القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية رد شرف الفصل الثالث بقلم وسام الأشقر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

اعلان اعلى المواضيع

رواية رد شرف الفصل الثالث بقلم وسام الأشقر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 

 رواية رد شرف الفصل الثالث بقلم وسام الأشقر حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 

ضاق من الصخب المحيط بالمكان فكل ما خطط له أُفسد قبل بِدْئِه، سار بين ذلك الزحام يتجنب صدامهم، يبحث عنها بين هؤلاء الراقصون منغمسون في تَرَفهم، أين ذهبت واختفت؟، منذ أن سحبها ذلك البغيض "أمجد" للرقص من جواره لم تظهر بين البقية مرة أخرى.

سحبته قدماه لمكانٍ هادئ ربما اختارته للبعد عن ذلك الصخب تهدئ أعصابها، فتش بعينيه عنها وسط تلك الإضاءة الخافتة ليلمح من بعيد شيئا أسودا يجثم فوق جسدٍ أنثوي بوضع حميمي فج، رنا بخطواتٍ فضولية رغم هدفه البعيد عن ذلك، حتى ثبتت قدماه أرضا رافضة التحرك بصدمة، عندما وصله صوت غنجها باسم ذلك البغيض –سيء السمعة- ، كم تمنى أن ترحل عنه روحه وتذهب إليهما تدفعه عنها؟ فربما كان يفرض نفسه عنوة عليها، أو تتعرض للانتهاك الجسدي، ولكن صوتها الهادئ كان لطمة كافية فوق وجهه لتعيد توازن عقله من جديد، صرخ باسمها ببغضٍ لفعلتها المشينة:

-"نرمين"!

دفعت ذلك البغيض من فوقها تلملم أطراف قميصها المنفرج، بتوتر من مشاهدته لها في ذلك الوضع المخل:

-"طاهر"!!

 مد يده بعنفٍ يغلق صوت تلك الموسيقى الصاخبة التي كانت كفيلة لأن تقطع عليه خلوته داخل مكتبه وتقلب عليه أوجاعٍ مدفونة بذكراها السيئة، لم ذلك اللحن بالذات؟ لمَ؟ ألم يجد غيره اليوم ليستمع له؟  نظر لمساعده "أنس" بعدم رضا، يسأله بحدة:

-إيه التهريج دا؟ إزاي تسيب صوت المُشغّل عالي كدا؟

توتر "أنس" لولوج مديره فجأة وهو في حالة انسجام مع إحدى العارضات يتراقصا على أنغام الموسيقى السريعة الصاخبة، يبرر وهو يحك رقبته بحرج:

-أسف أصل كنت بودّع "جاكلين" والحماس خدنا.

أشار "طاهر" لهما بقرفٍ وهو يرمقها بعدم رضا، فلا يعلم متى سيعود لعقله:

-خلّص إللي بتعمله، وتعالى قبل ما تمشي، عاوزك.

راقباه ينسحب بخطوات غاضبة من قسم الأزياء، فوجه عينيه لتلك المتأملة لسهرة خاصة معه، يغمغم بأسفٍ:

-معلش بقى يا "جاكلين"، الريس حكم والليلة باظت.

                      ***

جلس فوق أريكته الجلدية يدخن سيجارته الخاصة متحررا من سترة بذلته ململما أكمامه بشكلٍ غير مرتب، يسأله بجدية واضحة:

-خلاص نويت على السفر، مش عايز تفكر وتخليك شوية كمان زياده معايا.

-إنتَ عارف لازم أسافر ألمانيا أنا مصدقت قدرت أقنع "رنيم" إننا نسوي أمورنا وِدّي؛ عشان البنت الصغيره.

انتهى "أنس" من سيجارته بقتل أنفاسها بمطفأته، يستطرد يطمئن على أموره:

-طيب إنتَ هتعرف تمشّي الشغل من غيري لحد ما أرجع، قولتلك إعمل إعلان مرضتش.

أجابه "طاهر" بملل:

-مش عارف أثق بحد، بدل ما يشتغلوا هيبوظوا الدنيا،  أنا عايز حد عارف أنا عايز إيه قبل ما أتكلم.

شعر "طاهر" أنه أثقل عليه بحديثه، فله حق لرؤية أسرته الصغيرة التي ترفض تواجد معه تاركة "ألمانيا" كموطن بديل، فربت على ساقه يخفف عنه:

-سافر إنتَ ما تشيلش هم وبوسلي "سارة" لحد ما أشوفها، تدبّر إن شاء الله.  

حرك "أنس" رأسه بأسفٍ عليه فما تربطهما أكبر من رابط عمل، فمنذ لقائهما الأول بألمانيا بعد مصابه، جمعتهما صداقة نادرة حتى يومهما هذا.

                    ***

مر أسبوعان إضافيان وهو على نفس وتيرته يذهب للمطعم بمكانه الخاص يشعر بها خلفه تقدّم له مشروبه الخاص بصمت، كفراشه تحط بقدميها فوق زهورها دون نفسٍ يذكر، لتهرب بعدها سريعا قبل أن يمسك بها مستمعا لحفيف حذائها المتعجل، فمنذ آخر لقاء جمعهما وامتنع عن طلبها بشكلٍ خاص، فلا يفضل إجبارها على التعامل معه فإن كانت خائفة منه كل هذا الخوف فلا داعي لإرباكها أكثر.

بسمة عجيبة تراقصت بشفتيه متعجبا من أمره، لمَ هي بالأخص يشعر بالانجذاب إليها بعد كل تلك السنوات المُرة؟، قرر اليوم مواجهة المدخل  بجسده ليكون في استقبالها بدلا من مراقبة الطريق يرغب في تسجيل رد فعلها الغريب لرؤيته مؤكدا ستتفاجأ، لم ينتهِ من تفكيره ليجدها تلج على أطراف أصابعها تنظر لحاملها الخشبي تراقب قدحه حتى لا ينسكب ويفسد وجهه، اشتدت بسمته عندما تلاقت عيناه بسوداوتيها الواسعة فجأة مع شهقة مجفلة من وضع جلوسه ورؤيته لها؛ كان كفيلا لأن تدفع يدها للاهتزاز لينسكب وجه قهوته فوق الحامل تُفسدها، أراحت الحامل فوق الطاولة تفرك يدها بتوتر، تخبره بتلجلج:

-أنا أسفه، هبدّل القهوه لحضرتك.

مد يده سريعا خطف القدح ملطخ الجوانب، يرتشف منه باستمتاعٍ لم يتذوق مثله، يخبرها بثباتٍ:

-وتغيريها ليه؟ ما طعهما لذيذ أهو.

-ما يصحش إن حضرتك تشربها بالشكل دا، أنا.. !

-إللي مايصحش إنك تكوني بتخافي بالشكل دا كل أما تشوفيني وترتبكي.

رفعت يدها تمسح فوق خصلاتها المشدودة تطمئن على ثباتهم في ربطته المرتفعة، تخبره بتهرب من عينيه:

-وإيه إللي هيخوفني من حضرتك؟ أنا بس أتفاجئت إن حضرتك في وشي.

-هو في حد قالك حاجة عني؟

تهربت بعينيها خوفا من تفصح عينيها بالجواب، ومتى كان يقدر على الابتسام من قلبه، فأراح القدح مكانه ببسمة مشدودة مصطنعة متفهما ما يدور داخلها مؤكدا وصل إليها ما يدور حوله من سوء، ، أمرها بلطفٍ مشيرا لأحد المقاعد أمامه:

-أقعدي!

حركت رأسها سريعا بخوفٍ من طلبه، تخبره مقتضبة:

-ممنوع أقعد مع الزباين.

نكس رأسه بتفهمٍ لتزداد بسمته بسخرية من قولها، يضيف بكبرٍ:

-تحبّي أشتري المطعم دا، ,وأغير البَند دا عشان تقعدي معايا.

أيظن نفسه مالك الكون بأمواله؟ لم تمرر الحديث على عقلها قبل نبسه بلسانها، لتندفع تتواقح أمامه:

-حتى لو اشتريته مش هقعد بردو.

كتف ذراعيه أمام صدره  ليظهر صدره من فتحته الواضحة، وقد أعجبه ردها والغريب أنه لم يغضب، فوجد نفسه يطلب منها برجاءٍ خاص:

-حتى لو أترجيتك تقعدي؟

تحرجت من سلوكه، وظهر ذلك على عبوس حاجبيها وتخبطت، فنبهها قوله المشدد على كلماته:

-أنا عرفت إنهم صفّوا حسابك في المطعم، وبكرا آخر يوم ليكِ، ممكن تقعدي عشان نتكلم في حاجة تهمّك.

عضت على شفتيها بحرج، حتى تلك المعلومة لم تمر من تحت يده وعرفها، فجلست أمامه وحرصت على جذب أطراف تنورتها تخفي ساقيها عن عينيه الجريئتين بتوتر وقد لاحظ حركتها السريعة، رفع عينيه عن جسدها ينظر بتعمق في عينيها، سألها باهتمامٍ فضولي:

-ليه هيمشوكي؟ رغم إن شايف إنك ممتازه في شغلك ومطيعه ومكافحة.

عيناها المتهربتان بعيدا عنه وانفراج شفتيها وإغلاقهما نبأه أنها تحارب للقول ولا تجرؤ على الإفصاح، فبادر بقوله يزيل حرجها بما يعرفه:

-مش عيب أبدا إنك تكوني جايه من مَلجأ، العيب في نظرة الناس نفسها.

ارتجفت من داخلها وارتج قلبها لمعرفته بأصلها، فسألته بقهرٍ:

-إنتِ عرفت إزاي؟، أكيد من أستاذ "مجدي".

طرق فوق الطاولة بأنملته، يخبرها:

-مكان زي دا لازم له أوراق عشان جهات العمل والتأمين، لو على "مجدي" هو نفسه تكملي معاه، بس صاحب المطعم حاطت شروط وبنود واضحة.

تهدّلت كتفيها بيأس وحرج من وضعها الاجتماعي، تجيبه بأسفٍ:

-نصيب وقدر ما ليش يد فيه! شكرا لاهتمامك، عن إذنك.

قبل أن يحرر جسدها كرسيها، وجد نفسه يعرض عليها دون تفكيرٍمسبق:

-"نور" تشتغلي معايا؟

                      ***

وقفت تحاول استشفاف رد فعله على حديثها وقراراتها التي ستشعل الأجواء، فرغم أن السنوات فرّقت بينهما وبعدتها عنه وقت ليس بالهين؛ لإكمال دراستها كسبب أوجده هو بنفسه ليبعدها عن البلاد وعنه إلا أنها تحفظ جيدا شدّته وصرامته وقسوة طباعه عليها منذ نعومة أظافرها، سريعا جاءها الجواب ليوقف حيرتها عندما التحمت لطمة قوية بوجهها المستدير، لطمة حارقة أشعلت داخلها بغضبٍ منه لن يهمد، صرخة لم تكن من نصيبها كانت من نصيب ابن عمها "مازن" طالما كانت تتلقى قسوته بصمت غير متجرأة على الإفصاح بتذمرها وأنينها أمامه، كهذا دأبت أن تدفن جروحها داخلها لتظهر بصلابة لا تخدش، أحاطها ذراعيه يدعمها بعدم رضا عن فِعلة عمّه الكبير "شاكر"، لمجرد اعتراضها على أمره، صرخ بانفعالٍ:

-ليه يا عمّي كدا؟ "نيرفانا" ما غلطتش.

-اخرس يا ولد، إنتَ جاي تعلمني أعمل إيه بعد السنين دي كلها، تربية بلاد برا نسيتكم الأصول.

حاول "مازن" عدم إثارة غضبه حتى لا يخسر دعمه في إتمام زواجه منها، فتكلم بمداهنة:

-لا طبعا يا عمّي بس أنا مش بحب العنف وخاصة معها، اسمعها يمكن تقدروا توصلوا لحل.

-إنت ماسمعتش الهانم جايه بعد السنين دي كلها تقول إيه؟ جايه تِهد كل أحلامي تحت رجلها وتقولي مش هقدر أنفذ إللي بتقوله، عايزا تِضيّع حق أختها بغباءها، طيب بلاش كُل دا، وِوَعدي إللي إديته لأمها قبل ما تموت إن أجيب حق بنتها أعمل فيه إيه؟ الفضيحة إللي فضلت ملازمانا وهتفضل دايما مالهاش تمن عندها؟

شعرت بحرقة بنابضها، كيف يأمرها أن تلقي بنفسها في التهلكة لتلقى نفس مصير أختها ولأجل من؟ من أجل من دفنوا تحت الثرى، ألم يكفيه أنها دفنت حيّه منذ طفولتها وعانت من حدادهم الذي لا ينتهي من أجلها؟ لتنتقل سريعا من حداد أختها لحداد والدتها وتبقى هي تلك الحاضرة الغائبة بأذهان الجميع كأنها لم تكن يوما، نطقت بصوت أجهش بكاء لأول مرة، تخبره:

-أنا منسيتش يوم واحد، أنا أكتر واحده فيكم مانستش أتوجعت وأتحملت نواتج أخطاء الكل مِن وأنا لسه طفله أتحملت بؤس وكره وبغض وانتقام، أنا كل إللي مِحتاجاه إن أحس إني مهمه يا "بابي" عَنْدك، أحس إنّك شايفني ولو مرة واحدة  وبتخاف عليّ، أنا بنتك لو كنت نسيت دا مش هي إللي بنتك!

دار يواليها ظهره يخفي تشنج ملامحه من قولها، يخبرها ببعض اللين:

-مين قالك إني مش خايف عليكي؟

ضحكت ساخرة، تنظر لقدميها تشعر بيد "مازن" تمسح فوق ظهرها بلطفٍ، ورغبة قوية تحسها أن تلقي بنفسها بين أحضانه، لتخبره متهكمة:

-طبعا عارفه إنك بتحبني وبتخاف عليّا، بدليل إنك بتقولي أُقفي قدام القطر وخديه بالأحضان ماتخافيش مش هتموتي.

التفت بضيقٍ من قولها، ولم يجد إلا سبيل ابتزازها العاطفي لتقتنع:

-خلاص يا "نيرفانا" يا بنتي، براحتك مش هجبرك على حاجه، لكن هطلب منك طلب واحد تراجعي نفسك وتفكري في كل حاجه حصلت زمان من الخسيس دا والوجع إللي سببه لينا، أنا لحد انهارده مش قادر أنسى شكل جثتها في المشرحه اللي بيزورني كل يوم في أحلامي ولا قهرة أمك وقتها.

جثمانها! حتى تلك لم يرأف بها وقتها وهي طفلة في عمر الزهور، ليسحبها من يدها وهي جاهلة إلى أي طريق تتجه، لتقف في تلك الغرفة الباردة صاحبة الإضاءة الخافتة لتجد نفسها أمام جسدٍ مغطى ملاءة بيضاء لم يتركها للتساؤل ليندفع يكشف عن وجه أختها الأبيض بشفتيها الزرقاء، وجملة واحدة كانت تتردد دوما بذهنها منه (انظري جيدا لها) ضغط "مازن" على كتفها يحاول تهدئتها قائلا:

-خلاص يا عمّي يستحسن نتناقش بعدين تكونوا أعصابكم هديت.

نفضت "نيرفانا" يده عنها بانفعالٍ فلم يعجبها مداهنة "مازن"  وعدم اتخاذه قرار واضح لصالحها كسيل الماء ليس له شكلٍ وحجمٍ، وبنظرات خذلان ترمق بها والدها تخبره بانتكاسة ثقتها به كما هي دوما، قبل أن تنسحب خارج باب الفيلا بغضبٍ، تضرب الأرض بانفعالٍ متجاهلة صوت "مازن"  الراكض خلفها محاولا إيقافها عما تحاول فعله، ولقد اتخذت قرارها لإنهاء ذلك السلسال للأبد بيدها، (ستقتله، ستقتله) وتزهق روحه و ينتهي الأمر.

                                ***

  دار بسيارتها بالطرقات منذ آخر لقاء بينهما والذي انتهى نهاية مأساوية برفضها القاطع للعمل معه، رغم لباقتها واختيارها للكلمات لتبين له رفضها رفضا لا يمس شخصه، إلا أنه قرأ بعينيها المتهربتين فداحة سبب رفضها، إنها تخشاه وتخافه، فربما وصلها عنه أحاديث تُسيء إليه كما هو دوما، أو شبح ماضيه بدا في مطاردته مرة أخرى بعد أن أيقن نسيان الناس من حوله لتلك الحادثة.

أبطأ حركة سيارته يصفها بمكان شاغر، عندما لمحها من بعيد أمام أبواب المطعم المغلق في  ذلك الوقت المتأخر، فهو ممتن لـــ "مجدي" أنه أَوفى بوعده له وقام بالتواصل معه يبلغه بوجودها بالمكان.

ضيق عينيه ببعض الريبة عندما شاهد أحدهم يحاول تبادل الحديث معها وتقابله بالرفض وإنها تحاول التملص منه ومن لمساته، فلا يبدو عليها الراحة في وقفتها، تشنجت يديه وضربهما تيار كهربائي بأطرافهما عند رؤية لذلك الشاب يحاول القبض على ذراعها عنوة يجذبها خلفه مع دفعها له تحاول التهرب منه، بدون تفكيرٍ أسرع في الهبوط من سيارته العالية بملامح رسمت شراستها تاركا بابها منفرجا، يتحسس جيب سرواله يستعد لمعركة لن يقبل بهزيمته فيها أبدا، وصوتها يصله تخبره وترجوه بأن يرحل عنها، قبضة من حديد نالت مرفق ذلك الشاب المتأنق سببت له ألما بالغا ليجفل من انضمام ثالث معهما، يدفعه عنها خطوة للوراء بسهولة لتباين بنيتهما الجسدية، تلتقط أذنه صوت شهقتها الواضح لوصوله غير المتوقع في مثل ذلك الوقت المتأخر من المساء، مردفا بجمود:

-أعتقد إنها قالتلك سيبني في حالي، أي جزء ما فهمتوش من كلامها.

صرّحت بصدمة:

-"طاهر"!

بدون النظر إليها مثبتا عيناه على وجه ذلك الخسيس الذي يرمقه بعداوة واضحة لقطع فرصته بالظفر بها، سألها بتشكك:

-تعرفيه؟

اشتعل فتيل الشاب وظهر واضحا من لمعة عينيه، وكأن بينما ثأرٍ مبيت مسبقا، فنفض يده عنه بقوة، يتحداه بقوله النزق ضاربا صدره كأنه يحاول إشعال فتيل غضبه للشجار:

-وإنت مين إن شاء الله؟ آه تعرفني، فسيبها وروح يا شاطر ألعب بعيد عشان متزعلش.

شهقة أكثر قوة صدرت منها عندما شاهدت ذلك السلاح الأبيض "مديّة" يشهره أمام وجه الأخير، فلم شخصٍ كــ "طاهر" يمتلك مثل تلك الأسلحة الخطرة بسرواله، هل هو دوما هكذا؟، أم عزم على حمله عند رؤيته لها من بعيد تتعرض للمضايقة، لم يكن ذلك يهمها بل الأمر كان أكبر من ذلك، ما يعنيه سلاح أبيض كسبب ستكون نتيجته الحتمية جرح أحدهما، جرح يعني دماءً، دماء لا! فهي لن تتحمل رؤية بقعة دماءٍ واحدة وهي في مثل تلك الحالة، فربما ستصاب بشيء هيستيريا تلك المرة، تعرقت جبهتها وزادت وتيرة تنفسها صعودا وهبوطا، وجدت نفسها تقترب منهما، تنطق بصعوبة:

-كفايه، كفايه حرام عليكم، سيبه.

بذراعه الحرة دفعها للخلف لتبقى خلفه يحميها بجسده، ويجعل جسده درعا لجسدها الضئيل بحمئة لا يعرف سببها فرضها الموقف، يأمرها بجمود:

-اركبي العربية.

استهزأ الشاب المتعالي بسطوة الأخير الزائفة، دفعه بقوة من صدره غير مهتما بسلاحه ليتراجع خطوة واحدة للخلف يبعده عن طريقه، ساخرا بقوله:

-إنت فاكر إنها هستمع كلامك؟

لكمة طالت وجه ردا على تجاوزه، يليها لكمة أخرى كانت من نصيب وجنته الأخرى قبل أن يتدارك الأولى، مستمعا لصوتها تنهاه عما يفعله به تأمره بالتوقف الفوري لفض ذلك الاشتباك الجنوني، تراجع الشاب ممسكا أنفه الذي بدأ تلقائيا بالنزف يتراجع لسيارتها الشبابية يخبره بتوعدٍ واضح:

-راجعلك تاني، المرة دي ما كنتش جاهزلك المرة الجاية هنصفي حسابنا.

شاهده ينسحب بجبنٍ يمنع نزف أنفه، دار يواجهها بجمود وبقبضته اليسرى قبض على مرفقها بعنفٍ يجرها خلفه يتغضن وجهه بألمٍ واضح حاول إخفائه عنها، توقف أمام سيارته يفرج لها باب مقعدها لتستقله، يأمرها بعنفٍ:

-ادخلي!

وقفت ترفض تلبية أمره فلم تحضر الآن إلا لمقابلة مديرها "مجدي" ليجد لها حلا بعد تركها لعملها، فأخبرته معتذرة:

-شكرا لحضرتك، أنا مستنية استاذ "مجدي" و ...!

دار حول السيارة حتى استقر خلفها يفرج حقيبة سيارته المرتفعة بوجهٍ صعب قراءته، يخبرها من موقعه بالخلف وهو يفتح صندوقٍ ما، كأنه يبلغها بحالة الطقس الملبدة:

-"مجدي" مش جاي؛ مراته تعبانه، هو إللي بلغني إنك كلمتيه ومستنياه، وطلب مساعدتي. 

كاذب! فإنه من أوصى الأخير إن واجهتها أي صعوبات يبلغه على الفور، وعندما آتاه اتصاله كما أوصاه أبلغه بأنها دون مأوى منذ يومين بعد أن تركت عملها ومسكن زميلاتها التي استضافتها لبعض الوقت، فأمره بشكلٍ جدي عدم الذهاب إليها، حاول من مكانه لملمت أطراف ذلك الجرح الذي أصاب كف يده عند امتلاكه ل"مديته" وهو يكيل للأخير لكمتين التحمت بوجهه، لف يده بشاشٍ طبي بأكثر من طبقة يطبق على نزف كفه بعيدا عن عينيها.

أغلق صندوق اسعافاته الطبية، يليه جذب باب حقيبة سيارته العالية، ويقفز خلف عجلة القيادة الذي مازال باباها منفرجا منذ البداية، يأمرها بحدة عندما شاهدها مازالت على وقفتها:

-اركبي، وريحي راسك شوية إنتِ مش قُدامك حل غيري حاليا، يا تتنازلي وتِقبلي بيا أو تنامي فوق الرصيف وتتعرضي لسخافات الرايح وإللي جاي زي ما شوفتي بنفسك من شوية.

بصمتٍ وللحظة  ظن عدم رضوخها، شاهدها تجاوره بترقب لصدور أي فعلٍ يدفعها للقفز خارج سيارته، لمحت كف يده الملفوف حديثا بشاشه الأبيض وهو يدير سيارته للعمل، فسألته بتردد:

-هو هو إنت متعوّر؟

 حاول إخفاء لمحة الألم البائنة على تغضن وجهه من مصاب كفه، يخبرها دون الالتفات إليها متجاهلا جوابها:

-هنروح مشوار الأول، وبعدها نشوف حل لمشكلتك. 

                      ***

دلفت خلفه برعبٍ من وجودها في آخر مكان ترغب في تواجد به، كم كرهت المشافي منذ نعومة أظافرها فرؤية الأطباء يمثل لها كابوسا مرئيا غير منتهي، لاحظت بشدة محاولته لدفن يده الملفوفة بجيب سترته أثناء تنقله هنا وهناك يسأل عن أحد بعينه، حتى عند استخدامه لهاتفه الخاص محدثا أحدهم يخبره بكلمات مختصرة أنه بالخارج بكلمات مقتضبة، أنهى حديثه المقتضب يشير لها بلطفٍ لتتقدمه:

-اقعدي هنا، دقيقة وراجع.

اختفى سريعا دون انتظار جوابا كأنه متأكد من رضوخها ، فهل تملك هي خيار إلا الانتظار؟، ارتخت ساقيها بإرهاق لتلقي بجسدها فوق أحد المقاعد المعدنية وهي تشاهده يلج لغرفة بعينها دون سؤالٍ أو استفسار كأنه يعلم مسبقا من بداخلها، ظلت تراقب حركة الأطباء والممرضات بذلك الممر برتابة مكتفية بحركة ساقها المتوترة بسبب الضغط الذي تتعرض له مؤخرا.

وقف أمام الطبيب الشاب يبسط كف يده سريعا ليظهر تلطخ تلك القطعة البيضاء غارقة في الدماء النازفة، يخبره بهدوءٍ متحاشيا إظهار ألمه:

-شوف لي حل للجرح غير الخياطة بقولك.

 تلهف "أيمن" بفحص كفه، يسأله بتشكك في أمره:

-عملت إيه يا "طاهر" المرة دي كمان؟ أتعورت إزاي؟

حرك رأسه رافضا تحقيقه والمماطلة في الأمر:

-ماتخفش ما حولتش أموت نفسي المرة دي، خلص بسرعة.

أمر "أيمن مساعدته بجلب بعض الأدوات، ليمسك يده يدقق في الجرح الذي ظهر له أنه أعمق مما ظن، يبلغه بهدوء زائف:

-الجرح عميق وهيسيب أثر.

أخبره متهكما:

-عادي.

-"طاهر"! قولي الحقيقة ، أنا مش حابب تقع في مشاكل تانية، قول وأنا هساعدك.

لم يجبه بكلمة، فانهمك "أيمن" بدوره في تقطيب جرحه رغم أن رأسه يملأه الكثير من التساؤلات، مرر عينيه بين كفه ووجهه بتردد أن يفصح عن قلقه، ففاجأه الأخير، بقوله المتهكم:

-هتموت وتِشْبع فِضُولك.

حرك رأسه بيأسٍ ينهي آخر تقطيب أمامه، يخبره بمداهنة:

-إنت عارفني كويس فأحسنلك تقولي إللي حصل بدل ما بلغ أختك.

أغمض "طاهر" عينيه على ذكر شقيقته "حبيبة"، التي دفعتهما الظروف للتباعد، فقارعه بوقاحة:

-ماتقلقش "حبيبة" مش هتهتم، هتفرح.

كاد أن يجادله كعادته في أمر علاقته بها المتباعدة، ليجد الباب يفتح خلفه باندفاعٍ أربك كلاهما ودفعهما لترقب القادم من تلك الزوبعة الصامتة والتي كان من السهل عليهما التقاط نظرة عيناها الشاخصة لكفه الشبه دامي الذي لم ينته من تقطيبه ليظهر عليها التشنج الذي توقعه منها، تسارع أنفاسها البائن على حركة صدرها علوا وانخفاضا كان كفيلا لأن يدفعه مهرولا جهتها متوقعا الأسوأ، وقد كانت فعلته خير فعلٍ  ليجد ذراعه يدعمها قبل أن تسقط أرضا مرتطمة بالأرض المصقولة تشق رأسها مرة أخرى بصمتٍ، متجاهلا صوت زوج شقيقته من خلفه يتساءل عن هويتها.

                   ***


اقتباس من الفصل الرابع من هنا


بداية الروايه من هنا


🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺



ادسنس وسط المقال

تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS