة في قلبه ورد بقلة حيلة

_مش هيكون فيه حل تاني غير إني أجبرها.

تأثرت أمينة بحالة ابنها وهو بين نارين، في كلا الحالتين سيفقدها

هي تعلم جيدًا أنه يحبها لكن عشق أسيل الذي أحتل قلبه منذ الصغر جعله لا يرى حبه الحقيقي لزوجته.


نهض حازم قائلاً 

_أنا هعدي على الولاد أجبهم من عند حماتي واروح البيت احاول اقنعها من تاني.


_بلاش تجيب الولاد دلوقت عشان ميحسوش بحاجة ولما تصفوا الأمور بينكم يبقى رجعهم.

أومأ لها واستئذن منها خرجًا من المنزل.

تفاجىء بحور تنزل من سيارة فارهة وفي وقت كهذا

تسمرت حور في مكانها عندما رأته 

فلن يدع الأمر يمر مرور الكرام ومن الممكن أن يعلم بعملها معه


ازدردت جفاف حلقها بصعوبة وانتظرت ابتعاد السيارة ثم مرت من أمامه كي تدلف في صمت مطبق 

سمح لها بالدخول ثم دلف خلفها ليسألها

_كنتي فين؟

رمشت بعينيها تحاول البحث عن اجابة لكن الكلمات كأنها توقفت في حلقها فعاد يسألها بحدة

_بقولك كنتي فين؟ وعربية مين اللي جاية فيها دي؟

خرجت أمينة على صوته الحاد وهي تسأله

_في ايه ياحازم.

صاح بها بغضب

_اسألي الهانم اللي راجعه في وقت زي ده ومع راجل غريب بسألها مش بترد.

قطبت أمينة حاجبيها بدهشة وسألتها 

_مين الراجل ده ياحور؟

اهتزت نظراتها وقد شعرت بانها حشرت في الزاوية ولم تفكر في حازم وما سيفعله عندما يعلم بحقيقة فعلتها فقالت بتلعثم

_دا السواق.

رفع حازم حاجبيه بدهشة مصطنعة 

_السواق؟! وسواق مين بقا ان شاء الله ؟

تطلعت إلى امينة تناشدها أن تتصرف هي لكنها لن تستطيع الوقوف امام ابنها وفي مثل ذلك الموقف بالأخص

_أصل دكتور عاصم طلب مني إني اشتغل ممرضة لواحد كفيف والنهاردة كان اول يوم.


زم حازم فمه دلاله على صعوبة تحكمه في غضبه وسألها 

_وازاي تعملي حاجة زي دي من غير ما تعرفيني؟

ولا انتي فاكرة عشان سمحتلك بالشغل إنك تتصرفي على كيفك.

ازدردت لعابها بوجل وتمتمت 

_لأ مش كدة بس لقيتها فرصة عشان أبعد الفترة دي لأني صادفت بابا وسليم في المستشفى من يومين…….

_أنا سؤالي واضح ليه وافقتي من غير ما تاخدي أذني الأول؟

عليها أن تكون حذرة في الرد كي لا يتحرى عن الأمر ويعرف الحقيقة لذا تحدثت بثبات

_غلطت ومكنتش اعرف انك هتضايق كدة 

بس صدقني شغل المستشفى بقى متعب أوي وانا قلت أنه شغل خفيف وأجر كبير.


كور قبضته بغضب وتمتم باستياء

_ولما انتي شايفة شغل المستشفى متعب اوي كدة ليه أصريتي عليه؟ ولا انتي شايفة اني مقصر معاكم في حاجة؟


تطلعت إليه أسيل بجمود وتمتمت باستنكار 

_انت عارف كويس رأيي في الموضوع ده مش هقبل اكون عال على حد واتكلمنا في الموضوع ده كتير.

انا بجد محتاجة الشغل ده وبعدين هو شهر واحد المدة اللي قاعدينها هنا


لم يريد الانفعال عليها لذا حاول بصعوبة التحدث بروية وهو يسألها

_واسمه ايه الشخص ده؟

أغمضت عينيها تحاول السيطرة على دقات قلبها المتسارعة

فإن علم من يكون لن يمر الأمر لكنها تذكرت أنه لا يعرف شيء عن عمه لذا قالت بدون تفكير

_اسمه خليل الحسيني.

اومأ لها وقال بحزم

_من هنا لحد ما اسأل عليه وأعرف كل حاجة عنه مفيش خروج من البيت.

عقدت حاجبيها متسائلة 

_يعني ايه؟

_زي ما سمعتي، عايز اعرف مين هو وايه قصته اللي تخليكي تغيري رأيك وتشتغلي ممرضة في البيوت.

انفعلت حور وقالت باندفاع

_حازم، كلامك واضح إنه فيه اتهام.

أكد حديثها وقد خرج نابع من غيرته عليها

_أيوة في اتهام لما توفقي بسهولة إنك تفضلي مع راجل طول النهار وكمان تخبي عليا لازم يكون في اتهام.

زي ما قلت مفيش خروج من البيت نهائي لحد ما اتأكد منه.

خرج من المنزل صافقًا الباب خلفه بعنف مما جعلها تجفل من إصراره

إذا علم من يكون فلن يسمح لها بالخروج خارج المنزل وسيقيدها بتهديده

تطلعت لأمينة وقالت برجاء

_دادة انتي ساكته ليه؟

تنهدت أمينة بتعب منها

_لأن كلامه المرة دي صح ومقدرش اعارضه فيه، انا كمان شكيت من وقت ما قولتي انه في منطقة….. بس سيبتك لما اعرف دماغك فيها ايه.

اهتزت نظراتها وقد وضعها الجميع حقًا في الزاوية وخاصة عندما اردفت أمينة

_ايه اللي خلاكي تدخلي بيته بعد اللي عمله فيكي؟

اقتربت منها أكثر كي تواجهها

_ايه نسيتي بالسهولة دي! ولا الحب رجع يدق في قلبك من جديد.

رمشت بعينيها تريد ان تنشق الأرض وتبتلعها وخاصة عندما تابعت أمينة

_من أمتى وانتي بتخبي عليا يا أسيل؟

تطلعت إليها أسيل وقالت بصدق

_بس انا عمري ما خبيت عليكي وكنت هقولك بس خفت تمنعيني، وعشان تكوني عارفة انا منستش اللي عمله فيا ولا هنساه لكن كل الحكاية إني حبيت أشوفه وهو مذلول قدامي.

لاح الحزن بعينيها وهي تتذكر تفاصيل يومها ومعاملته السيئة لها  واردفت 

_بس للأسف متغيرش، هو بس مبقاش قادر يواصل التمثيل وبيتعامل بطبيعته اللي كان مخبيها عليا.

تجمعت العبرات داخل عينيها وتمتمت برهبة وهو تحيط جسدها بذراعيها

_مش عارفة أنا ازاي كنت مغفلة أوي كدة وصدقته

كنت مستعدة أحارب الدنيا كلها عشانه

وثقت فيه وحبيته بجنون والآخر دبحني 

تطلعت بدموع إلى أمينة وتابعت بقهر

_معقول بعد اللي شفتيه ممكن اسامح ولا اغفر؟

هزت راسها بنفي 

_مستحيل حتى لو ركع قدامي.

تأثرت أمينة بدموعها وسألتها بحيرة

_طيب ايه اللي خلاكي توافقي بس.

ردت أسيل وقد تبدلت ملامحها للقهر

_عشان انتقم منه وادمر حياته زي ما دمر حياتي، انا مهما احكيلك مش هقدر اوصلك اللي عمله فيا ولا في ابنه اللي لحد النهاردة لسة متسجلش، ولو قدرنا نخبيه النهاردة عن الناس مش هنقدر نخبيه بكرة.

بعد كل ده تقولي لسة بتحبيه؟!

تنهدت بألم وهي تردف

_اطمني واطمني اوي كمان.

قالت جملتها الأخيرة لتقنع بها نفسها قبل أن تقنع أمينة وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة 

مازالت تحبه ومازال ذلك الشيء بداخلها يلتمس له الأعذار

لكن أي يعذر ذلك الذي يغفر له تعديه عليها بتلك الوحشية.

لن تغفر ولن تسامح وستواصل انتقامها منه حتى تراه ذليل أمامها…


ظلت أسيل تملس على وجه طفلها وهو نائم مثل الملائكة على الفراش بجوارها 

وحده من استطاع أن يهون عليها مرارة الحياة 

لكنها أيضاً تشعر بمدى ظلمها له

ولما لا وقد أنجبته طفلاً مجهول الهوية 

لا قيد له

أحياناً تشعر بأنها اخطأت عندما رفضت عرض حازم بأن يسجل باسمه

او حتى تسجله على اسم والدها؟

لكن كان عليها الرفض لأجل زوجته 

وما كان عليها المغامرة بتسجيله باسم والدها 

لذا كان عليها التزام الصمت والصبر ربما تجد حلاً آخر.

تتساءل ماذا ستفعل حينما يكبر ولدها ويسألها عن هويته

من هو ومن والده

فكان الحل الوحيد أمامها هو قتـ.ـله وحينها ستواجه عمه بالحقيقة وستطلب منه اثبات نسب طفلها وحينها ستخبر طفلها بأن والده توفي…


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الثامن

…………..


خرج خليل من المبنى بعد أن أصر على تقديم استقالته بسبب تضليل العدالة

عاد إلى منزله في القاهرة والذي غاب عنه لمدة عامين منذ حادث ابن أخيه

دلف المنزل ليجد فريق من العمال يقوم بتنظيفه لذا صعدا للأعلى أبدل ملابسه وخرج ليجلس في حديقة منزله

أخذ ينظر لأشجار الورود التي زرعها يومًا مع زوجته الراحلة

توفت منذ ثلاث أعوام

وتركت ندبة بداخل قلبه لن تشفيها السنين

فبعد وفاتها اكتشف بأنها أخفت عليه حقيقة عدم انجابه كي لا تجرحه وتحملت هي ذلك العبء بدلًا منه

تذكر حديث الطبيب عندما ذهبت إليه وطلبت منه ألا يخبره بالحقيقة وأن يخبره بأن المشكلة لديها

أخرجه من شروده أحد العمال التي جاءت إليه تناوله شيء صغير وقالت 

_أنا لقيت الجهاز ده واقع في الأرض يافندم.

تطلع خليل للجهاز بين يديه ثم أشار لها بالانصراف

نظر إليه بدقة فيكتشف بأنه عبارة عن كاميرا صغيرة توضع لمراقبة دقيقة 

اندهش حقاً من تواجده في منزله من الذي وضعها ولما في بهو المنزل؟


عقد حاجبيه باندهاش ثم أخرج الميموري منها وهم بوضعه بالهاتف لولا ان جاءه اتصال من المحامي

أعاد الكارت إلى الجهاز ثم أجابه

_السلام عليكم 

_وعليكم السلام، انا واقف بالعربية قدام الفيلا.

وضع خليل الجهاز بسترته ورد بترحيب

_ادخل انا قاعد في الجنينة.

أغلق الهاتف ونهض ليستقبله..


تقدمت العاملة لتضع أمامهم القهوة ثم سأله خليل

_خير ايه الموضوع المهم اللي عايزني فيه

ولو هتكلمني في موضوع الشغل ياريت تقفل أحسن.

عاد شكري بظهره للوراء وقال 

_لا ياسيدي انا جيلك في حاجة تانية خالص.

بنك……كلمني النهاردة وعايز حد يمسك مصنع محمد السيوفي اللي حجز عليها.


ردد خليل الاسم ثم سأله 

_بس المصنع ده كان كبير اوي ازاي يقع بالسرعة دي؟


رد شكري بعدم اكتراث

_ما انت عارف المنافسات بقا، وخصوصاً بعد ما مات مراته وبنته مقدروش يقفوا قصاد حيتان السوق وعشان كدة سقط منهم

المهم هتوافق ولا لأ، انا شايف انها فرصة بعد ما سيبت شغلك 

تنهد خليل 

_انا أصلاً كنت بفكر افتح شركة صغيرة كدة بس كنت استنى لما داغر يعمل العملية.

_أهي يا سيدي جاتلك لحد عندك وهتبقى انت المسؤول الرئيسي في المصنع ومنه تزداد خبرة بحيث لما تسيبه يكون عندك دراية بكل حاجة.


فكر خليل قليلًا ثم تحدث بجدية 

_سيبني يومين أفكر وبعدين ارد عليك.

_انا مستغرب هتفكر في إيه العرض مش محتاج تفكير.

رد خليل باستنكار

_يا شكري أنا ليا ظروف خاصة مقدرش اسيب داغر لوحده فترات طويلة وبعدين ميعاد العملية بتاعته قرب يعني كلها عشرين يوم وهنسافر تاني، احنا رجعنا بس لما الدكتور قال أن الموضوع نفسي فكان عندي أمل انه لما يرجع اسكندرية حالته النفسية تتحسن ويرجع نظره. - تنهد بحزن وتابع - بس للأسف حاسس إن حالته بتسوء أكتر.


تحدث شكري بتعاطف

_ان شاء الله نظره هيرجع وهيبقى احسن من الأول، على العموم انا هكلم مدير البنك وهقوله إنك موافق مبدأيًا لحد ما ترجع من السفر.

❈-❈-❈


عاد حازم إلى شقته فيجد الظلام يعمها

قام بفتح الأنوار فيجدها فارغة

دلف غرفتهم وقد ساوره الشك في تركها للمنزل

وقد تأكد شكه عندما فتح الخزانة فوجدها فارغة.

اخرج هاتفه من سترته واتصل عليها وبعد محاولات كثيرة ارضخت في الأخير وأجابته

_نعم.

هدر بها منفعلًا من نفسه قبلها

_انتي فين ياهانم؟

أجابت هايدي بفتور

_أنا عند ماما.

_وازاي تخرجي من غير ما تعرفيني؟

ردت بنفس هدوءها

_مبقتش ملزمة بعد النهاردة استئذنك في اللي هعمله، أنا خلاص اكتفيت لحد كدة وخلي كل واحد فينا يروح من طريق.

ازداد غضبه أكثر وقال بانفعال

_يعني ايه بتلوي دراعي؟

_افهمها زي ما تفهمها مش هتفرق معايا.

انهت جملتها وأغلقت الهاتف 

مما جعله يضغط عليه حتى ابيضت مفاصله

عليه أن يتصرف هو في أقرب وقت قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة.


ظل حازم يتقلب على جمر ملتهب وهو مستلقيًا على الفراش وحيدًا لأول مرة

ليلة واحدة وشعر بذلك الفراغ

فماذا سيفعل عندما ينفذ ما ينوي فعله

يعلم جيدًا بأنها لن تغفر له مطلقًا حتى لو عادت إليه لأجل الطفلين

نظر في ساعته فوجدها الثانية عشر، ليلة بطيئة حتى شعر بأن عقارب الساعة توقفت عن العمل.

مسح بكفه على وجهه ونهض ليدلف المطبخ يعد فنجان قهوة 

لكنه أخذ يتخبط به لا يعرف اين تضع القهوة 

فكر بالاتصال عليها ليسألها لكنه تراجع لا يريد اقلاقها في ذلك الوقت

شعر بأن منزله الدافئ أصبح شديد البرودة ويفتقر للدفئ الذي كان يكتنفه

جاءته رغبة في أن يذهب إليها الآن ويعيدها بالإجبار لكن ليس الآن 

عليه أن يتخلص من حملها أولاً وبعدها سيفكر كيف يعيدها.


❈-❈-❈


وقف داغر أمام شرفته وهو يشعر بالضجر

لا يعرف لما

اوهكذا يتساءل ليهرب من الحقيقة وهي أن قلبه عاد ينبض من جديد 

حقيقة مهما حاول انكارها

مازال عاشقًا لقا.تلته حتى النخاع

كره ذلك الظلام الذي احجبها عنه وجعلها تستضعفه بذلك الشكل.

لما عادت؟

ولما أيضًا أخفت هويتها عنه؟

أسئلة كثيرة يريد إجابتها ولا يوجد أحد يريحه ويخبره بحقيقة أمرها

ضغط على ساعة يده ليعرف الوقت فقد تعدت التاسعة صباحًا ولم تأتي

تذكر حينما ظل منتظرها امام منزلها 

ومحاولاته الكثيرة التي باءت دائمًا بالفشل حتى سافر


عودة للماضي 


خرج من الميناء وتوجه إلى سيارته وهو يشعر لأول مرة بلهفة وشوق إلى القاهرة.

كان يبغض الذهاب إليها قبل معرفتها

لكن الآن اختلف الوضع تمامًا 

مر اسبوعين تذوق فيهم مرارة الفقد وكأنها ألفت روحه وألفتها

انطلق بسيارته إلى القاهرة وهو يسرع بها كي يصل إليها بأسرع وقت

وصل أمام منزلها من الباب الخلفي ثم تطلع إلى العلبة الموضوعة على المقعد المجاور له

لقد قرر أن في كل رحلة له أن يأتي إليها بإحداهن. 

اخرج هاتفه من سترته ثم قام بالاتصال على العاملة التي استطاع بعد عناء الوصول إليها وعندما أجابته تحدث بثبوت

_أيوة ياشهد أنا الكابتن داغر.

ارتبكت الفتاة وأخذت تتلفت حولها كي تتأكد من عدم وجود احد معها في المطبخ ثم تمتمت بخوف 

_حضرتك كدة هتوديني في داهية.

_مفيش داهية ولا حاجة وزي ما قولتلك كله بحسابه، طلعي الفون لأسيل.

اتسعت عينيها بصدمة وغمغمت باعتراض

_لأ طبعاً انت عارف لو حد شم خبر هيعملوا فيا ايه؟ دي ناس مبترحمش.

_متخافيش انتي بس هتوصلي الفون ليها وخلاص، يا إما ابعتيلي رقمها واخرجي برة الموضوع.

رفضت شهد اقتراحه

_لأ خلاص هطلع الفون وربنا يستر.

صعدت الفتاة وهي تتلفت حولها بقلق حتى وصلت لغرفة أسيل 

طرقت الباب فسمحت لها بالدخول وقد كانت تقرأ أحد القصص الإيطالية التي أخذتها معها

أغلقت الكتاب وهي  مندهشة من الارتباك الواضح عليها وسألتها

_في حاجة ياشهد؟

تقدمت منها بوجل وهي تشير للهاتف 

_أصل… أصل يعني…..

تعجبت أسيل وسألتها بحيرة

_متتكلمي في ايه؟

تركت الهاتف على الفراش واسرعت بالهرب قائلة

_في حد عايز يكلمك.

نظرت أسيل للهاتف ثم اخذته من فوق الفراش ونظرت به فإذا به رقم غير مسجل.


ترددت كثيرًا قبل أن تجيبه لكنها بالأخير وافقت ورفعت الهاتف لأذنها متمتمة بصوتها الرخو

_مين؟

تنفس داغر بأريحية وهو يعود بظهره للوراء وتمتم براحة

_أخيرًا قدرت أوصلك.

اعتدلت في رقدتها وقد شعرت بضربات قلبها تنبض بشدة عندما علمت صوته وقالت بوجل

_ايه اللي عملته ده؟ انت مجنون؟

رد داغر بدهاء 

_هبقى مجنون لو معملتش كدة

ردت من بين اسنانها

_انت عارف لو حد عرف ايه اللي ممكن يحصل؟

رد داغر ببساطة 

_هيحصل ايه اكتر من العذاب اللي عشته الفترة اللي فاتت دي.

نهضت أسيل لتوصد الباب جيدًا ثم تحدثت برجاء 

_كابتن داغر أرجوك …..

قاطعها هو برجاء أشد

_ارجوكي انتي تسمعيني، انا خلاص مش قادر أصبر أكتر من كدة

خلينا نتقابل لأن في كلام كتير عايز أقوله.

 

رغم رغبتها الشديدة بذلك إلا إنها قالت برفض

_لو سمحت ياكابتن اللي بتطلبه ده مستحيل وياريت…..

قاطعها بإصرار 

_ياريت انتي تبطلي مكابرة وتوافقي لأني مش هتراجع.

_انت متعرفش حاجة.

_لأ عارف كل حاجة، أسيل أنا أجازتي المرة دي خمس أيام بس وهغيب فيها اسبوعين مش هقدر اسافر من غير ما اشوفك ارجوكي توافقي.

لامس رجاءه قلبها لكن ليس بيدها شيء

هي ترفض ذلك خوفًا على كلاهما فإن علم والدها فلن يرحمهم 

لذلك التزمت الصمت ربما يفهم من ذلك أنها ترفض وبشدة

لكنه أبى الرضوخ لذلك وتحدث بلهجة مرحة قليلاً كي يخفف عنها خوفها

_أسيل لو رفضتي ممكن تقومي من النوم تلاقيني جانبك على السرير.

شهقت أسيل بصدمة من جرئته وخاصة عندما سمعت ضحكته تدوي في الهاتف وتابع تهديده 

_والله انا حذرتك وانتي حرة، ها موافقة؟

ترفض وبشدة لكن تحت إصراره وافقت مجبرة فتابع قبل أن تتراجع 

_هستناكي بكرة الساعة خامسة على أول التقاطع.

اغلق الهاتف قبل ان يسمع ردها

أما هي فقد شعرت بخوف شديد وعاتبت نفسها على الركض خلف ملذاتها


مضى الوقت بطيئًا على كلاهما حتى جاء موعدهم

وقفت أسيل أمام المرآة تمشط خصلاتها في شرود

ماذا إن اكتشف والدها خروجها؟

هل يستحق المجازفة بحياتها؟

أم هو مجرد شاب يلهو 

جلست على الفراش بكمد

لأول مرة تصادفها تلك الحيرة

طوال عمرها تمشي بخطوات ثابتة وتعرف جيدًا إلى أين وجهتها 

لكن الآن لا تعرف اتتبع قلبها الذي يحسها على الذهاب إليه 

أم تتبع عقلها الذي ينهاها عن المجازفة بحياتها 

لا، لن تذهب 

تطلعت إلى هاتفها الذي دونت عليه رقمه وقررت الاتصال به والاعتذار.

وقبل ان تتراجع اسرعت بإرسال رسالة له وكان محتواها

"أسفة مش هقدر" 

ثم قامت بإغلاق هاتفها.


اغلق هاتفه وألقاه بغضب على المقعد المجار له

لما عليه أن يتحمل كل ذلك العناء.

إن كان قلبه سيجعله بتلك الحماقة فعليه أن يمحيه من قرارته.

قام بتشغيل محرك السيارة ثم انطلق بها


حاول كثيرًا اخراجها من قلبه لكن مع كل محاولة يزداد حبها بداخله

وقف مستندًا بمرفقيه على سياج يخته ينظر لتلاطم المياه على جانبيه

ماذا يفعل كي يخرجها من حياته؟

هل يستخدم فتاة غيرها؟

لكن لن تفلح تلك الطريقة فقد أصبح يراها في كل فتاة تمر من أمامه

اغمض عينيه بشدة يريد محو صورتها من عينيه لكن بعدًا فقد استوطنت جوارحه ولن تخرج بتلك السهولة 

قام بخلع قميصه ثم قفز في المياه وأخذ يغوص بداخلها ويتعمق أكثر، ذلك المكان الوحيد الذي يستطيع أن يخطفه من شتاته لكن لم يفلح تلك المرة

أخذ يغوص ويتعمق أكثر لكن لا فائدة

صعد لسطح المياه عندما شعر بحاجته للتنفس فيخيل إليه صورتها خلف السياج تنظر إليه بابتسامتها الناعمة لكن سرعان ما اختفت وأصبح مكانها فارغًا تمامًا مثل ذلك الفراغ الذي تركته بداخله

ظل يسبح ويسبح حتى مغيب الشمس وقد توصل إلى أنه أصبح عاشقًا وعليه أن يحارب للفوز بها.

صعد إلى يخته ثم عاد به إلى موضعه

امام منزله بالإسكندرية 

ثم قام بتبديل ملابسه وأخذ سيارته وانطلق بها إلى القاهرة..


رن هاتفها مرة أخرى وتلك المرة كانت أمينة بجوارها فنادتها

_شهد تليفونك بيرن.

أغلقت شهد الموقد وأخذت هاتفها من امينة فيظهر الخوف جاليًا على وجهها مما جعل امينة تسألها

_في حاجة ياشهد؟

_ها… لأ دي واحدة صاحبتي.

خرجت من المطبخ إلى الحديقة ثم أجابت 

_يابيه انت كدة هتوديني في داهية.

رد داغر بثبوت

_متخافيش لو عملتي اللي هقولك عليه.

تلفتت حولها ثم قالت باستسلام 

_خير يابيه.

..

صعدت شهد وهي تحمل كوب العصير الذي طلبته أسيل ودلفت غرفتها وهي تقول بثبات رغم خوفها

_متشكرة ياشهد حطيه على الكميدون.

ازدردت لعابها بصعوبة ثم وضعته على المنضدة وخرجت مسرعة من الغرفة

صعدت شهد وهي تحمل كوب العصير الذي طلبته أسيل ودلفت غرفتها وهي تقول بثبات رغم خوفها

_متشكرة ياشهد حطيه على الكميدون.

ازدردت لعابها بصعوبة ثم وضعته على المنضدة وخرجت مسرعة من الغرفة 


انهت أسيل قراءتها ثم أغلقت الكتاب ووضعته أسفل الوسادة ثم تناولت العصير 

جالت بخاطرها صورته وذكرياتهم على الباخرة

تفتقده بشدة لكن عليها الثبات على موقفها حتى لا تعرضه وتعرض حياتها للشقاء

هي من اخطأت من البداية عندما خففت اللجام على مشاعرها واندفعت دون تفكير

لذا عليها تحمل عواقب فعلتها

شعرت أسيل بألم في معدتها ظنت انه ناتج عن رطوبة تعرضت لها 

لكن عندما ازداد أصبح لا يحتمل 

نهضت تبحث في الادراج عن مسكن لها لكنها توقفت عن الحركة إثر ازدياد الألم 

حتى أن صرخة صدرت منها دوت في المنزل بأكمله

أسرعت إليها أمينة وكذلك سليم الذي يجاور غرفتها على صوتها

_مالك ياأسيل في ايه؟

كانت مستلقية على جانبها تنبش في الفراش وغمغمت بألم

_بطني بتتقطع.

تقدم منها سليم وتغلبت مشاعر الأخوة على جموده لكنه احجمها وغمغم بفتور مصطنع

_لو تقدري تمشي قومي نروح للدكتور.

هزت راسها برفض وتمتمت بألم 

_مش قادرة اااااه.

انقبض قلبه بخوف ومال عليها يحملها ثم خرج بها من الغرفة وقلبه يتمزق ألمًا عليها لكنه لا يبدي ذلك فقد اعتاد أن يكون حادًا وحازمًا كوالده لذا احتفظ بوجومه وهو يحملها وذهب بها إلى المشفى.


قام الطبيب بالكشف عليها ثم قال لسليم

_هي اخدت أي أدوية؟

تطلع سليم إليها ينتظر منها إجابة فنفت أسيل قائلة بألم

_لأ.

زم الطبيب فمه بحيرة ثم تحدث 

_انا هكتبلها على أدوية تهدي الألم وتنيمها شوية والصبح ان شاء الله هتكون كويسة.

بعد ان طمئنهم الطبيب استئذن سليم ليتناول قهوته في كافتيريا المشفى

ونامت هي بفعل الأدوية


فتحت عينيها بتثاقل اثر تلك اللمسات الدافئة على وجنتها 

حركت عينيها بوهن لتنظر إليه فوجدته هو ينظر إليها بعينين قلقتين متمتمًا بأسف

_انا أسف.

أسبلت عينيها لفهمها مغزى كلماته ومدى تهوره ثم فتحتها بعتاب جعلته يشعر بمدى حماقته وتابع بأسف

_مكنتش أعرف إن جسمك ضعيف أوي كدة ومش هتقدري تتحمليها.

ازدردت جفاف حلقها وتمتمت بوهن

_جربتها.

أومأ لها مبتسمًا 

_مرة وانا في الكلية عشان آخد أجازة.

افترى ثغرها عن ابتسامة واهنة

_وأخدت؟

هز رأسه بنفي 

_اخدت جزة بدل الأجازة

ضحك الاثنين ثم تطلع اليها بحب وندم وقد عاتبه قلبه على فعلته تابع باعتذار حقيقي

_أنا آسف ملقتش طريقة غير دي أشوفك بيها، متعرفيش الأيام دي مرت عليا ازاي وحشتيني أوي.

رغم بغضها لفعلته إلا إن قلبها سامحه عندما لاحظت العشق الذي ظهر واضحًا بعينيه

رفع أناملها الرقيقة لفمه وقبلها بحب قائلاً 

_متقلقيش الصبح هتكوني كويسة، انا اطمنت من الدكتور.

سألها بمكر

_امم هتوافقي نتقابل ولا أشوف طريقة تانية.

تطلعت إلى عينيه التي ترمقها بحب لم ترى مثله من قبل وتمتمت بخفوت 

_انت طلعتلي منين؟

تنهد بتعب وتمتم بوله

_انتي اللي طلعتيلي منين؟ انا كنت راضي بحياتي زي ما هي ومكنتش بفكر في الحب ده خالص جيتي انتي ولخبطتي كل حاجة.


شعرت أسيل بصدق كلماته لذا سقطت حصونها أمام غزو مشاعره ورحبت بعشقه وتلك المشاعر التي اقتحمتها 

ملس بابهامه على وجنتها وتحدث بوله

_أنا مسافر كمان يومين ايه رأيك تتحججي بأي حاجة وتيجي الصبح اسكندرية هعيشك يومين مش هتنسيهم العمر كله.

هزت راسها بأسف

_صعب.

ابتسم بحب 

_مش صعب ولا حاجة انا عارف ان والدك عنده فيلا في اسكندرية ودي فرصتك انك تطلبي تسافري عشان تغيري جو.

_وان معرفتش؟

رفع حاجبيه بخبث

_لسة معايا حبوب كتير.

اغمضت عينيها بتعب

_تاني؟

حك رأسه بمزاح وقال 

_متهونيش عليا، بس ياريت انا كمان مهونش عليكِ

أومأت له

_هحاول

تذكرت أمر أخيها فتطلعت إليه بقلق

_داغر لازم تمشي دلوقت قبل سليم ما يرجع.

اومأ لها ثم قبل يدها مرة أخرى وخرج من الغرفة.


" وضحت شوية صح🤔؟"


٩&١٠

جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل التاسع

…………….


في الصباح 

دلفت أسيل الغرفة بمساعدة أخيها ثم ساعدها على الاستلقاء وسألها 

_بقيتي أحسن.

اومأت له بامتنان فهم بالخروج لكنها اوقفته

_سليم؟

تطلع إليها متسائلاً فقالت 

_عايزة أسافر اسكندرية مع دادة أمينة، يومين بس.

ظهر الرفض واضحًا عليه وقبل أن يفرضه عليها قالت له برجاء

_أرجوك هما يومين بس محتاجة اغير جو.


فكر قليلًا ولم يستطيع الرفض أمام رجاءها ثم تحدث بروية

_تمام هبقى اخلي عادل يوصلكم ويفضل معاكم لحد ما ترجعوا.

خرج من الغرفة ودلفت أمينة وهي تحمل كوب من الأعشاب الساخنة 

_قومي يا أسيل اشربي الاعشاب دي هتريحك.

اعتدلت في الفراش وقالت بلهفة

_يلا يادادة بسرعة جهزي الشنط عشان هنسافر اسكندرية 

قطبت أمينة جبينها بدهشة وسألتها 

_اسكندرية ؟ وانتي تعبانة كدة؟ وفي البرد ده؟

_لأ أنا بقيت كويسة خلاص يلا بسرعة قبل سليم ما يغير رأيه.

ضيقت أمينة عينيها بشك وسألتها

_في ايه بالظبط ياأسيل فرحتك دي مش مطمناني.

امسكت أسيل يدها وقالت بسعادة 

_فاكرة الشاب اللي قابلته على الباخرة وانا راجعة من ايطاليا؟

_اه فاكرة وفاكرة كمان إني قولتلك متحاوليش تقابليه ليكون بيلعب بيكي.

هزت راسها بنفي وقالت بسعادة 

_لا أنا اتأكدت من حبه ليا، جاني المستشفى وطلب مني أقابله في اسكندرية قبل ما يسافر.

قطبت جبينها بدهشة وسألتها 

_وسليم كان فين؟

_انتي عارفة سليم مش بيحب جو المستشفيات فأكيد كان قاعد في الكافتيريا، ها قولتي ايه؟

ردت أمينة بامتعاض

_لأ يا أسيل مش موافقة.

الحت عليها برجاء

_أرجوكي يادادة أنا كمان حبيته واتأكدت انه مش بيلعب بيا.

وبعدين انا عايزة اعيش سني اللي دفنته ما بين بيت بابا وبيت جدي، عايزة اشوف الدنيا شوية مش هفضل طول عمري محبوسة بين اربع حيطان، وأهو بالمرة تشوفي حازم.


وافقت امينة بعد رجاء وأستعدوا بالفعل قبيل الصباح ثم انطلقت السيارة بهم وقد حالفها الحظ بغياب والدها مع زوجته.


استقلت السيارة مع أمينة والسعادة تغمرها لأول مرة بحياتها

لأول مرة تشعر بأنها طليقة تفعل ما تشاء بعد أن لامس الحب قلبها

بعثت إليه رسالة تخبره بأنها آتية إليه ولم تعرف بأنه وراءها يقود سيارته خلف سيارتها.

وصلته رسالتها فتبسم بسعادة غامرة وهو يقرأها ورد عليها بأخرى

"عارف"

وصلتها رسالته فتسأله بدورها

"عرفت ازاي"

"عشان بيني وبينك مسافة لا تتعدى اتنين متر ولو عايزاني اكون جانبك ثواني وهتلاقيني بشاورلك من العربية"

"انت مجنون"

"هو أنتِ لسة شوفتي جنان سيبي نفسك انتِ بس وأنا هعيشك يومين عمرك ما هتنسيهم"

"مضطر اقفل عشان الطريق هروح البيت اغير لبسي وأجيلك خلينا على اتصال"


في الإسكندرية 

وقفت أسيل في الشرفة تنظر إلى البحر بشرود وسعادة عامرة لم تشعر بمثلها من قبل 

تشعر لأول مرة أن حياتها أصبح لها معنى لكن شيء بداخلها يسألها

هل ما تفعله خطأ أم صواب؟

هل الاهتمام الذي تراه والنظرات التي تؤكد لها مدى عشقه تستحق تلك المجازفة؟

ماذا إن كان يخدعها؟

ماذا إن كان يفعل ذلك مع كل فتاة يصادفها؟

لا تعرف ماذا تفعل

هل تواصل تهورها 

ام تعود قبل ان تفيق على صدمة لن تستطيع ردعها عنها.


انتبهت على صوت أمينة تسألها

_هتفضلي واقفة في البلكونة كتير؟ كدة هتبردي وتتعبي تاني.

التفتت إليها أسيل وقالت بابتسامة حائرة

_لأ متخافيش وبعدين داغر هيعدي عليا دلوقت عشان نخرج مع بعض.

لم تستطيع أمينة الوقوف أمام تلك السعادة التي ظهرت واضحة عليها لذا تركتها تخوض تجربة ربما تكون ناجحة 

سمع كلاهما صوت بوق سيارة فعلمت أسيل أنه جاء

فقامت بأخذ حقيبتها وخرجت بعد ان قبلت أمينة..


وقف داغر مستندًا بظهره على السيارة ينتظر مجيئها.

ابتسم حتى بدت نواجذه عندما وجدها تتقدم منه على استحياء وقد ارتدت ملابس محتشمة لا تتوافق تمامًا مع فتاة تربت في كنف الغرب.

كانت ترتدي بنطال و (تيشيرت) بنفس اللون مع سترة سوداء

ظل ينظر إليها حتى وقفت أمامه وقالت بخجل

_هنروح فين؟

تأمل بعينيه عينيها التي احتار في لونهما 

_تحبي انتي نروح فين؟

هزت كتفيها وقد شعرت بالاحراج من نظراته وقالت

_مش عارفة أنا معرفش اماكن هنا.

اعتدل في وقفته ثم فتح لها باب السيارة وقال بهدوء 

_طيب اركبي.

استقلت مقعدها وجلس هو خلف المقود وانطلق بالسيارة


كانت تنظر من النافذة وعينيها تجوب الأماكن باستمتاع فسألها داغر

_عجبتك اسكندرية.

ردت بحماس 

_أوي أوي، تعرف إني اول مرة أشوفها.

رفع حاجبيه مندهشًا فأكدت هي.

_جيت هنا مرتين، بس مكنتش بخرج فيهم، أخري اقعد على البحر ومبعدش عنه.

غزى الحزن صوتها وتابعت بخفوت كأنها تحدث نفسها 


_حتى في إيطاليا كنت ممنوعة من الخروج.

 كان بيبقى عارف كل تحركاتي وعشان كدة كنت برجع من الجامعة أفضل في البيت لحد تاني يوم.

لاحظ أنها تحدثت بتلقائية وخاصة عندما تابعت

_فى الآخر لقيت إن مفيش فرق بين بعدي عنه وإني اعيش معاه وعشان كدة لما ماما ماتت رجعت على طول.

توقفت السيارة أمام منزل كبير قريب من الشاطىء لا يفصله عنه سوى امتار قليلة وقال لها

_وصلنا.

تطلعت اليه بشك وقالت

_وصلنا فين؟

رد ببساطة

_بيتي.


فتحت أسيل باب السيارة وترجلت منها قائلة

_يبقى فهمتني غلط، بعد أذنك.

ترجل داغر مسرعًا كي يبرر لها

_أسيل استني انتي فهمتيني غلط

وقف أمامها يمنعها من الذهاب وتحدث برتابة

_انا مش جايبك البيت.

أشار بيده ناحية البحر على اليخت وتابع

_أنا جايبك هنا عشان تشوفي اليخت مش أكتر.

نظرت إليه بشك فأكد هو

_وحياتك ما بكدب عليكي، انا هدخل اجيب المفاتيح وانتي استنيني هنا.

وافقت أسيل ودلف المنزل كي يأخذ المفاتيح ثم عاد إليها وهو يشير بها

_عرفتي بقا إني مش بكدب.

أومأت له بابتسامة ثم سارت معه وساعدها على الصعود لليخت ثم سألها

_اتفرجي وقولي رأيك؟

سارت أسيل وهي تستكشف اليخت حتى وصلت للسياج وقالت 

_جميل أوي.

تقدم منها يقف بجوارها وينظر للمياه 

_طيب بما انه عجبك ايه رأيك في مغامرة صغيرة كدة.

لاح التردد عليها فطمئنها بثقة

_متقلقيش انتي في أمان معايا ده وعدي ليكي.


وافقت أسيل وشرع داغر بتشغيل المحرك وأبحر بها.

تولى داغر القيادة وأخذ ينظر إليها وقد تطايرت خصلاتها بفعل الرياح فجعلت قلبه ينبض بقوة ومشاعر وليده أخذت طريقها إليه 

لا يعرف حتى الآن كيف وقع في براثن عشقها بتلك السهولة 

كل ما يعرفه أنه عشقها حد الجنون 

ترك عجلة القيادة وتقدم منها ومازال مأخوذًا بسحرها 

وقف بجوارها مستندا بمرفقيه مثلها فنظرت إليه بابتسامتها التي جعلت قلبه يهدر بعنف وقالت ببراءة

_جميل اوي إنك تعيش الأجواء دي مع حد قريب منك.

هز داغر رأسه بنفي وقد تلاعبت به مشاعره اكثر من براءتها وتمتم بتخابث

_بالعكس أنا لو اعرف كدة مكنتش عملتها.

قطبت جبينها بحيرة وسألته 

_ليه بتقول كدة؟ انت مش مبسوط إني معاك.

نظر للمياه أمامه كي يسيطر على تلك المشاعر وقال بثبوت يتنافى تمامًا عمّ بداخله 

_بالعكس مبسوط جدًا وده السبب اللي خلاني اقول كدة.

ضيقت عينيها بحيرة 

_مش فاهمة.

تطلع إليها بابتسامة ماكرة

_بكرة لما تكبري هتعرفي، تحبي تنزلي المايه.

هزت راسها بنفي وقالت 

_الجو برد أوي وبعدين أنا مش بعرف أعوم.

قال بمكر

_اعلمك.


_برضه مش هينفع لأني مش جايبه هدوم معايا.

ابتسم بخبث قائلاً 

_تقصدي مايوه.

صلبت ملامحها وقالت بتحذير

_داغر.

رد بدهاء

_انتي ليه دماغك حدفت شمال أنا اقصد مايوه إسلامي ياقمر.

ردت باستنكار

_لأ، لا إسلامي ولا غيره.

داغر باستسلام 

_ماشي يا ستي انا هنزل بس اطلع ألاقيكي محضره الفطار لأني واقع من الجوع.


وافقت أسيل ونزل هو للأسفل كي يبدل ملابسه أما هي فقد دلفت المطبخ الصغير وقامت بتحضر الفطار

خرجت بعد قليل واقتربت من السياج كي تبحث عنه لكن لا أثر له في المياه

ذهبت للجانب الآخر لكن لم تجده أيضًا

زحف الخوف لقلبها وتلاعب الخوف بها فنادت عليه

_داغر.

انتظرت لتسمع صوته لكن لا من مجيب

ازدردت لعابها بوجل ونادت مرة اخرى وأخرى حتى توقف قلبها لحظات وقد ساورها الشك بأن يكون تعرض للغرق

وضعت يدها على قلبها واستدرات كي تبلغ لكنها اصتطدمت بصدره العريض مما جعلها تبتعد وتصرخ بفزع

_بسم الله  إيه يا أسيل مالك اتخضيتي كدة ليه؟

تطلعت إليه بغضب وقالت بصوت مهزوز 

_كنت فين وسايبني انادي عليك.

اندهش من ارتعاشتها 

_كنت تحت المايه ومسمعتش صوتك إلا مرة وخرجت على طول.

ابتسم قائلاً بمزاح يخفف به وطئت خوفها

_ايه افتكرتيني غرقت؟ ده حتى عيبة في حقي.


تطلعت إليه باحتدام

_انت بتهزر؟ انت عارف انا خفت عليك قد ايه؟

رفع يده ليمسح على وجنتها وسالها بمكر

_لأ معرفش.

 ازاحت يده بعيدًا وجلست على الأريكة بامتعاض منه


_ لا كدة انتي محتاجة جلست صلح ثواني هاخد شاور وأجيلك.

نزل داغر للأسفل وتركها بغضبها منه لوقت طويل حتى تغلب النعاس عليها ونامت رغمًا عنها.

وحينها خرج داغر فيجدها جالسة على الأريكة تغط في نوم عميق

تقدم منها وعينيه تلتهم ملامحها بعشق جارف

تلك الحورية التي خطفت أنفاسه من النظرة الأولى وجعلته يسقط صريعاً لها

ابتسم بحب وتقدم منها يحملها بروية كي لا يزعجها 

ثم نزل بها لغرفة النوم ووضعها بتروي على الفراش.

أخرج الغطاء من الخزانة ثم وضعه عليها وأغلق الضوء ثم صعد للأعلى.


دلف المطبخ وهو يشعر حقًا بالجوع والنعاس مثلها، شعر برغبة ملحة بأن يشاركها الفراش ويغمض عينيه على وجهها الذي بات يعشقه لكنه احجب تلك الرغبة كي لا يزعجها  

دلف المطبخ فوجدها قامت بعمل (سندوتشات) خفيفة كما يفضلها

هم بأخذ واحدٍ منها كي يتناوله لكنه رفض وقرر أن ينام مثلها وعند استيقاظهم يتناوله معًها 

دلف الغرفة المجاورة وقد كانت اصغر بكثير كأنها مخصصة للأطفال ثم أستلقى على الفراش ومازالت تلك الرغبة تراوده

ظل يتقلب في الفراش ورغم النعاس إلا إنه لم يستطيع النوم بسبب افكاره.

يبدو أنه اخطأ حقًا في مجيئهم وحدهم.

وبعد فترة طويلة استطاع التغلب على تلك الرغبة وراح في سباته.

❈-❈-❈

فتحت أسيل عينيها فتمر لحظة حتى استوعبت وضعها

نهضت مسرعة وعينيها تستكشف المكان

من الذي جاء بها إلى هنا

ساورها الشك وأخذت تتأكد من ملابسها.


ازاحت الغطاء ونهضت من الفراش ثم خرجت من الغرفة 

فتتفاجيء بتأخر الوقت وقد شارفت الشمس على المغيب

اسرعت بالنزول وطرقت على الباب الآخر وهي تناديه

_داغر.

فتح داغر عينيه فزعًا على طرق الباب فنهض مسرعًا يفتحه فإذا بها أمامه 

_ايه ياأسيل في ايه حد يصحي حد بالشكل ده؟

رفعت الهاتف أمام وجهه وقالت بغيظ

_انت عارف الساعة كام؟

دقق النظر فينصدم عندما وجدها الخامسة

فتمتم بدهشة

_معقول نمنا كل ده؟ طيب هغير هدومي ونرجع.


وقف خلف طارة القيادة ينظر إليها بين الحين والآخر بغيظ 

_كان هيجرى ايه لو صبرنا شوية لحد ما فطرنا حتى.

تطلعت أسيل في ساعتها وقالت بغيظ

_المغرب اذنت وحضرتك عايز تفطر؟

_يا ستي نعتبر نفسنا في رمضان ولا شكلك مكنتيش بتصومي في ايطاليا.

ردت بغيظ منه

_لأ طبعاً كنت بصوم، جدو وماما مسلمين على فكرة.

تطلع إليها بمكر وقال

_طيب ما تيجي نمثل اننا في رمضان ونروح عندي البيت تحضريلي الفطار باديكي الحلوة دي ونفطر في اوضتي.

زمت فمها بغيظ وتمتمت 

_على فكرة انت سافل.

هز داغر رأسه يدعي براءة مزيفة وقال بحيرة

_انا مش عارف ليه دماغك بتحدف شمال انا والله قصدي شريف، عندي تراس في الاوضة بتاعتي هواها بحري وايه! من الآخر.

زمت فمها بيأس منه ثم نهضت عندما 

رسى اليخت على الممر وهمت أسيل بالنزول منه لكنه منعها

_اهدي يابنتي كدة ممكن تقعي 

تقدمها داغر ثم ساعدها على النزول وسار بجوارها حتى وصلوا للسيارة 

وقف امامها وقال بشغف

_ماتيجي نتعشى مع بعض في مطعم قريب من هنا.

تطلعت إليه وهي تقول بأسف

_مش هينفع اتاخر عن كدة، زمان دادة قلقانة أوي.

_طيب ايه رأيك نقضي بكرة مع بعض انا شايف ان اليوم ده ميتحسبش، وبعدين في حاجة غالية عندي اوي عايز اهديهالك.

لمعت عينيها بسعادة وسألته

_ايه هي؟


_بكرة ان شاء الله هتشوفيها، بس لو مصرة تعالي معايا اوضتي تشوفيها هناك.

ضحك داغر عندما وجدها تفتح باب السيارة وتدلف بها قائلة

_لأ مش مستعجلة.

انطلق بالسيارة وعاد بها إلى المنزل وقبل ان تترجل منها قال برجاء

_هستناكي بكرة في نفس الميعاد.

فكرت قليلا ثم تحدثت باقتضاب

_هحاول.


عادت أسيل إلى المنزل فوجدت أمينة تنتظرها على أحر من الجمر 

وعند دخولها سألتها بحدة

_ممكن اعرف ايه اللي اخرك لحد دلوقت؟ وكمان قافلة تليفونك؟

تمتمت أسيل بأسف 

_معلش ياداداة بس الوقت اخدنا ومحستش بيه والمكان مكنش فيه شبكة.

عقدت أمينة حاجبيها بشك 

_ليه كنتوا فين؟

ازدردت لعابها بوجل وتمتمت برهبة 

_كـ..كنت معاه على اليخت.

اتسعت عينيها بصدمة 

_لوحدكم؟

أومأت أسيل بصمت دون التفوه بكلمة فتحدثت امينة بعتاب

_هي دي تربيتي ليكي ياأسيل! ولا السنين اللي عيشتيها برة خلتك تنسي اللي زرعته جواكي.

رمشت بعينيها مرات متتالية وتمتمت بنفي

_دادة انا معملتش حاجة غلط وبعرف اوقف أي حد عند حده، لو تمادى معايا هوقفه متقلقيش عليا.

_وتفتكري لما تبقوا لوحدكم وفكر يعمل حاجة انتي هتقدري تدافعي عن نفسك.

أكدت بثقة 

_ايوة يادادة أعرف، وبعدين داغر انسان كويس جداً ولو في دماغه حاجة كان عملها لما كنا مع بعض في الجزيرة

لاح الرجاء بعينيها وهي تتابع

_أرجوكي يادادة أنا عايزة أعيش لنفسي مرة واحدة بس، أنا اول مرة أحب مختبرتش الإحساس ده قبل كدة وعايزة اعيشه مع الانسان اللي اخترته واختارني.

تأثرت أمينة بحديثها ثم قالت بمحايدة 

_يابنتي هو انا مش عايزاكي تفرحي بس انا بقول نحكم عقلنا ومننجرفش ورا مشاعرنا

متعمليش زي الحصان اللي عاش عمره كله محبوس وأول ما فتحوا القفص له جري ومعرفش هو رايح فين ولا طريقه ده أخره ايه.

دنت منها أسيل لتحتضنها وقالت بحب

_متخافيش عليا، كل حاجة علمتهالي محتفظة بيها ومش هغيرها.

ربتت امينة على ظهرها

_ولو مخفتش عليكي انتي هخاف على مين، ربنا يبعد عنك شر النفوس ويحميكي يا بنتي.


❈-❈-❈


في اليوم التالي 


استعدت أسيل للذهاب معه ونزلت الدرج وهي في قمة سعادتها 

لم تقبل امينة تصرفها لكن رؤية السعادة في وجهها جعلتها ترضخ لها

خرجت أسيل من المنزل فتتفاجئ بحازم أمامها

_أزيك ياأسيل.

ارتبكت أسيل وردت وهي تنظر إلى سيارة داغر التي توقفت على بعد أمتار منهم

_الحمد لله بخير.

كانت نظرات حازم تلتهمها وهذا ما لاحظه داغر

لا يعرف من يكون ولا صلة قرابتهم

لا يعرف سوى تلك الغيرة التي جعلته  يضغط على موقد السيارة بغضب وهو يراها تبتسم وهو يحدثها

لم يستطيع التحكم في غيرته عليها ونظرات ذلك الشاب لها واضحة وضوح الشمس 

هم بالترجل من السيارة كي يذهب إليهم ويجذبها ليخفيها عن نظراته لكنه تراجع ما إن رأه يدلف للداخل وتأتي هي إليه.

فتحت باب السيارة وجلست بجواره وهي تقول بابتسامة 

_معلش اتاخرت عليك.

اندهشت أسيل عندما وجدته ينطلق بالسيارة دون قول شيء مما جعلها تتعجب من صمته 

فطوال الطريق يضغط بقبضته على المقود وعلامات الغضب واضحة عليه حتى وصلوا للشاطئ 

لم تفهم سبب لذلك الصمت الذي يؤكد مدى تعصبه

أوقف السيارة جانباً وحينها وجدته يلتفت إليها والغضب مرتسم في عينيه وغمغم بتحكم

_مين اللي كنتي واقفة معاه ده؟

اهتزت نظراتها وشعرت بالخوف من حدته فتمتمت بتوجس

_دا حازم ابن دادة أمينة.

ضرب على مقود السيارة بقبضته وغمغم بسخط

_ولما هو ابن دادة امينة بتقفي تتكلمي معاه ليه؟

أجفلت من صوته وظهر أمامها بجانب آخر مما جعل الخوف يتسرب إلى قلبها وردت بحذر

_عادي حازم زي أخويا…

صرخت أسيل بفزع عندما قاطعها بصوته الهادر

_لأ مش زي أخو…..

توقف داغر وتحول غضبه للقلق عندما لاحظ ارتعابها وأمسك يدها التي وضعتها أمام وجهها بحماية وتحدث بقلق

_في ايه ياأسيل….

سحبت يدها وهي تتأوه بفزع مما جعل قلبه يهدر بقوة خوفاً عليها وتمتم بلهفة

_أنا أسف انا بس اتعصبت من غيرتي عليكي.

هم برفع يده إليها كي يملس على رأسها بهدئها لكنها صرخت بفزع ورفعت يدها تحمي وجهها مما ادهش داغر 

حاول أبعاد يدها عن وجهها لكنها اجفلت وفتحت باب السيارة هاربةً منه ومن الجميع

خرجت مسرعة تريد الهرب لكن إلى أين؟

كانت كلماتهم تتردد في اذنها

لا تفعلي لا تذهبي لا تنظري لا…لا…لا

وضعت يدها على أذنها تكتم تلك الأصوات التي زادت بصوت داغر 

كانت تستمع لصوته يناديها مما جعلها تسرع في ركضها كي تهرب منه كما لم تهرب من أهلها

تعثرت في ركضه‍ا وسقطت على ركبتها فهمت بالنهوض والهرب لكن داغر أمسك بها يمنعها

_إهدي يا أسيل، اهدي متخافيش 

حاولت الإفلات منه لكنه أحكم قبضته عليها وقرب رأسها من صدره متمتمًا بخفوت 

_انا اسف إن كنت اتعصبت عليكي.

استكانت أسيل ببكاء بين يديه وهم جالسين على الرمال وذكريات من الماضي تقتحم مخيلتها وبقوة

أصوات هادرة يعقبها صفعة قوية 

وعقاب قاسي يعقبه حبس انفرادي

هل اكتمل الأمر لديها بوجوده.


خرج داغر من المطبخ وهو يحمل كوبين من القهوة وقدم واحدًا لأسيل التي جلست على الأريكة بشرود 

انتبهت للكوب الذي يحمله بيده فأخذته منه بابتسامة مجاملة وعادت لصمتها

جلس داغر على المقعد المقابل لها وسألها بحنان مفرط

_بقيتي أحسن؟

اومأت على نهج صمتها فعلم داغر بأنها تعذبت كثيرًا بحياتها

فقال بتروي

_انا عارف إني اتعصبت عليكي واتماديت بس صدقيني ده كان نابع من غيرتي مش اكتر.


تنهدت وهي تنظر للكوب بين يديها وردت بحيطة

_الموضوع مكنش مستاهل كل ده، حازم انا وهو متربيين مع بعض يعني اللي بينا مش أكتر من أخوه.

زم داغر فمه يحاول السيطرة على اعصابه عندما تذكر نظراته لها والتي تجزم بأن الأمر أكثر بكثير من مجرد أخوه فكان عليه أن يلتزم الصمت كي لا يفتح عينيها عليه 

فقرر أن يغلق الحديث ويتطرق إلى حديث آخر 

_ايه هنضيع اليوم زي امبارح ولا أيه؟

لاحت ابتسامة على محياها لكن يغلفها الحزن فتابع مزاحه

_ايه رأيك لو نروح عند چاك.

تجاوبت أسيل معه وقالت بعدم استيعاب 

_بس المسافة بعيدة اوي 

_على اساس إن انا سواق ميكروباص، انا قبطان ياماما 

وافقي انتِ بس وخلال ساعتين نكون هناك.

هزت راسها برفض 

_لأ خلينا هنا أحسن.

لم يريد الضغط عليها وقرر أن يستمتع بتلك الأجواء معها.


وقفا معًا على حافة اليخت يتسامران في أمور عديدة ثم سألها 

_جعانة؟

ضحكت أسيل بيأس منه وسألته

_انت ديمًا جعان كدة؟

نفى داغر وقال بغيظ

_لأ بس حضرتك رفضتي تأكليني امبارح ولما روحت كسلت اعمل أكل لان مفيش حد غيري في البيت، اكتفيت بساندوتش واحد وتقدري تقولي كدة شوب نسكافيه 

_ماشي ياسيدي في اكل في التلاجة ولا نرجع نشتري.

نهض داغر وهو يجذبها من يدها

_لا كل حاجة موجودة في التلاجة.


دلفا معًا وبدأ داغر يخرج اللحوم من المبرد ويشرح لها كيفية طهيهم

_اللحوم الشرايح دي نص تسوية يعني هتتحمر على نار هادية وخلاص.

أشار على احد الأدراج

_الدرج ده هتلاقي فيه كل حاجة محتجاها

وانا بقا هعمل دور سي السيد انزل البحر شوية واستناكي تخلصي.

_يا سلام، والسلطة مين هيعملها؟

حك ذقنه بمكر

_مفيش غير السلطة يعني، ما تخليني احمر معاكي اللحمة.

هزت راسها برفض 

_لأ متشكرة اعمل السلطة بس.

جلس داغر على المقعد وقد وضعت أسيل الخضروات أمامه وشرع في تحضيرها

اخذ يرمقها بنظراته وهي تتحرك مثل الفراشة أمامه وتعد الطعام

تمنى في ذلك الوقت ان تكون زوجته ويقف خلفها يشاركها في كل شيء

أراد أن يقف خلفها ويمسك بيدها ويعدا الطعام معاً كشخص واحد.

لا يعرف كيف تسللت إلى قلبه وهدمت جداره الصلب بتلك السهولة 


كانت تضع خصلاتها بين الحين والآخر خلف أذنها مما جعل وتيرة تنفسه تعلو ورغبة ملحة في منعها ليقوم هو بذلك الدور لكنه احجم تلك الرغبة ومنعها من ذلك التهور.

حاول الانشغال بإعداد السلطة كي يمحو تلك الافكار من رأسه فقال بمزاح

_بس شكلك ست بيت شاطرة، اومال ايه بقا فيلا في القاهرة بخدم وايطاليا والكلام ده.

وضعت أسيل الشرائح في الأطباق وقالت 

_جدو من محبين المطبخ وفي بداية حياته فتح مطعم واشتهر بيه جدًا وواحدة واحدة المطعم كبر أوي وبقى من اشهر المطاعم في روما ولأنه مسلم فكل العرب اللي عايشين هناك والمسلمين الإيطاليين كمان كانوا بيروحوا مطعمه، وانا بقا طلعت زيه.

وضعت باقي الطعام على الطاولة وسألته

_تحب تاكل هنا ولا برة.

حك ذقنه بمكر قائلاً 

_أنا بقول بره أحسن عشان المكان هنا مغري جداً.

لم تفهم أسيل مغزى حديثه لذا قالت ببراءة

_خلاص خلينا هنا.

حمحم داغر وقال بتبرم

_لأ خلينا برة احسن.

حملوا الاطباق معًا وخرجوا للسطح ثم وضعوها على الطاولة وشرعوا في تناوله

سألته أسيل

_الأكل حلو؟

ابتسم قائلاً 

_جميل جدًا تسلم ايدك.

سعدت أسيل بذلك الاطراء وردتها اليه وهي تتذوق السلطة

_والسلطة روعة بجد.

لاح المكر بعينيه وهو يقول

_تعرفي إن اليوم ده بحسه مميز أوي، يعني

حاسس كأننا اتنين متجوزين وفي شهر العسل(غمز بعينيه وهو يضيف بخبث) ما تيجي ندخل على فقرة التمثيل ونمثل عريس وعروسة.

تركت أسيل الملعقة من يدها وقالت بتحذير

_داغر.

رد داغر ببراءة مصطنعة 

_ايه ياقلب داغر انا قلت ايه؟ ده مجرد تمثيل مش أكتر.

_برضه بلاش كلامك ده عشان بيحرجني.

انهى داغر طعامه ومسح يده في المنشفة 

_ماشي ياقلبي مادام فيها احراج، تشربي شاي معايا.

نهضت أسيل وهي تحمل الاطباق

_خليك وانا هعمله انا خلاص شبعت.

قال برفض

_لأ خليكي انا بحب اعمل المشروبات بنفسي.

_وانا شبعت خلاص خلينا نعمله مع بعض.

دلفا معًا المطبخ وقامت أسيل بغسل الاطباق وأصر داغر على مساعدتها وطلبت منه أن يجففها بالمنشفة 

كانت تقف بجواره تتلامس اكتافهم دون قصد لكن كانت تعذبه بعفويتها ولا تدري شيء عن ذلك الصراع  الذى يجبره على ان يطيح بتعقله عرض الحائط ويأخذها بقبلة تاق لها منذ أن دخلا اليخت.

كان يرى معانتها وهي تحاول ابعاد خصلتها عن وجهها ولم تستطيع بسبب يدها التي انشغلت بالجلي

ودون إرادة منه ترك الطبق والمنشفة من يده ثم تقدم خطوة منها ومد يده ليبعد تلك الخصلة خلف أذنها.

بوغتت بفعلته وتراجعت خطوة للوراء عندما لاحظت نظراته الراغبة لها…….

جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل العاشر

…………..


افترى فمه بابتسامة مطمئنة عندما لاحظ خوفها 

نعم يرغبها ويريدها بكل جوارحه لكنه لن يفعل ما يؤذيها ابدًا هي أكبر من ذلك بكثير وعندما يفكر في فعلها ستكون بفرحة عامرة ورضى بينهما فتحدث بروية 

_متخافيش عمري ما هعمل حاجة تأذيكي.

تطلعت إليه بعينيها التي ملؤها الخوف فتابع هو بلهجة حانية بثت الآمان بداخلها

_لأن محدش بيأذي روحه وانتِ روحي يا أسيل.

تلاشى الخوف من عينيها وحلت محلها ابتسامة تحمل امتنان كبير لذلك الرجل الذي علمها معنى الحب فتابع هو بمزاح

_بس لو فضلتي تبصيلي كدة أنا مضمنش نفسي وممكن أرجع في كلمتي عادي.

ضحك كلاهما وأنهى عملهما جانباً إلى جنب وقد ازدادت ثقتها به بعد أن لامست الصدق بحديثه كما ازداد حبها بداخله

ثم صعدا للأعلى.


وقفا معًا على سياج اليخت يتناولا مشروبهما وطيور النورس تحلق أمامهما تبحث عن صيدها 

فتحدث داغر عن ذلك الجمال

_كل حاجة هنا مكتملة بالنسبالي 

البحر والهدوء (تطلع إليها) وانتِ يا أسيل 

تهربت بعينيها منه بحياء خاصة عندما تابع 

_ديمًا كنت بحس إن حياتي ناقصها ومعرفتش ايه اللي ناقصني غير بعد ما عرفتك.

استدار ليتطلع إليها وتقدم منها خطوة ليقول بوله

_من اول ما عيني جات عليكِ وانا حاسس بالاكتمال

رفع يده لتتلاعب أنامله بخصلاتها وتطلع بعينيها قائلاً 

_دلوقت بس أقدر أقول إن حياتي بقى لها معنى.

لم تتخيل أسيل أن تسمع مثل تلك الكلمات التي رسمها صوته الحاني على جدار قلبها

فقالت بشك 

_وياترى قلت الكلام ده لكام بنت قبلي؟

رفع حاجبيه بمكر 

_بوادر غيره ولا أيه؟

ردت وهي تتهرب بعينيها 

_تؤ مش غيرة بس بسأل.

ابتسم يطمئنها

_وحياتك انتِ معرفت في حياتي غيرك.

ظل يتحدثا لوقت طويل حتى شعر داغر بارتعاشها

كان الجو شديد البرودة حقًا

لذا انسحب بهدوء ونزل للأسفل ليأتي بغطاء خفيف ثم عاد إليها ليضعه حولها

ابتسمت له بامتنان لشعور الدفئ الذي خلفها به ثم وضع قلنسوة صوفية على رأسها وقال

_كدة دفيتي؟

اومأت له بابتسامة ثم سألته

_عرفت ازاي اني بردانه؟

استند بظهره على السياج وقال بوله

_مش لازم تقولي عشان أعرف.

خجلت من نظراته فابعدت عينيها عنه وقالت تغير مجرى الحديث

_انا مش عارفة انت ازاي بتقدر تنزل المايه في البرد ده

نظرت إلى ملابسه الخفيفة وتابعت

_حتى لبسك ديمًا خفيف.

رد داغر ببساطة 

_عادي انا اتعودت على كدة من ايام الكلية، كنا بننزل المايه الساعة ستة الصبح كنوع من أنواع التدريب وخلاص اتعودت على المايه الباردة، حتى بعد ما تخرجي منها تحسي بالدفى، تحبي تجربي؟

تمسكت بالغطاء اكثر قائلة

_لأ متشكرة.


بدأ داغر يحكي لها عن حياته وهي تستمع إليه باهتمام ثم سألها

_وانتي؟

سألته بحيرة

_أنا ايه؟

أراد أن يسمع منها ما يحسه ويلاحظه عليها

_محكتيش أي حاجة عن حياتك في بيت باباكي.

عاد الحزن يعرف طريقه إلى محياها لكنها رفضت اقتحام تلك الذكريات التي هي قادرة على تعكر صفوهم الآن لذا تهربت وهي تسأله

_انتي وعدتني بمفاجأة أيه هي؟

احترم داغر رغبتها بعدم التحدث في تلك الأمور ورد يجاريها

_بصراحة هما تلاتة.

اتسعت ابتسامتها 

_بجد؟ ايه هي؟

_ثواني.

غاب داغر وعاد بعد قليل حاملًا صندق صغير ثم قدمه لها قائلاً 

_افتحيه بنفسك لأني لقيته ورفضت افتحه إلا وانتِ جانبي.

اخذته أسيل وقامت بفتحه بحماس فتجد بداخله محار متوسط الحجم.

اخرجته من الصندوق وهي تنظر إليه بانبهار وقالت بدهشة 

_ده محار.

اومأ لها لعلمه ما يحتويه المحار ثم أخبرها ان تفتحه 

فتحته أسيل فتجد بداخله لؤلؤة لامعة فتتسع عيناها بذهول وقالت بعدم استيعاب 

_دي لؤلؤة؟

كان داغر يتطلع إليها بعشق وتمتم بوله 

_لؤلؤة لأحلى لؤلؤة شوفتها في حياتي.


تطلعت إليه بحب وأرادت في تلك اللحظة أن تحتضنه لكنها ابت فعلها وقالت بحب

_متشكرة أوي، أول مرة حد يهاديني.

ملس بأنامله على وجنتها وتمتم بعشق

_كل سفرية هرجع فيها بواحدة زيها.

لاح القلق على وجهها وقالت بخوف

_بس كدة خطر عليك.

رفع حاجبه باستعلاء

_ما قولنا عيب الكلام ده في حقي.

اعادت المحار إلى الصندوق وسألته

_طيب دي المفاجأة الأولى، ايه التانية؟

استند بظهره على السياج وقال 

_التانية إن السفرية اتأجلت يومين، يعني هنفضل اسبوع كامل مع بعض.

ازدادت سعادتها بذلك الخبر 

_بجد ياداغر؟

_بجد يا قلب داغر.

خجلت من كلمته وسألته عن الاخرى

_طيب والتالتة.

عاد المكر بعينيه وسألها 

_لازم تعرفيها؟

اومأت برأسها وهي تقول بإصرار 

_اه عشان خاطري.

حرك كتفيه باستسلام ومراوغة 

_بما انك انتِ اللي اصريتي يبقى اتحملي بقا. اندهشت من قوله وخاصة عندما قام بأخذ الصندوق من يدها ووضعه على الطاولة ثم جذب الغطاء من عليها تحت اندهاشها تلاها القلنسوة

_تعالي معايا.

سألته بدهشة 

_هنروح فين؟

واصل سيره 

_تعالي بس.

وقف بها على حافة اليخت وقبل أن تستوعب مقصده حاوطها بذراعيه وسقط بها في المياه


شهقت أسيل عندما طفى بها داغر على سطح المياه وتعلقت بعنقه وهي تقول بهلع

_داغر ليه عملت كدة؟ المايه متلجه أوي.

ضحك داغر وقال مهدئًا إياها 

_لما تسيبي جسمك للمايه هتحسي بالدفى.

تشبثت بعنقه أكثر لكنها تركت مسافة بينهم وغمغمت بخوف

_قولتلك مش بعرف اعوم أرجوك خرجني.

حاوط داغر خصرها بيد واليد الأخرى حاول أبعاد ذراعيها عنه وقال بتريث

_انتي كدة هتخنقيني، أهدي وسيبي نفسك للمايه وهي هرتفعك.

رفضت أسيل بخوف وتشبثت به أكثر فقال بتمهل

_كدة هتخنق منك وهنغرق احنا الاتنين.

ارتعبت أسيل وخففت من ذراعيها حوله وطمئنها هو قائلاً 

_متخافيش انا معاكي مش هسيبك ارخي اعصابك وسيبي نفسك للمايه، غمز بعينيه بخبث

_وليا.

ضحك عندما وجدها تزم فمها بغيظ 

ثم تراخت اعصابها وبدأت تتبع ارشاداته لكنها لم تتمكن بسبب خوفها

كان ينقلها من يده اليمنى لليسرى عندما يغوص بها للأسفل ويستمتع بتشبثها به 

ثم يطوف بها على سطح المياه

محاولات كثيرة باءت بالفشل فقالت برجاء

_داغر أرجوك أنا…..

قاطع صوتها وهو يسحبها لأسفل المياه كي لا تطلب منه الخروج

كم يصعب عليه تركها يريد أن يبقيها معه ولا يتركها لحظة واحدة وبعد وقت طويل قالت بخوف

_داغر كفاية خلينا نطلع من المايه.

وافقها داغر عندما لاحظ تعبها وساعدها على الوصول للدرج وما إن صعدت حتى شعرت برجفة شديد فقال لها وو يخرج من الماء برشاقة

_هتلاقي في الاوضة تحت شنطة فيها لبس ليكي تقدري تغيري الهدوم دي، ومتخافيش انا واثق انها هتيجي مقاسك

لم تستطيع التفوه بكلمة وكتمت غيظها منه حتى تبدل ملابسها وتشعر بالدفئ 

نزلت للغرفة واخرجت الملابس من الحقيبة وقد كانت عبارة عن بنطال سماوي وبلوزة صوفية بيضاء 

أوصدت باب الغرفة جيدًا ثم دلفت المرحاض كي تأخذ حمامًا دافئًا كي تزيل مياه البحر المالحة ثم ارتدت الملابس وخرجت إليه 

وجدته ابدل ملابسه بدوره ووقف منتظرها وهو يحمل كوبين من القهوة وسألها بابتسامة 

_بقيتي أحسن؟

ضحك عليها عندما اخذت منه الكوب بحدة وذهبت للأريكة لتجلس عليها

جلس بجوارها وهو يقول

_هتفضلي مبوزة كدة؟

نظرت إليه بغيظ

_عشان فاجأتني حضرتك.

رفع حاجبيه بمكر قائلاً 

_وهو انا يعني كدبت عليكي انا قولتلك مفاجأة.

ابتسمت أسيل رغمًا عنها وهي تشيح بوجهها 

نهض من مقعده ليجلس بجوارها وقال بولع وهو يداعب خصلاتها المبتلة

_بس تصدقي شعرك بيبقى أجمل وهو عايم في المايه كدة.

حمحمت باحراج ولمت خصلاتها على الجانب الآخر وقالت بتحذير

_قولنا بلاش الكلام ده.

تلكأت نظراته على الملابس التي ابتاعها لها وقال بخبث

_هو انا يعني قلت ايه، وبعدين اللبس ده طلع يجنن عليكي مكنتش اعرف انهم بالجمال ده.

اغتاظت أسيل أكثر وهمت بالنهوض 

_انا غلطانة اني سمعت كلامك وجيت معاك.

جذبها داغر من ذراعها واعادها إلى مكانها وهو يغمغم 

_متبقيش حمقية كدة انا قصدي شريف والله

ايه رأيك لو نروح الجزيرة بكرة، المكان هناك في النهار بيبقى حكاية، هتنسي نفسك.

تحمست لفكرته لكنها قالت بتردد

_بس المكان بعيد أوي.

_مش بعيد ولا حاجة هما ساعتين رايح وساعتين جاي واقل بكتير كمان.

تطلعت في ساعتها وقالت بقلق

_داغر….

أكمل عنها

_أخرنا ولازم أروح.

نظر داخل عينيها وتمتم بوله 

_ حاضر هروحك، بس الأول في حاجة عايز اعترفلك بيها.

علمت من عينيه ما يود اللسان البوح به لذا كان عليها الهرب، ليس الآن ، هي لن تستطيع اعطاء وعود ولا أخذها، فقالت بكمد

_بلاش دلوقت ياداغر، بلاش نتسرع وخلينا نفكر الأول.

اندهش من ردعها له 

_بس الموضوع ده احساس مش قرار بنتخذه بعد تفكير، أسيل انا الأحساس ده بشعر بيه لأول مرة ولو مش واثق انك بتبادليني نفس الشعور مكنتش اتواجدت معاكي في المكان ده.

تهربت بعينيها منه وقالت بآسى

_انت متعرفش حاجة.

_عرفت اللي عايزه وخلاص مش عايز اعرف حاجة تاني.

رفع انامله ليمحو دمعة سقطت على وجنتها شعر بها نار تكوي قلبه وتمتم بثقة

_من بعد النهاردة مش هسمح للدموع دي تعرف طريق عينيكي الا بالسعادة.


تبسمت عينيها من ذلك الحنان الذي يغدقها به وقررت ترك قلبها ينعم في بحور عشقه دون ان تفكر فيما يخبئه لها القدر

تريد ان تخطف لحظات سعيدة من الزمن ولا تفكر لحظة واحدة في عواقبه.


عادوا إلى الشاطئ وعادت إلى منزلها بمشاعر مختلطة

سعادة يشوبها خوف وخوف يشوبه راحة.


أما هو فتفاجئ بعمه في المنزل جالساً على المقعد يتصفح احد الجرائد فقال بابتسامة وهو يمل عليه يعانقه

_عمي حمدلله على السلامة جيت أمتى؟

جلس داغر بجواره وقال عمه بعتاب وهو يطوي الجريدة ويضعها على الطاولة أمامه

_عرفت إن اجازتك اتأجلت قلت آخد أنا كمان اجازة يومين واقضيهم معاك هنا مادام رافض تقعدهم معايا في القاهرة.

_معلش بقا انت عارف اني مش بحب ابعد عن اسكندرية.

تطلع إليه خليل بشك 

_مش عارف ليه بقالك اجازتين مش على بعضك، مرة تقضيها في القاهرة وطول الوقت سرحان ومرة في إسكندرية بس المرة دي مبسوط كدة زي اللي بتحب.

أيد داغر شكه

_حاجة زي كدة.

رفع خليل حاجبيه مندهشًا وسأله

_ودي طلعتلك منين وشقلبت كيانك كدة.

_من الباخرة وحياتك في الرحلة اللي قبل الأخيرة 

_امم باين الموضوع جد.


_جدًا، بصراحة هي دي اللي كنت بدور عليها من زمان.

_من اسكندرية ولا منين؟

_من القاهرة بس عندهم بيت هنا في اسكندرية هي بنت رجل اعمال اسمه حسين النعماني.

ردد خليل الاسم ثم تحدث بتذكر

_اه افتكرته بس الراجل ده سمعت أنه شديد اوي وصعب التعامل معاه.

رد داغر بثقة

_ميهمنيش المهم هي، وبعدين لو حصل نصيب واتجوزنا هنعيش هنا يعني هنكون بعيد عنه.

_على خيرة الله المهم خليني اتعرف عليها قبل ما نروح نخطبها، بس ياريت ميكنش الفترة دي لأن معايا قضية معقدة أوي.

اعتدل داغر في جلسته وقال بانتباه له

_قولي ايه هي يمكن اساعدك.

_جريمة قـ.ـتل والمتهم اللي قدامي بينكر الحادث وأنه مقتلش، والتحريات اللي قدامي بتقول أنه انسان كويس جدًا وملتزم وعمر ما اتشاكل مع حد، والولد فعلا حاسس ببراءته بس كل الأدلة بتأكد ان هو القا.تل

اندهش داغر وسأله

_وايه هو دافع الجريمة.

_الولد ده شغال أمن في شركة كبيرة وبيقول أنه كان هو والمجني عليه كانوا بيشرفوا على المكان وحسوا إن في حد في المكان اللي فيه خزنة الشركة ولما دخلوا لقيوا واحد فاتح الخزنة فعلاً وبيسرقها ولما حاول يمسكوه هاجمهم ووقعه في الأرض ولما زميله حاول يدافع عنه ضربه بمسدسه وبعدين هرب 

_والبصمات اللي على المسدس.

_أكيد كان لابس جوندي.

فكر داغر قليلًا ثم تحدث بثقة

_مش عارف ليه حاسس إن في لغز في الموضوع 

يعني اللي عمل كدة مكسرش باب ولا حتى الخزنة، يعني معاه نسخة من المفتاح ده لو مكنش المفتاح نفسه، ممكن يكون امين الخزنة أو …..

التزم داغر الصمت ففهم خليل مغزى صمته وأكده قائلاً 

_وده برضه نفس احساسي وده اللي مخلي صاحب الشركة بيصر على اتهامه.

انا هسلم القضية لشكري وهخليه هو اللي يدافع عنه.

_فعلاً القضية دي عايزة محامي متمكن وهتتحل بسهولة.

أيد رأيه

_إن شاء الله تظهر الحقيقة.


…………….


في اليوم التالي


نزل داغر الدرج فوجد عمه يتناول افطاره 

جلس على المقعد وهو يقول

_صباح الخير يا عمي صاحي بدري ليه؟

أخذ خليل فنجان القهوة يرتشف منه

_لأني راجع القاهرة دلوقت، في حاجات جدت في القضية وكمان عشان اسلم الورق لشكري.

رفع بصره إليه وقال بمغزى

_مش ناوي تقضي اليومين دول معايا ولا جات اللي اخدتك مني؟

ضحك داغر ورد بتأكيد

_متبقاش طماع بقا ياسيادة المستشار وسيب حاجة لغيرك.

نهض من مقعده وهو ينظر في ساعته

_ماشي ياسيدي تشبع بيك، يادوب بقا الحق اوصل القاهرة بدري.

خرج خليل وتطلع داغر إلى هاتفه وقام بالاتصال عليها

_صباح الخير.

ردت أسيل بنعاس

_صباح النور، صاحي بدري ولا انا اللي أخرت في النوم؟

داغر بابتسامة عريضة 

_أنا منمتش أصلاً وحضرتك تقلانه عليا ومردتيش تردي.

شددت اسيل من وضع الغطاء عليها لشعورها بالبرودة وقالت

_كنت عملة الفون صامت مسمعتوش.

تطلع في ساعته 

_ماشي يا ستي هصدقك المهم يلا بسرعة عشان نلحق نوصل بدري.

تمتمت أسيل بامتعاض

_مبلاش النهاردة لأني بردانة اوي

رد داغر بلهجة لا تقبل نقاش 

_لا ارجوكي مش عايز اضيع يوم واحد من أجازتي، تقلي كويس ومش هتحسي بالبرد.


❈-❈-❈


انتهت أسيل من تبديل ملابسها وقد ارتدت كنزة ثقيلة لشعورها بالبرد منذ استيقاظها وارتدت القلنسوة(ايس كاب) التي أهداها إليها داغر ثم أخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة 

ترجلت مسرعة فوجدت أمينة تخرج من المطبخ وهي تحمل طبق به (سندوتشات) خفيفة وقالت بيأس

_برضه مصرة على اللي في دماغك؟

اخذت أسيل واحدًا منهم وقبلت أمينة 

_هو النهاردة آخر يوم عشان هيسافر بعد بكرة.

همت بالخروج لكنها عادت تنظر إليها 

_لو اخرت شوية متقلقيش، يلا باي.

رغم اعتراض امينة لما تفعله الا إن رؤية السعادة التي تراها بها لأول مرة جعلتها ترضخ لها.

اما أسيل فقد ازداد شعورها بالبرد ما أن خرجت من المنزل 

وجدت داغر يقف جانبًا منتظر خروجها

فأسرعت تستقل مقعدها وهي تقول برعشة

_اقفل الازاز بسرعة لأن الجو برد أوي.


اغلق الزجاج وهو ينظر إليها بدهشة قائلاً 

_ايه يابنتي الهدوم دي كلها انا شايف الجو دافي النهاردة.

اخذت تفرك يديها ببعضها تستمد الدفئ 

_ده بالنسبة لك انت اما انا لأ.

_طيب اظهري وشك شوية انا مش شايفه حتى.

رفعت أسيل القلنسوة قليلاً وتطلعت إليه بغيظ

_ارتحت كدة.

غمز بعينيه قائلاً 

_ايوة كدة مش عم شرابي اللي قاعد جانبي.

انطلق بالسيارة حتى وصل لليخت ولم ينتهي شعورها بالبرد رغم دافئ السيارة

فسألها بقلق

_أسيل انتي كويسة؟ تحبي نلغي الرحلة دي ونروح لدكتور؟

هزت راسها برفض 

_لأ انا كويسة متقلقش يلا بسرعة عشان منأخرش.

نزلت من السيارة وقد شددت من وضع الكاب على رأسها ثم صعدت معه اليخت.

كان داغر يبحر بسرعة شديدة مما جعلها تشعر بالخوف وقالت بوجل

_داغر بالراحة شوية انا بدأت أخاف.

جذبها من يدها كي تقف بجواره فانتبه لسخونة يدها 

رفعها إلى خده وقال بقلق

_ايدك سخنه أوي.

بدأت أسيل حقا تشعر بالاعياء لكنها حاولت ان تبدو جيدة كي لا يقلق عليها ونفت قائلة

_لأ ده من الهدوم اللي لبساها بس.

لاحظ أيضاً ارتعاشتها التي تحاول السيطرة عليها وغمغم بامتعاض

_لا انتي فعلا سخنة.

هدئ المحرك حتى اوقفه ثم استدار إليها بقلق 

_انزلي ارتاحي على السرير لحد ما نوصل.

رفضت اسيل بإصرار 

_قولتلك انا كويسة وبعدين انا عايزة افضل جانبك.

انتهى ثباتها عندما لفحتها نسمت هواء باردة واعترفت باستسلام 

_انا فعلاً تعبانة أوي.

اسندها داغر وهو يقول برفق

_طيب تعالي.

ساعدها على الاستلقاء فوق الأريكة ثم جاء إليها ببعض الاغطية ووضعهم عليها رغم خطورة ذلك لكنه يريد تدفئتها حتى يصلوا للجزيرة والتي اوشكو على الوصول إليها 

تمتم داغر بحنو

_هنزل اعملك حاجة سخنة تشربيها لحد ما نوصل الجزيرة.

سألته باعياء

_قدمنا كتير؟

طمئنها 

_ربع ساعة بالظبط وهنكون وصلنا.


عاد داغر إليها بالكوب ليجدها تغط في سبات عميق.

وضع الكوب على الطاولة وجلس بجوارها كي يوقظها لكنها لا تجيبه

وضع يده على وجنتها التي تخضبت بحمرة تدعوا للقلق ووجد حرارتها قد ارتفعت أكثر


شعر بالاستياء من نفسه فقد اصابها الاعياء نتيجة ما فعله أمس.

عاد لتشغيل المحرك وابحر بسرعة أقوى حتى وصل في غضون دقائق 

وجد چاك يقف على الشاطئ يشير إليه حتى اوقفه 

قام داغر بحمل أسيل واسرع بالخروج من اليخت 

فسأله چاك

_ماذا حدث؟

اجابه وهو يسرع بالدخول للمنزل 

_تعانى من الحمى.

قام بوضعها على الفراش وقال له

_هل لديك ادوية لها؟

أومأ له

_نعم لدي.

خرج من الغرفة وعاد بعد قليل ببعض الأدوية وقال بهدوء 

_خذ، اجعلها تتناولهم معًا حتى اعد لها حساء الدجاج، ويفضل ان تخفف عنها هذه الملابس كي لا تكتم الرطوبة بداخلها.

أخذ الادوية منه ثم جذب المقعد ليقربه من الفراش بجوارها وأمسك يدها يحسها على الاستيقاظ 

_أسيل قومي ياحبيبتي خدي الأدوية دي.

همهمت أسيل بكلمات غير مفهومة وقد ازدادت حالتها سوء 

ازداد قلقه عليها وقام بنزع القلنسوة وكذلك تلك الكنزة الثقيلة رغم اعتراضها

_معلش اتحملي شوية عشان البرد يخرج من جسمك.

جذبت عليها الغطاء بوهن ومازالت الرعشة تنتابها فقال برجاء

_أسيل قومي خدي الحباية دي عشان خاطري.

همهمت بصوت غير واضح.

_مش.. بحب.. الأدوية.

جلس بجوارها على الفراش واضعًا يده خلف ظهرها يرفعها 

_معلش المرة دي بس.

وضع الدواء في فمها وساعدها في ارتشافه بالمياه

اعادها لوضعها وهم بالنهوض لكنها امسكت يده برجاء وتمتمت بوهن

_متسبنيش انا خايفة.

ربت على يدها التي تتشبث به وتمتم بوله 

_عمري ما هسيبك هفضل جانبك العمر كله.

وكأن هذه الكلمة اشعرتها بالأمان إذ أغمضت عينيها وغطت في نوم عميق.


❈-❈-❈


عاد سليم من الخارج في وقت متأخر وقد شعر بألم حاد في رأسه

قام بتبديل ملابسه وذهب لغرفة الرياضة كي يمارس تدريبه حتى يتعب ويذهب إلى النوم

لكنه لم يستطيع المواصلة وشعر برغبة ملحة بتناول قهوته

خرج من الغرفة وهو يجفف عرقه ودلف المطبخ فيتفاجئ بها داخله.


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الحادي عشر 

………………


تصلب سليم في وقفته عندما وجدها أمامه تقف أمام المقود غير منتبه لوجوده

ازدرد لعابه بصعوبة وهم بالعودة لكن قدماه أبت ذلك وكأنها ترفق بقلبه الذي ارهقه الشوق

يبدوا أنها كانت شاردة مثله حتى لم تنتبه لفوران اللبن وانسكب اغلبه على المقود

انتبهت له أخيرًا وقامت برفعه عن النار دون حاجز بينه وبين يدها فتصدر منها صرخة جعلتها هزت ذلك الجبل الصامت

استدارت ناحية المبرد كي تخرج ثلج تضعه على يدها كي يلطف الحرق قليلًا 

وما إن استدارت حتى صدرت منها صرخة عندما وجدته أمامها

فتمتمت باعتذار

_انا اسفة بس اتفاجئت بحضرتك مش أكتر.

همت بالتحرك لكنه اوقفها بحزم

_خليكي مكانك.

اهتزت نظراتها عندما وجدته يقترب منها ناظرًا إلى يدها التي أصيبت بحرق طفيف لكنه شعر به يكوي قلبه 

أخفت يدها خلف ظهرها عندما مد يده ليدها فبوغت بفعلتها ورفع عينيه إليها قائلاً 

_وريني ايدك.

ازدردت جفاف حلقها وتمتمت باهتزاز

_مفيش حاجة دا حرق بسيط

تطلع إليها لحظات قبل أن يقول بلهجته الحازمة

_قلت وريني.

لن تستطيع الوقوف أمامه بنفس صموده لذا حسها عقلها على أن تلوذ بالفرار من أمامه لكن قلبها الأهوج أراد أن ينعم بلحظة مسروقة من الزمن معه.

رفعت يدها المصابة وتمتمت برهبة 

_بسيط.

نظر إلى أناملها المصابة ثم تحدث بأمر

_تعالي ورايا.

بأقدام كالهلام سارت وعد خلفه فوجدته يتجه إلى غرفته 

فكرت في التراجع لكنها تعرفه جيدًا لن يتركها تهرب منه كما فعل من قبل.

دلفت الغرفة وتركت الباب مفتوح لكنه تحدث بأمر

_اقفلي الباب.

اقفلت الباب منصاعة إليه ثم أشار لها بالتقدم بعد أن خرج من المرحاض يحمل قنينة صغيرة 

تقدمت منه بأرجل مهتزة وتطلعت إليه فتجد أنه يجاهد كي يبعد نظراته عنها

جبل الجليد كما أطلقت عليه ولا تدري شيئاً عن النيران التي تشتعل بداخله.

بحنو بالغ فقد السيطرة عليه قام بوضع الدهان عليه فتتلامس اناملهم وكلاً منهم يتظاهر بالصمود أمام الآخر.

كلاهما يشعر بنفس الشوق وبنفس الألم لكن ليس بوسعهم فعل شيء

هذا قدرهم وعليهم ان يرضخوا له 

دق ناقوس الخطر عندما استسلموا لنظراتهم فتتقابل العيون بعتاب أقسى من الكلام

طافت عينيه بملامحها التي ارهقته وجعلته لا يرى غيرها

وكأنها ساحرة ألقت تعويذتها على قلب لم يعرف الحب إلى قلبه سبيلاً 

وبدون إرادة منه احتوى يدها الواهنة بين يده وأصبحت لغة المشاعر هي السائدة بينهم

نزلت نظراته إلى عينيها بسوادها القاتم كما حال خصلاتها

وترجلت بتباطئ حتى وصلت لثغرها بطلاءه الطبيعي وهنا عاد الناقوس يدق بشدة منبهاً إياهم لخطر مدمر لذا عاد يرسم الجمود على ملامحه وغمغم بأنفاس مضطربة 

_اطلعي برة.

بوغتت بأمره وهمت بالتحدث لكنه منعها بحزم 

_اطلعي واقفلي باب اوضتك كويس يا إما مش هكون مسؤول عن اللي ممكن يحصل.


لم تفهم مقصده لمدى براءتها

واخفضت عينيها بقهر ثم انسحبت من أمامه وخرجت من الغرفة فلم يجد أمامه سوى الطاولة الرخامية كي يخرج بها غضبه فأطاح بها لتتهشم على الأرض وحينها عاد لوجومه.

هكذا انشأ وهكذا شب

ألا يظهر مشاعره ولا يبديها لأحد حتى لو ملك روحه.

المشاعر ضعف وهو لا يريد أن يظهر ضعيفاً عليه أن يكون دائماً موضع قوة..


❈-❈-❈ 


ظلت أسيل مستلقية على الفراش لا تدري شيئاً من حولها وداغر جالسًا بجوارها يمسك يدها بقلق

يعاتب نفسه على تهوره وأنه السبب في مرضها.

وضع يده على جبينها فلاحظ أنها هدئت قليلًا 

ملس بأنامله على وجنتها غزاها احمرار خفيف من شدة الحرارة 

لا يعرف ماذا فعلت به حتى اسقطته صريعاً لها 

لقد وصل عشقه لها حد الجنون وكأنها أصبحت قطعة من روحه إن فارقته قد تفارق روحه معها.

قرب يدها من فمه يطبع عليها قبلة بث فيها مدى عشقه لها.

لن يتركها تبعد عنه وسيفعل المستحيل كي تكون له.

ترك يدها عندما

دلف چاك وهو يحمل الحساء وقال لداغر

_اجعلها تستيقظ كي تتناول الحساء فالادوية التي تناولتها تحتاج لغذاء جيد.

شكره داغر وتناوله منه ثم وضعه جانبًا كي يوقظها أولًا

فقد قاربت الشمس على المغيب وهم مازالوا على متن الجزيرة 

قد هدئت الحرارة لكن مازال جسدها لا يقوى على الحراك.

_أسيل قومي ياحبيبتي عشان تاكلي.

غمغمت أسيل بوهن

_يادادة سيبيني عايزة أنام.

وضع يده أسفل ظهرها يجبرها على النهوض وقال بغيظ

_لا انا عم عثمان مش دادة يلا اشربي الشربة دي عشان تفوقي شوية

حاولت الرفض لكنه أصر ووضع الوسادة خلف ظهرها فتمتمت بوهن

_مش قادرة يا داغر أرجوك سيبني أنام.

_معلش لازم تاكلي عشان العلاج اللي اخدتيه.

وافقت مجبرة ثم أصر داغر على أن يطعمها  بيده رغم تمنعها وجعلها تتناوله بأكمله

وضع الطبق جانبًا ثم سألها

_ها أحسن دلوقت؟

أسندت رأسها على الوسادة خلفها وقد بدأت تسترد وعيها قليلاً وقالت بوهن 

_حاسة بألم شديد أوي في جسمي.

_ده من اثر السخونة بس الحمد لله هدت شوية.

وضعت يدها على رأسها تشكو من ألمه ثم سألته

_هي الساعة كام دلوقت؟

نظر بساعة يده وتفاجئ بأنها تعدت الخامسة

_الساعة خمسة ونص.

شهقت بصدمة وسألته

_معقول انا نايمة كل ده، انا لازم أرجع دلوقت.

همت بالنهوض لكن الدوار أشتد بها ولم تقوى على الحركة.

_اهدي ياأسيل للأسف مينفعش نرجع دلوقت.

ردت بإصرار رغم وهنها

_لأ لازم أرجع دادة هتقلق عليا وممكن تتصل على سليم تقوله.

لم يفكر في ذلك الأمر حقًا 

لكن أيضًا لن يستطيعوا العودة الآن وهي بتلك الحالة ستزداد حالتها سوء

_انا هتصرف واتواصل مع حد يروح لها البيت ويعرفها.

وافقت أسيل مجبرة بسبب الألم الذي اجتاح كامل جسدها 

عدل داغر من وضع الوسادة خلفها عندما لاحظ رغبتها في النوم وقال بحنو لم ترى مثله من قبل

_نامي ومتقلقيش من اي حاجة.

أومأت اسيل وهي تحاول فتح عينيها بصعوبة، فقد اغدقها باهتمام افتقدته حقًا.

جذب داغر عليها الغطاء عندما استسلمت للنوم وخرج هو ليطلب من چاك الاتصال له بأحد معارفه.

❈-❈-❈


ظلت أمينة تزرع الردهة ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ فقد تأخر الوقت ولم تعود حتى هاتفها قيد الإغلاق 

لم يكن أمامها سوى الإتصال بحازم كي يتصرف هو 

اسرعت بفتح الباب عندما سمعت صوت السيارة بالخارج فظنت انها عادت لكن خاب أملها عندما وجدته حازم الذي ترجل من السيارة وتقدم منها يسألها بقلق

_خير يا أمي في ايه؟

اخطأت حينما بعثت له لكن ليس أمامها غيره فقالت بريبة

_أصل بصراحة أسيل خرجت من الصبح ومرجعتش لحد دلوقت.

تطلع حازم في ساعته ليجدها تعدت الثامنة 

سألها بقلق

_مقالتش هي رايحة فين؟

ازدردت جفاف حلقها بوجل لكن ليس بوسعها فعل شيء سوى مصراحته 

_أصل.. أصل.. يعني.

تحدث حازم بنفاذ صبر

_أصل ايه وفصل ايه ما تقولي يا أمي؟

_بصراحة أسيل اتعرفت على كابتن بحار وهي راجعة، ومن وقت ما جات هنا وهما بيتقابلوا، بس النهاردة من وقت ما خرجت الصبح مرجعتش.

كان حازم يستمع لها وشياطين الدنيا تتراقص أمامه من شدة غيرته وقال باحتدام

_وانتي ازاي يا أمي تسمحي بالمهزلة دي؟

تحدثت أمينه بقلة حيلة

_اعمل ايه بس، البنت لأول مرة بشوف السعادة في عينيها ومن كلامها عنه حسيت انه انسان كويس وفعلاً بيحبها.

اهتاجت اعصابه أكثر من حديثها عنه وسألها بانفعال

_اسمه ايه؟

_معرفش كل اللي اعرفه عنه اسمه داغر وكابتن سفينة مش أكتر.

خرج حازم من المنزل وهو لا يرى أمامه من شدة غضبه

وتوجه إلى الميناء كي يعرف معلومات عنه

وجد أحد الأمن واقفًا على البوابة الرئيسية فتقدم منه يسأله

_لو سمحت السفينة اللي هتطلع مين الكابتن اللي هيبحر بيها، لأني عندي فوبيا من البحر وعايز اسافر وانا مطمن.

رد الرجل برحابة

_من حظك الكويس بقا ان كابتن داغر هو اللي هيطلع على السفينة الجاية دي وده بقا أفضل قبطان في الميناء كلها.

استدرجه حازم اكثر

_بس انا سمعت عنه انه يعني اخلاقه مش كويسة…

قاطعه الرجل بنفي

_لا كابتن داغر ده حاجة تانية شخصية محترمة جدا وابن ناس اكابر وعيلة كبيرة في اسكندرية.

_هو ساكن فين؟

هز الرجل رأسه

_مش عارف بصراحة(أشار على أحد العمال) بس عم حسن هو اللي عارف العنوان 

نظر إلى حيث يشير فوجده رجل كبير السن ويغلق أحد الأبواب فتقدم منه يسأله بتهذيب

_انت تعرف عنوان الكابتن داغر أصلي عايزه في موضوع مهم جدا.

رد الرجل بقلق

_خير يا ابني في حاجة.

حمحم حازم باحراج وقال 

_حاجة خاصة مش هينفع اتكلم فيها بس حقيقي الموضوع مهم.

وافق الرجل وأملاه العنوان بحسن نية وانسحب حازم متواجهًا إليه


ذهب إلى المنزل الكبير وسأل حارس الأمن

_السلام عليكم 

رد الحارس السلام ثم سأله 

_كابتن داغر موجود؟

_لأ مش موجود من وقت ما خرج الصبح باليخت وهو مرجعش.

زم حازم فمه يحاول السيطرة على غضبه ثم سأله 

_هو متعود يغيب كدة في البحر.

_ده العادي بتاعه، تحب تسيبله رسالة لما يرجع؟

_لأ انا هجيله مرة تانية.

عاد حازم إلى المنزل وهو لا يرى أمام عينيه من شدة الغضب 

سألته امينة ما إن دخل المنزل

_عملت ايه ياحازم؟

أجاب حازم وهو يجلس على المقعد مستندًا على مرفقيه

_ملوش اثر، وانتي ازاي ياأمي توافقي على المهزلة دي.

_اعمل ايه بس، انا لما شفت السعادة اللي باينة عليها مقدرتش امنعها، أول مرة أشوفها مبسوطة كدة.

اشتعلت نيران الغيرة بقلب حازم ونهض يوليها ظهره قائلاً بانفعال

_بس ده برضه ميدكيش الحق انك تسيبيها تعمل كدة

استدار لوالدته وسألها بانفعال أشد ناتج عن غيرته

_نعرفه منين عشان تثقي فيه بالشكل ده وتسيبيها تخرج معاه كل يوم.

رمقته أمينة بضيق 

_احنا هنفضل نتكلم  كتير وسايبين البنت كدة

انتبه كلاهما لصوت الباب فذهب حازم لفتحه فإذا به شاب يقول

_مش ده منزل الآنسة أسيل 

رمقه حازم بشك وسأله

_انت مين؟

رد الشاب بتهذيب

_انا جاي من طرف كابتن داغر طلب مني اطمنكم عليها لأن المركب عطلت بيهم والصبح ان شاء الله هيوصلوا بالسلامة.


زم حازم فمه يحاول ضبط اعصابه فأومأ للشاب الذي انصرف مستقلاً سيارته وانطلق بها 


❈-❈-❈


عاد داغر إليها فيجدها مازالت غارقة في سباتها

وضع يده على جبينها فوجد الحرارة انخفضت أكثر 

شعرت به أسيل وفتحت عيونها بتثاقل وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة

أمسك داغر يدها واسرها بين يديه ينظر إليها بحب لم يشعر بمثله من قبل

نعم عرف الكثير والكثير لكن هذه وجد بها كل ما أراده.

ظل على حاله حتى أشرقت شمس الصباح تحاول التسلل خلسة من بين الستائر التي حجبتها عنهم

تململت أسيل في نومتها وفتحت عينيها لتجد عينين كغيوم السحاب آسرة تنظر إليها بعشق جارف

انشق ثغرها بابتسامة مشرقة اشرقت معها شمسه  

فتمتم داغر بحنو وهو يقبل يدها

_صباح الورد.

اسبلت جفنيها تومأ له ثم سألها

_بقيتي أحسن دلوقت؟

خرج صوتها متحشرجًا من أثر التعب

_أحسن بكتير (اخفضت عينيها بإحراج) تعبتك معايا.

_متقوليش كدة وبعدين انا السبب في التعب ده لو مكنتش نزلتك المايه مكنش حصل اللي حصل.

تطلعت أسيل لساعة يدها فوجدتها قد تعدت الثامنة صباحاً 

نهضت رغم تعبها وهي تغمغم 

_انا لازم ارجع دلوقت عشان دادة زمانها قلقانه عليا.

❈-❈-❈

ساعدها داغر للصعود على متن اليخت ثم أعد لها مشروب ساخن كي يدفئها.

طرق الباب فسمحت له بالدخول

دلف داغر بابتسامة مشرقة أشرقت روحها.

_عاملة ايه دلوقت؟

اعتدلت أسيل في رقدتها فسحب هو مقعد ليجلس عليه بجوارها فتمتمت بامتنان

_متشكرة أوي على اهتمامك ده.

رفع حاجبيه متسائلاً بمكر 

_إنتِ شايفه ده اهتمام؟ أصل أنا شايفه حاجة تانية.

ناولها الكوب وهي سألته بحيرة 

_حاجة تانية ازاي؟

ابتسم وقال بخبث

_حب مثلاً.

تطلعت للكوب بين يديها وقالت بحزن

_بالنسبة ليا انا معرفش افرق بين الاتنين….رفعت عينيها إليه…..لأني مـجربتش حاجة منهم.

كل شيء وكل حديثها يؤكد أنها مرت بحياة صعبة للغاية وكعادته بها لن تبوح بشيء لذا غير مجرى الحديث قائلاً 

_بقولك خلصي الكباية دي ونامي وانا هطلع فوق لأن الشيطان شاطر وبدأ يلعب في دماغي.

اومأت له بابتسامة فخرج من الغرفة وانهت هي مشروبها وعادت للنوم.


أوقف سيارته أمام المنزل وتطلع إليها باسف قائلاً 

_للأسف الرحلة خلصت ومعرفناش نستمتع بيها.

ابتسمت أسيل وتمتمت بوهن

_يبقى نعوضها مرة تانية.

تمتم باستياء

_تتعوض فين بقا، انا مسافر بكرة الصبح ومش هاجي إلا بعد ١٥يوم، ومؤكد هلاقيكي رجعتي القاهرة وهناك مش هنعرف نتقابل.


تناست أسيل ذلك الأمر فقد تلاشى كل شيء من تفكيرها تلك الفترة التي قضتها معه فقالت بأمل

_هحاول اقنع بابا واجي تاني قبل ما ترجع.

افترى فمه عن ابتسامة 

_بجد؟

اومأت له وهمت بالترجل لكنه تحدث برجاء

_هستناكي بكرة في المينا اشوفك قبل ما أسافر.

أهتزت نظراتها وتمتمت برفض

_مش هينفع انا مش بحب لحظات الوداع دي، وبعدين دادة مش هتوافق بعد اللي حصل.

نظر إليها برجاء

_نفسي تكوني اخر شيء جميل اشوفه وانا مسافر.

اتسعت ابتسامتها ولم تستطيع الرفض حينها فقالت بتسويف

_هحاول.

همت مرة أخرى بالترجل لكنه امسك يدها ليطبع قبلة حانية على باطنها وتمتم باشتياق

_هتوحشيني.

أومأت له بعينيها ثم ترجلت من السيارة فتتفاجئ بحازم يخرج من بوابة المنزل وحينها شعرت بأن دلو من الماء البارد سقط عليها

ازدردت لعابها وانتبهت لتوقف سيارة داغر فعلمت حينها بأن لم تتصرف بحكمة ستقوم مشادة بين الإثنين 

همت بالتحرك لكنها شعرت بأن قدمها كالهلام لا تقوى على السير 

لكن تحاملت وناشدة قوتها الواهنة أن تساعدها على الهرب من مشادة العيون تلك 

سارت بضع خطوات لكنها كانت تقربها من حازم الذي وجه نظراته إلى داغر والذي بدوره ترجل من السيارة كي ينادي عليها

_أسيل

التفتت إليه بأعين مهتزة وتطلع هو إلى حازم متحدثًا بلهجة واضحة التحدي

_ابقى طمنيني عليكي، وإن احتاجتي أي حاجة كلميني أنا.

هزت راسها بإيماءه بسيطة ثم واصلت سيرها حتى مرت من جوار حازم الذي أمسك ذراعها يمنعها من الدخول مما أشعل نيران الغضب في قلب داغر وخاصة عندما قال لها

_كنتي فين؟

أجفلت أسيل عندما سمعت صوت صفق باب السيارة تلاها يد جذبتها بكل قوة لتخفيها خلف ذلك الظهر العريض وصوته الهادر يدوي

_إن إيدك اتمدت عليها تاني أقسم لك إني هخليك تتحصر عليها.

لم يصمت حازم أيضاً وصاح به

_انت واقف قدامي وبتهددني بصفتك ايه؟

بوغت داغر بسؤاله وأراد في تلك اللحظة أن يخبره بأنه مالك قلبها لكنه تراجع عندما سمع ذلك الصوت الحازم

_أسيل.

التفتت أسيل لأمينة التي وقفت تنظر إلى الموقف باستياء فجذبت يدها من يد داغر وأسرعت باللولوج للداخل

تقدمت منهم وتطلعت إلى حازم قائلة بحزم

_اتفضل ياحازم لأنك اتأخرت على المستشفى.

هم بالاعتراض لكنها أصرت بحزم

_قلت يلا.

استقل سيارته وهو ينظر لداغر بتوعد ثم انطلق بها 

نظرت أمينة إلى داغر وتحدثت بتروي

_متشكرة أوي إنك تعبت نفسك ووصلتها لحد البيت، لحد هنا واتفضل انت كمان.


استطاع داغر التحكم باعصابه وعدم خوض جدال معها كي لا يخسرها فانسحب بهدوء وعاد إلى سيارته.


دلفت أمينة غرفة أسيل فوجدتها جالسة على المقعد ويبدو عليها التوتر

وعندما رأتها أسيل أسرعت إليها 

_عملتي ايه يا دادة؟

رمقتها بعتاب 

_ايه اللي انتي عملتيه ده يا اسيل؟ دي اخرت ثقتي فيكي؟

رمشت بعينيها وقد أخجلها عتاب أمينة ثم تمتمت 

_كان غصب عني يادادة، انا تعبت أوي ومقدرش يرجع بيا إلا لما خفيت.

_وبيتي معاه فين؟

نفت أسيل سريعًا وبررت قائلة

_الموضوع مش كدة خالص، كل الحكاية إني تعبت ….

قاطعتها أمينة باحتدام

_تعبتي يبقى يرجعك ويجيبك هنا او يوديكي المستشفى انما انه يبيتك معاه ده غلط وغلط كبير اوي كمان، ازاي جاتلك الجرئة وتسمحي لنفسك بده

بررت أسيل لنفسها قبل ان تبرر لها

_انا مكنتش في وعيي لأني كنت سخنة أوي 

تلاعب الشك في قلب امينة حتى تداركته أسيل وصححت قائلة

_بس مكناش لوحدنا، الحارس بتاع المنارة كان موجود، وبعدين انا مش صغيرة واقدر احافظ على نفسي كويس اوي.

ردت امينة بتهكم

_وكنتي هتحافظي على نفسك ازاي بقا وانتي بتقولي مكنتيش في وعيك.

اخفضت أسيل عينيها مما جعل أمينة تهدئ من انفعالها عليها وتقدمت منها لتقول بروية

_يا أسيل انا خايفة عليكِ، واللي بتعمليه ده غلط، حياة الجامعة اللي عيشتيها في ايطاليا غير الحياة هنا

هنا كل خطوة محسوبة عليكي وغلطة زي دي كانت ممكن تضيعك، ايه اللي كان يضمنلك أنه ميغدرش بيكِ وأديكِ بتقولي مكنتيش في وعيك.

نفت أسيل بثقة

_داغر مستحيل يأذيني.

_وعرفتي ازاي، من التلات ايام اللي قضيتهم معاه في البحر وانتي راجعه ولا الاربع ايام اللي خرجتيهم معاه هنا؟

تنهدت بتعب وتابعت بنصح

_يابنتي انا خايفة عليكي الدنيا مبقاش فيها أمان وده شاب حتى لو بيحبك وخايف عليكي ممكن يكون من النوع اللي بيضعف قدام رغباته ووقتها محدش هيجيب لوم عليه

اللوم كله هيكون عليكي.

تعلم جيدًا أنها لن تقتنع بنصحها لذا قالت بلهجة لا تقبل نقاش 

_احنا هنرجع القاهرة النهاردة 

حاولت أسيل الاعتراض لكن أمينة عارضت بحزم

_مش عايزة اسمع حرف تاني انا قلت هنرجع يبقى نرجع.


استسلمت أسيل لها وغادروا المكان بعد أن بعثت إليه رسالة تخبره بضرورة سفرهم للقاهرة

استمر غيابه عشرون يوماً ذاقت فيهم عذاب الاشتياق ولم يكن حاله افضل من حالها وهو يعد الدقائق حتى يعود لها


عاد والدها من سفره مع زوجته مما جعل أسيل تستاء من وجودها

فقد تزوج ابنة عمه بعد أن طلق والدتها.


دلفت مع والدها وهي تتأبط ذراعه بذلك الكبرياء والشموخ المعروف عنها

والتي تبالغ به في وجودها كأنها تخبرها بأنها هي الاحق به وأن والدتها لم تكن سوى غلطة دفع ثمنها 

لذلك تبالغ في ملابسها الباهظة الثمن والعمليات التجميلة التي ذهبت إلى الخارج كي تعود ابنة العشرون عامًا وقد كان لها حقًا ما أرادت.

تقدمت منها وهي تطرق بحذاءها ذو الكعب العالي فيصدر صوت اشمئزت منه أسيل ثم خلعت نظارتها فتظهر تلك الرموش الكثيفة حول عينيها التي تنظر إليها ببغض لم تستطيع ابتسامتها اخفاءه

_ازيك ياأسيل كان نفسي أكون موجودة لما رجعتي بس كنت في امريكا بعمل شوبنج وكنت مستنية بابي ييجي ياخدني.

أومأت أسيل بعينيها ثم تركتها وتقدمت من والدها لتقبله وبادلها هو بفتور كعادته 

_حمد لله على السلامة يا بابا.

وقفت شاهي تتطلع إليها وهي تقبل والدها والذي لم يهدئ فتوره معها تلك النيران التي تشتعل كلما وجدتها تقترب من والدها

تلك النسخة المصغرة من ليندا عليها ان تختفي من الوجود 

استئذن حسين وهو يقول باقتضاب

_أنا داخل المكتب 

تركهم دون ان يضيف كلمة اخرى وانتظرت شاهي حتى دلف وأغلق الباب خلفه فتتقدم من أسيل قائلة بتهكم

_انا قلت هترفضي ترجعي تاني بعد ما نفدتي بجلدك من هنا.

تحلت أسيل بالهدوء والذي تعلم جيدًا كم يستفزها وقالت ببرود

_عادي يا طنط ده بيتي ومسيري هرجعله.

اشعلت غضبها بتلك الكلمة وقالت باحتدام 

_انا مش نبهتك كتير متقوليش الكلمة دي؟

واصلت أسيل برودها

_اومال هقولك ايه، فرق السن بينا مش قليل فلازم اندهلك يا طنط

تقدمت منها تمسك ذراعها تهزها بغضب

_انتي قليلة الأدب

 وإن كانت ليندا معرفتش تربيكي انا اللي هعملها.

رفعت أسيل حاجبيها بدهشة مصطنعة 

_كل ده عشان قولتلك يا طنط؟ مش بدل ما اقولك يا ماما انتي ناسية انك أكبر منها بسنة؟

يعني لوكنتي اتجوزتي في سنها كان زمانك مخلفة أكبر من سليم.

لم تتحمل شاهي حديثها وهمت برفع يدها لصفعها لكن يد أسيل أوقفتها وهي تضغط على معصمها بقوة وتقول بتحذير

_أياكي تكرريها تاني لإني مبقتش أسيل بتاعة زمان.

تركت يدها وصعدت الدرج متجهة لغرفتها ونظرات شاهي الحانقة تكاد تقتلها بحدتها

حقًا لم تعد تلك الفتاة الضعيفة التي كانت تتحكم بها وبمصيرها

عليها ان تكسر شوكتها كي تعود كما كانت وتتخلص منها بأقرب وقت كما تخطط لأخيها.

ألقت نظارتها وتلتها الحقيبة ثم نثرت خصلاتها ودلفت غرفة المكتب وهي تدعي البكاء


جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل الثاني عشر 

………………


_اتفضل يا حسين بيه شوف بنتك واللي عملته فيا؟

رفع حسين نظره من الأوراق أمامه وتقدم منها يسألها بدهشة

_في ايه؟ وايه اللي عمل فيكي كدة؟

تظاهرت بالبكاء وهي تجيبه

_بنتك غلطت فيا وبهدلتني عشان بقولها تكلمني باحترام وبتقول انها مبقتش أسيل بتاعة زمان وكمان عايرتني اني مخلفتش منك.

انزعجت ملامح حسين ولم ينتظر ليسمع المزيد وخرج من مكتبه وهو ينادي عليها

_أسيل.

لم تكاد تصل لغرفتها عندما سمعت صوت والدها الجهوري فعادت لتنظر إليه من أعلى الدرج

_نعم يا بابا.

أشار لها بالنزول

_انزلي.

وجدت شاهي تخرج من غرفة المكتب وهي تنظر إليها بتشفي فعلمت أن الأمر سينتهي مثل كل مرة بالاعتذار لها

 

نزلت الدرج وتقدمت من والدها وقبل أن تتفوه بكلمة تهاوت صفعة حادة على وجنتها جعلت خصلاتها تتطاير حولها من شدتها

رفعت أسيل عينيها إليه فوجدته يرمقها بغضب وقال بهدر

_لو حياتك في ايطاليا نستك الاحترام يبقى الألم ده يفكر بيه واتفضلي اعتذري لشاهي على إهانتك ليها

كانت شاهي واقفة ترمقها بسخرية وتشفي 

يحق لها ذلك إذا كانت تملك مثل ذلك الزوج الذي يراضيها على حساب أولاده 

تطلعت إليه تناشد روح الأبوه بداخله وتمتمت بألم لم تستطيع اخفاءه

_بس يا بابا انا مغلطتش فيها هي اللي…….

قاطعها بغضب آمر

_قولتلك اعتذري من سكات.

ادعت شاهي التأثر وقالت بخبث

_خلاص يا حسين انا مسمحاها مفيش داعي للاعتذار 

اشعل حديثها وصوتها المنكسر نار الغضب بقلب حسين حتى أنه تناسى تمامًا ان من تقف أمامه ابنته ومن صلبه وقال بحزم لأسيل

_مش هعيد اللي قولته تاني.

أخفضت أسيل عينيها بألم وتعلم جيدًا بأن الأمر لن ينتهي إلا باعتذارها

واهمة إن ظنت لوهلة أن بإمكانها الوقوف أمام تلك المرأة التي تعلم جيدًا كيف تتلاعب على أوتاره

ولم يقدر والدها بأنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي ترضخ للذل مقابل أن يتم العفو عنها

شيء بداخلها يدفعها الإعتراض لكن تذكرت حينما فعلتها يوماً وكان عاقبتها ألم تعاني من كسرته حتى الآن.


بأقدام واهنة تقدمت منها أسيل وهي ترمقها بأنكسار وتعترف لها بأنها دائماً الفائزة وتشيد لها بذلك، أغمضت عينيها وتمتمت بصوت واهن

_أنا أسفة.

تظاهرت شاهي بعدم الاستماع لذا سألتها بخبث

_بتقولي حاجة يا سيلا؟

ازدردت جفاف حلقها ربما تزدرد معه ذلك الهوان لكن يبدو أنها ولدت بملعقة الذل بفمها لذا عادت ترددها

_بقولك آسفة.


رغم التشفي الذي ظهر واضحًا بعينيها إلا إنها قالت بلؤم

_هو انا يا أسيل بعمل كدة عشان أخليكي تعتذري! لأ خالص، انا يا حبيبتي عايزة نكون حلوين مع بعض ومنزعجش بابا كل شوية بمشاكلنا، انتِ خلاص كبرتي ومش كل شوية بابي هيعلمك ازاي تكوني ذوق ومهذبة في كلامك مع الناس، أنا وبتحملك إنما غيري مينفعش يتحملك يا قلبي.

اظهرت أسيل أمام والدها بأنها المخطئة الوحيدة ها هنا لذلك جعلت حسين يتابع سخطه

_اتفضلي اطلعي أوضتك ومتنزليش منها إلا لما اسمحلك.

تطلع إلى شاهي وتابع

_تفضل في اوضتها والأكل يدخلها هناك متخرجش لأي سبب، فاهمة.

تظاهرت بالاستسلام وهي تقول برضى مزيف

_حاضر يا حبيبي بس بلاش تزعل نفسك عشان صحتك، يا حبيبي احنا ملناش غيرك.


كان سليم واقفًا أمام باب المنزل يستمع لما يحدث لكنه لم يملك الجرئة للدفاع عنها


لذلك ظل واقفًا مكانه يشاهد في صمت حتى وجد أسيل تصعد الدرج بانكسار آلمه.

لا يملك الجرئة بوجود تلك المرأة، ليس الآن على الأقل..


❈-❈-❈


ظلت أسيل في غرفتها تأبى تناول طعامها رغم محاولات أمينة معها.

فقد لاقت من الذل والانكسار ما جعلها تزهد كل ما حولها

حتى محاولات داغر لها بسماع صوتها والاطمئنان عليها

لكنها لا تريد أن تجيب وهي بتلك الحالة

لا يجب أن يعرف شيئاً مما تمر به

لن تقبل ان ترى نظرة عطف او رئفة بعينيه

لا تريد سوى رؤية الحب بهما وكفى.

ازدادت محاولات داغر بالاتصال عليها كأنه يعلم بما تمر به حتى يأس من ردها.


القى الهاتف على الفراش بجواره ثم نهض وهو يشعر بالضيق لعدم الوصول إليها.

فلم يجد أمامه سوى الهروب إلى أعماق البحر كعادته

توجه إلى الخزانة الصغيرة وإرتدى ملابس خاصة بالغطس لكنها ليست مكتملة ثم خرج إلى سطح السفينة 

كان الموج عالياً والسفينة راسية تتراقص على لحن الأمواج العاتية 

سقط في المياه مما جذب انتباه زمائلة في الكبينة فقال أحدهم 

_داغر ده مجنون ازاي ينزل في مكان زي ده، وكمان مش اخد الادوات الكاملة معاه.


هز الآخر رأسه بيأس منه

_مفيش فايدة فيه كنت عارف انه هيعمل كدة.

امسك الهاتف وقام بالاتصال على كبينة المراقبة.

_نزل كاميرا تتبع للكابتن داغر تحسباً لأي خطر، ولو في اي حاجة كلمني فوراً.


…….


شعر داغر بالضيق عندما لمح كاميرا تتبع تسقط في المياه خلفه لكنه لم يعيرها اي أهتمام

يعلم جيدًا بأن يحيى زميله من فعلها كي يكون مطمئن عليه.

اخذ يغوص ويتعمق أكثر يريد أن يشغل تفكيره عنها قليلًا لكن يبد أن لا فائدة

فقدت استعمرت كل كيانه ولن يستطيع شيء ابعاد تفكيره عنها

ظل يتعمق أكثر دون أن يشعر حتى ابتعد أمتار عديدة 

وحينها وجد أمامه هوة سحيقة في القاع 

تطلع لسطح المياه فوجد أنه تعمق كثيرًا

رسى على مشارف تلك الهوة وأخرج الكاشف المضيء ليستكشفها فيجدها تشبه حفرة واسعة.

فكر في النزول إليها واستكشافها لكن تلك تعد مخاطرة قصوى

فكر في التراجع لكن روح المغامرة جعلته يفكر في المجازفة تلك.

تطلع إلى مؤشر الأكسجين فوجد أنه من الممكن ألا يتحمل كما أن الكاميرا المراقبة له لن تستطيع التصوير جيدًا داخل تلك الهوة.

لكنه قرر استكشاف المكان ولن يتراجع


نزل للأسفل وقد كان الظلام هو سيد الموقف والكاشف الضوئي يساعد بالقليل

اخذ يتعمق أكثر حتى لاحظ اعمدة تبدو أنها لسفينة

تعمق أكثر فبدأت تظهر أمامه سفينة قديمة غارقة في تلك الهوة

كانت اضاءت الكاشف محددة فلم يستطع تبينها جيدًا 

لذا توقف وأخذ يمرر الكاشف على المكان فيرى أنها كبيرة وقد مر عليها عقود وقد كستها الطحالب البحرية فلم تظهر أمامه سوى هيكل لسفينة

تقدم منها أكثر وولج داخلها فيجد بها أسلحة قديمة وصناديق لا عدد لها

كانت بها غرف قليلة وكأنها مخازن لتلك الصناديق.

فتح أحد الصناديق الموضوعة جانبًا فوجد أنها مغلقة بإحكام

تلفت حوله يبحث عن شيء يساعده في فتحها 

حتى سقطت عينيه على شيء يشبه الرمح مخصص للصيد 

أخذه وقام بفتح الصندوق به، وبعد محاولات كثيرة فتح معه

رفع الغطاء وأسنده على الحائط خلفه

فوجد به اسلحة قديمة قد عفى عليها الزمن، يبدو أنها لأحد القراصنة القدامى 

تركه وفتح الآخر وجد بداخله عملات ذهبية تعود لدولة إسبانيا قديمًا

أغلق الصندق وتطلع حوله فيجد حقيبة صغيرة معلقة على أحد الجدران.

تقدم منها وقام بفتحها فيجد بها صندوق صغير يحتوي على بوصلة ذهبية مرصعة بأحجار كريمة.

ابتسم عندما تخيل حبيبته أمامه ويهديها إياها.


انتبه فجأة لحركة قوية خلفه جعلته يستدير مسرعًا كي يعرف ماهيتها…


❈-❈-❈


في غرفة أسيل

طرق بابها فظنت انها أمينة فسمحت لها بالدخول

_ادخلي يا دادة.

انفتح الباب ودلف سليم بملامح جامدة عكس ما بداخله من تعاطف تجاهها

فقد تعود ان يكون حاد في تعامله كوالده

_سليم؟

اندهشت أسيل فور رؤيته وخاصة عندما تحدث 

_مشفتكيش من امبارح مع إننا في بيت واحد، قلت تكوني تعبتي تاني.

تعجبت أسيل فهذه تعد المرة الاولي الذي يظهر اهتمام بها فقالت بنفي

_لا انا كويسة بس انت بترجع متأخر بكون نمت.

اومأ لها على نفس فتوره ثم خرج من الغرفة

توقف عندما نادته

_سليم.

التفت إليها يسألها بعينيه فقالت بعد تردد

_عايزة اسافر اسكندرية.

قطب جبينه مندهشًا من تعلقها بذلك المكان 

_انتي مش لسة راجعة من قريب؟

ازدردت لعابها بصعوبة وقالت بتلعثم

_اه.. بس…

سألها بحيرة عندما توقفت

_بس ايه؟

رفعت بصرها إليه وتمتمت برجاء

_أرجوك يا سليم أنا مش متحملة اقعد في مكان واحد مع الست دي خليني اسافر يومين لحد ما اتأقلم على الحياة معها

تفاهم سليم مع حالتها لكنه تحدث برتابة

_بس ده أمر واقع ولازم هتعشيه، لو اصريتي على الهرب منه هتتعبي أكتر.

فركت يديها ببعضها وتمتمت برهبة 

_معلش ريحني واقنع بابا إني اسافر يومين مع دادة.

اومأ لها بصمت ثم خرج من الغرفة.


❈-❈-❈


انقبض قلبه عندما استمع لصوت خلفه فالتفت مسرعًا ليجد أحد الأسماك التي سقط عليها باب الصندق والذي تنسى أن يغلقه

فتقدم منه ليحررها ثم أعاد غلقه حتى يبلغ السفارة الإسبانية بذلك.

تطلع للمؤشر الذي إنخفض كثيرًا وأوشك على النفاذ.

فاكتفى حتى الآن وقرر العودة للباخرة قبل أن ينفذ تمامًا 

وأثناء خروجه من تلك الهوة سقطت الحقيبة من يده 

حاول الوصول إليها قبل أن تسقط لكنها كانت ثقيلة بالقدر الذي جعلها تسبقه لتسقط داخل السفينة

أخذ المؤشر يصدر صوت تنبيها للنفاذ لكنه لم يبالي وعاد إلى السفينة ليصل للحقيبة لن يترك شيء وهبه لها 

فقام بالمجازفة بحياته وعاد إلى السفينة 

حتى انتهى الأكسجين تمامًا 

تحامل على نفسه ووصل للحقيبة ثم قام بوضعها حول عنقه وخرج مسرعًا منها 

لكن أعاقه تعلق الجهاز في أحد الأسياخ الجانبية في السفينة فحاول تخليصها لكن حاجته للهواء جعلت قوته واهنة

تطلع إلى أول الحفرة فوقه فشعر بها بعيدة بالقدر الذي لن يجعله يصل إليها دون أكسجين.

لم يجد حل سوى نزع الجهاز عنه والصعود للأعلى بأسرع وقت.

لكن بدأت عضلات قدمه بالتشنج فأصبحت حركته ضعيفة لاعتماده على قدم واحدة ولن يستطيع الوصول 

ظل يعافر كي يخرج من الحفرة ويصل للكاميرا فينجده أصحابه لكن تشنجت قدمه الأخرى مما جعله يحمل على ذراعيه أكثر.


عليه أن ينجو ليس لأجله بل لأجلها

لن يكون سبباً في إحزانها بعد أن أقسم ألا تعرف الدموع إلى عينيها سبيلاً.


ظل يعافر وقد شعر بذراعيه تكاد تقتلع من شدة ضغط المياه عليها لكن لأجلها سيفعل المستحيل

بدأ الهواء ينفذ من رئتيه حتى أصبح على وشك الإغماء لكن لن يستسلم بتلك السهولة 

هو وعدها بالعودة إليها وعليه أن يعود بهدية أخرى، وقد كانت تستحق أن يجازف لأجلها

فهي بوصلته التي مهما تاه وفرقهم الزمان عليها ان تعرف أن لا ملجأ لها سوى عشقهما 

هي روحه التي حررتها من أسرها وجعلتها تهفو بنسائم عشق أذابته


لكن يبدو أنه اسرع دون أن يدري وبدأ يشعر بتنمل في ذراعه وكتفه الأيسر ونغزة حادة في صدره

بدأ عذاب وألم وعندها تشنج كامل جسده من شدة الضغط عليه وأعلن عن حاجته للتنفس وحينها توقف عن الحركة مستسلماً لمصيره 


وكانت صورتها آخر ما رآه، وتساءل قبل أن يفقد وعيه

كيف سيكون وقع ذلك الخبر عليها؟


❈-❈-❈


دلف سليم المكتب مع والده كي ينهوا اعمالهم بشأن الفرع الجديد الذي يريدون تاسيسه في الخارج

وبدأوا الانشغال به

طرق الباب ودلفت العاملة وهي تحمل القهوة

وسليم يحاول بشتى الطرق عدم النظر إليها رغم صعوبة الأمر

وهي أيضًا تظاهرت بالثبات وهي تضع القهوة أمامه لكن عذابها هي أشد وأقوى

هو يستطيع السيطرة على مشاعره وثباته كما عوده والده بألا يكون عبدًا لعواطفه وأن يكون هو المتحكم وليس هي

عكس تلك الرقيقة التي تخرجت من الملجئ وعملت عنده مجرد خادمة

تهادت القلوب وتآلفت لكن دون وعود ولا أحلام واهمة 

بل كان صريحًا معها من البداية" أحبك لكن لا أمل لمستقبل يجمعنا "

وعندما سألته لما قولتها إذًا 

أجابها بذلك الهدوء القا.تل كي لا أكون حرمت قلبي من قولها

ومن وقتها وكل واحدٍ منهم يتظاهر بالثبات 

ونيران الشوق تشتعل بداخلهم.

خرجت وخرجت روحه معها فروحه الخائنة لا تجتمع به إلا بوجودها 

يتعذب ويشعر بالألم كلما تنفس الهواء التي تتنفسه في مكان واحد لذا يفضل دائمًا الهرب بعيدًا عن دائرتها

بذهن مشتت واصل عمله مع والده وتحتم عليه أن يكون منتبهًا معه

عليه أن يبعدها عنه كي يحميها من بطش والده

بعد الانتهاء تطلع سليم إليه قائلاً 

_أنا عايز ابعت أسيل بكرة اسكندرية تقعد يومين هناك مع دادة أمينة 

رد حسين باقتضاب دون ان يرفع وجهه عن الاوراق

_لأ.

_انا مش شايف سبب للرفض الفيلا هناك متأمنة كويس وهخلي عادل يكون معاهم 

خلع حسين نظارته الطبية وتطلع لسليم قائلاً بجمود

_أسيل لازم تكون تحت عنينا لأن من صغرها وطبعها عاطفي، مقدرتش ازرع جواها اللي زرعته فيك بإن المشاعر ملهاش وجود في حياتنا يعني سهل أوي يضحك عليها

أوعى تفتكر إن حياتها في ايطاليا كانت بعيدة عن عيني، انا كنت متابع كل حركة وكل نفس بتتنفسه وهي كانت ملاحظة حاجة زي دي وعشان كدة هي كانت ماشية جانب الحيط بس لو حست إنها بحريتها هتنطلق فيها ووقتها الغلط هيكون مباح


يعلم سليم جيدًا بأنها نظرية خاطئة وإن ترك جزء بسيط من الحرية سيحاول الانسان بكل الطرق الحفاظ عليها

لكن ذلك السجن سيجعل الإنسان يحارب بكل الطرق كل ينول قسطًا منها 

_بس دادة أمينة هي اللي مربياها واكيد هتخاف عليها زينا وكمان هخلي عادل عينه عليهم مش شايف أي سبب للرفض.


وافق حسين على مضد ليس لأنه وافق على الفكرة لكنه وافق فقط كي لا يرفض قرار سليم

فقد عوده من صغره ان يكون ذا كلمة تسمع وقرار يتبع كي يجعله بذلك الجمود

ولا يعرف شيئاً عن ذلك القلب المتخفي بنبضاته العاشقة.


ظلت أسيل حبيسة غرفتها لا تخرج منها حتى الطعام يأتي إليها 

طرق الباب ودلف سليم بملامحه الواجمة وتمتم بجمود

_جاهزة بكرة الصبح للسفر ولا خليها آخر النهار.

لم تصدق أسيل ما أخبرها به سليم لذا سألته

_تقصد اسكندرية 

أومأ لها فنهضت مسرعة وهو ترد بفرحة

_من دلوقت لو عايز.

انفلتت ابتسامة خافتة من اسرها على فمه ورد باقتضاب 

_خليها بالنهار افضل عشان مقلقش عليكي، إن احتاجتي حاجة كلميني على طول.

اومأت له فخرج هو دون ان يضيف كلمة أخرى


❈-❈-❈


عاد إلى غرفته وخلع سترته ملقيًا إليها على المقعد أمامه ثم تلاها رابطة العنق والزرار الأعلى كأنه يشعر بالاختناق

ولما لا وكل شيء حوله يشعره بذلك وتلك القيود التي كلما كبر كلما أشتد وثاقها عليه

حتى عندما دق قلبه اختار المستحيل ليركض خلفه

فتح باب شرفته ليأخذ نفس عميق ربما يخفف من حدة الأختناق لكن مرت من امامه سارقة الأنفاس

تلك الفتاة التي صدمت به عندما كانت تهرب من ذلك الرجل الذي كان يطاردها لأنها لم تستطيع دفع أجرة السيارة التي نقلتها إلى فيلاتهم للعمل بها

تذكر كيف تحامت به ووقفت خلفه عندما دلف خلفها الرجل

فلاش باك


سار سليم في حديقة المنزل في يوم عطلته يستمتع بالسير بها وفي ذلك الوقت المبكر

حتى انه سمح للأمن بأخذ أجازتهم أيضًا كي يغلق البوابة الحديدية ويستمتع بذلك الهدوء وخاصة بعد انصراف أبيه وزوجته 

تفاجئ بفتاة تدلف مسرعة من البوابة وتختبئ خلف أحد الأعمدة 

قطب جبينه بحيرة وهم بسؤالها لكنه تفاجئ برجل يدلف خلفها يبحث عنها 

فقال سليم بحدة

_في ايه؟

انتبهت الفتاة لوجوده وظنته عاملًا به فأسرعت تتحامى به وهي تقول برجاء

_الحقني ياخويا بسرعة الراجل ده عايز يسرقني.

_أخويا

ردد اللقب بتعجب وقد ازداد الامر عندما تقدم الرجل منهم وهو يقول بانفعال

_تعالي يا حرامية انتي فاكرة ان في حد هيخلصك مني.

تدارت الفتاة خلفه وهم الرجل بجذبها لكن سليم منع يده للوصول إليها وقال بلهجة حازمة

_أبعد ايدك.

كانت لهجته هادئة لكنها حازمة جعلت الرجل يتراجع وغمغم بامتعاض

_دي بنت حرمية ركبت معايا من حدايق القبة لحد هنا بعشرين جنية.

تطلع سليم للفتاة خلفه وسألها

_صحيح الكلام ده؟

هزت كتفيها باستسلام فعاد بنظره للرجل وهو يخرج بعض الأموال من جيبه ومده لهم تحت نظرات الفتاة المنبهرة بالمبلغ الذي اخده الرجل

_من ايد ما نعدمهاش يا باشا، تؤمر بحاجة؟

لم يرد عليه سليم فانسحب الرجل وهو يعد المبلغ بيده حتى خرج من المكان.


استدار سليم لينظر إليها فوجد فتاة بسيطة تدل ملابسها انها تعيش حياة بائسة حقاً

لكنها جميلة، بل اكثر من ذلك

فسألها

_وانتي مش هتمشي؟

ارتبكت الفتاة وردت بتلعثم

_مـ…ـش لما…اعرف الأول انت اديت كام للسواق؟ 

قطب جبينه بحيرة وسألها 

_ليه؟

ردت مسرعة

_عشان اردلك الفلوس انت اكيد بتشقى بيها في البيت الكبير ده

رفع حاجبه بدهشة من وقاحتها وهم بالرد عليها لولا صوت شهد

_وعد..

التفت كلاهما لشهد التي تقدمت منهم بإحراج وقد باد عليهم انها سمعت جملتها الأخيرة فقالت بأسف لسليم

_انا أسفة أوي يا سليم بيه أصلها متعرفش حضرتك

جذبتها من ذراعها تدفعها أمامها وهي تقول بغيظ

_هتودينا في داهية منك لله.


باك

ابتسم سليم لتلك الذكرى لكن ابتسامته لم تلبس ولو قليلاً واختفت

ظلت عينيه تراقبها وهي تجلس وحيدة في حديقة المنزل وتمسح بيدها دموعها بين الحين والآخر 


❈-❈-❈

في مكان آخر 


ظل الرجل يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ حتى طرق الباب ودلف المحامي الخاص به

_ايه يا توفيق بقالي ساعة مستنيك.

وضع الرجل حقيبته على الطاولة أمامه وقال بانفعال وهو يجلس على المقعد 

_بحاول ادور على اي ثغرة تخرج ابنك من المصيبة دي.

جلس حامد قبالته وسأله بقلق

_يعني ايه؟

_يعني الولد رافض يعترف على نفسه رغم المبلغ الكبير اللي اتعرض عليه

والمصيبة الكبرى ان المستشار اللي ماسك القضية نزيه مش بيقبل أي رشاوي يعني سكتنا مقفولة.

ظهر الخوف واضحًا عليه 

_والعمل؟ لازم تشوف أي سكة للراجل ده.

رد المحامي بخبث

_ما هو ده بقا اللي جاي عشانه.

قطب الرجل جبينه بحيرة فيضيف المحامي

_خطة هتخلي المستشار ده ييجي يبوس على ادينا مش بس يلبس الولد ده القضية.


………….


اغلق خليل الملف أمامه ثم عاد بظهره للوراء وهو يتنهد بتعب

فتلك القضية معقدة حقًا 

فذلك الشاب ينفي التهمة وهو بخبرته يستطيع معرفة إذا كان صادقاً أم لا

الجلسة القادمة ستكون الأخيرة وسيعمل بكل الطرق على اظهار الحقيقة 

ضغط على الزر فيدخل السكرتير الخاص به

_اؤمر يا فندم

قدم الملف له وهو يقول

_اعملي نسخة من الملف ده وهاته فورًا

أخذ السكرتير الملف وذهب ليطبع النسخة أم شعر بالتعب وقرر الانصراف والعودة للمنزل 


عاد خليل إلى المنزل فوجد فتاة في العشرين من عمرها تنتظر أمام البوابة الداخلية 

تقدم منها ليسألها عن سبب وقفتها لكنها بدأت هي

_حضرتك خليل بيه.

رد خليل متعجبًا 

_ايوة يا بنتي خير؟

فركت الفتاة يدها بتوتر وقالت

_أصل انا جاية تبع مكتب "مديرة منزل" كنت جنابك كلمتهم عشان عايز شغالة.

تذكر خليل ذلك الأمر 

_اه اه افتكرت ادخلي جوه عند أم وجيه وهي اللي هتعرفك شغلك هيكون ازاي.

أومأت الفتاة ودلفت خلفه ثم أشار لها باتجاه المطبخ.

يتبع


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات جديده هتعجبكم من هنا


أجدد وأحدث الروايات من هنا


روايات كامله وحصريه من هنا




وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close