رواية كبير العيلة الحلقة الحادية والثلاثون والثانيه والثلاثون والثالثه والثلاثون والرابعه والثلاثون بقلم مني لطفي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
رواية كبير العيلة الحلقة الحادية والثلاثون والثانيه والثلاثون والثالثه والثلاثون والرابعه والثلاثون بقلم مني لطفي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
دلفت الى غرفة النوم، رأته يقف يرتدي عمامته البيضاء، فابتسمت واقتربت منه، طالع صورتها المنعكسة في المرآة خلفه، ولكنه لم يهتم بمبادلتها الابتسامة وأكمل لف عمامته، اقتربت منه ومسحت ذرات غبار وهمي من على كتف جلبابه الكتاني الأبيض، ثم قالت محاولة إسباغ الرقة على صوتها:
- عتتأخر انهَااردِه؟...، أجابها وهو يستدير نافضا يدها من فوق كتفه وببرود:
- ما عارفشي... انما غريبة يعني... من ميته وانتي عتسأليني عتأخر ولا لاه؟..، هزت كتفيها واجابته بخفوت:
- لاه .. بس بطمّن.. أني عارفة انك متكدر منّي وأني ما عاوزاكشي تغضب عليّا يا ولد عمي أني....
لتبتر عبارتها فجأة وقد توسعت عينيها ذهولا ورعبا وهي تراه يرتدي وشاحه لافاًّ اياه حول رقبته وهو يستمع اليها بغير اهتمام، فهتفت وهي تشير الى وشاحه:
- ديه... ديه شاملة غيث مش إكده؟....، أجابها عثمان وقد أنهى استعداده للخروج:
- غيث عطاها لي .. عندك مانع؟..، ولم ينتظر اجابتها واستدار منصرفا ليوقفه هتافها العالي باسمه فالتفت اليها ناهرا لها بتقطيبة حادة فوق جبينه:
- باه.. جرالك إيه يا وَلِيِّه؟.. اتجنيت إياك؟.. عم بتزعِّجي ليه إكده؟....
هرولت اليه وهي تجيب وقد شارفت على البكاء:
- ماعالهشي يا ولد عمي، ما تواخزنيشي، لكن الشاملة ديْ غيث كان لابسها جبل ما يتزوج ولسّه ما غسلنهاشي, غيِّرْها وهاتها لمّن أغسلها...
عثمان بحدة:
- باه.. اتخبطتي في نافوخك يا راوية؟؟.. غيث ما اتلفعشي بيها واصل، من وجت ما عطيتهاله هَديّة وهو عطاهالي لمّن شافها عاجبتني، وديه يدوبك تاني مرة أتلفع بيها.. وخّري من جودامي خليني أروح ِأشوف مصالحي...
كادت راوية تنوح وهي ترجوه:
- يعني انت اللي لابستها من الاول يا عتمان؟...، أجابها ساخرا مقلدا صوتها الباكي:
- إيوة أني اللي لابستها من الاول يا عتمان!!.. بعدي عني يا إماتَنْ الله في سماه لا أخلِّص منِّيكي الجديد والجديم يا راوية... بعِّدي!!...
ليزيحها عن طريقه ويخرج صافقا الباب خلفه بعنف فتطلع الى الباب حيث اختفى وراؤه وهي تهمس في شبه هستيرية:
- هو اللي لابسها من الاول!!!!.. على إكده لمن جبتها من المجعد اللي كان في الجنينة ما كانشي غيث اللي ناسيها كيف ما كنت فاهمه.. كان هو!!!!.. يعني عمل أم ستيت معيصيبشي بنت ألفت....
لتقطع عبارتها وتصمت فجأة وهي تشهق برعب هاتفة وحدقتاها قد توسعتا فزعا:
- عيصيبني أني!!!!!!!!!، وفتحت الباب تهرع مسرعة خلف عثمان وهي تناديه عاليا قبل أن يعرق في الوشاح أو تغمض عينيه وهو يرتديه فيسري مفعول السحر الأسود فيصيبها هي!!!!!!!!...
وقف عثمان فجأة حتى كادت تضرب به وهو يزفر بضيق ونظر اليها من فوق كتفه وهو يصيح بها عاليا:
- أنتي وبعدهالك أنّهاردِهْ؟؟.. اتجنيتي ولّا إيه؟..
حاولت راوية التقاط انفاسها المتعثرة وأجابته بتلعثم واضح وهي تقف تواجهه في ردهة المنزل أمام الباب الداخلي:
- ما.. ماجراشي يا.. يا ولد عمي، لكن التلفيعة دي مش امناسباك فأني بجول انك... انك.. اتغيّرها أحسن!...
ضيق عثمان عينيه ومال عليها وهو يقول باستنكار حاد:
- بتجولي إيه يا أم الوِلْدْ؟... أغيِّر إيه؟.. ومن ميتة انتي بتتدخّلي في اللي عالبسه واللي معلبسوشي؟...
راوية وقد هرب الدم من وجهها فزعا من لهجة الوعيد الواضحة في صوته:
- لاه ماجصداشي حاجة لا سمح الله، غاية ما هناك إني رايداك تيابك كلاتها اتكون ريحتها زينة، وديه ما تواخزنيشي يعني يا ولد عمي، ريحتها عِفشة.. لازمن أغسلها وأطيّبها لك بالعود والبخور كيف ما بعمل في خلجاتك كلاتها، أني لو كُتْ أعرِف أنها تلفيعتك كُتْ بخرتهالك كيف ما بتحب اتيابك كلاتها..
زفر في اختناق وهتف بها:
- راوية بجولك إيه.. اطلعي من نافوخي.. ايه الحديت الماسخ ديه؟؟... وبعدين ريحتها عفشة!!... جصدك ريحتي أني بجاه ما هو أني الوحيد اللي لابستها!!!
شهقت راوية وهي تهز رأسها مرارا وتكرار نفيا وهي تهتف بلهفة:
- لاه.. لاه ينجص إلساني لو جولت إكده.. أني بس...
ليقاطعها هاتفا:
- اسكتي ساكت خلاص... جبر يلم العفش.....
ليقاطعه دخول شهاب وسلمى وهما مشبكان أيديهما سويا وما أن لمح شهاب والده حتى ترك يد سلمى احتراما له، اتجها إلى عثمان وراوية حيث ألقيا تحية الصباح فرد عثمان وهو يحاول الابتسام في وجهيهما في حين ردت راوية وهي تشعر بالحنق والغيظ من منظر ولدها مع ابنة ألفت، لتلقي التحية ببرود ولكنها سرعان ما ابتسمت لشهاب وهي تحتضنه وهو يقبل رأسها ويدها داعية له بصلاح الحال وأن يكفيه الله شر أولاد الحرام وبنات الحرام وهي تحدج سلمى بطرف عينها والتي لاحظت نظرتها فقطبت في حيرة!!!...
قال شهاب بابتسامة:
- ايه مالك يا حاج ع الصبح مين اللي معصّبك بس؟؟..
عثمان وهو يحاول تمالك أعصابه:
- لاه مافيشي يا باشي مهندز.. ما تشغلشي روحك أنته...
ثم وجه حديثه الى سلمى مردفا بابتسامة أبوية:
- كيفك يا عروسة.. شهاب عامل امعاكي إيه؟.. لو زعَّلِك ولّا عِمِل لك أي حاجة جوليلي وأني هعرِّفه شغله صوح..
ضحكت سلمى وأجابت بابتسامة:
- ربنا يخليكي ليا يا بابا الحاج.. شهاب مش ممكن يزعلني...
ليبتسم لها شهاب ابتسامة عشق صافي بادلته اياها في حين كانت راوية ترغي وتزبد وهي ترى نظرات الحب المتبادلة بينهما وما زادها كرها وبغضا حديث زوجها لسلمى من أنه سينصفها هي على ابنه!!!..
لمحت بطرف عينها وردة وهي تسير بالقرب منهما تحمل كوب ماء فنادتها لتقبل الأخيرة عليها فسألتها بأمر:
- هاتي الكوباية ديْ، لَمين واخداها؟..
أجابتها وردة بينما تناولت راوية كوب الماء من يدها:
- ديه ستِّي الحاجة كانت رايدة تشرب...
رفعت راوية الكوب على فمها وهي تميل ناحية عثمان، وما أن سمعت جواب وردة حتى أسرعت بإزاحة الكوب متظاهرة بالاضطراب ليقع نصف محتويات الكوب فوق ثياب عثمان وتحديدا... على الوشاح الملموس!!!!!
هتف عثمان وهو يبتعد عنها:
- باه.. جبر يلم العِفش!.. خبر إيه يا راوية انّهارْدِه؟...
راوية وهي تصطنع الأسف:
- ماعالهشي يا ولد عمي، لمن اسمعت ان المايّة ديْ لمرات عمي إزوِرْتْ!!!
تأفف عثمان وهو يقول:
- أعمل إيه دلوك؟.. ناجص عطلة أني؟.. أمري لله عروح أبدّل اتيابي...
لينصرف من فوره تتبعه راوية وهي تخفي ابتسامة نصر صغيرة في حين تبادل شهاب وسلمى نظرات التساؤل والجهل!!..
--------------------------------------------------
تقدمت أم علي من سيدتها وهي تتساءل في سرها عن سبب تلك التكشيرة الكبيرة التي تزين وجهها؟!!....، تحدثت أم علي بلهفة:
- مالك يا ست الحاجة كفالنا الشرّ؟.. شكلك إكده تعبان ومتضايج..
تنهدت راوية بعمق ثم أجابتها بينما تجلس أم علي على السجادة الأعجمية أسفل قدمي سيدتها في غرفة نوم الأخيرة:
- عجولك إيه بس يا أم علي، العمل اللي عاملاته أم ستيت مابجاش نافع!..
خبطت أم علي على صدرها براحتها وهي تهتف في دهشة وتساؤل:
- كيف ديه؟.. أم ستيت سرّها باتع وعملاتها ما عتخورّش المايّه..
قالت راوية بضيق:
- أهو اللي حوصل... أتصرف كيف أني دلوك؟..
قالت أم علي بابتسامة مترددة:
- ما يمكن يا ستي الحاجة ربْنا يخلف الظنّ ويطلعوا بنات حلال مش كيف ما انتي خايفه!..
نهرتها راوية والتي شعرت بأنها على وشك خسارة حليفها الوحيد في هذا المنزل حتى وإن كانت خادمتها المطيعة:
- باه... عتخرّفي تجولي إيه يا وليّه إنتي؟!... يطلعوم زينيين كيف وأمهم ألفت؟!.. وبعدين ماواعياشي لطريجتهم في الحديت ولا ضحكهم، وكله كوم ولبسهم الماسخ ديه كوم تانيْ!.. أني كنت رايدة لولادي ابنتّه من حدانا اهنه عارفاهم زين وخابره تربايتهم كيف شكلها، لكن بنات البندر دولم هعرِف منين أني ان كانوا زينين ولا شينين؟.. دولات ولاديْ وأني أمهم يعني أني الوحيدة المفروض تجول آه ولا لاه على الرايدين يتزوجوهم، مش كيف ما عملوا وأنغصب أني أجبلهم، بذمِّتِكْ يا أم علي ما شايفاشي لبسهم كيف؟.. أني مستغْرِبَه كيف شهاب وغيث سايبينهوم إكده من غير ما يجبروهم أنهم يتغطُّوا؟.. واتجوليلي عيطلعوا زينين؟.. الجواب بيبان من عنوانه يا أم علي..
أم علي وقد اقتنعت بوجهة نظر سيدتها:
- تصدجي يا ستي الحاجة عنديكي حاج، صحيح.. لبسهوم أني ذات نفسي اللي اسمي مَرَهْ كبيرة لمن بشوفهم بانكسف لهم، لاه.. عنديكي حاج يا ستي الحاجة..
وسكتت أم علي لتتابع بعد ذلك بسذاجة جاهلة بأن حديثها سيكون بمثابة صب الزيت على النار وسيفتح بابا لن يُسد بسهولة:
- أني لساتني حتى جبل شوية لمن شوفت ست الدَّكتووورة وهي راكبة الترموبيل مع جدع إكده ربّك والحاج.. استعجابت!..
قطبت راوية وقاطعتها وهي تسأل بريبة:
- انتي عتجولي إيه يا ولّيَّه؟...، هزت أم علي رأسها بالايجاب وهتفت:
- إيوه يا ستي الحاجة... ست سلمى نَضَرْتها وهي راكبة الترومبيل مع جدع أني شوفته جبل إكده... بس مافاكراشي فين؟..
ثم قطبت وهي تحدث نفسها وتخبط بسبابتها على صدغها:
- فين يا أم علي فين؟..
كانت راوية تتابعها بتساؤل ولهفة حتى هتفت أم علي بظفر:
- إيوه.. افتكرت.. الجدع الدَّكتووور اللي جِه حدانا إهنه وكانوا بيجولوا انهم يّعرِفوه من زمان..
راوية بتقطيبة:
- جصدك الدّكتوور كريم؟...، هتفت أم علي:
- إيوه.. هوّ ديه.. الدّكتووور كريم!!..
لمعت عينا راوية بلمعة ذئب قد وقعت فريسته في الشّرك، وابتسامة شيطانية ارتسمت على وجهها الأسمر ليصبح وجها بشعا مخيفا للكراهية مجسّدة!!!..
- ماما وحشتني أوي يا سلمى....
هتفت سلافة بهذه العبارة لسلمى شقيقتها وهي تحادثها في الهاتف، لتجيبها الأخيرة:
- وأنا كمان، بابا وماما وحشوني جدا، ان شاء الله يخلّصوا العمرة ويرجعوا لنا بالسلامة..
سلافة بتنهيدة عميقة:
- ان شاء الله، تصدقي ما فاتش الا اربع ايام بس من يوم ما سافروا وبيتهيألي انهم اربع اسابيع!.. المهم عامله ايه انتي مع الحيزبون؟..
سلمى تنهرها:
- يا بنتي عيب كدا، مهما كان دي اسمها أم جوزي وجوزك ومرات عمك بردو...
شخرت سلافة باستهانة وقالت:
- بس، بس.. هتفضلي عبيطة كدا طول عمرك، دي مش بس حيزبون لا والعجوز أم منقار كمان، أنا بحمد ربنا أني سافرت اسكندرية مع غيث وهو بيخلص شغل ليهم، اترحمت من سحنتها شوية..
سلمى بعتاب:
- بردو يا سلافة، مش عاوزة تبطلي؟.. عموما يا ستي الحمد لله أنا في حالي وهي في..
قاطعتها سلافة بجدية:
- في حالك بردو!!!!...، قطبت سلمى وتساءلت:
- إيه؟... يعني إيه هي في حالي بردو دي؟..
سلافة بصبر:
- يعني هي مش هتسيبك في حالك يا سلمى، وخلي بالك منها كويس أوي، مش معنى أنك مقتصراها خالص انها هتبعد عنك، انتي مش فاكرة وماما بتسلم عليها وهي مسافرة انها سلمت عليها ببرود من طراطيف صوابعها وقالت لها معلهش أصلي عندي برد!!... برد!!!.. الهي وانت جاهي يجيلها برد وحر سوا يعملوا عندها قافلة ما تقوم منها!!!!.
زجرتها سلمى عاليا:
- بقولك ايه يا سلافة لو مش هتبطلي طريقتك دي أنا هقفل، انا مش مستعدة أني أخد ذنوب من وراها، 100 قولتلك مالكيش دعوة باللي بين الكبار، هي لغاية دلوقتي ما أذتناش في حاجة، ولا حتى أذيت ماما، كونها بقه بتسلم ببرود ولا بتتكلم من تحت الضرس دي حاجة منقدرش نقول فيها حاجة، طالما ما واجّهتش إهانة لينا او لماما يبقى خلاص..
سلافة بجدية:
- خليكي كدا يا سلمى لما تتقرصي منها، أنا قلبي دليلي وسبحان الله اللي بحس بيه بيطلع صح على طول، ومن أول يوم شوفتها فيه وانا مش مرتاحالها، انتي نسيتي انها كانت معارضة جوازنا من ولادها؟.. سلمى نصيحة من أختك الصغيرة.. أنتي يمكن الكبيرة لكن طول عمرك وسط كتبك ومراجعك ومن المستشفى للبيت، أنا ليا خبرة بالناس واحتكيت بيهم أكتر منك، خلي بالك منها، اوعي تأمني لها، ودايما صارحي شهاب بأي حاجة، اوعي يا سلمى تخبي عليه حاجة لانها لو عرفتها بالصدفة صدقيني هتعملك حفلة عليها وجوزك معلهش مندفع، ما تزعليش مني أنا عارفة شخصية شهاب، لانه للأسف نفس التسرّع اللي عندي والاندفاع، خلي بالك يا سلمى..
سلمى وقد بدأت تشعر بالقلق من حديث شقيقتها الصغرى:
- حاجة إيه اللي أصارح بيها شهاب يا سلافة؟.. أنا عمري ما خبيت عليه حاجة..
سلافة بجدية مطلقة:
- شهاب عرف بموضوع كريم انهرده؟..
سلمى بتقطيبة:
- لا.. أنا لسه مروّحتش، وأكيد كنت هقوله أول ما أشوفه، المفروض أنه هيفوت عليا هنا في العيادة لكن اتأخر، عموما أنا لما أروح هقوله..
سلافة بإصرار:
- لا.. تكلميه حالا دلوقتي في الموبايل وتقولي له، اقفلي مني وكلميه يا سلمى، أرجوك.. انتي مش ضامنه الحيّة اللي انتي عايشة معاها دي ممكن تعمل إيه؟..
تأففت سلمى وهتفت:
- يوووه.. تاني يا سلافة؟!.. بصي أنا فعلا هقفل لأنك قلبتي دماغي.
وأنهت المحادثة الهاتفية، وشردت قليلا وسرعان ما استعادت هدوءها وهي تتمتم:
- ربنا يسامحك يا سلافة، قلقتيني على الفاضي، أنا متأكدة انه الموضوع بسيط وأول ما أروح أن شاء الله هقول لشهاب، وشهاب بيثق فيا مهما حد قاله عمره ما هيصدق حاجة إلا لما يسمعني الأول!..
ولكنها كانت كمن يطمئن نفسها بينما داخلها وخز ينبئها بأن أختها أبدا لم تضّخم الأمور... وأن قلقها في محله!...
************************************
- انتي بتقولي ايه يا أمي؟....، هتف شهاب بذهول في حين اقتربت منه راوية بخطوات واثقة ووقفت أمامه مكررة قولها بجدية:
- عجولك الجدع اللي اسميه كريم ديه جه اهنه ومراتك خرجت امعاه!...
ذهل شهاب ولم يجد جوابا للسؤال الواضح في عيني والدته ليزدرد ريقه بصعوبة ثم تحدث بصوت أجش:
- اكيد عاوزها في حاجة مهمة..
راوية وهي تنظر اليه بتركيز فيما تنفث السم في أذنيه وابتسامة سخرية صغيرة تشكّلت على طرف فمها الذي يقطر سُمًّا:
- هي جالتلك؟.. استسمحتك انها تُخرج امعاه؟... ، نظر اليها بحدة وريبة فعلمت أنها لا بد وأن تغير من طريقتها معه كي لا يشك في نواياها، فشهاب ليس كغيث، فهو سريع الانفعال وحاد، لذا ارتأت المداهنة فخفضت صوتها مسبغة عليه رنة خوف زائفة وقلق وهي تردف:
- يا ولديْ أني عارفة ان مراتاك لساتها ما اتعاوّدت على طبْعِنا وعاوايدنا، لكن برضيكي أني ما يرضينيشي ان حد من اهل البلد يشوفوها وهي ماشية امعاه.. عيجولوا إيه وجتها؟...، ليهب صارخا:
- يعني ايه ماشية معاه دي؟.. جرى ايه يا أمي؟....
ترقرقت دموع التماسيح في عينيها وهي تقول بأسف زائف وحزن:
- بتزعّج لي يا ولدي واني رايدة موصلحتك انت ومراتَك؟... زفر شهاب بضيق ومال عليها مقبلا رأسها وهو يعتذر قائلا:
- معلهش يا أمي ما تزعليش، حقك عليا، بس أكيد فيه سبب يخلي سلمى تعمل كدا!..
كادت تنفخ بضيق فهذه الـ سلمى تبدو قد تمكّنت من ولدها تماما، فهذا ليس شهاب ابنها الذي كان دائما فعله يسبق تفكيره، فهو انفعالي بالدرجة الاولى، ولكنها لن تكون راوية ان لم تجعله يهب كالاعصار عليها!!.
تظاهرت بالاقتناع وهي تقول:
- عنديك حج يا ولديْ، لازمن فيه سبب ايخليها اتروح امعاه المركز، اني بس كُت خايفة لمّن الناس ايشوفوها وهي راكبة امعاه عيجولوا ايه؟...
ليحدق فيها شهاب بشدة في ذهول أول الامر قبل ان يهدر صائحا:
- ايه؟.. راكبة معاه؟.. سلمى ركبت مع كريم العربية؟..
راوية وهي تتظاهر بالدهشة من انفعاله:
- إيوة يا ولديْ، وبصراحة إكده.. أني سمعتها وهي بتحدته في التَّلفون وكات بتجوله انه المشوار مش عياخد كاتير، بس ما كوتش خابره انهم عيتكلموا على خروجتهم سوا!!..
فمن سوء حظ سلمى ان راوية كانت قد سمعت طرفا من حديثها في هاتفها المحمول وطرق اسمه سمعها وما ان علمت من ام علي ان سلمى قد خرجت برفقة كريم حتى نسجت لعبتها الماكرة وأحكمت خطتها للايقاع بين ابنها وابنة ألفت!!..
احمرّت عينا شهاب لتصبح بلون الدم، وما ان همّ بالكلام حتى قاطعه صوت سلمى المرح وهي تدلف الى الداخل، والتي ما ان رأته حتى تقدمت ناحيته وهي تهتف بفرح لرؤيته:
- شهاب حبيبي.. حمد الله على السلامة..
ثم تعلقت بعنقه ورفعت رأسها لتقبله على وجنته كما اعتادت ليبتعد بوجهه عن مرمى قبلاتها فقطبت ثم لاحظت وقوف راوية جانبا وكانت قد ابتعدت لدى رؤيتها لسلمى وهي تدخل، فاعتقدت سلمى ان برود شهاب راجع الى وجود والدته فاحترامها واجب، فابتسمت وهي توجه تحيتها لوالدته قائلة:
- ازي حضرتك يا طنط؟..، ابتسمت راوية ابتسامة صفراء وهي تجيبها:
- الحمد الله زينة.. انتي كيفك يا بتِّي؟..
قاطعهما صوت شهاب الذي هدر بعنف:
- كنتي فين يا سلمى؟... ، نظرت اليه سلمى مقطبة وقالت:
- يعني ايه كنت فين؟.. كنت في المركز...
نظر اليها بحدة مردفا:
- ليه؟.. ويا ترى كنتي لوحدك؟...
سلمى بريبة:
- انا مش فاهمه ليه الأسئلة دي كلها؟.. هو تحقيق؟.. عموما كنت في المركز بقضي مصلحة، ارتحت ؟.. عن إذنك...
وتركته واستدارت منصرفة حين انطلق صوته آمرا من خلفها:
- سلمى!!!!... ، لتتيبّس في وقفتها فيما تراقبهما راوية وابتسامة جذل تتراقص بين مقلتيها، تقدم شهاب منها واستدار ليقف أمامها وهو يهتف بشراسة من بين أسنانه:
- الست المتربية ما تسيبش جوزها وهو بيتكلم وتمشي يا هانم!... هو سؤال واحد.. كريم كان هنا بيعمل ايه؟....
لتظهر الصدمة جلية على ملامحها ثم تنقل نظراتها بينه وبين حماتها تلك العقربة التي حذرتها منها أختها قبل قليل وكانت هي من الغباء والسذاجة أن نهرتها بعنف، لتتحقق مخاوف أختها من أن راوية تقف لها بالمرصاد ولا بد أن لها يد في حدة شهاب واتهامه الصارخ في طريقة كلامه معها، والتي ترفضها شكلا وموضوعا، تنفست بعمق ثم تحدثت ببرود وصوت ميت:
- سؤالك كنت ممكن أجاوبك عليه لو كان استفسار عادي، لكن صوتك فيه تلميح واتهام انا مقبلوش، وعشان كدا.. أنا آسفة.. أنا أرفض طريقة كلامك معايا بالاسلوب دا، وغير كدا دي حاجة خاصة بكريم مش بيّا فمش من حقي أني أقولها!..
فتتدخل راوية هاتفة بخبث لتصب الزيت فوق النار:
- خاصّة بيناتك انتي وكريم دِه؟...
سلمى بجمود:
- تمام .. بيني وبينه!....
حدق فيها شهاب بغضب مخيف بينما أسود وجهه وهو يصرخ بها:
- ايه؟.... انت اتجننتي؟!!!!!!!!!! ..
سلمى وقد بدأت تشعر بالاختناق:
- ولا كلمة زيادة بعد كدا يا شهاب، انت مش في وعيك دلوقتي..
ليعاجلها بجنون:
- قصدك ايه؟.. إني مجنون؟...
لتتقدم إليه وقد تصدعت قشرة برودها بسبب اتهاماته المجحفة بحقها ونظرة التشفِّي الواضحة التي تراها في عيني أمه في حين قد عميت عيناه هو عن ملاحظتها، وقفت أمامه وهي تهتف بانفعال خارج عن ارادتها:
- والله اللي تحسبه بقه.. أنت أدرى بنفسك!!.. مجنون ولّا.....
ليقاطعها بصفعة مؤلمة جعلتها تصرخ ألما وهي تطالعه بأسى وذهول وما لبثت أن هتفت صائحة:
- مش ممكن هستنى معاك دقيقة واحده بعد كدا، انت مجنون فعلا، طلقني يا شهاب.. طلقني!!!!!!..
ما ان سمعتها راوية حتى كادت تزغرد فرحا فها هي أولى بنات ألفت قد نطقتها والبقية تأتي يا بنات ألفت!!..
ولكن صوت قوي رغم عمر صاحبته التي تخطت الستين صدح عاليا وبقوة:
- إيه اللي بسمعو ديه؟...
نظرت سلمى تجاه الصوت لتبصر جدتها فركضت إليها وارتمت بين ذراعيها وهي تجهش ببكاء حار وتهتف برجاء وحزن يقطع نياط القلوب:
- الحقيني يا ستّوُ، أنا مش ممكن أستنى ولا دقيقة واحده كمان هنا..
احاطتها جدتها بحنان وقالت بهدوء في حين رمت شهاب بنظرة غاضبة وراوية بأخرى سوداء غامضة:
- باه... ايه الحديت ديه يا بتّي؟..
رفعت سلمى وجهها اليها وقالت وهي تشهق بعنف بينما دموعها تغرق وجهها:
- أنا اتضربت واتهنت يا ستُّو، عمر ما حد مد إيده عليّا لا بابا ولا ماما، وزعيق وطريقة كلام وتلميحات أنا مقبلهاش، أنا مش ممكن هستنى هنا، أرجوكي يا ستو خلّيني أمشي من هنا...
ليهدر شهاب بغضب ينافي الخوف الذي احتل قلبه ما ان سمعها وهي تصرخ طالبة الطلاق:
- انتي اتجننتي؟.. مش هتتحركي خطوة واحدة من هنا يا سلمى، وانسي الكلمة المجنونة اللي انتي قولتيها دي، ولو زودتي في الكلام رجلك مش هتخطي عتبة البيت ولا اضطريت أني أحبسك.. هحبسك!!!.. ايه رأيك بقه؟...
هتفت الجدة بحدة:
- شهاااب!!!.. اتجنيت إياك!!.. ليه ان شاء لله.. معنديهاشي عيلة وعزوة يوجفولك؟.. انت اتخبطت في نافوخك ولا ايه؟.. ديه بدل ما تحب على راسها وتستسمحها تجوم اتجول إكده؟...
تأفف شهاب وقال:
- يا جدتي انتي مش عارفة اللي حصل..
قاطعته هاتفة:
- مهمن كان... متوصلشي بيك المواصيل انك اتمد يدك على مراتك، ودلوك اتفضل جودامي على داري لمن أشوف آخرتها مع اجنانك اللي انتي مش ناوي اتودّرُه ديه إيه...
هتفت سلمى برجاء:
- أرجوكي يا ستّو.. أنا مش قادرة أستنى دقيقة واحده بعد كدا أنا...
ليهتف شهاب بحدة بينما يتقطع داخله ما أن لمح علامات أصابعه فوق وجنتها الناعمة حيث كاد يجذبها بين أحضانه ليقبل وجنتها ويرجوها أن تسامحه:
- ما تعصبنيش يا سلمى، انتي مش هتتنقلي من هنا...
الجدة بصرامة:
- أني جولت ايه يا شهاب؟.. مش جولت ما رايداشي أسمع صوتك دلوك؟!...
ثم أشارت لسلمى قائلة بابتسامة خفيفة:
- تعالي يا بتي الله يرضى عنيكي، واطمّني.. اللي عيرضيكي أني هعمله....
هتف شهاب بهلع:
- جدتي...
لتنهره بنظرة زاجرة، فتقدمها كلا من شهاب وسلمى وسارت هي خلفهما حتى إذا ما أصبحت بمحاذاة راوية التي تابعت الحوار الذي دار بين ثلاثتهم فيما ينتفض داخلها خوفا من الجدة، اذ بفاطمة تميل ناحيتها وهي تقول بخفوت ولهجة تحذير واضحة تلون صوتها:
- إياكي تتحركي من اهنه، هخلص امعاهم وبعدها ليا جاعده امعاكي يا... مرات ولديْ!...
-------------------------------------------------
جلست الجدة تقلب نظراتها بينهما، كانت سلمى تشيح بعينيها بعيدا عن شهاب الذي كان وكأنه يجلس فوق مقعد من شوك!
خرقت الجدة الصمت السائد بقولها:
- يعني حسب اللي سامعتو منيكو انتو التنيين ان المشكلة أنه سلمى خرجت مع كريم من غير ما تجولك صوح يا شهاب؟..
ليرد الاثنين في نفس واحد:
- سلمى: لا...
شهاب: آه..
هتفت الجدة بصرامة:
- بكفاياكو عاد!!!... ، ثم تنهدت عميقا قبل أن تردف موجهة حديثها الى سلمى بحنان أمومي:
- سلمى يا بتّي جوزك من حجّه يّعرِف انتي روحتي فين وجيتي منين..
هتف شهاب بظفر:
- شوفتي!.. عندي حق أهو..
نهرته الجدة:
- باه.. بكفاياك جولت!..
سلمى بعتاب للجدة:
- انا ما اعترضتش انه من حقه انه يعرف يا ستّو، لكن مش من حقه انه يزعق لي بالشكل دا ومش من حقه يكلمني بتلميح انا ما اقبلوش وانا شايفه نظرات شك واتهام في عينيه، ولا من حقه أنه... يضربني يا ستُّو!!!...
لتنهار في البكاء الذي حاولت صدّه كثيرا، كاد شهاب أن يقفز من مكانه ليحتويها بين ذراعيه حينما منعته نظرة قوية من الجدة التي قالت بحنان بينما تحتوي سلمى الجالسة بجوارها على الاريكة القماشية الفاخرة:
- بكفاياكي بُكا يا بتّي.. عينيكي الحلوين دولا عيدبلوا يا نضري..
أجابت سلمى من وسط شهقات بكائها الحار:
- مش قادرة يا ستّو، أول... أول مرة حد يمد إيده عليّا، ومش أي حد.. دا.. جوزي، الانسان اللي بابا أأتمنه على بنته، ومش بس كدا دا بيشك....
هدر شهاب مقاطعا لها وهو ينتفض واقفا من مقعده بجوار الجدة:
- إياكي تكمليها يا سلمى، أنا مش ممكن أشك فيكي، ولا للحظة واحدة حتى...
رفعت سلمى رأسها بعيدا عن كتف الجدة ونظرت اليها بعينيها الذابلتين وهي تجيب باكية:
- أومال طريقتك معايا دي اسمها ايه يا ابن عمي؟.. نظراتك ليا والشك اللي في صوتك وآخرتها تمد ايدك عليا، كل دا تسميه إيه؟..
اقترب منها شهاب بينما الجدة تطالعه بقوة فيما سلمى تراقب تقدمه نحوها بتقطيبة غضب عميقة، قال شهاب وهو يميل ناحيتها:
- أسميه لحظة غضب مجنون، أسميه اني انفعلت لما عرفت بخروجك مع راجل غريب من ورايا، أسميه أي حاجه إلا أني أشك فيكي!...
ابتسمت سلمى بسخرية وهي تقول:
- راجل غريب!.. انت عارف كويس أوي انه كريم...
هتف مقاطعا:
- عارف، والله عارف، لكن الناس مش عارفة، الناس اللي شافوكي وقالوا لمـ....
وسكت باترا عبارته، لا يريد إقحام والدته في الأمر، ولكن التقطت الجدة الاسم من فوق طرف لسانه، لتضمر أمرا في سرها، والتفتت الى سلمى تقول بجدية زائفة:
- باه... وبعدهالك يا بت رؤوف، ما جولنا انه غلطان، لكن انتي كومان غلطانه انك ما جولتليلوشي جبل ما تروحي مشوارك ديه، وانت يا باشي مهندز.. حسّك عينك يدّك تنمد عليها مرة تانية.. ولا جسما عظما لا اكون جايله لكَبيركم.. وانت خابر جدك عبد الحميد زين، ما عيحبش الحال المايل..
هتف شهاب وابتسامة ترتسم على وجهه:
- توبة يا حاجة لو مديت ايدي تاني..
ابتسمت الجدة وقالت لسلمى:
- خلاص.. جلبك أبيض، سامحيه النوبة ديْ..
سلمى برفض تام:
- لا... مش ممكن...
هتف شهاب وهو يشير اليها:
- شايفه يا حاجة...، مش كفاية اني لسه معرفتش هي خرجت معاه ليه؟..
أجابت سلمى بحدة:
- مع أنه شيء خاص بكريم لكن هقولك، كريم كان رايح يقابل عمي عثمان بخصوص حتة الارض بتاعتكم اللي في أول البلد..
شهاب بتقطيبة حائرة:
- ايه؟.. يقابل بابا!!..
سلمى بمرارة:
- آه.. أول مرة كريم جه هنا وشاف الارض عجبه المكان أوي وعرض على جدي وعمي عثمان فكرة مستشفى شامل كل التخصصات لعلاج الناس في البلد هنا والبلاد اللي حوالينا، وفي فرحنا عمو نبيل والد كريم فتح الموضوع مع جدي بعد ما عمي عثمان قاله لازم ناخد رأيه، وجدي اتحمس أوي للمشروع..
شهاب بتساؤل:
- ودا في ايه خاص مش عاوزة تقوليه؟..
سلمى بسخرية:
- عشان عمو نبيل وكريم داخلين شركا مع عمي عثمان وجدي، والمشروع دا خيري أكتر منه تجاري، يعني حاجة لله، يعني المفروض صاحبها بس هو اللي يقول لو حب، وبما أني عارفة انه ممكن جدا عمي نبيل يرفض حد يعرف عشان ياخد الثواب كامل ما كونتش عاوزة أقول، واللي حصل انه كريم جه انهرده حسب معاده مع عمي عثمان، ولأنه ميعرفش مكان الديوان فين اتفق مع عمي عثمان أني أنا اللي هوديه وأنا رايحه العيادة بتاعتي..
شهاب بتلكؤ بسيط:
- يعني بابا...\
أكملت ساخرة:
- أيوة!.. يعني عمي عثمان عارف أنا كنت فين ومع مين وركبت مع كريم ليه!..
شهاب باعتراض واه:
- كان ممكن يقول لي انا أو حد من الغفر أحسن ولا أنك تتعرضي انه حد يشوفك!..
سلمى بحدة وقد غاظها عناده الاحمق:
- لانه كريم كان جه فعلا، ولأني أنا سلمى الخولي بنت عيلة الخولي اللي محدش يقدر يجيب سيرتها بربع كلمة، ولأن الناس شافوني وأنا مع كريم ومع عمي عثمان في الديوان، وأنا اللي قلت لعمي ما فيش داعي لأي قلق أنا هوديه الديوان وأنا رايحه العيادة كدا كدا دا طريقي.. بس لأسف ما عملتش حساب انه جوزي هو اللي هيتكلم عليا ويشك فيا!!..
هتف شهاب بحنق:
- بردوه تقول بيشك فيا!!... افهمي.. أنا...
قاطعته الجدة بجدية:
- شهاب.. خلاص.. أديكي افهمت الحجيجة عشان ماتوبجاشي تتسرّع بعد إكده.. ممكن بجاه تهمّلنا دلوك؟..
أراد الاعتراض ولكن نظرة واحدة من الجدة اليه جعلته يتراجع ويتمتم معتذرا ثم انصرف من فوره مغلقا الباب خلفه...
التفتت الجدة الى سلمى بعد انصراف شهاب وقالت:
- شوفي يا بتي... الكلام اللي عجولوه دلوك مش عشان أني في صف شهاب، أبدا... يعلم ربنا غلاوتك انتي واختك في جلبي لو اجولك أغلى منيه هو غيث يمكن معتصدجنيش...
سكتت قليلا لتضمن إنصات سلمى لها ثم أردفت:
- اسمعيني زين يا بتي.. جوزك جلبه أبيض، عصبي حبتين وحِمَجي تلات حبّات لكن من جواته أبيض كيف الجوطن تومام، لو راجل غيره كان زماناته لف ودار عليكي لكن شهاب اللي في جلبه على لسانَه، عرف حاجة ضايجته منيكي جام باخِخْها في وِشِّك في وجْتها.. جوزك بيحبك وبيخاف عليكي، ما تضيعيشي حبه من يدّك...
سلمى وبقايا بكاء لوّنت صوتها:
- أيوة يا ستّو بس...
الجدة بحزم:
- انتي بتحبيه ولا لاه يا بتي؟...
سلمى وهي تهرب بعينيها:
- دا جرحني يا ستو أوي...
كررت الجد بصرامة أقوى:
- بتحبيه ولا لاه؟....
سلمى وهي تتنهد بعمق وتنظر اليها معترفة بضيق:
- أيوة يا ستو، بس مش عاوزة حبي له يخيليني أتحمل اهانة وبهدلة أكتر من كده..
الجدة بقوة:
- ما عاش مين يبهدلك ولا يّجل بيكي، سلمى يا بتّي جوزك هو عزوتك وسندك، هو كرامتك، مش أي واحدة جوزها يُضربها تجوم جايلاله طلجني!!!.. كلمة الطلاج ديْ كلمة وعرة جوي، ما اتعوديشي لسانك عاليها... انتو لساتكو في الاول ويا ما هيمر بيكو حاجات.. لو كل مرة جولتيلو الكلمة الشينة ديْ هياجي في مرة منيهوم ويحججهالك فعلا.. وجتيها يبجى ازي الحال؟...
سلمى بضيق وقد بدأ كلام الجدة يلقى صدى في نفسها:
- يعني أسامحه على طول كدا يا ستو ولا كأنه عمل حاجة؟..
الجدة وهي تبتسم رافعة حاجبها:
- مين اللي جال إكده؟... غلطته امعاك من حجك انك تاخدي بحجك منيه تالت ومتلّت وكيف ما انتي عاوزه ... بس وانتي في دارك، وبابك مجفول عليكي انتي وهو، مافيش مخلوج يعرف بيناتكوم إيه، عرِّفيه غلطه بطريجتك وخلّيه يجول ان الله حاج... بذكاء يا دكتوورة...
ابتسمت سلمى ومسحت دموعها وهي تطالع ابتسامة الجدة الماكرة وقد فهمت ما ترمي اليه فتوعّدته في سرها انها ستجعله يعضّ أصابع الندم على ما اقترفه في حقها وأنها لن تكون سلمى الخولي إن لم تجعله يكفّ عن حدته وتهوره الأرعن ذاك!!!...
راقب شهاب سلمى وهي تخرج من غرفة الجدة وتتجه للصعود الى الأعلى فراقبها ليلحق بها فيما نظرت راوية باتجاهه ليقطع تفكيرها صوت الجدة وهي تقف أمام باب غرفتها تطالعها بنظرات صارمة قائلة بأمر لا يقبل النقاش:
- راوية... عاوزاكي اشويْ...
ودلفت الى غرفتها تتبعها راوية وهي تقدم قدم وتؤخر الأخرى...
أغلقت راوية الباب خلفها، وتقدمت تقف أمام الجدة التي جلست على مقعدها المفضل أمام النافذة، تململت راوية في وقفتها وهي تسترق النظرات الى الجدة التي تطالعها بغموض، همّت راوية بالحديث حينما قاطعتها فاطمة بجدية صارمة:
- ليه؟.. عتستفيدي إيه من اللي بتعمليه ديه يا راوية؟..
تصنعت راوية عدم الفهم وأجابت:
- جصدك إيه يا عمة الحاجّة؟...
الجحدة بصرامة:
- انتي فاهمه زين أني بتحدت عن إيه..
راوية بعدم فهم زائف:
- لاه يا عمّة... ما عارفاشي..
نهضت الجدة واقفة وتقدمت اليها لتقف أمامها تطالعها قليلا بنظرات حادة قبل أن تهمس لها بشرّ:
- شوفي يا راوية... أني خابراكي زين، وعارفة اللي في جلبك من ناحية ولدي رؤوف ومرتو وبناته التنيين، لكن توصل بيكيّ انك تخربي بيت ابنك ابيدك يبجى وجتها ما عسكوتلكيشي واصل... هي كلمة ومش هتنِّيها... اجصري شرّك عن ولادك انتي جبل نساوينهم يا راوية.. انتى مش عتخربي بيت بنات ألفت لاه.. انتي عتخربي بيت اولادك.. واني ما عجفش أتفرج عليكي... لو حوصل منيكي حاجة تانية وجتيها مش أنا اللي عجف لك، ولا جوزك.. لاه.... كبيرنا هو اللي عيجف لك... كبير العيلة... الحاج عبد الحميد الخولي، وأظن انك تعرفي الحاج عبد الحميد غضبه بيكون عامل كيف...
همست راوية:
- عارفة يا حاجة لكن...
قاطعتها الجدة رافعة يدها بصرامة:
- خلاص يا راوية.. ما عاوزاشي كوتر حديت، روحي دلوك، وعجلك إفـ راسك تعرفي خلاصك..
انصرفت راوية تاركة الجدة وهي تزفر وتدعو الله في سرها ان يبعد عن كنّتها شيطانها بينما وقفت راوية خلف الباب بعد أن أوصدته وراءها وقد كسا اللون الأسود وجهها وهي تتمتم ببغض عميق:
- بجه أجف كيف العيّل الصغيّر جودام عمتي الحاجة من ورا راسك انتي يا ألفت انتي وبناتك! ( ناسية أو متناسية أن حديث الجدة الصارم لها من جراء أفعالها السوداء ولكنها الكراهية التي ملأت قلبها من ناحية ألفت وابنتيها) ... لكن لاه.. ما ابجاش راوية أما خليتكو تعاودو مكان ما جيتو.. انتي وبناتك وجوزك... وبكرة تشوفي راوية تجدر تعمِل إيه...
وبرقت عيناها بشر مستطير!!، بينما هناك.. في الأعلى.. كان شهاب يواجه عاقبة ما صنعته يداه وهو يقف متطلعا الى باب غرفة النوم الموصد في وجهه بعد أن أصدرت سلمى حكمها بأن ينام في غرفة الأطفال.... إلى إشعار آخر!!!!!!!!
الحلقة الثانية و الثلاثون
(كبير العيلة (منى لطفي
جلست سلافة أمام سلمى فاغرة فاها مما سردته الأخيره على مسامعها، لتقفز واقفة وهي تهتف بحنق شديد:
- وانتي ازاي تسكتي على اللي عملته؟.. انتي عارفة حجم الكارثة اللي اتسببت لك فيها؟.. دي شككت فيكي، خليت جوزك يشك فيكي، يا ريتها حطي تلك ملح في الاكل اللي انتي طبختيه مثلا.. لا!!!... دا عرض وشرف خاضت فيه، الست دي لازم يتوضع لها حد!..
نهضت سلمى وهي تحاول أن تهدأ سلافة قائلة بهدوء حزين:
- هدِّي نفسك يا سلافة، أنا طبعا عارفة ومتأكد هان اللي عملته مش شوية ، لكن لو كان الانسان اللي قودامها عاقل ومتزن ما كانش فيه حاجة حصلت، الغلط شهاب يتحمل له وأكتر منها كمان، طيب هي ومن أول لحظة لينا في البلد وهي بتكرهنا هو بقه عذره ايه انه يصدقها؟.. وخلي بالك يا سلافة دي مش أول مرة شهاب يعملها، فاكرة أيام الحادثة والمستشفى؟.. مش سبق وشك فيا ووقتها كلكم قلتوا لي انه معذور الفيديو اللي راح له وحالتي النفسية السيئة أيامها، وللأسف اقتنعت بعذره وبكلامكم لكن اللي عمله دلوقتي مالوش لا عذر ولا مبرر عندي...
نظرت اليها سلافة بتساؤل مقطبة:
- يعني ايه يا سلمى؟..
هزت سلمى برأسها وأجابت بغموض:
- أنا ما اتعودتش آخد قرار من غير تفكير، لازم أوزن النتايج كلها، وفي وسط دا كله أنا بردو مش قادرة أشوفه قودامي، احنا من يومها مش بنكلم بعض كلمتين على بعض، اكتر من خمس ايام وكل اللي بيننا كلمات بسيطة لما بيصادف ونكون معهم تحت، وحتى دي بقيت بتهرب منها، مش قادرة أشوف أمه يا سلافة، أد كدا كرهها لينا مالي قلبها؟.. ازاي قدرت تخطط وترسم وتقول كدا عليّا؟.. دا قذف محصنات، وهي عندها بنت، ما خافتش اللي بتعمله معانا ربنا يترد في بنتها؟.. سلسبيل طيبة وربنا يعلم أنا بحبها أد إيه وما اتمنى لهاش حاجة وحشة لكن داين تدان... شيطانها شاطر أوي كدا لدرجة انها عامية عن كل حاجة إلا أذيتنا وخراب بيوتنا اللي هو في الاساس بيت ولادها؟..
زفرت سلافة بحنق وهي ترى عيني أختها تمتلآن بالدموع وقالت بغيظ من بين أسنانها وهي تحتضن كتفيها مربتة عليها:
- أقولك إيه بس، أصل فيه ناس كدا بينسوا ربهم والكره والحقد اللي جواهم بيخلوهم مش شايفين ولا سامعين غير شيطانهم وبس، لكن على أد ما انا زعلانه من اللي عمله شهاب فبردو عاوزاكي تحطي في دماغك حاجة واحده بس، حماتك استغلت اندفاع شهاب الاعمى وحبه ليكي وغيرته المجنونة عليكي، لكن ما أعتقدش انه شهاب شك فيكي لسبب بسيط جدا لو فعلا كان شك ما كان أي كلام هيخلي الشك اللي جواه دا يروح، شهاب اتصرف وكالعادة من غير ما يدي فرصه لنفسه انه يفكر الاول، وخصوصا انه الكلام وصل له من أمه، يعني عمره ما هييجي في باله مهما كانت أمه مش بتحبك انها توصل انها تتبلى عليكي بالشكل دا، وخصوصا أنه الحرباية على كلامك بعد اللي حصل بكت بدموع التماسيح وقالت لشهاب انها مش قصدها لدرجة انها اعتذرت لك قودامه، شوفتي أكتر من كجا خبث؟... عشان تبقي تصدقيني لما أقولك انها عقربة وحيّة مع بعض، بس على مين أنا بقه اللي هكسر سمّها!!.. المهم دلوقتي اوعي تفكري تسيبي بيتك وجوزك، حتى لو انتي لسه متضايقة منه خليكي قاعده في بيتك، كفاية انها طول ما هي شايفاكي رايحة وجاية قودامها وجوزك شكله على آخره من خصامك ليه دمها هيتحرق بزيادة، بيني وبينك ومن قبل ما تحكي لي انا حاسيت انه فيه حاجة، شهاب مش طبيعي، مش دا شهاب اللي قعدته كلها ضحك وفرفشة دايما ساكت، حتى واحنا مع بعض تحت ع السفرة انا اخدت بالي انه عينيه ما اتشالت من عليكي حاسيت اني قودام واحد مراهق بيحب على روحه!!!..
وضحكت ساخرة فرمقتها سلمى بغل وضربتها بخفة على كافها وقالت آمرة:
- اتلمي، ما تتريقيش على جوزي لو سمحتي..
نظرت اليها سلافة بمكر ورفعت حاجبها الأيمن وهي تقول بإغاظة:
- يا سلام دلوقتي بقه جوزي؟.. ما انتي ما كونتيش طايقاه منش وية وبتفكري في قرارات مصيرية وكلام من المجعلص الكبير دا اللي ماليش فيه!!!!
هزت سلمى كتفيها وأجابت بغرور:
- جوزي أنا بس اللي مسموح لي أعمل فيه وأقول عليه ما بدا لي لكن حد تاني لأ، انتي ما سمعتيش المثل أدعي على جوزي وأكره اللي يقول آمين؟..
أجابتها سلافة بجدية زائفة وهي تبتعد عنها مربتة على كتف أختها:
- لا وانتي الصادقة المثل أدعي على ابني مش جوزي، لكن سمعت المثل اللي بيقول عيني فيه وأقول.. إخِّيييه!!!!!!
ليكون نصيبها قرصة من سلمى في خصرها تأوهت على أثرها عاليا قبل أن تسمعان صوت زوجيهما بالخارج حيث كانتا في شقة سلمى بغرفة نوم الأخيرة....
طرقات على الباب أسرعت سلمى بالفتح لتجد شهاب ينظر ايها بعينين مظلمتين سرعان ما انتعشا لرؤيتها وقال بهمس مبحوح فيما كانت عيناه لا تكفان على ارسال نظرات الرجاء والتوسل:
- غيث بره، ياللا عشان تحضري لنا عشا حلو كدا من ايديكي الاتنين...
قاطعت سلافة سيل النظرات بينهما أحدهما مترجية والأخرى عاتبة، لتقول وهي تبتسم تهم بالخروج:
- لالا ما تتعبيش نفسك يا سولي، احنا الغد ابتاع ماما ستو لسه ما اتهضمش...
ليسارع شهاب بالقول فهو يعلم أنه ما أن تذهب سلافة وغيث فستسرع سلمى بالحتماء في غرفتها وتركه ليقضي ليلة أخرى مسهدة كاليالي التي سبقتها:
- لالا أبدا، معقول!!.. احنا وقت عشا، ياللا يا سلمى..
ومنحها نظرة جدية لترفع سلمى حاجبها في ريبة ثم هزت برأسها قائلة:
- ربع ساعة بالكتير والعشا يكون جاهز...
قالت سلافة بابتسامة:
- وأنا هساعدك..
وبهذا قطعت سلافة على شهاب عرض المساعدة الذي كان ينتويه حيث كان عازما أيضا على استغلال هذا الوقت أسوأ استغلال ولكن لتحبط سلافة خططه كلها وتجعله يكاد يعض أصابعه غيظا!!!!!..
--------------------------------------------------
وقفت خلفه وهو يرتدي عمامته البيضاء تطالعه بعينين تشيان بعشقها لفارسها الأسمر، ابتسم لصورتها المنعكسة أمامه في المرآة والتفت اليها يقول بابتسامة:
- ايه؟.. كانِّك بتشوفيني لاول مرة!..
اقتربت سلسبيل من ليثها ووقفت أمامه لتشب على أطراف أصابعها وهي تتعلق بذراعيها في قربته هامسة بصوتها ذو النغمة المميزة:
- دايما كل بشوفك كانِّي بنضُرك لاول مرة!.. معصدجش نفسي إني مَرَتك، انك اخترتني أني عشان تعيِّشها في الجنّة ديْ..
أحاط ليث خصرها الناعم الملتف بقميص حريري أحمر اللون عار الاكتاف يبرز بياض بشرتها الواضح، همس أمام وجهها لتفلحها رائحته المسكيّة مختلطة بعطره الرجولي الخاص:
- صوح يا سلسبيلي؟.. فرحانه أنك اتجوزتيني؟..
فتحت عينيها واسعا غير مصدقة لهذه اللمحة التي رأتها!.. ففي أقل من ثانية لمحت طفلا مهزوزا يقبع خلف نظرات ليثها القوية!.. أحست برتددا ولو بسيطا يكمن في نبرات صوته القوي، فابتسمت ابتسامة صغيرة وفهمته... وعذرته!.. ، أصبح ليث بالنسبة لها كتابا مفتوحا لا تحتاج لشرح منه أو توضيح، من المؤكد أنه يمر عليه بعض لحظات التساؤل إن كانت تشعر بالسعادة الحقيقية معه، كما أنها متأكدة أن هناك سؤالا يراوده دائما يخشى من الافصاح عنه ليس خشية على احراجها ولكنه خوفا من جوابها!!!... ، هي على يقين أنه يتساءل عما إذا كانت تقارن بين حياتها معه وحياتها السابقة مع... راضي.. أخيه!!!... ، تعلم أنه بيدها وحدها بث الطمأنينة في نفس هذا الليث القاسي الذي يرعب أقوى الرجال وتهتز لذكر إسمه فقط أعتى الشوارب ولكن ما إن يغلق عليهما بابا واحدا يستحيل هذا الليث لقط أليف يخرخر سعيدا راضيا عندما تداعبه بأناملها الناعمة، أقسمت بداخلها أنها ستقضي كل يوم في حياتها معه وهي تثبت له أنه لا مقارنة بينها اليوم وبين ما كانت بالامس، فسلسبيل الامس قد ذهبت ما أن دق قلبها له هو، حيث ولدت على يديه سلسبيلا جديدة... سلسبيله هو!!...
رفعت عينان تنضحان بعشق سرمدي وأجابت وقد وضعت كل حبها في صوتها لتظهر نبرة الصدق واضحة لا ريب فيها:
- أني مش فرحانه إو بس، لاه!!... أني بشكر ربي كل ليلة وفي كل وجت على انه هداك ليا، انت هدية ربنا ليا يا ليثي، يا سبعي، ربنا ما يحرمني منيك ويجعل يومي جبل يومك..
ليسارع ليث بكتم فمها وهو ينهرها بقوة ان تصمت فيما قلبه قد تسارعت دقاته فرحا بما يراه من عشق خالص صاف موجه له وحده وجزعا من عبارتها التي تتمنى فيها له هو أن يعيش أطول من عمرها!!.. هل تعتقد أنه سيستطيع الحياة بعدها ولو لدقيقة واحدة؟.. طوال السنوات التي عاش فيها محروما منها بل ومن لحظة تفكير فيها كان أشبه بالنيت الحي وحده طيفها الذي كان يلمحه خطفا واحساسه بأنها معه في نفس المكان يتشاركان الهواء ذاته كان كفيلا بأن يتشبث بالحياة، ولكن إذا حدث وخلت حياته منها فلأي سبب يحيا بعدها!!... وأن حصل وكتب له الحياة فهو على يقين من أنها ستكون حيارة باردة لا طعم لها ولا لون عبارة عن أيام يقضيها حتى يلحق بها هناك... حيث يدعو الله ليلا ونهارا وفي كل صلاة أن يجمعه بها في جنته، وأن تكون هي... حوريته هناك، أو لا يقولون أن الرجل سيخير في الحور العين وإن كانت إمرأته في الدنيا صالحة ستكون من ضمنهن؟.. إذن فسيختارها هي.. إمرأته.. حبيبته.. طفلته.. حوريته في الدنيا والآخرة!...
أبعد ليث يده الضخمة عن فمها حيث ابتلعت راحته نصف وجهها الصغير وقال بغلظة:
- إياكي أسمعك اتجوليها تاني مرة يا سلسبيل مفهوم؟..
ابتسمت ورفعت وجهها اليه تقول ببراءة:
- مفهوم يا جلب سلسبيل...
تنحنح ثم قال:
- هروح أني دلوك لأني عوّجت، رايدة حاجة جبل ما أمشي؟..
سلسبيل وهي تنظر اليه بحب:
- رايداك سالم يا ولد عمي، أني بعد أذنك عروح أسلم على سلافة وسلمى وأجعد امعاهم اشوي..
ليث بجدية:
- متعوجيش، خدي الواد صابر ايوديكي ويجيبك، و حاجة تانية.. يا ريت ما تدخليش روحك في أي حديت حوصل اهناك، مالكيش صالح باللي بيوحصل بيناتهم وبين أمك من الآخر..
قطبت سلسبيل وتساءلت:
- ليه؟.. هو حوصل حاجة؟..
قطب ليث مجيبا:
- ماعارفشي بالظبِط، لكن شكله انه فيه حكاية واعرة جوي حوصلت بين شهاب ومرته غيث لمح لي بحاجة زي إكده لمن سألته عن شهاب وكيف انه متغيِّر اليامين دول، واللي فهمته انه مرت عمي ليها يد باللي حوصل، جوصر الكلام امك وغالية عنديكي ما جولتش حاجة لكن بعِّدي عن حواديتها مع بنات عمك، واضح يا سلسبيل؟. أني ما عاوزشي تكون طرف بحكاويها من الاخر...
أومأت سلسبيل وقلبها يقرع خوفا مما فعلته أمها فهي تعلم تماما مدى كره أمها لبنات عمها ورفضها لزواج شقيقيها منهما ولكنها لم تستطع الوقوف أمام إرادة الحاج عبد الحميد كبير العيلة, قالت سلسبيل بتفهم:
- حاضر يا ولد عمي..
قبلها ليث قبلة عميقة على جبهتها وابتسم قائلا:
- ربنا يخليكي ليا وما يحرمني منيكي يا جلب ليث، أفوتك بعافية..
تركها متجها للباب حين شعرت سلسبيل فجأة بتقلصات بطنها التي تشعر بها منذ أن استيقظت صباحا وقد زادت لدرجة جعلتها تطلق تأوها مباغتا حاولت كتمه كي لا يصل لمسامع ليث ولكنه كان قد سمعها وانتهى الأمر!!..
تقدم اليها بخطوات سريعه وسارع لاسنادها وقد رآها تترنح في وقفتها وهتف بخوف يقبض قلبه لأول مرة:
- باه.. سلسبيل، فيكي إيه؟..
حاولت الابتسامة من وسط ألمها وأجابت بصوت ضعيف واهن:
- ما تجلجشي إكده يا ولد عمي، تلاجيه شوية برد، أني هشرب كوباية لايسون دافية وان شاء الله هبجى زينه..
لم يقتنع ليث بكلمتها وقال:
- لاه.. اني لازمن آخدك المركز عشان الدَّكتوور ايشوفك..
سلسبيل برفض ناعم:
- لاه.. مامنوش لازمه، أني دلوك هشرب اللايسون كيف ما جولت لك وهبجى زينه إن شاء الله...
قبل ليث جوابها على مضض وقال بأمر:
- ما عتروحيشي موكان انّهاردِه، خليكي اهنه في السَّري، وأني هجول لأم ليث تاخد بالها منيك زين وتبعّد العيال عنيكي عشان تعرفي اتنامي صوح، وتجّلي في تيابك يا سلسبيل، عشان البرد ديه يخرج منيكي..
ابتسمت سلسبيل وقالت بينما كان يعاونها على الرقاد فوق الفراش:
- حاضر يا ولد عمي، بس ياللا انت بجاه عشان ما تتعوجش على مصالحك أكتر من أكده..
جلس بجانبها فوق الفراش بعد أن أحكم من وضع الغطاء حولها وقال وهو يحيط جانب وجهها الأيمن براحته الكبيرة الخشنة بينما ابهامه يتلمس حدود شفتيها:
- انتي مصالحي وحالي ومالي، هو أني عِنْدي أغلى منيكي أخاف عليه يا جلب ليث..
قبلت راحة يده بشفتيها الدافئتين لتقول بصدق شعّ من عينيها:
- ربنا يخليك ليّا يا حياة سلسبيل إنتِه...
نهض من جوارها بصعوبة وانطلق ينادي والدته بينما ترك قلبه بجوراها يحرسها داعيا الله أن يحفظها له، وفاتته تلك البسمة التي زينت ثغر سلسبيل وهي تمسد بطنها بنعومة من فوق قماش ثوب نومها الناعم وهي تدعو الله أن تكون ظنونها صحيحة، فلو صح حدسها فهي الآن تحمل ثمرة حبها هي و... الليث!!...
******************************************
طرقات خفيفة تعالت لتسمح للطارق بالدخول وهي منشغلة بقراءة أوراق في يدها واقفة بجوار مكتبها، حتى إذا رفعت رأسها فوجئت بشهاب وهو يقف أمامها بينما الباب موصد خلفه!...
وضعت الأوراق فوق سطح المكتب، ونظر الى شهاب قاطبة وهي تقول:
- خير يا شهاب؟.. فيه حاجة؟.. مش بعادة تيجي لي العيادة يعني؟...
اقترب شهاب حتى وقف على بعد خطوات منها وقال ويديه داخل جيبي سرواله الجينز الغامق:
- مضطر أجي لك هنا، مش عارف أقعد معاكي خالص، طول ما انتي في البيت يا مع جدتي يا في الاودة يا مع اختك، قلت أحاول أشوفك في العيادة يمكن أعرف أقعد معاكي براحتنا!..
سلمى ببرود وهي تستدير لتتناول الاوراق التي كانت بيدها:
- للٍأف يا شهاب انا مش فاضية دلوقتي، أنت أكيد شوفت العيادة مليانه برّه ازاي، نتكلم بعدين...
وتظاهرت بالانشغال في الأوراق بينما كان قلبها يختض بقوة ما أن وقعت عيناها عليه، تحدث شهاب ببرود مشابه لبرودها:
- مافيش حد بره، أنا مشيتهم، وقلت لمغاوري التمرجي يمشي هو كمان!!..
تركت الأوراق لتسقط منها واتجهت اليه وقد حصل على رد الفعل الذي يريده، أرادها منفعلة ثائرة وليست لوح رخام بارد كما كانت منذ شجارهما، لترتسم ابتسامة صغيرة سرعان ما أخفاها متصنعا التجهم!... هتفت به بحدة:
- انت بأي حق تمشّي العيانين بتوعي؟.. ومغاوري التمرجي كمان؟.. طب اتفضل أنت بقه حضرتك من غير مطرود، انا مش عاوزة أتكلم معاك لا دلوقتي ولا بعدين!...
وأسرعت بالاتجاه الى الباب لتفتحه لتفاجئ بأنه... موصد!!...
رفعت عينيها اليه بذهول وهي تشير الى الباب:
- انت ايه اللي عملته دا؟..
هز شهاب كتفيه ببرود وأجاب وهو يقلب شفتيه بلا مبالاة:
- عادي، عاوز أقعد مع مراتي براحتي، أظن حقي؟!..
أجابت سلمى بمرارة ساخرة:
- حقك!!.. آه فعلا كله حقك، وانت أكتر واحد بتاخد حقك أول بأول، بس يا ترى بتعرف حق الناس بقه زي ما انت عارف حقك؟...
زفر بضيق واقترب ليقف على بعد خطوات قليلة منها ووقف يطالعها وهو يقول بجدية:
- شكلك مش عاوزة تسامحيني ومش مدياني فرصة أني أشرح لك...
هتفت سلمى وقد بدأت واجهة البرود التي اعتمدتها في التصدع:
- تشرح لي إيه بالظبط يا باش مهندس؟.. تشرح لي إزاي شكيت فيا؟.. ولا إزاي حاكمتني وأدنتني وأصدرت حكمك من غير حتى ما تدي لتفسك فرصة انك تسألني الأول؟.. ولّا إزاي... ضربتني؟!!....
لتترقرق الدموع في عينيها مع كلمتها الأخيرة وتواصل بحزن شديد:
- إيدك اتمدت عليّا يا شهاب، فاكر الحادثة إياها واللي حصل أيامها؟.. وقتها وعدتني أنك عمرك ما هتزعلني وأنك مش ممكن تشك فيّا، لكن انت خالفت وعدك يا شهاب، انت شكيت فيا وأدنتني و....وضربتني يا شهاب!!!..
لينهمر السد عند آخر حرف من أحرف كلماتها فتهطل دموعها تغرق وجهها، لتستدير وتوليه ظهرها وقد بدأ صوت بكائها في الظهور فأطلق شهاب لعنة من بين شفتيه قبل أن يطوي المسافة التي تفرقهما ويمد يده ليديرها ناحيته على الرغم من ممانعتها ويحتويها بين ذراعيه في حين كالت له القبضات وهي تهتف به من بين صيحات بكائها أن يتركها، ولكنه أحكم قبضته حولها وأسند رأسها الى كتفه وهو يربت على شعرها، حتى بدأت نوبة البكاء التي داهمتها بالانحسار، فتحدث فيما يشعر بالطعنات تصيب قلبه لدى كل شهقة بكاء تصدر عنها:
- لو قلت لك أني آسف بعدد شعر راسي مش هتصدقيني صح؟...
انتظر فلم يسمع منها أي رد فواصل وهو يستند بذقنه على قمة رأسها:
- اسمعيني كويس يا سلمى وحطي الكلام دا في دماغك كويس أوي، أنا عمري ما هشك ولا شكيت للحظة واحده فيكي، لأني من الآخر لو شكيت فيكي يبقى بشكّ في نفسي، عارفة يا سلمى لو فيه ذرة شك جات في قلبي من ناحيتك عمري ما كنت هكتفي بزعيق ولا خناق ولا حتى قلم ولا قلمين!!!.. لا لا لا الراجل لما بيشك في مراته بيحول حياتها لجحيم وما في أي حاجة في الدنيا ممكن تخرّج الشك دا من جوّاه غير دليل قوي جدا وغير قابل للتشكيك فيه، أنا ومن الآخر... بغيييييير!!.. افهميها بقه!.. بغير عليكي جداااا، اذا كنت أحيانا بغير عليكي من جدي لما يشكر فيكي ولا يقول لي مراتك مافيش زيّها، جدي ها فاهمه؟.. مش هغير عليكي من الأغراب؟...
أبعدها عنه قليلا وقبض على كتفيها وأردف وهو ينظر الى عينيها اللامعتين من أثر الدموع:
- أنا... بحبك.. بعشقك... تقدري تقولي عليّا مجنون سلمى، وأنا انفعالي جدا وعصبي جدا وللأسف بعمل العملة الأول وبعدين بفكّر فيها!!!.. بس بردو أنا... بحبك جدا جدا جدا، وصدقيني وأتحداكي تلاقي حد بيحب مراته زيي كدا...
مسحت وجهها بظهر يديها كالأطفال وأجابت بحزن وهي تشيح بعينيها بعيدا:
- آه.. وايدك طويلة جدا جدا جدا!!!.. ولسانك عاوز قصّه جدا جدا جدا.. و.....
قاطعها شهاب مبتسما:
- ومجنون سلمى جدا جدا جدا!!!...
قالت ببرود وهي تحاول الابتعاد عنه:
- وبعدين فين الحب دا؟.. عندك غيث وسلافة مثلا... شوف بيحبها ازاي وبيصبر عليها ازاي، ما هي أصلها هي التانية مطيورة زيّك كدا تمام، لكن غيث ما شاء الله عليه رزين وعاقل وهادي وبيحتويها وبيتفهم عصبيتها، تصدق انت ما كان لك غير واحده مجنونة زيّك كدا!!..
نظر اليها بنصف عين ورد من بين أسنانه:
- طيب قصري بقه في وصلة الشعر اللي بتقوليها في أخويا دي بدل ما أوريكي الجنان اللي على أصله شكله يبقى إزاي ووقتها بقه مش هيبقى قلم بس.. لا لا لا مقلمة بحالها وأنتي الصادقة!!!
حدقت فيه بدهشة وهتفت بذهول وهي تشير بيديها:
- تاني يا شهاب!!!.. انت مش ناوي تحرم طريقتك دي أبدا؟.. أنا عاوزة أفهم انته تبطل امتى غيرتك المجنونة دي؟.. هو انت مش المفروض بتصالحني ولا أنت بتزعلني من أول وجديد؟...
أحاط وجهها براحتيه الخشنتين وأجابها وهو يميل عليها لينظر بعمق في غابات الزيتون خاصتها:
- أنا عمري ما هبطل غيرتي المجنونة دي، لأني لو بطلتها اعرفي اني بطّلت أحبك، وأنا مش ممكن أبطّل أحبك، بالعكس بقه حبك كل يوم بيزيد مش بيقل، وبعدين أعمل لك ايه بقولك بغييير تقوليلي أخوك!!!!.. أنتي اللي غاوية تجنينني!!..
أشاحت سلمى بعينيها بعيدا فهمس وهو يميل عليها أقرب لتلفحها أنفاسه الخشنة:
- سلمى أرجوكي.. خمس أيام من وقت ما زعلنا وأنا مش حاسس بطعم أي حاجة، بتعامليني بمنتهى البرود وكأن اللي بيننا عقد عمل مش جواز، أنا مش قادر يا سلمى، أرجوكِ بجد سامحيني، واغفري لي.. سامحي واحد مجنون وغيرته دي اللي مجنناه، لكن بردو أنتِ عنده أغلى من أي حاجة ومن أي حد، أنا.. مش عاوز عمي رؤوف ومرات عمي يرجعوا من العمرة ويلاقونا متخاصمين، أرجوكِ يا سلمى، أنا سمتعد للترضية اللي تطلبيها بس ارحميني من النوم في أودة الأطفال تعبت... بئالي خمس ايام ما دوقتش فيهم طعم النوم!!!...
نظرت اليه وقالت بهدوء:
- يعني أنت راضي بأي حكم أحكم بيه عليك؟...
افترشت وجهه ابتسامة واسعة وقد بدأ قلبه يرقص فرحا فها هي حبيبته أوشكت على مسامحته:
- أي ترضية عاوزاها حبيبتي أنا تحت أمرك...
نظرت اليه بلؤم لتلمع عينيها بمكر وهي تقول بينما تمسك براحتيه لتبعدهما عن وجهها:
- خليهم سبع ايام!!!...، قطب وتساءل:
- نعم!!.. هما ايه دول اللي أخليهم 7 أيام؟...
هزت كتفيها وأجابت ببرود وهي تبتعد عنه خطوتين الى الوراء:
- نومك في أودة الأطفال!!.. كمل الاسبوع يا باش مهندس!..
ليعتلي وجهه تعبيرا حانقا ويهتف باستنكار تام:
- نعم!!!!!!... بقولك بئالي خمس ايام ما نمتش تقومي تقوليلي خليهم سبعة!!!!!!!!1 انتي اتجننتي؟!!!!
أدارت ظهرها إليه وهي تقول بإغاظة:
- والله دا حكمي وأنت قلت انك هترضى باللي أقوله....
لينظر اليها شهاب وقد طرأت على باله فكرة مجنونة فقال بخبث وهو يتقدم ناحيتها بخطوات مدروسة:
- امممم... يعني أقضي الليلتين الجايين في أودة الاطفال صح؟...
قطبت سلمى ووقفت وقد استشعرت الخطر في نبرته الناعمة لتجيبه وقد التفتت اليه:
- آه.....، ليسارع اليها يحملها بين ذراعيه وهو يهتف بجذل:
- بس احنا دلوقتي بالنهار مش بالليل، وفي العيادة مش البيت، يعني العقاب ساري من بالليل بس، يبقى دلوقتي بقه أنا اللي أقول...
هتفت سلمى وهي ترفس بقديمها الهواء لينزلها:
- تقول ايه بس؟.. شهاب ما تتجننش!!!!!
وضعها على الاريكة الجلدية واتجه سريعا ليسدل ستائر النافذة ليحجب الغرفة عن الخارج ثم استدار سريعا اليها متجها نحوها وهو يفتح أزرار قميصه هاتفا:
- دا أحلى جنان....
رفعت سلمى سبابتها اليه بتحذير هاتفة وهي ترى نظرات المكر ونيته المبيتة تتراقص في رمادي عينيه:
- شهاب بقولك إيه بلاش...
لتضيع باقي أحرف كلماتها بين شفتيه ويسحبها معه في عالمهما الوردي حيث تعالت الألعاب النارية وتلونت السماء بألوان قوس قزح!!!!!!!!!!!...
--------------------------------------------------
كانت تجلس في غرفة الجلوس تنتظر غيث لموافاتها وهي ترغي وتزبد فقد تأخر عليها ويه تريد السفر الى القاهرة لملاقاة والديها بعد رجوعها من أداء مناسك العمرة، وكان شهاب وسلمى قد سافرا منذ يوم أمس لرغبة سلمى بالذهاب الى أستاذها المشرف على رسالتها، ولم يكن من المنطقي أن تسافر معهما ووعدها غيث بأن يسافرا في الصباح الباكر قبل موعد الرحلة بوقت كافي، ولكن ها هو قد هافتها منذ ساعة ليخبرها بأن هناك مشتر لمحصول الأرض وهو مجبر على انتظاره فوالده مشغول بأشياء أخرى ولم يستطيع مقابلة الشاري، وحينما طلبت منه أن يدعها تسافر هي سواءا بالقطار أو أن يوصلها غفير من غفرائهم رفض بشكل قاطع!!!...
نهضت واقفة وأخذت تروح وتجيء في المكان وهي تطلع الى ساعة يدها من وقت لآخر، يبدو أن جدّيْها في جناحهما فلا تسمع لهما أي صوت، حركة شدت انتباهها لتلتفت حيث مصر الصوت فتفاجأ براوية وهي تقف تطالعها بسخرية وشماتة، دلفت راوية في حين أشاحت سلافة بوجهها عنها فهي ليست بمزاج رائق لسماجة حماتها الآن!!...
اقتربت راوية منها وهي تسلط نظراتها على تلك الفتاة التي لا تخفي كراهيتها لها، فهي تشعر أن سلافة تبادلها كرها بكره وبوضوح، لم تكن كسلمى أختها الكبرى، تلك الأخرى التي أصبحت تتجنبها منذ شجارها وشهاب، ولكنها لن يهدأ لها بال قبل أن تنفذ ما ببالها، ولكن الأهم الآن هو أن تتخلص من تلك الصغيرة فهي تشعر أنها قادرة على قراءة أفكارها، أما سلمى فإن التخلص منها ليس هناك أسهل منه، فهي ساذجة وابنها شهاب عصبي متهور وليس هناك أفضل من هكذا صفتين تستطيع معهما تنفيذ ما تريده بسهولة ويسر، ولكن من يقف حقيقة كالشوكة في بلعومها هي... سلافة!!!.. خاصة وأن غيث ابنها من النوع الهادئ المتريث الذي لا يتهور في أي فعل كشهاب!!!!..
تحدثت بسخرية:
- أيه يا مرات ولدي شكلك مش على بعضيكي ليه؟...
زفرت سلافة بضيق وأجابت وهي تنظر الى راوية بضيق واضح:
- لو سمحت يا طنط أنا فعلا مش حمل كلام دلوقتي...
راوية باستهجان:
- ما تجاوبيني عِدِل يا بت انتيْ!!!.. وأني جول تلك إيه يعني؟.. أني بسعلك ليه شايله سيدك عبد الجادر فوج راسك وزاعجه، يبجى تجاوبي بأدب!...
هتفت سلافة:
- وأنا جاوبت بمنتهى الأدب، أنا قلت إيه لمحاضرة الاخلاق دي؟.. سألتيني مالي جاوبت وقلت أنا في مود مش كويس، ما قلتش حاجة يعني لدا كله، وبعدين أنا مش بت، أنا اسمي سلافة!!!
راوية بهتاف حاد عال:
- واه، واه واه.. ما تاجي تاخديلك جلمين أحسن!!!... إيه الفُجر اللي انتي فيه ديه يا بت ألفت!!!
وكأن آخر كلمات راوية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ ضيقت سلافة عينيها واقتربت من حماتها حتى وقفت أمامها وقالت بلهجة تحذير واضحة:
- نعم؟.. سمعيني تاني كده؟.. بنت مين؟... أنا اسمي سلافة رؤوف، وبعدين ومالها بنت ألفت؟.. شرف ليا أني أكون بنت ألفت، ولا ليكي رأي تاني؟...
أشاحت راوية بيدها باستهتار لسلافة وأجابت وهي تشخر لا مبالية:
- راي إيه بجه بعد حديتك الماسخ ديه؟... انتي جليلة الرباية وعاوزة اللي يربيكي زين، أنما هجول إيه ما انتي تربايتها، على راي المثل.. إكفي الجدرة على فومّها تطلع البت لأمها...
صاحت سلافة بحدة قوية:
- أنا ما اسمحلكيش انك تجيبي سيرة أمي، أمي أحسن أم وقلبها أنضف قلب، الدور والباقي على اللي قلبه أسود من كتر الكره اللي ماليه لغاية ما الدود هياكله من حسده وغيظه وغلّه!!!!
حدقت راوية فيها واسعا وصرخت بغضب وحشي حتى أن معالم وجهها غدت في غاية القبح والبشاعة:
- انتي بتجولي إيه يا بت إنتي؟.. انتي فعلا عاوزة تتربي من أول وجاديد وما اكونش راوية اما أكونِش أربيكي من تانيْ...
هتفت سلافة:
- أنا متربية أحسن منك...
لتعاجلها راوية وهي ترفع يدها عاليا:
- اخرسي جطع لسانك....
وهوت بيدها على وجه سلافة لتسارع سلافة بالامساك بيدها قبل أن تحط على وجهها، وهي تصرخ فيها هاتفة:
- قطع ايدك ولسانك ورقبتك كمان!!!!!...
ودفعتها بقوة ولكنها لم تكن بالقوة التي جعلتها تترنح وتشحب وتهتف بما جعل سلافة تعرف لما أوشكت حماتها العتيدة على الاغماء اذ هتفت الأخيرة بتعب زائف ووهن مصطنع:
- الحجني يا غيث، الحجني يا ولدي!!!...
لتشهق سلافة وتلتفت الى غيث الذي تكاد النار تخرج من عينيه وهو يهرع الى والدته فيما تحرقها هي نيران غضبه:
- أمي...
أسندها غيث وأجلسها الى الأريكة، اقتربت منه سلافة وقالت وهي تشير الى حماتها التي تمادت في تمثيل دور الضحية:
- غيث... هي اللي كانت عاوزة تضربني.. صدقني يا غيث أنا مش....
ليهدر بها صارخا:
- اخرسي!!!... أني شوفتك يا سلافة، نضرتك كيف زجِّيتيها لمن كانت هتنكفي على وشّها...
راوية بوهن مصطنع:
- بجه أني برضيكي عضربك يا مرات ولدي؟.. أني يا بني كل اللي جولتهولها ليه شكلك جلجان إكده؟... عديك ع اللي حوصل لي بعدها، ما خولصتش يا بني!!..
سلافة بهتاف منفعل:
- كدابة!!!!!!!!!...
ليصرخ غيث وهو يرفع يده عاليا:
- سلااااااااافة!!!!!!!!!...
شهقتها كانت هي من أوقفت يده في الهواء قبل أن تحط على وجهها، طالعته سلافة وهي تضع يديها الاثنتين على فمها وتهز برأسها مرارا من اليسار الى اليمين في عدم تصديق لما كان غيث على وشك فعله قبل أن تهتف من وسط ذهولها:
- مش ممكن.. حصلت انك ترفع ايدك عليا يا غيث؟!!
غيث بضراوة:
- وأضربك بالمركوب كومان لمن ألاجيكي بتمدي يدّك على أمي!!!!
ليتعالى صوت من أمام باب الغرفة المشرع يقول بجدية وحزم:
- مش بنت رؤوف الخولي اللي تتضرب يا ابن أخويا!!.. وان كنت أنت معرفتش قيمتها فجه الوقت اللي تعرفها فيه!!!!....
لتهتف سلافة عاليا وهي تهرع مجتازة غيث الذي نظر الى عمه الواقف وقد تلقف ابنته الباكية بين أحضانه فيما هرب الدم من وجه غيث ولكنه أبى الانكسار ووقف بشموخ يطالع عمه بثقة ويقول:
- حمد لله على السلامة يا عمي، ماعالهشي، ما كونيش أحب أنه استجبالكم يكون إكده....
أجاب رؤوف في حين ارتمت سلافة بين ذراعي ألفت فيما ربتت سلمى على ظهرها بينما اتجه شهاب بخطوات سريعة ليقف بجوار شقيقه مقطبا:
- وأهو استقبالكم حصل يا ابن اخويا....
صوت الجد قاطعهم وهو يهتف بسعادة ترافقه الجدة:
- حمد الله على السلامة يا رؤوف يا ولدي....
بعد أن عانقه رؤوف مقبلا يديه ورأسه هو وأمه وحذت حذوه ألفت، انتبه الجد للوجوم الذي يعتلي الأوجه ليقف متسائلا بجدية:
- فيه إيه يا ولاد؟.. ايه اللي حوصل؟.. سلافة... انتي وشّك أحمر إكده ليه؟.. انتي باكية؟..
لتنخرط سلافة في بكاء حار آخر وترتمي بين ذراعيه بينما كان رؤوف هو من أجاب وهو يحدج غيث بصرامة:
- بعد إذنك يا حاج.. أنا هاخد مراتي وبناتي ونرجع مصر، زيارتنا ليكم خلصت لغاية كدا!!!!!!!
لتتعالى شهقات الاستنكار والاستهجان من الجميع عدا واحدة فقط ارتسمت على وجهها ابتسامة تشف خالصة، أخفتها ببراعة كي لا ينتبه إليها... وكيف لا وهي الحية الرقطاء... راوية!!!
الحلقة الثالثة و الثلاثون
(كبير العيلة (منى لطفي
وقف الجميع يتبادلون النظرات المذهولة، كان الجد أول من خرق الصمت السائد في حين كانت سلافة بين ذراعي أمها تربت عليها كي تهدأ من نوبة البكاء الحاد التي أصابتها، قال الجد بحزم وهو يقف يقبض على رأس عصاه العاجية بكل شموخ:
- إتعاود فين بالظبط يا ولديّ؟...
زفر رؤوف بضيق حاول كتمانه وأجاب بهدوء نسبي:
- هرجع مكان ما جيت أنا ومراتي وبناتي يا حاج، ما عاد لينا مكان هنا!!....
ليهتف الجد بقوة لا تشي بسنوات عمره التي تخطت الخامسة والسبعين عاما:
- إنت المفروض أنك عاودت لعندينا إهنه، إهنه بيتك وموطرحك انت ومرتك وبناتك، رايد تفارجنا من تاني يا رؤوف؟.. ومن غير شوري كومان؟!!!!!!!
روؤف وهو يتقدم من أبوه ويمسك بيده ليقبلها:
- حقك عليا يا حاج، لكن ما يرضيكش اللي بيحصل في بناتي، أنت فوق راسي يا حاج، وأنا عمري ما هبعد عنكم تاني، مصر مش في آخر الدنيا، ساعتين بالعربية وأكون عندك، لكن أرجوك يا حاج انت ما يرضيكش اني ما احس انى عاجز عن حماية اهل بيتي...
لتهتف به فاطمة وهي تتقدم منه:
- واه... مين اللي ييستجري يجول إكده؟... إنت مجامك ومجامك بناتك ومرتك فوج روسنا كلاتنا، إوعاك إتفكر انكو رخيّصين لاه... انتو مجامكو فوج جوي يا روؤف يا ولدي...
تركت ألفت سلافة التي أمسكت بها سلمى واقتربت من الجدة وهي تقول بهدوء وابتسامة صغيرة:
- حضرتك أنتي والحاج اللي فوق روسنا كلنا، واحنا ما يرضيناش انه حضرتك والحاج تزعلوا مننا، ولا نرضى اننا نعمل حاجة من غير رضاكم...
ليقاطعها رؤوف معترضا:
- ألفت!!!!! ، نظر الجد الى ولده وقال بسخرية خفيفة:
- إيه يا ولَديْ حمجان إكمن مَرَتك جالت اللي المفروض إنت اتجولاه؟.. مَرَتك عارفة العيبة والأصول...
ثم توجه بباقي حديثه الى ألفت وهو يردف بجدية:
- كل ما الأيام ما بتمر بتوكّد أني كنت غلطان في حجك من الاول يا بتّيْ، وكل ما دا ما بتوكّدي لي أنه ولَديْ عرف يختار صوح...
ألفت ببساطة:
- ربنا يخليك يا حاج، أنا معملتش حاجة، وصدقني أنا نسيت أي حاجة حصلت، حضرتك كأب ما كانش سهل إنه أبنك يخرج عن شورك ورأيك، واللي حصل اتسبب في زعل كبير في العيلة، صحيح أنه الحمد لله الزعل ما استمر والنفوس اتصافت لكن لو كان فيه حد غلط ويطلب السماح يبقى أنا ورؤوف مش حضرتك أكيد...
ابتسمت الجدة وقالت بينما الجد يهز رأسه استحسانا:
- تسلمي يا مَرت ولدي، ودلوك يا رؤوف يا ولدي انتم لساتكم واصلين من السفر، اطلعوا داركم غيروا خلجاتكم على ما نجهزوا الغدا، ولو على سلافة أني كفيلة أني أراضيها، انتم عارفين سلافة ديه لوحديها في كفّاه إلحالها!!!...
اعتدلت سلافة في وقفتها مبتعدة عن ذراع شقيقتها وقالت وهي تكفكف دموعها براحتها تطالع والدها بنظرات استجداء:
- معلهش يا ماما ستو، بعد إذنك يا جدو.. أنا فعلا محتاجة أني أمشي من هنا، مش هرتاح لو قعدت هنا دقيقة واحده تانية بعد كدا...
ليهتف غيث الذي تملكه الغيظ من كلامها فقد بدأ يتنفس الصعداء عندما ظن أن جدّيه قد احتويا الموقف لتأتي تلك الصغيرة الحمقاء تفسد كل شيء:
- ما إنتيشي متحرِّكه خطوة واحده من إهنه يا سلافة، ايه جولك بجاه؟...
رؤوف بغلظة:
- جرى إيه يا غيث، هو أنا مش مالي عينك ولا إيه؟..
أسدل غيث عينيه الى الأسفل وهو يجيب معتذرا:
- لا مؤاخزة يا عمي، لكن انت برضك ما يرضيكش انه حرمة تمشِّي كلامها على راجلها...
ليدلف عثمان في تلك اللحظة ويهلل فرحا برؤية شقيقه العائد فيهتف وهو يتجه للسلام عليه:
- حمد الله ع السلامة يا وِلد أبويْ..
عانقه رؤوف بدوره، ليلقي عثمان السلام بعدها على ألفت مرحبا بعودتهما، شعر عثمان بالاضطراب الذي يسود الجو فقال متسائلا بابتسامة وقد لاحظ الوجوم الذي يعتلي الوجوه من حوله:
- خير كفالنا الشرّ.. فيه حاجة حوصلت؟...
زفر الجد بضيق في حين أجابت الجدة بجمود:
- إسعل إولادك يا عتمان... شوفهوم عملوم إيه مع حريمهم عشان إكده بوهم راسه وألف سيف لا ياخدهوم ويعاود من موطرح ما إيجوم..
حدق عثمان في ولديْه بدهشة وهتف بحدة:
- كييف ديه؟.. إيه اللي حوصل منيكم في حج بنات عمّكم؟...
لتجيب راوية لأول مرة منذ بداية الحوار الدائر قائلة ببرود مستفز:
- ما حوصلشي حاجة يا خويْ.. عادي كيف ما بيحوصل في أي بييت...
ليهتف الجد بقوة وهو يحدجها بنيران مستعرة:
- راااااوية.... خلاص!!!.. مش جصّة أبو زيد هيّا عنجعدوا انعيدوا ونزيدوا فيها!!!!!!
لتكتم راوية النفس ذاته وليس الصوت وحده وقد كاد قلبها يتوقف عن العمل ذعرا من غضب الجد الواضح!!!، في حين تساءل عثمان مقطبا بريبة:
- إيه اللي حوصل يا حاج؟..
نفخ الجد بضيق ليجيبه روؤف مقطبا:
- ولادك يبقوا يحكوا لك يا ابو غيث، لكن أنا بعد إذن الحاج هاخد مراتي وبناتي وأمشي....
تكلم شهاب وهو يقترب من عمه بينما يرمق سلمى بنظرات محملة بالرجاء:
- طيب أنا وسلمى مالنا يا عمي؟.. سلمى اشتكت لك مني في حاجة؟...
رؤوف بجدية:
- انا مش هستنى انه بنتي تشتكي لي، سلمى عمرها ما هتنطق بحرف من اللي بيدور بينكم، بنتي وأنا عارفها كويس، والموضوع باين من أوّله، بناتي مش مُرحّب بيهم هنا، مش مرتاحين من الآخر، مش هستنى لما يحصل أكتر من اللي حصل...
غيث هاتفا:
- وهو إيه اللي حوصل يا عمي؟... انّي رفعت يديّ على مرَتي؟.. أومال لو كت ضربتها بجاه كان يبجى إزيّ الحال؟..
هتف روؤف بحدة وغضب:
- بنتي مش جارية اشترتها يا ابن اخويا عشان تمد إيدك عليها، اوعى انك تفكر مجرد تفكير انك لو كنت عملت كدا انا كان ممكن هسكت لك، أنا ما فيش عندي أغلى من بناتي، دول شقا عمري كله، ثروتي الحقيقية، صدقني لو كنت عملتها وقتها كنت هتندم ندم عمرك كله، لا هيبقى لك زوجة عندي وتنسى خالص اسمها!!!!!!....
همّ غيث بالحديث حينما هتف الجد بصرامة:
- بكفاياك يا غيث، انت مش واعي لوجفتي بيناتكم ولا ايه؟.. لو ما حشِّمت عمّك وبوك حشِّمني أني!!!!...
غيث بزفرة ضيق مكبوتة:
- الحشيمة ليك يا حاج... لكن برضيك يا حاج... أني ما اغلطتش.. لمن مرتي ترفع يدّها على أمي وأني ما امنعهاشي وجتها يبجى أحسن لي ألبس ترحة كيف الحريم!!!!
ليتبادل الجميع شهقات الاستنكار وعدم التصديق، في حين رفعت سلافة رأسها وأشارت اليه هاتفة بغيظ شديد:
- لآخر مرة بقولك أنا ما مديتش إيدي عليها، هي اللي كانت عاوزة تضربني وأنا كنت بدافع عن نفسي بس!!...
انتقلت انظرات الى راوية التي شعرت بالاضطراب فهتف بتلكؤ بسيط تنهرها:
- واه... وعتكدبي كومان عيني عينك؟.. صحيح صدج اللي جال اللي إختشوا ماتوا!!!
الجد بقوة:
- راوية... من غير تلجيح كلام... اللي بتجوله سلافة ديه حوصل؟... انتي مديتي يدّك عليها؟...
راوية ودموع التماسيح في عينيها وببراءة كاذبة:
- بجه تصدج فيني يا عمي الحاج اني أعمل إكده؟.. أضرب مرَت ولدي!!.. طب وهستفاد إيه من إكده؟... ما هي أكيد عتروح إتجوله وجتيها عيكرهني وياجي في صفّها وأني هكون محجوجة!!!!!!!
تبّا لك راوية إنك كالافعى الناعمة التي تلتف حول ضحيتها بخبث حتى تعتصرها ممتصة كل قطرة دماء فيها ولا تتركها الا وقد فارقتها الحياة!!!!... هذا ما جال ببال الجدة حين سمعت راوية، فهي الوحيدة التي كانت شاهدة على ما تسببت به بين سلمى وشهاب وها هي لم ترتدع بعد أن حذرتها لتعيد الكرّة بخطة خبيثة ولكن بين سلافة وغيث هذه المرة!!!...
صوت سلافة أخرجها من شرودها وهي تهتف غاضبة:
- كدابة!!!!!!...
لينهرها رؤوف بحدة:
- سلاااافة... عيب!!!!..
نظرت سلافة إليه وهي تهتف بينما دموع الظلم تنساب على وجنتيها مشيرة بسبابتها الى راوية التي تتراقص جذلا في داخلها ( الهي يرقصوا على تربتك يا بعيدة روحي!! ):
- والله العظيم يا بابا كانت هتضربني، دي بتكدب، مش كفاية اللي عملته بين سلمى وشهاب لأ... عاوزة تخرب بيتي أنا كمان وتوقع بيني وبينكم كلكم مش ابنها بس!!!...
- رفضت وصف غيث بـ زوجي!!، لم تقل بيني وبين زوجي بل قالت بيني وبين ابنها!!!!... فغيث في نظرها قد أخطأ وبشدة في حقّها خطأ ليس بسهولة ستسامحه عليه هذا إن سامحته يوما!!!-
لتقع كلمات سلافة كدلو الماء البارد فوق الجميع وأولهم شهاب الذي كاد يجن من نظرة عمه السوداء التي رماه بها وهو الذي كان منذ ثوان يحاول اقناعه ان اموره هو وسلمى في احسن حال، ليهتف في داخله قائلا:
- حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا غيث انت ومراتك!!!!
رؤوف بجدية موجها حديثه الى شهاب:
- اللي سلافة قالته دا حصل فعلا يا شهاب؟... انت فعلا حصل بينك وبين سلمى بنتي حاجة؟...
شهاب بتردد بسيط:
- يا عمي البيوت يا ما بيحصل فيها، ما فيش زوجين مش بيتخانقوا ويرجعوا يتصالحوا تاني، حتى حضرتك بيتهالي يعني اسمح لي اكيد كان فيه اوقات خلاف بينك وبين مرات عمي لكن كله بيعدي في الآخر...
نظر رؤوف الى سلمى وأمرها قائلا:
- سلمى... اللي حصل هعرفه منك، بس مش دلوقتي...
ليتابع موجها كلامه الى الجد:
- بعد إذنك يا حاج حضرتك شوفت وسمعت الحال هنا وصل لفين، ما ينفعش استنى هنا انا وبناتي لحظة واحدة، انا هاخد مراتي وبناتي بعد اذنك وارجع مصر، وصدقني أنا عمري ما هبعد عنكم تاني، هتلاقيني عندك هنا وتحت رجليك كمان وقت ما تعوز، لكن انا لازم لي وقفة معهم ولازم كمان ولاد عمهم يعرفوا قيمتهم انا بناتي مش قليلين، اذا كانوا بيعملوا فيهم كدا وانا لسه عايش اومال بعد ما اموت هيعملوا معهم إيه؟...
صمت قليلا ليردف بابتسامة ساخرة وهو ينقل نظراته بين غيث المتجهم وشهاب المحتد:
- لا وانا اللي قلت اني مش هتطمن عليهم غير مع ولاد اخويا!!!
هتف عثمان في قوة وهو يربت على كتف رؤوف:
- وانت ما غولطتش يا خوي، حجك عليا أني، حج بناتك في رجبتي، ويشهد ربّنا اني الترضية اللي عتجول عليها ويشاوروا هما عليها عننفذها طوّالي!!!!
ابتسم رؤوف بتعب وقال:
- أد القول يا عتمان يا اخويا.. لكن معلهش مش هينفع لازم....
لتصيح الجدة وهي تتجه اليه مسرعة:
- لاه....
وقفت أمامه تحيط وجهه براحتيها المعرّقتين بينما تنساب دموعها تخضب وجهها:
لاه يا ولدي، بكفاياك ابعاد واغربة، ما تفوتناش يا رؤوف، أني مجدرش على فراجك يا ابن عمري!!
أسمك رؤوف بيديها مقبلا راحتيها وهمس:
- ومين بس اللي قال اني هفارقكم يا حاجة؟... أنا معكم هنا في مصر، ساعتين زمن بالعربية وتلاقيني عندك...
كانت الجدة طوال حديثه تهز برأسها يمينا ويسارا في رفض تام منها حتى إذا ما سكت هتفت به بحزن يقطع نياط القلوب:
- لاه يا ولدي، ما عادِش في العمر جد اللي راح، عشان خاطري يا ولدي ما تفوتناش، وان كان على مرَتك وبناتك حجهم عليّا أنا...
لتهتف ألفت والتي اتجهت من فورها اليها:
- ما تقوليش كدا يا حاجة...
نظرت اليها فاطمة وقد ظهرت علامات الكِبر بوضوح على وجهها وقالت من بين شهقات بكائها:
- جوليلو انتي يا ألفت... ما تخلوهيشي اينفذ اللي جاله...
روؤف بحزن:
- أرجوكي يا أمي ما تعمليش في نفسك كده....
هتفت راوية والتي لم تستطع الصمت أكثر من ذلك فقد كان داخلها يغلي كالمرجل وهي ترى الجدة كيف تتذلل لألفت كي تقنع رؤوف بعدم الرحيل:
- أني معرفاشي أنتو امكبرين الموضوع إكده ليه؟.. وفيها إيه يعني لو كان غيث ولدي حتى ضرب مرتو؟.. مرتو وبيأدبها، أنت يرضيك يا ولد عمي لو كان عنديك ولد انه يمد يدّه على أم سلمى؟...
همّ رؤوف بالحديث حينما اتجهت سلافة ناحية راوية وهي تصيح بها:
- يا شيخه ارحمينا بقه من كدبك وتمثيلك دا....
قبض رؤوف على معصمها وكان قد قطع الخطوات الفاصلة بينهما في خطوتين اثنتين وهتف بصرامة:
- سلافة ما تتدخليش انتي...
غيث بغلظة وهو يشير اليها موجها الحديث الى عمه:
- عرفت يا عمي انه كان معايا حاج اني أرفع يدي عليها؟... بتّك مش عامله حساب لحد واصل، ابتتهجم على أمي وابتشتمها عيني عينك ووسطيكم كلاتكم لا عامله حساب ليّا أني زوجها ولا بوها ولا عمها ولا ليك انت يا جدي!!!!
هتفت سلافة بحدة:
- أنا مش بشتم أنا بقول اللي حصل، أمك بتكدب....
هتف رؤوف يسكتها:
- سلافة خلاص....
لتهتف سلافة وقد تغلب انفعالها عليها فصرخت بحدة:
- سلافة خلاص.. خلاص.. خلاص... عمالين تسمعوا له هو وهي وما حدش فيكم مصدقني، أنا بقولها وبكررها الست دي كدابة وخرابة بيوت وأنا ما يشرفني شانها تكون حماتي.....
كاد غيث يفتك بها وفصل بينه وبينها خطوة واحده قبل أن يسمع صوت صرختها لدرجة أنه قد نظر الى يده بشكّ ظنّا منه أنه قد صفعها كما كان ينوي ولكن الصفعة لم تكن مصدرها يده بل... يد والدها... رؤوف!!!!!!!!!!
احتوت الجدة سلافة بين أحضانها حيث كانت هي أول من هرع إليه قبل ألفت وهتفت بحدة وهي تبعده عنها:
- جرى إيه يا رؤوف، ديه عاملة برضيكي، بجاه معلتهاشي وهي صغار جاي تعمِلها دلوك!!!!!!
نظر رؤوف بقوة الى سلافة وهو يهتف:
- يمكن لو كنت عملتها وهي صغيرة ما كان شجه اليوم اللي جوزها يقف قودامي فيه ويقول لي اني معرفتش أربي بنتي!!
شهق الجميع بذهول، في حين اتجه عثمان اليه وقال وهو يحاول تهدئته:
- صلي ع النبي يا خوي صلي ع النبي، ساعة شيطان يا خويْ...
لم يستطع غيث الاشاحة بعيدا عن سلافة، لا يدري ما هذا الشعور الذي اكتنفه من فعلة عمه، هو لا ينكر أنه كان ينوي أن ينهال على سلافة ضربا ما ان سمع سبابها وصراخها على والدته ونعتها لها بالكاذبة، ولكن.. هو وحده من يملك حق تأديبها، لومها، بل وضربها إن لزم الأمر، هو وحده وليس سواه.. حتى وإن كان هذا الأحد هو والدها!!!... كان بين أمرين أحلاهما مر!!.. إما أن ينهال عليها صفعا ليفشي غيظه وغضبه منها، أو أن يعتصرها بين ذراعيه ويدعها تسكب عباراتها كلها فوق صدره هو... ولكنه ما إن تقدم خطوتين باتجاهها حتى رفعت رأسها اليه وحدجته بنظرات يراها لأول مرة لتهمس له بصوت خافت ولكنه حاد كشفرة السكين:
- انتهينا يا ابن عمي... وصدقني بكرة كلكم تعرفوا الحقيقة بس وقتها... هتدور عليا مش هتلاقيني...
نظرت الى والدها الذي كان يرمقها بنظرات الاسف والخيبة وتابعت:
- أنا آسفة يا بابا.. آسفة ليكم كلكم... بس بعد إذنك أنا هسافر مصر، وقبل ما أمشي....
لتُعيد نظراتها الآسفة الى غيث الذي وقف يتابعها بريبة:
- طلقني!!!.. – تعالت شهقات الذهول ولكنها تجاهلتها متابعة في اصرار شديد – طلقني يا غيث.. وبالتلاتة!!!!!!!!
ثم انسحبت من وسطهم واتجهت الى خارج الغرفة ترافقها سلمى التي بدأت تشعر بالاختناق ورغبة شديدة بالبكاء مما حدث، بينما تتساءل بذهول عمّا إذا كان ما تراه أمامها حقيقة أم هو كابوس رهيب!!!..
وقفت أمام الباب قبل أن تلتفت وترمي بآخر كلماتها موجة حديثها الى راوية بشموخ يثير الاعجاب بالنفوس:
- أنا لو آسفة للكل، أنما انتي الوحيدة يا مرات عمي اللي مش ممكن أكون آسفة لك، مبروك قدرتي تخربي بيت ولادك.. اشبعي بيهم بقه!!!!!
وانصرفت ترافقها سلمى وتتبعهما ألفت في حين تبادل غيث وشهاب نظرات الريبة والشك بينما ارتسمت على وجه راوية ابتسامة شامتة حاولت اخفائها ولكن ليس بالسرعة الكافية فقد لمحتها عينين لم تغفلا عنها طوال الجلسة!!!!...
******************************************
- ما انتي يا سلافة غلطتي، طلعتي بابا صغير، يعني كويس الكلام اللي قالهوله جوزك دا؟...
سلافة وهي تهتف وسط شهقات بكائها:
- يعني انا اللي غلطانه بردو يا سلمى؟...
جلست سلمى بجوار سلافة على الفراش حيث صعدا الى طابق والديهما وقالت ويه تربت على كتف شقيقتها الصغرى:
- يا حبيبتي بابا كم مرة يقولك بس يا سلافة؟.. ما سمعتيش الكلام وغضبك وانفعالك كالعادة غلبوكي وبدل ما تبقي انتي الضحية بقيتي انتي الغلطانه!!..
سلافة بعناد شديد وهي تمسح دموعها بقوة:
- أنا ما غلطتش، وما يهمنيش حد غير بابا بس، انا خلاص كرهت هنا، كرهت البلد وعاوزة أرجع مصر، عاوزة أرجع نعيش احنا الاربعة في بيتنا زي زمان، وننسى كفر الخولي وعيلة الخولي واللي جرالنا من ورا ولاد الخولي!!....
نظرت اليها سلمى وسألتها وهي تميل برأسها بجدية:
- وهتقدري تنسي؟...
سلافة وهي تشيح برأسها متأففة:
- يوووه يا سلمى، بقولك إيه... انا لازم أنسى، يمكن مش هتكون سهلة في الاول، لكن لاااازم أنسى، حياتنا معهم عشان تكوني عارفة بقيت مستحيلة، اوعي تكوني بتفكري انك تفضلي مع جوزك، تبقي غلطانه!!... مرات عمك هتفضل أمه وهو عمره ما هيبيع أمه ويشتري مراته، حتى لو عرف واتأكد أن أمه ورا المصايب والكوارث اللي حصلت عمره ما هيغلطها قودامك أبدا.. لأنها في الاول وفي الآخر أمه!!....
سلمى بحزن وقد بدأت تشعر بدوار كان قد داهمها بالاسفل على فترات متقطعه ولكنه الآن يهاجمها وبقوة:
- أنا مش عارفة يا سلافة، ما أنكرش انه شهاب اعتذر لي بس أنا جوايا لسه زعلانه وواخده على خاطري، انما أنا مش عارفة فعلا الصح فين؟.. يا ترى الصح زي ما قلتي اني أسيبه وأرجع مصر؟.. ولّا الصح أني أحاول أنجح في حياتي معاه وأثبت للكل انه أمه غلطانه وأد أيه هي مريضة وما خلهاش تفرح انها قدرت تنفذ اللي في بالها وتخرب علينا حياتنا؟.. صدقيني لو شافتنا واحنا مش سألين فيها وولادها بيحبونا ومقدرتش تخرب بيتنا هتتغاظ ويتحرق دمها ، لكن لو عملنا اللي انتي عاوزاه يبقى بنّفذ لها اللي بتتمناه، ووقتها احنا اللي هندفع التمن ويتحرق دمنا دا غير طبعا كلام الناس ازاي اتنين عرايس يتطلقوا ولسه ما فاتش كم شهر على جوازهم، صدقيني يا سلافة خلينا نفكر كويس عشان نحسبها صح، مرة واحده بس شغلي عقلك، اللي انا معاكي فيه اننا نرجع مصر، البعد هيخلينا نعرف نفكر أحسن، أنا هقوم أشوف بابا أنا سمعت صوته هو وماما دخلوا اودتهم منش وية، وانتي شوية كدا وابقي حصليني علشان تعتذري له...
نهضت سلمى وأومأت لها سلافة بالايجاب، لتفاجأ الاخيرة بشقيقتها وهي تقف على عتبة الباب وتمسك برأسها وهي تهمس بخفوت وصوت ضعيف:
- الـ.. الحقيني يا سلافة!!!!
وقبل أن تنهي عبارتها سقطت مغشيّا عليها لتصرخ سلافة هاتفة باسمها في ذات اللحظة التي كان فيها شهاب يدق جرس الباب للقاء عمه لاقناعه ألا يصطحب معه زوجته سلمى الى مصر، وما أن وضع يده على الجرس حتى سمع صرخة سلافة العالية باسم سلمى، فقطب واقترب بأذنه من الباب متصنتا ليستطيع تفسير ما طرق سمعه ليتأكد من أنها سلافة تهتف منادية والدها بصياح عال:
- الحقنا يا بابا... سلمى وقعت من طولها!!!!!...
برقت عينا شهاب وضغط على جرس الباب الذي انطلق في رنين متواصل، هرعت سلافة لتفتح في حين كان والدها يحاول بمعاونة ألفت اسناد سلمى، ما إن أبصرت سلافة شهاب حتى تنفست براحة وهتفت وهي تشير الى الداخل:
- الحمد لله انك جيت الحق...
ولكنها كانت تحادث الفراغ أمامها فما أن فتحت الباب لشهاب حتى انطلق كالصاروخ لتفقد سلمى فلم تلمح سوى غباره!!!!!!
جلس الجد والجدة بالأسفل في انتظار نزول الطبيبة التي هرع لإحضارها غيث للإطمئنان على سلمى التي لم يبرح شهاب جانبها، أبصرا الطبيبة وهي تهبط درجات السلم يرافقها رؤوف وتسبقهما وردة الخادمة، اتجه الجد الى الطبيبة ذات الأربعين عاما التي أحضرها غيث من الوحدة الصحية بالمركز، ابتسمت الطبيبة في وجه كبير عائلة الخولي الأشهر من نار على علم وقالت بعد أن حيّته هو والحاجة فاطمة:
- اطمن يا حاج، بس هي لازم تاخد بالها من صحتها أكتر من كدا، ان شاء الله الفترة دي تعدي على خير...
قطب الجد في حين بدأت ابتسامة صغيرة وترقب ترتسم على وجه الجدة وتساءل الجد:
- فترة إيه ديْ؟.. حفيدتي مالها يا دَكتووورة؟...
لتسارع وردة بالهتاف بفرح:
- مبروووك يا سيدي الحاج.. الست الدكتووورة حااااامل.. لولولولولولولولولولللللللليييييي......
لترتسم الفرحة على الوجوه ويهتف الجد بسعادة مطلقة في حين انسابت دموع الفرح من مقلتي الجدة:
- صوح يا دكتووورة؟.. حفيدتي حامل؟...
أجابت الطبيبة بابتسامة واسعة وهي تهز برأسها إيجابا:
- أيوة صح يا حاج، أهم حاجة تلتزم بالاكل والدوا والراحة التامة، وبلاش انفعال خالص يا حاج، ضغطها واطي شوية ودا غلط عليها وعلى الجنين، عموما أنا شرحت كل حاجه لوالدتها ولجوزها، وأنا أن شاء الله هبقى آجي أشوفها تاني، ربنا يقومها لكم بالسلامة....
انصرفت الطبيبة وسط دعوات الجدة لها بصلاح الحال في حين أمر الجد غيث - الذي تملكه الفرح لأخيه.. والحزن على حاله هو وجنيّته الصغيرة التي لم يراها منذ أن انصرفت من أمامه بعد إلقائها بطلبها الذي شعر به وكأنه رصاصة انطلقت لتصيبه في مقتل ولكنه سيكون ملعونا إن نفّذ لها طلبها المجنون ذاك – بأن يجزل العطاء للطبيبة، ثم التفت الى وردة يأمرها بأني تأتيه براجح الغفير....
دلف راجح فور أن أخبرته وردة بأمر الجد في ملاقاته، ركض حيث الجد ووقف أمامه وهو يلهث ويعدل من وضع عمامته وبندقيته الخاصة التي تلازم كتفه دوما:
- اؤمرني يا كابير....
الجد بفرحة لا تخطئها الأعين وبقوة:
- تدبح عجلين اكبار جدِّييك إكده وتفرجهم على الغلابة، مفهوم يا وِلْد؟!!...
ابتسم راجح لتظهر أسنانه الصفراء المتفرقة بوضوح في حين اهتز شاربه الاسود الكث الضخم فالكبير يضرب به المثل!!!.. لا يهم أنه يقارن بينه وبين العجليْن اللذين يريد منه ذبحهما فالأهم أنه اختاره هو للمقارنة به بغض النظر عن أي شيء آخر!!!!
هتف راجح ملبيّا:
- أوامرك يا كابيرنا.....
شرع راجح بالانصراف حينما أوقفه صوت الجدة وهي تهتف:
- لمّن الناس تسعلك جولهم حلاوة أصغر حفيد في عيلة الخولي... جولهوم يدعوا للدكتووورة ربنا يجومها بالسلامة...
هتف راجح بفرح:
- ربنا يجومها بالسلامة يا حاجة... ديه عاوزالها تلات دبايح يا سيدنا مش دابيحتين بس...
ضحك الجد وقال:
- تلات دبايح يا راجح، وعتاخد غدا ليك او لعيالك امعاك كومان.. ياللا همْ أومال....
طار راجح لينفذ اوامر الحاج وهو يدعو له ولأصغر أحفاده الذي كان سببا في الفرح التي عمّت المنزل بل والبلد بأكملها، ولم ينتبه عبد الحميد وفاطمة في خضم فرحتهما الى راوية التي انقلب وجهها الى آية من الكراهية التامة... ليصبح لونه في سواد العباءة التي ترتديها بينما تهمس بوعيد من بين فحيح أنفاسها:
- حامل يا بت ألفت؟!!!... ما بجاش راوية لو كِملت فرحتك ديْ، شوفي لك يامين دلوك لأنه بعد إكده الايام اللي عتشوفيها هتبجى أسود من جرن الخروب يا... دكتووووورة!!!!!!!..
------------------------------------------------
- يعني امصممة انك تروحي لدار بوكي برضيكي يا سلسبيل؟...
سلسبيل وقد ارتدت عباءتها السمراء الواسعة وتقلدت وشاحا أسمرا عريضا وهي تقترب من ليث المستاء من رغبتها في الذهاب لمنزل عائلتها:
- ماعالهشي يا ابن عمي، ديه واجب وانت ابو الواجب كلاته والاصول، أنت خابر زين النار اللي كات جايدة في العيلة إهناك وجِه خبر حَبَلْ سلمى هدّاهوم إشوي وخلّا عمي رؤوف ينسى احكاية السفر المصر دلوك خوصا وان الدَّكتوورة حذَّرت من ان الحركة شينة لسلمى وللي ببطنها....
أحاط خصرها بذراعيه وقرّبها منه ومال عليها ليهمس أمام وجهها:
- وانتي ميته عتفرحيني باللي جاي في الطريج عندينا احنا كومان؟...
هتفت سلسبيل بغير تصديق:
- واه... انت بتجول ايه يا ابو شبل؟..
ليث وهو يضع شفتيه على صدغها مقبلا لبشرتها الطرية مستنشقا لرائحتها الأنثوية التي تثير مشاعره أقوى من أي عطر نفّاذ:
- انت معتعرفيشي أني حافظك وعارف كل خط اف جسمك شكله إيييه؟.. اني عارف من مدة يا سلسبيلي بس جولت أهمّلِك لمّن تجولي انتي بنفسيك، لكن الموضوع طوّل وانتي مش رايدة اتفرحيني...
سلسبيل باستنكار:
- لاه يا ابن عمي، أني كت رايدة أشيّع لام اسماعين الاول عشان أتوكّد جبل ما أجولك...
قطب ليث وقال:
- واه.. ام سماعين الداية؟.. ليه ان شاء الله هو الدكتورة بت عمك أحسن منيك في إيه؟... طب إيه جولك بجاه هي جات لها دّكتورة المركز.. أني بجاه هشيّع أجيب لك دّكتورة من جِنا ولو عاوزة أجيبهالك من موصر ذات نفسيها، كام سلسبيل عندي أنا؟!!!
ابتسمت سلسبيل وهي تلقي بنفسها بين ذراعيه هاتفة:
- ربنا ما يحرمني منيك أبدا يا ولد عمي او يجعل يومي جبل يومك...
نهرها ليث وهو يمسك بذراعيها يبعدها عنه:
- واه... جولت لك ماليون مرة جبل إكده ما تجيبيشي سيرة الحديت ديه...
قلبت شفتيها في حزن مصطنع وقالت:
- أني آسفة، حجّك عليّا..
زمجر قائلا وهو يشيح برأسه بعيدا:
- خلاص.. ما حوصلشي حاجة، لكن لو عدتيها يا سلسبيل ما عتلوميشي غير نفسك، وياللا همِّي عشان أوديكي دار جماعتك جبل ما أروح أجضي مصالحي وعرجعلك أجيبك....
أوصل ليث سلسبيل التي صعدت الى الاعلى بعد ان القت التحية على جدّيها واتجهت للسلام على أمها ورافقها ليث للسلام على الجد والجدة ثم استأذن بالانصراف فشددت الجدة عليه أنه مدعوّا لتناول طعام الغذاء معهم هو وسلسبيل...
اتجهت سلسبيل الى الاعلى وهيى تشعر بالحزن لحال والدتها التي ألقت عليها كلمات لاذعة لحضورها لزيارة زوجة أخيها وتهنئتها على حملها المنتظر التي لا تشعر أمها سوى أنه خراب وقد حلّ على ولدها!!!!!...
جلست سلسبيل تمازح سلمى وسلافة التي رفضت أي كلام منها بخصوص غيث شقيقها، لم ترد سلسبيل التحدث في هذا الأمر كي لا تفسد الجو الرائق الذي ساد جلستها، قوبلت بحفاوة من ألفت ورؤوف، وحزنت بداخلها أن أمها تتعامل بقسوة مع عائلة عمها المحبة، شعرت سلسبيل بتقلصات في بطنها تزداد، انتبهى سلافة اليها فقالت:
- ايه يا سلسبيل مالك؟..
سلسبيل بتأوه خفيف:
- ها.. لاه ولا حاجة.. شوية مغص إكده وعيروح الحاله...
سلافة ترفع حاجبها وتسألها بشك:
- مغص؟... سلسبيل لا تكوني انتي كمان...
وسكتت تاركة بقية عبارتها معلقة فقالت سلسبيل بتعثر:
- واه... أني كومان إيه يا اسلافة؟..
سلافة بغمزة ماكرة مقلدة لهجتها الصعيدية:
- حامل يا نن عين اسلافة من جوّه!!!..
ابتسمت سلمى التي ترقد فوق الفراش بأمر من الطبيبة، في حين هتفت سلسبيل وهي تنهض:
- أني ما عاردش عليكي، عنزل أشوف البت وردة تعملي كوباية لايسون ايضيعوا الوجع، وعجولها تعملّك انتي كومان يا سلمى...
انصرفت سلسبيل الى الاسفل لتنظر سلمى الى سلافة وتقول بخفوت:
- مش ناوية تهدي بقه وتسمعي لابن عمك بقه؟....
احتدت سلافة كعادتها كلما ذُكر اسمه:
- بقولك إيه يا سلمى انتي تعبانه والدكتورة مانعه الانفعال، عشان خاطري بلاش كلام في السيرة دي دلوقتي...
زفرت سلمى بضيق:
- مينفعش يا سلافة، اذا كان بابا نفسه لما هدي قبل أسف غيث، سلافة حبيبتي أنا مش بقول أنه مش غلطان لكن حماتك العقربة دي لعبتها صح، فاكرة لما قولتيلي نفس الكلام بعد خناقتي انا وشهاب اللي كانت بسببها؟... همّا ولادها يا سلافة ولا يمكن ييجي في دماغهم أبدا ان أمهم ممكن تخطط لخراب بيتهم أو تعمل حاجة زي كدا حتى عارفين ومتأكدين أنها بتكرهنا، جوزك سايبك براحتك خالص، من اول مرة حاول يكلمك وانتي رفضت وقال لبابا انه مش هيسيبك براحتك، انتي لازم تقعدي معاه وتتفاهموا سوا وبصراحه، انا اتكلمت مع شهاب، وقلت له أنه قعدتي هنا في البيت بقيت مستحيلة، دي بقه مشكلته هيقنع جدي بيها ازاي لانه لو جدي وافق محدجش يقدر يعترض، انتي كمان اعملي زيي...
سلافة بتنهيدة ورغبة منها لانهاء النقاش:
- ربنا يسهل يا سلمى ما تشغليش بالك انتي...
سلمى بحب:
- ربنا يهدي سرّك يا سلافة....
وفي الغرفة المجاورة لهما حيث رؤوف وألفت، كان رؤوف يسرّ لألفت بمخاوفه من أن يكون قد تسرّع بزواج ابنتيه من أولاد عمهما، قالت ألفت بحب:
- روؤف ما عادش له لزوم الكلام دا، البنتين اتجوزوا وواحده منهم حامل، ولاد أخوك مش وحشين وأخوك حاططهم فوق ولاده، والحل اللي قالته سلمى لشهاب لما جالها بصراحه كان المفروض أننا نقوله من الاول، البنتين مالهومش عيش في بيت واحد مع حماتهم، وبعدين وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، يمكن اللي حصل من مرات اخو كدا عشان الحاج والحاجة ما يعارضوش ان الولاد يسكنوا في بيت لوحدهم برّه...
رؤوف بزفرة عميقة:
- عارفة يا ألفت.. يوم ما ضربت سلافة كنت حاسس كأني بحلم!!!.. أنا عمري ما تصورت اني ممكن أمد إيدي عليهم في يوم، أنا معملتهاش وهما صغيرين أعملها بعد ما كبروا واتجوزوا كمان!!!!!
ألفت بهدوء:
- انت أبوها، وهي مهما كبرت هتفضل بنتك اللي وقت ما تحس انها لازم تتقوم هتقومها...
رؤفو بشرح مفصل لما فعله:
- انتي عارف أنا ضربت سلافةليه؟.. مش عشان انها صغّرت بيا قودام الكل وبس لا... أنما شوفتها في عين جوزها يا ألفت!.. غيث كان على شعرة أنه يمد ايده عليها ويضربها قودامي، كنت بين نارين أني أسيبه يعملها وهو قودام الكل بيدافع عن أمه حتى لو كانت غلطانه وبين أنه لو فعلا عملها يبقى كدا علاقته ببنتي اتعرضت لزلزال عنيف!!... في لحظة لاقيت ربنا ألهمني الحل، قلمي أنا ليها هو اللي فرمله.. أنا شوفتها في عينيه.. كان هاين عليه يصرخ في وشّي.. وياخدها في حضنه... غضبه برد... كان لازم القلم دا يا ألفت، يمكن أكون وجعتها وقتها لكن رحمتها من وجع أقوى وأعنف لو كان القلم دا جاه من جوزها!!!...
ربتت ألفت على كتفه وقالت بابتسامة:
- ربنا يخليك ليهم يا رؤوف وما يحرمهم منك أبدا..
بالأسفل اتجهت سلسبيل الى المطبخ لتطلب من وردة أن تصنع لها كوبا من الينسون، فوجئت بوردة وهي تحمل صينية عليها كوبا من سائل أصفر، فسألتها عما تحمله لتجيب وردة بفخر:
- دِه حاجة مخصوصة للحوامل، عشان تجوِّيهوم وتحوش الوجع اللي كل شوية تشتكي منه الست سلمى...
هتفت سلسبيل وهي تتناول الكوب:
- ومين اللي جالك إكده؟..
هتفت وردة:
- ديه وصفة متجرِّبة يا ست هانم.. والدكتووورة بنفسيها جالت الاعشاب ديْ عتحوش المغص...
قالت سلسبيل وهي تهم بشرب الكوب:
- لاه طالما الدكتوورة اللي جالت يبجى عشربه أني عشان بطني بتمغصني وانتي اعملي واحد تاني للدكتوورة...
وانصرفت الى الاعلى تاركة وردة تنظر في أثرها بتقطيبة وهي تحدث نفسها:
- أيه ديه؟.. عجولها للحبلى تجولي امنيح وتاخده تشرابو هيّ يبجى.....، لتشرق أسارير وجهها الاسمر الفتي وهي تهتف:
- يبجى الست سلسبيل هي كومان حبلى!!!!..
وفي الأعلى كانت سلسبيل تنتهي من احتساء كوب الاعشاب بينما تناول وردة الصينية لسلمى التي صرفتها شاكرة، كانت سلمى وسلافة تتبادلان المزاح ومعهما سلسبيل التي سكتت فجأة فلم ينتبها لها، وبينما كانت سلمى تهم برشف كوب الأعشاب حتى صرخت سلسبيل عاليا وهي تجول باستنجاد:
- الحجوووووني...
لتهرع اليها سلافة وتحاملت سلمى على نفسها ونهضت متجهتين اليها لترقداها فوق الفراش، قالت سلافة:
- ايه يا سلسبيل مالك؟.. عموما ما تقلقيش حالا هقول لبابا يكلم ليث..
وما ان اتجهت الى الباب حتى أوقفتها صرخة سلمى قائلة:
- الحقيني يا سلافة.. سلسبيل بتنزف!!....
لتلتفت سلافة بقوة وتفتح عينيها جزعا فأمامها سلسبيل راقدة في شبه اغماءة بينما الدم يلوث أغطية السرير البيضاء نزولا الى الأرض!!!!!!!!...
*****************************************
وقف يطالع باب غرفة العمليات بعينين متحجرتين ووجه أسود كظيم، اقترب منه ابن عمه غيث وربت على كتفه وقال:
- ما تخافيش يا خويْ سلسبيل عتجوم بالسلامة ان شاء الله...
أجاب ليث بصوت خفيض يخفي غضبا على وشك الاندلاع ليحرق الاخضر واليابس:
- ربنا موجود...
قاطعه صوت الغفير يطلب التحدث معه على انفردا فاستأذن من غيث الذي وقف يتآكله القلق على شقيقته الصغرى في حين سار ليث تجاه غفيره لينفردا في الزاوية، قال الغفير:
- كل اللي حاضرتك أمرت بيه تم يا كابير...
قال بهدوء مخيف وعينان تلمعان بعزم:
- جمعتهم كلاتهم؟....
أومأ الغفير بالايجاب هاتفا:
- كلاتهم يا كبير!!...
فبرقت عينا ليث ببريق مخيف وهمس بشر من بين أسنانه:
- وأنا هعرف منهم الحجيجة بنفسيْ، لمّن أشوف مين اللي اعملها، هخليه يتمنى الموووت ما عيطولوشي، عشان يبجى يفكّر مية مرة بعد إكده لمن ياجي ناحية أيتها حد يِّجرب لي... ايش حال بجاه لمن يكون الحاد ديه ماراتي... مارات الليث.... ليث الخولي!!....
قاطعه صوت لهاث شهاب وهو يقول بصوت متقطع:
- ليث... تعالى بسرعة.. الدكتور طلع من أودة العمليات وعاوزك ضروري...
هرع ليث الى الطبيب، وقال بلهفة:
- طمَّني يا دكتووور، هي عاملة كييف دلوك؟..
قال الطبيب بمهنية صرفة لم تخلو من شفقة على حال المريضة وأهلها خاصة زوجها الذي يظهر عليه القلق وبوضوح:
- للأسف الحالة حرجة جدا!!!!...
هتف ليث في حين تجمع والده وغيث وعثمان ورؤوف وشهاب حوله حيث حضروا جميعهم تاركين النساء بالمنزل بينما لم يستطع الجد النهوض من مكانه فالمصيبة فادحة، فمكث في كرسيه يستمع الى حديث الطبيب الذي كان ليث يسأله بلهفة:
- يعني إيه يا دَكتووور؟..
مد الطبيب يده بأوراق وهو يقول:
- ممكن تمضي لنا على الورق دا؟.. انا فضّلت أني أنا اللي أجيبه بنفسي عشان أوضح الحالة أكتر ليك..
ليث مقطبا بشك وريبة وهو يطالع الورق الذي تناوله من الطبيب ولم يفهم منه كلمة واحدة اذ جميعها مصطلحات أجنبية:
- للأسف يا ليث بيه.. زوجتك حضرتك اتعرضت لنزيف شديد جدا أدى لفقدان الجنين...
وسكت الطبيب ليستوعب ليث كلامه، وكانت هذه اولى الاخبار السيئة ولكنها ليست نهايتها!!.. أكمل الطبيب:
- المريضة اكتشفنا أنه عندها سيولة في الدم، ودا أدى لنزيف شديد جدا، احنا دلوقتي دخلناها أودة العمليات وهنحاول نسيطر على النزيف لكن لو مقدرناش وبصراحة عشان أكون واضح معكم دا احتمال ضعيف جدا هيبقى ما فيش قودامنا غير حل واحد بس....
ليث بجمود:
- هوّ إيه الحل ديه يا دَكتوور؟...
الطبيب بأسف:
- أننا نستأصل الرحم... يعني نشيله!!!!!!!!!!!!
برقت عينا ليث في حين دفن شهاب وجهه بين راحتيه، ومرر غيث أصابعه في شعره نازعا عمامته، ونكّس عثمان ورؤوف رؤوسهما، بينما قبض الجد على رأس عصاه بقوة وهو يستغفر الله كثيرا في نفسه، ليفاجأ الجميع بليث وهو يوقّع اسمه في خانة المسؤول عن المريضة، وناول الطبيب الأوراق، همّ الطبيب بالعودة الى غرفة العمليات حينما جذب ليث ساعده بقوة وهمس بجمود فيما عيناه تبرقان بشدة:
- أني ما عاوزشي غيرها يا دَكتووور، اعمل أي حاجة.. بس رجعهالي...
ربت الطبيب على يده قائلا:
- أدعي لها يا ليث بيه، هي محتاجه لدعواتكم دلوقتي، أنا هعمل اللي عليا وربنا معانا جميعا...
ثم انصرف ليعود الى غرفة العمليات حيث ترقد سلسبيل في غيبوبة في انتظار مشرطه لا تعلم على أية حالة ستفيق؟!!!!!!
تتبع ليث الطبيب حتى اختفى قبل ان يقبض على اصابع يده اليمنى بقوة حتى ابيضت سلامياتها وهمس بوعيد من بين هسيس أنفاسه:
- ما بجاش ليث الخولي إمّن خدت بتار مراتي وولدي.. عاجيبه ولو في حَنَكْ السّبع... ووجتها مش عيلحج يجرى على روحه الفاتحه...........
الحلقة الرابعة و الثلاثون
(كبير العيلة (منى لطفي
جلست الجدة فاطمة تسبح الله على خرزات مسبحتها الخشبية التي تصل الى تسعة وتسعون خرزة تحمل كل واحدة منهن إسما من أسماء الله الحسنى، تقدمت منها ألفت تحمل كوبا من عصير الليمون ومدته اليها قائلة بحنان:
- اتفضلي يا حاجة اشربي كوباية اللمون دي، هتهديكي وتخليكي تقدري تقفي على رجليكي، من ساعة اللي حصل وما فيش حاجة دخلت بطنك ولا المايّه حتى!....
تناولت فاطمة كوب الليمون من يدها ووضعته على الطاولة الصغيرة بجوارها وهي تتنهد قائلة:ط
- ومين اللي لُه نِفس ياكل ولا يّشرب يا بتِّيّ؟.. ديه سلسبيل.. فرحة العيلة ونوارة الدار اهنه وحدا عمّها... ربنا ما يصيبني فيها بشرّ أبد....
أمّنت ألفت التي جلست على المقعد بجوار الجدة، ثم قالت:
- ان شاء الله هتقوم منها على خير، أنا لسّه مكلمة رؤوف بيقول لي في العمليات وان شاء الله خير...
سلافة بحزن:
- انا مش مصدقة!.. دي كانت بتضحك وبتتكلم وقامت عشان تجيب لها هي وسلمى كوبايتين ينسون، مرة واحدة كدا؟.. هي صحيح كانت بتشتكي من بطنها لكن مش بالصورة دي!.. نزيف!!... أنا مش مصدقة!.....
كانت سلمى تجلس في جمود تام، وما أن انتهت شقيقتها لامن تساؤلها حتى نهضت واقفة واتجهت الى خارج غرفة الجلوس حين نادتها أمها تسألها الى أين تذهب فوقفت ونظرت اليها واجابت:
- ما هو أصله ما ينفعش يا ماما احنا نفضل قاعدين هنا حاطين ايدنا على خدنا، انا هروح لهم المستشفى وأطمّن بنفسي، ما تنسوش اني دكتورة والمفروض اني كنت روحت معهم هو شهاب بس اللي رفض وبابا وافقه...
ألفت بهدوء:
- يا بنتي جوزك معاه حق انتي حامل وتعبانه، عموما لو يريحك انك تروحي.. ما فيش مشكلة.. انما هتروحي ازاي؟..
سلمى بجدية:
- هآخد راجح الغفير هو أكيد يعرف المستشفى انا مش هقدر أسوق وانا في حالتي دي، هخليه يوديني...
هتفت الجدة بلهفة:
- خوديني امعاكي يا نضري...
اتجهت اليها سلمى ومالت عليها تقبل رأسها ثم قالت بعطف:
- ما ينفعش يا ستو، صحة حضرتك ما تستحملش... انما انا أول ما اطمن عليها هطمنكم على طول ان شاء الله.. أنا هروح أجهز نفسي...
انصرفت سلمى في حين قطبت ألفت متسائلة:
- صحيح راوية فين؟؟...
لتنقلب تعابير وجه الجدة فيما تعتلي تكشيرة كبيرة وجه سلافة، أجابت فاطمة باقتضاب:
- تلاجيها افـ دارها يعني عتكون فين...
ثم نظرت الى ألفت وأردفت:
- إلّا بالحاج... فين وردة وأم علي ما نضرتهومش من البارحة؟..
ألفت وهي تهز كتفيها علامة الجهل بالجواب:
- والله يا حاجة ما عارفة، حتى لما روحت المطبخ عشان أقول لواحده من الخدامين تعمل لحضرتك اللمون ما لاقيتش حد...
قطبت فاطمة هاتفة:
- كييف ديه؟...
ليقاطع استرسالهما صوت راجح وهو يتنحنح يطلب الإذن بالدخول، فسمحت له الجدة، وقف راجح أمامها يخبرها أنه سيذهب الى منزل عدنان الخولي الذي أرسل في طلبه فأخبرته الجدة أن ينتظر سلمى ليذهب بها الى المشفى ثم سألته:
- جولي يا راجح.. فين الخدامين اللي كانوا إهنه؟.. فينها البت وردة وأم علي؟.. دولم عُمرهم ما عِملوها وهمّلوا الدار وفاتوها إكده منِّيهم لنفسيهم؟!....
أجاب راجح بصوته الخشن بينما شاربه الكث يتراقص فوق شفتيه الغليظتين:
- اللي أعرفه يا ستي الحاجة أنه صابر غفير سي ليث جِه وشحنهم كلّاتهم ولمّن سعلتو رايحين على فيين جالي أنها أوامر الليث بيه!!!..
قطبت فاطمة وهمست وكأنها تخاطب نفسها:
- واه... الليث شيّع ياخدوا الخدم من عندينا!!.. غريبة لحْكايه ديْ!!!...
احتلت سلافة المقعد الخال بجوار الجدة التي رفعت عينيها الى راجح وأردفت بحزم:
- روح انتا دلوك يا راجح استنى الدَّكتوورة سلمى عشان عتوديها المشتشفى للجماعه...
هز راجح برأسه ايجابا قبل أن ينصرف، تحدثت سلافة بريبة:
- ايه اللي يخلي ليث يا ماما ستو يبعت ياخد الخدامين من هنا؟...
فاطمة ساهمة:
- ماعارفشي يا بتِّيْ...
سلافة بجدية شديدة:
- بس أنا بقه عارفة!!...
قطبت ألفت وقالت:
- عارفة؟.. عارفى ايه يا سلافة؟..
سلافة وهي تنهض واقفة وعيناها تبرقان بقوة:
- السبب اللي يخلي ليث يلم كل اللي بيشتغلوا في الفيلا هنا انه متأكد انه اللي حصل لسلسبيل دا شيء مقصود وبفعل فاعل كمان!...
شهقت ألفت وهتفت غير مصدقة:
- ايه؟.. فعل فاعل!!!... ومين يا بنتي اللي هيكون عاوز يأذي سلسبيل ولا الليث؟.. دول كل الشغالين هنا بيحبوهم وبيحترموهم ويفدوا الحاج عبد الحميد برقبتهم!...
سلافة بسخرية مريرة:
- مش لو كان النقصود فعلا هي سلسبيل؟..
لتهتف الجدة هذه المرة متسائلة بوجل:
- قصدك ايه يا بتِّيْ؟.
سلافة بمرارة وهي تزفر بعمق:
- قصدي انه المقصود مش سلسبيل يا ماما ستُّو، اللي عمل كدا حد عاوز يأذي حد تاني خالص غيرها ولسوء حظ سلسبيل انها جات فيها!..
ألفت بقلق:
- حد زي مين يا سلافة ومين اللي له مصلحة انه يعمل كدا؟..
سلافة وقد بدأت الخيوط تترابط أمامها والصورة تتضح:
- مش هقدر أقول دلوقتي يا ماما ولا أظلم حد.. لكن لو طلع اللي في بالي صح... ، وسكتت لتكمل بوعيد:
- أنا بقه اللي هاخد بتار سلسبيل وهخلص القديم والجديد كله!..
**********************************************
سارت سلمى بخطوات سريعة في الممر في الطابق المنشود حيث سلسبيل، لمحت الجد من على مسافة بعيدة فسارعت خطواتها حتى وصلت اليه، مالت عليه تقبل رأسه وهي تسأل بلهفة ولهاث حاد:
- طمني يا جدي.. سلسبيل أخبارها ايه دلوقتي؟..
رفع الجد رأسه فهالها شكله، كان وكأنه قد كبر فوق عمره عشر سنوات على الأقل، أجاب الجد بوهن:
- برضيكي جيتي يا بتي!..
سلمى وهي تجلس الى جواره:
- كنت لازم آجي يا جدي، المهم طمني ايه الاخبار؟..
الجد بحزن شديد وقلق على حال حفيدته:
- لسّاتها جوّه يا بتِّي.. ربنا ايجيب العواجب سليمة..
ربتت سلمى على كتفه وقالت بتأكيد:
- ان شاء الله هتقوم منها على خير يا جدي...
لمحت والدها وهو يقف بجوار عمها عثمان فاستأذنت من جدها وقامت متجهة اليه، وقفت معهما لبرهة تحاول بث الطمأنينة في نفس عمها الذي أصابه الوهن خوفا وذعرا على حال ابنته، لم تكن قد رأت شهاب بعد ليلمحها ذلك الأخير بعد عودته من مصلى المشفى حيث كان يصلي هو وغيث والليث، هرع اليها شهاب ما أن وقعت عيناه عليها، أمسك بمرفقها وابتعد بها عن والده وعمه، وهمس لها بقلق:
- خير يا سلمى.. ايه اللي جابك؟..
زفرت بضيق وقالت:
- يعني أيه ايه اللي جابني يا شهاب؟.. جيت عشان لازم أكون مع سلسبيل في وقت ز يدا.. ما ينفعش نسيبها في ظروف ز يدي خصوصا واني دكتورة يعني أكيد هتحتاجني...
قال وهو يحرك رأسه والحزن قد حفر معالمه في وجهه:
- أنا مش مصدق لغاية دلوقتي اللي حصل، ربنا يسترها..
كررت سلمى:
- ربنا يسترها، هتقوم بالسلامة ان شاء الله انا عندي يقين كبير أوي بربنا...
شهاب مؤمنا على كلامها:
- ونعم بالله.....
ثم أردف متشائلا:
- انما انتي جيتي ازاي؟..
سلمى:
- مع راجح الغفير، أنا وعمي عدنان جينا سوا، هو مع ليث دلوقتي...
حانت منه نظرة الى الليث ذلك الذي يقف مرابض أمام غرفة العمليات بينما يقف والده بجواره، صوت جلبة جذبت انتباهه ثم خروج الطبيب من غرفة العمليات ليهرع الجميع اليه وبالطبع كان في مقدمتهم الليث الذي سأل الطبيب بلهفة وقلق واضحين:
- خير يا دَكتووور طمِّنيْ...
الطبيب بزفرة عميقة:
- خير ان شاء الله.. الحمد لله النزيف وقف وما اضطرناش لاستئصال الرحم، هي دلوقتي في الافاقة وهتنزل الرعاية المركزة بعد كدا ، إذا الـ 48 ساعة الجايين عدوا على خير كدا احنا نقدر نقول اننا عدينا مرحلة الخطر ان شاء الله.. خالوا بالكم هي نزفت كتير جدا والنزيف دا أدى انه الضغط عندها ينخفض بشكل خطير، احنا حاولنا اننا نرفعه بالادوية، عموما الساعات الجاية محتاجه لدعواتكم فعلا... عن إذنكم...
ما ان انصرف الطبيب حتى فوجئ الجميع بليث وهو ينحني ساجدا لله في مكانه... شكرا لانقاذه سلسبيل روحه العذبة!.
دمعت عينا سلمى وهي ترى الليث.. ذلك الصرح الشامخ، الرجل ذو المهام الصعبة كما لقبته منذ أن اشترك معهم في النيْل من حامد رشوان.. كانت تراه كالطود الشامخ... قلبه قُدّ من حجر... لا تتذكر أنه قد سبق لها ولمحت ابتسامة له ولو عابرة!... كانت تتعجب حينما تتحدث عنه سلسبيل واصفة رجل غاية في الرقة مع محبوبته، وكيف أنه لا يتحمل حزنها او غضبها... كانت تظنها تبالغ في وصفها له.. ولكنها الآن وفي هذه اللحظة تيقنت أن هذا الرجل لا تشرق شمس حياته الا من خلال واحدة فقط.... حبيبته سلسبيل!... لم يخجل أن يُظهر فرحته بنجاة حبيبته أمام الجميع... سجد لله شكرا لإنقاذه معشوقته... علمت بل وتأكد لها أنه لو كان قد مس سلسبيل أي سوء لكان أدى ذلك إلى تصدع هذا الطود الشامخ.. بل سيكون الاختبار الاقسى الذي يتعرض له الليث والذي قد ينهار بعده ليلحق بحبيبته تماما كما في حكايا عشق الأولين!....
انتبه شهاب لدموع سلمى الصامتة، ليربت على كتفها فرفعت عينيها الذابلتين اليه فقال بابتسامة صغيرة وهو يمسح دموعها بابهامه:
- ليه الدموع دي؟.. سلسبيل هتبقى كويسة ان شاء الله...
رنت منها نظرة الى ليث الذي وقف مستندا الى الحائط المقابل لغرفة العمليات بكتفه قبل أن تجيبه وسط شهقات بكائها الخافتة:
- ليث صعب عليّا اوي هو وسلسبيل، شوف شكله عامل ازاي؟.. انا متأكده انه كان هيجراله حاجة لو بعد الشر سلسبيل كان حصل لها حاجة لا قدر الله...
مال شهاب عليها محتويا وجهها بين راحتيه رافعا وجهها اليه وقال بصدق وهو يغوص برمادي عينيه بين غابات الزيتون خاصتها:
- أكيد يا سلمى، اللي بيحب مش ممكن يتصور حياته من غير اللي بيحبه، يتمنى انه هو اللي يجراله أي حاجة بس حبيبه يفضل بخير، والهوا ما يلمسوش، أنا... أنا عارف انه الكلام دا مش وقته دلوقتي لكن حبيت أقولك انه اللي مر بيه ليث وأختي دا خلّاني أعرف حاجة مهمة أوي...
قطبت سلمى متسائلة بهمس:
- ايه هيّ؟....
مال عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة:
- انك أهم وأغلى حاجة عندي، وأني مستعد أخسر أي حاجة وأي حد.. إلا أنتي يا سلمى... مراتي وحبيبتي والانسانة اللي خلِّيت لحياتي طعم جميل... اوعي تفكري تبعدي عني يا سلمى.. لأنك وقتها هتكوني حكمتي عليّا بالموت!!!!..
شهقة خفيفة صدرت عنها لتختفي سريعا ما أن احتواها شهاب بين ذراعيه دافنا رأسها في صدره وهو يضغطها أقر بالى قلبه مرددا مرارا وتكرارا كلمة.... أحبّك!.........
************************************************
نظر الجد الى غيث الذي وقف أمامه يخبره برغبة الطبيب في رؤيته، قطب الجد وأجاب في قلق:
- الدَّكتوور رايدني أني يا ولديْ؟...
زفر غيث بعمق وقال:
- إيوة يا جدِّيْ.. الدكتووور رايد يتكلم امعاك...
نهض الجد بصعوبة يساعده غيث بينما يقول:
- ساعدني يا ولدي أوصل له.. لمن أشوف عاوز إييه...
-----------------------------------------------------
- يا حاج عبد الحميد أنا قلت لازم أقول لحضرتك الاول، اللي حصل فيه شبه جنائية، للاسف لاقينا أسبرين وبنسبة كبيرة أوي في الدم، مش قرص ولا قرصين لا يا حاج، الكمية اللي لاقيناها بياخدها يا حد عاوز ينتحر يا أما أخدها من غير علم، وأنا متأسف في الحالتين لازم بنبلغ البوليس!!!
حاول الحاج الحديث ليشعر مرة واحده بهروب الكلام منه، أسرع الطبيب بالتوجه ناحيته وناوله كوبا من الماء فشرب منه، ثم نظر اليه وقال بهدوء وان خالطه رجاء:
- أرجوك يا ولدي، انت ما يرضيكش عيلة الخولي توبجى لبانه في حنك اللي يسوى واللي ما يسواشي، الموضوع ديه لو انعرف هتجيد نار في العيلة، بترجاك يا ولدي.. اني ما عمريش اترجيت حدا واصل!!!!
ليجلس الطبيب على المقعد المقابل لعبد الحميد ويهتف بقوة فهذا الصرح الشامخ قد انحنت هامته فجأة:
- ما عاش اللي يخليكي تترجى يا حاج.. ارفع راسك يا شيخ عبد الحميد، انا عن نفسي هحاول اني أكلمهم هنا.. لكن حضرتك عارف انه دا نظام المستشفى، عموما هشوف معهم، لكن في الاول والاخر يا حاج فيه جاني حر طليق، ولازم حضرتك تعرفه.. حياة حفيدتك في خطر.... فيه حد اتعمد انه...
وسكت الطبيب ليكمل عبد الحميد بتساؤل:
- يأذيها؟....، ليجيب الطبيب بحزم:
- يقتلها يا حاج!!!!!...
ليعتلي الشحوب وجه عبد الحميد وهو يعتصر مقبض عصاه العاجية بين يديه ولسان حاله يقول:"هل سيفلت زمام العائلة منك يا كبير؟!!!!!!!!!!!!!!"
**********************************************
ناولت ألفت صحنا به بعض الشطائر الخفيفة للجدة وهي ترجوها أن تأكلها فهي تخشى أن تقع من طولها فهي لم تأكل طيلة اليوم، قالت ألفت:
- عشان خاطري أنا يا حاجة.. الحمد لله سلسبيل ربنا نجّاها وان شاء الله شفاها يكمل على خير، خلي بالك بقه من صحتك عشان لما ترجع بالسلامة ما تقلقش عليكي...
سلافة وهي تتناول الصحن من يد أمها وقد أمسكت بشطيرة وجلست أمام جدتها وقالت بمزح:
- هاتي يا ماما انا هأكّل ماما ستو بإيدي.. ولا هتكسفي إيدي؟...
ابتسمت الجدة وقالت:
- ربنا ما يرحمني منيكوم وما أشوف في حدا منكم حاجة شينة أبد...
ناولتها سلافة الشطيرة فقضمت فاطمة ثم أمسكت بها وشرعت بتناولها، ابتسمت ألفت ثم شردت وهى تتنهد بيأس فقالت فاطمة مقطبة:
- مالك يا بتِّي ليه التنهيدة الوعرة جوي ديْ؟
ألفت بشفقة:
- من ساعة اللي حصل وراوية قافلة على نفسها بابها، انا خايفة يكون حصل لها، روحت لها من شوية خبطت عليها ما ردتيش قلت يمكن نايمة بس انا خايفة عليها فعلا يا ماما الحاجة...
أعادت فاطمة الشطيرة التي كانت تأكلها بدون أن تكملها وقالت والغموض يكسو ملامحها:
- فوتيها لحالها يا بتيّ... لمّن تحس انها رايدة تجعد امعانا هتاجي بنفسيها، ما تشغليش بالك بيها انتيْ...
هبّت ألفت واقفة بغتة وهي تهتف:
- لا يا ماما الحاجة مهما كان دي أم.. أنا هروح أعمل لها حاجة تاكلها وأوديها لها... وأطمن عليها لا يكون جرالها حاجة وهي لوحدها...
أوقفها هتاف سلافة التى هرعت في إثرها لتقف بجوارها قائلة باستنكار:
- هتروحي لغاية عندها يا ماما؟..
نظرت اليها ألفت بقوة وأجابت بحزم:
- أيوة يا سلافة، مهما كان احنا عيلة واحدة ودي أم واتعرضت انها تخسر بنتها لازم نقف جنبها أنا أم يا سلافة وحاسة بيها كويس أوي...
ثم انصرفت تراقبها سلافة التي وغزها قلبها قلقا على والدتها ثم لم تلبث أن قررت اللحاق بها كي لا تتركها بمفردها مع العقربة!...
كانت في تلك الاثناء تجلس راوية في غرفتها، كان بصرها زائغا ووجها يعلوه اللون الأصفر، كان غيث قد هاتفها يخبرها بأن شقيقته قد تم نقلها للعناية المركزة وأنهم لم يضطروا لاستئصال الرحم، كانت اجاباتها شاردة، مما جعل غيث يقلق فأسرع بانهاء المكالمة ليأتيها على جناح السرعة!....
جلست راوية وهي تحدق في الفراغ، عقلها يعمل كالمكوك وسؤال وحيد يتردد في ذهنها: "ما الشيء الذي طرأ على هذه العائلة جعل المصائب تأتيهم جزافاً؟"... ، ليأتيها الرد من شيطانها الملعون: "لم يتغير في حياتكم سوى أن دخلت إليكم.. ألفت وبناتها!!"....، برقت عيناها لحظتها ورفعت رأسها وهمست بشراسة:
- إيوه.. هي ألفت وباناتها اللي دخلوم بيناتنا وخلوا المصايب تنزل ترف على دماغيتنا، من ساعة ما جوم إهنه وما شوفناشي راحة... يبجى لزمن أتخلص منيهم...
نهضت وهي تكمل بشرّ عظيم:
- لاه... منِّيها هيّ.. أس البلاوي كلاتها... هيّْ السبب في البلاوي اللي حوصلت ديْ كلّاتها، حتى جوزي هملني وجيه في صفّهم.. انتي لازمن اتموتي.. موتك الحل الوحيد يا ... ألفت الكلب!!!!..
وبرقت عيناها بشر مستطير وقد عقدت العزم على التخلص من ألفت نهائيا مرة والى الابد!!!!!!!!!!!!!!!!!
اتجه غيث الى شهاب ليخبره أنه سيذهب الى المنزل لطمأنة الجميع هناك دون أن يخبره عن حالة والدته التي أثارت قلقه عندما خابرها، قال شهاب وكان يقف بجوار سلمى:
- جدي مشي من شوية.. سلمى صممت انه يروّح لانه كان شكله تعبان أوي، راجح راح يوصّله، لو عاوز أنت كمان مش لازم ترجع أنا هفضل هنا مع الليث، حاولت مع عمي رؤوف وعمي عدنان وأبوك الحاج أنهم يروّحوا لكن رفضوا...
أومأ غيث وقال:
- امنيح.. أني كت جلجان عليه اخصوصي بعد مجابلته مع الدكتووور، أني كت امعاه لكنه صمم يجعد امعاه لحالهم ولما خرج كان شكله مهموم بزيادة ورفض يجولي ايه اللي جالوهوله الدكتوور وخلّاه حزيين جوي إكده...
سلمى بأسف:
- أنا عارفة جدي قلبه طيب قد إيه، أكيد استفسر عن حالة سلسبيل ونفسيتهى اتأثرت، عموما أنا مش هسيبها هفضل معاها، ممكن انتم كلكم تروحوا...
شهاب باستنكار:
- يا سلام!!.. أسيبك وأمشي؟!!.. أساسا لو فيه حد المفروض يروّح يبقى حضرتك ولا ناسية إنك حامل وقعدتك في المستشفى مش كويسة عليكي؟!...
نظرت اليه سلمى وأجابت بابتسامة هادئة:
- خليها على ربنا، أنا كل شغلي في المستشفى مش معقولة كل دكتورة تحمل تسيب شغلها وتقعد في البيت؟!...
تطلع غيث الى ساعته وقال وهو يتعجل الذهاب:
- طب أفوتكم أناه وهبجى أكلمك يا شهاب أطّمن على سلسبيل وحاول مع الليث يرتاح اشوي ...
وانصرف ، دفع شهاب سلمى في ظهرها موجها لها ناحية المقاعد للجلوس حينما لفت أنظارهما صوت جلبة واضحة فنظرا الى جهة الصوت ليفاجئا بخروج الممرضة تهرع من غرفة الرعاية المركزة والقلق مرسوم بوضوح على وجهها، حاول ليث ايقافها ليستفسر عما حدث، أجابت الممرضة وكانت سلمى وشهاب قد اقتربا منها:
- المريضة ضغطها انخفض جدا ودخلت في هبوط حاد في القلب!!..
ليشحب وجه الجميع بينما هربت الدماء من وجه ليث وصرخ عاليا:
- يعني ايه الكلام ديه؟....
حاولت سلمى تهدئته وقالت:
- اهدى يا ليث أنا هشوف فيه ايه...
كانت الممرضة قد هرعت لمناداة الطبيب فاقتحمت سلمى الغرفة لتفاجأ بالممرضة بالداخل ترفض ادخالها فهتفت بها بقوة:
- أنا دكتورة والمريضة تبقى أخت جوزي، وعلى ما نستنى الدكتور بتاعكم يشرف المريضة ممكن تروح من ايدينا..
واندفعت الى الداخل بينما تركض الممرضة في عقبها!!!...
أمسكت سلمى بذراعي جهاز الصدمات الكهربائية ووضعته على صدر المريضة وأمرت الممرضة هاتفة:
- شغّلي..
لينتفض جسد سلسبيل ثم يهدأ، فصاحت سلمى بقوة آمرة إياها بزيادة تردد الجهاز، لينتفض الجسد بقوة أكثر من المرة السابقة فيما تتطلع سلمى بقلق الى جهاز رسم القلب لتفاجأ بانخفاض النبضات ثانية، فصرخت قائلة:
- أعلى!!!!!!!!!!!!....
وما زالت تحاول إنعاش قلبها بجهاز الصدمات وعينيها مسمرتان على شاشة جهاز قياس نبضات القلب حتى هتفت الممرضة في نفس اللحظة التي اندفع فيها الطبيب الى الداخل صائحا بخشونة:
- انتي فاكرة نفسك بتعملي ايه بالظبط؟....
ليقاطعه صوت الممرضة هاتفة:
- النبض يا دكتور!!!!!!!!!!...
** في نفس التوقيت بمنزل عائلة الخولي **
طرقت ألفت باب غرفة راوية وهي تحمل صينية فوقها صحنا به بعض الشطائر الخفيفة وكوبا من الحليب المحلى بعسل النحل، سمعت الأمر بالدخول، فابتسمت ودلفت الى الداخل، كانت راوية تقف مولية ظهرها الى الباب فما إن سمعت صوت دخول الطارق حتى استدارت لتقف مسمرة مكانها لثوان محدقة في ألفت بجمود تام!!....
وضعت ألفت الصينية فوق الطاولة الصغيرة واقتربت من راوية وهي تقول بحنان:
- تعالي يا راوية كّلي لقمة، انتي ما كالتيش من وقتها، الحمد لله سلسبيل ربنا نجاها، تعالي حبيبتي...
وأمسكت بيدها تحثّها على السير معها حينما لاحظت أن قبضة راوية قد اشتدت على يدها لتكون هي من يمسك بيدها لا هي، طالعته بابتسامة حائرة وقالت:
- فيه حاجة يا أم غيث؟...
راوية بفحيح غاضب بينما عينيها زائغتان تبرقان ببريق جنوني أثار القلق والوجل في قلب ألفت:
- غيث!!.. وهو فينو غيث ولا شهاب ولا حتى عتمان جوزي.. ما انتي خدتيهم كلاتهم إف صفّك انتي وبناتك، من وجت ما طبيتو حدانا إهنه وانتي طويتي الحاج والحاجة تحت باطك وسلطت بناتك على ولادي، سحروا لهم عشان يتزوجوهم!..
ألفت بنفي قاطع:
- كلام ايه دا؟.. سحر ايه وبتاع ايه؟.. استغفر الله العظيم يارب، ولادك هما اللي حبوا يتجوزوا بناتي أحنا ما غصبناش حد وما سحرناش لحد، استغفري ربك يا راوية، انا مش هزعل منك عشان أنا مقدرة حالتك كويس أوي.. وأكيد لما تهدي كدا هتندمي على الكلام دا...
راوية وهي تقترب منها وتطالعها بكراهية مخيفة:
- من جهة أني هندم.. فأني هندم صوح... عارفة هندم علي غيه؟.. هندم اني ما خلصتش منيكي اتِّي وبناتك من اول يوم جيتوا فيه إهنه!.. لكن ملحوجة يا أم البنات.. اللي معملتهوشي البارحة.. هعمله.. دلوك!!...
لتطالعها ألفت في ريبة هاتفة بحدة وقلق:
- هو ايه دا اللي هتعمليه؟...
لتباغتها راوية بالانقضاض على عنقها هاتفة بحقد دفين:
- أني أجتلك وأخلص منيكي!!...
أطبقت راوية على عنق ألفت التي حاولت التخلص من قبضتها المحكمة على عنقها ولكن دون فائدة، فراوية كانت قد فقدت البقية الباقية من عقلها وشيطانها يصوّر لها أن الخلاص من ألفت يعني الخلاص من غريمتها التي سرقت منها حبيبها سابقا والآن تسرق منها بناتها ولديْها!!!....
بدأت مقاومة ألفت تفتر وقد بدأ الهواء ينحبس داخلها، شعرت ألفت بالاختناق وبدأ اللون الأزرق بالانتشار أسفل جلدها فرفعت عينيها الى الأعلى تتلو الشهادة في نفسها حينما هبّ إعصار على راوية ينتزع قبضتها بقوة من حول عنق ألفت التي سقطت في مكانها، هرعت سلافة والتي دفعت براوية جانبا بكل قوتها الى والدتها تساندها، سعلت والدتها وبقوة، بينما كانت راوية تحاول الوقوف بعد سقطتها إثر دفعة سلافة القوية، انتبهت سلافة لمحاولة راوية النهوض فالتفتت لأمها تسألها ان كانت بخير فأومأت بالايجاب لتقفز سلافة على قدميها وتتجه ناحية راوية وهي تهتف بشراسة:
- بقه عاوزة تموتي أمي؟.. يعني مش مكفيكي اللي حصل لبنتك واللي عملتيه معايا ومع أختي جاية كمان تقتلي أمي، لكن عارفة إيه... موتك أنتي اللي حلال، وأنا يا قاتل يا مقتول انهرده يا راوية الكلب!!!!!!!!..
حدقت راوية بذعر في سلافة التي كشرت عن أنيابها واندفعت توقفها على قدميها وهي.. تجذبها من شعرها المغطى بالوشاح الأسود، صرخت راوية ولكنها لم تلبث أن حاولت الدفاع عن نفسها لتحاول دفع سلافة بعيدا، اشتبك الاثنتان تمسك كلا منهما بشعر الأخرى، ةنجحت سلافة بإسقاط راوية أرضا ثم الجلوس فوقها تكيل لها الصفعات واللكمات، وهي تردد كلمة واحدة:
- موتي.. موتي....
كانت ألفت ترتمي في شبه اغماءة فوق المقعد فلم تستطع فض الاشتباك بينهما، في حين غفل الجميع عن الصوت الجهور يالذي كان يأمرهم بالكفّ عما تقومان به!!...
تحامل الجد على نفسه واتجه الى الداخل ليصعق برؤية راوية وهي تطبق الخناق على عنق ألفت في حين تقفز سلافة فوق ظهرها لتدفعها جانبا وبقوة!، لم يتثنى له الحديث فإذ بسلافة تكمل ما بدأته من العراك فتنقض على ألفت تكيل لها اللكمات والصفعات، هتف بها كثيرا وهو يتجه الى ألفت الملقاة فوق المقعد أن تكفّ قبل أن تتسبب في مقتل راوية، ولكنها لم تكن تردد إلا كلمة واحدة:
- موتي.. موتي...
كان في حيرة من أمره أن يفصل بين هاتين الاثنتين المتناحرتين أم يهرع لنجدة ألفت ليقرر أن ألفت هي الأهم حاليا فسلافة أكثر من قادرة على الاهتمام بنفسها!!!!...
أسند الجد ألفت وقرب منها كوبا من الماء ساعدها في احتسائه، ليتركها ما أن اطمئن الى هدوء أنفاسها واتجه الى سلافة التي كانت تقف في تلك اللحظة بعد أن دفعتها راوية من فوقها تمسك بتلابيب راوية وهي تخضّها كزجاجة الحليب تشتمها بأقذع أنواع السباب، صاح الجد وهو يقبض على ذراعها محاولا الفك بينهما:
- همّليها يا بتّي عاد...
هتفت سلافة بغضب شرس وهي تمد يديها لتنزع الوشاح من فوق رأسها لتظهر خصلات شعر راوية المصفف في جديلة طويلة سوداء يختلط بها خصلات بيضاء:
- مش هسيبها الا ميتة بنت التييت دي، كفاية بقه.. اتبلت على سلمى انها مش كويسة وبتقابل كريم من ورا جوزها، وحاولت تضربني عشان شتمت أمي قودامي وانا ما رضيتش، ولما جيت أدافع عن نفسي كدبت وقالت اني أنا اللي حاولت أضربها ودلوقتي يكون جزاء أمي لمالا جات تجيب لها الأكل بعد ما صبعت عليها انها تقتلها!!!... إياك يا شيخه اللي تاكليه ينزل لك بالسم الهاري في باطنك.. يا عقربة يا حية يا كلبة يا سماوية.. حسبي الله ونعم الوكيل فيكي... واحدة واطية ودوون صحيح...
وأنهالت عليها بالشتائم والجد يحاول إزاحتها بعيدا عن راوية ولكن دون جدوى حتى فوجئت بساعدين قويين يحيطان بخصرها ويرفعانها الى الاعلى فأخذت تركل الهواء أمامها وهي تصيح آمرة من يمسكها بأن ينزلها، بينما تمد يديها أمامها تريد الامساك براوية التي انزوت جانبا تحاول جمع خصلات شعرها وتتطلع بريبة وخوف الى الجد، صوت عال صاح بسلافة آمرة:
- خلاص يا سلافة وبعدهالك يا مَرَه؟!!!!!!!!1...
لتهدأ فجأة وتستدير لترى وجه غيث الذي يقبض عليها بقوة وهو يطالعها بنظرات شديدة القسوة، أنزلها على قدميها وهو يردف بغضب ناري:
- حصّلت انك تجتلي أمي يا سلافة؟!!!!!!....
شهقت سلافة عاليا وصاحت به وهي تشير الى راوية التي تقف بجوار الحائط تجمع يديها أمامها بينما يختض جسدها بالكامل برعشة الخوف والذعر:
- وهي حلال انها تقتل أمي؟!!!...
غيث بصراخ أعلى بينما الجد تحامل على نفسه ليقف بينهما وهو يأمرهما بصوت واهن أن يكفا عن الصراخ ولكن دون جدوى:
- كدبة جديدة ديْ؟.. كيف ما كانت رايدة تُضربك وانتي كتِّي بتدافعي عن نفسك.. مش إكده؟.. أني شايفك بعينيا الجوز دولام وانتى اللي طابجه في زمارة رجبتها ونازلة شاتيمة فيها وانتى بتجوليلها موتي .. موتي!.. مش إكده يا بت عمي؟...
صاح الجد:
- يا غيث يا ولدي انت فاهامن غلط، الموضوع مش إكده!....
لتقول سلافة وقد برد غضبها فجأة:
- بعد إذنك يا جدو....، ثم وجهت كلامها الى غيث بقوة:
- يعني انت صدقت فيا اني ممكن أضرب أمك؟.. ودلوقتي صدقت اني عاوزة أقتلها من الباب للطاق؟...
هتف غيث بوحشية:
- أني صدجت اللي نضرته بعينيا التنييين دول، إيه.. فاكراني داجج عصافير وهصدج انها كانت رايدة تجتل أمك؟.. ولو كان إكده فينها أمك ديْ؟.. أني ما شايفشي...
ليبتر عبارتها وقد لمح ألفت الملقاة فوق المقعد الجلدي المنزو في ركن الغرفة ولم يكن قد انتبه اليها لدى دخوله، رفع عينيه الى سلافة في ذهول صاعق لتبادله سلافة النظر بأخرى شامتة.. آسفة... حزينة، وهي تقول:
- يا خسارة يا ابن عمي!... عموما عشان انا مش بخاف غير من اللي خلقني فأنا هقولك وبكل صراحه أني ايوة لو كنت قدرت أقتلها كنت قتلتها، الست دي لا يمكن تكون أم.. دي واحدة مريضة بالكره والحقد اللي ملوا قلبها، وانت ابنها يعني من ريحتها ومن الآخر بقه أنا مش طايقاها ولا طايقه حد من ناحيتها!..
غيث بجمود:
- يعني إيه يا سلافة؟..
طالعته سلافة بجمود ينافي العذاب الذي ينخرها من الداخل وهي تشعر أنها بكلامها الأتي وكأنها تقتطع جزءا منها.. بل هو الجزء الأثمن ولكنه هو من اختار.. هو من جعل الامور تصل بهما الى طريق مسدود، أجابت سلافة ببرود صقيعي:
- يعني تطلقني يا غيث، أنا لا يمكن أستنى على ذمتك دقيقة واحده كمان بعد كدا، الرجل اللي ما يصدقش مراته ويهينها ويمشي كلام أمه اللي كله كدب وتضليل من غير ما يحاول يتأكد الأول.. للأسف.. ما يلزمنيش!!...
رآها الجد في عينيه، فرفع يده هاتفا بحدة بينما عيناه تتضرعان إليه ألا ينطق بما تشي به عيناه لكن غيث لم يلتفت الى الجد بل ظلت عيناه مسمرتان على وجه جنيته الصغيرة.. تلك التي حرمته لذة المنام منذ رآها، وقد صدق حدسه فما إن وقعت عيناه عليها منذ اللحظة الأولى وهو قد علم أن الراحة قد فارقته لأمد طويل، واليوم وفي هذه اللحظة علم أنه لن يعرف للراحة طعما بعد اليوم، خاصة وهو ينفذ مطلبها الأخير.. فتنفرج شفتاه وتتحرك لينطق لسانه بما طالبته به حتى آلمت رجولته وهي تلفظه بكل عنفوان وشموخ ولم يكن هو من يستجدي امرأة ألّا تتركه.. حتى وإن كانت تلك المرأة هي أثمن وأنقى وأجمل امرأة من دون النساء.. بل إنها هي حبه الوحيد والأوحد، وانطلقت الكلمة لتصيب قلب سلافة بجرح غائر وهي تسمعه بأذنها لتشعر بها كالرصاصة مدوية:
- انتي طالج يا بت عمي.. طالج.. طالج!!!....
سارت اليه ووقفت أمامه تطالعه بنظرات حزينة تختلط بالأسى وخيبة الأمل، قبل أن تتجه الى والدتها تعاوانها على النهوض وتتجه بها الى الخارج، ليلتفت الجد الى حفيده ويصيح به في ذهول وغضب عنيف:
- انت ايه اللي هابتته دِه؟...
غيث بضيق وهو يشيح برأسه جانبا:
- لو سمحت يا جدي...
ثم اتجه الى راوية المنزوية في ركن الغرفة يعاونها على النهوض ليسمع جده وهو يقول بجدية وحدة:
- بت عمك ما كدبتشي يا غيث، أمك كانت رايده تجتل أمها!!!..
ليتسمر غيث في وقفته ويطالع أمه التي تقف بين يديه تطالعه باستجداء وهي تدير رأسها من اليمين الى اليسار عدة مرات، التفت غيث وهو لا يزال قابضا على مرفقي والدته ليطالع جده من فوق كتفه قائلا بستهجان وتساؤل:
- ايه؟.. انت بتجول ايه يا جدّيْ؟...
الجد بزفرة يأس عميقة وغضب بارد:
- اللي سامعتَهْ.. مَرَتَك ما كدبتشي في ولا حرف من اللي جالتهولك لا في اللي حوصل جبل إكده ولا في اللي حوصل إهنه!...
تطلع غيث الى أمه وسألها بتلعثم وعدم تصديق:
- صحيح الكلام اللي بيجوله جدي يا أم غيث؟.. انتي ضربتي مرتي واتبليت على سلمى بالغلط وكتّي عاوزة تجتلي أمها؟...
لم تجب راوية فهتف بها غيث بقوة:
- جاوبيني يا أم غيث.. انتي اعملتي إكده صوح؟...
الجد بزفرة ضيق:
- انت اتسرعت يا غيث، جولتلك ما تسمعشي كلامها يا ولدي مهما كان بت عمك لساتها اصغار وكونها تشوف امها وأم زوجها ابتعمل فيها اكده يحج لها عجلها يطج منيها...
ترك غيث راوية واندفع ليخرج وهو يقول:
- اني لازمن أتكلم مع سلافة..
نهاه الجد قائلا:
- معينفعشي يا غيث، همّلها دلوك!...
غيث بنفي قاطع:
- لاه يا جدي.. عنتلكم ولازمن تسمعني..
الجد ساخرا:
- وايه اللي عيخليها تسمع لك ان شاء الله؟..
غيث بقوة:
- مَرَتيْ ولازمن....
ليسارع الجد بمقاطعته بصرامة:
- كانت يا غيث!!!
قطب غيث هاتفا بينما قلبه يضرب بين جنباته:
- يعني ايه يا حاج؟
الجد وهو يقترب منه حتى وقف أمامه:
- يعني انت رميت عليها اليَمين يا ولدي.. بجيت طليجتك!!!..
فتح غيث عيناه على وسعهما وقد هرب الدم منه بينما تعالت دقات قلبه تصرخ طالبة بعودة من منحتها الحياة!!!!!!..
وفي نفس الوقت.. بالمشفى.. في نفس اللحظة التي كانت راوية تنقض على عنق الفت بغية قتلها كانت سلمى تنقض على جهاز الصدمات بغية انقاذ سلسبيل، ليعود قلبها الى العمل بمعجزة أذهلت الأطباء فيما كانت روح ألفت تنسحب منها بيدي والدة سلسبيل، ولكن لحظة عاد قلب الاخيرة الى الحياة مرة ثانية كانت هي ذاتها التي أنقذت فيها سلافة أمها من بين براثن الموت على يد راوية... "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".. صدق الله العظيم.....
الحلقه الخامسه والثلاثون من هنا
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق