القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية كبير العيلة الحلقة السادسه والعشرون والسابعه والعشرون والثامنه والعشرون والتاسعه والعشرون والثلاثون بقلم مني لطفي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

اعلان اعلى المواضيع

رواية كبير العيلة الحلقة السادسه والعشرون والسابعه والعشرون والثامنه والعشرون والتاسعه والعشرون والثلاثون بقلم مني لطفي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 

رواية كبير العيلة الحلقة السادسه والعشرون والسابعه والعشرون والثامنه والعشرون والتاسعه والعشرون والثلاثون بقلم مني لطفي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

كان يستند بظهره الى الخلف فيما ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يشرد في طفلته، صغيرته، حبيبته، امرأته... سلسبيله هو...، نعم، لا تزال في عينيه طفلته الصغيرة التي كان يحب إغاظتها بشد ضفائرها الطويلة وكانت هي تتذمر وتنظر اليه بحنق بينما الدموع الماسية تلمع بين عسلي عينيها مما يجعله يحتضنها ويرفعها بين ذراعيه ليمسح دموع لم تنساب، فلم يكن ليرضى بأن تنساب لآلئها بسببه حتى وأن كان يلهو بها، بل أنه ما أن يحتويها بين ذراعيه وهي ابنة السادسة عام حتى يعترف بينه وبين نفسه أنه لم يستفزها إلا كي تنتهي بين يديه، ينعم برائحتها الطفولية المحببة، ولا يرضى بإنزالها قبل أن تعتذر وتقبله فوق وجنته الخشنة!.. وهي تحتار فيما تعتذر وهو من أخطأ في حقها؟.. ولكنه الليث الذي ومنذ نعومة أظفاره تهابه الرجال، فتسارع بالاعتذار ولصق قبلة طفولية فوق وجنته الخشنة سريعا كي ينزلها فتعود للهو بين أقرانها، ولكن سرعان ما يمتعض وجهها حينما تلمس خشونة ذقنه وهو صبي يتعدى عمره السادسة عشر ربيعا، فيضحك ملء فيهِ وهو يراقص حاجبيه بإغاظة مهددا إياها أنها لو كررتها وكشرت في وجهه ثانية فلن ينزلها بل سيعلقها من جديلتيها في أعلى النخلة لتسارع بالاعتذار ثانية وتقبيل وجنته الأخرى تعويضا عن سخريتها من خشونة وجنته الأولى!!..

ضحك بخفوت وهو يشرد في ذكرياتهما سوية بينما قلبه يدق بقوة ويهتف في نفسه بأنه سيخبر الطبيب بأنه سيتابع علاجه بالمنزل، فقد تعدى الجرح مرحلة الخطر.. ولكن قلبه إن لم يغادر الى منزله سريعا فسيكون في عمق الخطر!.. فهو لم يعد يستطيع احتمال الابتعاد أكثر من ذلك عن واحته العذبة... عن سلسبيله الصافي.

صوت ضوضاء خارج غرفته شد انتباهه لينظر الى الباب مقطبا واعتدل مغادرا الفراش يريد التوجه الى الخارج ليرى ما الأمر خاصة وأنه قد ميّز صوت.. سلسبيل!...

ما أن تقدم خطوتين باتجاه الباب حتى فُتح بقوة لتدخل سلسبيل كالصاروخ وتقف أمامه وقد احمر وجهها فيما لمعت عينيها لينظر اليها مقطبا ويتقدم اليها يتساءل بحيرة وقلق:

- سلسبيل.. مالِك إكده؟.. ايه اللي حوصل؟..

ليبصر آخر وجه تخيل أن يراه، كانت وداد من لحقت بها، نظر الى الأخيرة في تساؤل وريبة، رفعت سلسبيل سبابتها وصاحت بحنق وهي تشير الى وداد:

- صوح يا ليث الحديت اللي بتجوله ديه؟.. انت اتزوجتها صوح؟؟

لتنساب دموعها وهي تصيح بصوت مخنوق بينما تناظره بذهول وعدم تصديق، فيما تراجع ليث بصعوبة مستندا على دعامة السرير المعدنية فقد شعر بوهن ساقيه، بينما وقفت وداد تطالع ليث بريبة وقلق فيما يبادلها الآخر برغبة في القتل واضحة، حاول ليث تجاهل ألمه ليقترب من سلسبيل ببطء وهو يقول محاولا تهدئتها: 

- اسمعيني يا سلسبيل أني....

فقاطعته هاتفة بحنق:

- اتزوجتها ولا له يا ليث؟..

عاود محاولة تهدئتها مرارا ولكن طفح كيلها وهي تعتقد أنه يحاول الهروب من الأجابة لتهتف بحدة صارخة به:

- جاوبني ولاش لف ودوران.. اتزوجتها ولا لاه؟؟... 


لتتبدل نظرات ليث الى اخرى غاضبة سوداء قوية.. فمهما بلغ حبه لسلسبيله فهو لا يزال ليث الخولي.. من ترجف لاسمه الأبدان وتهتز له أعتى الشوارب.. ولن يسمح أبدا بأن تطاول عليه او تصرخ في وجهه كما تفعل الآن، ليجيبها بجمود وبرود صقيعي: 

- جصري حسك يا سلسبيل، صوتك ما عيعلاشي في وجودي... 

وقفت سلسبيل تطالعه بتحد وهي تكرر بقوة: 

- واني مش هكرر سؤالي كاتير... انت اتزوجتها صوح؟..


فهتف بكلمة واحدة كانت كطلقة الرصاص، مدوية في رنّتها.. لتصيب قلبها فتمزقه الى آلاف القطع:

- إيوة يا سلسبيل.. اتزوجتها!!.

سكتت... تراجعت... و..وجمت!!... لتهمس بغير تصديق محدقة اليه بذهول وهي تبتعد الى الخلف بخطوات متعثرة:

- اتـ.. اتزوجتها يا ليث؟... لااااه.....

وتهرع الى الخارج صافقة الباب خلفها بعنف، في حين حاول ليث اللحاق بها وهو يصرخ مناديا لها ولكنها كانت قد اختفت، فالتفت الى تلك الأفعى التي تراجعت الى الوراء في خوف منه فاصطدمت بالحائط خلفها، في حين اقترب منها ونية القتل مسطورة بوضوح على وجهه وفي بريق عينيه الجاد، هتفت في رعب وبتلعثم واضح:

- أني ما كانيش جصدي اجولها حاجة، هي اللي جبرتني اني أنطوج و.... آآآآآآآآه... 

ليسارع ليث بالقبض فجأة على عنقها بيده الحرة فيما الأخرى معلقة بحامل الى كتفه حيث الجرح، حاولت التكلم بصعوبة ترجوه تركها فيما هتف ليث بشراسة من بين أسنانه المطبقة: 

- هجتلك واشرب من دمك يا مرة يا فاجرة، انتي فاكرة انه اللعب امعاي بالساهل اكده؟.. تبجي غلطانه، هدفعك التمن غالي جوي يا وداد الكلب!!!

وبظهر يده التي رفعها عاليا هبط بصفعة مدوية على وجهها أدمت شفتيها ثم ما لبث أن دفعها بعيدا عنه قبل أن يتناول هاتفه المحمول ويضغط بضعة أرقام ثم تحدث بجدية قائلا: 

- صابر.. ام عدنان جايتك دلوكيت عشان إتعاود بيها البيت، اسمع اللي عجولك عليه وتنفذه بالحرف الواحد!!!!!!!!!!!

بعد أن أنهى محادثته مع صابر أغلق الهاتف ونظر بغضب أسود الى وداد التي كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها كي لا تختبر غضب الليث، فغضبه وحشي لا قبل لها باحتمال عواقبه، صوت طرقات على الباب جعلتها تطلق أنفاسها التي حبستها في راحة لتسمع بعدها صوته وهو يدعو الطارق للدخول، لتكتشف أن هذا الطارق لم يكن سوى عمتها فرودس.

وقفت فردوس تقول بتردد وهي تنقل نظراتها بين ابنة اخيها وليث:

- حمد لله ع السلامة يا كبيرنا، شدة وتزول ان شاء الله..

هرعت وداد تجاه عمتها في حين تحامل ليث على نفسه واتجه الى الباب يغلقه قبل أن يلتفت اليهما ويتجه ناحيتهما فيما عيناه مسلطتان على وداد التي توارت خلف عمتها في ذعر شديد، وقف ليث على بعد خطوات منهما وقال بحزم صارم:

- ست فردوس.. هي كلمة ومش هتنِّيها، عيشكوم انجطع من البلد إهنه... جودامكم مهلة اربع وعشرين ساعة، باكر عشيّة ما عاوزيش ألاجيكم في البلد كلاتها، وإلا تبجوا انتو اللي حكمتم على نفسيكم.

شهقت فردوس في خوف وذهول وقالت بوجل:

- ليه يا كبيرنا؟.. دا احنا جاعدين بحسّك ربنا يخليك لينا، انت اللي حامينا وحنا اتنين ولايا وانت خابر الظروف..

ليث بصرامة ولا تزال نظراته معلقة بوداد التي تبادله النظر بأخرى تائهة.. مترجية.. حزينة:

- خير تعمِل شرٍّ تِلجا، أني عاوز عسعلك سؤال واحد يا فردوس.. أني ايه بالنسبة للمحروسة بت خوكي؟..

فرجوس مقطبة بحيرة:

- انت كبير كفر الخولي واللي اعملته عشان تحميها من المدعوج عارف محدش يجدر اينكره.

ليث بجمود:

- يعني أني مش جوزها؟..

شهقت فردوس والتفتت الى وداد في تساؤل وهي تجيب:

- أيه؟... لاه.. ما حضرتك عارف الجواز كان...

قاطعها هاتفا بحدة:

- كان من مدة، فاكرين ولا أفكِّركم أنا؟... لمّن عارف البلطجي اللي كان امعاكم وكان بيحرسها طومع فيها وكان رايد يتزوجها، وهي بلغت عنيه الشرطة وجبضت عليه، وهربتوا منّيه فايتين بيتكم وناسكو وجيتو إهنه، ولكن خرج من كم شهر من السجن جيتو وجعتوا في عرضي، وجولتوا احمينا، حوصل ولا ما حوصلش؟..

فردوس برهبة في حين شحب وجه وداد وهربت بعينيها بعيدا:

- حوصل يا كبيرنا، وحضرتك وجتيها جولت لو جرّب منيكو هتدفنه مُطرحه..

ليث بسخرية:

- لكن انتم مصدجتونيش، ووجتها وطّت على يديْ تحبّها عشان اتزوجها.. صوح ولا لاه؟..

فردوس بخنوع وهي تدعو الله في سرها أن تمر المسألة على خير:

- صوح يا سي ليث.

ليث بحزم:

- وجتها أني جولت إيه؟..

فردوس باستسلام:

- حضرتك جولت معينفعشي، وانك ليك وضعك وهيبتك، واننا في احماك من غير خوف..

ليث بغضب وحشي مكتوم:

- لكن بنت خوكي صممت أني أعجد عليها، جالت ورجة بس اتوريهاله عشان ايشيلها من دماغه، وجتها اشترطت عليكو أيه؟

فردوس وهي لا تعلم ألى أين سينتهي هذا الاستجواب:

- اشترطت انه يبجى عرفي.. في السر يعني، وانه لمّن المدعوج عارف يبعد عنينا عترمي عليها اليمين وتحللها منيه الجواز ديه..

امتدت يد ليث لتجذب وداد من شعرها من خلف فردوس والتي ابتعدت من فورها فلم تكن لتقف أمام الليث وهو في غضبه الراهن، صاح ليث وهو يهز وداد بقوة حتى كادت تقسم أن رأسها سيقتلع من فوق كتفيها:

- وعارف غار ولا لاه؟... جطعت الورجة ورميت عليكي اليمين ولا لاه يا مراه؟.. اني عمري جرّبت منيكي يا مراه؟..

لتهتف وداد وهي تمسك بيديه القابضة على خصلاتها بقوة:

- لاه.. ما حوصلشي يا سي ليث، انت.. انت جطعت الورجة لمن عارف عرف واتوك داني في حماك... لكن..

صرخ ليث بعنف:

- لكن إيه؟؟.. ايه اللي خلّاكي تنبشي في اللي فات؟.. جولتي لمَرَتي ليه انك امراتي؟.. انطجي يا وداد أحسن يمين يحاسبني عليه ربنا أكون دافنك في مُطرحك دلوك..

نظرت اليه وداد بعينين تذرفان دموعا غزيرة وقد اكتسى وجهها الجميل بتعبير حزن عميق:

- لأني... لأني بحبك يا سي ليث؟..

ليدفعا ليث بقوة وقد هاله ما سمعه فيما وبدلا من ان تبتعد عنه أخذت تقترب تجاهه بينما قطب في وجها بحدة ولكنها كانت قد قررت كشف أوراقها كلها.. فهو يستحق أن تحارب المرأة لأجله.. بل أن تضحي بالنفيس والغالي كي لا تضحي به هو!

هتفت وداد وهي تقف أمامه رافعة عينان تستجديانه ونبرة صوت غلفها التوسل الشديد:

- إيوة يا سي ليث، ما تستغربشي إكده، انت الوحيد اللي كا كونتيش بتبص لي بصّة شينة، انت الوحيد اللي كونت شايف وداد البني آدمة اللي خلجها ربنا، ما كونتيش طمعان فيا زي بجيت الخلايج، غولطت لمن جولتا ني مرَتك جايز مش هنكر، لكن ماجادرتش أستحمل لمّن لاجيتها بتمنعني أني أشوفك وأطمّن عليك.. وجتها غيرتي عمَتني، خليتني أجول وايه المانع لمّ، يكون عندك ابدال الحرمة اتنين وتلاتة، انت الليث اللي أي واحدة تتمناك...

هدر فيها ليث بعنف:

- اخرسي يا حرمة، ما فيش أي كلام ايبرر اللي اعملتيه والكدب اللي هلفطتي بيه..

هتفت وداد وهي تحاول جذب يده لتقبيلها فسحبها منها بعنف لترتمي فوق قدميه وهي تصيح بنواح عال:

- أحب على يدك.. أحب على رجلك ما تبعدنيش عنّيك.. أني ما عاوزاشي حاجة واصل، خليني في ريحك وخلاص، خليني أحس انك عزوتي وحمايتي وضهري... أحب على رجلك يا سي ليث ما اتخجرنيش من جنِّتك... 

رفعها ليث قابضا على كتفيها وهو يصيح بها:

- ما عادش منيه فايدة الحديت ديه، أني أمنتك وانتي خونتي يا وداد..

سكتت وداد لوهلة قبل أن تقول بجدية وعينيها تحدقان فيه بقوة:

- اتزوجني يا سي ليث...

ضغط ليث على كتفيها بقوة آلمتها وصاح بقسوة:

- باه.. اتجنيتي إياك..

وداد وهي تمسح دموعها بارحتيها في الحاح كبير:

- الجنان أني أبعد عنيك يا سي ليث، اتزوجني واني جابلة باللي تعمله، أكون في الضل مش مهم، لكن أشيل اسمك، أنت عارف جد ايه رجالة يتنوا نظرة منِّي أني، لكن أني ما رايداشي غيرك..

تركها ليث واستدار معطيا اياها ظهره وهو يقول ببرود:

- واني ما رايدش غير واحدة بس... اللي هي زوجتي، ومن سابع المستحيلات أني أتزوج عليها، مش ليث الخولي اللي يعمل إكده ومش سلسبيل الخولي اللي يتعمل فيها إكده.


لتنسى وداد خوفها من الليث وتهتف بغيظ سافر صائحة:

- هي ساحرتك؟.. فيها ايه غريب عنينا؟.. كلنا حريم، واللي أعرِفه انك انجبرت عليها لانها مرت أخوك الله يرحمه، يبجى....


أخطأت... بل.. أجرمت... اعترفت بهذا وهي تتلقى صفعتها المدوية الثانية، وأن كانت الأولى قد أدمت قلبها فالثانية قد دمرتها تماما!!.... هرعت اليها فردوس تساعدها على النهوض اذ سقطت من شدة الصفعة، نظر اليها ليث وهو يهدر متوعدا:

- كلمة واحدة منيِّكي تاني وأني هنسى أنك حرمة!... اسمها ما هتجوليهوشي ولو بينك وبين نفسك... ودلوك... جودامكم لغاية اناهردِه عشيّة تكونوا سايبين البلد كلّأتها ماذا وإلا خبر طلاجك هيوصل عارف ووجتها انتي خابرة زين هو عيعمل إيه؟؟

صاحت وداد وقد كان اسم عارف كفيل بادخال الذعر في قلبها بينما وجهها المكدوم يشي بنتيجة إغضابها لليث:

- لاه يا سي ليث، كله إلا عارف، جطعني ما عجولشي لاه.. لكن عارف... أحب على يدّك بلاش..

نظر اليها ليث بصرامة، وما لبث أن سمع عدة طرقات على الباب فأذن للطارق بالدخول، دلف صابر الى الداخل واقترب هامسا ببضع كلمات الى ليث الذي كان يسلط نظراته السوداء على وداد التي وقفت تحتضنها فردوس لتهدأ ارتعاشتها الواضحة، قال ليث بصرامة:

- صابر.. تاخد زوج الحريم دول واتدنيك امعاهم لغاية ما يفارجوا البلد كلّاتها..

فردوس بدموع غزيرة:

- طب عنروح فين يا كبيرنا؟..

ليث بصرامة:

- اتركيّهم يا صابر إو تديني التمام انهم رحلوا، وانتو مش هتغلبوا يا فردوس، ما هو دا شغلكو، انتو كنتوا فين جبل إنه؟.. انتو بتدوروا على طول، بلاد الله لخلج الله، لكن اجعاد أهنه أني جولت اللي حدايا، اذا صبح عليكو صبح هتلاجو عارف أمشرف، انا الاول كنت كريم امعاكو وهملتكو لبكرة الصبح، لكن معجبكوشي، دلوك بجولكو لغاية عشية، ولو زودتو عتخرجوا من اهنه عتلاجوا عارف مستنييكوم تحت..

هزت الاثنتان رأسيهما في خنوع واتجهتا للخروج في حين أشار ليث لصابر بالاقتراب ليهمس له في أذنه بصوت غير مسموع:

- ابعت حد من الرجالة يجطُرهوم، مهما كان تنتين ولايا ما عاوزينش يوحصل حاجة ويبجى زنبهوم في رجبتنا..

هز صابر رأسه بالايجاب ولحق بهما مغلقا الباب خلفه ليزفر ليث بعمق وهو يقول:

- فاضل المجنونة سلسبيل، فاكراني معجدرشي عليكي؟.. يبجى لساتك معرفتيش الليث!..

************************


اخذت تسير جيئة وذهابا وهي تكاد تشد شعرها فيما تهتف محدثة نفسها بصوت مسموع وفي حنق غاضب:

- إكده يا ليث؟.. أني أي ليث تتجوز عليْ؟.. د هانت معملتهاشي جبل إكده، عمرك ما اتجوزت على واحدة من اللي سبج واتجوزتهم، أني سلسبيل ليث تعملي فيّا إكده؟.. ماشي يا ليث.. ابجى شو فمين اللي عيجعودلك فيها؟..

ليجيبها صوت عال أمام الباب:

- ومين اللي جال انك عتتحركي خطوة واحدة بعيد عن اهنه؟..

شهقت والتفتت لتراه وقد انتصب أمام الباب، ليغلق الباب خلفه بإحكام قبل أن يقترب منها بخطوات محسوبة فيما وقفت أمامه وهي تهتف مشيرة الى الباب:

- فاكر أنك لمّن اتخلي غفيرك يجيبني إهنه أني معارفشي أروّح إلحالي، تبجى غلطان يا ليث، وبجولك دلوك خلّيه زي ما جابني ايعاودني لعيالي، عخودهم وأرجع دار أبوي وعريّحك مني خالص..

اقترب منها وهو يشير بيده اليمنى الحرة فيما اليسرى مرفوعة لأعلى بحامل ذراع حتى يشفى الجرح تماما، قال بهدوء يشي بعاصفة هوجاء تلوح في الأفق:

- انتي بتجولي إيه؟.. 

همّت سلسبيل بتكرار حديثها حينما هدر فيها بعنف أخرسها:

- اوعاكي.. شوفي إوعاكي أسمعك اتجولي كلامك الماسخ ديه تاني، اعيال مين ودار ايه اللي عتسيبيها، انتي مرتي أنا.. والعيال دول إعيالي.. وفكري.. فكري بس يا سلسبيل في الجنان اللي بتجولي هديه وانتي هتعرفي غضب الليث كيف.

وقفت سلسبيل أمامه رافعة رأسها في شموخ جعل لمحة اعجاب سريعة تمر عبر سوداء عينيه في حين أجابته بثقة لا تشعر بمقدار نصفها:

- هي مش سايبة يا ولد عمي، انت خابر بويْ زين.. أني ليا أهل وعزوة.. لو كنت فاكر أكمنهم جوزوني ليك يبجى ماليش عازة احداهم تبجى غلطان، جوازنا انت خابر زين كان غرضه إيه..

لتنغلق تعابير وجه ليث ويقترب منها حتى تلفحها رائحته الخاصة فيما يقول متسائلا بغموض:

- لاه، ما خابرشي يا بت عمي... يا ريت تجوليلي أنتي جوازنا كان ليه؟..

حاولت سلسبيل الهرب من عيناه النافذتين وهي تجيبه بعناد رافضة أن تدع خوفها الذي بدأ يطرق جنبات قلبها يظهر على وجهها:

- انت خابر زين يا ليث، لو ما كانيش عمي فاتحك في موضوع جوازنا ما كونتيش اتجدمت، أني خابرة زين أن عمي هو اللي صمم ع الجواز عشان العيال أجلّه، لو كنت ارضيت أني أفوت لكم العيال ما كانيش هيبجى فيه مشكلة، اعيالكم وفي حضنكم وأني بوي كان هيجوزني ما كانيش هيهملني إكده من غير جواز، وانت خابر عمك عتمان صعب كيف.. ما كونتـ..

وفي أقل من ثانية كان ليث أمامها، متجاهلا جرحه الذي لم يندمل بعد، ليمسك بها بقوة ضاغطا يده الحرة فوق فمها وهو يهتف بشراسة ووحشية من بين أسنانه:

- كلمة زيادة يا سلسبيل وما عتلومشي إلا نفسك!.. إنتي اتجنيتي إياك!... واحد تاني؟.. انت فاكرة أني كنت ههملك تتجوزي واحد غيري؟.. بويْ يمكن هو اللي فاتحني في جوازنا لكن حتى لو ما كان اعملها أني ما كوتش ههملك واصل، كل الحكاية أني كت رايد أفوت لك وجت عشان تهدي، لكن الله في سماه شعرك ما كان عينفرد على فرشة راجل غيري، كت دفنته مُطرحه، جبل سابج اللي كان ملجمني انه خويْ.. لكن لمّن بجيتي خالية ما كانيش فيه اللي يجدر يبص لك بطرف عينه حتى، انت لليث يا سلسبيل.. لليث وبس.. اوعاكي تجولي اكده مرة تانيِّة، خشمك ديه ما يجيبش السيراديْ غير لو انتي رايده صوح تشوفي وشِّي التاني.. وصدجيني ماعتجدريش تتحمليه.

نظرت اليه سلسبيل وقد أخذ بلبها عزيمته الواضحة وعيناه اللتان تقسمان لها بأغلظ الأيمان أنها أبدا لن تكون لغيره، وأنه لم يكن ليسمح بذلك، كان هذا الأمر يقض مضجعها، على الرغم من أنه قد صارحها بحبه لها ولكن كان لا يزال هناك جزءا صغير من الشك في أمر زواجهما، وهل لأن أبوه قد أصر عليه أم عن رغبة فعلية منه، كانت تريد سماعها ثانية منه كي تنسى كارثة زواجه الثانية!... وعند هذه النقطة وكأنها قد أفاقت من سباتها، إذ زمجرت كقطة متوحشة مبعدة يده عن وجهها وتساءلت بحدة:

- ولمن هوّ الموضوع إكده اتزوجت عليْ ليه يا ولد عمي؟..

لتصدح ضحكات ليث فيزداد حنق سلسبيل، أمسك بها يعيقها عن الهروب من أمامه فيما هتفت بحنق غاضب:

- بعّد عني يا ليث..

ليحكم قبضته على كتفيها وهو يقول وبقايا ضحكته لا تزال في صوته:

- أنتِ مجنونة يا بت عمي، لكن أني بموت في اجنانك ديه، عاوزة تعرفي الحكاية كلاتها يبجى تهدي أكده وتجفلي خشمك واصل لغاية ما أخلّص كلام، استنبينا؟..

أومأت بالموافقة وهي تزفر بضيق هاتفة:

- ماشي يا ولد عمي، أمّ، نشوف آخرتها امعاك إيه، وخلّي بالك كيف ما أنت الليث.. أني أبجى مَرَتْ الليث، يعني مش هتجدر تضحك على عجلي بكلمتين...

سار بها ليث الى الأريكة الوثيرة حيث أجلسها وجلس بجوارها قبل أن يبدأ يسرد عليها الحقيقة بينما تتفاوت تعابيرها بين متعاطف وحانق و... شرس!!

حالما انتهى من سرد روايته التفت الى سلسبيل وسألها بينما شعر بألم مصحوب بسخونة مكان الجرح ولكنه تجاهله:

- ها.. عرفت يا بت عمي الحكاية صوح؟.. ما كانيش له لازمِه كل اللي اعملتيه ديه؟.

سلسبيل وهي تشعر بالخجل لتهورها معه ولكن في نفس الوقت تشعر بالحنق والغضب لأن هذه الوداد حملت اسمه في يوم من الايام وان كان بورقة زواج عرفي أبيض!، قالت سلسبيل وهي تكشر كالأطفال في حنق طفولي:

- وأني كت أعرِف امنين؟.. وبعدين انت المحجوج.. أني مرتك يعني المفروض كت أعرف الحكاية ديْ منِيك انت من جبل ما بت الفرطوس ديْ تاجي لك المشتشفى او تعمل اللي عِملتو ديه.

ليث وهو يغالب ألمه مجيبا بتعب واضح:

- أنتي اغلطتي يا بت عمي، الاصول كتي تستاني لمن تشوفي الحكاية ايه، مش تاخدي في وشك وتهربيْ.

سلسبيل وأحساس الحرج لديها تضاعف بينما تنظر اليه بعينين صادقتين:

- اعذرني أي ليث، أني برج من عجلي كان عيطير لمن سمعتها، وخصوصي لمن سعلتك وجولتلي انه الحديت صوح، لكن إيه الموكان ديه؟.. انت خليت صابر يجيبني فين؟..

ليث وهو يرفع يده يمسك رأسه:

- ديه شوجتي في جنا، اني كنت خابر انك عتهلفطي بالكلام اللي مالوش عازه جودام بوي وبوكي، ما كونتيش عاوز حد يتدخل بيننا، ما كونتيش عسيبك تبعدي عني ولو دجيجة واحده، عشان إكده جبرت الدكتور يكتب لي اخروج انهارده مع انه جالي حالتي لسه....

وبتر عبارته وهو يرتمي على الأريكة في حين هتفت سلسبيل بخوف:

- ليث!!!!!...

--------------------------------------------------------

خرج الطبيب الذي أتى به صابر والذي هاتفته سلسبيل وهي في أقصى درجات الخوف على ليث الذي سقط بين أيديها مغشيّا عليه، ناول الطبيب وصفة الدواء لصابر وهو يؤكد على وجوب الالتزام بمواعيد الدواء والراحة التامة فقد نزف الجرح واضطر لقطب غرزتين أخريين له، انصرف الطبيب ومعه صابر وقد أمرته سلسبيل بإحضار الدواء قبل أن تعود غرفة النوم حيث يرقد ليث النائم بفعل المهدئ..

جلست سلسبيل بجواره ومدت يدها تمسح خصلات شعره الأبنوسي برقة لتهبط بسبابتها على وجهه تتلمس خشونة ذقنه فشاربه الكث بينما تنهل عيناها من وسامته الخشنة وهي تهمس بلوم:

- إكده يا ليثي؟.. عاجبك الخرعة اللي اتسببتي لي فيها؟.. أني جلبي كان عينخلع من موطرحه، لسّاتك معترفشي أني بخاف عليك كيف؟.. فداك أني وأي حد تاني المهم انت تجوم بالسلامة يا ليث سلسبيل..

صوت طرقات هادئة لتتجه سلسبيل الى الباب حيث تناولت الدواء من صابر وأمرته أن يلزم السيارة بالاسفل وألا يخطو خطوة واحدة إلا بمشورتها..

أعدت سلسبيل الحساء الساخن، دلفت الى الداخل لتجد ليث وقد أفاق من سباته، وضعت صينية الأكل فوق الفراش بجواره وهي تقول بابتسامة ناعمة:

- الدكتور بيجول لازمن تتغذى منيح عشان الجرح ايلم بسرعة.

قال ليث وهو يشيح بوجهه بعيدا عن الطعام:

- ماعاوزشي يا بت عمي، بعّديه عني.

قالت وابتسامة ناعمة تزين ثغرها الكرزيّ:

- لاه.. أني اللي عاملاه بيدِّيني التنيين دول، هتكسف يديْ؟..

ليطالعها ليث وهو يبتلع ريقه بصعوبة هامسا في حين تسافر عيناه على صفحة وجهها البهي تلتهم تفاصيله الفاتنة:

- لاه طبعا.. يسلموا ايديكيْ يا بت عمي.

ومد يده ليتناول الملعقة حينما فاجأته للمرة الثانية بأن سبقته وتناولتها وغرفت بها بعض الحساء ثم رفعتها الى فمه وهي تقول بنعومة ورقة:

- افتح خاشمك.

ليقول بانشداه:

- ها!!!.... ضحكت سلسبيل ضحكة خافتة ناعمة أجرت الدم ساخنا في عروقه بينما أجابته وهو تشير له بالملعقة:

- هوكّلك بيديّ يا ولد عمي.

ليفتح فمه تلقائيا كالطفل الوديع فيما تطعمه هي الحساء الذي أنهاه عن آخره دون أن يعي مذاقه الفعليّ، فقد كان تائها بين أهدابها الساحرة حينا وانعطافة شفتيها المسكرتين أحيانا!..

*********************************************

- عمي، أنا مش عجبني حال سلمى.

تنهد رؤوف عميقا وهو يجيب شهاب بينما تابع الجد عبد الحميد الحوار الدائر أمامه دون أي تدخل منه:

- وأنا هعمل أيه يا شهاب يا بني؟.. أنت شايف بنفسك من ساعة ما اللي حصل وهي قافلة على نفسها بابها ومش عاوزة تشوف حد.

زفر شهاب بيأس في حين قال والده عثمان بحزمه المعروف:

- ما تواخزنيشي يا خويْ.. بس بتّك امزوداها حبتين.. واحد وعمره انتهى لحد إكده.. ديه أعمار وكله امجدر ومكتوب، واحنا ما عننساشي اللي عِمله واصل، هو حافظ على عرضنا وصانه، وعشان إكده أكبر صوان عيتنصب له احدانا..

**لم يخبر شهاب والده أو الجد بحقيقة ما حدث، ولا يعلم أيّا كان بأمر مقطع الفيديو المسجّل لسلمى والذي كان بحوزة حمدان الذي قُتل يوم الحادث ليختفي أي أثر للفيديو بعد أن تحطم هاتفه يومها، وحدها أسرتها والديها وشقيقتها من علموا بالحقيقة، ولم يخبرهم سوى أنه ساعد في انقاذ سلمى من براثن العصابة وقد تلقى الرصاصة بدلا عنها**

قال الجد بجدية:

- مش كفاية يا عتمان يا ولديّ، ادبح عجلين ووكل الفوجرا بيهم، واتبرع بجرشينات تساعد بيهم في بنى الجامع الكبير اللي حدا البحر عشان تبجى صدجة جارية للمرحوم.

زفر شهاب بضيق وقال:

- كل داك ويس وجميل، بس مش هيخرج سلمى من اللي هيا فيه.

ليقاطع الجد الجدل الدائر قائلا بصرامة:

- رؤوف.. الولاد أديهم كاتبين بجالهم فترة طويلة، أني شايف اننا نتمم الجواز.. جولت إيه؟..

لتنفرج أسارير كلا من شهاب وغيث في حين ابتسم عثمان استحسانا لأمر والده المغلّف على هيئة اقتراح ولكنه أكثر الناس علما بالحاج عبد الحميد وأنه لم يكن يقترح بل... يأمر!

رؤوف بتردد:

- مش عارف يا حاج، بس مش مستعجلين شوية؟.. سلمى لسه ما خرجتش من اللي هي فيه.

عثمان باعتراض:

- كيف مستعجلين يعني يا ولد ابويْ؟.. العيال أداهم زمن عاجدين لهم على بعض، وافج يا راجل خلينا نفرحوا بيهم، خير البر عاجله.

نظر عبد الحميد الى رؤوف وقال في جدية:

- رؤوف يا ولدي أني خابرك زين، انت رايد تطمَّن على بتّك واتخرجها من اللي هيا فيه ديه، وأني بجولك انه أحسن طريجة اننا نتمم الجواز، صدجني ديه بس اللي عتخليها تنشغل بلوازم الفرح وتطلع من اللي هيّا فيه ديه.

همس رؤوف وكأنه يحدث نفسه بصوت منخفض:

- يمكن يا حاج، لما نشوف، عموما أنا هقولك وأشوف هتقول إيه.

عثمان باستنكار فلم يعجبه رد أخيه:

- أيه؟.. يعني ايه تشوف رأيها ديْ؟.. هو فيه بعد شور الحاج راي ولا ايه؟.. رؤوف يا خوي انت تجولها انه الحاج أمر انه الزواج يتم.

نظررؤوف الى الجد بتساؤل ليجيب الأخير بحزم وهو ينقل نظراته بينهم جميعا:

- بلِّغ بناتك يا رؤوف ان الجواز على هلال الشهر الجديد.. يعني بعد سبوعين تمام من انهاردِه!.. وديِه قرار جدهم عبد الحميد.. كبير العيلة!..

فأسقط في يد روؤف فهو أكثر من يعلم أنه إذا ما أمر الكبير بشيء.. فأمره واجب النفاذ!!

الحلقة الـسابعة والعشرون

كبير العيلة (منى لطفي)

حدقت ثلاث أزواج من الأعين المذهولة برؤوف وهو يخبرهم بقرار الجد بتحديد موعد الزفاف، كانت سلمى أول من أفاق من دهشته لتتكلم بغير تصديق:

- إزاي يا بابا حضرتك توافق على حاجة زي كدا؟.. جدي على عيني وراسي بس تحديد معاد الفرح أعتقد دا شيء يخصني أنا وشهاب بالدرجة الأولى؟.. واحنا اللي نحدد الوقت المناسب لينا احنا الاتنين.

نظر اليها رؤوف بابتسامة صغيرة وأجاب وهو على علم بإجابتها مسبقا:

- ويا ترى ايه هو المعاد المناسب ليكي يا سلمى؟.. لأن شهاب موافق على قرار الحاج.

اضطربت سلمى قليلا لتجيب بعدها وهي تفرك يديها بتوتر:

- بصراحة يا بابا حضرتك عارف الظروف اللي مرّينا بيها اليومين دول، وعشان أكون صادقة مع حضرتك.. أنا مش هقدر أتجوز في المعاد اللي جدي حدده.

تحدثت ألفت بلهجة الأم الحانية:

- سلمى حبيبتي.. احنا كلنا عارفين ومقدرين حالتك النفسية وبالذات الظروف اللي انتي مريتي بيها، وأنا بصراحة في الموضوع دا شايفة ان جدكم معاه حق!.

نظرت اليها كلا من سلمى وسلافة باستنكار في حين ابتسم رؤوف لتردف مانعة أي منهما مقاطعتها:

- بالراحة بس قبل ما تتسرعوا في الكلام، انتي يا سلمى للأسف كنت فاكراكي أقوى من كدا، فين إيمانك يا بنتي؟.. " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".. صدق الله العظيم، أنا مقدرة حزنك على المرحوم، لكن ليه ما تبصيش من ناحية تانية؟... المرحوم في حكم الشهيد.. ودا جزاؤه كبير أوي عند ربنا، شوفي هو كان هيموت في ساعته دي ويومه دا، لكن مش يمكن كان يموت مع حامد رشوان؟.. يعني عاصي لربه؟.. لكن هو مات وهو بيدافع عن عرض وشرف، شوفتي ربك رحيم بيه أكتر من نفسه إزاي؟.. وبعدين الفرح دا الشيء الطبيعي بعد كتب الكتاب، لأنكم فعلا في حكم المتجوزين وأنا بصراحة ضد أن المواضيع دي تطول، صدقوني حبايبي.. بيحصل خلافات ومشاكل على أقل حاجة، فأنا شايفة أننا نتوكل على ربنا ولو أني حاسة اننا هنتزنق في الوقت، احنا لسّه ما جهزناش حاجة، أنا صحيح كنت بجهزكم من وانتم صغيرين لكن بردو فيه حاجات ناقصة، ايه رأيك في كلامي يا رؤوف؟..

أشاد رؤوف برأيها قائلا:

- عين العقل كلامك يا ألفت....، ثم نظر الى ابنتيه وتابع:

- شوفوا يا بنات.. أنا بصراحة مش شايف معنى أنكم رافضين، خصوصا وانكم ما قولتوش ايه هو المعاد اللي يناسبكم.. صح؟.. يعني أنا أفهم انكم تقولوا لا مثلا عاوزين على الاقل شهر نخلص فيه حاجتنا، لكن أنتم اعترضتم من غير ما تقولوا البديل، يبقى دا رفض لمجرد الرفض بقه ولا إيه؟..

سلمى بهدوء:

- لا طبعا يا بابا، بس بعد إذنك لازم نكون مهيئين نفسيًّا لحاجة زي كدا، أنا معاكي يا ماما في كل اللي بتقوليه بس أنا في الاول والآخر بشر مش ملاك، وأكيد بمر بلحظات ضعف.. بستغفر ربنا طبعا كل ما بييجي في بالي اني السبب في اللي حصل لأحمد، بس أنا نفسيا دلوقتي عاوزة أبعد وبس، عاوزة أنسى اللي حصل، وفي نفس الوقت عاوزة لما أبتدي جوازي أكون زي أي عروسة، بفرحة وأمل وأنا ملهوفة وفرحانه مش جوايا حزن وضيق!.. جوازي لازم يكون شيء أنا ملهوفة عليه مش دوا طعمه مر ولازم أخده عشان أخفّ!..

تنهدت ألفت بعمق ونظرت الى رؤوف وتساءلت:

- إيه رأيك يا رؤوف في كلام بنتك؟..

نظر رؤوف بهدوء الى زوجته وقال:

- سلمى ليها وجهة نظر طبعا تُحترم، بس عشان تكوني عارفة يا سلمى – ووجه تتمة حديثه الى سلمى – هو دا السبب تحديدا اللي خلّا جدك يستعجل في تحديد معاد الفرح!.. اللي قاله بالحرف الواحد لازم حاجة تخرج سلمى من اللي هيّا فيه، وطبعا ما فيش أكتر من حياة جديدة مع جوزك تبتديها وانتي كلك فرح وأمل وتفاؤل، عشان كدا أنا بضم صوتي لصوت جدك...

لتقفز سلافة هاتفة بانفعال:

- بس بعد إذنك يا بابا أنا مش موافقة..

زفر روؤف فهو يعلم مدى قلة صبر ابنته الصغرى وعنادها الشديد، تحدث رؤوف بهدوء نسبي:

- وأنتي رافضة ليه يا سلافة؟..

أجابت سلافة:

- بصراحة كدا يا بابا أنا مش عارفة ايه وجه الاستعجال؟.. أنا حاسة زي ما نكون بنجري حوالين نفسنا؟.. الموضوع من أوله وجري، جري، جري.. من لحظة ما خطبونا عشان نتفاجئ انه كتب كتاب وبعدين هوب.. هوب دلوقتي عاوزين فرح والحِجّة نفسية سلمى!....، لتوجه حديثها بعد ذلك الى سلمى مردفة:

- انتي يا بنتي إنتي نفسيتك هتتعدل بعد الفرح؟.. معقول!.. دا احنا بحالتنا دي عاملين زي اللي بينط في البحر وهو مش بيعرف يعوم!.. وبصراحة يا بابا حتى لو سلمى وافقت.. أنا رافضة.

رؤوف ساخرا:

- ولما تعرفي أن غيث موافق ومصمم انه الفرح يكون في المعاد اللي جدك حدده.. هتعملي إيه؟..

برقت عينا سلافة بعزم وقالت:

- أنا هتكلم معاه، فيها إيه دي؟!..

لتنفذ قولها في التو واللحظة وهي تستأذن بالانصراف متجهة الى الخارج حيث غيث، في حين نهضت سلمى وقالت بهدوئها المعتاد:

- بعد إذنك يا بابا.. أنا محتاجة أتكلم مع جدي عبد الحميد، بيتهيألي جدي لو اقتنع بوجهة نظري هو بس اللي يقدر يقنع الكل..

ثم انصرفت هي أيضا في حين نظرت ألفت الى رؤوف وقالت بابتسامة:

- البنات كبروا يا أبو البنات وكل واحدة فيهم عاوزة تتصرف بطريقتها هي.

روؤف بفخر أبويّ:

- سيبيهم يا ألفت، مع أني موافق الحاج في كل اللي قاله لكن ما تتصوريش وانا شايفهم وكل واحدة عاوزة تثبت وجهة نظرها أنا حاسس بالفخر إزاي، بناتي ليهم شخصية ورأي وبيفرضوا شخصيتهم دي على اللي قودامهم ولازم اللي يواجههم يعمل لهم ألف حساب، ويعرف أنهم مش عشان خاطر بنات يبقى مالهومش رأي ولا يبقى أؤمر تُطاع، وأنا متأكد انه الحاج هيقدر يِّفهمهُم كويّس ويقنعهم كمان.

----------------------------------

كان الجد يجلس في مكانه المفضل في الحديقة تحت سقيفة العنب حينما اتجهت اليه سلمى، سلّمت عليه مقبلة ظهر يده كما سلّمت على جدتها، رحب بها الجد مهللا وقال وهو يشير اليها لتجلس بجواره على الأريكة الخيزران:

- يا مرحب يا مرحب بالدكتورة، كيفك يا بنيتيّ؟.. ان شالله زينة؟..

جلست سلمى وأجابت بابتسامة:

- الحمد لله يا جدي ربنا يخليك.

قالت الجدة وهي تمد يدها بكوب الشاي للجد:

- فينك يا دَكتورة، جدتك ما اتوحشتهاش؟!..

أجابت سلمى بنفي قاطع:

- لا طبعا ازاي يا جدتي، معلهش أنا عارفة اني مقصرة بس..

ليقاطعها الجد رافعا يده باسطا راحتها:

- ما بسّش يا بنيْتي، انتي عمريكي ما تجصري إمعانا، انتي ولد الغالي، جدتك ما جصدهاشي حاجة.. انتي بس بتتوحشينا فبنبجى رايدين نجعودا إمعاكي..

أكدت الجدة قائلة:

- عندك حج يا حاج، انتي غالية حدانا جوي جوي يا بنيتي وربنا يعلم، غلاوتك أنتي وخيتِك وأُميكي من غلاوة ولدي رؤوف إسم الله عليه..

قالت سلمى بابتسامة:

- وحضرتك وجدي غاليين علينا أوي أوي يا جدتي.

نظر عبد الحميد بابتسامة ماكرة وقال وقد أخبره حدسه بسبب حضور حفيدته لرؤيته:

- إيه يا بنيتي، شايف حديت على وشّك.. خير يا دَكتورة؟..

سحبت سلمى نفسا عميقا قبل أن تلتفت بكليّتها الى جدها وهي تقول بهدوء نسبي شابه توتر ملحوظ:

- بعد إذنك يا جدي.. بابا قال لنا ان حضرتك قررت أنه الفرح يكون على أول الشهر اللي جاي، يعني كمان اسبوعين تقريبا كدا أن شاء الله..

نظرت اليها الجدة بتساؤل ولم تتكلم في حين ابتسم الجد وأجابها بحكمة:

- أول هام أني ما جررتش.. أني حددت!.. انتو عاجدين أديلكو أكتر من شهرين، ومش لساتكم عتعرفوا بعض، دا غير أنه العرسان جاهزين، يبجى إيه المانع انكو تتجوزوا وخير البر عاجله؟..

زفرت سلمى بعمق وقالت:

- اسمح لي يا جدي أنا هكون صريحة مع حضرتك... أنا يعني حضرتك عارف أكيد الظروف اللي مرِّينا بيها، أنا نفسيا مش قادرة أبتدي حياة جديدة، على الأقل دلوقتي، محتاجة وقت أجمّع فيه نفسي كويّس عشان لما أبتدي حياتي مع شهاب أبتديه وأنا عاوزة كدا مش عايزة أحس اني كنت مجبرة!..

قال الجد بحنكته:

- طب خليني إمعاكي يا دَكتورة.. دلوك أنتو مش كاتبين اكتابكم بجالكوم كم شهر؟.. واللي أنا شايفه يجول أنكم مش لسه عتتعرفوا على بعض، وحكاية الظروف اللي مريتي بيها ديّ عاوز أجولك انه هي الظروف ديْ اللي خليتني أنجز في موضوع الفرح، لأنه كيف ما جولتي انتي لازمن تطلعي من اللي انتي فيه ديِه.. وديِه مش هياجي غير لمن عجلك ينشغل بحاجة تانية خالص، بجوازك وحياتك الجَديدة، وبعدين يا بنيتي أنا خلاص العمر مبجاش فيه جاد اللي راح.. رايد أفرح بأحفادي جبل ما ربنا سبحانه وتعالى ياخد أمانته، تستكتري فيا الفرحة يا بنت الغالي؟..

هتفت سلمى نافية بحرارة:

- أبدا يا جدي، بعد الشر عليك، ربنا يديك الصحة وطولة العمر حضرتك وجدتي..

لتهتف الجدة بنزق:

- وبعدهالك يا حاج.. أني مش جايلالك ما تجيبيش السيرة ديْ تاني؟.. ربنا يعطيك طولة العمر ويجعل يومي جبل يومك جول آمين..

ابتسمت سلمى وأرادت إضفاء بعض المرح على الجلسة فقالت وهي تغمز جدها:

- اللاه اللاه.. أقوم أنا بقه، حاسة أني بقيت عزول وأنا مش واخدة بالي!..

لتصدح ضحكة الحاج فيما أنبتها الجدة قائلة:

- باه.. أنتي يا سلمى اتجولي إكده؟.. لو سلافة كنت جولت مش امهم اتعودنا على طبعها في الغشمرة.. لكن انتي...

قال الجد:

- عشان تبجي عارفة يا فاطنة سلمى عنديها خفة دم كيف سلافة تمام..

ضحكت سلمى وقالت:

- تسلم يا جدي، بس أنا ما أجيش في سلافة حاجة..

الجدة بحنان:

- ربنا يخليكو لبعض، المهم يا بنيتي دلوك.. وافجي يا نضري انه الفرح يبجى في المعاد اللي جدّك جال عليه، وعشان تبجي عارفة.. عمر جدك ما جال كلمة وحَدْ وجّعها الأرض واصل، لكن لانكم عنديه حاجة تانية فعشان إكده ما رايدشي يكون غصب عنيكي أنتي وأختك.

نظرت سلمى الى الجد وقالت بابتسامة:

- ما عاش ولا كان اللي يوقع كلمة ليك يا حاج عبد الحميد، بس أنا بعد إذنك ليا طلب صغير...

تبادل الجد والجدة نظرات التساؤل وسط ابتسامة فرح يخالطها الريبة!!..

----------------------------------------------------

اتجهت سلافة الى مكان وجود غيث في حظيرة الخيول حيث سألت عليه فأرشدوها الى مكانه، كان غيث يمتطي فرسا أسودا عربيّا ضخما يتريّض به في مساره حينما لمحها تقبل عليه من بعيد، فاتجه إليها ليقف بجانبها جاذبا لجام الفرس بقوة ليوقفه ليصهل الأخير احتجاجاً، نظر اليها من مكانه فوق صهوة الجواد وقال بابتسامة:

- ايه الصدف السعيدة ديْ.. يا ترى على فين العزم ان شاء الله؟..

ظللت سلافة عينيها بيدها وأجابته وهي ترفع رأسها لتتطلع إليه:

- أنا عاوزاك في كلمتين يا غيث.

قطب غيث وقد استشعر الجدية في كلامها، ليسارع بالترجل من فوق صهوة الفرس، ويمسك بلجامه قائلا:

- خير يا بنت العم.

سلافة وهي تنظر اليه وقد أنزلت يدها جانبا:

- خير ان شاء الله..

نادى غيث على السائس ليسلمه لجام الفرس ثم دفعها براحته فوق ظهرها بخفة ليوجهها الى السير الى منطقة مظللة بعيدا عن أشعة الشمس القوية وهو يقول:

- خير يا بت عمي؟.. جلجتيني..

وقفا أسفل شجرة سنديان ضخمة تميل بأوراقها حولهما، نظرت اليه سلافة وهي تحاول أن تشحذ قوتها ثم أجابت بما تملكه من ثبات:

- بابا قال لنا على قرار جدي بخصوص معاد الفرح.. 

قطب غيث وقد شعر أن تتمة حديثها لن تعجبه وقال:

- وبعدين؟..

لعقت شفتيها الجافتين بطرف لسانها الوردي لترطبهما وأجابت بعد أن سحبت نفسا عميقا:

- أنا مش موافقة يا غيث!.. من الآخر مش فاهمه إيه وجه الاستعجال بالظبط؟.. احنا مش مخطوبين بقالنا سنة ولا اتنين، احنا بقالنا كم شهر بس، ومن الآخر أنا مش جاهزة اننا نتجوز دلوقتي!..

ساد الصمت بعد انتهائها من حديثها الجاد والذي اصطبغ بنبرة تحد، عقد غيث ساعديه السمراوين أمام صدره وطالعها بنظرات مبهمة، فيما أشاحت هي بعينيها بعيدا عنه، كان غيث أول من خرق الصمت السائد قائلا بهدوء كالهدوء الذي يسبق العاصفة:

- طيب ممكن أعرِف يا بت عمي انتي هتبجي جاهزة ميتى بالظبط عشان جوازنا؟..

سلافة وهي تطالعه بثقة:

- بصراحة معرفش لسه يا غيث، لكن كل اللي أعرفه اني مش هقدر أتجوز في المعاد اللي جدي حدده، أصلا المفروض انه المعاد دا انا وانت اللي نحدده، احنا أدرى الناس بالوقت اللي هنكون مستعدين فيه!..

ابتسم غيث بسخرية قائلا:

- عجيبة!.. ما انتي لساتك يا بنت الناس عتجولي ما عاوزاشي دلوكيت خالص ومعرفش إيه، يبجى منين ديِه ومنين احنا اللي نحددوا امعاد الفرح؟.. وبعدين أنا جولتلك جبل سابج أنه متى ما اتطمنا على ليث والموضوع خولص بالسلامة اننا هنتمم الزواج، صوح ولا لاه؟..

شعرت سلافة بالتوتر وأن غيث قد حشرها في الزاوية بأسئلته المفرطة فهتفت بحدة:

- هو تحقيق ولا إيه يا غيث؟.. مش المفروض أنا العروسة؟.. يعني أنا اكتر واحدة لازم تكون موافقة على معاد الفرح، وانا بقولك يا غيث المعاد مش مناسبني، وقت قليل جدا وأنا لسه مش مستعدة!...

أسدل غيث ذراعيه بجانبه وقلّدها ساخرا:

- وميتى على إكده عتكون عروستنا مستعدة للفرح؟..

هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت بثقة وبرود علمت بعدها مدى خطئها في استفزاز غيث:

- من الآخر كدا مش قبل.. ست شهور!!..

ليهتف غيث عاليا:

- كيييف!!!!!!!!!، 6 شهور؟!!، انجنيتي إياك!!، ست شهور إيه ديْ!

واقترب منها في حين تراجعت هي عدة خطوات الى الوراء وهي تحذره شاهرة سبابتها أمامه:

- بقولك ايه يا غيث... اوعى تقرب مني، أنا مش نعجة انت شاريها من سوق التلات مالهاش رأي، أنا بني آدمة، وليا رأي, وموضوع جوازي دا ما يهمش حد أد ما يهمني أنا!...

وقف غيث أمامها لتصطدم بجذع النخلة خلفها فشهقة بخفة في حين مال عليا مجيبا باستهزاء واضح فيما عيناه تغشاهما نظرة خيبة الأمل الواضحة:

- معلهش يا بت عمي.. فيه طرف تاني إيهمه موضوع زواجك... – لتنظر اليه مقطبة بريبة فيتابع بنصف ابتسامة سخرية تشوبها المرارة – العريس!.. اللي هوَّ أنا يا... عروسة!..

حاولت سلافة امتصاص غضبه الواضح والذي تعبر عنه عيناه بوضوح فقالت:

- اسمعني يا غيث...

ليسارع بإمساك يدها التي كانت تشير بها اليه ليشبك أصابعهما سوية وهو يقول بجدية بالغة:

- لاه يا بت عمي.. اسمعيني أنتي، أنى كنت بأعد الايام لجل اليوم ديه ما ياجي، وجت ما جدي حدد المعاد كنت حاسس بجلبي كانُّه عيطير من الفرحة، خلاص ما بجاش غير أيام وتكوني امعايا، معتبعديش عن عينيا التنتيين واصل، كنت فاكر انك عتفرحي كيف ما اعملت، لكن واضح انه أني بس اللي كنت ملهوف عليكي يا بت العم.

استطاع غيث إشعارها بالذنب ليبدأ ضميرها في تأنيبها وتقريعها بعنف، فما حجتها القوية في رفضها معاد الزفاف، فسلمى تملك تبريرا مقنعا وهو حالتها النفسية السيئة، ولكن هي.. ما السبب الذي تملكه للاعتراض؟.. وبدلا من أن تصارحه بتخوفّها من اتمام الزفاف سريعا وهي لم تقض معه المدة الكافية التي تجعلها تعتاد طباعه جيدا إذ بها تتصرف وفقا لشخصيتها المجنونة وانفعالها الصبياني وترمي برفضها في وجهه لمجرد الرفض فقط كما سبق وواجهها أبوها بذلك!..

كانت تسترق النظر اليه بطرف عينيها بينما تعض على باطن شفتها السفلى في حين كان غيث يرنو اليها بطرفه وهو يعلم تماما فحوى الأفكار التي تدور في هذا الرأس الصغير العنيد، هو يعلم سلافة تماما كراحة يده، عرف أنها أبدا لن تأتي بسياسة الأمر الواقع، ليأتيها من ناحية أخرى.. ألا وهي تأنيب الضمير!.. ومن النظرات المترددة التي ترمقه بها وهي تحسبه غافلا عنها يكاد يجزم أنها تراجع نفسها بشأن قولها الأحمق ذاك الذي رمته في وجهه من أنها ترفض إتمام الزواج في الموعد الذي حدده الجد، أتمزح؟.. هو يكاد يصاب بنوبة قلبية من فرط فرحته لقرب زفافهما حيث يجمعهما مكان واحد، وهي تفكر كيف تقنعه بأن يؤجل معاد الزفاف، تبّا له ألف مرة لو وافقها على جنونها، ولتحمد ربها أن الجد قد قرر الموعد في غضون أيام، فلو لم يتدخل أحد في ذلك لكان سارع هو بالالحاح في اتمام الزفاف ولو اعترض أحد لكان خطفها تماما كما فعل في السابق كي يقنعها بالارتباط به، فمن الواضح أنه أمام سلافة لا يوجد حلّا آخر سوى اختطفاها!!!.. حيث يطير منه عقله الراجح والذي يتصف به ليحل بدلا منه بعضا من جنونها اللذيذ، وكم يحب هو هذا الجنون الذي يضفي على حياته الراكدة بهجة لا تقاوم!..

تحدثت سلافة وشعور الذنب يزداد بداخلها:

- غيث أنا مش عاوزاك تزعل مني، غيث أحنا ما لحقناش نتعود على بعض، أحنا محتاجين وقت نعرف بعض فيه أكتر و...

ليقاطعها وقد ترك يدها ليمسك بوجهها بغتة ويحيطه براحتيه الخشنتين فيما يميل عليها ليتيه بين دخاني عينيها هامسا بخشونة:

- نتعودوا على بعض؟.. فِكرك أني لحد دلوك معرفتكيش يا بنت عمي؟.. أني ما فيش حاجة فيكي الا وحفظتها، عارف ميتة بتكوني غضبانة من عجدة حواجبك وزمّتك الـ خشمك كيف الصغار، عارف ميتة بتكوني فرحانه وعيونك بتتفطط تفطيط من فرحتك، عارف ميتة بتكوني رايده حاجة وتجعدي اتلفي عليها وكان اللي جودامك ديه مش عيفهم إنتي رايده إيه؟.. سلافة.. أني لو اختبروني فيكي عاخد الدَّكتوراة وبامتياز كومان!...

كانت سلافة تطالعه بانبهار طوال حديثه، فيما حمرة جذابة انتشرت في وجهها كله حتى منابت شعرها ما جعل وجهها آية في الجمال، وشعرت بدقات قلبها وهي تطرق عاليا، لم تكن تعتقد أنها قد أصبحت كالكتاب المفتوح بالنسبة لغيث هكذا، ربّاه.. أنّى له أن يعلم عنها كل هذه الأمور الدقيقة وبمثل هذه السهولة والوضوح؟.. هي تشعر به وقد أصبح أقرب اليها من أنفاسها، انتبهت من شرودها على ضغط ذراعيه اللتان تسللتا اليها ليحيطا بخصرها الدقيق فيقربها اليه بينما مال عليها لتلفحها أنفاسه الحارة وهو يتساءل فيما تتيه هي في فحم عينيه المشتعل:

- لسّاكي برضيكي جلجانة من جوازنا يا حبة الجلب؟..

تاهت في عينيه، لترد بهزة نفي بسيطة من رأسها وكأنها منومة مغناطيسيا، ولكن هزة النفي هذه كانت أكثر من كافية لغيث ليسارع باحتوائها بين ذراعيه يود إدخالها بين ضلوعه وهو يهتف بحرارة:

- بحبك يا جلب غيث...، ولم يمهلها الرد إذ سارع باقتطاف ثغرها الوردي في قبلة طويلة عميقة أودعها حبه وعشقه اللامتناهي لها، حتى أذ تركها لتستطيع التنفس همس لها وهو يسند ذقنه الغير حليق الى جبهتها فيما يحاول جاهدا التقاط أنفاسه الثائرة:

- هاعد الايام بالساعة والدجيجة لحدت يوم الفرح، وربنا يصبرني اليامين دول..

لتسارع بدفعه بخفة وتجيبه وهي تبتعد عنه بخطوات رشيقة:

- اعمل حسابك انك مش عتشوفني واصل اليامين دول، عن إذنك يا ولد عمي..

لتسارع بالابتعاد فيما ينادي عليها ليقف مراقبا ظلها إلى أن اختفى فابتسم وهمس:

- مجنونة، بس بموت في اجنانك..، ليقطب فجأة ليستوعب الآن فقط كلمتها من أنه لن يراها لحين موعد الزفاف فيسارع بالركض خلفها وهو يهتف:

- تعالي إهنه، كيف مش عشوفك يعني؟... وجفي يا سلافة!..

وسارع بالركض خلفها بغيّة اللحاق بها..... 

***********************************************

وقفت ووجهها بلون ثمرة الفراولة الطازجة، أشار اليها ليث بسبابته لتقترب، عضت باطن خدها بينما تقترب بوجل، أشار الى صدره العار وهو يقول بمرح مشاغب مفتعلا الجدية:

- يعني انتي دلوك مش عتغيري ع الجرح؟.. خلاص أشيع الواد صابر يجيب ممرضة من المشتشفى، دام انك مش رايدة اتغيري لي عليه... 

قطبت بشدة فيما طار خجلها أدراج الرياح وهي تسمع اقتراحه الوقح هذا، لتقترب منه وتتناول الحقيبة التي تحتوي على أدوات غيار الجرح هاتفة بخشونة:

- باه.. ممرضة؟.. لاه يا نضري.. عغير لك أني....

ودفعته في كتفه بقوة ليقع جالسا فوق الفراش خلفه وهو يهتف باستنكار، فيما شمّرت عن ساعديها وبدأت في تنظيف الجرح واستبدال الرباط الطبي بآخر نظيف، كانت أنفاسها اللاهثة تلفحه وهي تقوم بربط الشاش الطبي، بينما تتابعها عيناه كالصقر وما أن انتهت وقد ألصقت اللاصق الطبي بنجاح حتى هتفت بظفر:

- اهاه... ولا أجدعها اممرضة تعرف تعمل اللي أني اعملته.

ما ان أنهت عبارتها حتى سارع بإحاطتها بذراعه ليرفعها فوقه بينما يميل فوق الفراش خلفه فشهقت بعجب ليدفعها بخفة وبحركة خفيفة لتحل مكانه هي فوق الفراش فيما يشرف هو عليها بينما رائحتها الأنثوية الخاصة تُسكره فيهتف بعد أن نفذ صبره تماما بحرارة قوية:

- وأني جبت آخر يا سلسبيلي..

همّت بالكلام ليُسكتها مبتلعا كلماتها.. معتصرا فمها في قبلة حارة تحوّلت تدريجيًّا إلى عناق طويل، عنيف،متطلب، حيث أبحرا الى عالم عشقهما العميق ليغوصا فيه وقد تشبثا ببعضهما البعض وكأن حياة أحدهما تتوقف على حياة الآخر!..

بعد وقت طويل كانت سلسبيل تفترش برأسها صدر ليث، همس ليث بخشونة وهو يقبّل قمة رأسها:

- عارفة يا سلسبيل.. – اكتفت بإصدار صوت همهمة صغيرة فتابع بابتسامة جذلى – نفسي اتدنيكي بين دراعاتي إكده، لو طولت ما عسبكيش اتفارجيني دجيجة واحدة، عمري ما حسيت بالسعادة إكده، سعادتي في وجودك جنبي وجصاد عيني يا سلسبيلي.

رفعت سلسبيل رأسها وطبعت قبلة رقيقة على ذقن ليث الخشن قبل أن تهمس برجاء من عسل عينيها المصفى:

- ليث فيه حاجة رايدة عسعلك فيها..

هبط بعينيه اليها وقال بابتسامة:

- اسعلي يا بت عمي..، تساءلت برجاء هامس:

- انت فعلا كان جوازك من بت الفرطوس ديْ ع الورج إو بس!

زفر ليث بضيق فاعتدلت في رقدتها لتنهض على ساعديها وقالت وهي تميل فوقه ناظرة اليه ترجوه بعينيها فيما توسدت يدها صدره فوق خافقه تماما وهي تردف باستعطاف:

- طمّني يا ليث، أني عجلي هيشت منّي، انت فعلا ما جربتش منيها واصل؟..

زفر ليث بضيق قبل أن ينظر اليها وهو يجيبها بجدية:

- سلسبيل من ميتة وأني بكدب في احاجة؟.. لو كان ديِه حوصل ما عاخفيش منيكي وعجول حوصل، لكن أبدا عمري ما لمستها خير.. شر، اطمّنتي؟.. أني بس بدي أعرِف ليه سؤالاتك ديْ، أنتي إكده بتكدبيني يا بت عمي.

لتسارع بوضع راحتها فوق فمه وهي تشهق معترضة:

- لا عِشت ولا كونت يا نضر عيني، أني بس.. أصلها....

حثّها ليث على التكملة قائلا:

- أصلها إيه كمّليْ..

هتفت بحنق وهي تدير وجهها جانبا:

- حلوة جوي يا ليث ومتغندرة إكده وشايفه نفْسَهَا، ديه غازيّة يا ولد عمي يعني تِعرف كيف اتجيب الراجل ليها، وأني.. بغار يا ولد عمي، بتجيد فيا النار كل ما ياجي ببالي انه ممكن واحدة تانية إتفكر فيك ولو بينها وبين نفسيها!..

صدحت ضحكة ليث عاليا فضربته سلسبيل بقبضتيها الصغيرتين فوق صدره وهي تهتف باستنكار:

- عتضحك عليّ يا ليث، طيب وخّر عنِّي، أني عاوزة أجوم من إهنه..

ليحاصرها بذراعيه وهو يقول فيما يضغطها أقرب اليه:

- أوخّر؟!.. مجنونة إنتيْ!.. أوخّر كيف وأني ما صدجت انك تحسي بجلبي؟.. أهملك كيف وانتي بتجولي انك بتغيري علي، يعني بتحبيني؟.. أفوتك كيف وانتي في الموكان اللي يا ما حلمت اتكوني فيه؟.. جاري إهنه، بين يدِّيني التنيين، تجومي تجولي بعّد؟!.. وبعدين فيه حاجة غلوبت أجولك عليها وأعيد وأزيد فيها... كل الحريم إف كفة وانتي لوحدك إف كفة، وبرضيكي كفّتك انت الرابحة يا سلسبيلي، لأنك خدت جلبي امعاكي من زمان، من وجت ما كونتيْ بضفيرة وبتجري حواليّ، سرجتيه يا سلسبيل وما عاودش موطرحه إلا لمن اتزوجتك وبجيتي مَرَتيْ، وجتها بس حسيت انه جلبي رد لي تاني، إوعاكي اتحطي نفسيكي في كفة واحدة مع أي حرمة تانية، مرت الليث مالهاش زيّ وما فيش ضوفر حرمة تانية تسواها.

لتغشى عينيها طبقة شفافة من الدموع وقد لمست الصدق في كلماته وهمست بصوت متحشرج:

- بحبك يا ولد عمي، ربنا ايخليك ليّ يا ليثي، وما عيحرمني منيك واصل..

زادت دقات قلبه وهو يسمع اعترافها اللا مشروط بحبه ومال عليها متمتما بصوت أجش:

- بجول إيه.. ما تاجي انكمل الحديت اللي كنا بنجوله من إشويْ.

لتعض على باطن خدها وتهمس بخجل يلون وجنتيها:

- احنا كنا بنجول إيه؟.., ليهبط عليها هاتفا بخشونة:

- بسيطة.. عفكرك جوامك!!!!!!!!!!!!....

**ليراجع معها ليث كلما سبق وأن قالاه وبالكلمة والحرف الواحد.. (فيس بيرقّص حواجبه وبيغمز بمكر)**

**************************************************

دلفت سلمى الى غرفة الجلوس وهي تمسك بمرفق جدها، لتجد الجميع وقد اجتمعوا، ألقى الجد السلام، فيما اتجهت الجدة الى المطبخ لتأمر الخادمة بإحضار الشاي وقطع الكعك البيتي الذي كانت قد صنعته ألفت في وقت سابق، جلس الجد ليحذو الباقين حذوه وكانوا قد قاموا احتراما له، انخرط الجميع في أحاديث جانبية لينتهز شهاب الفرصة ويميل على سلمى التي جلس بجوارها هامسا:

- مبروك يا عروسة، فرحنا بعد أسبوعين، جهزي نفسك، عشان تبقي تقوليلي عاوزة تسافري مصر، انسي.

نظرت اليه بخبث وهي تقول بهمس مماثل بإغاظة وابتسامة استفزاز أثارت ريبته تعتلي فمها الصغير:

- ومين اللي قال ان شاء الله أني مش هسافر؟..

شهاب بثقة:

- جدي!.. أنا متأكد أنه مش هيوافق، ولا هتعملي حاجة من وراه؟..

رفعت سلمى حاجبها بتحد وهي تجيبه بصوت منخفض:

- لا طبعا، بس مين اللي قال لك أنه مش هيوافق؟..

قطب سائلا:

- يعني إيه؟..., نظرت اليه بتحد قبل أن تثير انتباه جدها قائلة بنعومة:

- انت موافق يا جدي على كلامي صح؟..

ليقول الجد هاتفا بتأكيد:

- واكيد يا بتّي...، ليلتفت الى سلافة وهو يشير اليها لتقترب، فنهضت واتجهت اليه لتجلس بجواره من الناحية الأخرى فيحتويها بذراعه قائلا بابتسامة:

- كيفها حبيبة جدها؟.. يعني لا بتتحدتي ولا بتهزري كيف ما كونتي، إيه فيه حاجة مزعلتك يا حبيبة جدك؟..

سلافة بنفي قاطع وهي تحيط عنق جدها بذراعيها وبدلالها الطفولي أجابت:

- لا طبعا يا بابا جدو، ربنا ما يحرمني منك أنت وماما ستو..

وقبلت لحيته البيضاء لتعلو ضحكات الجد فيما أردفت سلافة بجدية زائفة:

- هو طبعا موضوع الفرح دا بس...

ليقطب الجد متسائلا فيما أمسك الباقين أنفاسهم بينما عض غيث على قبضة يده ناظرا لها بلوم لتكمل بمكر:

- لكن والله ما هي راجعة، بقه جدو حبيبي يجول كلمة ومعتمشيشي؟.. تمشي على رجابينا كلّاتنا يا كَبيرنا..

لم يستطع الجالسون كتم ضحكاتهم التي صدحت عاليا في حين كانت الجدة تدلف وهي تقول بابتسامة واسعة:

- ما تضحكونا امعاكم...

أجاب الجد وصدى ضحكته لا يزال في صوته:

- عجولك إيه بس يا أم عتمان، بنت ولدك رؤوف رجعت الضحكة للدار إهنه من تاني، الحمد لله أني كنت عامل إحساب اليوم اللي عيتزوج فيه غيث وشهاب وبنيت لهم كل واحد منيهم دور كامل فوجينا، عشان ميهملوناشي واصل..

ابتسم الجميع إلا واحدة.. كانت ابتسامتها صفراء بينما الغل والكراهية والحقد يتأكلآنها من الداخل.. لتعكر صفو الجلسة المرحة بقولها الخبيث الذي هبّ عليهم كريح خبيثة:

- وانت ان شاء الله ما كونتيشي رايدة الفرح ايكون في المعاد اللي حدده جدّك ولا إيه؟.. غريبة.. البنتة كلاتها ما بتصدج تتزوج، وانتي إيه.. لا يكون ولدنا مش عاجبك!..

ليصمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، فيرمقها عثمان زوجها بنظرات غضب نارية، بينما تحدجها الجدة بسخط، وينظر اليها غيث وشهاب بلوم، فيما تتبادل ألفت مع رؤوف نظرات ريبة وقلق من حماة ابنتيهما المستقبلية، وأخيرا لينظر اليها الجد بغموض، لتكون سلافة أول من خرق الصمت فتجيب بابتسامة استفزاز أثارت غيظ راوية وحنقها:

- بس أحنا مش أي بنات يا طنط – مشددة على كلمة طنط وهي تمط شفتيها- احنا بنات روؤف الخولي.. اللي طول عمرهم حلم لأي واحد.. لا احنا خايفين نعنس ولا يفوتنا القطر، يعني من الآخر ولاد عمنا أكيد ماما ستو داعيالهم في ليلة القدر أنهم يناسبوا عيلة الخولي.. أكبر عيلة في البلد.. صح يا ماما ستو؟..

** متجاهلة عن قصد ان تقول ان أمهم هي التي دعت لهم فهي تعلم تماما ان امهم ابعد من ان تدعي تبلك دعوة وايضا كي تثير غيظها أكثر وأكثر لعلها تموت حسرة وكمدا العجوز أم منقار تلك!!**..

كان الجد من أجاب وقد أُعجب بسرعة بديهة حفيدته والتي كان لاندفاعها في هذه اللحظة الفائدة في تحجيم تلك العقربة الحيزبون:

- صوح يا بنت الخولي، بناتنا هديّة ما عندّيهاشي إلا للي يستحجّها، ومافيشي غير أولاد الخولي اللي يستحجُّوا بنات الخولي..

ثم عمد الى تغيير الحديث مردفا للجدة:

- فينو الشاي يا أم عتمان..

ليقاطعه دخول الخادمة بصينية الشاي، لتمر بين الجالسين لتقديم الشاي وقطع الكعك، وبعد انصرافها قال الجد بهدوء:

- عتسافروا ميتة يا رؤوف يا ولدي؟..

ليسعل غيث وهو يرتشف الشاي بينما ينزل شهاب قدح الشاي الذي كان على وشك الاحتساء منه فيما يجيب رؤوف بهدوء:

- الصبح ان شاء الله يا حاج، يدوب عشان نلحق نخلص اللي ورانا..

قطب عثمان فيما استمع غيث وشهاب الى سؤال والدهما:

- عتسافروا يا خويْ؟.. ليه؟..

أجاب رؤوف بابتسامة:

- عشان البنات يلحقوا يجهزوا حالهم يا أبوغيث، فرحهم قرّب.. انت ناسي؟..

لتميل سلمى الى شهاب الذي كان يحدق في وجه عمه مدهوشا وتهمس له بمكر:

- عرفت بقه أني بردو هسافر وبموافقة جدي نفسه، بالعكس بقه.. دا اقتنع على طول أول ما قلت له أننا لازم نسافر عشان نلحق نجهز اللي عاوزينه، عشان.. الفرح يا ابن عمي..

قبض بقوة على قدحه حتى كاد يُكسر، ثم وضعه جانبا قبل أن يلتفت اليها وهو يهمس من بين أسنانه:

- أنتي بتردهالي يا سلمى؟.. طيب إيه رأيك بقه.. رجلي على رجلك، وابقي امنعيني أني آجي معاكي!!!!

لتحدق فيه فاغرة فاها غير مصدقة لما قاله هذا المتهور!.. كيف بالله عليه سيرافقهم في سفرهم، هي تريد فسحة من الوقت لتعتاد على فكرة زواجهما المرتقب وهو لا يريد إعطائها حتى هذه المساحة الضيقة من الحرية، وحانت منها نظرة استنجاد الى الجد والذي أدرك بفطنته أن حفيده لن يسلّم بسهولة بأمر سفرها، وكأن حدسه قد أخبره أنه قد يقدم على عملا مجنونا كاللحاق بها فعلا صوته آمرا:

- وانت يا غيث أنت وشهاب..

ليلتفت الجميع الى الجد الذي تابع:

- عاوز فرح سبع ليالي، عاوزكم تدعوا الكل، ديِه فرح أحفاد الخولي، انت يا غيث تخلّص شغل الديوان وانت يا شهاب شوف المزرعة ناجصها إيه انتو بجالكو وجت طويل بعيد ان أشغالكم عشان تتفرغوا للعرايس..

قبض شهاب على يده في حنق بينما ألقت سلمى الى جدها بنظرة شكر، فيما نظر غيث الى سلافة التي رفعت حاجبها بإغاظة له ليرمقها بنظرة متوعدة وحدها تعلم معناها...

كانت راوية تجلس تراقب النظرات المتبادلة بين ولديْها وابنتيْ عمهما، لتهمس بشرِّ في نفسها:

- كانك لعنة يا ألفت أنتي وبناتك وصابت رجالة عيلة الخولي، ما في راجل في العيلة إلا وطويتوه تحت اجناحكم، لكن اوعاكي تفتكري أنك نجحتي يا ألفت أنتي وبناتك وعتاخدوا الكل في صفكم، أني ليكي يا ألفت بالمرصاد، ما أكونش أني راوية أما خليت أعيالي يخلصوا منيكي الجديم والجديد، بناتك عتدفع التمن يا ألفت، وديه عهدن عليْ!...

وبرقت عيناها بشرِّ مستطير، ولكن لم يغب ذلك البريق الخبيث عن عيني الجد اليقظتين، وفي وقت لاحق نادى عثمان ابنه بعد أن انصرف الجميع، ليطلب منه الجلوس إليه، ثم نظر اليه قائلا بحزم وهو يستند الى عصاه العاجية:

- عتمان يا ولدي.. عتبتك مايلة... إعدلها!!..

قطب عثمان لبرهة.. ثم احمرت أذناه خجلا من والده وحنقا مما قصده من أفعال زوجته وإهانتها المستترة لابنتيْ شقيقه فأجاب:

- ولا يهمك يا حاج...، ثم انتفض واقفا وهمّ بالذهاب حينما أردف الجد بحكمة وجدية:

- جَوِّمها يا ولديْ.. لكن حاسب تِكْسِرْها، وخلِّي بالك... ديِه المرة التانيّة.. والتالتة.. تابتة يا عتمان... لو ما عرفت تجَوِّمها.. يبجى مالهاش غير أنك... إتغيّرها!!!!!!!

الحلقة الـثامنة والعشرون

(كبير العيلة (منى لطفي

استعدت عائلة رؤوف للعودة الى القاهرة لاستكمال تجهيز العروستيْن، لن تنسى سلمى رسالة شهاب التي أرسلها على هاتفها المحمول وذلك بعد أن لازمت غرفتها إثر انتهاء حديث الجد معهم بشأن الفرح، فقد آثرت الابتعاد عن شهاب وهي تعلم تماما أنه سيصب جام غضبه عليها لأنها كان قد سبق لها وأن صارحته برغبتها في العودة الى القاهرة وهو رفض وبشدة، لتحين لها الفرصة ما أن حدد الجد موعد الفرح وبموافقة ومباركة الجد نفسه كانت العودة للقاهرة!...، فتحت الرسالة لتقرأ كلماته وهي تتخيل منظره العابس وهو يكتبها:

- عملت اللي في دماغك بردو يا دكتورة؟.. ماشي.. هتروحي مني فين؟.. الحساب يجمع يا عروستي... وخلِّي بالك أنا مش بسيب حقي أبدا!!...

لتبتسم وتضع الهاتف جانبا دون أن تكلف خاطرها إرسال الرد وعلى الجهة الأخرى علم شهاب حينما مر وقتا طويل بعد ارساله لرسالته ولم يتلق أي رد أنها قد امتنعت عن الجواب، فابتسم ابتسامة خبيثة وهو يقسم بوعيد أن غدا لناظره قريب!..

في حين كانت سلافة ملازمة لجدها طوال اليوم فلم يستطع غيث الانفراد بها، وكأن الجد قد فهم أنها تتعمد الهروب منه فأسند إليه بعض الاعمال التي تشغله طيلة اليوم فلم يستطع الحديث اليها، ليهاتفها ليلا وكانت قد استعدت للخلود الى النوم حينما دق هاتفها الشخصي ليطالعها اسم غيث، ابتسمت وهي تجيبه فيما صوتها كان خالطه خدر النعاس:

- أيوة يا غيث...، كان غيث قد انتوى التحدث اليها بفظاظة ما ان يسمع صوتها ولكن هذا الصوت الانثوي الناعس الذي أجابه جعل نواياه تطير أدراج الرياح، ليبتلع ريقه بصعوبة وهو يقول:

- أني صحِّييتك؟...، نفت بصوت ناعس:

- لا بس كنت خلاص هدخل في النوم..

نطق غيث بسخرية طفيفة:

- اييه، كنت فاكرك مش عيجيلك نوم الليلاديْ بعد ما جدي وافج على سفركم إلـ مصر؟..

تعلم سلافة تماما أن هذا الأمر ليس على هوى غيث، ولحبها الدائم لاغاظته واخراجه عن طوره فبهذه الطريقة تشعر أنه انسان حقيقي يتفاعل مع من حوله وليس ذلك الانسان البارد الذي قتلها بروده في أول اقامتها هنا، فأجابت وهي تتمطى في الفراش بدلال فيما صوتها يشوبه مكر أنثوي لم يفطن إليه غيث:

- طبعا يا ابن عمي، مصر وحشتني اوي وبيتنا واصحابي، وبعدين السفر ان شاء الله هيكون بكرة الصبح فلازم أنام بدري عشان أصحى فايقة..

هتف غيث في ذهول وهو ينظر أمامه محدقا بقوة:

- باه، لا هو انتوم هتسافروا الصبح اكده على طول؟..

كان النوم قد بدأ يداعب جفون سلافة فلم تنتبه لنبرة غيث الغاضبة وأجابت بصوت تائه صغير:

- أومال على عرض يا غيث؟.. يدوب عشان نلحق نجهز نفسنا ونعزم الناس.

قطب غيث قائلا بصرامة:

- سلافة.. اتكلمي زين، معينفعش تتمسخري على جوزك يا بت عمي، أجولك طول تجوليلي عرض!... ديه اللي ناجص، جوصره... هو سَبووع واحد بس، تخلِّصوا فيه حاجاتكم ودانتكم راجعين طوالي، ولا أجولك.. أني هاجي لكم عشان ترجعوا أحسن.. سلافة.. ألو... سلافة...

ولكن سلافة لم تجيب فقد كانت في تلك اللحظة تأكل أرز مع الملائكة كما يقولون وقد غلبها النوم!... ابتسم غيث بشرود بعد أن تناهى إليه صوت همهمات بسيطة علم منها أن سلافة قد نامت، فهمس بصوت خشن:

- نوم العوافي يا بت عمي، تصبحي على خير..

وأنهى المكالمة مغلقا الهاتف..

ودّع رؤوف وأسرته أفراد عائلته، وشدد الجد عليه أن يكون هنا بعد سبعة أيام تماما حيث سيبدأ الاحتفال بفرح أحفاد عبد الحميد الخولي كبير كفر الخولي، وستمتد الاحتفالات الى سبعة أيام أخر وسبعة ليالي....

بعد أن سلّم شهاب على عمه وزوجته اقترب من سلمى ووقف أمامها قائلا بسخرية:

- خلي بالك من نفسك، جدي قال اسبوع بالظبط وتكونوا هنا، وصدقيني اسبوع وخمس دقايق مش مسموح، أظن واضح؟..

أومأت سلمى بالايجاب قائلة بهدوء:

- ما تقلقش، بابا طالما أدى كلمة لجدي يبقى خلاص.. أشوف وشك بخير..

ومدت يدها للسلام عليه، ليقبض على راحتها الصغيرة في يده الخشنة ويقربها اليه ليغرق في غابات الزيتون الخاصة بها ويهمس بحشرجة:

- أشوفك بخير، ليميل عليها بغتة مختلسا قبلة من وجنتها الناعمة جعلتها تشهق بنعومة وترتد الى الخلف فيما تتجول بعينيها في وجل خوفا وخجلا من أن يكون أيّ من الواقفين قد لاحظ فعلته المتهورة!.. لتتنفس الصعداء فالجميع مشغول بتوديع أسرتها الصغيرة...، سحبت يدها من يده وهي تشيح بوجهها الذي تخضب بخجل متجهة الى والدها، فيما صافح غيث عمه ثم أمسك بمرفق سلافة وهو يقول لعمه بابتسامة:

- معلهش يا عمي، عجول كلمتين لبت عمي..

ثم سار بها قليلا حتى يبتعد أن أسماع الباقين ووقف أمامها يطالعها فيما شتت نظراتها هنا وهناك وهي تنتظر أن يبدأ هو بالحديث، وعندما لاحظت أن صمته قد طال بادرته قائلة ببراءة مصطنعة:

- أنا طبعا عارفة أن الجو حلو والسكون ما فيش أحسن منه، لكن المشكلة أنه ورانا سفر، فلو ممكن تنجز في السريع يبقى كويس، أو أمشي أنا وخليك أنت اتملّا من السكون دا براحتك!..

تحدث غيث أخيرا ببرود قائلا:

- يعني ما عارفاشي أني عاوز أجول إيه؟..

هزت كتفيها علامة الجهل وهي تجيبه ببساطة:

- وأنا هعرف منين؟....، زفر بضيق وأجاب وهو يحاول تمالك نفسه:

- ليه ماجولتليش من البارحة انكو عتسافروا انّهاردِه؟.. أني اعرفت بالصدفة لمن حادتك في الليل وحضرتك كنت نايمة.

سلافة بطبيعية:

- عادي يا غيث، طالما جدي وافق على المبدأ نتأخر ليه؟.. وبعدين هو أنا شوفتك امبارح انت طول الوقت كنت مشغول..

غيث بصوت مكتوم:

- والتَّلفون عِملوه ليه؟..

سلافة وهي تتظاهر بالتفكير في الجواب واضعة سبابتها فوق ذقنها تربت عليه مقلدة لهجته الصعيدية:

- اممم.. عِملوه ليه؟.. بصراحة.. ما اعرفشي يا وِد عمي، عبجى أفكّر في جواب السؤال ديه بعدين، أفوتك أنا دلوك عشان اتعوجت إكده...

وهمت بالانصراف من أمامه حينما شدتها قبضة قوية خلف أجمة فنظرت اليه متسائلة بدهشة:

- أيه يا غيثـ....، ليسكتها بقبلة نارية قصيرة، تركها بعدها وهو يلهث هامسا:

- تصبيرة لغاية الفرح...

احمرت وجنتيها وأسرعت للحاق بعائلتها حيث صعدت الى سيارة العائلة التي قادتها سلمى وسط نظرات الاعتراض من شهاب الذي عرض على عمه أن يقوم بإيصالهم ولكن عمه رفض شاكرا معللا أنهم سيكونون في حاجة الى السيارة لقضاء مصالحهم، كما أن سلمى سائقة ماهرة!... ، ليقف الآن ينظر الى الغبار الذي تركته سيارتهم خلفها مقطبا جبينه وهو يشعر ولأول مرة بطعم الشوق لحبيب غائب!..

****************************************

انتهت ألفت وبناتها من تنظيف المنزل بمساعدة زوجة الحارس، ثم قام رؤوف بطلب غذاء لهم من المطعم عن طريق خدمة التوصيل، بعد أن اغتسلوا جميعا كانت ألفت في غرفتها هي ورؤوف عندما تكلمت لأول مرة في هذا الأمر الذي يؤرقها وبقوة!..

- انا قلقانة بجد على البنات يا رؤوف، مرات أخوك ربنا يهديها مش سهلة..

رؤوف والذي كان يحتسي كوب الشاي:

- ولا يهمك يا ألفت، شهاب وغيث رجالة بجد، وشاريين البنات، وهي زي ما أنتي شوفتي من نظرات الحاج ولحاجة ليها عارفين يلجموها تمام..

ألفت بقلق:

- انت عارف أكتر حاجة مخوفاني إيه؟.. سلافة!.. سلمى عاقلة وهادية ما شاء الله عليها انما سلافة مطيورة..

رؤوف بهدوء:

- لكن غيث عاقل وراكز، ما تخافيش غيث هيعرف يتعامل مع الاتنين ازاي، وبعدين انتى مش بتقولي انها جات سلمت عليكي الصبح قبل ما نمشي؟..

زفرت ألفت بيأس قائلة:

- جات وهي مغصوبة يا رؤوف!.. الحاجة فاطمة تقريبا كانت شبه بتجرّها غصب عنها عشان تيجي تقولي كلمتين اتنين وهي بتنطقهم كانت زي اللي بيسحبوا منه الكلمة بالعافية.. تروحوا وترجعوا بالسلامة، وأنا متأكده انها من جواها كانت بتتمنى انها ما تشوفش وشّنا تاني..

انتقل قلق ألفت الى رؤوف الذي حاول بث الاطمئنان الى زوجته داعيا الله بحفظ بنتيْه:

- ما تشغليش بالك يا ألفت، احنا طيبين وبناتنا طيبين عشان كدا ربك مش هيسيبهم، أخويا عثمان راجل وربّى رجالة بصحيح، أنا مش هطمن على البنات الا مع ولاد أخويا...

لتنهد ألفت بعمق هامسة:

- ربنا قادر يخلف ظني...

مرت الأيام سريعا، لم يكف هاتف كلا من سلمى وسلافة عن الرنين، كان شهاب وغيث وكأنهما قد اتفقا على صنع حصار شديد لهما، قابلته سلمى بهدوئها وبرودها المعهود أما سلافة فكان تشعر بالحنق من حصار غيث لها والذي أطبقه أكثر وأكثر حولها حين هاتفها وكانت في عملها السابق تدعو زميلاتها الى حضور الفرح ليشاء حظها العاثر أن يخاطبها زميل لها بصوت عال وصل إلى أسماع غيث وهو يقول:

- سولي.. احنا طبعا كمان معزومين، الفرح للصنفين مش كدا؟..

لم تنتبه سلافة الى اصمت غيث الغريب على الجهة المقابلة من الهاتف وأجابت زميلها بتلقائية مرحة:

- أكيد يا سامي، انتو كلكم تشرفوا...

ليهتف سامي بمرح:

- ما أوصكيش على اللحمة.. عاوز هوبر لحمة هوبر!..

لتضحك سلافة قائلة:

- يا سلام، وما أكتر اللحمة عند الحاج عبد الحميد، أوزي بحاله ليك يا كابتن...

ليلوح اليها ساني بيده منصرفا فتنتبه الى الهاتف بيده لتعيده إلى أذنها قائلة ولا يزال الضحك يلون صوتها:

- أيوة يا غيث...، ولكن ما من مجيب عليها، فقطبت قليلا لتنتبه الى صوت أنفاس متسارعة في الطرف اآخر فقالت بريبة:

- ألو.. غيث؟!!..

لينطق غيث بجمود:

- مين اللي كان عم يتحدتت امعاكي دِه؟..

سلافة بتلقائية:

- أبدا.. دا سامي زميلنا هنا..

غيث ببرود يخفي غضبا ناريا على وشك أن يندلع:

- وانتي بتتحددتي امعاه بكل بساطة إكده؟...

سلافة وقد بدأت تشعر أن غيث ليس في حالته الطبيعية:

- عادي يا غيث، دا زميلي هنا من سنتين، وبعدين أدِّي في السن مش هقوله سيادتك وحضرتك، احنا هنا كلنا كدا، ما فيش ألقاب غير لرئيس القسم أو المدير بس!..

هتف غيث بشراسة من بين أسنانه:

- طب أسمعي بجاه عشان تعملي احسابك.. لو اللي إسميه سامي ديه هوّب إهنه أني بنفسي اللي عطبخُّه ووكّله للضيوف، جولتي إيه؟.. لاه وما هواش إلواحده... أي زميل ليكي ممنوع يجرّب منّيك ولا تتحدتي امعاه ولو وزّه عجله واتدلّى برجليه إهنه يبجى حفر جبره ابيده، فاهمه يا بت عمي!..

وأسرع بانهاء المكالمة لتطالع سلافة الهاتف بيدها هامسة في ذهول:

- غيث اتجنن!..

بينما في الناحية الأخرى كاد غيث يهشم الهاتف في يده وهو يطبق عليه بشدة هاتفا بنقمة:

- عتجننيني يا بت عمي، عجلي بيطير منّي من عمايلك يا سلافة، كيف تسمح له انه يجولها زولي ( لو سلافة سمعتك يا غيث بتقول زولي دي صدقني هتلغي الفرح بلوبيف بلوبيف )

، عمال يتحدت امعاها ويتجلع إكده ما كانيِّهوشي راجل، طبعا مش اسميه سامي!.. هستنى إيه بجاه منِّيه غير إكده!..

ليطبق حصاره حولها فلا تمر ساعة من ليل أو نهار الا ويحادثها لمعرفة خط سيرها!..

------------------------------------------------

عاد رؤوف وأسرته في الوعد المتفق عليه بعد أن كاد الجميع أن يهلك وهو يجري على قدم وساق لانهاء الاستعدادات اللازمة للزفاف المرتقب، وكانت سلمى وسلافة قد اختارتا أثاث منزلاهما من محل خاص بالأثاث المنزلي كان والدهما دائم التعامل معه، وكان قد شاهدت كل واحدة منزلها منذ البدء قبل عقد القرآن مع رؤوف وألفت...

كان الجميع في استقبالهم بما فيهم راوية والتي لن تنسى أبدا اللهجة شديدة البأس التي خاطبتها بها حماتها حين أجبرتها على الذهاب لتوديع ألفت إذ قالت لها بوعيد أنه من الأسلم لها أن تكف لسانها السليط عن زوجة ابنها وبناتها بدلا من تذيقها هي كيف تكون سلاطة اللسان حقًّا!!... بينما هددها عثمان وبعبارة صريحة أنها إن لم ترجع عن كلماتها المسمومة التي تلقيها على مسامع زوجة أخيه وابنتيها فإنه يضمن لها أن ولديْها سيبدآن حياتيهما في ذات الوقت الذي ستنتهي فيه حياتها هي معه كزوجة!.. لذا اضطرت صاغرة على ابتلاع لسانها الآن فقط على أن تستعيد جولاتها بعد أن يطبق الشِّرك على بنات ألفت فتصبحان بين يديْ ولديها هي، وساعتها لن تألو جهدا في جعل أيامهما سوادا حالكاً!!!!!!!!...

جلس الجميع لتناول الغذاء الذي غاب عنه كلا من غيث وشهاب اللذان انشغلا في انهاء بعض المصالح اللازمة في حين أنهما كانا قد يتجاهلان عروستيهما عن سبق إصرار وترصد،.. ألم تنفذا رغبتهما بالسفر رغما عنهما، إذن فقد حان الوقت لتعلم كلا من سلمى وسلافة أن عاقبة مخالفتهما لزوجيهما وخيمة للغاية، ولكن فات كلا من شهاب وغيث أن ابنتي عمهما ليستا من النوع الذي يسهل عقابه، وما بدآه كعقاب لهما انقلبا عليهما خاصة وأن سلافة كانت هي المخططة هذه المرة وبموافقة الجدة فاطمة هذه المرة!..


مالت سلافة على أذن سلمى الجالسة بجوارها حول مائدة الطعام العامرة بما لذ وطاب من الطعام وهمست بغيظ:

- شوفتي عمايل ولاد عمك؟.. مش المفروض اننا عرايس وانهم يكونوا في استقبالنا؟.. أد كده احنا مش فارقين معهم؟.. شوفتي حماتك العجوز أم منقار فرحانة فينا إزاي وعينيها لمعت لما جدي سأل عليهم قبل ما بابا يقوله انهم كلموه يسلموا عليه واعتذروا انهم ما كانوا موجودين عشان مشغولين شوية!.. نعمل فيهم ايه دلوقتي؟.. مش كفاية الحيزبون دي؟..

نهرتها سلمى بصوت منخفض وهي تحاول افتعال الجدية وكتم ضحكتها:

- سلافة خلاص، جرى إيه يعني؟.. وبعدين بلاش تشبيهاتك دي هي دلوقتي بتاخد من حسناتك عشان تبقي عارفة.. وخسارة فيها خصوصا لما أنتي بقه تشيلي سيئاتها وشوفي انتي بقه عندها سيئات أد إيه؟..

حدقت سلافة هاتفة برعب:

- لالالالا.. دا هم ما يتلم يا أمي، أنا متأكده أن سيئاتها أكبر من هرم الجيزة!..

قالت سلمى بصرامة منهية الموضوع:

- يبقى خلاص، بطلي تجيبي في سيرتها، قولي ربنا يكفينا شر أذاها وخلاص، وبعدين عشان تكوني عارفة اعتذار ولاد عمك دا اعتذار سياسي تمام زي عيا سياسي كدا!!..

قطبت سلافة وهي تتساءل:

- نعم.. اعتذار سياسيس!.. ازاي يعني؟..

حركت سلمى كتفيها بلا مبالاة وهي تعيد انتباهها الى طعامها الموضوع في الصحن أمامها:

- يعني أي أختي العزيزة بيعاقبونا عشان سافرنا من غير موافقتهم، فاكرين انهم كدا هيردوها لنا!..

برقت عينا سلافة بوحشية وهي تجيب من بين أسنانها:

- بقه كدا، بس للأسف ما حسبوهاش صح، أنا بقه هخليهم يندموا على عملتهم المهببة دي!..

سلمى مقطبة:

- وأزاي بقه يا نبيهة ان شاء الله؟.

سلافة وهي تضع أصبعها على جانب رأسها غامزة بشقاوة لأختها:

- هشغّل الفهامة يا دوك!..

وفي وقت لاحق بعد الانتهاء من تناول الطعام انفردت كلا من سلمى وسلافة بالجدة حيث بدأت سلافة في تنفيذ عقابها هي لأولاد عائة الخولي!..

طوقت سلافة كتفي الجدة بذراعها قائلة بدلالها المحبب:

- ماما ستُّو ليا عندك طلب وعارفة انك مش هتكسفيني..

ابتسمت الجدة التي تعشق دلال حفيدتها الصغرى وأجابت:

- جولي يا بنتي، ولو في يديّ أني ما تأخرّشي عنيِّكي واصل..

سلافة بمكر:

- أنا كنت بصراحة عاوزة نفضل في مصر لغاية معاد الفرح لكن بما أن جدي أمر اننا نيجي قبل الفرح بأسبوع فلازم نسمع كلمة بابا جدو، وبصراحة سبب اننا كنت عاوزة نفضل هناك انه غيث وشهاب ما يشوفناش لغاية يوم الفرح..

وسكتت وقد اصطنعت الخجل مسبلة أهدابها الطويلة في حين راقبتها سلمى في ذهول من أختها تلك الممثلة الماهرة التي اكتشفت الآن فقط أن موهبتها خسارة أن تدفن بل لابد لها من دخول مجال التكثيل والذي ستثبت نفسها فيه وبقوة، أردفت سلافة بحياء زائف:

- أنتي عارفة يا ماما ستُّو اننا في وشّهم هنا طول اليوم وأحنا عروسة عاوزة عريسي يكون مشتاق يشوفني، مش قودامه ال 24 ساعة يعني!..

ابتسمت الجدة ووجهت سؤالها الى سلمى قائلة:

- وأنتي رايك من رايك خيْتك برضيكي يا دَكْتُوورة؟..

لتنتبه سلمى هاتفة:ط

- ها؟!.. آ.. آه طبعا يا جدتي..

لتفرتش وجه الجدة ابتسامة واسعة وهي تقول:

- اطّمني يا بنيتي ، كم عروسة عندينا، من النّهاردِه ازواجكم ما عيطبوشي الدار إهنه لحدت يوم الفرح، اطمنوا...

ثم غمزت سلافة متابعة بمكر:

- عيشتاجولكم يا نضر عيني!..

لتضحك سلافة وهي تهتف عاليا فيما تحتضن جدتها بقوة:

- تعيش ماما ستُّو.. تعيش.. تعيش.. تعيش!!..

عاد شهاب وغيث الى المنزل، بعد مرور وقت طويل على رجوع عائلة عمه، ما أن دلفا الى داخل المنزل حتى أسرعت اليهما وردة الخادمة وهي تهتف:

- سي غيث، سي شهاب، معالِهش الحاجة فاطنة عاوزاكو في دارها..

قطب غيث وشهاب وتبادلا النظرات المتسائلة قبل أن يتجها الى غرفة الجد والجدة فطرق شهاب الباب ليسمع صوت جدته تأذن لهما بالدخول، دلفا اليها ليبصرا الجدة وهي تجلس براحة الى الأريكة العريضة في غرفتها تحتسي كوبا من الشاي بالحليب، تقدما إليها ليسلما عليها مقبلين ظاهر يدها بالتناوب، أشارت لهما بالجلوس، كان غيث الباديء بالحديث قائلا بابتسامة:

- أومال جدي فين يا جدتي؟.. فايتك الحالك ليه؟..

الجدة بابتسامة:

- جدك مع بوك وعمك بيتمموا على الطباخ انتو عارفين انه من الليلاديْ هتبتدي الافراح والليالي الملاح، سبع ايام بسبع ليالي ، كل يوم تندبح الدبايح وينشد المنشد ع الربابة، جدكم جايب الريس عبدالعال البنجاوي أشهر منشد في الجيهة كلّاتها، ولا الريس متجال في زّمانّهْ!..

قال شهاب بابتسامة:

- ربنا يخليكو لينا يا حاجة، حضرتك كنتي عاوزانا في حاجة؟.. البت وردة قالت لنا انك عاوزة تتكلمي معانا..

الجدة بابتسامتها الحنون:

- معتحرمشي منيكم يا نضري، بس كل اللي كنت رايده أجوله لكم انكم تلموا شوية من خلجاتكم وتروحوا حدا الاستراحة اللي في طرف الجنينة الجبلي، أني خلّيت الواد خليل وراجح يوضبوها وبجيت زي الفل!..

تبادل كلا من غيث وشهاب نظرات الدهشة قبل أن يتنحنح غيث ليجلي حنجرته سائلا الجدة بابتسامة صغيرة:

- وايه اللي عيخلينا نهملوا دارنا ونروحوا الاستراحة يا حاجة؟

أجابت الجدة بضحكة:

- عشان عرايسكم يا ولديْ، معينفعشي تبجوا مع بعض في موكان واحد، لازمن تبعدوا، بصراحة كتر خيرها عروستك هي اللي نبهَتْني لِكدِهْ!..

بُهت غيث وهتف:

- باه!... مين يا حاجة؟..

ليجيب شهاب ساخرا:

- ما قالت لك عروستك يا عريس، يعني عروستك انت ومعرفش بينكم وبين بعض إيه فبتخلصه منك أنا وعروستي مالي؟..

قطبت الجدة حيث لم تفهم معنى كلام شهاب وتساءلت:

- انت بتجول ايه يا شهاب يا ولدي؟..

شهاب بزفرة ضيق:

- لا ما فيش يا حاجّة، طيب عن إذنك احنا بقه، هنلموا خلجاتنا عشان نروحوا الموطرح الجديد!..

وانصرف وهو يدفع غيث في كتفه حتى خرجا وأغلقا الباب خلفهما، ليتجه غيث الى الأعلى وهو يتوعد سلافة هاتفا:

- بجه إكده يا سلافة، انتي اللي جبتيه لروحك..

ليتوقف على أول درجات السلم مغمضا عينيه زافرا بغيظ وهو يقول:

- أستغفر الله العظيم، اللهم اخزيك يا شيطان، ماشي يا سلافة، أني مش هكسّر كلام الحاجة لكن حسابك تجِل جوي جوي يا بنت العم..

ثم اتجه الى الخارج وهو يهتف بشهاب أن يجمع له بعض الثياب معه ويلحق به في الاستراحة....

استغربت سلافة من عدم اتصال غيث بها، كانت تعتقد أنه ما ان يعلم من الجدة أنه ممنوع من رؤيتها حتى يوم الفرح فأنه سيسارع بالقدوم اليها، ولكنها تعلم مدى برود غيث، هي أكيدة أنه يخطط لمعاقبتها الآن، ولكن لا يهمها فهي له!..

ما أن حل الليل حتى علا رنين هاتفا سلافة فتلقت المكالمة مبتسمة بظفر لتكون أول كلمة سمعتها:

- مرتاحة دلوك يا بت عمي؟..

استندت سلافة الى ظهر سريرها وهي تتلاعب بخصلة طويلة من شعرها المنسدل مجيبة بدلال:

- وايه اللي مش هريحني يا ابن عمي؟.. 

غيث كاتما غيظه بقوة:

- بجه انتي مش رايده عريسك يشوفك الا يوم الفرح يا عروسة؟..

سلافة بنعومة كادت تفقد غيث صوابه:

- أه يا ابن عمي، حقي، عاوزة عريسي يحس أني وحشاه، مش قودامه ال 24 ساعة في اليوم...

ليهمس غيث وقد طار غضبه أدراج الرياح فهذه الجنية الصغيرة تتفنن في التلاعب به:

- وإذا جول تلك ان عريسك متوحشّك حتى وانتي مجابلاه اليوم كلاته؟.. وانه نفس ايغمض وايفتح يلاجيكي جودامه وما تفارجيهوشي واصل؟..

اضطربت سلافة واحمرت خجلا وأسرعت بانهاء المحادثة فحينما تنتاب غيث هذه الحالة من الرومانسية المفرطة تفقد هي قدرتها على مجاراته، لتقول بسرعة:

- معلهش أي ابن عمي هضطر أقفل ماما بتناديني..

وأسرعت بانهاء المكالمة وهي تتنفس بعمق....

أما شهاب فهو لم يتواصل مع سلمى بأي طريقة كانت، الأمر الذي أدهشها ولكنها لم تتوقف عنده كثيرا فقد انشغلت بتلقي التهنئات والهدايا من أفراد العائلة والبلدة جميعا...

مرت الايام وأتى يوم الحنة سريعا والذي تألقت فيه كلا من سلمى وسلافة بفساتين غاية في الجمال، كان فستان سلافة باللون الأحمر النبيذي ينسدل على جسمها الى الأسفل، بأكمام من الدانتيل المخرم طويلة، مزمومة على الذراعين، وأسدلت شعرها الأسود ليتطاير حولها وانتعلت حذاءا ذهبيا عال الكعبين، بينما اكتفت من الزينة بكحل أسود أكسب عينيها اتساعا ملحوظا وحمرة خدود طفيفة وأحمر شفاه بلون الكرز، بينما ارتدت سلمى فستانا من اللون الفستقي، ليضاهي لون عينيها التي حددتهما باللون الاسود ليظهر لونهما الزيتوني الواضح، كان من الشيفون متعدد الطبقات ينسدل على طولها في حين تعلو جزءه العلوي طبقة من الساتان الناعم مطعم بفصوص من الألماس الاصطناعي، وانتعلت حذاءا فضيا عال الكعبين، وجمعت شعرها الكستنائي على هيئة شنيون تاركة بعض الخصلات تحيط بوجنتيها لتكسبها نعومة ورقة، واكتفت من الزينة بالكحل الاسود وحمرة خدود طفيفة وأحمر شفاه باللون الوردي لشفتيها، كانا بحق متعة للنظر...

انقضت الليلة وسط الزغاريد والأفراح وقد قرت راوية أن تتصرف باعتبارها هي سيدة المنزل وصاحبة الفرح وليست ألفت، وأن ترحب بالحضور فليس من مصلحتها أن ينتبه لها عثمان أو الجدة فقط حتى يطمئن الجميع لها لتضرب هي ضربتها بالتعاون مع " أم ستيت" أكبر دجالة في البلد, تلك التي تبرع في شفاء المريض أكثر من أي طبيب و..... كره الحبيب!...( استغفر الله العظيم.. ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطؤك )... 

صدحت الفرقة الشعبية التي أمر الجد بإحضارها والتي تتكون جميع أعضائها من النساء الذائعات الصيت في هذا المجال وعلى رأسهم المطربة فاطمة عيد في حين قام بإحضار أكبر منشدين الأفراح " الريس عبد العال البنجاوي " لأحياء الليلة الكبيرة....

جلست سلافة وسلمى بجوار بعضهما بينما وقفت الفتيات تتراقصن أمامهما واقتربت منهما سلسبيل وهي تتهادى في عباءة حمراء حريرية تاركة شعرها الأسود الغزير يتدلى حتى نهاية خصرها، بعد أن هنأتهما غمزتها سلافة قائلة:

- ما شاء الله إيه الجمال دا؟.. هو اللي جوزها يتصاب بتحلو كدا؟..

نهرتها سلسبيل بجدية زائفة:

- باه سلافة.. مش عتبطلي عادتك ديْ؟..

لتجيب سلمى بضحك:

- ما تبقاش سلافة يا بنت عمي..

قالت سلافة بلهفة:

- المهم ما تنسينيش، ايه رايك؟.. عجبك؟؟..، احتضنت سلسبيل سلافة فجأة وهي تجيبها:

- ربنا يخليكي ليا يا سلافة، بس ديه كاتير عليّ، وباين عليه غالي جوي!..

ابتسمت سلافة وهي تربت على ظهرها قائلة:

- ما فيش حاجة تكتر عليكي حبيبتي، انتي ما فرحتيش يا سلسبيل، وجه الوقت اللي تعوضي جوزك فيه، وبعدين انتي ناسية قبل ما نسافر انك انتي اللي قولتلي انتي مش عارفة تعوضي ليث ازاي؟.. انتي اللي حطيتي الفكرة في دماغي، بس ما تنسيش تحكي لي اللي هيحصل صوت وصورة..

وهي تغمزها بمكر لتضربها سلسبيل بخفة على يدها تنهرها بمزح قائلة:

- بكفاياكي عاد، وبعدين معتخافيشي، اللي هيوحصل عتشوفيه صوت وصورة، بس مع.. زوجك.. اللي هو خويْ، ولو اني متاكدة انك اللي عتشوفيه أكتر بكاتييير!!..

أعجبت سلمى وسلافة بالاغاني المنشودة، والتي كان منها:

* .ياليلة الحنة ياريدى

والسلام منايدك ليدى

ياليلة الحنة والمجمع

هى تتكلم وانا اسمع

دا كلامك احلى من السكر

واحلى من البلح الرشيدي..

** يتم احضار صينية مليئة بالحنة الجاهزة للاستعمال ويوضع بداخلها شموع وتغطى الصينية بحنتها وشموعها بقماش التل ويتم أشعال نار فى وسط صينية الحنة ويلتف حولها الشباب وأثناء الغناء يقوم أصحاب العريس وأقاربه من الرجال بالتجمع حول العريس وتخضيب يديه وقدميه بالحنة فى جو يسوده الحب والفرح...، وفي الغالب تسبق هذه الأحتفالات ليلة قرآن كريم حتى تعم البركة على ليلة الحنة و الزفاف،

ويعد العريس الزفاف وليمة كبيرة لتجهيز العشاء لكل الحضور من المدعوين في أي أرض واسعة يقام عليها الاحتفال، 

ومعظم طقوس الحنة، تقوم علي تزيين القدمين والكفين..**

* والله لأغني لك يا عريس يا غالي

والله لأغني لك وأسهر الليالي يا عريس لأغنى لك

يا عايق من دول جيلك والله لأغني لك يا عريس يا غالي


* أدلع يا عريس يا بو لاسه نايلون

ادلع يا عريس وعروستك نايلون

عند بيت ام فاروق هاي هاي .. والشجره طرحت برقوق هاي هاي

واللي بحبه جدع مرزوق وبلاسه لاسه نايلون

عند بيت ام حنان هاي هاي

والشجره طرحت رمان هاي هاي

واللي بحبه جدع عجبان واللاسه لاسه نايلون

عند بيت أم صلاح هاي هاي

والشجره طرحت تفاح هاي هاي، واللي بحبه جاني وراح واللاسه لاسه نايلون

أمك عامله مصليه هاي هاي

وهي وليه حرميه هاي هاي

وتتبلا عليا واللاسه لاسه نايلون

شوفوا البت القداره هاي هاي

رايحه المحطة بنضاره هاي هاي..

تدي لحبيبها اشارة واللاسه لاسه نايلون

والله لأغني لك وأسهر الليالي

لا اعشيك بوزة و أغديك بوزة

وحياة المعزة.. دا أنتَ عندى غالى يا عريس يا غالى


* يا حلاوتك يا ستفندى يا بن عم البرتقان يا حلاوتك وانت طارح فى الجنينة ع الأوان

عروستنا ف بيت أبوها.. أربعه بيزوقوها وعريسنا يقول هاتوها دى وحشانى من زمان

يا حلاوتك يا ستفندى يا بن عم البرتقان

يا حلاوتك وانت طارح فى الجنينة ع الأوان .. عريسنا ف بيت أبوه أربعه بيلبسوه وعروستنا تقول هاتوه دا وحشنى من زمان

يا حلاوتك يا ستفندى يا بن عم البرتقان يا حلاوتك وانت طارح فى الجنينة ع الأوان.

* خدناها خدناها خدناها خدناها قولوا لابوها يتعشى خدناها من ع الفرشة صبوا لأبوها يغسل أيديه خدناها وضحكنا عليه خدناها خدناها خدناها بالسيف الماضي وابوها مكنش راضي وعلشانها بعنا الاراضي الحلوه اللي كسبناها خدناها بالملايين واهلها ما كانوش راضيين وعلشانها بعنا الفدادين الحلوه اللي كسبناها خدناها خدناها خدناها بالسيف والقوة، وأبوها راجل فتوة ، وعلشانها بعنا الاراضي .. الحلوه اللي كسبناها...

انقضت الليلة وسط الاغاني والافراح، وبعد انصراف الجميع وصعود سلمى وسلافة الى منزلهما، حيث قضتا بعض من الوقت مع أمهما تتبادلن الاحاديث الخفيفة، انصرفت ألفت مؤكدة على ابنتيها النوم جيدا فغدا يوم طويل، ما ان همت سلافة بالخلود الى النوم حتى صدح هاتفها بالرنين لتعلم هوية المتصل قبل أن ترى الاسم فقد خصصت نغمة مميزة له كانت عبارة عن مقطع معين من أغنية شادية الشهيرة يقول" وحياة اللي جرالي ويّاه من غير معاد.. لا أسهره الليالي وأحرمه البعاد!!"" (ههههه ناويالك يا غيث معاك ربنا)...

كان احتفال الليلة كان قد ذهب بالباقي من غضب غيث الذي كان يعد الدقائق الباقية على زفافه الى عروسه العنيدة الفاتنة، أجابت سلافة بابتسامة:

- أزيك يا غيث..

قال غيث:

- الحمد لله ، الليلة كانت حلوة جوي، جوليلي عجبتك الفِرْجَة اللي شيعنا جبناها من جِنا؟؟

سلافة هاتفة:

- تجنن يا غيث، بس فيه أغاني أنا كنت سمعتها ع اليوتيوب وما اتغنتش، بصراحة فيه أغنية علّقت معايا جامد...

طلب منها غيث بحنان أن تغنيها له فوافقت في الحال لتبدأ في غناءها فيفتح عينيه واسعا غير مصدق لما تسمعه أذناه حيث كانت تقول:

*زعلان ليه تعالى وانا اقولك .. انت كيلو لب وانا كيلو لب .. ناكل انا وانتة والقشر لامك .. زعلان لية تعالى وانا اقولك .. انت كيلو لحمة وانا كيلو لحمة .. ناكل انا وانته والعضم لامك..


نهرها غيث هاتفا:

- سلافة... ايه الكلام الماسخ ديه؟...

لتجيب سلافة ببراءة مفتعلة:

- هو انا جبت حاجة من عندي يا غيث؟.. دي أغانيكم أنتم...

غيث بحدة:

- طب جفلي ع الحديت ديه، ويكون في معلومك يا بت عمي اللي يشيل أمي في اعينيه عشيله على راسي من فوج، احترامها من احترامي تمام، مفهوم يا سلافة؟...

لم تريد سلافة مجادلته فيما همست في داخلها بحنق:

- يا روح أمك!! "احم احم آسفة بس ما يتقاله الا كدا!! هههه"..

قالت سلافة منهية الكلام:

- خلاص يا غيث، هي أغنية وقلتها عادي يعني...

لم يطيل غيث في الحديث في هذا الأمر فهو يعلم مدى حساسية الموضوع خاصة وأن أمه لم تخفي عدم رضاها عن اختياره هو وشهاب ولكنها أمه أولا وأخيرا ويجب على سلافة احترامها!..

تنهد غيث عميقا وهو يقول:

- عارفة يا سلافة.. أني باعد الدجايج والثواني يا جلب غيث لحدت ما يتجفل علينا باب واحد، ووجتها...،

وسكت تاركا باقي عبارته معلقة ليطير النوم من عينيها وتهتف به في ريبة مقطبة:

- لحدت إيه يا ابن عمي، ما تكمل!..

اجابها بخبث ينافي طبيعته العاقلة تماما:

- لاه مش عكمل دلوك... عتشوفي بنفسيكي وجتها ععمل إيه!!..

نهرته سلافة بزمجرة خرجت كزمجرة قطة سيامي:

- غيث بقولك إيه.. بلاش الألغاز بتاعتك دي، وبعدين أظن أنت اتأكدت بنفسك انه أي عقاب من ناحيتك بيبقى قودامه عقاب أشد من عندي، ولا نسيت لما ما جيتش أنت وأخوك يوم رجوعنا البلد ووقتها جدتي أصدرت فرمانها انكم تطلعوا من البيت خالص!..

غيث بهدوء:

- طب ليه بس إكده يا بت الناس؟.. كنت انسيت الموضوع ديه، انتي اللي بتجبيه لروحك أهاه.. عمومي نامي زين يا عروسة لأنه جودامك يوم طوييييل من الصبح بإذن ربنا....

وانهى المكالمة تاركا اياها وقد احتل الشحوب وجهها...

كانت سلمى تتحدث الى شهاب في الهاتف حيث هاتفها هو على غير عادته في الفترة الماضية تحديدا منذ عودتها وأصدار الجدة أمرها بانتقاله هو وغيث الى الاستراحة، كان شهاب يحدثها بهدوء مهنئا لها وحين سألته عن مناسبة هذه المكالمة هز كتفيه بلا مبالاة قائلا:

- بصراحة قلت عروسة بردو وبلاش أكسر بخاطرك الليلة دي، خليني أنا الكبير..

سلمى ساخرة:

- بجد؟.. لا فيك الخير بصراحة!..

قاطع حديثها رنين جرس الباب فقطبت وهي تقول:

- ايه دا.. مين اللي جاي دلوقتي؟..

شهاب بلا مبالاة:

- اكيد مش حد غريب، عموما شوفي عمي كدا يفتح..

سلمى رافضة وهي تتجه لتستطلع هوية الطارق:

- لا مالوش لزوم، أكيد حد من هنا، أنا هشـ...

كانت تدير مقبض الباب أثناء محادثتها له لتشهق بخفة وهي تحدق بقوة في الشخص الواقف أمامها، قال شهاب وهو يبتسم:

- إيه مفاجأة مش كدا؟!....، هتفت سلمى وهي تتلفت حولها:

- انت مجنون مش كدا؟...

دلف شهاب وهو ينزل يده التي تحمل الهاتف بجانبه لتتراجع هي الى الداخل فيما يغلق هو الباب ليصل اليها في خطوتين يعتقل خصرها هامسا أمام وجهها الذي لا يزال يحمل أثرا من زينتها:

- كدا!! ، ليميل مختطفا قبلة من شهد شفتيها فاجأتها لتتسمر بادئ الأمر ثم تنتبه فتحاول التملص منه وتضربه بقبضتيها الصغيرتين ليقبض عليها بيد واحدة بينما يمتص رحيق شفتيها بقوة، ليتركها فجأة تماما كما اكتسحها بإعصاره فجأة وهو يهمس من بين أنفاسه اللاهثة:

- عشان بس تعرفي أني لما بعدت عشان أنا عاوز كدا، ولا 100 فرمان ولا مليون باب وشباك هيقدروا يبعدوكي عني!.

ليستدير متجها الى الباب ففتحه وانصرف سريعا ولكن قبل أن يغلقه خلفه رمى لها قبلة في الهواء قبل أن يختفي من أمامها تاركا لها وهي تتمتم في ذهول:

- مجنون... أقطع دراعي انك مجنون وابن مجانين كمان!.. 

الحلقة الـتاسعة والعشرون

(كبير العيلة (منى لطفي

استيقظ الجميع منذ بدء شروق الشمس استعدادا لليوم الكبير، زفاف أبناء عائلة الخولي، كان المنزل الكبير يعج بالناس الذي قدموا للمساعدة بكل حب لهذه العائلة وكبيرها الشيخ عبد الحميد فأياديه البيضاء تمتد لكل بيت من بيوت هذه البلدة الصغيرة في صعيد مصر، كان المنزل كخلية نحل كبيرة، الكل يريد أن يكون هذا اليوم في أجمل صورة، وهناك في غرفة العرائس حيث كانت تنام إحداهما منبطحة على بطنها فيما يتناثر حولها خصلات شعرها الأسود غارقة في نوم عميق كالأطفال تماما، بينما الأخرى تقف ممسكة بقدح قهوتها الصباحية تراقب شروق الشمس من خلف النافذة الزجاجية حيث لم تكد تنام سوى بضعة سويعات قليلة وذلك منذ أن فارقها عريسها المجنون، وبين كل فينة وأخرى تتلمس شفتيها بأناملها البيضاء الرقيقة بينما تتراوح تعابيرها بين ابتسامة ترتعش حينا ورجفة خوف تلمع بين زيتونتيها أحيانا!...

انتبهت على صوت الباب وهو يفتح لتلج أمها وهي تبتسم قائلة في سعادة:

- صباح الخير يا عروسة..

ردت سلمى التحية بينما تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل قائلة:

- صباح النور يا ماما...

ألفت وهي تتجه إليها لتفتح النافذة على مصراعيها كي تدع أشعة الشمس تنير الغرفة:

- كويس انكم صحيتو بدري، ورانا حاجات كتير أوي انهرده...

واستدارت وهي تتحدث الى سلمى لتفاجأ بصغيرتها الشقية وهي تنام قريرة العين وكأن اليوم ليس يوما فاصلا بالنسبة لها!..

اتجهت اليها ألفت سريعا وهي تهتف:

- سلافة.. انتي لسه نامية؟... قومي يا بنتي عشان نلحق نخلص اللي ورانا..

ولكن لا حياة لمن تنادي، هزتها برفق في كتفها لتتململ سلافة في نومها وتصدر أصوات اعتراض ثم لم تلبث وأن حركت يدها يسارا ويمينا كمن يفتش عن شيء وهي مقطبة لتبتسم بعد ذلك وقد وجدت يدها ضالتها حيث تجذب الغطاء فوقها حتى وجهها!!..

حدقت والدتها فيها باندهاش لتدير وجهها الى سلمى التي تقف تطالع شقيقتها الصغرى التي لن تتغير مهما كبرت، هتفت ألفت بذهول وهي تشير الى سلافة التي لا تعي شيئا مما يدور حولها:

- بقه حد يقول أن دي فرحها انهرده؟.. ربنا يكون في عونك يا غيث يا بني..

ثم مالت على سلافة تسحب الغطاء من فوقها وهي تردف برجاء:

- قومي يا بنتي بقه ما تغلبنيش، هي دي مدرسة ولا كلية كمان بتغلبيني وأنا بصحيكي!..

فتحت سلافة عينيها ونظرت الى امها وهي لا تزال في خدر النعاس ثم أشارت بسبابتها وابهامها سوية وهي تفتحهما فنظرت أمها اليها بصرامة وهي تقول:

- لا.....، ضيقت سلافة المسافة بين إصبعيها ليكون جواب أمها الرفض أيضا، ولا زالت تضيق المسافة بين إصبعيها و

أمها ترفض حتى هتفت سلافة بتوسل:

- طيب مش عجبك شوية صوغنين أد كدا، سلفيني خمس دقايق بس وبعدين هقوم، صدقيني يا فوفو!...

هتفت ألفت في يأس في حين علت ضحكة سلمى:

- يا بنتي حرام عليكي قومي بقه، هنتأخر يا سلافة..

لتعتدل سلافة جالسة وهي تتأفف بصوت عال:

- أهوه قمت خلاص...، بينما حكت رأسها بيدها وهي تكتم تثاؤبها بيدها الأخرى، جلست ألفت أمامها فوق الفراش وقالت بحنان وهي تربت على وجنتها الحمراء من أثر النوم:

- صباح الخير يا عروسة، قومي حبيبتي اتنشطي كدا على ما أحضر لكم الفطار، ومش أي فطار.. فطار عرايس بجد، عشان تفتكروني بيه، انتم بعد كدا اللي هتحضروه في بيوتكم لأجوازكم و.....، وتحشرج صوتها ودمعت عيناها ولم تستطع تمالك نفسها لتنخرط في بكاء شديد، هرولت اليها سلمى وهي تهتف بجزع تناديها في حين اقتربت منها سلافة وهي تزحف على ركبتيها وقد طار النوم من عينيها هاتفة مع أختها:

- ماما....، لترتميا بين ذراعي والدتهما فتربت ألفت على رأسيهما وهي تقول مبتسمة من بين دموعها المغرقة وجهها:

- ما تتخضوش يا حبايبي، دي دموع الفرح، أنا مش مصدقة ان بناتي الاتنين كبروا وبقوا عرايس يفرحوا القلب وفرحهم هما الاتنين سوا انهرده، لا وايه... هيتجوزوا أخين، يعني ضمنت انكم تفضلوا مع بعض على طول ان شاء الله...

قبلت سلمى يد والدتها في حين ارتفعت سلافة لتقبل رأسها ثم قالت بمرحها المعهود لتبدد جو الحزن:

- بقه دا يوم تعيّطي فيه بردو يا فوفو؟.. وبعدين احنا ما روحناش بعيد ما احنا ناسبنا نفس العيلة اللي انتي نفسك متجوزه منها، يعني مش هنروح في حتة، على قلبك أنتي وقيس وليلى!..

ليصدح صوت يهتف بجدية زائفة مصطبغة بمرح مستتر:

- بنت!.. انت مش هتبطلي كلامك دا؟.. كبرت خلاص وهتتجوزي وبردو لسانك لسه زي ما هو؟...

التفتت سلافة الى روؤف الواقف أمام الباب وأجابت بمرح وهي تنهض واقفة مشيرة الى والدتها:

- أعمل إيه بس؟.. ليلى قلبها رهيّف قوي يا قيس، هلمّ إلى ليلاك يا قيساه!..

اقترب رؤوف منها وهو يقول بابتسامة:

- ليلاك وقيساه!!... طيب اتفضلي حضرتك روحي اجهزي عشان فرحك انهرده يا سُلفاه!...

قطبت سلافة وهتفت حانقة:

- سُلفاه!!! ... لالالالا يا دكتور سلافة أهون، وخلي بالك حضرتك انهرده يوم جوازي هنبتديها بسلف؟!..

سلمى مقطبة:

- سَلَفْ؟!...، نظرت اليها سلافة مجيبة بجدية مصطنعة:

- مش سُلفاه؟!... هنستلف من أولها؟!!...

لتعلو ضحكات الجميع ويمد رؤوف يده الى سلافة فتتجه اليه ليدعو سلمى هي الاخرى حيث يحتويها بذراعه الآخر وهو يقبل رأسيهما تباعا داعيا الله أن يهبهما السعادة والرضا فيما تطالعهم ألفت وابتسامة سعيدة تفترش وجهها بينما لسانها يلهج بالدعاء لله بألا يحرمها من أسرتها الصغيرة أبدا..

**********************************************

انتهت المزينة والتي كان قد تم الاتفاق معها على الحضور من القاهرة لتزيين العروستين حيث أرسل عثمان السائق لجلبها ومن ثم إرجاعها الى القاهرة ثانية بعد أن علم برغبة بنات أخيه بإحضار مصففة شعر متخصصة في تزيين العرائس من مصر، فعرض على روؤف أرسال السائق اليها وبذلك أعفاه من دفع أجرة السفر زيادة على تكاليف المزينة، والتي اشترطت أن تأخذ الأجر مضاعفا فالمكان في بلد يحتاج الى سفر طويل، وقد أضافت تكلفة السفر والتي ما أن علم بها عثمان حتى صمم على إرسال السائق فالمبلغ الذي حددته يكفي لابتياع تذكرة طيران وليس أجرة سفر عادية عن طريق الحافلة!...

تلألأت الحديقة بالأنوار الكثيرة، كما تزينت الأشجار بصفوف من اللمبات الملونة، والتي أكسبت الحديقة ألوانا مبهرجة، كان الاحتفال الخاص بالحريم بالداخل بينما الرجال بالحديقة، جلست كلا من سلافة وسلمى على الجلسة الخاصة بالعروسين، كلا منهما على كرسي مكسو بقماش فاخر بينما خشبه مطلي بالذهب الأصفر، كانتا تتلقيان التهاني والمباركات من الجميع، في حين وقفت بجانبهما ألفت من ناحية وسلسبيل من ناحية أخرى، وكزت سلافة سلسبيل في خصرها فمالت تلك الأخيرة عليها، همست سلافة تسألها:

- إيه الأخبار؟... ، ابتسمت سلسبيل وأجابت:

- زين يا بت عمي، الفستان طلع كانُّه متفصل عشاني مخصوص، المجاس بالمظبوط يا مرَت أخويْ..

ابتسمت سلافة وقالت:

- طيب الحمد لله، بقولك يا سلسبيل.. ما تنسيش انهرده تلبسي القميص اللي جبتهولك، أوعي تلبسي حاجة تانية.. أنا أمّنتك أهو..

قطبت سلسبيل وأجابت بريبة:

- انتِه بس لو تجوليلي ليه الجميص ديه بالذات؟.. ديه أنت حتى خليتني أحلف أني معشوفوشي جبل ما ألبسه، شيلْتَهْ ابكيسَه من غير ما أفْتَحَهْ بين خلجاتي ابعيد عن يد ليث كيف ما جولتيلي.

غمزتها سلافة وقالت:

- عتعرفي الليلاديْ يا شابة.. المهم تبجي تدعيلي، أللي أني متوكّدة منيه انه جوزك عيدعي للي جابهولك لمن يشوفه عليكي، اوعاكي تجوليلو مين، انتي عارفاني باتْكِسف!..

كانت راوية تقف مبتسمة أمام الناس ابتسامة لم تصل على عينيها، خدعت الجميع بها فتوهمهم بسعادتها بزواج ولديها مع انها أبعد ما تكون من الشعور بأي مقدار ولو بسيط بهذه السعادة، وحدها الجدة فاطمة من كانت تفرأ تعابير وجهها وبسهولة شديدة، وكيف لا وراوية كانت بمثابة ابنتها فقد تربت مع ابنتها عايدة الى أن كبرت لتتزوج عايدة من عدنان شقيقها وتتزوج راوية من عثمان شقيق عايدة، فزادت محبتها لها الى أن عاد رؤوف وأسرته الى كنف عائلته مرة أخرى ووقتها رأت وجه راوية الحقيقي، انسانة حقود قلبها مليء بالحقد والغيرة، ظنت في البداية أن الأمر عائد لترك رؤوف لشقيقتها ولكن زينب نفسها لم تحمل بقلبها أي ضغينة تجاه ألفت، بل أن علاقتها بألفت تتسم بالاحترام والود المتبادل، وبعد تفكير عميق وومضات أضاءت لها من الماضي علمت أن راوية غيور من ألفت، فرؤوف لم يكن بالنسبة اليها ابن عم وعريس أختها المرتقب، كما أنه لم يفضل ألفت على زينب بل أنه فضّلها على راوية نفسها!، تمتمت بينها وبين نفسها وهي ترى النظرات المسمومة التي ترميها راوية باتجاه حفيدتيها ظنّا منها ألا أحد يراها:

- أني واعيالك زين يا مرت ابني، هصبر عليكي يمكنك ترجعي لعجلك، لكن صدجيني لو جلِّيتي عجلك ولا وزّك شيطانك تعمِلي حاجة إكده ولا إكده ما عيجوفلاكيش غيري أناه....

ومن ثم اتجهت الى العروستين لتقبلهما وتحتفي معهما بالضيوف....

كانت النظرات تنصب فوق سلمى وسلافة اللتان أسبغت عليهما فستاني الزفاف جمالا يفوق الوصف، بينما تجلّت سلسبيل بعباءة خمرية موشية أطرافها بنقوش كبيرة على شكل وردات مذهبة، فيما تركت شعرها يسافر خلفها وكانت قد اهتمت المصففة به فكانت المفاجأة أنها قد صبغته بلون البندق فيما لونت عدة خصلات باللون العسلي، وقصّت أطرافه من الجانبية لتتهدل غرّتها مدرجة على جانبي وجهها، فأكسبتها التسريحة الجديدة ولون الشعر فتنة طاغية مظهرة بياضها الملحوظ حتى أن بعض الحاضرات لم يعرفنها واتجهن يتساءلن عنها، حيث لم يتركن سيدة في الفرح لم يسألنها حتى ان عايدة حماتها لم تسلم من أسئلتهن وحينما استفسرت منهن عن سبب الاهتمام بسلسبيل ردت احداهن انها تفتش عن عروس لابنها الذي يرفض الاقتران بأي من بنات عائلته فهو قد درس بالخارج، ولكنها اكيدة أنه ما أن يرى هذه الفاتنة فأنه سيوافق لا محالة!... فأجابت عايدة وهي تضحك أنه لا بد من موافقة من ولي أمرها... لتفاجئهن أن هذه الفاتنة ما هي الا سلسبيل زوجة ابنها وشقيقة العريسين!...

صدح صوت المزمار عاليا وتعالى صوت ضرب النار إيذانا ببدء الزفة، تم زف شهاب وغيث فوق صهوة الخيل وقد ارتدى كلا منهما الزي الصعيدي التقليدي متقلدين عمامة الرأس الشهيرة، وبدأ الحفل برقصهما فوق الخيل، ثم التحطيب حيث أمسك كلا منهما بعصا غليظة وعلى نغمات الربابة والناي بدآ بالمقارعة بالعصيان، لينضم اليهما باقي الشباب، وصدح صوت المنشد بأغاني الفرح المعروفة في الصعيد وهكذا الى أن انتهى الاحتفال بعد منتصف الليل، لينصرف الحضور كلا الى داره، ويتجه العريسين الى الداخل لرؤية عروسيهما للمرة الأولى هذه الليلة، فقد كان المنزل يعج من الداخل بالنساء فلم يستطيعا الدخول إليهما سوى الآن بعد أن رحل الجميع...

وقفت كلا من سلافة وسلمى تتجاذبن أطراف الحديث مع ألفت، وبعض الهمهمات حولهما من سلسبيل والجدة ليسود السكون فجأة فتشحب سلمى بينما تبتلع سلافة ريقها بصعوبة، فقد علمن أن عريسيهما قد دخلا!!!...

مالت سلافة على أذن سلمى تهمس بوجل:

- هي الدنيا برّدت كدا ليه؟...

نهرتها سلمى بهمس:

- هشششش ، مش وقتك دلوقتي!...

اقترب شهاب من سلمى ليقف أمامها يطالعها مسحورا، لم يستطع أن يبعد عينيه بعيدا عنها منذ أن دلف الى المنزل وشاهدها تقف بمثل هذا الجمال والفتنة، أحنى رأسه قليلا مقبلا جبهتها وهو يهمس لها بحب وشى به جميع خلجات وجهه:

- مبروك يا سلمى...

تمتمت بصوت ضعيف ففهم أنها ترد عليه تهنئته، لتتسع ابتسامته ويتأبط ذراعها لتتعالى زغاريد الفرح من سلسبيل والخادمات في حين نظرت فاطمة الى راوية التي قالت بتمثيل متقن ولكنه لم ينجح في خداع فاطمة:

- ماعارفش.. صوتي رايح إكده زي ما ايكون داخلني برد..

أشاحت فاطمة عينيها بعيدا عنها ولم تعلق ليسقط نظرها على حفيدتها الصغرى وهي تسدل رأسها ألى الأسفل في خجل، بينما تقدم منها غيث حيث رفع ذقنها الصغير بطرف سبابته لينظر في عينيها متمتما قبل أن يميل عليها مقبلا جبهتها متأبطا ذراعها بدوره....

اتجه كل زوجين الى طابقهما في حين لحقهم صوت الجدة يقول بفرحة طاغية:

- صينية العشا حداكو فوج، لو عاوزين حاجة ابجوا شيعوا لنا..

فقد رفض كلا من شهاب وغيث أن يصعد معهم أي من أهلهم فاكتفى رؤوف بتهنئة ابنتيه وزوجيهما هو وألفت قبل أن تتجه كلا منهما برفقة عريسها الى منزلها الجديد....

------------------------------------------------

تأفف ليث بغيظ وهو ينظر الى باب غرفة النوم حيث يجلس في الصالة الصغيرة الملحقة بجناحه، يشعر بالضيق من تهرب سلسبيل منه منذ عودتهما من قنا، هو ليس بغر ساذج فسلسبيل تتعمد الابتعاد عنه، أسبوع الآن وهي لا تنام في غرفتهما ملازمة غرفة ولديها متعللة كل ليلة بسبب مختلف، فمرة ابنها يشعر بالمرض فلا بد لها من ملازمته، وأخرى تنام قبل عودته وإذا ما حاول ايقاظها تتعلل بشعورها بالتعب، وآخرها الليلة السابقة حيث كان يعد الدقائق والثوان كي يحتويها بين أحضانه يبثها أشواقه بعد أن شاهدها قبيل ذهابها للاحتفال بالحنة، وقد ذهبت بعقله من شدة جمالها، وما أن عادا حتى قبلته قبلة سريعة على وجنته وهي تهمس له بأنها تشعر بالاجهاد الشديد وأنه لا بد لها من نيل أكبر قسط من الراحة فهي منذ الصباح الباكر ستكون برفقة ابنتي عمها لتحرمه من رؤيتها في زينتها الخاصة بحضور الزفاف، وما زاد ناره تلك الكلمات التي ألقتها أمه على مسامعه بالأسفل قبل صعوده إليها من أن زوجته قد سرقت العيون حتى أن بعض النسوة قد تقدمن يخطبنها بل أن واحدة منهن ذكرت أن ولدها يأبى الزواج ولكنها تقسم أنه أن رآها فهو سيوافق في التو واللحظة!..

ضرب قبضة يده اليمنى براحته اليسرى وهو يغدو ويروح نافخا بضيق، تبًّا.. كيف تنظر أخرى الى زوجته هو بعين خاطبة لها لغيره؟.. بل كيف يتجمع اسم سلسبيل مع ذكر رجل آخر وان كان عرضا وبدون علم هذه السيدة الجاهلة بمن تكون سلسبيله؟.. نار تزداد في جوفه، رمق الباب حيث تختفي سلسبيل وراءه بحنق حين قرر الدخول اليها وليكن ما يكون وعندها رأى الباب وهو يفتح لتخرج منه عروس ملفوفة في طيات كثيرة من قماش أبيض هفهاف فتسمر واقفا يطالعها بينما تقترب هي ببطء حتى وقفت مكانها!..

شعر ليث بأنفاسه وقد سُرقت منه، ليقف فاتحا فاه مبهوتا مما يراه أمامه!... فلم تكن تلك الحورية التي تقف أمامه تطالعه بنظرات خجل وحياء في حين يرسم وجهها آية كبيرة من آيات الفتنة والجمال.. لم تكن هي سلسبيل زوجته، بل كانت عروس قادمة من كتاب ألف ليلة وليلة!...

لاحظت سلسبيل تصنمه في مكانه، فشدت أزرها واقتربت منه بضعة خطوات بطيئة ولكنها واثقة لتقف على بعد خطوات منه وترفع رأسها لتنظر إليه بكل الحب الذي تكنه له وهي تهمس بصوت ناعم:

- مبروك يا عريس!..

وكأن لقدميه إرادة خاصة بهما إذ تقدم إليها ليقف أمامها ثم مد أصابعه لترسم ملامح وجهها على الهواء وهو يرد بذهول فيما اختلجت تفاحة آدم البارزة في عنقه:

- معجول!... عرُوووسة!... انتيْ... انتي عروستي الليلادي يا سلسبيلي.

رفعت وجهها اليه لتطالعه بالشوكولاته الذائبة في عينيها المكحلتين باللون الاسود بينما تحركت شفتيها المخضبتين باللون الأحمر القان لتسلب أنفاسه بينما تهمس له:

- سامحني يا واد عمي، حرمتك من فرحتك بعروستك، ماحدش يستحج يفرح بعروسته جدِّيك، الليث هو اللي يستج عروسة تليج بيه ابصحيح، مش إكده يا ولد عمي؟..

رفع يديه ببطء لتحط على كتفيها وأجابها بينما كان يتجول بعينيه عليها يلتهم كافة تفاصيلها في هذا الفستان الذي سرق أنفاسه بدءا من كتفيها المكشوفتين حيث كان الفستان عار الأكتاف، نزولا الى خصرها حيث يضيق الفستان ثم ينسدل على اتساع حتى الأرض بينما غطت شعرها بطرحة بيضاء انسدلت خلفها فلم يظهر سوى غرتها التي انسدلت حول وجهها، تكلم ليث بصوت مبحوح قائلا:

- أسامحك؟.. أسامحك على حلم عمري اللي حججتيه!.. أسامحك أنك وافجتي تتجوزيني؟.. أسامحك إني أخيرا بجه من حجي أني أنضرك من غير حاجة تمنعني؟.. أني بجه من حجي اني أخدك بين دراعاتي وأحس بنفسك على وشِّيْ!.. أسامحك؟.. سلسبيلي.. الليث عمريه ما كان يتوجع انه عروسته هتكون جطعة من الجومر إكده، أني مش امصدج اللي اني شايفه، أني متوكد دلوك ان ربنا راضي عني عشان رزجني بيكي، انت هادية من ربنا يا سلسبيلي، أني مش جادر...

كان أثناء حديثه يقربها منه شيئا فشيئا فيشعر بطراوة جسدها بين يديه ليبتر عبارته ملتهما شفتيها في قبلة عميقة حملت كل شوقه ولهفته وعشقه الأبدي لسلسبيله...

--------------------------------------------------

جلست سلمى بفستانها فوق الأريكة الموضوعة في غرفتهما، كانت تعقد يديها في حجرها ناظرة اليهما حين سمعت شهاب وهو يناديها ثم دخوله اليها، وقف على مقربة منها وهو يتحدث بصوت أجش:

- انتي لسه مغيرتيش هدومك؟..

لتنهض واقفة وهي ترمقه بنظرات خاطفة وتجيبه:

- أصلي خفت لا تكون عاوز حاجة من الاودة قبل ما أغيّر.

تقدم منها حتى وقف أمامها تماما ورفع يده لينثر أطراف طرحتها البيضاء الى الوراء فتظهر فتحت عنق فستانها الواسعة على هيئة مربع حيث ظهرت عظمتي الترقوة اللتان سحرتاه، ابتلع ريقه بصعوبة بينما يجول بعينيه عليها من قمة رأسها حيث تجمع شعرها في شنيون رقيق أعلاه بينما تهدلت بعض خصلاته الكستنائية حول وجهها، مرورا بذراعيها المكشوفتين حيث كان الفستان بكم قصير الى المرفقين، ويضيق من الأعلى ثم يتسع الى الاسفل بطبقاته المتعددة من الشيفون حتى قديمها الصغيرتين في حذائها الساتاني المرتفع....

مرر أصابعه بطول ذراعيها المكشوفتين لتشعر بقشعريرة تمر بجسدها، فارتدت الى الخلف بسرعة لتدوس على ذيل فستانها فكادت تقع لتتلقفها ذراعيه مانعا سقوطها ضاما خصرها الدقيق اليه، شهقت سلمى في دهشة وخجل وتخضب وجهها حياءا وهربت بنظراتها بعيدا وهي تقول بخفوت واضطراب محاولة دفعه بعيدا عنها:

- طيب لو.. لو مش عاوز حاجة من هنا.. أنا عاوزة أغير هدومي....

ليجيبها الصمت التام، رفعت عينيها اليه لتهالها النظرة التي توسدت عيناه، نظرة جعلت دمها يسيل ساخنا في أوردتها، وتكاد الدماء تطفر من وجهها، بينما اشتد ضغط ذراعيه عليها، فهمست في شبه رجاء وهو يضغطها أقرب اليه بينما افترشت راحتيها صدره العريض محاولة ابعاده:

- شـ... شهاب أرجوك....

لهتف مقاطعا لها في شبه توسل:

- أرجوكِ إنتي....

ويهبط على ثغرها مقتنصا شفتيها في قبلة ملتهبة فيما رفع احدى يديه ليجذب دبابيس شعرها فينطلق الى الاسفل فيدفن أصابعها بين طياته متلمسا نعومته مستنشقا عبيره الذي طالما حلم به، تائها في عالمها هي غير واع لتلك الغزالة التي ترفرف بين ذراعيه محاولة الفكاك منه، ولكن الشوق كان قد استبد بشهاب فلم يعي سوى أن حبيبته هنا أخيرا.. في المكان الصائب تماما.. في أحضانه وبين ذراعيه، يلمسها بيديه ويستنشق عبير أنفاسها!!.....

ابتعد عنها بعد مدة طويلة ليطالع وجهها الذي غدا كثمرة الفراولة الناضجة بينما تحمل شفتيها المنتفختين علامة اجتياحه لها همس بأنفاس لاهثة وهو يسند جبهته الى جبينها الأبيض فيما كانت هي تحاول التقاط أنفاسها الهاربة:

- غيري هدومك واتوضي عشان نصلي ركعتين السنة..

وانصرف سريعا قبل أن يكمل ما بدأه بينما ابتسمت ابتاسمة ترتعش وهي ترفع أصابعها تتلمس موضع قبلته هذا أن أمكن تسمية هذا الإعصار الذي اجتاحها بـ...قبلة!!...

استبدلت سلمى فستانها بثوب النوم الأبيض، عبارة عن قميص طويل من الشيفون يزينه طبقة من الدانتيل من ناحية الصدر ذو حمالات رفيعة للغاية وفوقه روب من نفس قماش القميص، وارتدت فوق ثيابها اسدال الصلاة واتجهت للحاق بشهاب..


كان شهاب في انتظارها بالخارج وما ان رآها حتى اتجه من فوره اليها وسحبها وهو يتجه الى غرفة صغيرة أخرى بها أريكة وسرير صغير فردي والتي هي غرفة الأطفال فيما بعد...

وقفا لتأدية ركعتي السنة يؤمها شهاب وبعد أن انتهى وضع يده فوق جبهتها وقرأ دعاء الزواج" اللهم أني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما جبلت عليه".. وختم بالصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام..

نظر اليها لتفتنه في هيئتها باسدال الصلاة حيث اختفت شعراتها وحده وجهها الظاهر كالبدر في ليلة تمامه، وضع راحته على وجنتها وهمس:

- سبحان الله...، أسدلت سلمى عينيها في حياء وهي تقضم شفتها السفلى، لينزل بابهامه فيبعد شفتها عن براثن أسنانها اللؤلؤية الصغيرة وهو يميل عليها كالمغيب بينما يقول بهمس خشن:

- أخيرا يا سلمى، من أول مرة شوفتك فيها وأنا بحلم باللحظة اللي هتكوني فيها ملكي وبين إيديا... أنا مش مصدق، قوليلي اني مش بحلم!..

لا تعلم أي شيطان تلبسها ففي الغالب هو شيطان سلافة لتقرصه بقوة بغتة فيصيح متعجبا بينما تجيبه بضحكة مكتومة:

- عشان تصدق انه مش حلم!...

ليطالعها في خبث ثم ينهض فجأة واقفا على قدميه مشرفا عليها من أعلى فترفع رأسها اليه في دهشة وتساؤل لم يطول حينما انحنى عليها ليرفعها اليه وهو يحملها بين ذراعيه قائلا بخبث وهو يراقص حاجبيه في مكر:

- لا أنا عندي طريقة أحسن من دي بكتيير تخليني أصدق أنه مش حلم!...

لتحدق فيه بوجل وريبة ولم تلبث أن شهقت في خوف ودهشة وهي تراه يلقي بها فوق الفراش الصغير ويرمي بنفسه فوقها مردفا:

- بيتهيألي الأودة هنا أحسن، صغيرة وملمومة، وسريرها على قدنا مش هتعرفي تفلتي لا هنا ولا هنا..

همت بالكلام ولكنه قاطعها مبتلعا كلماتها مغيبا اياها في عناق طويل بينما امتدت يده لتطفأ ضوء المصباح المجاور لهما...

------------------------------------------------------

طرق غيث باب غرفة النوم عدة مرات وهو ينادي سلافة هاتفا:

- كل ديه يا سلافة ولسّاكي بتغيري اتيابك؟.. بجالك جُرب الساعة دلوك ابتعملي ايه كل ديِه؟.. انتيْ لو كونتي بتتسبحي كان زمانْكي خلَّصتيْ من زمان!..

لتجيبه بحنق من خلف الباب:

- جرى ايه يا غيث انت هتعد عليا الوقت ولا إيه؟.. براحتي، هطلع وقت ما أخلص، اسكت بقه عشان ما اتأخرش!..

ليحدق في ذهول محدثا نفسه بعدم تصديق:

- باه... كل ديه ومعتتأخرش؟.. أومال لو رايدة تتأخر هتخلص ميتة على إكده؟...

ليبتعد ويجلس على الأريكة المواجهة للباب وهو يعض على أنامله غيظا وقهرا من هذا الشيطانة الصغيرة، لن ينسى أبدا ما أصابه حين أغلق باب المنزل خلفهما، وقف يطالعها في حين انزوت هي بعيدا عنه تسترق اليه النظرات في ريبة ووجل بينما يبادلها النظرات بأخرى غير مصدقة أن ذلك الملاك الذي فتح له الباب حيث صعد للسلام على عمه عند قدومه للبلد أول مرة والذي أسره منذ اللحظة الأولى، هذا الملاك هو ملكا له الآن، يقف أمامه على بعد خطوات منه، يكفي أن يمد يده ليلمسه ليتأكد أن حبيبته التي خطفت أنفاسه حقيقة تتجسد أمامه، لم يصدق عيناه، أخيرا هي وهو بمفردهما ويجمعهما سقف واحد!.. هل هذه هي عروسه التي كاد أن يجن لأجلها!..

نعم.. ها هي تقف أمامه محاطة بطبقات من القماش الأبيض الذي يكسوها بدءا من جذعها العلوي حيث يلتصق بحناياها الأنثوية، ويتسع في الأسفل مشكلا حلقة كبيرة حولها، بينما ذراعيها البضتين يخطفان عيناه فكميّ الفستان قصيرين للغاية لا يكادان يتعديا الكتفين، بينما طرحتها البيضاء تنسدل بطولها وتفترش الأرض بعيدا عنها بعدة أمتار!!..

تقدم منها وهي لا تزال واقفة في مكانها تطالع تقربه منها بريبة، بينما يتساءل بينه وبين نفسه.. هل هذه هي التي ناغشت قلبه بشيطنتها حتى أصبح عبدا في محراب عشقها لا يتنفس الا هواها؟.. مالها تنتفض هكذا كالريشة في مهب الريح؟..

ليواصل تقدمه منها بخطوات بطيئة بينما وقفت هي في أقصى الغرفة تحيط جسدها بذراعيها، تسترق النظر اليه بخوف ووجل، أين ذهب لسانها الآن؟.. لقد تحدّته أنه لن يستطيع إتمام الزواج كما أراد وقبل تحدّيها مؤكدا لها أن زفافهما سيتم لحظة نجاة ليث شرط أن الفائز يكن له ما أراد.. وهو أرادها هي!!.. تقف متطلعة إليه في ريبة، في حين يقف مواجها لها الآن، تكاد تراها في عينيه، تستشعرها في الشرارات التي تصدر منه وهو يطالعها في سكون بينما تخرج أنفاسه الساخنة تلهب وجنتيها!!..

مد إصبعه ليزيح جانبا خصلة طويلة من شعرها أحاطت بوجهها، فحاولت إبعاد وجهها عن ملمس يده الخشنة، فما كان منه إلا أن ثبت عنقها من الخلف بيده بينما رفع ذقنها بيده الأخرى ثم نظر في عينيها ليتيه في ليلهما السرمدي ليتحدث بصوت خفيض هامس متحشرج ينبأ بعاصفة هوجاء لا تبق ولا تذر ستجرفها في إعصار عشقه لا محالة، همس قائلا:

- مبروك يا عروسة!!..

هربت بعينيها بعيدا بينما سلّط نظراته على شفتيها اللتين تلمعان بلون ثمرة الفراولة الطازجة.. تستفزاه ليسارع بقطفهما، لعقت شفتيها بلسانها لترطب حلقها الجاف وتحدثت بصوت مضطرب خافت قائلة:

- الله.. الله يبارك فيك...

كان قد عقد العزم على أن يمهلها الى أن تعتاد عليه وعلى عشقه اللا متناهي لها، ولكنه لم يستطع الصمود!!.. تلك الجنية الصغيرة قد ذهبت بعقله، فوجد نفسه لا يستطع الانتظار ولو لدقيقة واحدة، يقسم أنه سيموت إن لم يتذوق رحيق شفتيها والآن!.. هو لا يستطيع الصبر أكثر من ذلك، فما هو إلا عاااااشق حتى النخاع.. يشعر بدمائه تجري حاااارة.. سااااخنة في عروقه، تلهب سائر جسده، وسيكون ملعونا إن لم يطفئ هذه النيران بعذْب حبها، فإما أن تنجح هي في إطفاء نيرانه أو ينجح هو في إشعال نيرانها!!...

لينال أخيرا ما كاد يموت شوقا إليها، محتويا خصرها الضامر بين جوانحه، معتصرا جسدها بين ذراعيه، متذوقا لرحيق شفتيها، كان غائبا في لذة عناقها العذب غير واعي لرفرفتها كالعصفور بين يديه، حتى إذا انتبه وابتعد عنها تاركا لها حرية التنفس أخيرا، شهقت عاليا طلبا للهواء، ثم ناظرته بليل عينيها الذي خطف أنفاسه، حاول تهدئتها وهو يرى شحوبها الواضح، فهو لا يريجها خائفة، بل يريدها راغبة.. مشتاقة... لتتذوق حلاوة اللحظة التي تجمعهما الى الأبد...

أجبر نفسه على الابتعاد عنها وهو يطلب منها بصوت خشن أن تذهب لاستبدال ثيابها وهو سينتظرها، ومن وقتها وهي تحبس نفسها في الداخل تاكرة له وشوقه إليها يكاد يرديه قتيلا في الخارج!!...

صوت تكة بسيطة في قفل الباب جذبت انتابهه ليراها تخرج وهي تتغطى من أعلاها ألى أسفلها باسدال صلاة وردي، وقبل أن تتكمل سبقها قائلا بلهفة:

- ثواني... هبدل اتيابي وأجي عشان نصلي ركعتين...

أنهى صلاته التي تلاها بصوت كله خشوع ثم قرأ دعاء الزواج وقبل أن ينهض من مكانه كانت هي قد سبقته ودخلت الى الغرفة حيث صلّى بها في غرفة الجلوس، وما أن لحقها حتى كانت تغلق الباب خلفها وتوصده بالمفتاح، وضع يده على مقبض الباب وهمس:

- سلافة.. افتحي الباب..., ولكنها رفضت قائلة بجدية مصطنعة:

- معلهش يا غيث، تعبانة وعاوزة أنام، تصبح على خير..

ليحدق ببلاهة في الباب الخشبي أمامه وهو يردد بخفوت:

- تصبح على خير!!!..

ليحرك مقبض الباب عدة مرات وهو يهتف بصوت أعلى قليلا:

- بجولك إيه يا بت عمي، أني كومان عاوز أنام، افتحي الباب بجاه!..

كانت سلافة قد خلعت اسدال الصلاة ليظهر قميصه نومها الأبيض الشيفون قصير للغاية فوق الركبة، بحمالة رفيعة وفوقه روبه من نفس القماش ومطرز بالدانتيل وحبات اللؤلؤ عند منطقة الصدروعلى الأكمام بينما ياقته مزدانة بكشكشات من الشيفون....


لم ترد عليه واكتفت بتمشيط شعرها ووضع بضع قطرات من عطرها الجذاب وهي تقول في نفسها أنها عروس ويجب أن تدلل نفسها، اتجهت للنوم فوق فراشها الوثير حين سمعته يسألها من وراء الباب أين تنتظر منه أن ينام فأجابته بكل ثقة:

- عندك أودة الضيوف يا غيث، معجبتكش انزل الجنينة تحت، هواها يرد الروح، تصبح على خير يا ابن عمي...

ضيق عينيه هامسا بوعيد:

- إكده يا سلافة، ماشي... انتي اللي جبتيه لروحكي!..

لم يكد يمر بعض الوقت حيث بدأت سلافة في الاستسلام للنوم حين شعرت بشيء قوي يلتف حولها ففتحت عيناها بقوة في رعب من ماهية هذا الشيء لتفاجأ بعينين تشتعلان تطالعانها بتوق شديد، حاولت التحدث أكثر من مرة وكأن صوتها قد هرب منها، وما أن استطاعت النطق حتى قالت بصوت خرج مهزوزا مرعوبا:

- غيث أنا....، ليقاطعها بأنفاس ساخنة تلهب بشرة وجهها فيما يشرف عليها مائلا فوقها:

- ولا كلمة.. اتحدتي كاتير يا سلافة، دلوك بجاه، وجتك انك تسمعي مني وبس!..

همت بالكلام حينما مال عليها ملتقطا كلماتها بقبلة نارية ليرحل معها في عالم جديد عليها لم تكن تتوقع وجوده أبدا!!!!!!!!..

------------------------------------------------------

كادت سلسبيل أن تبكي وهي تقف تشاهد تلك القطعة الصغيرة التي بين يديها وتنقل نظراتها بينها وبين باب الحمام حيث ينتظرها ليث خلفه وكانت قد طلبت منها أن ينتظرها قليلا فلا تزال مفاجأتها له لم تنتهي لتدلف الى الحمام لاستبدال فستانها حاملة الحقيبة البلاستيكية التي تحتوي ثوب النوم الذي أهدتها إياه سلافة وجعلتها تعدها أن ترتديه الليلة، ولم تكن قد رأته قبلا، كيف ترتدي هذا الشيء الذي يطلق عليه خطأ اسم ثوب!.. رباه هي لا تعلم ما الغرض منه فهو لا يكاد يخفي شيئا؟!!.. إذن فلتخرج عارية فسيان سواء لبسته ام خلعته؟!... وبالفعل فلو لم تلبسه فإن البديل أن ترخج عارية فلم تُحضر معها الى الحمام سوى هذا الثوب وليس من المعقول أن تطلب من ليث أن يناولها ثوبا لها، وهو ينتظرها على أحر من الجمر خارج هذا الباب...

استغفرت في سرها وهي تشتم سلافة هامسة:

- أِوفك فيكي يوم يا سلافة روحيْ، بجاه ديه عاملة تعمليها فيّا؟.. لكن ان شاء الله خويْ يطلعهم منِّكي!..

ثم أردفت وهي تمسك القطعة الصغيرة بيديها تكاد تنوح:

- ودي علبسه كيف ديه؟..

صوت طرقات نبهتها تبعها صوت ليث يقول بمرح:

- ايه يا سلسبيلي انتي نمتي ولا إيه؟..

لتجيبه:

- لاه لاه.. طالعه أهاه!...

وأسقط في يدها فلبسته وهي تتحسبن على سلافة في سرها!!...

تطلعت الى مرآة الحمام غير مصدقة لما تراه، تلمست بيدها قماش القميص الذي لا يكاد يغطي جسدها ولكنه يبرزه في صورة مثيرة، من قماشه المصنوع من الشيفون والذي يشف ما تحته بسهولة ولكن بغموض فغدا كالسهل الممتنع، بلون الوردي الباهت الذي يصل الى أعلى فخذيها، يغطي منطقة الخصر طبقة من الدانتيل فوقها شريطة باللون الوردي الغامق، وإلى هنا ينتهي الثوب!!!...


أسدلت شعرها بلونه الجديد ورشت بضعة قطرات من العطر الذي أهدته لها سلمى، قبل أن تسمي بالله وتفتح الباب، لتقف متوارية خلفه وهي تنادي ليث هاتفة:

- ليث.. غمِّض عينيك!..

ابتسم ليث وشعرت بصوته أقرب وهو يقول:

- باه، احنا هنلعبو ولا ايه؟...

تكاد تبكي وهي ترجوه:

- عشان خاطري يا ليث غمّض!..

أدار ظهره اليها وأغمض عينيه وهو يقول:

- أها يا ست البنات، غمضت وعطيتك ضهري كومان..

اطمأنت وخطت خارجا وهي تتنفس براحة واقتربت منه عدة خطوات لتفاجأ به يستدير بغتة ودفعة واحدة وهو يهتف بجزل:

- أهاه.. شو..فـ... تـ.. ك!!!!

كادت أنفاسه أن تختنق وهو يراها على مثل هذه الصورة، حتى أنه لفظ كلمته بتقطيع شديد...

شهقت في خجل لتضم ذراعيها الى صدره وهي تنهره بينما يتقدم منها كالمسحور:

- أني مش جولتلك اتغمض عينيك؟.. إكده برضك يا ليث؟..

تحدث بصوت مذهول وهو يرفع يديه يمررها على أنحاء جسدها بنعومة شديدة وكأنه لا يصدق ما تراه عيناه، يخشى أن تطرف عينه فيضيع الحلم الذي يتجسد أمامه!.. قال بذهول:

- أغمض إيه؟.. أنتي ناوية عليّ الليلاديْ يا سلسبيلي؟..

هتفت سلسبيل وهي تكاد تبكي بينما اصطبغ وجهها بلون أحمر زادها فتنة:

- بعّد يا ليث، أني عروح أجيب لي حاجة تانية أغير الخلجات ديْ!..

وما أن همت بالمرور من جانبه حتى سارع بالقبض على ذراعها يقربها اليه بينما ذراعيها تضمان جسدها لتخفي مفاتنها البارزة له فيما قال بصوت أجش:

- تغيري إيه؟.. يمين بالله ما انتي جالعاه، واذا عاوزة تغيريه ماحدش عغيرهولك غيري!!..

شهقت عاليا في حين امتدت يده يبعثر خصلات شعرها حولها وهو يتابع بذهول:

- انتي اعملت كل ديه وجت ايه؟...، أسدلت عينيها لتجيبه بهمس:

- انهاردِه.. المزيّنة اللي جات عشان اتزوج العرايس هي اللي عِملت لي اكده...

اقترب منها حتى اختلطت أنفاسهما وقال ويداه تمتدان لتطوقان خصرها بينما يمس بشفتيه صدغها لتغمض عينيها حيث بدأت تتوه في عالم ليثها:

- الجمال ديه كلاته ملكي وبس...

لينحني فجأة يضع ذراعا أسفل ركبتيها والآخر خلف كتفها يرفعها عاليا وهو يردف:

- الليلة فرحك يا أحلى عروسة في عيلة الخولي...

اتجه بها الى الفراش حيث وضعها بنعومة وسط أغطيته الناعمة ثم مال عليها ليهمس أمام شفتيها:

- جوليها يا سلسبيل.. رايد أسمعها من خشمك اللي كيف خاتم سليمان ديه...

ابتسمت بنعومة وهمست وهي تحيط عنقه بذراعيها تاركة مفاتنها تظهر أمامه بوضوح وقد علمت ما الذي يريد منها قوله:

- بحبك.. بحبك يا ليثي!...

ليزمجر بخشونة زمجرة ليث قد قتله العشق وأضناه الشوق إلى أنثاه ويهبط اليها ليحملها معه إلى العالم الذي لم يسبق لها وأن اختبرته قبلا مع غيره... عالم ليثها وحده!!...

الحلقة الثلاثون

(كبير العيلة (منى لطفي

رفرفة ناعمة فوق جفونها جعلتها تشيح بيدها أمام وجهها دون أن تفتح عينيها، لتشعر بها فوق أرنبة أنفها، فتحرك يدها لإزاحة هذا الشيء السخيف المصر على إيقاظها وهي تتأفف وتتقلب لترقد على بطنها نومتها المفضلة، صوت خشن وصل مسامعها جعلها تقطب بشدة في نومها ولكنها لا تزال متمسكة بأهداب النعاس، لتشعر بشيء خشن يمر فوق جبهتها ويتلاعب في شعرها فتنفخ في ضيق متمتمة بسخط طفولي وعيناها لا تزالان مغمضتان:

- أووف، وبعدين يا سلمى، هقوم لك انتي حرّة..

ليطرق سمعها الصوت الخشن بوضوح هذه المرة وهو يقول بتلاعب:

- وأناه هاعوز إيه أكتر من أكده... جومي لي يا بت عمي!..

لتفتح عينيها على وسعهما وقد فر النوم فجأة ملتزمة السكون لثوان وكأنها تتأكد مما سمعته، قبل أن تردد بذهول وهي مقطبة:

- بت عمي؟!... الصوت دا مش غريب عليّا!!..

وتشهق بعدها عاليا وقد استعادت وعيها لتتذكر أنها لا تنام في غرفتها هي وسلمى بل في غرفتها الجديدة بمنزل الزوجية وتحديدا على فراشها هي و... غيث!!!!....

وما أن طرأ اسمه على بالها حتى انقلبت على ظهرها لترى عينان سوداوين تطالعنها بشوق فيما ابتسامة ماكرة تتراقص على فمه المظلل بلحية خفيفة، احمر وجهها بشدة، وهي تهمس بتلعثم:

- غـ.. غيث!...، مال عليها غيث وهو يقول أمام وجهها المتخضب بحمرة الخجل:

- صباح الانوار عليكي يا جلب غيث، صباحية مباركة يا عروسة!...

هربت بعينيها وهي تجيبه بخفوت:

- صباح الخير....

وحانت منها نظرة الى نفسها لتفاجأ وأنها ترقد أمامه لا يسترها الا غطاءا خفيفا قد انحسر من عليها، لتشهق مجددا ولكن بذهول وهي تحاول جذب الغطاء الى أعلى بلهفة مخنوقة ليضحك غيث وهو مستمتع بخجلها الأنثوي الرقيق ويقول:

- إيه بتخجلي منِّي؟.. وبعدين مالوش عازة انتي ناسية اني راجد جارك تحت ذات نفس الغطا؟!!!..

حدقت به برعب وكأنه كائن خرافي قبل أن تستوعب عبارته جيدا، ليفقد وجهها لونه وهي تهتف بحنق محاولة الابتعاد عنه بلا طائل فهو يميل عليها مثبتا الغطاء حولها:

- ايه؟!... وازاي أساسا تسمح لنفسك بحاجة زي كدا؟..

ليحين دوره هو في النظر إليها بذهول صرف قبل أن تطلق ضحكة رجولية عميقة منه دغدغت أوصالها رغما عنها فأشاحت بوجهها جانبا بينما أجاب:

- اسمح النفسي؟.. أنتي ناسية اننا متزوجين؟.. والبارحة كان فرحنا؟.. ، ثم تابع غامزا بخبث:

- واللي حوصل بعد الفرح؟.. لالا اوعاكي تنسي، اخصوصي اللي حوصل بعد الفرح!!...

ليتخذ وجهها لوحة من اللون الأحمر بتدريجاته المختلفة بدءا من الأحمر الشاحب وحتى الغامق شديد الوضوح!... أجابت بحنق وهي تحاول دفعه بيدها واضعة راحتها الصغيرة فوق كتفه العار:

- طيب.. طيب.. ممكن تبعد شوية عشان عاوزة أقوم.

ولكن ما أن لمست يدها بشرته العارية حتى سارعت بسحبها بعيدا فقد شعرت وكأنها لمست سلكا كهربائيا عار، نظر اليها بمكر يلاعب حاجبيه الكثيفين وهو يقول ببراءة مزيفة:

- لاه.. الاول لازمن تصبحي عليّ..

قطبت قائلة:

- أصبح عليك؟... احنا هنصبح كم مرة؟.. انا لسه قايلالك صباح الخير حالا!!..

مال بوجهه حتى لفحتها أنفاسه الساخنة وهو يجيبها فيما تغيرت وتيرة أنفاسه التي تسارعت فقطبت في ريبة خاصة وقد تسلطت عيناه على ثغرها الوردي:

- لاه... العرايس معيصبحوش ع الناشف إكده!..

وقبل أن تهم بالكلام كان قد التقط شفتيها في قبلة عميقة سحبت أنفاسها وجعلت يدها التي تتشبث بحافة الغطاء تتهاوى قبضتها ليحكم ذراعيه حولها مغيبا لها في عناق قوي، وما أن أفلتها ليستطيعا التقاط أنفاسهما الهاربة حتى نظر اليها يقول بأنفاس ثائرة:

- إكده صباح العرايس، بوسة الصبح، صباح الخير يا عروسة.

أجابته بصوت صغير وأنفاس متعثرة فيما شفتيها المنتفختين تحملان أثر هجومه الكاسح:

- دي... بوسة!!!!!!!....، أحاط وجهها براحتيه الخشنتين وهو يهمس أمام شفتيها:

- ودلوك بجاه... لازمن أفَكِّرِكْ باللي حوصل ليلة فرحنا، شكلك إكده نسيتي وديه مش حلو في حجي!..

لتتسع عيناها ذعرا وهي تهتف برجاء:

- لالالالا... مين قا........, ولكنها لم تتم عبارتها إذ بدأ غيث في إعادة أحداث الليلة السابقة وبالتفصيل الممل والشرح الوافي، ففي الإعادة.. إفادة!!! (فيس بيغمز)..

--------------------------------------------------------

تمطى في نومه ثم مد يده يتحسس الفراش بجانبه ليفاجأ بالمكان خال، ليصحو تماما ويعتدل جالسا ينظر في أرجاء الغرفة حوله ليقابله الفراغ، ينادي بصوته:

- سلمى.., ولكن الصمت كان هو الجواب، قطب ليقفز ناهضا ويرتدي سروال منامته ثم يتجه الى خارج الغرفة للتفتيش عنها!.

وقف يستند بكتفه الى جدار باب المطبخ في حين لم تنتبه اليه، ابتسم ابتسامة حانية وهو يراقبها وهي تقف مولية إياه ظهرها تمسك بقدح قهوتها الصباحي عشقها الأبدي، تستنشق رائحته وهي مغمضة عينيها قبل أن ترتشف منه رشفة طويلة وكأنها تمنح قدحها قبلة الصباح!.. رفعت قدحها لترتشف رشفة أخرى عندما لاحظت أن هناك ما يمنعها من اعادته الى شفتيها، قطبت وفتحت عينيها لتطالعها عينان رماديتان يمسك صاحبهما بالقدح مانعا وصوله الى ثغرها الوردي، مال عليها وهو يهمس أمام وجهها:

- اللي يشوفك وانتي بتشربي قهوتك يفتكرك بتهمسي للفنجان وبتصبحي عليه!..

فتحت عينيها دهشة فيما تناول القدح من يدها ووضعه جانبا قبل أن يحيط وجهها بيديه مردفا أمام شفتيها العنبريتين:

- اعرفي أنه أول حد تصبحي عليه بعد كدا.. يبقى جوزك.. أنا!..

همّت بالكلام عندما عاجلها بابتسامة زادته وسامة:

- لكن سماح المرة دي، وخلي بالك أنا بغير، أوعي أشوفك تاني بتشربي القهوة بالطريقة دي، هحلف يمين ما عدتي شرباها تاني!!..

سلمى بابتسامة مذهولة:

- انت بتتكلم جد؟.. بتغير من ماج قهوة؟..

نظر اليها رافعا حاجبه وهو يرد بسخرية:

- ماج قهوة؟.. ولو كوابية مايّه كمان!!...

سكتت رافعة كتفيها وهي تطالعه باستغراب ليميل عليها وهو يردف بصوت أجش:

- انتي لسه بردو ما صبحتيش عليا، لكن مش مهم.. أصبّح أنا على أحلى عروسة!

لم يمهلها الفرصة للكلام ومال عليها مقتطفا ثغرها في قبلة عاصفة ولكن بحنان، قوية ولكن برقة، حتى أن الدموع كادت تطفر من عينيها لروعة الأحاسيس التي حملتها إليها، فما كان منها إلا أن طوقت عنقه بذراعيها العاريتين ليعتصر جسمها الرقيق إليه فتلامس عضلات جذعه العلوي القوية، لتندلع الشرارة، فيحملها شهاب من بين قبلاته النارية ويضعها فوق طاولة المطبخ حتى إذا ما لمست بشرتها العارية السطح الرخامي البارد إذ بها تُبعد فمها عن اكتساحه القوي لها وتشهق هاتفة بصوت متقطع:

- لا.. اسـ.. استنى بس، شها..., ليلتهم آخر حرف في اسمه من فوق شفتيها غير سامحا لها بإكمال عبارتها، فحاولت دفعه وهي تبعد وجهها عنه في قوة وهي تهتف:

- يا شهاب مش كدا؟... رفع رأسه وعيناه تطالعانها بجمرتين مشتعلتين وهو يقول بأنفاس لاهثة وصوت خشن بينما يداه تتلمسان مفاتنها البارزة:

- استنى إيه؟.. ، ليميل عليها ثانية فتدفعه براحتيها الصغيرتين في كتفيه هاتفة:

- يعني أنا مش مكتوب لي أدخل في أودتي زي باقية العرايس اللي خلقهم ربنا؟.. امبارح في أودة الضيوف ودلوقتي في المطبخ!!... وبعدين.. الرخامة سائعة أوي، أخس عليك يا شهاب!..

نطقت آخر عبارتها بدلال أنثوي أطار البقية الباقية من تماسك شهاب الذي سارع بحملها بين ذراعيه قائلا بلهفة:

- يا سلام، بس كدا؟... ليكي عليا الـ تلاتين يوم شهر عسل ما نخرجش فيهم من الأودة!!..

دفنت وجهها في عنقه الضخم خحلا من كلامه لتعلو ضحكته التي خفتت ما أن دلفا الى غرفة النوم مغلقا الباب بقدمه بدوي عال!!...

------------------------------------------------------

تجلس بجواره تقوم بإطعامه بيدها كالطفل الصغير، حاول مرارا جعلها تتناول هي افطارها وهو سيتابع تناول طعامه ولكنها رفضت وبشدة، نظر اليها بحب بدءا من شعرها المتناثر حولها بلونه الجديد وخصلاته الندية، مرورا بثوب نومها الجديد الحريري بلونه الأحمر، عار الذراعين بفتحة عنق واسعة شبه دائرية مزمومة مزينة بربطة على هيئة فراشة في منتصف الصدر، كانت تضع قطعة من الخبز المغمس بالجبن الأبيض الحادق حينما هم ليث بقضم أصابعها فشهقت وأبعدت يدها بعد أن دفعت باللقمة الى فمه وهي تضحك، ما أن ابتلع لقمته حتى أمسك بيدها مقبلا أناملها الطرية لتشر بخشونة ذقنه النامية بينما يحكّها شاربه الكث الخشن على نعومة بشرتها، ضحكت بخجل فيما همس وهو يطالعها غارقا في سحر عينيها:

- ربنا ما يحرمني منيّكي يا سلسبيلي...

أفلتت يدها بصعوبة وتمتمت وعينيها ترسلان إليه نظرات حب صادقة:

- ولا منيِّكي يا ليثي....، ثم أسبلت عينيها خجلا من جرأة عيناه التي لم تعتادها بعد على الرغم من أنها ليست عروس جديدة ولكن عيناه كفيلة بجعل العجوز تشعر وكأنها صبية ابنة ستة عشر ربيعا!.. قالت بخفوت:

- صحيح يا ولد عمي، انّهاردِه صباحية أخواني، رايدة أروح لهم مع أمي عايدة حبة إكده.. بعد الضحى إن شاء الله، تسمح لي؟..

ابتسم ليث وأجاب وهو يميل بوجه إليها فيما يقترب منها أكثر إذ تجلس بجواره على الأريكة أمام الطاولة الصغيرة التي تحمل طعام الإفطار:

- ممكن يا بت عمي، لكن... إبشرط!..

قطبت وقالت بشبح ابتسامة صغيرة:

- شرط؟!!.. شرط إيه يا ترى؟..

أجابها بهدوء مغلف بحزم:

- شعرك ديه تلمِّيه وما عتكشفهوش واصل، حتى لو جودام الحريم، ومن هنا ورايح اخروجك برات البيت بتوبك الاسمر حتى لو عتروحي افراح، توبك الأسمر وترحتك السمرا!..

قطبت سلسبيل وهتفت باستنكار:

- كيف ديه؟.. عاوزني أروح فرح بتوبي الاسمر؟.. بالملس يا يلث؟..

حرك رأسه ايجابا وقال بثقة:

- إيوة، بالملس يا سلسبيل!.. يا إكده يا مالكيشي اخروج من اهنه، لا ومش بس إكده.. من غير أحمر ولا أخضر ولا زواج من أصله!..

حاولت سلسبيل فهم سبب هذا القرار التعسفي فقالت وهي تبتسم باستعطاف:

- طب أفهم الاول، ايه اللي حوصل لكدِهْ؟..

ليث بجدية:

- ديه أمر يا سلسبيل، عتكسري أوامري؟..

سلسبيل وقد شعرت بالغبن:

- لاه يا ولد عمي، لا عشت ولا كونت يوم ما أكسِّر كلمتك، لكن رايدة أفهم ليه دا كله؟..

ليث بنصف عين وقد داهمه الغضب لدى تذكره لكلمات أمه ليلة أمس:

- تنكري انه فيه حريم كانوا رايدين يخطبوك وكلموا أمي؟..

طالعته بغير تصديق بينما لم تستطع منع ابتسامة ناعمة من الظهور على ثغرها الوردي:

- ليث.. ديه حاجة عادية، بتحوصل في الافراح كلاتها، وبعدين الحرمة لمن عرفت اني أبجى مراتك اتأسفت لعمتي الحاجة، مافيش حاجة حوصلت لزعلك جوي إكده، ولا.. ديه غيرة ديه ولا إيه؟..

زمجر ليث وأحاط وجهها الصغير براحتيه يتلمس بابهامه الخشن وجنتيها الناعمتين:

- إيوة بغير، ايه رايك بجاه؟.. سلسبيل هي كلمى ورد غطاها.. خروج من اهنه بتوبك الاسمر وشعرك ديه اتغطيه ما في حد ينضره غيري ولا تجوليلي امي ولا اخويا ولا حتى ستّي، ولا أي حريم واصل، مفهوم!..

مسكت يديه براحتيها ونظرت في عينيه ليغرف في بندقي عينيها قبل أن تقبل باطن راحتيه بشفتيها الطريتين قبل أن تطالعه بنظرات عشق خالص هامسة بحب:

- كلمتك سيف على رجبتي يا ولد عمي، لو رايد ما خاطيش برجلي برات البيت واصل اني من يدك ديْ ليدك ديْ..

همس ليث بقوة:

- بحبك يا بت عمي....، همت بالرد عليه حينما ابتلع كلماتها في قبلة طويلة ملتهبة، وكان على ذهاب سلسبيل لتهنئة أخويها الانتظار لوقت آخر!...

---------------------------------------------------

اغتسلت سلافة وأبدلت ثيابها لترتدي فستان من القطن بحمالات عريضة فوق الركبة أبيض بنقوش وردية على هيئة أزهار صغيرة وأسفله بلوزة قطنية وردية اللون، وبنطالا أبيض كتاني يلتصق بساقيها، وحذاء أبيض بكعب رفيع عال مفتوح، وزينت خصلات شعرها الأسود الرطب بشريط ستان باللون الوردي، واكتفت من الزينة بماسكارا سوداء وحمرة خدود خفيفة وأحمر للشفاه باللون الوردي، وشرت بضعة قطرات من عطرها الخاص برائحة الورود، حالما انتهت ورضيت عن صورتها في المرآة لحقت بغيث الذي تركها لتبدل ثيابها لتكون جاهزة لاستقبال المهنئين، لحقته الى غرفة الجلوس حيث كان جالسا يقلب في قنوات التلفاز، وما أن وقعت عينا غيث عليها حتى حدق بها بانشداه ونهض واقفا وهو يهمس:

- بسم الله ما شاء الله، سبحان من صورك..

ابتسمت سلافة في حين اتجه اليه وقبض على يدها يجذبها الى الداخل، ثم نظر اليها مفصّلا إياها من أعلى رأسها الى أخمص قدميها، ليقول بعد ذلك بصوت أجش:

- انتي.. عتجابلي الناس إكده؟..

ضحكت سلافة ضحكة صغيرة وحركت كتفيها وهي تجيب:

- اكيد يا غيث، مش عروسة بقه؟!!...

حرك رأسه بنفي قاطع قائلا:

- لاه... بدلي تيابك!..

قطبت سلافة وقالت بنص ابتسامة مرتابة:

- أبدل اتيابي؟.. انت بتهزر صح؟..

نفى بحركة من رأسه مؤكدا بثقة:

- لاه.. غلط!.. اني بتكلم جاد وجاد الجاد كومان، انتي ما شايفاشي نفسك؟..

عقدت ذراعيها وفي ثوان كان طبعها الحاد قد بدأ بالظهور وهي تهتف من بين أسنانها:

- ومالها نفسي بقه يا غيث؟.. وحشة؟.. ولا يمكن هكسفك قودام الناس؟!!..

هتف بها:

- انتي مجنونة؟!... تكسفي مين!.. لو عليا أني.. ما رايدشي حد ينضرك واصل!..

قطبت قائلة:

- مش فاهمه يعني دا مدح ولا ذم؟.. 

مال غيث على وجهها حتى لفحته رائحة عطرها المنعش بينما رأت انعكاس صورتها بين فحم عينيه المشتعل وما أن ضربته رائحة عطرها حتى أغمض عينيه وهو يهمس:

- صبرني يا رب...

ثم فتح عينيه وطالعها هاتفا من بين أسنانه:

- سلافة.. لو رايدة تكوني جاهزة عشان تجابلي الناس اللي جايين يباركوا، أحسن لك اتبدلي تيابك ديْ، لأني ما اضمنشي لو استنيتي جودامي كومان دجيجتين وانتي بالمنظر ديه ايه اللي ممكن يوحصل، بس اللي اجدر أجولهولك انك ما عتكونيش جاهزالهم واصل!!..

سكتت قليلا تطالعه بعدم فهم لثوان حتى إذا فهمت ما يرمي إليه تخضب وجهها بحمرة قانية وهتفت بحنق:

- غيث، عيب كدا!..

نظر اليها كمن يطالع كائن خرافي قبل أن ينفجر في ضحكة عميقة ويقول:

- عيب؟!.. وايه العيب في اللي بجوله؟. مرَتيْ وماحدش ليه عندينا حاجة!...

حاولت الابتعاد من أمامه وهي تزمجر في حنق حينما اعترض طريقها، ليمنعها من المرور فكلما اتجهت يمين أو يسار وجدته أمامها أو يسار، لترفع رأسها اليه وهي تقول:

- مش وقته يا غيث، ابعد من وشِّي بدل ما أدخل الاودة وأقفل عليّا وخليك قاعد لوحدك لغاية ما الناس تيجي!..

أحاط بخصرها براحتيه اللتن شعرت بسخونتهما تعبر القماش لتنشر الحرارة في سائر جسدها، همس أمام شفتيها غامزا بخبث:

- ما أنتي شوفتي بعنيكيْ اني مايعصاشي علي باب مجفول ولا جفل مصوجر كومان!.. 

سلافة بحنق طفولي:

- لا طبعا هنسى أزاي؟.. وانا أقدر انسى الخضّة اللي خضتيهالي امبارح!..

أطلق غيث ضحكة مرحة وأجاب:

- أعملك إيه انتي اللي فاكرة نفسيك اللي بتعرَفي اتفكري وبس، وناسيتي انه كل مفتاح منيه تلات نسخ، وحظي كان حلو لمن لاجيتك شايلة المفتاح من الباب، بجيت سهلة وبسيطة، وعشان تبجي مطمنة، أني شيلت المفاتيح كلاتها، ايه رايك بجاه؟!!...

حدقت فيه بذهول وهي تكرر وقد أوشكت على البكاء:

- شيلت المفاتيح كلاتها؟...، هز برأسه موافقا وهو يكتم ضحكته بصعوبة، فتابعت في تساؤل:

- ليه طيب يا غيث؟...، همس فيما عيناه تنصبان على شفتيها الممتلئتين بلونهما الشهي:

- عشان أني ما أضمنكيشي يا بت عمي، عارفك وعارف إجنانك...

لتطير ريبتها وقلقها أدراج الرياح وتقطب هاتفة بنزق:

- نعم؟.. قصدك تقول أني مجنونـ....

ولم تكمل إذ أسكتها بأقصر الطرق وأحبها إلى قلبه!!..

صوت رنين بعيد طرق سمعها فكانت هي أول من انتبه فحاولت ابعاد شفتيها عن فمه الثائر، وهي تهمس:

- غيث.. الباب، الباب يا غيث!!..

انتبه لطرقات الباب فرفع رأسه ليرى وجهها وقد تخضب بحمر الخجل القانية، فهمس:

- روحي وضبي حالك وانا هفتح لهم...

ركضت سريعا الى غرفتها لتعيد ترتيب زينتها في حين وقف هو أمام المرآة الموضوعه على الحائط بجوار باب المنزل، أرجع خصلات شعره بيديه الى الخلف، ورتب بلوزته القطنية قبل أن يفتح الباب ليطالعه وجه جدته الصبوح التي أطلقت زغرودة طويلة، ودلفت تقبله وتهنئه وبعدها راوية ثم ألفت،في حين دخلت وردة الخادمة تحمل صينية كبيرة محملة بصنوف الطعام المختلفة، خرجت اليهم سلافة التي ما أن رأت والدتها حتى ارتمت بين أحضانها وكأنها لم ترها منذ دهور، قبلت يد جدتها وصافحت راوية راسمة ابتسامة صفراء تماثل التي ارتسمت على وجه راوية، بعد تبادلهم الاحاديث الخفيفة استأذن غيث للنزول الى جده فأخبرته الجدة بابتسامة:

- خليك موطرحك يا عريس، جدك وبوك وعمك عايجولك، همّن حدا شهاب وعيحصلونا، جولنا نجسموا نفسينا، جيناك احنا الاول وراحوا لشهاب وبعدين عيجوك هما واحنا عنروحوا للعرسان التانيين...

نهضت سلافة واتجهت الى المطبخ لإحضار أكواب العصير فلحقتها أمها والتي أرادت الاطمئنان على ابنتها، سألتها ان كانت سعيدة وبخير فأجابتها بخجل أنها بخير وأن غيث يحمل قلبا رقيقا بين جوانحه فدعت لها أمها بدوام السعادة...

اتجهن بعد ذلك الى سلمى ترافقهن سلافة بعد أن أذن لها غيث، اجتمع الرجال لدى غيث والحريم لدى سلمى، وانصرف شهاب برفقة الرجال لترك النساء بمفردهن، ولحقت بهن سلسبيل هي وحماتها والتي ما أن انفردت بها سلافة في مطبخ سلمى حتى سألتها بلهفة:

- ها قوليلي ايه الاخبار طمنيني؟!!..

نظرت اليها سسبيل بنصف عين وأجابت من بين أسنانها:

- أطَمْنِك؟ ديه عاملة يا سلافة؟.. لكن اني المحجوجة، كان حاجِّتي شوفت اللي انتي جبتيه جبل ما ألبسه!

غمزتها سلافة بخبث وأجابت بثقة:

- انما ما تنكريش... شكلها كانت ليلة من الآخر، وأبسط دليل تأخيرك يا عروسة، جدتي قالت انك المفروض كنت تيجي معهم ومتعرفش ايه اللي أخرك؟.. أنا ما رديتش أقزل، شوفتي، عشان تعرفي أني مؤدبة؟!..

أجابت سلسبيل ساخرة:

- آه.. مؤدبة! جوي جوي...، ثم مالت عليها مردفة:

- انما صحيح.. ايه أخبار الأدب انبارحة يا.. عروسة؟!..

حدجتها سلافة بنظرة سوداء قبل أن تحمل صينية العصير الذي انتهت سلمى من اعداده وهي تجيب من بين أسنانها:

- ياللا يا سلمى، اتأخرنا على الناس اللي بره، سبقتها سلمى فمالت على سلسبيل وأردفت بهمس:

- أنا دلوقتي بس عرفت انتى طالعه مؤدبة لمين؟...، أجابت سؤال سلسبيل الصامت:

- أخوكي أكيد غيث، وأقطع دراعي اما كان شهاب نفس الفصيلة، مش توائم، ولو ان سلمى أختي دي مش بتبل الريق!!

------------------------------------------------------

تقرر سفر العرسان الى الساحل الشمالي لقضاء أسبوعين، في حين سافر ليث وسلسبيل الى الأسكندرية لقضاء أسبوع بمفردهما تاركين الأطفال في عهدة أبوه وأمه...

كانت راوية طيلة هذه الفترة تكاد تجن، فألفت تعيش أسعد أيام حياتها هي وابنتيها، بعد أن فرضتهما عليها زوجتين لولديها هي رغما عنها، كان الحاج قد أهدى تذكرتي سفر لرؤوف كي يسافر لأداء مناسك العمرة هو وزوجته، وتقرر السفر بعد عودة الأبناء بيوم....

عاد أحفاد الخولي، وامتلأ المنزل الكبير بالضحك وكان وجودهم يضفي السعادة على من حولهم باستثناء واحدة... كانت تتمنى الموت لابنتي ألفت، وقد ضمرت لهما من الشر ما يشيب له الوجدان!..

طرقات ضعيفة تعالت على باب غرفة الجدة، فتبعها صوت من الداخل يأذن للطارق بالدخول، دلف الطارق الذي لم يكن سوى وردة الخادمة، دخلت بخطوات بطيئة، طالعتها الجدة التي كانت تجلس الى سجادة الصلاة تسبح على كرات الكهرمان في مسبحتها الخاصة، نظرت اليها قائلة:

- تعالي يا وردة...

اقتربت وردة وهي تنظر الى الأسفل، ووقفت أمامها ساكنة تماما، قالت الجدة:

- فيه حاجة يا وردة؟..., رفعت وردة رأسها لتفاجأ الجدة بشحوب وجهها فقامت من مكانها وجلست فوق أريكتها وأشارت اليها بالتقدم فأطاعت وردة من فورها، قالت الجدة:

- فيه ايه يا بتِّيْ.. ما تتكلميْ!..، لعقت وردة شفتيها وأجابت بصوت خائف مرتعش:

- ستي الحاجة أني... أني...، زفرت الجدة وهتفت في حزم:

- انتي إيه يا بتي ما تجولي؟..

أجابت وردة بتردد:

- أني لوما العيش والملح اللي كالته في داركم ولحم اكتافي أني وامي وأهلي كلاتهم من خيركم أني ما كونت اتحدتت واصل، لاكن ما جدراشي أعرِف وأسكت يا ستي الحاجة!..

استغفرت الحاجةبصوت منخفض ثم نظرت اليها قائلة بجدية:

- يا بت اتحدتي من غير كلام كتير، فيه إيه؟.. ما انتيش على بعضيكي ليه؟..

اقتربت وردة حتى أصبحت على بعد سنتيمترات قليلة من الجدة ومالت هامسة:

- وعليّا الأمان يا حاجة؟...، لتنفخ الجدة بضيق فأردفت وردة وهي تكاد تبكي:

- ما تواخزنيشي يا حاجة، لكن أني وأهلي غلابة، ومش جد الحاجة أم غيث!..

قطبت فاطمة وقالت:

- أم غيث!... بت.. حالا دلوك تجوليلي ايه الحكاية بالظبط!

أجابت وردة:

- حضرتِك عارفة ان موزة بت خالي ابتشتغل حدا الست زينب أخت الست راوية، ومن يامين كنت حداها لمن شوفت الست راوية اهناك مع...

وسكتت فنهرتها فاطمة بغضب:

- مع مين يا مجصوفة الرجبة ما تتحدتي؟!..

لتلقيها وردة دفعة واحدة:

- مع أم ستيت!!..

لتنهض فاطمة وهي تهتف بذهول:

- باه!.. أم ستيت الدّجَّالَه!! ...

حركت وردة رأسها بالايجاب وهي تقول:

- أيوة يا ستي الحاجة، البت موزة جالت لي ان الست راوية يوماتي بتاجي عنديهم وبتجعد مع أم ستيت ، وانه الست زينب في آخر مرة اتشاكلت مع الست راوية وجالت لها ما عادتشي عتدخل اللي اسميها أم ستيت ديه حداها، وانها صدجتها لمن جالت لها أنها رايدة أم ستيت تعمِل لولادها احجاب يحفظهم وانها صدجتها ولو انها كانت شاكة لان ام ستيت المعروف عنيها انها ما بتعملشي الا العمالات الشينة كلها، ووجتها الست راوية رديت عليها وجالت لها مالهاشي صالح باللي بتعمله، فالست زينب جالت لها طالما في دارها يبجى ليها حج انها تدخل، وبعدين ست راوية مشِتْ وهي حمجانة، وبتجسم انها ما عادتشي طابّة برجليها البيت حدا الست زينب، وخرجت هي وأم ستيت، ستي الحاجة.. سايجة عليكي سيدي الطرنوبيْ أني ما جولتش لجنابِك حاجة، البت موزة غلبانه ولو دَريت الست زينب انها حاكاتلي واني جولت لحضْرِتِك ينكن تتأذي..

شحب وجه فاطمة وهي لا تستطيع مدى الشر الذي بقلب راوية، أتصل بها الكراهية الى حد فعل ما يغضب الله ويلعنه؟.. أتستعين بتلك الشيطانة أم ستيت في سبيل إيذاء أبنائها هي؟!.. فطبيعي أي أذى يلحق بزوجة أي منهما سيؤذيه هو الآخر بالمقابل، نظرت الى وردة قائلة بصرامة:

- ما عتخافيشي يا بت، لكن حسّك عينك الحديت اللي جولتيه حدايا اهنه يطلع من خشمك لحد تاني، حتى لو الشيخ بذات نفسيه، ودلوك اسمعي اللي عجوله وحطيه في بالك زين.. لو لمحتي المَرَهْ اللي اسميها أم ستيت ديْ ولا حدا من طرفها تاجي وتعرفيني في لحظتها، مفهوم؟..

أومأت وردة عدة مرات بنعم وهي تهتف بذعر:

- مفـ.. مفهوم.. مفهوم يا ستي الحاجة...

قالت الجدة بصرامة:

- روحي دلوك لشغلك، وحسيكي عينكي مخلوج يعرف بحرف من اللي اتجال اهنه، وجتها تجولي على نفسيكي انتى وموزة جريبتك يا رحمن يا رحيم!..

ولولت وردة:

- يا مُرِّك يا وردة.. يا مُرِّكْ....

نهرتها الجدة هاتفة بحدة:

- باه... اجفلي خاشمك يا بت، اتجنيتي إياكْ.. ياللا غوري وحطي الكلام اللي جولتهولك دلوك حلجة في دينيكي!..

خرجت وردة تركض وهي تتعثر في طريقها في حين هتفت فاطمة بذهول غاضب:

- أم ستيت؟.. حصّلِت لأم ستيت يا ناسية ربّك... ماشي يا راوية.. لمّن نشوف.. أني ولا أنتيْ، وابجي وريني عتجدري تعمِلي إيه انتي ومرضعة إبليس ديْ.. أني مهما كان الحاجة فاطمة... وان كنتي ناسيتي مين هي الحاجة فاطمة عفكِّرك!..

تجلس أمام عجوز ترتدي الأسود من أعلاها إلى أسفلها، يكاد من تحط عيناه على وجهها أن يصاب بالرعب من ملامحها التي تحمل تعابير شيطانية، وكأن عملها الأسود ولعنة الله لها قد خُطت فوق وجهها بسطور من نار، كانت تحاول تمالك نفسها، بينما تجلس بجوارها رفيقتها في مشوار البؤس هذا، أم علي، تلك السيدة التي تعمل لدى الجد عبد الحميد من زمن طويل، منذ أن كانت صبية في الثالثة عشر من عمرها وهي الآن قد تخطت الستين من عمرها، لتأمر الجدة بأن تركن الى الراحة وأن يقتصر عملها في القصر على الانتباه لشغل باقي الخادمات، وكانت هي من أشارت على راوية باللجوء الى أم ستيت ظنّا منها أنها بهذا تكسب محبة سيدتها فتقربها منها، ناسية أنها تؤذي بذلك أصحاب المنزل الذي أواها منذ أن كانت صغيرة، ولكنها كانت قد تعاطفت مع راوية حيث كانت موضع سرها وكانت كثيرا ما تشكي أمامها من ألفت الظالمة تلك التي سرقت ابنيها رغما عنها، فتتعاطف معها بكل غباء وتنصحها بالاستعانة بأم ستيت!...، جلست تلك العجوز المرعبة وأمامها موقد بخور كبير، كانت تذر عليه بعض الأشياء فيزداد تصاعد الدخان في حين كانت تقرأ بعض الكلمات الغير مفهومة، وهي تصدر أصواتا مرعبة تقشعر لها الأجسام، نظرت أم ستيت الى راوية وقالت:

- جبتي اللي جولتلك عليه؟...

أسرعت راوية بإخراج وشاح ملفوف وناولتها له وهي تقول بارتعاش:

- أها.. جبـ.. جبتَهْ!... ثم ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تكمل:

- معالهش يا أم ستيت.. أني يمكن الفترى اللي جاية معجدرشي أشوفك، اختي حداها ظروف تمنعنا نتجابل اهناك، فهبجى أشيّع لك أم علي بطلباتك كلاتها!..

رمقتها أم ستيت بنظرة سوداء وهي تحدق فيها بقوة في حين ازدادت تغضنات بشرتها السمراء وهتفت بحدة:

- الاسياد عاوزين حاجتهم تكون حاضرة وجت ما يطلبوها، واني اللي اجول إذا كنت رايدة أشوفك ولا لاه.. ولا أنتي عاوزة الاسياد تغضب منيكي؟..

هتفت راوية بصوت أشبه بالبكاء:

- لاه.. لاه.. أني تحت أمر الاسياد..

تناولت أم ستيت الوشاح الصوفي وقالت:

- امنيح، خلي ديه حدايا وبكرة عشيّة.. تاجي يا أم علي، اسمعي زين اللي عجولك عليه، الشيلَه ديْ.. فيها عرج المحروس، لازمن يلبسها أول ما يعاد بالسلامة وينام فيها، وبعدها مهما عِملت له مَرَته عتتخيّل له جِرد.. وما عيجدرشي يجرّب لها، حتى لو اعملت له بت ليل، ولدك ما عيجرب لها، وعيكرهها كره العمى، بس لازمن يبيت في الشيلاه ديْ وتاخد عرج النوم.. بعديها.. تاجي اهنه وتجيبي لي البشارة!..

أشرقت أسارير راوية وهي تهتف:

- ليكي منّي حلاوة حلوة جوي جوي يا أم ستيت لو اللي ببالي حوصل، وجتيها طلباتك وطلبات الاسياد كلاتها عتكون مجابة!..

وانصرفت هي وأم علي تحلم باللحظة التي يكره فيه ولدها زوجته ولا يطيق حتى ذكر اسمها أمامه.... تلك الفتاة التي تطالعها دائما بتحد وكأنها تخبرها بأنها تعلم بما تضمره لها هي وأختها وأمها من كره... ولكن.. صبرا.. فقد اقتربت ساعتك.. وسيكرهك ابني.. ولن يطيق حتى حتى سماع أحرف اسمك... سلافة!!!!!..


تكملة الرواية حتى الفصل الرابع والثلاثون من هنا


بداية الروايه من هنا


🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺



ادسنس وسط المقال

تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS