expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية البريئه والوحش الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم أميره عمار حصريه وجديده

رواية البريئه والوحش الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم أميره عمار حصريه وجديده 

رواية البريئه والوحش الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم أميره عمار حصريه وجديده 

كيفَ أُفرِّقُ بينها،

وبينَ النُّجُومِ؟

إنَّها

تُضيءُ

عليَّ

الليل.

-أحمد هويدي.

❈-❈-❈

ألقى نظرة خاطفة على سارة وجدها غافية بنوم عميق

ضغط على زر الاستجابة وهو يتجه نحو صالة الجناح حتي لا تستيقظ

جاءه صوت نغم الباكي عبر الهاتف وهي تهتف بإسمه

توقف  قلبه عن النبض وسُحبت الدماء من وجهه...وسلبت أنفاسه بدون إرادة منه...فما  تلك المصيبة التي تجعلها تهاتفه بالساعة الواحدة ليلاً وهي تبكي!!!

بالكاد استطاع إخراج صوته بعدما جمع شتات أعصابه قائلاََ بخوف جلي:

-فيه إيه يا نغم

-فار

كلمة وحيدة خرجت من بين شفتيها برعب وصل له واضحاََ عبر الهاتف

تبدلت معالم وجهه مئة وثمانون درجة للنقيض

وتبدلت نبرة صوته إلي الاستهجان والإستنكار مردداََ خلفها:

-فار!!!!

ردت عليه مضيفة ببكاء شديد زادت وتيرته عن السابق:

-موجود في الأوضة اللي أنا بنام فيها يا فارس

أنا شوفته بعنيا كان كبير أوي....وأنا حابسة نفسي في الحمام عشان ميشوفنيش بقالي نص ساعة

بقي هو صامتاً من أثر الفزعة التي حلت عليه عندما سمع صوتها الباكي هاتفه بإسمه

لازال لا يستوعب أن كل الجلبة التي سببتها بداخله سببها فأر!!!

لم يفق من فزعته إلا عندما سمعها تقول بحسم مصاحب لحديثها:

-أنا هنزل الشارع يا فارس...أنا قلبي هيقف من الخوف

صاح بغضب من أفكارها المشوهة:

-تنزلي فين إنتِ اتجننتي...خليكي عندك أنا ربع ساعة وجاي

صرخت بإعتراض قائلة:

-لاء أنا مش هفضل ربع ساعة كمان في الحمام

-إسمعي الكلام يا نغم وبلاش تتصرفي من دماغك...ربع ساعة وجاي

جاء صوتها هادئاََ ناعماً علي عكس نبرة صوتها التي تصاحبها من بداية المكالمة وهي تقول:

-عشان هخاطري يا فارس متتأخرش...أنا قلبي هيقف

-بعد الشر يا حبيبي...ربع ساعة بالظبط وأكون عندك

أغلق الهاتف فور إنتهاء حديثه واتجه مرة أخرى نحو غرفة النوم ليصل لغرفة تبديل الملابس فهو مازال يرتدي روب الإستحمام حتى الآن

إرتدى ملابسه علي عجلة وخرج من غرفة الملابس ناظراً لسارة وجدها مازالت نائمة

أخذ مفاتيح سيارته وهاتفه خارجاً بهدوء من الغرفة حتى لا تستيقظ ويضطر ليبرر سبب خروجه أو إخبارها لأحد من عائلته عن خروجه

نزل درجات السُلم بخفة شديدة ساعده فيها

جـ سده الرياضي... أخرج مفتاح بوابة القصر

الداخلية وفتحها بهدوء حتى خرج ومن بعدها أغلقها بهدوء مماثل لفتحه لها

ومن ثم إتجه نحو الجراچ يخرج منه سيارته

يقودها إلي خارج القصر بعدما فتح له فرد الأمن البواية الخارجية.... كان يقود بسرعة كبيرة إكتسبها من سباقات السيارات التي كان

يعشق ممارستها فقد كان يتفوق بها وبطلاقة

يقف إبراهيم بشرفة غرفته المطلة علي القصر من الخارج ينظر إلي خروج ابنه العاصف...

جعد حاجبيه بإستغراب بلغ ذروته ف إلى أين

ذاهب إبنه في ذلك الوقت؟..ففارس غير معتاد علي السهر بهذا الوقت في الخارج

خرجت تنهيدة عميقة منه حينما لم يتوصل لسبب

وبعدها إلتف داخلاََ إلي داخل الغرفة مرة أخرى

❈-❈-❈

عشر  دقائق أو أقل وكان يركن سيارته أمام البناية القانطة بها وهو يخرج من  السيارة بلياقة صاعداََ بها بعض الدرجات حتي يصل للمصعد.....فتح بابه ودخل  إليه وضغط علي زر الطابق المراد....

وبعد دقيقة كان باب المصعد يفتح

تجمدت قدميه عن السير وجحظت عيناه عندما رأى نغم تجلس علي درجة السُلم التي تقع أمام باب الشقة...واضعة رأسـها بين قدميها

ناظرة للأسفل،كان منظرها يوحي أنها فتاة متشردة تنتظر حسنة من أصحاب المنزل

ترتدي  بچامة ضيقة إلا حداََ ما وتضع علي شعرها القلنوسة الخاصة  بالبچامة...والكثير من خصلاتها متمردة علي جبهتها على عكس المغطيين تحت  القلنوسة

هتف بإسمها مستنكراً بعدما تدارك نفسه

رفعت رأسها لأعلى بسعادة عندما وصل إليها صوته...قامت من مكانها سريعاً متجهه لمكان وقوفه تسرد له ما توصلت إليه:

-طلع معاه إبنه يا فارس وأنا مكنتش أعرف

لقيته خارجلي من تحت الحوض...أنا مستحيل أدخل الشقة طول ما هما فيها

يحدق بها وكأن علي رأسها طير... إبن من؟!!،

وما هذا الذي ترتديه وتجلس به بالخارج

فهل جنت؟.......ماذا سيحدث إذا رأها أحداََ بتلك الملابس!!، وما الذي تقوله هذا؟

كل هذه الجلبة التي فعلتها من أجل فأر

حتى الآن لا يصدق حقاََ أنها تتحدث بجدية

جعدت حاجبيها بإستغراب من صمته الذي طال وهو ينظر إلي عيناها بإستغراب شديد

خرج صوتها مستنكراً لصمته هاتفة بإسمه

-أفتحي الباب وإدخلي قدامي يا نغم

كانت الحدة الموجودة بنبرة صوته كافية لجعلها تستدير لتفتح الباب كما أمرها دون أن تنطق بكلمة

أغمض  عينه سريعاً عندما إستدارت فقد إزداد الوضع سوءََ وبدأت مشاعر الرغبة  تشتعل به بقسوة...فائقة الأنوثة وخاصةََ  بهذا الثوب المنزلي المحدد  لتفاصيل جـ ـسدها أكثر من اللازم

فنغم كان جـ ـسدها  وحده كافي ليشعل النيران بجـ ـسد إمام المسجد أو قسيس الكنيسة وهو ليس بذلك  او ذاك،هو فقط رجل يُريد إمرأة وليست إرادة تغضب الله فهو يريدها حلاله

يستلذ بفكرة أن تكون نغم زو.جته.. وإسمها يلتصق بإسمه

يجزم أن رغبته تلك مختلفة تماماً عن تلك الرغبة التي كان يبثها بسارة منذ ساعات

فنغم  تثيره...تثير رجو.لته وتشعل نيران لا تخمد لعدة ليالِِ أما سارة فهو لم  يرغبها يوماً أو يتشوق لها بل رغبات رجولته الفسيولوجية هي من تطلبها وليس  هو

إستغفر ربه بسره علي كل تلك الأفكار التي أتت برأسه دفعة واحدة وإستعيذ بالله من الشيطان الذي إستوطن جـ ـسده الآن

ودخل خلفها وهو يغلق الباب بهدوء تام

لم يعطيها فرصة للحديث فقال بنبرة أمرة:

-إدخلي غيري هدومك دي وتعالي

هزت نغم رأسها بالنفي القاطع وهي تقول له:

-مستحيل أدخل الأوضة يا فارس...وبعدين أغير ليه!!!!

زفر بضيق وهو يرفع يـ ـده يمسح بها علي وجهه قائلاََ بنفاذ صبر:

-الفار هيعملك إيه يا نغم مش هيكلك هو

نظرت له بإستهجان وقالت:

-إنتِ جاي من بيتكم لحد هنا عشان تقولي الفار هيعملك إيه...لاء كتر خيرك والله وريني عرض أكتافك بقى

صاح بها مستنكراََ لطريقة حديثها:

-نغم!!!

إهتزت مقلتيها لبرهة ومن ثم حاولت التحلي

ببعض القوة  قائلة:

-ما إنتَ اللي بتعصبني يا فارس...يعني إيه الفار هيعملك إيه!!

تنهد بضيق في محاولة منه لتهدئة نفسه الثائرة

ثم نظر حوله حتي وقع نظره علي المكسنة اليدوية المركونة على الحائط

ومن بعدها إتجه نحوها وخلع رأسها وأخذ العصا الخاصة بها ودخل إلي غرفة النوم دون أن يوجه لها أي حديث

أما هي وقفت علي كرسي الأنتيريه الموجود

بالصالة وهي تنتظر بلهفة خروجه بالفأر من الغرفة

ولكن يتخلل إليها بعض الخوف من أن يخرج الفأر إلى الصالة ويصعد إليها حتى يمتص من دمائها

بعد عدة دقائق وهي تنتظر أن يخرج لها فارس

بالخبر المفرح ولكنه لم يأتي حتي الآن ولم تسمع له صوت منذ دخوله...والعقبة أنه أغلق الباب خلفه فلم تستطيع أن تراه وهي واقفة كذلك

لعبت الأوهام بذهنها وتكاثرت التخيلات المخيفة... هل يا ترى إنقض الفأر علي فارس

وأصبح الآن فريسة للفأر حتى يمتص دمائه؟

أم مازال علي وشك الإنقضاض!!؟...لما صوته لا يصل لها أو حتي صوت جلبة من الداخل!!

بللت شــ ـفتيها وهي تبتلع لعابها حتى خرج صوتها المترقب:

-فارس إنتَ كويس؟

إنتظرت قليلاً بعد أن أرهفت السمع ولكن لم يقابل سؤالها سوا الصمت المخيف

جاءت حتي تهتف بإسمه مرة أخرى بصوتِِ أعلى

وجدت باب الغرفة يفتح...ويخرج فارس من خلفه رافعاً يـ ـداه اليمني بعيداً عن جسـ ـده قليلاً

وشيئا ما يتدلي منها...لحظة...أليس هذا الفأر !!!

ثواني معدودة وكانت تصرخ صرخة مداوية تهتز لها الجدران مما تراه....

تقدم فارس نحوها سريعاً حتي يجعلها تُهدء صراخها ولكن كان كلما تقدم خطوة منها

زاد صوت صراخها أكثر

حدقها فارس بنظرات حانقة من صراخها المستمر قائلاً:

-في إيه يا نغم بطلي صريخ

خرج حديثها ممزوجاََ بصراخها قائلة برعب جلي:

-إبعد عني

رجع خطوة للخلف وهو يقول لها بصوت حانق:

-طب إهدي خلاص أنا موت الفار

أشارت له بيـ ـدها تجاه الباب بفزع حتي يخرج هو والفأر رحمة الله عليه الموجود بيـ ـده

فهم فارس أخيراً سبب فزعها وخوفها

فتقدم الخطوة التي إبتعدها منذ قليل وهو يقول لها بمكر لقطته بعيناه:

-إنتِ خايفة من الفار يا ماسة؟

هزت رأسها بالنفي حتي تنهاه عن فعل ما دار برأسه بهذه اللحظة

إنفرجت شفـ ــتيه بضحكة مسلية وهو يقول لها:

- ده فار مش أسد يا نغم بطلي أڤورة...يلا خدي إمسكيه

صرخت مرة أخري عندما مد يـ ـده الممسكة للفأر تجاهها وهي تبتعد بجـ ـسدها إلي الخلف حتي أنها كادت أن تسقط من كرسي الأنتريه

نزلت دموعها بضعف عندما أخذ يقرب الفأر من وجهها وقالت له بتوسل يملئه البكاء:

-عشان خاطري يا فارس خرجه...قلبي هيقف والله مش قادرة

دقق فارس النظر بعيناها حتى يعلم إذا كانت

تكذب عليه وكل هذا تمثيل أم إنها تخاف منهم

بالحقيقة....ولكن  لما الإنسان سيخاف من هذا الفأر الصغير الضعيف!!!!،لم يصدق عندما رأى  دموعها نابعة من نياط قلبها...فماذا فعل لها هذا الكائن اللطيف الموجود بين  يديه!!!لما تهابه بهذه الدرجة الكبيرة؟!!

أبعد يـ ـده سريعاً من أمام وجهها عندما بدأت تأخد أنفاسها بصعوبة من بين بكائها

وإتجه نحو الباب ليفتحه وغاب لخمس دقائق

وبعدها صعد مرة أخرى من دونه أغلق الباب وإتجها صوبها

وجدها تجلس علي الكرسي التي كانت تقف عليه قبل نزوله وتضع يدها علي عيناها وجسدها يهتز كل لحظة والثانية

هتف بحنو شديد من رؤيته لها بتلك الحالة:

-خلاص يا ماسة رميته...إهدي

أنزلت يـ ـديها من على وجهها وهي ترفع أنظارها نحوه قائلة بصدمة:

-إنتَ إزاي كنت مسكه كده ومش خايف منه

جعد حاجبيه بإستغراب وهو يقول لها:

-أخاف من إيه يا نغم ده فار...أنا مش مصدق إنك عاملة كل ده عشان فار!!

تنظر  إليه وكأن علي رأسه طير فكيف يتحدث بهذه السلاسة والسهولة!!!...لما يشعرها  أن الموضوع بسيط ويقلل من شأن الفأر بهذه الطريقة...تحدق بعيناه ترى بها  الإستخفاف بخوفها من هذا الفأر وكأنه يقول لها هل جننت هذا ملاك كيف تخافين  منه!!

ردت عليه قائلة بذهول:

-فارس إنتَ أكيد بتهزر صح!!....إنتَ إزاي مقلل من شأن الفار كده،ده فار يا حبيبي إنتَ واعي

تقدم نحوها ليجلس علي الكرسي المقابل لها قائلاََ بإبتسامة رُسمت علي وجهه:

-يولع الفار يا ماسة قولي حبيبي تاني كده

لم  تقدر على إخفاء ضحكتها التي ظهرت علي شفـ ــتيها من طريقة حديثه وتركه  للحوار بأكمله حتى يعلق على كلمة "حبيبي"التي قالتها بحسن نية بين حديثها

أينعم هو حبيبها ولكنها حتى الآن تخجل من مغازلته مثلما يفعل هو لذلك عندما سمع تلك الكلمة ترك كل شئ حتي يتبتب بها..ماكر بصحيح

نظرت له قائلة مغيرة دفة الحديث:

-إدخل الحمام مو.ت إبنه كمان يا فارس

لم يلقي حديثها إهتمام بل ردد جملته مرة أخرى بعيون مدققة:

-قولي حبيبي تاني

توردت وجنتيها وإهتزت مقلتيها لثانية ثم خرج صوتها يملئه الخجل:

-بس يا فارس

هز رأسه بالنفي قائلاََ لها بوله:

-حبيبي

إبتسمت بخجل وهي تنظر للجهة الأخرى بعيداً عن وجهه دون أن تعقب على حديثه

قام من مكانه وهو يقول بمكر:

-طب أستأذن أنا بقى عشان ألحق أنام شوية قبل ما أروح لزين

إنتفضت من جلستها ناسية خجلها الذي كان مرسوم على وجهها منذ قليل قائلة بإعتراض:

-رايح فين وسايب الفار اللي في الحمام ده

-ما إنتِ يا حبيبتي مبتشجعنيش...يعني المفروض أول ما مسكت الفار كنتي تحفزيني وتقوليلي شكرا يا حبيبي ومن غيرك معرفش

كنت  هعمل إيه،بس حضرتك نزلتي صويت لحد ما خرجت من باب الشقة...ودلوقتي بقولك  قوليلي يا حبيبي مترديش عليا،مفيش أي تقدير خالص لمجهوداتي

أنهي حديثه بنبرة حزن مصطنعة

وقعت بفخه دون أدني مجهود منه يذكر

فقالت بتسرع:

-ما أنا فرحت إنك طلعت شجاع ومش بتخاف يا فارس...وبعدين ما إنتَ عارف إني بحبك من غير ما أقول الكلمة دي

تسارعت دقات قلبه وإبتهجت ملامح وجهه

عندما  نطقت هذه الكلمة بالرغم من فقرها بالرومانسية...فهي ألقتها له في وسط  الحديث دون قصد منها يعلم،ويعلم أيضاً نيتها التي دفعتها لقولها ولكنه لم  يكن فارس الهواري

إلا وإستغل الموقف لصالحه

فإقترب منها تلك الخطوة الفاصلة بينهم وقال

وهو يخترق بعيناه خاصتها:

-بتحبيني؟

جاءت لتبتعد عنه تلك الخطوة التي إقتربها ولكنه مد يـ ـده يمسك ذراعها..واليـ ـد الأخرى رفعها ليمسك فكها عندما نظرت للجهة الأخرى

قائلاََ:

-ليه مكسوفة مني...أنا هبقي جو.زك كمان يوم يا نغم،يعني خجلك ده ملوش مكان بنا

توترت من إحتواء عيناه لخاصتها وقالت بإرتباك جلي:

-مش مكسوفة

-إثبتيلي وقوليها

-ما إنتَ ما قولتليش بحبك خالص معني كده إنك مش شجاع؟

إبتسم لها بحنان وقال بهدوء:

-تبقي غبية لو متعرفيش أنا قد إيه بحبك يا نغم

ثم إستكمل حديثه قائلاً:

-إني أحبك قاصداً متعمداً

‏سلّمت قلباً هام في عينيكِ

‏عمري فداكِ خذيه لاتتردّدي

‏أنتِ الحياة وحلوها بيديك

‏إن شئتِ ظُلمًا فاظلميني إنني

‏لكِ مِنك و فيكِ فلا مُلامَ عليكِ،

‏أو شئتي عدلاً فأعدلي يا مُنيتي

‏إن الهوى في الحالتين إليّكِ.

تبسمت إبتسامة رقيقة وقلبها يرفرف كفراشة

حرة تريد الإنطلاق....

ودقات قلبها تعزف ألحاناََ علي حديثه الذي

يلهب حواسها ويجعلها فاقدة لوعيها

تنظر إليه وهي تستمع إلى شِعره الذي يشعرها أنها وردة وهذا الكلام هو الماء الذي يسقيها به

خرج صوتها ملتاع من كثرة العاطفة التي تحيط بهم الآن قائلة:

-بحب شعرك أوي يا فارس

قال وكأنه لم يسمع جملتها مُصراََ علي طلبه:

-قولي إنك بتحبيني يا نغم عاوز أسمعها وأريح قلبي اللي متشوق لسماعها

أنهي حديثه وهو يرفع يـ ـدها الذي يمسكها بأنامله واضعاً إياها مكان قلبه حتى تستشعر نبض قلبه الثائر

لا تدري متى ولا كيف خرجت من بين

شـفـ تيها

صافية مجردة من أي شيئاََ قائلة وهي تنظر لعينيه بشجاعة لم تتصف بها يوماََ:

-بحبك

ثم أكملت حديثها مازالت عيناها محتضنه عيناه:

-يمكن معرفش أكون رومانسية زيك ولا أقولك

كلام  زي اللي دايماََ تقولهولي بس إعرف إني بحبك معرفش إزاي أو إمتي بس إنتَ  سرقت قلبي....لأول مرة أكون مبسوطة يا فارس،أول مرة ألاقي حد ألجأله وأجري  عليه أول ماكون خايفة...إنتَ مليت حياتي يا فارس

أخذ شهيقاََ كبيراً بإستمتاع جلي على وجهه كالمدمن الذي حصل لتوه علي جرعت مخدراته

...لذة الكلمة منها مختلفة تماماً،شخص مثله

لم  يطلب شئ من أحد طوال حياته حتي لو كان السيف علي رقبته..وقف يطلب من هذه  الصغيرة كلمة كالقـ ـتيل الذي يتعلق بحبل النجاة،توسل إليها حتي سمعها  وعندما قالتها

شعر وكأنه عاد للحياة مرة أخرى...لم يشعر يوماً بتلك الراحة التي تخللت بداخله عندما سمع حديثها

أخذ شهيقاََ مرة أخرى ولكن هذه المرة حتى

يكبح  زمام جسـ ـده الذي يتطلبها هذه اللحظة أكثر من أي لحظة...يريد إخبارها في  هذه اللحظة مدى أهميتها بحياته وكم أصبح ولهان لها ولكن لا يريد إخبارها  بالحديث..يريد لغة اخرى أكثر عمقاََ وأثراََ من ألف حديث

إستعاذ من الشيطان بسره وهو يقول لها بهدوء معاكس للحرب الضارية الموجودة داخله:

-أنا لازم أمشي دلوقتي يا نغم لأن حقيقي مش هقدر أسيطر علي نفسي أكتر من كده

وصل لها مغذى حديثه فغزت الدماء وجهها وتصاعدت الحرارة منه قائلة ببحة:

-ماشي بس مو.ت الفار اللي في الحمام قبل ما تمشي

أماء لها برأسه وإتجه صوب الحمام سريعاً ولم يأخذ خمس دقائق حتي كان يخرج به جثة هامدة مثلما فعل مع الآخر

قال لها وهو يتوجه إلى الخارج حاملاً الفأر

بيـ ـده:

-هعدي عليكي الساعة ستة عشان كتب الكتاب

❈-❈-❈

في الصباح بقصر الهواري

يجتمع الجميع ماعدا فارس علي مائدة الطعام

وجه إبراهيم أنظاره لسارة قائلاََ بإستغراب:

-أمال فارس منزلش ليه يا سارة

-مش عارفه يا عمو صحيته قالي إفطروا إنتوا

وكمل نوم

سألها بنبرة خبيثة حتي يعلم بها ما يريد علمه:

-ليه هو سهر إمبارح؟

-لاء يا عمو كنا نايمين الساعة واحدة تقريباً

أماء لها برأسه وهو يذهب بفكره لأمس... فهو ظل مستيقظ حتي أصبحت الساعة ثالثة ونص من منتصف الليل ولكن لم يأتي فارس

فغلبه  النوم...لا يعلم متى أتى بالظبط ولكن أين كان يجلس كل هذه الفترة وبهذا  الوقت المتأخر،وحديث سارة يؤكد أنها لم تراه أو تشعر به عند خروجه

تنهد بضيق من عدم وصوله لسبب خروج إبنه وهو يتسائل "ماذا تفعل يا فارس فقلبي لم يطمئن لهرولتك للخارج في مساء أمس*

قالت سارة زو.جة إبراهيم قاطعة للصمت الذي ساد جلستهم:

-أنا هروح يا إبراهيم كتب كتاب زين ورانيا

رد عليها إبراهيم قائلاً بجدية:

-تروحي فين يا سارة إنتِ ناسية إن سامح الحديدي مبيطقناش

-أنا مليش دعوة بيه ولا ليا دعوة بالعداوة اللي بينكم ،رانيا بتعتبرني زي مامتها ولازم ابقى جمبها

نظر أحمد بتدقيق لوالده وجده يفكر بحديث أمه بجدية فقال لأمه سريعاً قبل أن تصدر موافقة أبيه:

-تروحي فين يا ماما...زين عامل كتب الكتاب على الضيق خالص هو عازم صحابه المقربين

ورانيا كذلك

نظر لها إبراهيم حتي يرى ما هو قرارها بعد حديث ولده

وجدها تقول لأحمد متسائلة:

-يعني مش هيبقي عيب لو مروحتش

-لاء يا حبيبتي في الفرح إن شاء الله إبقي روحي

أماءت له برأسها وأكملت تناول طعامها بهدوء

دخل فارس الغرفة والنوم مازال بعيونه وهو يلقي تحية الصباح للجميع

قام مالك من مكانه متجهاً إلى أبيه وهو يقول له:

-صباح الخير يا بابي

حمله فارس من علي الأرضية في حركة معتاد عليها عند حديثه معه قائلاََ وهو يلتقط قبله من خديه:

-صباح النور يا بطل

إتجه وهو يحمله صوب كرسيه المخصص بعدما وضع مالك علي مقعده مرة اخرى

نادت سارة والدة فارس علي الخادمة الفلبينية الموجودة بالقصر وأخبرتها بأن تجلب فطار فارس

دقائق وكانت تضع الطعام أمامه وتخرج من الغرفة بهدوء

وضع فارس يـ ـده علي رأسه من أثر الصداع الذي يشعر به لعدم نومه بشكل كافي قائلاََ:

-معلش يا بابا روح إنتَ الشركة النهاردة

لأني مش قادر

أردف محمد بتساؤل قلق:

-مالك يا فارس حاسس بحاجة؟

هز رأسه بالنفي قائلاََ:

-لاء مفيش حاجة شوية صداع بس من قلة النوم

جاء السؤال التالي من إبراهيم وهو يقول له بتساؤل:

-ومنمتش ليه..... خرجت بليل؟

رفع أنظاره لأبيه وهو يمدغ الطعام الموجود داخل فمه...بمجرد النظر بوجه أبيه علم أنه رأه

عندما خرج أمس وسؤاله هذا ليس برئ بالمرة كما يظهر للجالسين

بلع ما بفمه وقال بهدوء وعيناه بعين أبيه يخبره أنه يعلم أنه رأه عند خروجه ولكن خرج كلامه عكس ما تقوله عيناه:

-لا مخرجتش بس مكنش جايلي نوم

صمت إبراهيم عندما وصل إليه رده الكاذب...

فهو يعلم أن فارس من المستحيل أن يخبر أحد عن شئ يخصه دون إرادة منه لذلك لم يماطل معه بالحديث..ولم يخبره أنه رآه

يكفي أنه أوصل إليه هذه المعلومة دون حديث

أنهي طعامه وقام من علي مقعدة قائلاً لفارس:

-بعد ما تخلص فطارك تعالالي المكتب عاوزك

أماء له رأسه وأكمل طعامه بهدوء

أنهت سارة طعامها هي الأخرى وجاءت لتخرج من الغرفة أتاها صوت فارس قائلاََ:

-سارة قولي لسعاد تعملي قهوتي ومعها حباية صداع وتوديهم المكتب عند بابا

-حاضر

رفعت  لين أنظارها من علي طبقها الذي لم تفارقه عيناها منذ جلوسهم...ناظرة  إليه،وجدته يأكل طعامه بهدوء وبدأ بتجاذب الحديث مع أمها وأحمد.... أغرورقت  الدموع بعيناها من تجاهله لها

وقامت من علي المائدة صاعدة لغرفتها سريعاً

نظرت سارة لمكان خروجها وهي تقول لفارس:

-إتكلم معاها يا فارس لين متقدرش تستحمل معاملتك دي

هز رأسه دليل علي موافقته لحديثها ومن ثم أبصر مالك الجالس علي التابلت الخاص به يلعب

زفر فارس بحنق قائلاََ:

-إيه يا مالك يومك كله بقى تاب،حتى علي الأكل مش سايبه

رفع مالك عينه من علي التاب بعدما أوقف اللعبة قائلاً:

-أنا خلصت أكلي كله يا بابي

-عينك هتوجعك يا حبيبي...مممن نستغل الوقت اللي إنتَ فاضي فيه إننا نعمل حاجات أهم

نظر له مالك بإهتمام طفولي وهو يسأله:

-إيه الحاجات الأهم يا بابي

-نتدرب خيل....نلعب كراتية،أي حاجة تفيدك

لمعت عين مالك ببريق طفولي وهو يقول له بعدما أعجبه ما تفوه به أبيه :

-خلاص يا بابي موافق عاوز أتدرب خيل وكراتية

إبتسم له فارس بحب ومن ثم وجه نظره لأحمد قائلاً:

-إشتركله في النادي يا أحمد من بكرة

-أمرك يا وحش

❈-❈-❈

دخل فارس غرفة مكتب أبيه بعدما طرق الباب

وجده يجلس علي كرسي مكتبه يراجع بعد الأوراق

رفع أنظاره له عندما إستشعر وجوده قائلاً:

-تعالى يا فارس

تقدم  فارس الخطوات الفارقة بينه وبين المكتب ومن ثم جلس على الكرسي المقابل  لأبيه متناولاََ دواء الصداع الموجود علي الصينية التي جلبتها سعاد شارباََ  بعدها كوب الماء

حدق بأبيه بعدها قائلاََ بتساؤل:

-خير يا إبراهيم

-جايبك عشان نتكلم في اللي عملته إمبارح وأنا واقف يا فارس

اخذ نفساََ عميقاً ومن بعدها قال:

-إتفضل سامعك

-اللي  عملته إمبارح ده مينفعش يا فارس لا ديناََ ولا خُلقاََ...إنك تجبر أختك  إنها تلبس الطرحة ده غلط وألف غلط كمان وطريقتك كلها كانت زفت....وعيب في  حقي قبل حق أختك

رفع فارس كوب القهوة وإرتشفه بهدوء وهو يستمع لحديث أبيه المأنب له قائلاََ وهو يجز علي أسنانه:

-اللي  بنت حضرتك كانت لبساه هو اللي مكنش ينفع لا دينياً ولا أخلاقياً...إيه يا  إبراهيم بيه القاعدة هناك خليتكم متحررين للدرجادي ونسيتوا دينا وأخلاقنا؟

-أنا مقولتش اللبس كان لايق ولا لاء أنا بتكلم علي أسلوبك متلفش الحوار يا فارس

-أنا شايف إني مغلطتش في أي حاجة ولو الموقف ده حصل تاني هيبقي هو نفس رد فعلي مش هيتغير ويمكن كمان يكون أكبر

هز رأسه بيأس من دماغ إبنه اليابسة التي لم تقتنع بشئ سوا تفكيرها فقط... قال له بعد فترة من الصمت:

-إطلع  صالح أختك يا فارس متعملش بينكم فجوة عشان الموضوع ده وأنا متأكد إنك لما  تكلمها براحة هتقتنع بكلامك أكتر ما تزعق وتستخدم أسلوب مش أدمي

أخذ كأس القهوة وهو يقوم من علي كرسيه قائلاََ:

-مع إحترامي لحضرتك يا بابا بس أنا مش صغير وعارف كويس إمتى أستخدم اللين

وامتى  أستخدم العنف...وحضرتك عارف لين عندي إيه وطبعا مش هسيبها زعلانة كتير مع  إني متأكد إنها مش زعلانة مني هي زعلانة من صدمتي فيها

إبتسامة  فخر إرتسمت علي وجهه.... أن ذلك الوحش الذي يقف أمامه هو إبنه من أعاد  تأسيس إمبراطورية الهواري من جديد دون تدخل من أحد،جعل أكبر رجال الأعمال  سناََ ومقاماََ يحترموا ويهابوا...أن ذلك الرحيم بأخواته والمحب لهم جعلهم  تحت كنفه وله كلمة علي كل واحد بهم وعليهم تنفيذها حباََ به وليس  خوفاََ..... بالرغم من أنه أبيه ولكنه يتعلم منه يتعلم من شخصيته الجذابة  التي تأسر أي شخص،يتعلم من معاملته لمالك ذلك الفأر الصغير...يتعلم من  ذكائه ودهائه بالعمل وليس عيب أن يعترف بهذا الحديث

رد عليه بصوت مفعم بالحب الأبوي الملئ بالمرح:

-طب إحنا أسفين لسيادتك يا فارس بيه علي التدخل ده

أخفض رأسه قليلاً إلى الأرض بحركة مسرحية معروفة:

-علي الرحب والسعى يا إبراهيم بيه

ثم أكمل قائلاً:

-عن إذنك

❈-❈-❈

يجلس علي الكرسي الهزاز الموجود بالبلكونة المتصلة بغرفته ناظراً إلي السماء بشرود

يحاول رسم ملامحها مرة أخرى بذهنه....

سحرته بطلتها الهادئة وجمال وجهها الخالي من أي مساحيق،مازال يتذكر دقات قلبه التي إهتاجت بصدره عندما وقع بصره عليها

بفستانها  الأسود المنسدل علي جسـ ـدها ويعلوه حجابها...لم تخفي عليه لمعة الحزن  التي كانت موجودة بعنيها منذ دلوفها بالقاعة...إستغرب مجاورتها لفارس  الهواري وأخذ يخمن ماذا تكون له ولكنه لم يتوصل لحل سوا في الصباح الباكر  عندما سأل أخته عليها وأخبرته أن هذه

الفتاة التي سرقت لبة ما هي إلا لين الهواري

أخت فارس وأحمد الهواري.....

أرجع رأسه للخلف قليلاً وهو يبصر نجوم السماء حتي وقعت عيناه على نجمة مميزة الشكل نطقت شـ فـتيه دون إرادة منه بتلذذ:

-لين

❈-❈-❈

تجلس علي السرير تتصفح هاتفها بملل شديد

ذهنها مشغول بشئ واحد فقط وهو ماذا تفعل مع فارس وكيف تجعله يعود إلي طبيعته معها

فبالرغم من أنه إتبع معها أسلوب عنيف غير مقبول ومن المفترض أن هي من تتجنبه وتقاطعه ولكنه هو من أخذ هذا الدور منها

وأتقنه بشدة جعلت قلبها يلتوي من الألم

سمعت طرق باب الغرفة فأغلقت الهاتف ووضعته جوارها ومن ثم صاحت بصوت عالٍ:

-إدخل

دار مقبض الباب عندما وصل إليه صوتها

السامح له بالدخول....خطى بقدميه إلى الداخل عقب فتح الباب،وجدها تجلس علي السرير ناظراً نحو الباب حتى تعلم من الذي يطرقه

رأى الصدمة علي وجهها عندما رأته هو الذي يدخل الغرفة

تقدم صوب جلوسها علي الفراش وجلس جوارها وهو يقول بهدوء:

- فاضية نتكلم شوية؟

أماءت له برأسها علامة علي فراغها وهي تنظر إليه تنتظر حديثه وتتمني بداخلها أن ينتهي هذا الخصام في هذه الجلسة

خرج صوته قوي بالرغم من هدوئه قائلاً بتساؤل:

-قلعتي الحجاب ليه يا لين

توتر وجهها وزاعت بعيناها بأنحاء الغرفة فعلى ما يبدو أن هذا تحقيق أخر وليس جلسة مصالحة مثلما ظنت

مد يـ ـده ليمسك فكها حتى يثبت عيناها نحوه قائلاً بصوت عالٍ بعض الشئ:

-بصراحة يا لين ومن غير خوف قلعتي الحجاب ليه

أخذت نفس عميق ومن ثم أخرجته قبل أن تقول بخجل من عدم وجود سبب مقنع بداخلها:

-صحابي كانوا بيتنمروا عليا...وكنت أنا الوحيدة اللي لبسة طرحة فيهم

-يوم ما قررتي إنك تتحجبي حد كان جابرك

أماءت له برأسها بالنفي دون أن تتحدث

احتد صوته وهو يقول لها:

-إتكلمي حد جبرك

قالت له بتوتر وخوف من عودة تلك الحالة الغاضبة له:

-لاء أنا اللي قولت إني عاوزة أتحجب

-كنتي عاوزة تتحجبي ليه

-عشان فرض وكنت عاوزة أقرب من ربنا أكتر

حدجها بنظرات حنونة نقيض إحتداد نظراته منذ قليل وهو يقول بهدوء:

-ولسه لحد دلوقتي فرض يا لين...المفروض تكوني فخورة إنك الوحيدة اللي بين صحابك

متصانة  بحجابك وجـ ـسمك المتغطي مش تتكسفي،جـ ـسمك غالي يا لين مش هيشوفوا غير  غالي....إزاي عاوزة تبينيه لكل من هب ودب،ده إحنا لما بنروح نشتري هدية من  أي محل بنقوله لفها لفة حلوة عشان تعجب صاحبها....فكري بينك وبين نفسك  وإفتكري دينا وأخلاقنا وشوفي هتقرري إيه يا لين

أغرورقت الدموع بعيناها وهي تقول بحزن من نفسها:

-أنا قعدت مع نفسي يا فارس قبل ما تكلمني وقررت إني أتحجب تاني...يمكن ده كان شيطان والحمدلله قدرت أتغلب عليه

إقترب منها ماسكاََ رأسها بين يديه واضعاً

شـ ـفتيه علي شعرها يطبع قبلة رقيقة عليه قائلاََ:

-ربنا يهديكي يا حبيبتي...وحقك عليا إن كنت

قسيت عليكي شوية

إرتمت بأحضانه وهي تبكي بشدة قائلة:

-أنا اللي أسفة يا فارس إني صدمتك فيا.....كنت خايفة إنك تفضل زعلان مني ومتكلمتيش تاني

شدد من إحتضانها أكثر وهو يقول نافياً لحديثها:

-مستحيل يا حبيبتي أفضل زعلان منك إنتي بنتي يا لين مش أختي...أنا لما زعلت زعلت عليكي وعلى اللي تفكيرك وصلك ليه مش أكتر

-ربنا يخليك ليا يارب وميحرمنيش منك أبداََ

وأوعدك إني عمري مهعمل أي حاجة تغضب ربنا تاني مهما حصل

إبتسم لها بحنو وهو يرفع يـ ـداها إلي شـ ـفتيه يقبلها عدة قبلات قائلاََ:

-وأنا متأكد من ده يا لين

ثم قام من علي الفراش وهو يقول لها قبل أن يتجه للخارج:

-إنزلي إقعدي تحت مع ماما متقعديش لوحدك...وأنا هلبس عشان متأخرش علي كتب الكتاب

❈-❈-❈

في المساء وبالأخص في تمام الساعة السادسة

يقف بالسيارة أمام البناية القانطة بها ينتظر نزولها بعدما أخبرها بالهاتف أنه ينتظرها بالأسفل

لم يمر عشر دقائق من وقوفه إلا وكانت نغم تظهر من بوابة البناية مرتدية جاكت يصل إلى

قبل الركبة بشئ بسيط باللون الأسود ومن تحته أندر شيرت باللون الأسود...وبنطال باللون الأسود أيضاً وطرحة باللون الموڤ

إتجهت صوب السيارة وعلي وجهها إبتسامة مشرقة تجعله يشعر وكأن الكون من حوله باللون الوردي

دارت مقبض الباب الامامي للسيارة ومن ثم جلست جواره وهي تقول له:

-معلش إتأخرت عليك بس مكنتش لقية المفاتيح

لم ينتبه لحديثها بل كانت عيناه تجول على ما ترتديه بتفحص حتي يرى إذا كان يوجد شئ خاطئ بها أم لا

رفع أنظاره إلي وجهها  وجدها تضع بعض الزينة علي وجهها فقال بهدوء :

-بحب صفاء وشك يا نغم من غير أي بهرجة ملهاش لازمة

قالت نغم بإندفاع مدافعة على نفسها:

-أنا مش حاطة غير حاجات بسيطة والله

-عارف يا نغم بس ملهاش لازمة الحاجات البسيطة دي نقدر نستغنى عنها

ثم إستكمل حديثه وهو ينظر لبنطالها قائلاً:

-هي والبناطيل

-ماله البنطلون كمان يا فارس!!

خرجت تلك الجملة بضجر من بين شـ فتيها

-مقسمة جسـ ـمك بطريقة محبش حد يشوفه بيها

-مش وقت الكلام ده يا فارس...يلا عشان كده هنتأخر

دار السيارة ونظر إلي الطريق أمامه وهو يقبض بيديه علي عجلة القيادة قائلاً بجدية يحسم الموضوع:

-ولا بناطيل ولا تلوين علي وشك يا نغم

لم ترد عليه وأدارت وجهها للشباك المجاور لها

تنظر  إلي الطريق بشرود من حديثه...إنقبض قلبها بخوف من ذلك الشعور الذي داهمها  أثناء حديثه،شعرت بتملكه الواضح وحديثه الذي لا يريد أن يعارضه أحد  به...تدور رأسها من كثرة التفكير تتمني لو كان إياد بجوارها الآن تأخذ

رأيه بالز.واج من فارس...هي تحبه وتعلم أن قلبها هام به عشقاً ولكن يوجد شئٌ ناقص...

شئٌ يجعل فرحتها ناقصة لا تعلم ماهو ولكن

قلبها به قبضة غريبة لا تعلم ماهيتها

نظر لها فارس بطرف عيناه عندما لاحظ

صمتها الذي طال....وجدها شاردة في الطريق

قال بصوت عميق وهو ينظر للطريق مرة أخرى:

-خايفة مني يا ماسة

خرجت من شرودها على صوته الذي كان مفسراََ لحالتها أكثر من كونه متسائل

توتر وجهها وقالت بإرتباك:

-لاء هخاف منك ليه

-خليكي صريحة يا نغم معايا وقولي كل اللي شاغل بالك

ثم أكمل حديثه وهو يحصرها بسؤاله المحدد:

-خايفة من طباعي؟

أماءت له برأسها وهي تقول بصوت خافت بعض الشئ:

-طبعك غريب أوي يا فارس....خايفة فى يوم مقدرش أستحمله،مش بحب نبرة التحكم والتملك اللي أوقات كتيرة بتكلمني بيها

تنهد تنهيدة عميقة قبل أن يرد على حديثها قائلاً:

-يوم ما قولتلك إني عاوز أتجوزك يا نغم أنا فاكر كويس أوي إني قولتلك...

ثم أكمل حديثه مردداََ لحديثه السابق لها:

-تقبلي تقضي بقية حياتك معايا يا نغم....تقبلي تتحمليني في كل أوقاتي...تتحملي تقلباتي المزاجية وطبعي اللي إلا حد ما سئ......

أنا  عارف إني صعب وصعب حد يستحمل طباعي وتحكماتي بس صدقيني يا نغم كل ده نابع  من حب مش أكتر،وأنا بوعدك إني هحاول علي قد ما أقدر أمحي كل طباعي اللي مش  حلوة معاكي.....ودي أكتر حاجة هقدر احميكي بيها مني

-إنتَ إزاي كده يا فارس

-كده إزاي

-قادر تطمني بكلمة... قدرت تخليني أحبك كل الحب ده إزاي؟

إبتسم لها وهو يغمز بعينه اليسرى قائلاً:

-سر المهنة بقى

ركن السيارة أمام المكان المقام به كتب الكتاب

ودار مقبض الباب خارجاً من السيارة وفعلت نغم المثل

مسك يـ ـديها بخاصته وهم يدلفون إلي الداخل

همس لها بصوت رجولي ساحر:

-نسيت أقولك إنك زي القمر النهاردة

توردت وجنتيها وخرج صوتها مبحوح وهي تقول له:

-شكراََ

-علي الرحب والسعى يا مدام فارس الهواري إلا يوم

توردت وجنتها أكثر وهي تلكذه بصـ ـدره قائلة:

-متكسفنيش

-أنا ساكت خالص أهو

صعد إلي منصة العروسين وبجواره نغم بعدما أفلتت يـ ـداها من بين خاصته عندما وجدت أنظار الجميع تتجه نحوهم

قام زين من مكانه فور رؤيته لفارس قادم نحو

وهو يقول له:

-طول عمرك مواعيدك زبالة...كتب الكتاب متأجل لحد ما البيه يجي،انا غلطان إني هخليك شاهد

-والله العظيم كنت ناوي أحترمك يوم كتب كتابك بس إنت هتفضل مهزأ طول عمرك

ضحكت نغم علي حديثهم وأردفت قائلة لزين:

-مبروك لحضرتك وعقبال الفرح إن شاء الله

-الله يبارك فيكي يا نغم وبكره إن شاء الله إحنا اللي نباركلك

إبتسمت له إبتسامة متجملة ومن ثم إتجهت نحو رانيا تحتضنها بسعادة شديدة قائلة:

-مبروك يا حبيبتي فرحانة أوي عشانك ربنا يسعدك يارب

شددت رانيا من إحتضانها وهي تقول:

-الله يبارك فيكي يا غومي وعقبال كتب كتابك يارب

ذهب  الرجال حول الطاولة التي ينتصفها المأذون الشرعي حتى ينهون إجراءات كتب  الكتاب...ومن بعدها إستدعوا رانيا حتي يأخذون إمضائها علي بعض الوريقات

وبعد أقل من نصف ساعة كانت أصوات الزغاريد تنطلق من أفواه النساء الموجودين

بالمكان بعدما قال المأذون كلمته الشهيرة

"بارك الله لكم وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"

قام زين من مكانه وهو يحتضن رانيا بسعادة بالغة هامسا لها بالقرب من اذنها:

-مبروك يا حياة قلبي... أخيراً بقيتي مراتي

شددت رانيا من أحضانها ودموع الفرحة بدأت بالهطول قائلة:

-الله يبارك فيك يا حبيبي

أخرجها من أحضانه وهو يمسح دموعها بأنامله قائلاً:

-مش عاوزين دموع يا رانيا

-دي دموع الفرحة

-إضحكي...إضحكي وبس

طبع قبلة رقيقة علي رأسها وتركها

متجهاً صوب أبيه محتضناََ إياه....أردف أبيه بابتسامة سعيدة:

-مبروك يا حبيبي وعقبال الليلة الكبيرة يا رب

-الله يبارك فيك يا بابا

ومن ثم إحتضن والدته بشدة وقبل يـ داها عدة قبلات قائلاََ:

-هتفضل إنتي حبيبتي الأولى يا أمي

ضمته سمر إلي حضنها بحنان شديد وهي تقول:

-ربنا يسعد أيامك يا زين ويملاها فرح يارب

-اللهم أمين يا ست الكل

إحتضنه فارس هو الآخر بعدما إنتهت صلة الحب بينه وبين والدته قائلاََ:

-جوازة العمر إن شاء الله يا صحابي

-حبيبي يا فارس عقبال ما أفرح بيك بكرة يا رب

❈-❈-❈

كان إحتفال لذيذ للغاية يملئه السعادة والإنبساط...الجميع يرقص ويغني بفرح وسعادة ناسين همومهم

جاء أحمد من خلفهم وهو يقول بمزاح:

-أحلي مسا على حرم أخويا القمر

نظرت لين إلي الخلف بخضة وجدته أحمد

شقيق فارس فهي مازالت تتذكره منذ أول مرة قابلته بها بالجامعة وهي بصحبة إياد

إبتسمت له وهي تقول بصوت هادئ:

-إزيك يا أحمد إيه الأخبار

-الحمدلله يا قمر...إنتِ عاملة إيه

-بخير الحمدلله

نظر له فارس بإستهجان واضح وهو يقول له :

-إيه يا عم القمر مالك؟!!

فتح عيناه وكأنه إكتشف سراََ خطيراً قائلاً

بمزاح:

-إنتِ بتغيري يا بطة؟

قهقهة نغم بصوت عالٍ علي مزحة أحمد فهو يبدو عليه خفيف الدم علي عكس أخيه تماماً

حدجها فارس بنظرة محذرة حتي تخفض صوت ضحكتها التي صدحت بالمكان

أخفت ضحكتها عقب نظرته المحذرة ونظرت للأرضية بصمت

أردف فارس موجهاً حديثه لأحمد :

-إتأخرت كده ليه

-أمك كانت عاوزاني في موضوع فأخرتني شوية

خرجت تلك الكلمات من بين شفـ ـتيه بسلاسة دون إنتباه لوجود نغم وسطهم

وجه فارس أنظاره تجاهها سريعاً بعدما توقفت دقات قلبه فور سماعه لحديث أحمد الذي خرج دون إنتباه منه

وجدها تنظر إليه هي الآخرى ولكن كانت تملئ نظراتها الإستغراب من حديث أحمد

فكيف وأمه مع بقية عائلته بالخارج كما أخبرها فارس!!!!

12=الفصل الثاني عشر

لو أستطيع حبيبتي لنثرت شيئا

من عبيرك بين أنياب الزمان

فلعله يوما يفيق

ويمنح الناس الأمان

لو أستطيع حبيبتي

لجعلت من عينيك صبحا

في غدير من حنان

ونسجت أفراح الحياة حديقة

لا يدرك الإنسان شطآن لها

وجعلت أصنام الوجود معابدا

ينساب شوق الناس إيمانا به

❈-❈-❈

-

أمك كانت عاوزاني في موضوع فأخرتني شوية

خرجت تلك الكلمات من بين شفـ ـتيه بسلاسة دون إنتباه لوجود نغم وسطهم

وجه فارس أنظاره تجاهها سريعاً بعدما توقفت دقات قلبه فور سماعه لحديث أحمد الذي خرج دون إنتباه منه

وجدها تنظر إليه هي الآخرى ولكن كانت تملئ نظراتها الإستغراب من حديث أحمد

فكيف وأمه مع بقية عائلته بالخارج كما أخبرها فارس!!!!

إسود  وجه أحمد هو الآخر عندما تدارك ما قاله منذ ثواني...فهتف سريعاً بمزاح  مصطنع مصححاََ حديثه الذي قاله بعفوية شديدة وتسبب بهذه الحالة الصادمة:

-ما صدقت تليفونها فصل شحن قفلت الموبايل وجيت جري

ثبت فارس نظره على نغم دون تعليق على حديث أحمد، يحاول أن يعلم إذا كانت إقتنعت

بحديث أخيه أم لا

تنفس براحة عندما قالت بابتسامة موجهه حديثها لأحمد:

-ربنا يباركلك فيها يارب

إبتلع لعابه بهدوء وهو يحمد ربه أنه أصلح ما أفسده فهو متأكد من أن فارس كان سيبعثه إلى ربه نظراََ لتدلي لسانه منه

-نتيجتك هتبان إمتى

خرجت تلك الجملة من فم أحمد بتوتر بعدما إنتقلت نظرات أخيه من عليها إليه محدجه بنظرات متوعدة

-كمان يومين إن شاء الله

-ربنا يوفقك يارب

وجدتها فرصة لتسأله عما  يقلق مضجعها ويُطير النوم من ذهنها فأحمد هو صديقه وبالتأكيد يعلم أى شىء عن ذلك المُخيم الذي

ذهب إليه إياد ومن الممكن أن يكون يتواصل مع إحدى أصدقائه الموجودين معه بالتخيم

أردفت نغم بتساؤل موجهه حديثها لأحمد وكانت اللهفة تتوغل بنبرة صوتها:

-متعرفش حاجة عن إياد يا أحمد؟

أغمض عيناه بغضب شديد وضغط على فكيه بقوة كادت أن تحطمهم....فبماذا تفكر هذه المعتوهه وهي معه!!!!،فيما يشغلها هذا الإياد؟

تتسائل عنه بمنتهي الوقاحة أمامه،دون مراعاه له كرجل...كاد أن يهشم رأسها بتلك اللحظة

ولكنه تمالك أعصابه وبشدة حتى لا يؤذيها بغضبه الذي يعلم أنها لم تتحمل  رُبعه

رد عليها أحمد مطمئناََ إياها:

-لسه مكلمه من يومين وهو تمام بس ضاع منه فكلمته من عند واحد صحبي معاه في المخيم

-طب أنا عاوزة أكلمه ونبي

خرجت تلك الكلمات من بين شفـ ـتيها برجاء شديد

-حاضر ثواني هرنلك على صاحبي حالاََ

أماءت  له برأسها وعلى وجهها نمت إبتسامة سعيدة فها هي أخيراً ستصل لإياد...  فحقاََ هي تشعر بالقلق الشديد عليه فلأول مرة منذ معرفتها بإياد يكونوا  بُعاد عن بعضهم لهذه الدرجة

تظهر عروق يـ ـداه بشدة من كثرة الضغط عليها...يشعر وكأنه قرطاس لب يقف جوارها

لهفتها علي محادثته تجعل نيران الغيرة تشتعل بقلبه دون رحمة،يحاول إخماد شيطانه الذي تلبسه بتلك اللحظة بأي طريقة ممكنة....إذا

تحدث الآن فهو سيقلب كتب الكتاب هذا رأساََ على عقب وإحتمال مؤكد أن كتب كتابه هو الآخر سيُلغى نهائياََ فهو يعلم نفسه أكثر من أي

شخص ويعلم إذا ترك زمام نفسه سيشعل ما حوله بتلك النيران الموجودة بجسده

مد أحمد يـ ـده بالهاتف لنغم قائلاً:

-خدي هو علي الخط دلوقتي

إلتقطت الهاتف من بين كفه بسرعة ملهوفة علي مهاتفته... وضعته علي أُذنها اليمنى وقالت بسعادة بالغة:

-إياد

-حقك عليا يا نغم... واللّٰه غصب عني مش عارف أوصلك

-مش مهم يا إياد الكلام ده دلوقتي....إنتَ عامل إيه

-أنا الحمدلله بخير ومبسوط جداََ هنا...إنتِ عاملة إيه طمنيني حد ضايقك في الشغل؟

ردت عليه وهي ترفع أنظارها لفارس حتى تبتسم له وجدت وجهه متصلب وعروق رقبته بارزة وكأنها ستنفجر الآن :

-أنا كويسة الحمدلله وكل حاجة تمام معايا وفي خبر كنت عاوزة أقولهولك هيفرحك أوي

-قولي بسرعة إيه هو

جاءت حتى تُخبره بشأن زواجها من فارس غداً

وجدت أحمد يسحب الهاتف منها سريعاً وهو

يقول قبل أن يتجه للخارج:

-نغم هاتي الموبايل ثواني إفتكرت حاجة مهمة لازم أعملها حالاََ

نظرت لإختفائه من أمامهم بإستغراب فهي لم

تتحدث مع إياد بشكل كافي!!!...ولم تخبره بزواجها ما هذا الحظ العسير

ولكن حمدت ربها بسرها أنها إطمئنت عنه وسمعت صوته فهي كانت قلقة عليه للغاية

من تغيبه وعدم مهاتفته لها طوال هذه المدة

وجهت أنظارها لفارس وجدته يقف علي حاله

منذ أن كانت تهاتف إياد...مازال وجهه مشدود

نظرت  لأسفل وجدته يكور يـ ـداه،ضاغطاََ عليها بشدة...شكله هكذا يوحي وكأنه علي  وشك الدخول في نزاع دامي مع أحدهم،لا يوجه نظره إليها بل ينظر إلي الفراغ  وعيناه مفتوحةََ علي وسعيها وبعد حبيبات العرق نمت على جبينه بالرغم من  رطوبة المكان من حولهم وحاجبيه معقودين بشدة دلالة على غضبه من أمر ما

مدت يـ ـدها إلى كفه المقبوض متخلله لداخله بأناملها حتي تفكك من قبضته قائلة بتساؤل هادئ:

-مالك يا فارس

وجه نظره إليها عندما وصل إليه صوتها المتسائل

حمحم حتى يستعيد صوته مرة أخرى قبل أن يردف:

-مفيش...يلا عشان أوصلك

-طيب مالك فيه إيه

-يلا يا نغم

قال هذه الجملة بجدية قبل أن يتحرك للخارج

مُنهياََ الحديث أو المجادلة

ذهبت  نغم سريعاً تودع رانيا وتُخبرها أن تأتي لها من الصباح الباكر ومن ثم  إتجهت إلي الخارج خلفه...وقفت في الخارج تنظر يميناً ويساراً لا تدري أين  كان يركن سيارته

ثوانى وكان يقف أمامها بالسيارة...إتجهت صوبها ودارت مقبض الباب الأمامي بهدوء

فور ركوبها وغلقها للباب دار السيارة متجهاً إلي

البناية القاطنة بها ونظراته مثبتة على الطريق

من أمامه بوجه متجمد

نظرت له نغم وهي تجعد حاجبيها بإستغراب من حالته المتلبساه منذ وقوفهم بالداخل

صاحت نغم بذهول من حالته:

-في إيه يا فارس...إنتَ مش طبيعي!!!

وجه إليها نظرة عابرة ومن ثم عاد بصره إلي الطريق مرة أخرى قائلاََ بنبرة هادئة معاكسة للنيران المشتعلة بداخله:

-مفيش حاجة

-لاء إنتَ مرة واحدة وشك إتقلب أكيد فيه سبب

أردف ببرود شديد وهو يوجه نظره بالكامل صوبها:

-أنا بعد تسعة وشي بيقلب....عندك مشكلة؟

صاحت  هاتفة بإسمه معترضة علي طريقة حديثه الحارقة للدماء تلك ولكنه لم يعير  لصيحتها أدنى إهتمام ووجه بصره إلى الطريق مرة أخرى....كيف يستحمل شئ  هكذا؟،لا ينقصه سوا صديقها!!!...الكلمة فقط تُشعل فتيل النيران بداخله فما  بالك إذا رأه أمامه يحدثها بكل أريحية بحجة أنه صديقها يعلم وقتها أنه  سيفرق روحه عن جـ ـســده فما منعه الآن هو

بعده عنه

شد  قبضة يـ ـده علي المقود من أمامه بغضب وهو يستمع لصوت آناتها  المكتومة...نظر لها بطرف عيناه وجدها تستند برأسها علي زجاج الشباك المجاور  لها ودموعها تهبط علي وجنتيها

أخذ نفساً عميقاً ومن ثم أخرجه وهو يوقف السيارة بذلك المكان الخالي الموجود أمامه

رفعت أنظارها من على الطريق إليه عندما شعرت بتوقف السيارة وجدته هو الآخر ينظر إليها ولكن نظراته تختلف عن نظراتها المتسائلة

كانت نظرات هادئة من الخارج ولكنها ترى بداخل عيناه نيران تتصاعد حتى إنها شعرت بلسعتها وإختناق السيارة من حولهم

أردف بنبرة هادئة جداً جاهد نفسه حتي يخرج بتلك النبرة المستكينة متسائلاً:

-بتعيطي ليه؟

رفعت أنامل يـ ـدها اليمنى تمسح بها دموعها

المتساقطة علي وجنتيها بسخاء عقب سماع سؤاله

ومن ثم خرج صوتها مهزوزاََ من أثر البكاء منذ قليل قائلة:

-عشان إنتَ بتستقل  بيا يا فارس

هز رأسه نافياً تلك التهمة من عليه وهو يقول بتساؤل مستنكر:

-أنا؟

إنتظر أن ترد على سؤاله المستنكر ولكنها لم تفعل بل وجهت رأسها للجهة الأخرى بعيداً عن مواجهته

-نغم بكلمك!!!!

خرجت كلماته بجدية حادة أكثر من الازم

نظرت إلى عيناه مباشرةً بعدما إلتفت برأسها مرة أخرى قائلة بهدوء:

-لو سمحت يا فارس روحني لأني تعبانة وعاوزة أنام

ثم أكملت حديثها قائلة بجدية:

-وبالنسبة لكتب الكتاب إلغيه أنا مش موافقة

ومن ثم خلعت الخاتم الألماس الموجود

بيـ ـدها الذي لم تخلعه منذ أن لبسه لها وهم بمرسى مطروح

مدت يـ ـدها له والخاتم بين أناملها قائلة والدموع تغرورقت بعيونها:

-والخاتم اللي ليك عندي أهو

مد يـ ــده يتناول الخاتم من بين أناملها برد فعل سريع وهدوء يُحسد عليه

ووضعه بجيب حِلَته الرمادي دون حديث ولا مجادلة ومن ثم أدار السيارة مرة أخرى بكل برود أعصاب

بقيت هى تنظر إليه بتعجب وإستغراب لما فعله فهي كانت تظن أنه سيثور ويغضب

ويجعلها ترتدي الخاتم مرة أخرى بالغصب

ولكنها  لم تتخيل أن يضعه بجيبه بتلك السهولة!!!...وكأنه ما صدق يتخلص منها،فأين  حبه الذي كان يتغنى به ليلة أمس؟..هي لم تقصد بالمرة ما قالته ولكنها كانت  تريد التدلل عليه لا أكثر حتى ترى مدى غلاوتها لديه

فاجأها بردة فعله...وجهه لا يظهر عليه أي أمارة من إمارات الحزن،فهل كل شئ إنتهى بتلك السرعة مثلما بدأ؟

أوقف السيارة أمام البناية دون حديث ومازال بصره متوجها صوب الطريق واضعاً يده على المقود

نظرت له والدموع أخذت مجراها علي وجهها

قائلة بعناد شديد حتى تستفزه:

-إستنى هطلع أحط هدومي في الشنطة وأجبلك المفتاح...أنا هرجع الحارة تاني

في لمح البصر كانت نظراته تخترق خاصتها

وصوته العالي الغاضب يخترق السيارة بأكملها

قائلاََ:

-إطلعي وخلي ليلتك تعدي على خير

رجعت بظهرها إلي الخلف خوفاً من حدته

وتوقف  قلبها عن النبض بهلع فكانت عيناه ليست بها نيران مشتعلة بل الجحيم بأكمله  كان كامن بداخلها..مدت يـ ـدها بسرعة حتى تفتح باب السيارة لكي تهرب من  مواجهة نظراته القاتلة

أخذت شنطتها من علي الكرسي الجالسة عليه

بعدما فُتح الباب ونزلت سريعاً متجهة داخل البناية دون أن تكلف نفسها وتغلق الباب خلفها

دار السيارة مرة أخري ولكن تلك المرة بسرعة فائقة جعلت الباب المفتوح يغلق بقوة ووجه معلق على للطريق غير أبه بشئ

❈-❈-❈

ركن سيارته بجراچ القصر ومن ثم إتجه للداخل وهو يطوي الأرض من تحت أقدامه

وجد أحمد يجلس على الكرسي الموجود بالردهه ينتظره

أردف فارس بتقرير أكثر من كونه إستعلام:

-إياد عارف إني متجوز؟

أماء له أحمد وهو يقول:

-ايوه كان بيشوف مالك معايا وعارف إنه إبنك عشان كده خدت الموبايل من نغم لما حسيت إنها هتقوله على جوازكم

لم يعلق على حديثه بل قال وهو يلكزه بصدره قبل صعوده:

-إبقى إمسك لسانك شوية بدل ما أقطعهولك

ضحك أحمد على جملته وأكمل تصفح علي الهاتف

صعد فارس جناحه بوجه خالي من أي تعابير

تُذكر

وجد سارة تجلس على السرير وبيـ ـدها هاتفها موجهه نظراتها إليه بغضب شديد

لم يبالي بها وخلع جاكت بذلته ورماه على السرير ومن ثم القميص وبعدها إتجه لغرفة الملابس

وقفت على باب الغرفة منتظرة خروجه على أحر من الجمر وفور فتحه للباب إندفعت قائلة بغضب وهي ترفع الهاتف لوجهه:

-مين دي وماسك إيـ ـديها كده ليه

رفع نظره للهاتف وجد صورته هو ونغم عندما كانوا بالحفلة التي كانت مُقامة بمرسى مطروح بمناسبة إفتتاح الفندق

رفع يـ ـده هو الأخر يبعد يـ ـدها الممسكة للهاتف عن وجهه بقسوة قائلاََ بفحيح هادئ محذر:

-إبعدي عن وشي الساعة دي عشان مخلكيش تندمي على اليوم اللي إتولدتي فيه

-مش  هبعد ولا هروح في حتة غير لما تقولي مين اللي انت ماسك إيـ ـديها  دي.....الصور ماليا السوشيل ميديا مفكرتش في شكلي قدام صحابي هيبقى إيه!!

-طب إغزي الشيطان وإبعدي عن وشي يا بنت الناس عشان مأذكيش

قالت بصوت عالٍ غاضب:

-مش قبل ما تقولي مين الرخيصة اللي إنتَ ماسك إيـ ـدها دي

عقب إنتهاء أخر حرف قالته كان يقبض بيـ ـده

علي خصلاته شعرها شادداََ إياها منه بعنف شديد

قائلاََ:

-لسانك إن متحطش في بوقك هخليها ليلة سودا على دماغ اللي خلفوكي فاهمة؟

أنهي كلامه بصوت عالٍ متسائل

أماءت له برأسها وهي تضع يـ ـديها فوق خاصته مخففة من الألم الذي نشأ بفروة رأسها

من أثر ضغطة علي شعرها قائلة بتألم:

-فاهمة سيب شعرى بيوجعني

دفعها بعيد عنه وكأنها قمامة ستلوثه وإتجه بعدها إلى الخارج قاصداً غرفة خالية يبات فيها تلك الليلة المشئومة مثلما سماها

❈-❈-❈

عند نغم

صعدت شقتها وهي ترتجف من الرعب فمنظره كان  مخيف للغاية لا تعلم ما حدث له أو ما فعلته ليجعله يتحول بتلك الطريقة المخيفة

لاحظت  أنه كان يتحمل على نفس حتى لا ينفجر من عروقه وجهه ويـ ـداه البارزين  وبشدة....تحاول إسترجاع ما حدث ولكن عقلها لا يسعفها بتذكر السبب،كان يمزح  مع أخيه وفجاة وهي تتحدث في الهاتف إنقلب وجهه راساََ على عقب، إذاََ ما  جعله يتوصل لتلك الحالة حدث وهي تهاتف إياد...ولكن لم يحدث شئ لفت نظرها في  ذلك الوقت!!!

لحظة هل من الممكن سبب غضبه هو مكالمتها لإياد؟...لا يوجد سبب أخر غيره إذاََ هذا هو

ولكن لما غضب بتلك الدرجة فهو يعلم أن إياد بمكانة أخيها...لا لا هو بالتأكيد لم يغضب بسبب هذا الموضوع فهو أكبر من ذلك

فبالتأكد حدث شئ أخر جعله يتحول هكذا

أكثر ما يوجعها هو صمته وهدوئه عندما طلبت منه الإنفصال فهي حتى الآن لا تعلم هل هو تخلى عنها بهذه السرعة أم كان يمزح؟

ولكنه وضع الخاتم بجيبه ولم يعيطها إياه مرة أخرى... هل كتب الكتاب الذي سيحدث أمس غداً لُغِي؟

لم  ترى يوماً من هم أقل منها حظاََ فهي كانت على بعد خطوة واحدة من زوا.جها  بالشخص الذي عشقه قلبها ولكن جاءت هرموناتها هدمت كل شئ فلم يكن له داعى  ابداََ أن تنزع الخاتم من يـ ـدها فهو لم يفعل شئ سوا أنه كان  غاضباً...ولكن كيف لا يأتي دلالها المقرف وينزع عليها الأمور

لم تتحمل ذلك الصراع الموجود بذهنها ففتحت حقيبة يـ ـدها سريعاً وهي تتناول منها هاتفها

لم تفكر بقرارها فبأقل من ثانية كانت تضغط على رقم فارس المسجل على الشاشة أمامها وتضعه على أذنها منتظرة رده

إنتهت الرنات دون رد منه....ضغطت على أيقونة الرن مرة أخرى ووضعته علي أذنها

جاءها صوته البارد أخيراً بعدما فقدت الأمل في أن يرد عليها قائلاً:

-في إيه

أخذت نفساََ عميقاً ومن ثم أخرجته مرة أخرى

حتى تهدأ من غضبها منه

خرج صوتها هادئاً عكس الضخب الموجود برأسها قائلة:

-عاوزة أتكلم معاك..فاضي؟

-نعم

خرج رده بارداً مثله تماماً...مما جعلها تشيط غضباََ وإحراجاََ منه وندمت حقاََ على تسرعها في مهاتفته

أردفت بغضب شديد أشعل فتيله برده البارد:

-أنا بكلمك عشان أعرفك إني هلم هدومي وأمشي وهسبلك المفتاح مع البواب تحت

مش عاوزة أتقل عليك أكتر من كده

وشكراً على كل اللي عملته عشاني مش هنسى وقفتك معايا

أخذت  نفسها بعدما أنهت حديثها الذي أرهقها ومن ثم وقفت لثواني تستوعب ما  قالته....فهي لم تكن تخطط لهذا الحديث!!!،كانت تهاتفه حتى تعلم لماذا هو  غضب أبسبب محادثتها لإياد أم شئ أخر حدث...وتسأله عن السؤال الذي يراودها  أكل شئ إنتهى بينهم هكذا؟

جاء رده الصاعق لها وهو يقول بنفس نبرة البرود المتطبع بصوته قائلاََ:

-قولي عاوزة أيه وإخلصي يا نغم عاوز أنام

لم تقدر على التماسك أكتر من ذلك أمام جفاةه المفاجاء عليها....نزلت دموعها بغزارة علي وجنتيها قائلة بصوت باكِِ متسائل:

-إنتَ مبقتش عاوز تكلمني يا فارس؟

زفر بضيق وهو يستغفر ربه قائلاً بنبرة هادئة حتي يهدأ من روعها:

-نغم أنا مش طايق نفسي دلوقتي...هكلمك الصبح

-لاء يا فارس أنا مش هقدر أستنى للصبح يا فارس ريحنى وقولي في إيه وكده كل حاجة بنا إنتهت خلاص

أنهت حديثها وهي تبتلع الغصة العالقة بحلقها

ودموعها مازالت تجري على وجنتيها

-هو إيه اللي إنتهى إنتِ هبلة؟

هتف كلماته بإستنكار تام لحديثها

-مش إنتَ خدت الخاتم مني ومشيت من غير ما تتكلم معايا ده كده معناه إيه؟

-أولاََ أنا مخدتش الخاتم منك إنتِ اللي إدتهولي

ثانياً أنا لو كنت إتكلمت كنت هزعلك جامد فإحمدي ربنا إني ماتكلمتش

-طب فهمني وقولي إيه زعلك مني كده يا فارس...كل ده عشان كلمت إياد ولا في حاجة تانية حصلت

أغمض عينه لعله يخفف من غضبه الذي إحتل جسده مرة أخرى عقب سماعه لإسم غريمه من بين شفـ ـتيها...تتحدث عنه وكأنه شئ طبيعي

في  حياتها،تسأل السؤال وهي مستنكرة أن يكون هذا هو سبب زعله...لا يعلم ماذا  يفعل معه حقاََ فكل هذا يحدث وهو ليس موجود أمامه فماذا سيفعل عندما يراه  واقفاََ بشحمه ولحمه يتحدث معها بكل أريحية؟...وقتها سيكون محملاً علي كفنه  حتى يرتاح مما سيفعله به

هتفت نغم بإستغراب:

-فارس إنتَ رُحت فين انا بكلمك

-إيه يا نغم

على صوتها وإمتزجت نبرتها بالصراخ وهي تقول:

-هو إيه اللي إيه يا نغم هو أنا بكلم نفسي...مش عاوز تتكلم إقفل أنا غلطانه أصلاََ إني كلمتك

زفر بغضب شديد وجز على أسنانه بغضب أكبر وهو يقول من بينهم بتحذير:

-صوتك يا نغم

لم يهمها تحذيره ولا طريقة حديثه تلك....

بكل غضب بعدت الهاتف عن أذنها ومن ثم أنهت المكالمة وهي تلعن نفسها على تفكيرها الذي لح عليها بمهاتفته

علمت أنه غاضب بالفعل من حديثها مع إياد فهو إن كان ليس غاضب بسبب ذلك الموضوع كان نفى التُهمة عنه بدلاً من صمته...

هل غار عليها منه أم شعر بالإحراج  من مهاتفتها له أمام أخيه وتقليلها منه؟

هي  لم تقصد أي شيء من الأثنين كان كل تفكيرها وقتها أن أحمد يكون صاحب إياد  فبالتالي يعرف من مع إياد بهذه الرحلة ومن السهل أن يصل لأياََ منهم  فإنتهزت الفرصة

وطلبت منه مهاتفته

إهتز الهاتف بيـ ـدها..أخفضت بصرها صوبه وجدته هو من يرن ألقت الهاتف على السرير جوارها بعدما فعلت الوضع الصامت به دون

تفكير فهي لم يعد لديها أي قدرة لمحادثته اليوم،أسلوبه صعب وأصعب ما به هو بروده الذي يشعل نيران الغضب بجسدها دون عناء منه

أبدلت ثيابها لأخرى بيتية مريحة وهي تفكر ماذا سيحدث في الغد؟.. فهي حتى الآن لا تعلم

إذا كان كتب الكتاب لُغي أم مستمر

❈-❈-❈

في صباح يوم جديد ستُشيد به علاقة جديدة

أساسها كذبة سيكون أثرها كبير على الجميع

فتح فارس عيناه عندما إستمع طرقات على باب الغرفة التي ينام بها

وضع يـ ـده على فمه وهو يتثائب ومن ثم خرج صوته الناعس قائلاً:

-في إيه

جاءه صوت سُعاد الهادئ وهي تقول:

-الفطار جاهز يا فارس بيه والكل مستنيك تحت

-خمس دقايق وجاي

نهض فارس من على الفراش بكسل شديد...

دخل الحمام الموجود بالغرفة حتى يغسل وجهه ويقضي حاجته ومن ثم خرج متجهاً صوب هاتفه الموضوع على الطاولة المستديرة الموجودة بالغرفة

فتح الهاتف ووضعه على أذنه بعدما قام بمهاتفة نغم ولكنه لم يأتيه الرد أيضاً

مثلما فعلت البارحة

لعبت الأوهام بذهنه...فمن الممكن أن تكون تركت المنزل مثلما قالت!!

رن على حارس البناية سريعاً وهو ينتظر رده على أحر من الجمر ويدعو ربه بسره أن يكون سبب عدم ردها هو دلال عليه لا أكثر

جاءه صوت حارس البناية وهو يقول:

-أهلاََ أهلاََ بفارس بيه عاش من سمع صوتك

-الآنسة اللي قاعدة في شقتي نزلت بعد ما جبتها إمبارح؟

قال حديثه دفعة واحدة دون سلام ولا كلام مع الحارس وصمت بترقب منتظراً رده

-لاء يا بيه منزلتش خالص

زفر براحة عقب سماعه لصوت الحارس النافي لسؤاله

ومن ثم أغلق المكالمة قبل أن يصوب الهاتف أمام بصره دون أن يأبه به

دخل إلي تطبيق المراسلة باعثاََ رسالة لها ومن ثم وضع الهاتف على الطاولة مرة أخرى ونزل إلى أسفل يتناول فطاره

❈-❈-❈

في الأسفل

دخل فارس غرفة الطعام وجد الكل ملتف حول مائدة الطعام ألقي تحية الصباح على الجميع وجلس على كرسيه الفارغ بعدما قبل مالك على وجهه

نظر فارس لمالك قائلاً بتساؤل:

-لابس ورايح فين يا بطل

-رايح النادي يا بابي عمو أحمد إشتراكلي أنا ولين فيه..انا هلعب كراتية وسباحة وخيل

وجه  نظره للين الذي رآها هي الأخري مرتدية ثيابها و يعلو رأسها حجابها الذي  زينها مرة اخرى حمد ربه بسره على هدايته لأخته وعودتها لرُشدها مرة أخرى

أردف موجهاً حديثه لها:

-وإنتِ يا لين إشتركتي في إيه

-ما إشتركتش  في حاجة أنا قولت أروح مع مالك وبالمرة أتسلى بدل ما أقعد في البيت على ما أنزل الشغل

-ماشي يا حبيبتي خلي بالك على نفسك وعلى مالك

إبتسمت له إبتسامة هادئة وهي تقول:

-حاضر

بدأ الجميع بتناول فطورهم بهدوء وصمت تام

ولكن قطع الصمت المطبق علي الغرفة صوت فارس وهو يقول:

-أنا مسافر النهاردة إن شاء الله وهقعد شهر بره

جعد محمد حاجبيه بإستغراب وأردف سائلاََ:

-ليه في حاجة ولا إيه يا فارس

-رايح تركيا أشرف على المشروع الجديد

رد إبراهيم وهو يقول باستنكار:

-إيه اللي جد ما طول عمرك بتبعت عمال من الشركة يِشرفوا هما

-المشروع مهم مش هأمن لحد أنه يستلمه

أماء له إبراهيم وهو يتعجب من أفعال إبنه

يشعر بشئ غريب يحدث له ولكن لا يعلم ما هو ولا هو قادر على أن يتوصل لطرف الموضوع

أردف مرة أخرى بنبرة جادة:

-مين اللي صورتك إنتَ وهي قالبة السوشيل ميديا دي

رفع رأسه من على الطبق الموضوع أمامه محدجاََ سارة زوجته بنظرات شرهة

أخفضت رأسها سريعاََ ولهت نفسها بتناول طعامها

-كاتبين فوق إنها السكرتيرة بتاعتي مقرأتهاش؟

خرج رده هادئاََ بعدما وجه نظراته لأبيه مرة أخرى وأنهى حديثه متسائلاً

-ومن إمتى وإنتَ بتمسك إيد السكرتيرة بتاعتك يا فارس...في حاجات كتير فاتتني وأنا برة ولا إيه؟

-متقلقش مش حاجات كتير أوي

عقب إنتهاء حديثه نهض من على كرسيه معلناََ عن إنتهاء فطاره

قالت سارة بحنان وخوف على ولدها:

-أقعد يا حبيبي كمل أكلك متزعلش

-مش زعلان يا ست الكل كل الحكاية بس إن إبراهيم بيه ناسي إني كِبرت على التحقيقات بتاعته دي

قام إبراهيم هو الآخر واقفاً متجابهاََ معه وهو يقول بحدة:

-هتكبر على أبوك يا فارس

-متولدش  اللي يكبر عليك يا بابا...بس أنا عارف أنا بعمل إيه كويس أوي مش مستني من  حضرتك تأنيب أو إستنكار على أفعالي لمجرد إن بنت أخوك جَت وقالتلك  كلمتين...عن إذنك

ترك الغرفة وصعد إلى جناحه يُحضر شنطة هدومه الذي سيأخذها معه

قامت سارة بغضب قائلة لإبراهيم:

-إنتَ هتفضل طول عمرك كده منكد عليه بسبب بنت أخوك كفاية بقى سيب فارس براحته عاوزين تقيدوا ليه كفاية تقيدكم ليه قبل كده

قام محمد هو الأخر وهو يقول لها بصوت عالِِ يحمل من الغضب أطنان:

-وإنتِ إيه بيدخلك في الكلام ده مفاضلش غير الحريم ونسمعلهم!!

نظرت سارة له وهي تقول بصوت عالٍ هي الأخرى:

-لاء ليا طول ما الموضوع متعلق بولادي يبقى ليا ونص كمان

-صوتك ميعلاش عليا بدل ما أديلك قلامين يفوقوكي

إتجه أحمد صوب أمه وهو يقول لها بجدية:

-ماما لو سمحتي إهدي وإطلعي أوضتك دلوقتي

-إبعد يا أحمد أما أشوف جدك هيديني قلمين إزاي....بدل ما يعترف بظلمه لفارس في كل حاجة واقف عاوز يضرب أمه

سحبها إبراهيم من ذراعها وهو يقول لها بغضب:

-إقفلي بوقك

سحبت ذراعها من بين كف يـ ـديه بغضب وهي تقول:

-لاء  مش قافلة بوقي إنتوا الزمن شكله نساكوا إبني إتجوزها ليه بس أنا منسيتش  ولسه فاكرة كويس أوي...وحضرتك يا إبراهيم بيه واقف تحاسبه علي مسكة إيـ ـده  لبنت مراعاة لمشاعر بنت أخوك

حدجها الجد بنظرات شرسة ومن ثم قال بصوت جهوري:

-شيل مراتك من قدامي يا إبراهيم عشان  مخرجش روحها بين إيـ ـديا دلوقتي

نظرت لإبراهيم منتظرة رده على حديث والده

ولكنه لم يفعل شئ سوا ذهابه للابيه قابلاََ جبينه قائلاََ:

-حقك عليا يا بابا

تركتهم وخرجت من الغرفة صاعدة إلي جناحها طاوية الأرض تحت قدميها بغضب شديد

نظر إبراهيم لخروجها العاصف...أشار برأسه لأحمد أن يصعد خلفها دون حديث

تجاوب أحمد مع إشارة أبيه الخفيه وبالفعل صعد إلي جناح أبيه وأمه

خرج صوته أمراً وهو يقول للين:

-خدي مالك وروحوا النادي يلا...وإنتِ يا سارة إطلعي أوضتك

❈-❈-❈

صعدت سارة إلى الجناح والدموع متحجرة بعيناها...وجدت فارس جالساً بالبلكونة

إتجهت هي إلي المرحاض وأغلقت الباب على نفسها ومن ثم جلست علي حرف البانيو واضعة رأسها بين كفين يـ ـديها وأجهشت فى البكاء

لا تعلم لما الجميع يلومها على ذلك الماضي فهي لم تُغضب الله ولم تفعل شئ مُحرم وقتها

أحبته وبشدة كان عالمها يدور من حوله هو فقط فهل ذنبها هو أنها حبت بصدق دون أن

تحذر الغدر؟... الحياة ليست عادلة معها نهائياََ

خدعتها في من أحبت بصدق وجعلتها تتزوج من رجل مثل فارس،جميع النساء يتمنون أن يصبحون مكانها ولكنها لم تتمنى يوم تلك المكانة

كانت  كل ما تحلم به هو أن تعيش مع حبيب أيامها بسعادة وإستقرار ولكن جاءت  الرياح بما لا تشتهي السفن وأبعدتها عنه بأشد الطرق قسوة وأصبحت في يوم  وليلة زو.جة فارس الهواري التي كانت تأخده بمكانة الأخ

ظلت  فترة معترضة على هذا الوضع ومستنكرة لحياتها حتى تأقلمت عليها عند مر يوم  ومن ثم شهر ومن ثم سنة ظلت منتظراه طوال تلك السنة أن يظهر ويخبرها أن كل  ما يقولوه عليه ما هو إلا كذبة ولكنه لم يأتي مما أكد حقيقة حديثهم

قامت من مكانها وإتجهت صوب حوض الغسيل غسلت وجهها حتى تُمحي دموعها

الذي كانت تسير بغزارة على وجنتيها

❈-❈-❈

خرجت من المرحاض وهي تنشف خصلاتها بالمنشفة متجهة نحو التسريحة حتى تسلكه

وجدت هاتفها مضاء على الفراش

غيرت وجهتها إليه...مدت يـ ـدها حتي تأخذه

جحظت  عيناها عندما وجدت فارس هاتفها لأكثر من ٢٠ مرة فهي منذ تفعيلها لخاصية  الصامت لم ترفعها من على الهاتف لذلك لم تستمع إلى رنينه

وجدت رسالة منه دخلت إليها سريعاً وأخذت تقرأها بصوت مسموع:

-حقك عليا متزعليش مني لو كنت إتعصبت عليكي إمبارح أو كلمتك بطريقة وحشة

بس كنت مضايق شوية وعشمي فيكي إنك تعدهالي...جهزي نفسك لكتب الكتاب بليل

وأنا متأكد إنك هتكوني أجمل ما رأت عيني

النهاردة يا مراتي العزيزة،وخدي في بالك مش هعديلك تجاهلك لمكالماتي...بحبك يا ماسة

نمت إبتسامة سعيدة على شفـ ـتيها وهي تقرأ أخر كلمات...رمت المنشفة من يـ ـدها وهي تدور حول نفسها بسعادة بالغة

فهي شعرت وكأن روحها ردت إليها بهذه اللحظة....ستصير زو.جته اليوم وتعيش تحت كنفه يا له من شعور رائع يجعل قلبها يتدغدغ

خرجت من تطبيق المحادثات ورنت علي رقمه

قبل أن تفتح مكبر الصوت وتضعه علي التسريحة أمامها...إلتقطت فرشة الشعر وأخذت تسلكه بهدوء

أتاها صوت فارس ببحته الرجولية التي تعشقها قائلاً:

-الملكة نغم حنت عليا وكلمتني أخيراً

قالت له مأنبة إياه على ما إقترفه بحقها أمس:

-إنتَ اللي غلطان يا فارس مش انا

ثم إسترسلت حديثها قائلة:

-وبعدين أنا لسه شايفة المكالمات والرسالة دلوقتي لأني كنت عاملة الموبايل صامت

-سيادتك تعملي الزفت صامت وأنا أقعد طول الليل قلقان عليكي.....أول وأخر مرة تقفلي الموبايل في وشي يا نغم

-حاضر أنا أسفة...وإنتَ كمان إتأسفلي لأنك عاملتني وحش

ضحك فارس بملئ فمه وهو يقول بصوت متأرجح:

-حاضر يا ستي.....أنا أسف يا أغلى ماسة في الدنيا

قلبت شفـ ـتيها بحزن وهي تقول بنبرة علي مشارف البكاء:

-كنت فاكرة إنك سبتني يا فارس

-في حد يسيب روحه يا نغم؟

مش معنى إني إتعصبت شوية يبقى تفكري في التفكير ده....وبعدين مش إنتِ اللي قلعتي الخاتم وقولتيلي إنك مش عاوزة تتجوزيني

-كنت بقولك كده عشان أشوفك هتتمسك بيا ولا لاء...بس حضرتك خدت الخاتم وحطيته في جيبك ولا كأنك صدقت

تنهد تنهيدة عميقة وهو يقول:

-خدت  الخاتم عشان إنتِ معرفتيش قيمته يا نغم وقلعتيه من أول مطب....يوم ما  إديتك الخاتم ده كنت بقدملك نفسي على طبق من دهب بس إنتِ معملتيش حساب لده

-حقك عليا أنا أسفة والله مش هعملها تاني أبداً

ثم أكملت حديثها قائلة بتساؤل:

- قولي بقى إيه اللي كان مزعلك

-هقولك بعدين يا حبيبي...يلا إجهزي وأنا هروح الشركة شوية هخلص ورق وبعدين أجي بعد العشا

-الباب بيخبط شكل رانيا جات أهي

-طب روحي إفتحي وأنا معاكي شوفي مين

ذهبت نغم تجاه الباب وقالت بصوت مرتفع قبل ان تفتحه:

-مين؟

جاءها صوت رانيا من خلف الباب مجاوبة علي سؤالها

قالت وهي تضع الهاتف على أذنها مرة اخرى

وهي تقول:

-دي رانيا يا فارس يلا باي

-باي يا ماسة

أغلقت نغم الهاتف ومن ثم أدارت مقبض الباب فاتحه إياه حتى تدخل رانيا

❈-❈-❈

تسير  بالنادي بلا وجهة بعدما أوصلت مالك لتدريباته....تنظر بوجه الناس بإستغراب  لا تعرف تلك الوجهه،كل واحدة تسير بمحاذاة رفاقها إلا هي وحيدة... كان  السبب الأساسي في مجيئها هنا هو التعرف على أشخاص جدد

فهي بعدما كونت حياة بالخارج أتوا بالأخير لهنا تاركين كل شئ خلفهم

حزينة  على ما حدث اليوم وكلام أمها الذي جرحت به سارة، لا تعلم ما هو سر العداوة  الموجودة بين أمها وزو.جة أخيها...لم يعجبها حديث أمها اليوم ووقوفها بوجه  جدها بهذه الطريقة المنافية لإحترامهم للجد

ولكن تعلم أن عندما يتعلق الموضوع بفارس تفقد أمها عقلها ولا يكون أمامها سوا صورة فارس الذي تضعه بإطار المظلوم

من الممكن أن يكون حديث أمها صحيح بخصوص ظلم فارس ولكن بالتأكيد أن سارة ظُلمت أكثر منه بأضعاف مضاعفة...

خرجت آه متأوهة منها عندما شعرت بأحد يصتدم بذراعها الأيسر

أخفضت بصرها سريعاً عندما نزل على قدميه

يلم بها مقطنيات الشنطة الخاصة بها الذي فرطت على الأرض

ومن ثم قام مرة أخرى وهو يمد يـ ـده بالشنطة قائلاً بصوت دافئ:

-انا أسف جداً مخدتش بالي...ومتقلقيش كل حاجة وقعت حطيتها في الشنطة

بصرها ظل معلق عليه دون أن تنتبه ليـ ـده الممدودة بحقيبتها...فكان شاباََ طويلاََ بطول أخيها فارس

وجسده مشدود بصلابة،يمتلك عينان سوداوية

نظراتهم  ناعسة وشعره مهذب ليس بالطويل ولا بالقصير ولكن أكثر ما جذب إنتباهها به  هو طول رموشه وثقل حواجبه كانوا يعطيان له شكل جذاب للغاية لأول مرة  بحياتها ترى أحد يمتلك مثل تلك الرموش خاصته

هتف قائلاً بصوت عالٍ حتى يوقظها من شرودها الغير مبرر:

-يا أنسة روحتي فين

فاقت لين من تأمله على صوته العالِِ فمدت

يـ ـدها تتناول منه حقيبتها فائلة بتوتر:

-معلش سرحت شوية

-عادي ولا يهمك

ثم مد يـ ـده مرة أخرى بعد أن قال بابتسامة بشوشة:

-يونس الشاذلي

لم تضع كفها بين خاصته ونظرت له قائلة بخجل:

-لين الهواري....وأسفة مبسلمش

سحب يونس يـ ـده بهدوء ووضعها بجيب بنطاله متجاوزاً الموقف الذي أعجبه بشده رغم إحراجه قائلاً بصدمة مصطنعة:

-أخت أحمد وفارس الهواري

أماءت له برأسها بإبتسامة وهي تقول:

-إنتَ تعرفهم؟

-طبعاََ أعرفهم... أحمد يبقى خطيب أختي

فتحت عيناها أكثر من الطبيعي وقالت وكأنها حلت أصعب الفوازير:

-إنتَ أخو رقية؟

-لاء الحقيقة هي اللي أختي مش أنا اللي أخوها

أهدته إبتسامة بسيطة على مزحته وقالت بهدوء:

-فرصة سعيدة ومبسوطة إني إتعرفت على حضرتك

-أنا أسعد....ومعلش مش هعرف أعزمك على أي حاجة دلوقتي لأني عندي شغل بس تتعوض مرة تانية،مش إنتِ بتيجي هنا على طول؟

-انا لسه مشتركة جديد في النادي أول يوم ليا فيه النهاردة عشان كده معرفش فيه حاجة

-خلاص يا ستي يبقى إتفقنا المرة الجاية هلففك النادي كله وأعزمك على اي حاجة عشان متقوليش إني بخيل

أردفت بخجل من حديثه التي ترفضه بالأصل ولكنها لا تريد إحراجه مرة أخرى فهو يحدثها بعشم كما لو كانوا أصدقاء منذ الصغر:

-إن شاء الله...عن إذنك هروح أشوف مالك إبن أخويا

عقب إنتهاء حديثها تركته وغادرت مكان وقوفهم متجهة نحو صالة الكاراتية

أما هو فإلتفت برأسه ينظر لطيفها بشرود وإبتسامة خفيفة نامية على وجهه

كان  يجلس مع أصدقائه على إحدى المقاعد وفجأة وقع نظره عليها...إنتقض قلبه تلك  الإنتفاضة الذي شعر بها يوم خطوبة أخته عندما رأها،قام سريعاً من مكانه وهو  مقرر أن يحظى  بهذه الفرصة الرائعة التي ستجعله يتعرف عليها

وبالفعل ساعده شرودها ومر بجوارها وهو يخبط كتفها بخاصته متعمداً

إتسعت إبتسامته وهو يقول بتلذذ:

-لـــــيـــــــن

❈-❈-❈

بالمساء

يقود  فارس سيارته متوجهاً صوب البناية القانطة بها نغم...يشعر بسعادة تغمره من  الداخل،يتمنى الله بداخله أن يدوم عليه تلك السعادة ولا يجعل شئ يعكرها  عليه...يتخيل سيناريوهات كثيرة عند معرفة نغم بزواجه ولكن كلها مخيفة لا  يحبذ التفكير بتلك النقظة الآن....

نظر بمرآة سيارته وجد سيارة زين وسيارة أحمد خلفه يضربون له الزمامير وأصوات الأغاني العالية تخرج من سياراتهم

إبتسم بخفة وهو يهز رأسه بيأس من جنونهم

أوقف السيارة أمام المبنى ونزل منها ومن ثم فعل أحمد  والمأذون المجاور له  وزين نفس الشئ

نزل فارس من السيارة وهو يحمل باقة الورود الذي إبتاعها لنغم

قال زين بمزاح وهو يُخرج هاتفه من جيبه حتى يلتقط لفارس صورة:

-لحظة مش هتتكرر فارس الهواري ماسك بوكيه ورد...تخيل الصورة دي لو نزلت على السوشيل ميديا هتعمل ضجة قد إيه

-لو نزلت يا زين هيبقى أخر يوم في عمرك انا بحذرك أهو

جاء زين لرد عليه قاطعه المأذون وهو يقول:

-يلا يا بني لأني عندي شغل تاني

صعد الجميع إلي الشقة بعدما ركبوا الأسانسير

طرق فارس الباب عدة طرقات

فتحت رانيا الباب لهم بابتسامة سعيدة

هتف زين وهو الأخر إرتسمت على وجهه إبتسامة كبيرة:

-ونبي قمر مراتي قمر يا ناس

أخفضت رانيا بصرها بخجل وهي ترتكن من أمام الباب حتي يدخل الجميع

قادهم فارس نحو غرفة الأنترية وجلسوا بها

أما زين تبطئ قليلاً حتى دخل الجميع وأغلق الباب خلفه وهو يقول لرانيا:

-إمتى بقى تلمنا شقة واحدة يا نوسة

لكزته بكوعها في صدره وهي تقول:

-إحترم نفسك بقى

-في واحدة تقول لجوزها إحترم نفسك؟

أما إنتِ متربتيش صحيح بس مش مشكلة انا هربيكي من أول وجديد

أنهي حديثه بغزة عابثة

قالت له بغضب قبل أن تغادر:

-أنا هدخل عشان مرتكبش جناية دلوقتي

سار زين خلفها بسرعة وهو يقول:

-مسيرك تقعي يا ملوخية تحت المخرطة

إبتسمت إبتسامة خفيفة ولم ترد عليه

هتف المأذون قائلاََ:

-أيــن العروس

نظر فارس لرانيا نظرة ذات معنى فهمتها هي سريعاً وإتجهت إلي إحدى الغرف حتى تستدعى نغم

خرجت نغم بعد قليل وهي ترتدي فستان أبيض رقيق جداً كرقة وجهها الذي كانت تُزينه بالقليل من أدوات التجميل

لمعت عيناه بسعادة وهو يراها أمامه متزينه له وترتدي فستانها الأبيض لأجله، فاليوم بل في هذه الساعة ستكون زو.جته وحلاله

قام من مكانه متجهاً نحوها وعلى وجهه إبتسامة مرسومة بدقة وهو يقول بصوته الرجولي الدافئ:

-والحُسن فيكِ يا باهية الحُسن فاقَ الأغنيات

إبتسمت بخجل ظهر جلياً على وجهها ونظرت لأسفل

رفع يـ ـده حتى يُدخل تلك الخصلات البنية الظاهرة من طرحتها بهدوء وصمت كما لو كان يُرسم لوحة تحتاج لدقة شديدة

أردف أخيراً بنبرة تحمل بين طياتها التحذير:

-أخر مرة أنبهك على شعرك يا نغم

نظرت له بذهول شديد وأردفت:

-إنتَ بتتحول يا فارس!!

-يلا يا حبيبتي المأذون قاعد نبقى نشوف موضوع التحول ده بعدين

ذهبت نغم خلفه وألقت السلام على الجالسين

وجلست بجوار فارس

وبعد ساعة بالظبط قال فيها الماذون توصيات لفارس وأخرى لنغم على كيفية المعاملة وطاعة الزوج وهكذا

صدح صوته أخيراً بالجملة المنتظرة قائلاََ:

-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير....بالرفاء والبنين إن شاء الله.

إنطلقت الزعاريد من فم رانيا بسعادة شديدة عقب إنتهاء المأذون من جملته

قام زين وأحمد محتضنين فارس ومباركين له

ووجهوا لنغم التهاني

إتجهت رانيا صوب صديقتها وإحتضنتها بشدة وهي تقول:

-مبروك يا غومي فرحنالك أوي عقبال يارب ما تجيبوا بيبي صغير

ضربتها نغم على ظهرها بخجل وهي تقول:

-إيه اللي إنتِ بتقوليه ده يا رانيا

سحبها زين من يـ ـدها وهو يقول بعبث:

-يلا يا رانيا عشان فارس بيقولي إخلعوا

إقترب أحمد من فارس وهو يقول بصوت منخفض لا يسمعه سواه:

-محتاج أي نصايح يا أبو الفوارس

جاء زين إليهم بعدما قالت له رانيا أنها ستجلب أشيائها وتأتي خلفه

أردف زين بإستنكار:

-نصايح إيه يالا اللي تدهالوا دي ده الوحش

ولا إيه يا وحش

أنهى حديثه وهو يغمز لفارس بتساؤل

نظر لهم فارس بقرف وإزدراء دون أن يرد على هذا الحديث المتدني من وجة نظره

أردف فارس بضيق:

-إنتوا هتخليكوا قاعدين كتير ولا إيه

جاءت رانيا بتلك اللحظة وقالت له بمزاح:

-لاء خلاص متخفش هاخدهم ونازلين أهم

-يبقى عملتي فيا ثواب والله

نظر لزين وهو يعطيه مفتاح سيارته:

-خلي البواب يطلعلي شنطة هدومي

❈-❈-❈

دخلت نغم غرفتها بعدما ذهبت رانيا وجلست على سريرها....هبطت دموعها على وجنتيها

دون إنذار

فتح فارس باب الغرفة ودخل بعدما أتى البواب بشنطة ملابسه...وجه نظره إليها وجد جسدها ينتفض وتضع كفيها على وجهها تداريه منه

وضع شنطته على الأرض وأتجه إليها سريعاََ قائلاً بإستغراب:

-نغم في إيه

نزع يـ ـدها من على وجهها هاتفهاََ بإسمها بذهول من دموعها الهابطة على وجهها

رفعت نغم بصرها نحوه وهي تقول بصوت باكي:

-كان نفسي حد يبقى معايا من عيلتي النهاردة يا فارس

مسح دموعها بأنامله وهو يقول بصوت دافئ:

-أنا كل عيلتك من النهاردة يا نغم...أبوكي وأخوكي وأمك كمان لو عاوزة

أنهي حديثه بضحكة حتى يخفف عليها

وفالفعل فلتت ضحكة من بين بكائها وهي تقول له:

-متبعدش عني في يوم يا فارس أنا بحبك أوي

أخذها بين ذراعيه وعلى وجهه إبتسامة دافئة

وقال:

-عمري ما أبعد عنك مهما حصل يا نغم... المهم إنتِ اللي متبعديش عني

-ده مستحيل يحصل

رفعت رأسها لأعلى حتى تكون صوب عيناه وقالت:

-تعرف إني أول مرة حد يحضني فيها

رفع لها حاجبه الأيمن وهو يردف:

-إنتِ كنتي عاوزة حد تاني يحضنك ولا إيه...ولا يكونش حضني مش عجبك

لكزته بصدره وهي تقول له:

-مش قصدي كده

-إنتِ بتستقوي عليا من دلوقتي....لاء خدي في بالك أنا راجل أوي

ضحكت نغم بصوت عالٍ وقالت:

-إنتَ من مؤيدين الضرب

-تتقطع إلإيـ ـد اللي تتمد عليكي يا ماسة

إبتسمت له بحب شديد وشددت من إحتضانه

بعد فترة أخرجها فارس من بين أحضانه وهو يقول بعبث لم تتخيل أنه يمتلكه في يوم:

-إحنا هنقضيها أحضان بس ولا إيه مفيش بوس؟

توردت وجنتيها بخجل شديد بعدما بعدت عنه قليلاً وهي تقول بصوت منبوح من الإحراج:

- ما هو ماينفعش أكتر من كده

-هو إيه ده اللي مينفعش ومينفعش ليه إن شاء الله!!!

خرجت تلك الكلمات بإستنكار شديد من بين شفـ ـتيه

-إفهم لوحدك بقولك ما ينفعش

-لاء ما لو اللي أنا فهمته صح هخلي ليلة أهلك زرقا النهاردة....إنتِ خايفة مني صح؟

أنهي حديثه بتسائل وهو يتمنى أن ترد عليه بالإيجاب ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه

سُحبت الدماء من وجهه عندما هزت رأسها بالنفي

13=الفصل الثالث عشر

كنت أحسباني عرفت الحب قبل أعرفك

وعشقت قبل أعشقك واشتقت قبل

ألتقيك

وكنت أحسباني لقيت أحباب قبل

أوصلك

وأثري توهمت في غيرك وأنا كنت

أبيك

تعال نعطش وتشربني وأنا أشربك

تعال قبل الوعد أجلس معي نحتريك

تعال شفني وأنا أستناك....كم

أشبهك

يطري علي ألف راي وراي وأختار فيك

أجي مكان الوعد وإلا أسبقه أنطرك

وإلا آخذ الموعد اللي يحتريك وأجيك

يا آخر الحب ذقت الحب في أولك

❈-❈-❈

توردت وجنتيها بخجل شديد بعدما بعدت عنه قليلاً وهي تقول بصوت منبوح من الإحراج:

- ما هو ماينفعش أكتر من كده

-هو إيه ده اللي مينفعش ومينفعش ليه إن شاء الله!!!

خرجت تلك الكلمات بإستنكار شديد من بين شفـ ـتيه

-إفهم لوحدك بقولك ما ينفعش

-لاء ما لو اللي أنا فهمته صح هخلي ليلة أهلك زرقا النهاردة....إنتِ خايفة مني صح؟

أنهي حديثه بتسائل وهو يتمنى أن ترد عليه بالإيجاب ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه

سُحبت الدماء من وجهه عندما هزت رأسها بالنفي

-نغم متهزريش بالله عليكي

-مبهزرش يا فارس والله

أغمض عينه بغضب شديد ومن ثم فتحها وهو يقول بغضب:

-ومقولتيش ليه أغير معاد الزفت

نظرت له نغم بإستغراب ومن ثم قالت ببعض القوى:

-هو فيه إيه يا فارس...متعصب كده ليه المفروض تبقى متفهم حاجة زي دي

-يا ستي أنا لا متفهم ولا زفت....شغل الأوبن مايند ده مياكلش معايا

خرجت تلك الكلمات من بين شفـ ـتيه بصوت عالِِ ثم إستكمل حديثه قائلاً بتحسر:

-أكيد دي عين زين مفيش غيره

نظر  إليها بطرف عيناه وجدهت مازات تقف أمامه ولكن بصرها معلق على  الأرضية...تنهد بضيق من نفسه وعصبيته الغير مبررة فهي مهما كان لا دخل لها  بذلك الأمر...ولكن عصبيته تلك نابعة من رغبته وحبه بها لتصبح مِلكاََ له هي  وكل شئ بها

تقدم الخطوة الفاصلة بينهم... وبتلك الخطوة التي تقدمها إلتحمت أجسـ ـادهم سوياََ حتى الهواء لم يستطيع المرار من بينهم لشدة تقاربهم

رفعت  نغم رأسها ناظره إليه عندما شعرت برائحته تغلغلت بأنفها وجـ ـسده أصبح  ملامس لجـ ـسدها....وجدت ملامحه عادت لهدوئها ورشدها مرة أخرى وملامحه لانت  كثيراً عما سبق

أخذ نفساً عميقاً ومن ثم أخرجه مازجاََ أنفاسه مع خاصتها بهدوء وتلذذ ومن ثم قال لها بحنان:

-حقك عليا لو كنت إتعصبت عليكي...بس غصب عني مش قادر أستنى أكتر من كده يا نغم ودي مش شهوانية على قد ما هو حب،

عاوز أعبرلك عن حبي بطريقة تانية غير الكلام...متزعليش

أنهى حديثه وهو يطبع قبلة مطولة علي جبهتها جعلت جـ ـسدها يرتجف بشدة من ملمس شفـ ـتيه على جبهتها

إستكمل حديثه وهو يقول بهدوء:

- غيري هدومك ويلا عشان ناكل....وأنا هروح أغير في أوضة تانية

أنهي حديثه قبل أن يغادر الغرفة ذاهباََ إلى الغرفة المجاورة بعدما  أخذ له ملابس من شنطته...جـ ـسده مشدود بشدة،يشعر بغضب عارم يحتله بتلك  اللحظة فهو مثل الطفل الذي وعدته أمه بلعبه في الصباح وظل على أمل أنه  سيلتقى باللعبة غداً،ولكن عند استيقاظه وجد أمه ناسية الموضوع  تماماً....هذه هي الخيبة الذي يشعر بها... كان يتمنى اليوم الذي ستصير به  إمرأته،ها هي صارت زو.جته ولكن خلق له ما يعيقه على إستكمال عقود الز.واج

هو  سعيد....للحق سيطير من الفرح ولكن كان يرجو أن تكتمل فرحته بقربه منها حتى  يصيرون شخصاً واحداً...عندما قال الشيخ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع  بينكما في خير

شعر وكأنه إمتلك الدنيا وما بها،تعززت تلك الرغبة التى كانت تحثه على تملكها

أخيراً باتت زوجته وحملت إسمه مثلما حلم يوماً ما

يشعر لأول مرة بإنصاف القدر له ولكنه

تجاوز عن كل ما فعله القدر به إذا كانت المكافأة هي"نغم"

لم يعكر مزاجه الآن سوا معرفتها بزواجه من أخرى... وعد نفسه انه سيخبرها ولكن بعد إنتهاء شهر عسلهم حتى يكونوا إعتادوا على بعضهم

قطع تفكيره صوت طرقات هادئة على الباب

ذهب إليه وأدار مقبض الباب فاتحاً إياه فمن غيرها؟

وقف كالأبله أمامها لا يفعل أي شى سوى أنه يأتي بها من أسفل لأعلى

كانت  ترتدي منامة باللون الأرزق قماشتها ستان واطلقت العنان لشعرها حتى ينسدل  على ظهرها من الخلف...ومسحت كل ما كانت تضعه على وجهها في كتب كتابهم فصار  وجهها أنقى وأبرء مما كان عليه

لحظة!!!...هل تجاوزنا السلاسل البنية خاصتها؟!

شعرها  يذكره بشعر خيل عربي أصيل كان يمتلكه يوماً...بني اللون بغزارة وينزل  متساوياََ دون تجاعيد،يصل لخصرها....هناك رغبة كبيرة استوطنته بأن يخلل يـ  ـده به ويشتم رائحته العطرة بأنفه ولكن ركنها على جنب عندما إستوطنته رغبة  أخرى أشد قسوة عليه من الأولى

تلك المنامة التي كانت ترتديها برزت جسدها بطريقة لم يتخيله بها يوماََ...هذه الصغيرة تمتلك جسداََ فتاك يؤدي به إلى الجحيم

معالم  أنوثتها الظاهرة أمامه من خلف المنامة تهلكه وتوقد النيران بجـ  ـسده...وعلى ما يظن أن تلك النيران ستظل مشتغلة حتى يشاء القدر ويمتلكها

رفع  نظره مرة أخرى ولكن هذه المرة إقتحم عيناها بخاصته..تلك النافذة التي يرى  العالم بأكمله من خلالها،عيناها وآه من عيناها...تكفي حتى تُهيم بها  شوقاََ،لو نظر إليها عمراََ بأكمله لم يزهق ولا يمل أبداََ،تُحسد نغم أخذت  كل معالم الجمال لم ينقصها شئ واحد...عندما تنتظر لوجهها لا تقول غير "لقد  أبدع الخلاق"

إستدرجت الحمرة على وجهها من نظراته المتفحصة التي تحولت لنظرات وقحة رأتها

جلية على وجهه

فهي  بالكاد خرجت بذلك المنظر أمامه بعدما شجعت نفسها أمام المرآة كثيراً على  أنه أصبح زوجها ولا وجود للخجل بينهم ولكن هدم كل شئ كانت تحث به نفسها  أمام نظراته التى تشعر بها تخترق منامتها وتتفحص جـ ـسدها

حمحمت حتى تبعد الخجل قليلاً ومن ثم قالت بصوت مرتبك:

-الأكل جاهز يا فارس يلا

إقترب منها ومازال نظره متعلقاً عليها قائلاََ بصوت عذب:

-وإنما عَينيكَ، بحَرٌ ، لامِع ، وأني فِي بحَرِ ، عَينيكَ، مُغرم .

ثم بدل نبرته لجدية متحسرة قائلاََ:

-كان أبعد شئ عن مخيلاتي إني أشوفك قدامي النهاردة بالبيجامة وهنقعد ناكل عادي

كده....منه لله اللي كان السبب

-إنتَ مدي للموضوع أكبر من حجمه يا فارس على فكرة

-معاكي حق تقولي كده ما إنتِ متعرفيش حاجة عن النار اللي في جـ ـسمي....يلا يا حبيبي ناكل لأحسن الأكل يبرد مش هيبقى

قرف من كل الإتجاهات

فلتت ضحكة من بين شفـ ــتي نغم وهي تتقدمه ليذهبوا إلى مائدة الطعام

قال بصوت عالٍ مازح:

-إضحكي إضحكي

ثم قال بتوعد مستكملاََ به حديثه :

هيجيلك يوم ووقتها وربي وربك ما هعتقك

قهقهت بصوت عالٍ على جملته وهي تسير ناحية مائدة الطعام الموجودة بمنتصف الصالة

ومن ثم أبعدت إحدى الكراسي وجلست عليه..ناظره لقدومه حتى يشرعوا بتناول العشاء

سحب فارس الكرسي المجاور لها بهدوء وجلس عليه...بدأ بتناول طعامه بنفس الهدوء

دون أن يصدر أي صوت أو يجتذب أي حديث معها

كانت  تنظر له بين اللحظة والأخرى... تنتظر أن يتحدث معها ولكنه لم يبادر، وضعت  الملعقة من بين يـ ـديها على الطبق الموضوع أمامها وهي تقول بتساؤل تعلم  جوابه جيداً فالإجابة ظاهرة على وجهه دون حديث:

-فارس إنتَ زعلان بجد ولا بتهزر؟

رسم إبتسامة رقيقة على شفـ ـتيه قبل أن يوجه عيناه إليها قائلاََ:

-أنا  أول مرة في حياتي أحس إني محظوظ يا نغم... زعلان إزاي بس ده أنا ناقصلي  جناحين وأطير،أينعم الفرحة ما كملتش بس قدامنا العمر طويل هتروحي مني فين  يعني

أنهي كلامه بمزاح وهو يغمز لها بعبث

ضيقت عيناها على خاصته وهي تقول بتأكيد على حديثه بعد أن إبتسمت له:

-يعني مش زعلان؟

-أكيد زعلان وهفرقع كمان بس فرحتي بوجودك معايا بالدنيا وما فيها... كفاية إنك هتنامي في حضني النهاردة

تدرجت  الحمرة وجهها عندما تخيلت حديثه بذهنها...مازالت تستشعر دفء أحضانه منذ أن  حضنها أول حضن من ساعة أو أكثر،لأول مرة تشعر بهذا الأمان،شعرت بأنها  تستطيع الاختباء من جميع البشر بأحضانه هو فقط وليس أحد سواه

إتسعت ابتسامته قليلاً وهو يرى خجلها الذي إحتل وجهها من مجرد كلمة قالها...مد يـ ـده

يتناول بها خاصتها الموضوعة على مائدة الطعام ومن ثم رفعها إلى شفتـ ـيه يقبلها عدة قبلات رقيقة تشعرها بدغدغة لذيذة تحتل جسدها

رفع نظره بهدوء إلى عيناها مباشرةً وأردف بحنان :

-أُحبك بصمت لأن الصمت لغة العقول يا ماسة

لم  تقدر على تمالك نفسها أكثر من ذلك ففرت دمعة وحيده من عيناها أمام كل هذا  الحب والمشاعر...لا تصدق أنها أصبحت زو.جته من الآن فصاعد،تشعر بمشاعر  متضاربة بين الفرح والخوف من عدم إكتمال سعادتها

رفع يـ ـده سريعاً من على خاصتها إلى وجهها يمسح تلك الدمعة ومن ثم قال معاتباََ إياها:

-طول ما أنا موجود مش عاوز عيونك تنزل دمعة واحدة يا نغم فاهمه؟

-مش مصدقة يا فارس إن الدنيا رضيت عليا أخيراً وجبرت بخاطري خايفة أكون بحلم

-ما بتحلميش يا ماسة أنا معاكي وهفضل موجود على طول

-ربنا يخليك ليا يا فارس

قام من على كرسيه وهو يقول لها بهدوء:

-طب لو خلصتي قومي يلا ننام عشان

هنسافر بكرة بدري

-هشيل الأكل وأجي وراك

أماء لها برأسه بهدوء واتجه صوب الغرفة

أما هي نظفت مائدة الطعام بعد أن وضعت ما بها في المطبخ ووقفت تجلي الصحون سريعاً

ومن ثم نشفت يـ ـديها المبللة بمنشفة المطبخ المعلقة أمامها وإتجهت إلي الغرفة بعد إنتهائها من جميع مهامها

دارت مقبض الباب ودخلت بعد أن طرقته طرقتين... وجدته يقف بالشرفة ينظر إلى الخارج غير منتبهاََ لها ولا لطرقاتها

تقدمت نحوه وهي تتأمله من خلف بجـ ـسده

الرجولي الصلب...وقفت بمحاذته تنظر إلى ما ينظر إليه من الشرفة وجدت كل شئ طبيعي أمامها لا يوجد شئ يستدعي النظر إليه

رفعت عيناها تجاه وجدته نقل بصره من على الطريق والمارة وثبته عليها

إبتسمت له إبتسامة بسيطة وأردفت بصوت ناعم:

-مالك سرحان في إيه

-خايف

رددت الكلمة خلفه بإستنكار لما سمعته:

-خايف!!...خايف من إيه

أخذ شهيقاََ كبيراً ومن ثم أخرجه قبل أن يقول:

-مش متعود إن الدنيا تبقى حلوة معايا كده وتضحكلي حاسس إنها هتاخد مني تعويض كبير أوي على السعادة دي

أردفت نغم مازحة حتى تخرجه من تخبطه الواضح على وجهه:

-إنتَ إتعديت مني ولا إيه يا فارس

ضحك  فارس بهدوء دون أن يُعقب على حديثها بالكلام بل مد يـ ـده يسحبها داخل  أحضانه بحب كبير... وضع شفـ ـتيه على شعرها مقبلاََ إياه عدة قبلات صغيرة  ومتفرقة

تعمقت هي بأحضانه أكثر وهي تستنشق رائحة عطره النفاذة التى تثيرها وبشدة

أبعد وجهه عن رأسها ولكنه مازال يحتضنها بذراعه الأيسر....نظر من الشرفة مرة أخرى

وقال بتساؤل جادي شارد:

-تعرفي نفسي في إيه يا نغم

-إيه

ردت عليه بفضول شديد في إنتظار لمعرفة ما هو الشيء الذي يتمناه

-نفسي أخدك ونعيش في مكان بعيد أنا وإنتِ وبس...نبني حياة تانية هناك من الصفر

جعدت نغم ما بين حاجبيها وهي تردف بإستغراب:

-ليه عاوز تبعد عن كل حاجة هنا

-عشان أبقى معاكي

❈-❈-❈

تجلس على سريرها بغضب كبير نراه يظهر على وجهها المكفر وساقيها الذي تهز بهم بسرعة كبيرة

لا  تصدق أنه لم يدافع عنها أمام أبيه بعد ذلك الكلام المُهين الذي وجهه إليها  أمامه وأمام الجيمع... كل ما فعله هو ذهابه له مقبلاً رأسه

غير أبهاََ بها ولا لكرامتها الذي أهدرها أبيه بالأرض ودهس عليها

وكل هذا لما؟ ليس إلا لأنها ذكرته بماضي إبنة ولده المتوفي..الماضي الذي يستعر منه الجميع ويريدون محيه من الأذهان والعقول

خرجت من تفكيرها على صوت أحمد الجالس جوارها وهو يقول بهدوء:

-إهدي يا ماما عشان خاطري... محصلش حاجة

لكل ده

-أهدىٰ إزاي وأنا كرمتي إتمرمطت في الأرض قولي أهدى إزاي

-إنتِ عارفه جدو يا ماما وعارفه إنه إتعصب بس من كلامك على سارة مش أكتر

أردفت بغضب وصوت عالي:

-إتعصب ليه هو أنا قولت حاجة غلط؟...مش دي الحقيقة

وضع أحمد يـ ـده خلف رأسها وقبل جبينها بهدوء وهو يقول:

-عشان خاطري إهدي وبطلي عصبية الموضوع مش مستاهل كل ده

-كرامت أمك اللي إنداست مش مستاهلة يا أحمد؟

هز رأسه سريعاً بالنفي قائلاََ بجدية:

-لا عاش ولا كان يا أمي اللي يدوس على كرمتك...بس أنا شايف إن حضرتك زودتيها مع جدو جامد ووقفتي تردي عليه الكلمة بكلمتها

وده غلط

-لاء مش غلط لما ألاقيه مستعبد إبني يبقى مش غلط...لما ألاقي إبني عمره بيروح مع واحدة مبيحبش يبص في وشها يبقى لازم أتكلم

-فارس يا ماما تعايش مع الموضوع وكلامك ده مبقاش ليه لازمة... وكمان بقى فيه مالك بينهم

فُتح باب الغرفة.....ودخل وهو غاضب بشدة بوجه مكفهر موجهاً أنظاره لسارة وجدها

أبعدت بصرها بعيد عن نظراته القاتلة التي شعرت بشرارتها

قام أحمد من مكانه فور دخول أبيه الغرفة قائلاً حتى يهدأ من روعه:

-بابا أنا إتكلمت مع ماما وهي عرفت غلطها فمفيش داعي لعصبية حضرتك

نظرت له سارة بإستنكار من حديثه الذي لم يحدث فأي حديث هذا الذي أقتنعت به؟!!

فهي ما زالت عند موقفها الذي لم ولن تغيره حتى الممات

إبتسم إبراهيم له بسخرية عندما رأى نظراته زوجته المستنكرة لحديث إبنه فعلم أن كل ما قاله أحمد لم يحدث

فرد بصوت بارد:

-إطلع برة يا أحمد وإقفل الباب وراك

-حاضر يا بابا عند إذنك

ذهب أحمد صوب الباب عقب كلامه وفتحه بهدوء وغادر الغرفة وهو يدعي بداخله أن لا تعاند أمه وتجعل أبيه يخرج عن طوره

تقدم إبراهيم بخطوات ثابتة متجهاً نحوها

حتى بات يقف أمامها تماماً لا يفصل بينهم شئ

رفعت أنظارها له عندما شعرت به أمامها وهي تقول:

-واقف قدامي كده ليه أبعد شوية سديت الهوا

لم  يبالي بحديثها الذي يعلم أنه نابع من خوفها من غضبه عليها فهو أكثر من  يعلم طباعها...دائماََ تظهر أنها قوية الطباع ولكنها في الحقيقة تخشى من  خيالها

مد يـ ـده يسحبها من خاصتها حتي تقوم وتصبح مجابه له قائلاََ بهدوء أتقن صُنعه:

-اللي إنتِ عملتيه ده صح؟

ردت بإندفاع وصوت عالي:

-اه صح طول ما إنتوا جايين على إبني أنا مش هسكت لحد

رد وهو يضغط على كلمته بغضب مكبوت:

-إبني...وإنتِ عمرك ما هتخافي على إبني زي فاهمة يا سارة؟

-ومبشوفش ده ليه؟...كنت فين وهو مجبور يتجوز بنت أخوك موقفتش وقولت إبني ملوش دعوة ليه

-إبنك محدش بيجبره على حاجة وجوازه من سارة كانت فكرته هي مش فكرة حد فينا

نظرة إليه نظرة عابرة وهي تقول له:

-ليه كان دايب فيها والحب مقطع بعضه

زفر بضيق حتى لا يفقد أعصابه عليها مرة أخرى

خرج صوته مكتوماََ من غضبه المكبوت:

-يا سارة متستفزنيش عشان بترجعي تزعلي

نظرت لعيناه بقوة وهي تقول له بجدية رأها بنظراتها:

-لو إنتَ فاكر يا إبراهيم إني كبرت على الشكا لأخويا تبقى غلطان...أنا اليوم اللي هعرف فيه إنك هتقل مني لا هبقى عليك ولا على حد

-وأنا اللحظة اللي هشوفك بتفقدي إحترامك لأبويا فيها هتبقي متلزمنيش يا سارة

تصنمت مكانها قليلاً من هول كلماته قبل أن تقول بغضب:

-أبوك هو اللي غلط فيا وأنا اللي ليا حق عنده

مش العكس

ثم إسترسلت حديثها بخيبة أمل ظهرت على وجهها بشكل كبير:

-كنت  مستنياك تدافع عني أو حتى تقولوا اللي إنت بتقولوا ده مينفعش يا  بابا....بس كل ده محصلش واللي حصل هو إنك رحت أتأسفتله وبوست رأسه

-الكلام معاكي ملوش أي فايدة يا سارة بجد

أنهى كلامه وإبتعد من أمامها متجهاً نحو غرفة تبديل الملابس بدون أن يضيف أي كلمة أخرى

نزلت  دموعها بصمت من عيناها على خذلانه لها وتركه لها الآن دون حتى أن يطيب  بخاطرها بكلمة واحدة وكل ما فعله هو الإبتعاد عنها بعدما ركب لها وجهه  البارد الذي تكرهه بشدة

عقب سمعاها لصوت الباب الخاص  بغرفة الملابس يفتح إتجهت نحوها حتى تبدل ملابسها هي الأخر...ومرت من جانبه  دون أن تلقي نظرة عليه وبمجرد دخولها الغرفة أغلقت الباب بشدة لدرجة أن  صوته دوى بالجناح بأكمله

أخذ نفساً عميقاً ومن ثم أخرجه قبل أن يستلقي على الفراش ممسكاً الهاتف بين

يـ ـديه يتصفح به قليلاً

أنامله كانت تمر على الهاتف ولكن ذهنه شارد تماماََ في كلامها الذي ولأول مرة تُلقيه عليه

كيف ستشتكي منه وهي تعلم أن أبيها وأخيها

أصبحوا أعداء له عقب زو.اجهم بعدة سنوات؟

وبمجرد أن تذهب لهم سيمنعوها عنه هو متأكد

كيف  إستطاعت أن تخرج هذه الكلمة وهي من قالت له سابقاً عندما بدأت العداوة  أنها لا تريد أي شئ في الدنيا سواه وبالفعل لم تتواصل معهم رغم رغبات أبيها  وأخيها المستميتة ليجعلوها تخضع لهم ولكنها كانت لم تبالي

كيف تأتي الآن وتقف أمامه بكل تبجح وتقول له أنها ستشتكي لأخيها ولم تبقى على أحد؟!!

معنى حديثها هذا أنها لن تبقى عليه من بعد الآن؟!!

خرجت من الغرفة مرتدية قميص نوم طويل من اللون البنفسجي يصل إلى كاحليها وبه فتحة من الجنب اليمين تصل إلى ركبتها

رفع نظره من الهاتف يختلس النظر إليها عندما وجدها ذهبت إلى المرآة

أغمض عينه سريعاً وهو يلعنها بسره ويلعن نفسه وكل من كان له يـ ـد في خناقهم

ذهبت إلى الفراش بعد إنتهائها من ترتيب خصلاتها وإستلقت بجواره دون أن تعينه بنظرة بعد أن أخذت هاتفها من على الطاولة

تتصفح به هي الأخرى

وبعد قليل وضعته على أذنها منتظرة رد الذي تهاتفه

ثواني وكان صوت فارس يصل إليها وهو يقول بمزاح:

-وحشتيني وحشتيني وحشتيني

-هو أنا لحقت أوحشك يا كداب

-يا أمي إنتِ بتوحشيني وإنتِ جنبي ما بالك بقى لو بعيدة

ضحكت سارة على كلماته وأردفت:

-وصلت ولا لسه يا حبيبي

-أه يا حبيبتي وصلت بقالي نص ساعة

-ماشي يا حبيبي خلي بالك من نفسك ومتهملش أكلك وشربك

نظر لنغم الذي دخلت الغرفة وهي تحمل بيدها الصينية وموجود بها كأسين من العصير

فقال لأمه سريعاً:

-ماشي يا حبيبتي متقلقيش..يلا باي

أغلق الهاتف عقب إنتهاء جملته ووضعه بجواره ومازال نظره على نغم

وضعت الصينية على الطاولة ومن ثم جلست بجواره قائلة بتساؤل يدس به بعض الغيرة:

-كنت بتكلم مين وبتقولها يا حبيبتي

قهقة فارس بشدة وقال لها من بين ضحكاته:

-أمي والله

-طب وقفلت ليه كان نفسي أكلمها

أردفت  كلامتها بحزن شديد...فهي تود التقرب من أهله ويصبحوا أهلها هي  الأخرى،وتشعر بالخجل الشديد ان تكلب منه ذلك...فهي تود أن يأتي هو ويقول  لها أن تتقرب منهم وتحدثهم

-مرة تانية يا حبيبتي هخليكي تكلميها فديو كول...وبعدين إنتِ زعلتي ليه أنا المفروض اللي زعلان وإنتِ اللي بتصالحيني

نست موضوع أمه وإبتسمت على حديثه وهي تقول له:

-إنتَ اللي بتدلع وزعلان من غير سبب

لوى شفتيه لها وهو يقول بإستنكار:

-من غير سبب أه...ونبي يا نغم سبيني في وكستي وإسكتي

فلتت ضحكة منها علي مترادفاته الذي بدأ يستخدمها مؤخراً..

مدت يـ ـدها تتناول كأس العصير وأعطته إياه قائلة:

-خد العصير أهو

تناوله من يـ ـدها بهدوء وعلى شفــتيه إبتسامة هادئة ومن ثم إلتقط يـ ـدها بخاصته الأخرى واضعاً عليها بعض القبلات قائلاََ بحب:

-تسلم إيدك يا حبيبي

ردت له نغم الإبتسامة ولكن بأخرى واسعة وأردفت بصوت ناعم:

-أنا بحبك أوي يا فارس

إتسعت إبتسامته أكثر وهو يحتضنها بعدما وضع الكأس مرة أخرى على الطاولة قائلاََ:

-وأنا بعشقك يا كُل فارس

شددت على إحتضانه أكثر وهي تدفن رأسها بتجويف رقبته

أما هو فأخذ يستنشق عبير شعرها بإستمتاع وتلذذ كبير

بدأ يطبع قبلات صغيرة وبطيئة على طول رقبتها الظاهرة من المنامة التي ترتديها

تخشب  جسدها من أثر قبلاته وأنفاسه الساخنة على رقبتها، وتمسكت به أكثر دون أن  تنطق بكلمة.....أبعدها عن أحضانه بهدوء وهو يصعد بشـ ـفتيه إلى وجهها  واضعاً قبلاته على كل إنش به حتى وصل إلى شفـ ـتيها وأخذها بين خاصته بتريس  وهدوء شديد جعلها تدوب ببن يديه

رفع وجهه قليلاً وهو يقول لها بصوت مبحوح من المشاعر التي تأرجحت بداخله:

-في حاجة تمنع ولا لاء يا نغم أخر مرة هقولك

انهي سؤاله بنبرة متوسلة أن يكون ردها هو "لا"

وها هي هزت رأسها بالنفي وهي تنظر لأسفل بخجل شديد

إبتهجت ملامح وجهه وردد مرة أخرى:

-يعني مفيش ردي عليا

خرج صوتها شبه معدوم وهي تقول له:

-مفيش

ثواني معدودة وكانت محمولة على ذراعيه متجهاً بها صوب السرير.....وضعها بهدوء شديد

ومن هنا بدأوا حياة جديدة تلاحمت فيها

أجـ ـسادهم وأرواحهم،كان هو مراعي لخوفها لأقصى حد وهي مسلمة زمام أمورها كلها له

❈-❈-❈

تجلس  على طاولة بعيدة عن الأنظار... تتصفح هاتفها بملل شديد حتى تجد أي شئ  يُلهيها عن تلك الوحدة التي تحيطها،للصراحة هي ليست إجتماعية بالشكل الكافي  الذي يجعلها تأخذ بالكلام مع من يتحدث معها فلذلك تجلس وحيدة منتظره  إنتهاء تدريبات الصغير

رفعت عيناها من على الهاتف  عندما شعرت بظل يحاوطها فجأة... وجدته ذلك الشاب الذي قابلته من قبل هنا  وقال أنه أخ رقية خطيبة أخيها،ماذا كان اسمه؟

أها يونس الشاذلي

كانت إبتسامة جذابة مرسومة على شـ ـفتيه

ينظر لها مدققاََ بعيناه الناعسة

خرج صوته الرجولي قائلاََ بمزاح:

-رب صدفة خيراً من ألف ميعاد...تسمحيلي أقعد؟

أشارت لين بيـ ـدها على الكرسي المقابل لها وهي تقول له بهدوء:

-إتفضل

جلس يونس على الكرسي الذي أشارت إليه ومن ثم قال:

-إنتِ هنا كل يوم ولا إيه

-مش باجي غير وقت تمارين مالك

-طب بما إنك قاعدة لوحدك وأنا فاضي حالياً...

قومي أفرجك على النادي وأعزمك على حاجة نشربها وإحنا بنتمشى زي ما وعدتك المرة اللي فاتت

توترت لين قليلاً وقالت وهي تزيغ ببصرها بعيداً عن عيناه المدققة بوجهها:

-مش عاوزة أعطل حضرتك

إبتسم إبتسامة خفيفة لم تظهر على وجهه عندما رأى نظراتها المتهربة منه قبل أن يقول:

-مفيش عطلة ولا حاجة وبلاش حضرتك دي عشان بتجبلي كرشة نفس

أنهى كلامه مازحاً معها حتى يجعلها تأخذ عليه بدلاً من توترها الذى أخذ مجراه فيها

ثم إستكمل حديثه قائلاً وهو يقوم من مكانه حتى لا يعطي لها فرصة للرفض:

-قومي يلا نتمشى دلوقتي قبل الشمس ما تطلع

قامت لين هي الأخرى ولكن بإحراج كبير ومدت يـ ـدها تتناول حقيبتها من على الطاولة الجالسين عليها وقالت بإرتباك:

-مالك هيخرج بعد نص ساعة

-حلو جداً أكون لففتك النادي مرتين تلاته

تقدمها يونس قليلاً وسارت هي خلفه حتي أصبحت بمحاذته

ومن هنا بدأ ضفة الحديث وسألها عن كل شئ يريد معرفته عنها مثل سنها وعملها وما تحب وما تكره

تحدثوا كثير جداً وهي أيضاً عرفت عنه الكثير وألفته واصبحوا أصدقاء وتبادلوا أرقامهم للمقابلة مرة أخرى

إستمعت  لين لرنين هاتفها فأخرجته سريعاً من حقيبتها وجدت المتصل أحمد  أخيها...وقعت عيناها على الساعة صعقت عندما وجدت أن مالك خرج من تمارينه  منذ ساعتين!!!

ضغطت على زر الإستجابة سريعاََ قبل أن تضع الهاتف على أذنها قائلة بصوت متوتر:

-إيه يا أحمد

وصل إليها صوته العالي الغاضب قائلاََ:

-إنتِ فين يا هانم وفين مالك؟

ردت عليه بإرتباك وخوف بَينْ قائلة:

-أنا في النادي يا أحمد

-فين أنا في النادي... ومالك فين؟

-مالك لسه في التمرين وأنا اتمشيت شوية في النادي

أردف بعصبية شديدة:

-مالك يا هانم خارج من التمرين بقاله ساعتين

حضرتك بقى بتتمشي بقالك ساعتين فين؟

-إنتَ فين يا أحمد أنا جاية

-أنا قدام مكان التدريب بتاع مالك

أغلقت الهاتف بعدما سمعت مكان وقفوه

وقالت ليونس بخجل من ذلك الموقف فهي لا تعلم كيف نست نفسها وتكلمت معه ساعتين:

-أنا أسفة لازم أمشي دلوقتي عن إذنك

-إستني بس....أحمد شكله كان متعصب لو ينفع أجي معاكي وأقوله إنك كنتي معايا

نظرت له وكأن على رأسه الطير فماذا يقول هذا الأبله،يريد أن يخبر أخيها أنه كان مع أخته لأكثر من ساعتين!!؟

قالت له مستنكرة لحديثه:

-تيجي معايا فين يا يونس إنتَ بتهزر؟!!....أنا همشي عشان هو مستنيني،سلام

-خلاص اللي إنتِ عاوزاه...هرن عليكي بعد ما توصلي أطمن عليكي

أماءت له برأسها سريعاً ومن ثم ودعته وغادرت المكان متجهة إلي مكان وقوف أحمد ومالك

❈-❈-❈

تنام على ظهرها ممسكة الهاتف بيـ ـدها تقلب فيه بملل

أما هو ينكوي بنار الشوق لها يتمدد بجوارها على السرير،وكل فترة يتقلب عليه وكأن من تحته جمر

حمحم بصوت واضح قبل أن يقول بتساؤل مصطنع حتى يفتح باب للحوار:

-فارس قالك وصل ولا لسه

ردت عليه بجفاء شديد ولا مبالاة لدرجة أنها لم ترفع عيناه من على الهاتف:

-اه وصل

لم تعجبه طريقة ردها عليه ولا أسلوبها معه

فقال بصوت محذر:

-إتكلمي عدل يا سارة

-دي طريقتي يا إبراهيم

إستغفر ربه بسره حتى لا يتعصب عليها وتنفلت أعصابه منه وحاول التحلي بالهدوء قائلاََ:

-مالك يا سارة زعلانة من إيه،إنتِ عارفة إني مش متعود نبقى كده

رفعت أنظارها من على الهاتف مصوبها نحوه قائلة بجدية يتخللها الإستنكار:

-يعني إنتَ مش عارف إيه اللي مزعلني يا إبراهيم؟!!

-تعالي على نفسك وقوليلي لأني مش شايف أي سبب لزعلك ده

ردت عليه بعنفوان وصوت عالي:

-إن  أبوك يقل مني بالشكل ده قدامك ويقولي هضربك قلمين على وشك وشوية يقولي  هطلع روحك بإيدي ده مش سبب كافي لسيادتك؟...إني أستنى منك إنك تدافع عني أو  تقولوا عيب اللي إنت بتقوله ده ألاقيك بتخذلني ورايح تبوس راسه مع إني  مغلطتش فيه،ولو في حد ملوش إنه يدخل فهو أبوك مش أنا يا إبراهيم فارس ده  إبني أنا مش إبنه

تتحدث عن أبيه بطريقة تثير الغضب به  من كل النواحي،فأبيه مهما فعل سيظل على صواب من وجة نظره...حاول التنفس  بهدوء حتى يتغاضى عن طريقة حديثها عن أبيه

ومن ثم أردف بجدية:

-إنك تقفي وتنطحي أبويا كلمة بكلمة ده الغلط يا سارة،وأبويا ليه كل الحق إنه يتدخل في أي حاجة تخص ولادي وأي حاجة تخصني أنا شخصياً

-هتفضل طول عمرك كده يا إبراهيم...شايف إن أبوك صح دايماََ ومبيغلطش

-ولما إنتِ عارفه كده بتتعبي نفسك ليه

غضبت وإحترقت دمائها من حديثه المستفز فقالت بغضب بالغ:

-مش إنتَ اللي سألتني!!!...بجد إنسان مستفز

إنتفضت  من الفراش بعد أن أنهت حديثها ووضعت أرجلها على الأرضية ترتدي خُفها بغضب  ومن ثم مدت يدها تلتقط الروب الخاص بالقميص من على السرير ولبسته

واتجهت قاصدة باب الجناح حتى تخرج منه

جاءت حتى تُدير المقبض وجدته فوق رأسها

يـ ـده موضوعة على المقبض حتى يمنع خاصتها من إدارته

إستدارت له حتى بات وجهها يلامس وجهه وأصبح هو محاصرها بيـ ـديه قائلة بهدوء مصطنع:

-شيل إيـ ـدك يا إبراهيم عاوزة أخرج

-تخرجي تروحي فين إنتِ إتجننتي

-أه إتجننت وسع إيدك بقى عشان مطلعش جناني عليك

إخترق عيناها بخاصته وأردف بصوت دافئ مُحب:

-ياريت...بموت فيكي وإنتِ مجنونة

إرتبكت قليلاً من نبرته التى جائت بوقت خاطئ ومن ثم قالت بقوة واهية:

-متفتكرش إني كده هسمحك يا إبراهيم

-تسمحيني على إيه ؟

جاء رده سلس متسائلاً بهدوء

-إنتَ شايف إنك معملتش حاجة يا إبراهيم؟

هز رأسه مؤكداً على حديثها بأنه لم يفعل أي شئ

أغرورقت الدموع بعيناها فور حركته تلك وإنتبح صوتها وهي تقول:

-بس إنتَ خذلتني وكسفتني جامد

بعد يـ ـده عن المقبض سريعاً فور رؤيته لدموعها تنزل على وجنتيها

رفع يـ ـده يمسح دموعها بهدوء وهو يقول:

-بلاش عياط يا سارة خلينا نتكلم بالعقل

لم تستطع السيطرة على نفسها أكثر من ذلك وكأن كلماته جاءت بالعكس معها وإزداد نحيبها بكثرة وقالت ببكاء:

-مكنتش أتوقع إنك تسكت على إهانتي في يوم

أخذها  بأحضانه بشدة وهو يهدئها بمسحه على شعرها وظهرها مطولاً....لا يتحمل رؤية  دموعها الذي تكويه من الداخل،فهو دائماََ مُعتاد على سارة القوية التي لا  تضعف أبداََ،لذلك عندما تبكي يعلم أن الموضوع فاق الحد

أردف بحنان وهو يقبل رأسها:

-حقك عليا أنا أسف...هكلم بابا بكرة وأعرفه إن اللي قاله غلط وأنا متاكد إنه هيصالحك

❈-❈-❈

تقف  أمامه كالمذنبة تخفض رأسها للأرض وتفرك أناملها ببعضها بتوتر حتى تتخطى  هذا الموقف...فهي تعلم أن أخيها معه كامل الحق فهي أهملت بمالك،ولكنها لم  تعلم أنها ستتمشى مع يونس كل هذه الفترة...لا تتذكر كيف مر الوقت بهذه  السرعة فهي لم تشعر بالملل معه كالمعتاد ولكن كانت مستمتعة بصحبته وبتلك  المواقف التي كان يحكيها لها

جاء صوت أخيها الغاضب قائلاً:

-مفكرتيش لو ما كنتش إدارة النادي إتصلوا بيا

كان إيه هيحصل لمالك؟

جاء صوتها منخفض يحمل بعض الإرتباك:

-أنا أسفة يا أحمد بس حقيقي إنشغلت بمكالمة صاحبتي

-صاحبتك إيه دي اللي بتكلميها بقالك ساعتين يا لين؟...وبعدين لما رنيت عليكي مكنتيش ويتنج

نظر مالك لأحمد بغضب طفولي وهو يقول له:

-إنتَ متعصب على لين ليه والله لما أكلم بابا هقوله...ويلا روحوني عاوز أنام

ضربه أحمد على أسفل رأسه وهو يقول بنبرة مازحة مختلفة عن نبرته منذ قليل:

-خوفتني يا مالك

أخرج له الصغير لسانه من فمه كتعبير عن إنتصاره

نظر لها أحمد بطرف عيناه وجد الدماء مسحوبة من وجهها وجسدها يرتعش وكأنها ترى شيئاََ يخوفها الآن

وضع أحمد يـ ـده على ذراعها وهو يقول:

-في إيه يا لين إنتِ كويسه؟

أماءت له برأسها وهي تقول له بصوت مهزوز:

-مفيش حاجة يا أحمد يلا نروح

تقدمهم أحمد أنا مالك فخلل أنامه بخاصتها

وساروا خلف أحمد خارجين من النادي

نظرت خلفها وجدت يونس يقف مكانه وهو ينظر إليها...عادت برأسها إلى الأمام مرة أخرى

وهي تلعن نفسها على كذبها على أخيها

فما كان سيحدث إذا كانت أخبرته الحقيقة؟!!

فهي الآن صارت كاذبة،تخشى أن يقول يونس لرقية أنهم تقابلوا وبدورها هي ستخبر أخاها

يا لغبائك يا لين لماذا كذبتي مثل هذه الكذبة السخيفة؟!!

❈-❈-❈

إستيقظت نغم من نومها المُنعم وجدت ذراعين كالكلبشات متمسكين بخصرها ورأسها موضوعة على شئ صلب إكتشفت فيما بعد أنه صدره العاري

تثائبت بتكاسل ومن ثم نظرت نحوه وجدته غارق بالنوم،نمت إبتسامة خجلة على شفـ ـتيها

عندما تذكرت ماذا حدث أمس البارحة...لا تعلم كيف ستُريه وجهها بعد ما حدث،حقاََ لم تتخيل يوم من الأيام أن تعيش يوماً هكذا معه

جعلها تشعر وكأنها بالجنة،كان مراعي لأقصى حد....وعندما يقسو قليلاََ يعود إليها متسائلاََ إذا

كان أذاها أم لا وهو يتأسف لها

كان  دائماً يقول لها أنه يريد أن يعبر عن حبه لها بطرق أخرى غير  الكلام،والبارحة كانت واحدة من ضمن الطرق...فكان يتغنى بحبها مع كل قبلة  يطبعها على شفـ ـتيها...لو كانت أحبته من قبل فالآن وبعد أن تلاحمت أجسـ  ـادهم

أصبحت تهيم به

فتح عيناه قليلاََ عندما شعر بحركتها بين

يـ ـديه....قبض على خصرها أكثر وأردف بصوته الناعس:

-رايحة فين

توردت وجنتيها بخجل شديد وخرج صوتها بعد فترة مهزوز وهي تقول:

-هغير هدومي

أخذها بالكامل بأحضانه ومن ثم إستدار دافناََ

وجهه بتجويف رقبتها قائلاََ بتلك النبرة الناعسة:

-لاء يا حبيبي خليكي...كده حلو

إهتز جسدها بين يـ ـديه بشدة من أثر ملامسة وجهه لرقبتها العارية...أنفاسه الملتهبة تضرب رقبتها بدون شفقة أو رحمة

نظرت إليه وجدته سكن مرة أخرى وخلد لنومه

رفعت أناملها قليلاََ بتجرؤ ووضعتها بخصلاته

الغير منمقة بسبب تلك المعركة الضارية التي كانت بينهم أمس

غمغم فارس وهو يقبل رقبتها قبلة رقيقة للغاية جعلتها تعلم أنه إستيقظ،فأخفضت أناملها بجوارها سريعاً ومن ثم أردفت بتوتر:

-ميعاد الطيارة يا فارس

-الساعة كام

خرج رده هادئاََ ومازال وجهه مدفوناً بتجويفها

مدة يـ ـدها قليلاً تتناول هاتفها الموضوع على الكومودينو الموجود بجوار الفراش

أردف مُجيبة سؤاله بعدما فتحت الهاتف ورأت الساعة:

-الساعة تسعة ونص

أخرج وجهه من بين رقبتها وتجويفها الأروح أخيراً....فتح عيناه بتكاسل وهو يقول لها:

-الطيارة الساعة ١١

أماءت له برأسها دون حديث وهي تشعر بالخجل الشديد من رؤيتها له بعدما حدث

وإزداد خجلها أكثر عندما سُحبت الملاية البيضاء الرقيقة التي كانت تخفي أجسـ ـادهم

العـ ـارية فصار صدره العريض أمام نظرها بسخاء

إندفست هي أسفل الملاية قليلاً حتى تداري ما ظهر من صدرها بخجل شديد

لاحظ هبوطها المفاجئ...فإبتسم إبتسامة مرحة وهو يقول لها بمزاح:

-بتخبي إيه؟...ده أنا حفظتك

إهتز فكها من الخجل وضخت الدماء بوجنتيها

وهي تقول بتوتر:

-فارس متكسفنيش عشان خاطري

أخذها فارس بأحضانه مرة أخرى حيث تضع رأسها على صدره وهو يحاوط جسـ ـدها بذراعيه قائلاً بحب:

-مش عاوز الكسوف ده بينا خالص لأني مش بحبه...إتفقنا؟

شعر بإيمائتها ضد صدره فقبل رأسها قبلة رقيقة وكأنها جائزة على تنفيذها لحديثه

أردف بعتاب مازح:

-بقى كنتي عاوزة تستغفليني إمبارح وتضيعي الليلة عليا يا ماسة

إبتسمت بخجل شديد وقالت بإرتباك:

-كنت مكسوفة ولما قولت لرانيا قالتلي أقول كده

-منها لله رانيا مكنتش هرحمها لو الليلة كانت ضاعت بجد

ضحكت نغم ضحكة خفيفة على مزاحه

بعد فترة من الصمت السائد بينهم هو يخلل أنامله بين خصلاتها بتناغم وهدوء

وهي تضع رأسها على صدره محتضنة خصره بقوة وسعادة الكون بأكمله تكمن بداخلها

جاء صوت فارس هادماََ لكل ما تشعر به بتلك اللحظة عندما قال:

-إبقي فكريني يا نغم نجيب برشام منع الحمل

وإحنا في الطريق

لم يستوعب عقلها الجملة غير بعد مدة وجيزة

رفعت رأسها من على صدره بصدمة ومن ثم وجهت أنظارها له قائلة بإستغراب وصدمة:

-إنتَ بتقول إيه؟!!

14=الفصل الرابع عشر

سأغلق  نافذتي فالضياء يعكّر ظلمتي البارده سأسدل هذا الستار السميك على صفحة  القصة البائده وأطرد صوت الرياح البليد وإشعاعة الأنجم الحاقده وأسند رأسي  إلى الذكريات وأغمس عينيّ في دمعتين وأرسل حبي يلفّ القتيل ويدفئ جبهته  الهامدة لعلي أردّ إليه الحياة وأمسح من زرقة الشـ ـفتين سأغلق نافذتي  فالقتيل يحب الظلام العميق العميق وأكره أن يتمطّى الضياء على جـ ـسمه  الشاعريّ الرقيق على جبهة زرعتها النجوم ولوّنها ضوؤها بالبريق وكانت تشعّ  الحياة فعادت تمجّ الأسى والرّدى والعذاب تخطّ عليها ذراع الممات أساطير  عهد سحيق سحيق

❈-❈-❈

تنظر من نافذة الطائرة بشرود....ترى العالم بأكمله صغير للغاية،شعور رائع جداً أنك تُبصر

الأشياء من نافذة الطائرة،كل شئ يبدو كحجم النواة...البيوت متلاصقة مع بعضها البعض

الهواء العليل يضرب وجهها بدون رحمة،لا تعلم أهو عدوها يلطمها بشدة وكأنه يسحقها ضرباََ

أم صديقها الذي يرطب عليها بنسماته

بعض  الأحلام تتحقق بالفعل ولكن شئ هكذا لم تحلم به طوال فكانت تراه شيئاً من  سابع المستحيلات،تركب طائرة وتجلس على كرسيها المريح للغاية كان أبعد من  تصوراتها...تحلف أنها لو كانت بلحظة أخرى غير تلك لكان نبت لها جناحين تطير  بهم من كثرة فرحها بهذا المعجزة

ولكن الآن واجمة...لا  تُصدر أي رد فعل بعد الحوار الذي دار بينهم في غرفة نومهم،كان حوار مرهق  لها بشدة،لدرجة أنه ترك بعض الندوب بقلبها تشعر بحرقانها الآن....لم تتوقع  في يوم أن يكون لديه عقدة من موضوع كموضوع الخلفة وهذا ما إستنبطته من  حديثه بطلوع الأنفس

أبعدت عيناها عن النافذة وأرجعت ظهرها إلى خلف حتى تستند على ظهر الكرسي لترتاح بجلستها ومن ثم صوبت أعينها للسقف

تتذكر ما حدث منذ ساعات بينهم

جاء صوت فارس هادماََ لكل ما تشعر به بتلك اللحظة عندما قال:

-إبقي فكريني يا نغم نجيب برشام منع الحمل

وإحنا في الطريق

لم يستوعب عقلها الجملة غير بعد مدة وجيزة

رفعت رأسها من على صدره بصدمة ومن ثم وجهت أنظارها له قائلة بإستغراب وصدمة:

-إنتَ بتقول إيه؟!!

تهرب من أنظارها للجهة الآخرى وقال بصوت جادي لا يحمل بطياته أي نبرة مازحة:

-أنا مش عاوز أخلف يا نغم

-يعني إيه مش عاوز تخلف؟

رددت حديثه على هيئة سؤال ومازال وجهها يتلون بإمارات الصدمة

-مش عاوز أخلف يا نغم إيه اللي مش مفهوم في الكلمة!!!

-طب وأنا؟

خرجت منها هاتان الكلمتان بتيه واضح على وجهها حتى الآن لم تدرك مقاصد حديثه

ذرة بداخلها تُخبرها أنه يمزح...ولكنه مزاح ثقيل للغاية،فهي بالكاد تستطيع التنفس الآن من هول الصدمة التى كان أثرها عليها كالقنبلة

وضع يـ ـديه على كتفيها محاوطاََ إياهم وعلق أنظاره بعيناها مُردفاََ:

-موضوع ملوش لازمة إن وشك يتقلب كده يا نغم

-إنت بتلعب بيا يا فارس؟

خرج  سؤالها بدون وعي ليس له علاقة بحديثه الذى قاله منذ قليل ولا  للموقف...ولكن هذا ما توصل إليه مخها أنه من الممكن أن يكون تزوجها للمتعة  فقط ولا يريد أن يكون له إبن من صلبه يخرج من أحشائها

هز رأسه مستنكراً لجملتها الذي إخترقت سمعه كالنووي...لم يعلم أي تفكير أدى بها لذلك ولكن

لم  يكن بنيته يوم أنه سيتزوجها لفترة ومن ثم يقوم بتطليقها...هو يتذكر جيداً  أنه كان يريدها زوجة له حاملة لإسمه وبأي طريقة كانت،وباتت مشاعره يوم بعد  يوم تتضح وتزداد

خرج صوته محشرج وهو يقول:

-إنتِ مش كورة كفر هلعب بيكي يا نغم...إعقلي كلامك قبل ما تقوليه

-ولما  أنا مش كورة كفر ليه بتعمل كده؟...ليه عاوز تحرمني من أفضل شعور في  الدنيا،ليه في اللحظة دي حسيتك أناني أوي....ولو إنتَ مقرر حاجة زي دي بينك  وبين نفسك ليه

مقولتليش قبل الجواز،وأنا وقتها اللي كنت أقرر أنا موافقة على القرار ده ولا لاء

-وأنا لو كنت قولتلك كنتي هتوافقي على الجواز؟

خرج حديثها ممزوج بصراخ حاد قائلة:

-مستحيل...مستحيل كنت أوافق يا فارس

ولا هوافق عمري

ثم إسترسلت حديثها بقهرة قائلة:

-مش مستنضف إني أشيل إبنك يا فارس

هزها بعنف بيـ ـديه الموضوعه على ذراعيها وهو يقول بغضب:

-إنتِ بتقولي إيه يا مجنونة

-بقول الحقيقة اللي أنا فهمتها...قولت دي بنت غلبانة وملهاش حد، أتجوزها يومين ألعب بيها وبعدين أرميها

ظهرت  عروقه بوضوح من شدة الغضب...يشعر بفوران الدماء بعروقه،لا يصدق أنها تقول  هذا الكلام المشين بحقه وبحق كل كلمة حب كان يتغني بها لها

أردف بصوت عالٍ غاضب:

-حقيقة إيه!!!.....أنا شَيلتك إسمي مش هشيلك إبني؟

-ولما إنتَ مش بتلعب بيا عاوز تمنعني من الخلفة ليه

دار برأسه يمين ويسار بغضب بلغ ذروته يريد أن يُهدئ نفسه بأي طريقة حتى لا يؤذيها يعلم أن أعصابه إن فلتت منه سينسي من تكون

لذلك أخرج صوته بهدوء تام جاهد نفسه حتى يصل لتلك النبرة المستكينة:

-يا  نغم إفهمي المشكلة فيا أنا...أنا اللي مش عاوز أولاد على الأقل دلوقتي،ليه  أجيب طفل في الدنيا دي يتبهدل فيها؟...طب تقدري تقوليلي لو جبنا طفل وأنا  حصلي أي حاجة مصيره هيكون إيه؟

هو لا يكذب عليها فهذا  هو تفكيره حقاََ الذي البعض يراه عقيم ولكنه يقتنع به إقتناع تام...يتذكر  حتى الآن ذلك اليوم الذي أخبرته فيه سارة بحملها ووضعها له أمام الأمر  الواقع

ثار وكسر كل ما بالغرفة من أساس...ومن ثم جلس على الأرض يلهث من شدة التعب

وأخذه  تفكيره بمناجاة ربه،ذهب إلى المرحاض توضأ وصلي وأخذ يخرج كل ما بجبعته من  مخاوف وعقد إلى رب العالمين...يشعر بمسؤلية كبيرة للغاية عند إنجاب طفل،إن  حدث له شئ يشعر بتأنيب ضمير لانه من أتي به إلى هذه الحياة بعد إرادة الله  بالطبع

حتى اليوم يخاف على مالك وبشدة،يخشى أن يحدث له  شئ فيضيع مالك من بعدها...يحبه حباََ لا مثيل له ولا يتخيل أنه من الممكن  إن أنجب مرة أخرى يحب إبنه الآخر مثلما يحب مالك وها هي عقدة أخرى له

تبدلت  ملامح وجهها تماماً بعد حديثه وأدركت أن ما فكرت به خطأ فعلى ما يبدو لها  أن لديه عقدة من هذا الموضوع...فكيف لإنسان بالغ ورزين مثله يفكر مثل هذا  التفكير العقيم!!

فكل إنسان يتمنى أن يكون له ولداََ من  صلبه يحمل إسمه من بعد مماته،يستند عليه عندما يشيب...الناس يذهبن إلى  الأطباء بالخارج حتى يعالجوا أنفسهم ويفعلوا العمليات حتى يرزقهم الله بطفل  وهذا يقول لا يريد؟!!!

لم تريد أن تتجادل معه أو الصراحة تشعر بإنتهاك من الحوار،لازالت تشعر بالصدمة حتى الآن وأثارها على دوران رأسها

فقالت بصوت هادئ غير مبالي بما قال منذ قليل:

-رأيك وإنتَ حر فيه

-يعني إيه؟

خرج صوته متسائلاً بترقب يحاول الوصول لأي حل جذري معها

رفعت يـ ـديها ومن ثم وضعتها على خاصته التي مازالت موضوعة على ذراعيها...أنزلتهم بكل هدوء وقالت له بنبرة لأول مرة يستشفها منها:

-يعني لو مش عاوز تخلف متقربليش أما أنا عمري ما هاخد أي حاجة تمنع إني أخلف

أغمضت  عيناها قليلاََ حتى تستريح من التفكير في هذا الموضوع المُرهق لها ولكن  راودتها الذكريات...عقب أن قالت جملتها الأخيرة قام من مكانه بإنتفضاة وهو  يصيح بها بغضب رافضاً لما قالته قلباََ وقالباً

وأخذ  يكسر ما بالغرفة من أساس حتى يخرج تلك النيران المشتعلة بداخله،يريد أن  يخرجها بأس شئ سواها...لا يريد أن يتغابى عليها أو يفقد صوابه معها فتكون  تلك سبب كافي لكرهها له لذلك كان يكبح غضبه وثوراته من عليها

وبعد نصف ساعة تقريباً هدأ وخرج من الغرفة

لا تعلم إلى أين ذهب ولكنه لم يتأخر وعدة دقائق وكان يقف أمامها بوجه جامد قائلاََ

"جهزي نفسك عشان ميعاد الطيارة"

كانت  تود أن ترفض أن تذهب معه بمكان بعدما قال وفعل ولكنها شعرت بالخوف منه ومن  وجهه الذي تبدل تماماً لذلك أماءت له برأسها بدون أي حديث يذكر

أدارت رأسها ناحيته وجدته يجلس على كرسي بالجهة المقابلة لها ويضع رأسه بين يـ ـديه

ماداََ  جزعه للأمام قليلاََ وعلى ما يبدو أن حالته ليست أحسن من حالتها...لا يعلم  كيف آلت الأمور إلى هنا؟...كان أبعد شئ عن مخيلته أنهم يصيروا بعيدين هكذا  في ثاني أيام زواجهم

فكرت به أفكار كثيرة بعيدة عنه تماماً...إتهمته أنه يلعب بها ويتخذها زوجة له للمتعة لا أكثر

لا  ينكر أنه كان يريدها وبشدة بين يـ ـديه في بادئ الأمر ولكن الأمور إختلفت  تماماً بعدما تقرب منها،أحبها وكأنها أخر شئ سيحبه لم يفكر يوم بشئ مثلما  يفكر بها دائماََ

لا يعكر صفوه سوىٰ خداعه لها...حتى  الآن يخشى اللحظة التي ستعرف بها بزواجه من أخرى،لا يعلم وقتها بماذا سيبرر  لها موقفه سوى أنه كان يحبها لذلك خبأ عليها

تقول أنه لا يريد أطفال منها ولا تعلم أنه يتمني

لو  كان مالك ولده الوحيد إبناََ لها أتى من رحمها هي وليس غيرها،كان يتمني أن  تكون والدته وتهتم به وتراعيه...يعلم وقتها أن بحنانها الكبير كانت ستغمر  مالك به

ولكنه الآن غير مستعد بالمرة أن يجلب طفل أخر  لهذه الدنيا...كل تفكيره منشغل بمالك فقط وكيفية بنيان رجل صالحاََ يُعتمد  عليه فيما بعد

لم يستطيع أن يأخذ إهتمامه طفلاً أخر فإن فعل فسيهمل مالك كثيراً وهذا ما لم يريده هو

رفع أنظاره لها وجدها تنظر إليه هي الأخر ولكن ما أن إلتقت عيناهم.. أدارت وجهها سريعاً للجهة الأخرى

أخفض  بصره مرة إخرى وهو يدعي ربه أن يحل الأمور بينهم وأن تتقبل فكرة أنه لا  يريد أطفال...فهو يعلم نفسه جيداً من المستحيل أن يقاوم سحرها الأخاذ،لم  ولن يقدر على الثبات وهي أمامه وز.وجته ولا يجد شئ يمنعها عنه

❈-❈-❈

يجلسون بجو أسرى مرح بغرفة الإستقبال

يخططون لما سيفعلونه في زفافهم

يمسك سامح بـيـ ـده كوب من القهوة يرتشف منه بهدوء وهو ينظر لهم وهم يتفقون على ما سيفعلونه في الزفاف

أردفت رانيا بإعتراض شديد:

-لاء طبعاً يا زين إيه القرف اللي إنتَ بتقول عليه ده

-طب جامليني يا رانيا حتى

قالها زين بإستنكار مازح على طريقة حديثها الفجة

قهقه سامح بشدة وقال بصوت رزين:

-بالك إنتِ يا رانيا الواد زين ابني ده طول عمره إختياراته زفت

ثم إسترسل حديثه وهو يقول مستثنياََ:

-إلا إنتِ يا قمر طلعتي فلتة من وسط إختياراته

إبتسمت رانيا بملئ فمها وهي تقول:

-ربنا يخليك يا عمو مع إني زعلانة منك

فهم سامح سبب زعلاها منه سريعاً فقال وهو يضحك:

-ما إنتِ اللي هبلة وبيضحك عليكي بسرعة

ضحك زين هو الآخر على حديث أبيه وقال:

-لاء يا بابا أنا مش معاك في دي ده رانيا مراتي ما شاء الله عليها في الذكاء معندهاش ياما إرحميني

لكزته رانيا الجالسة بجواره في كتفه وهي تقول بصوت منخفض:

-إتريق إتريق يا منبع الذكاء

جاءت سمر وهي تحمل بين يـ ــديها  صنية موضوع عليها الكثير من أطباق الحلويات

وضعت الصِنية على المنضدة الموضوعة بالمنتصف وقالت:

-إنتوا مزعلين رانيا ليه إنتَ وهو

ردت عليها رانيا بنبرة حزن مصطنعة:

-إتكتروا عليا في غيابك يا طنط وبيقولوا عليا غبية

أردفت بإستهجان:

-غبية!!..هي مين دي اللي غبية ده إنتِ ما شاء الله عليكي عديتي الغباء بمراحل

بعدما تبسمت رانيا ظناََ منها أن حماتها ستنصرها بعد ما قالته... صدمتها من بقية حديثها وإختفت الإبتسامة وهي تقول بعبس:

-حتى إنتِ كمان عليا يا طنط

-بقي يا بت يا هبلة تسلمي فارس لسامح تسليم أهالي كده

-ما أنا كنت واثقة في عمو يا طنط ده جزاتي يعني

-لاء يا حبيبة عمك...حقك عليا  أنا عشان إستغليتك وصدقيني مش هتحصل تاني

❈-❈-❈

تجلس  على سريرها تهز ساقيها بتوتر وهي ماسكة هاتفها بين يـ ـديها، تنتظر منه  رسالة أو علامة تطمئنها عليه....آخر ظهور له على تطبيق المراسلة منذ أمس  عندما تحدثوا

لم يفتح اليوم نهائياً منذ الصباح...تنتظر منه مشاكساته الذي إعتادت عليها أمس ولكن إنتظارها بلا فائدة

تخشى أن تهاتفه فليس لديها الشجاعة أن تفعل ذلك...فهو كان من يبادر بالإتصال والسؤال وليس هي لذلك تجلس منتظره إتصاله

رمت  الهاتف بضيق على الفراش بجوارها ومن ثم قامت من علي الفراش وهي تسير  بالغرفة بلا هوادة...إتجهت نحو البلكونة الخاصة بغرفتها وجلست على الكرسي  الهزاز الموجود بها،تفكر بيونس...لا تتذكر كيف إقتحم فكرها وبالها بتلك  السرعة،مرض وتغلغل بداخلها دون إنذار أو تمهيد

تشعر بإنجذابها له فهي من كانت لم تبالي بأحد

ولم يلفت نظرها أي شخص بسهولة

صارت جالسة الآن تنتظر منه إتصال

تتذكر البارحة عندما هاتفها بعدما عادت مع أحمد من النادي...ظلوا يتحدثون طوال الليل ولم يغلقوا الهاتف إلا في قبيل النهار

كان  الهدف الأول من المكالمة هو الإطمئنان عليها خوفاً من أن يكون أحمد عاقبها  ومن ثم أخذهم الكلام،فأخذت تحدثه عن نفسها بإستفاضة كبيرة وهو الآخر حدثها  عن نفسه وعن طموحاته ونقاط ضغفه وقوته

قامت من مكانها  سريعاً وهي تسمع رنين هاتفها أتي من الداخل...طوت الأرض أسفل قدميها وفي  ثانية كانت تقف أمام الفراش تلتقط الهاتف من عليه

إبتهج وجهها وصدق حدسها عندما رأت أسمه على الشاشة

ضغطت على زر الإستجابة سريعاََ وسكتت منتظرة حديثه

-صباح الجمال على الجميل

ضحكت على جملته ومن ثم قالت:

-صباح إيه بقى دي الساعة ٣ العصر

-الله يسامحها اللي لغبطت نومي وخلت أبويا يهزأني عشان مرُحتش الشركة النهاردة

قالها بمزاح بنبرته الناعسة ومشكاسة معتاد عليها

ردت عليه بنبرة تملؤها الإستنكار متسائلة:

-إنتَ لسه صاحي يا يونس؟

-لسه على السرير أصلاً...قولت ما ينفع أبدأ يومي من غير ما أسمع صوتك

توردت وجنتيها بخجل فطري وقالت:

-طب قوم يلا وروح الشركة عشان باباك

-لاء مش هروح كده كده إتهزأت وخلاص...أنا نازل النادي ما تيجي عاوز أشوفك

-بس مالك مش عليه تدريب النهاردة

نقل الهاتف من على أذنه اليمين إلي اليسار وهو يقول بنذق:

-مش لازم مالك قولي لباباكي هتخرجي تشمي هوا في النادي...إيه المشكلة؟

-خلاص هشوف وأرد عليك

❈-❈-❈

هبطت  الطائرة أرض مصر الحبيبة أخيراً ونزل منها المدعو "مازن"...عاد إلى أرضه  بعد سنين من الغربة،غربة فرضها على نفسه بعدما إستسلم....

أنهي إجراءات وصوله القانونية ومن ثم أخذ حقائبه ووقف بالخارج ينتظر السيارة الخاصة بأبيه التي قال له أنها ستنظره أمام المطار

دار  برأسه يميناً ويساراً ينظر إلى المباني والناس...يأخذ شهيقاََ كبيرة من  هذا الهواء الذي لطالما كان يقول أن مهما الإنسان ذهب وأتى لم يجد مثل هواء  مصر ورائحتها العطرة

هاجت دقات قلبه عندما أتيت إلى ذهنه تلك التي كان يتهرب من وجهها منذ سفره

أصبح الآن تحت سقف بلدةََ واحدة معها

يتنفسون نفس الهواء ويمشون بنفس الشوارع

ضربته  الذكريات بشدة....تذكر كل ما حدث منذ عدة سنوات،جرح قلبه الذي كان يظن أنه  إختفى ولكن لما يشعر به الآن ينزيفه؟!!... لطالما عاهد نفسه أنه لم ولن  يعود إلى تلك البلدة مرة أخرى وفي الآخر ها هو هنا الآن  دون إرادته

فاق من شروده على صوت السيارة التي وقفت أمامه...خرج السائق سريعاً يحمل الحقائب من يديه بعدما فتح حقيبة السيارة الخلفية يضعهم بها

ثم عاد إليه يفتح له الباب الخلفي:

-حمدالله على سلامتك يا مازن بيه مصر كلها نورت بوجودك

أعطاه إبتسامة باردة دون أن يتحدث...ومن ثم دخل إلي السيارة وأغلق الباب خلفه

❈-❈-❈

يجلس  على طاولته المفضلة بالنادي يرتدي نظارته الشمسية منتظر قدومها.....لا  يعلم ما هو سر سعادته تلك ولكن يتذكر فرحته التي ظهرت جلية على وجهه عندما  هاتفته وأخبرته أنها قادمة...جلس مع فتيات بعدد شعر رأسه

وتحدث مع أخريات ولكن هذه مختلفة

بها شئ يميزها عن غيرها لا يعلم ماهيته ولكنه يستشعره عند الحديث معها

خطفته عندما رأها لأول مرة بخطوبة أخته وظلت عالقة بذهنه حتى رأها بالنادي

لا يعلم ماذا يريد منها  ولكن يكفيه سعادته الآن بمصاحبتها

وجه أنظاره إلى الأمام عندما رأها أتيه نحوه

نمت إبتسامة صغيرة على وجهه وهو يتأملها

فتاة تستهويها النفس دون أدني مجهود

يعشق جمالها الهادئ الذي لا تمل أبداً من تأمله

فتاة صغيرة ليس إلا...لديها وجه طفولي

فرحها وحزنها مثل الأطفال تماماً من يراها من بعيد يظن أنها ذات الشخصية الصعبة ولكن من يقترب منها يعرف أنها طفلة من داخلها

عيناها التى حتى الآن لا يعلم ما لونها تطعله يخُر صريعاً لها

إبتسمت هي الأخري إبتسامة واسعة وهي قادمة نحوه ومن ثم سحبت الكرسي الموجود أمامه وهي تقول متسائلة:

-إتأخرت عليك؟

-إتأخري براحتك يا ستي ولا يهمك

قالها بمزاح وهو ينظر لها برموشه الكثيفة بنظرة مدققة

أخفضت وجهها على الطاولة وقالت:

-أنا أسفة بس الطريق كان زحمة

-ولا يهمك...ها تشربي إيه

-مانجا

أماء لها برأسه ...ثم أشار للنادل أن يأتي وأخبره أن يجلب كأس مانجو وكوب من القهوة سادة

-مالك متوترة ليه

خرج السؤال من فم يونس مستغرباً لإلتفاتها حول نفسها

أردفت بإرتباك مجاوبة على سؤاله :

-خايفة حد يشوفنا

رد عليها بإستنكار لحديثها الغريب بالنسبة إليه:

-ما اللي يشوفنا يشوفنا إيه يعني...إحنا بنعمل حاجة غلط؟!!

-لاء مش بنعمل بس لو أحمد شافنا أو أي حد من أهلي هيبقى فيه مشكلة كبيرة ليا

-غريبة  مع إنك كنتي عايشة في بلد متفتحة جداََ يعني المفروض تكوني أوبن مايند عن  كده ،إحنا أصدقاء وقاعدين في مكان عام بنتكلم فين المشكلة؟

أنهى حديثه وهو ينظر لها مدققاََ على تعبيرات وجهها أثر حديثه...يريد أن يعرف إذا كانت فعلا من هذا النوع أم لا،كان إختبار مبطن لها

لم تفهمه

فردت على حديثه بالرفض قائلة:

-لاء  طبعاً مش معنى إني كنت عايشة في الغرب أبقى أوبن مايند أو أبقى زيهم...أنا  بابا كان حريص جداً إني أفضل على أخلاقي لدرجة إنه كان بيختارلي صحابي  هناك

أخفض عينه من على وجهها..وإبتسم إبتسامة لم تظهر  على وجهه،إطمئن قلبه فهو كان يريد أن يعلم إذا كانت دخلت في أي علاقة مع  شاب أو كانت تفعل ما يفعلوا بالغرب أم لا

ولكنه لم يتسطيع أن يسألها بشكل مباشر

لذلك إستخدم تلك الطريقة الملتوية في الحديث

أسترسلت حديثها وهي تقول له بحزن على ما إقترفته:

-تعرف إني قلعت الحجاب وأنا هناك

رفع أنظاره مرة أخرى لها وقال بتساؤل يملؤه الإستنكار:

-قلعتي الطرحة؟!!

أماءت له برأسها وهي تقول له موضحة:

-جت عليا فترة دخلت في مرحلة إكتئاب كبيرة بسبب تنمر صحابي في الجامعة عليا

وده طبعاً لأني عربية وكمان لابسة طرحة

وكانوا  بينادوني بالإرهابية كمان...فقررت إني أخلع الحجاب وبابا أيدني في القرار  ده لأني كنت بدأت أشوه الحجاب بلبسي الضيق وشعري اللي بقى يبان من الطرحة

-وإيه اللي خلاكي تلبسيه تاني

خرج السؤال من بين شفـ ـتيه مستعلماََ

-يوم خطوبة أحمد ورقية فارس مكنش يعرف إني قلعت الحجاب لأني مكنتش بخرج

طبعاً لقاني نازلة بفستان شبه عا.ري وبشعري

إتهزأت وحلف إني مش خارجة بالمنظر ده ولا هحضر الفرح غير وأنا لابسة طرحة وفعلا غيرت ولبست طرحه عشان أروح الخطوبة

وبعدها جالي أوضتي وفهمني حاجات في الدين كنت غافلة عنها.. لدرجة إني يومها قعدت طول الليل اصلي وأعيط لربنا عشان يسامحني

-إنتِ  كنتي مهزوزة مش أكتر يا لين وفي بنات كتير كده حالياً ومش في الغرب ولا  حاجة لاء دول في مصر...بس القوة في إنك تعودي لصوابك تاني وترجعي لربك،ودي  حاجة يتشادلك بيها إنك هزمتي شيطانك

❈-❈-❈

مسطحة على الفراش تنازع من كثرة الألم....

وجهها  شاحب للغاية مثل الأموات تماماََ...حواجبها ممسوحة لا يوجد بها شعرة  واحدة،رقبتها منتفخة بشدة كما ولو كانت منفوخة بتدخل شخص ما

دموعها تهبط على وجنتيها وهي تآن من كثرة الآلم تلتوي يميناً ويساراً برأسها،تلك اللحظات

تكون أسوء لحظات في يومها تشعر بالحسرة على حياتها وعمرها الذي هُدر...وجعها النفسي أكثر مئة مرة من هذا الوجع

تشعر بنفسها مُهانة عندما يداهمها هذا الوجع

القاتل...تشعر بالحسرة على نفسها فهي من كانت تتمتع بصحة جيدة وجمال باهي

ترقد الآن على الفراش ترى الموت بأعينها

شعرت  بالدماء تسيل من فمها...فنظرت لز.وجها الواقف بجوارها ينظر إلى تألمها  ودموعها بقلة حيلة،هو من لا يشفق على أحد،يقف الآن أمامها وقلبه يأن من  الوجع عليها...لم يعلم قيمتها سوىٰ الآن وهو يراها تذبل وتذبل بسرعة فائقة

ندم  على كل لحظة قسى عليها بها وأشعرها بالنقص،كل مرة خانها بها  بمعرفتها...يريد وبتلك اللحظة بشدة أن تأخذه بأحضانها ليبكي ويطلب منها  السماح...

أغلق عينه قليلاََ حتى يستجمع شتات  نفسه،وإتجه نحو الكوميدينو المجاور للفراش وسحب من علبة المناديل الموضوعة  عليه عدة مناديل ومن ثم  إستدار إليها ومسح فمها من الدماء المتساقطة عليه  وهو يكبح دموع عيناه

ألقى المناديل بسلة القمامة المجاورة للفراش وهو واقف مكانه،ومن ثم نظر إليها مرة أخرى وجدها مثبتة أنظارها عليه وهى تتأمل وجهه

صعوداً ونزلاََ

خرج صوتها مرهق كثيراً من أثر ما تُعانيه وهي تقول بتهكم:

-إيه يا علي زعلان عليا

لم  يرد عليها ولا على سؤالها المتهكم الذي معها كل الحق به مُغيراََ مجرى  الحوار لا يُريد تذكر دنائته معها الآن...أردف بنبرة جدية حاسمة لا يقبل  فيها نقاش:

-إنتِ لازم تعملي العملية النهاردة قبل بكرة يا شمس

هزت له رأسها بالنفي بوهن شديد وهي تقول له بجدية:

-مش هعمل عملية غير لما إبني يكون جمبي

ثم إسترسلت حديثها بتوسل ورجاء:

-عاوزة أشوفوا قبل ما أموت يا علي

إقترب الخطوة الفاصلة بينه وبين الفراش

وضع يـ ـده فوق خاصتها بحنان وهو يقول:

-صدقيني قولتلوا وعرفته كل حاجة وقالي إنه جاي النهاردة وبعتله السواق كمان...بس مش عارف كان بيسرح بيا ولا إيه

نزلت دموعها مرة أخرى بعدما كانت جفت وقالت بصراخ:

-منك لله يا علي إنتَ السبب في بعده عني...حرام عليك كنت سبهولي أتسند عليه مش كفاية أخته اللي راحت من بين إيـ ـدينا

-إبنك مشي عشان جبان مش بسببي أنا يا شمس

-معاك حق هو اللي مشي بمزاجه وهنت عليه

يسبني ويمشي وأهو دلوقتي لما إحتاجته هُنت عليه برضو

دخل مازن الغرفة من بابها المفتوح بسرعة عقب سماعه لجملتها الأخيرة :

-عمرك ما تهوني عليا يا أمي

صدمت بل صعقت عندما إستمعت إلى صوت إبنها الغائب منذ سنوات فـ والله هو صوته لم تخطئ به أبداََ ولو مرت السنوات

أدرات وجهها سريعاً ناحية الباب...رأته يقف أمامه وهو موجه أنظاره بالكامل لها

لا تعرف كيف ومتى أتى،ظهر بلمح البصر كما لو كانت الأرضية الذي يقف عليها هي من زرعته مكانه

وجدته رجلاً بالغاََ وليس ذاك المراهق الصغير

الذي كان يرقد بأحضانها في المساء ويشكي لها همومه....

خرجت همسه صغيرة من شـ ـفتيها هاتفة بإسمه غير مصدقة لما تراه أمامها

تقدم مازن إلى الأمام قاصداً الفراش الراقدة عليه حتى وقف أمامه تماماً بمحاذة أبيه

فرت دمعة وحيدة من عينه عندما رأى منظر والدته التى كانت كالبدر المنير سابقاً،أخذ المرض منها مأخذه،راقدة دون حول ولا قوة

رفعت  يـ ـديها تلمس وجهه بحنان وإبتسامة صغيرة نمت على شفـ ـتيها...وقوفه  أمامها الآن كالحلم بالنسبة لها لا تصدق أنها رأته بعد كل تلك السنين ويـ  ـدها ملامسه وجنته

وضع يـ ـده على خاصتها الموضوعة على وجنته ومن ثم طبع عليها قبلة مطولة وهو يقول بصوته الحاني:

-وحشتيني يا ماما

لم  تفعل شئ سوا أنها أخذته بأحضانها بقوة لم تعلم من أين أتتها..وأجهشت في  البكاء بأحضانه،ثواني وكان هو الآخر يبكي معها وهو يدفس رأسه برقبتها،يبكي  بكاء الأطفال بكاء لم يبكيه عندما زهق قلبه وتفتت من الوجع

كان يشتكي لها ببكائه عن وجعه الذي مازال حتى الآن يشعر به بالرغم من مرور السنين عليه...يبكي على شكل والدته الجديد عليه

سلب  المرض منها جمالها الذي كانت تتمتع به دون رحمة...يبكي على محبوبته التي  خانته وخانت قلبه المخلص لها...يبكي على عدم شرف أبيه الذي دمر له حياته  سابقاً وجعله إنسان لم يكن عليه يوماً

أما هي فكانت  تبكي شوقاََ له وشوقاََ للعمر الذي ضاع من دون وجوده..تشكي له قسوة أبيه  عليها،وقسوة المرض وآلامه التي لم تعد تستطيع تحملها،تبكي إشتياقاََ  لفتاتها الصغيرة التى سُلبت منها....تشكي وتشكي وتشكي ولكن كل هذا دون حديث  مرئي...شكواها تتمثل في بكائها مثله تماماً

بعد مازن عن أحضانها قليلاََ ومد يـ ـديه يمسح دموعها التى كانت تهبط على وجهها كالشلالات ومن ثم رفع كفه يمسح دموعه هو الآخر

وقال بصوت متحشرج من أثر البكاء:

-إنتِ لازم تعملي العملية النهاردة يا ماما

أماءت له برأسها بالإيجاب وقالت بصوت حاني :

-أعملها  في أي وقت إنتَ عاوزه يا حبيبي ولو نجحت يبقى ربنا رضي عليا وهيخليني أعيش  معاك الباقي من عمري ولو منجحتش يبقى رضي عليا برضو إنك اول واحد هتشيل  كفني ودي كانت أمنية حياتي

هز رأسه لها وهو يقول بإعتراض على حديثها الأخير:

-متقوليش كده يا ماما عشان خاطري...هتنجح والله العظيم هتنجح وهتبقي أحسن وهتقومي بالسلامة إن شاء الله

-كنت خايفة أموت ومتحضرش جنازتي يا مازن

خرج علي من الغرفة ليتركهم مع بعض دون مقاطعتهم ودموع عيناه مغرورقة تهدد بالنزول

فمازن لم يلقي عليه نظرة واحدة ومعه كامل الحق بالتأكيد ولكن لما يشعر بتلك النغزة المؤلمة بقلبه؟

❈-❈-❈

دخلت مها صديقة سارة الغرفة بعدما طرقتها عدة طرقات وسمعت صوت صديقتها سامحة لها بالدخول

وجدتها جالسة على كرسي الأنترية ماسكة هاتفها تتفحص شئ به بدقة شديدة

ذهبت إليها وهي تقول:

-إيه يا سارة جيباني على ملا وشي ليه؟

رفعت سارة أنظارها من على الهاتف موجهها إلى صديقتها قبل أن تقول:

-تعالي يا مها شوفي اللي أنا فيه

تقدمت مها منها حتى جلست بجوارها وهي تقول بإستغراب:

-فيه إيه مالك قلقتيني عليكي

مدت يـ ـدها بالهاتف مثبتاه أمام عيناها لتريها صورة فارس وهو يمسك يـ ـد نغم

مسكت مها الهاتف بيـ ـديها بإستغراب حتى تدقق النظر بالصورة ومن ثم قالت بإستغراب:

-مين دي اللي فارس ماسك إيـ ـديها يا سارة

-بيقول إنها السكرتيرة بتاعته يا مها،بس انا قلبي مش مطمن

-فعلاََ يا سارة الصورة متدلش على علاقة مدير بسكرتيرته...البت دي وراها حاجة

قامت سارة من مكانها بغضب وقالت وهي تدور حول نفسها:

-هتجنن يا مها والله هتجنن،فارس عمره ما كان بتاع الكلام ده ومعنى إنه يمسك إيـ ـديها كده يبقى بينهم حاجة كبيرة

قامت مها ووقفت خلفها وهي تقول مهدئة إياها:

-طب إهدي يا سارة عشان تعرفي تفكري

ثم إسترسلت حديثها قائلة بتساؤل:

-هتبقى إيه بالنسبة لفارس أكتر من سكرتيرته مثلاً

-ممكن يكون بيحبها

خرجت تلك الكلمات من بين شفـ ـتيها بحزن

-طب ولو هو بيحبها متجو.زهاش ليه إيه اللي مانعه؟

فكرت سارة في سؤال مها بعمق فحقاََ لا يوجد شئ يمنعه من زو.اجه بأخرى فمن سيقدر على منع فارس بالأساس؟

أردفت وهي تتنهد ببعض من الراحة:

-مفيش أي حاجة تمنعه

-يبقى تفكي كده ومتوجعيش دماغك بالكلام ده

عادت إليها أفكارها تهاجمها مرة أخرى وهي تقول:

-بس هو أحواله مش مظبوطة اليومين دول يا مها...تخيلي انه سافر تركيا ومش هيجي غير بعد شهر!!،ودي حاجة لأول مرة يعملها

لعب الفأر بداخل مها هي الأخرى عقب جملة صديقتها التي قالتها الآن فأردفت بحسم:

-إنتِ تخدي بعضك وتطلعي بكرة على الشركة يا سارة وتشوفي البت دي هناك في الشركة ولا لاء...ولو مش في الشركة يبقى هي سافرت معاه

أوماءت  إليها بشرود وهي تدعي بداخلها أن يكون حدسها خاطئ فهي تحملت كثيراً وعانت  أكثر فيفوق على كل هذا خيانته لها!!...فسيكون ظلماََ كبيراً لها،تريد أن  تحيا حياة طبيعية لا تعلم كيف ولكن هذا هو أملها الوحيد بالحياة

تريد أن تحياها معه أو مع غيره المهم أن تحيا

دائماََ القدر يلعب معها العاب غير عادلة...تتمني يوم أن تشعر بالسعادة كما كانت تشعر سابقاََ

كل شئ تفعله الآن من اجل إسعادها تشعر أنه ناقص

رفعت بصرها للسقف وهي تدعي ربها بسرها

أن يتلطف بها ويرزقها ما تتمنى

❈-❈-❈

تجلس على الفراش الموجود بالغرفة التي أدخلها ووضع الحقائب بها وهي تهز ساقيها بتوتر لا تعلم ماذا تفعل معه ولا كيف تعامله

مازالت تحت أثر الصدمة حتى الآن ولكن بالتأكيد لم ولن تقبل بحديثه أبداََ

قررت بينها وبين نفسها الآن أنها ستعامله كما لو لم يكن شئ حدث وهو الذي عليه الإختيار

مثلما قالت له من قبل،إرتاحت لهذه الفكرة وقررت فعلها معه فور مجيئه

ولكن لما تأخر كذلك؟...فهو فور وصولهم وإدخاله للحقائب غادر المكان سريعاً دون أن يقول شئ سوىٰ"أنا خارج ومش راجع دلوقتي"

ومن وقتها لم يأتي بالفعل فتعدى على غيابه أكثر من ثلاث ساعات،تنهدت بحسرة وهي تقول لنفسها:

-بقى هو ده شهر العسل!!!

سمعت صوت تكات المفتاح في الباب...ثواني وكان يفتح ويُغلق بقوة

قامت من مكانها سريعاً وغادرت الغرفة متوجهة إلى الخارج.....رأته يدخل دون أن يعيرها أدنى إنتباه حتى أنه تخطاها

فسارعت حتى تصل أمامه وهي تقول له بصوت هادئ:

-أنا جعانة

أنزل  بصره إليها وصمت لفترة وجيزة.. فحقاََ قد مر وقت طويل على أخر وجبة  تناولوها بمصر وحتى الآن لم يذيقوا ولو تمرة، شعر بتأنيب الضمير على عدم  تذكره لشئ هكذا ومن ثم خرج صوته هادئاََ أكثر وهو يقول بتساؤل:

-عاوزة تاكلي إيه وأنا أطلبه؟

-أي حاجة على زوقك

قالتها وهي تنظر إليه بعمق حتى تستطيع معرفة إذا كان غاضب منها هي أم حدث شئ أخر أحزنه

لو كان بوقت آخر لكان رقص قلبه فرحاََ على تقديمها له وجعله هو من يتريس الأمور ولكن لم يفعل شئ سوى أنه أماء لها إماءة بسيطة

وتخطها متجهاً نحو الغرفة

وقفت مكانها وهي تنظر لظهره مستنكرة لأفعاله فمن له الحق أن يحزن ويقاطعه!!؟

لما يتخذ دورها؟!...فما هذا الذي يفعله

دخلت  بعد قليل  الغرفة وجدته أبدل ثيابه إلى أخري بيتية مريحة ومتسطح على  الفراش بتكاسل واضعاً يـ ـده فوق رأسه فوق جبهته ناظراً للسقف

لا تعلم ماذا تفعل فهي لم تقدر على هذا الصمت المبالغ فيه،فلِما هو يعاقبها بصمته هذا وهي من المفترض أن تحزن وتنأ عنه دون حديث

ولكنها  قررت أنها لم تقاطعه فهو بالأخير له سبب غير الذي فكرت به وأسبابه تلك إن  دلت على شئ فهو أنه مرض نفسي فليس من الطبيعي أن يفكروا الناس مثل ما يفكر  هو بذلك الموضوع

اتجهت إليه حتى وقفت أمام الفراش تماماً وقالت بضجر:

-أنا جوعت أكتر يا فارس

أنزل فارس ساعده من على جبينه عندما وصل إليه صوتها،نظر إليها وقال ببرود:

-طلبت الأكل وربع ساعة وجاي

-ربع ساعة كتير يا فارس بقولك جعانة

إستقام من على الفراش فجأة وقال بإندفاع:

-تعالي كُليني يا نغم..تعالي

عادت إلى الخلف خطوة عندما إستقام بخوف وقالتبصوت متحشرج على وشك البكاء:

-إنتَ متعصب عليا ليه،هو أنا عملتلك حاجة؟

-هتعصب ليه أنا هادي خالص أهو

-فارس متعاملنيش بالطريقة الباردة دي

رن جرس الباب بهذه اللحظة...فقام من على الفراش متجهاً لخار الغرفة حتى يفتح الباب لعامل التوصيل دون أن يرد على حديثها

ضربت بقدميها على الأرض كالأطفال من تصرفاته التى تثير أعصابها وبشدة...فهي لم تقدر على تجاهله مثلما فعل هو،تنهدت بضيق

وجلست على الكرسي الموجود خلفها وهي تفكر بماذا تفعل معه حتي يتخلص من هذا الأسلوب المستفز

دخل الغرفة مرة أخرى وقال لها بهدوء:

-الأكل في المطبخ إدخلي حطيه في أطباق

خرجت من الغرفة متجهة للمطبخ دون أن تعقب على حديثه وهى تشتمه بسرها

❈-❈-❈

نظر إليها بطرف عيناه وجدها سارحة في الطبق الذي أمامها ولم يلمس الطعام فمها

فأردف بتساؤل:

-مابتكليش ليه مش كنتي جعانة؟

خرجت من شرودها على صوته فرفعت انظارها من على الطبق إليه وقالت بهدوء:

-فارس إحنا لازم نتكلم

-ما إحنا بنتكلم أهو

-فارس لو سمحت بلاش الأسلوب ده...إنتَ عارف قصدي على إيه بالظبط

وضع الملعقة على السفرة بعصبية ومن ثم عدل نبرته إلى الإعتدال وقال:

-مش قولتي اللي عندك يا نغم عاوزة إيه تاني؟

-يعني إيه عاوزة إيه تاني هنعيش طول حياتنا كده يعني!!!!...هتفضل تعاملني بالاسلوب ده كتير وكأني أنا اللي غلطانة في حقك مش العكس

خرجت كلماتها صائحة مستنكرة لوضعهم الذي  جد

-وإنتِ لما تبقى شيفاني إنسان وسـ ـخ وبلعب بيكي تبقي مغلطيش فيا يا نغم؟

-أنا قولت كده لما إتصدمت يا فارس..تقدر تقولى إيه كان هيجي في بالي ساعتها غير إنك بتلعب بيا؟

-بلعب بيكي إيه يا بنتي هو أنا ضارب معاكي ورقتين عُرفي!!!....أنا مشيلك إسمي فاهمة يعني إيه؟

أنهي حديثه بصوت عالٍ حاد،فكلما تذكر حديثها الذي ألقته على مسمعه صباحاً تفور الدماء بعروقه من شدة الغضب

-إنتَ فاكر اللي قولته سهل يا فارس للدرجة

دي؟

ثم إسترسلت حديثها بحزن والدموع ملأت عيناها:

-الواحدة تاني يوم جوا.زها بتبقي مستنية جو.زها يقولها قد إيه هو مبسوط إنه معاها

وفرحان إنهم خلاص بقوا في بيت واحد والكلام ده...أما إنتَ قولتلي إيه،قولتلي فكريني يا نغم نجيب برشام منع الحمل

برشام منع الحمل إيه ده اللي إنتَ عاوزني أخده هو إنتَ كنت تعرف أنا بخلف ولا لاء أو إنت كمان بتخلف ولا لاء

أغمض عينه لثواني حتى يُهدأ أعصابه الذي إستثارت ومن ثم فتحها وقال بجدية:

-أنا قولتلك اللي عندي يا نغم وسبب رفضي لموضوع الخِلفة فياريت يا بنت الحلال تقتنعي وتخلي حياتنا تمشي طبيعي

ربعت ذراعيها على صدرها وقالت هي الأخرى بنبرة أكثر جدية:

-وانا كمان قولت اللي عندي يا فارس وهو إني مش هاخد حبوب ولو مش عاوز تخلف متقربش مني

ثم إستكملت حديثها وهي تقول برجاء:

-بس  ياريت متعاملنيش بالأسلوب البارد ده وراعي إني لسه عروسة والمفروض إني في  شهر عسل...خلينا نتعامل عادي ومش مهم الموضوع ده طالما إنتَ متمسك برأيك  وأنا متمسكة برأيي

لم يتحدث ولم يفعل شئ سوا أنه مد يـ  ـده

يلقي الطبق الذي كان أمامه على الأرضية

أحدث ضوضاء وتحطم الطبق إلى أشلاء

أما هي فوضعت يـ ـديها على فمها بصدمة ولم تقوى على الحديث... فهي شعرت بالخوف أن تعود إليه تلك النوبة التي أتته وهما بمصر

والتي جعلته يُكسر كل ما تقع عيناه عليه

قام من مكانه وإتجه إلى الكرسي الجالسه عليه... أخفض رأسه قليلاََ إلى أسفل حتى يكون بمستواها قائلة بصوت رجولي قوي:

-لو فاكرة إنك مسكاني من إيـ ـدي اللي بتوجعني بالموضوع ده تبقي غلطانة،مش فارس الهواري اللي يفرق معاه الكلام ده

ياااا ماسة

أنهى جملته مطولة حتى قال إسمها الذي يناديه بها دائماََ في حالات روقانه

15=الفصل الخامس عشر

وحبيب أخفوه مني نهاراً

فتخفى وزارني في اكتئامِ

زارني في الظلام يطلب ستراََ

فافتضحنا بنورهِ في الظلامِ

المتنبي

❈-❈-❈

بعد مرور أسبوع من تلك الأحداث

تقف في شرفة غرفتها تتطلع إلى المارة ظاهراً ولكن باطناََ فهي بعالم أخر

لم تتعجب مما يحدث معها فهي معتادة على الخيبات،دائماََ تكون السعادة على إختلاف معها

والوحدة عنوان لها....

يظن  أنه يعاقبها على شئ لم تقترفه ببعاده عنها تحت حجة أنه مشغول بعمله الذي  لم تعلم عنه شئ سوى منذ أيام قليلة عندما تسألت بضجر عن مكان ذهابه كل يوم  وعدم إتيانه سوى في المساء،ولكنه نسي شيئاََ هام

وهو أن تلك الوحدة كانت رفيقتها لسنوات طويلة فلم تُقصر بها الآن

تقف  طوال فترة غيابه بتلك الشرفة التى أصبحت صديقة لها تتساقط عليها عبراتها  في كثير من الأحيان....باتت لم تجد نفسها سوى أمام تلك النافذة التي أسمتها  مؤخراً نافذة روحها

سمعت رنين هاتفها الذي دوى صوته بالغرفة

فإبتعدت عن الشرفة متجهة إليه...نظرت إلى شاشته وجدتها "رانيا"

ضغطت على زر الإستجابة ومن ثم وضعته على أذنها اليمنى

أردفت بصوت هادئ:

-إزيك يا رانيا

-الحمدلله يا غومي..إنتِ عاملة إيه

-بخير الحمدلله

-يا رب دايماََ يا حبيبتي

ثم إسترسلت حديثها وهي تقول بمزاح:

-مكنتش عاوزة أرن عليكي عشان مكنش عزول بينكم في شهر العسل  بس حسيت إنك وحشتيني قولت والله لأرن وزي ما تيجي تيجي

إبتسمت نغم إبتسامة صغيرة لم تظهر على

شفــتيها ومن ثم قالت بحسرة:

-شهر عسل إيه يا رانيا... أنا بتمنى أرجع مصر

تاني في أقرب وقت

إستغربت رانيا من حديثها ونبرة صوتها فقالت بتساؤل مترقب:

-ليه تركيا معجبتكيش ؟

-مشوفتهاش أصلاً يا رانيا أنا مبخرجش من الشقة اللي قاعدين فيها

-أنا مش فاهمه حاجة...مال صوتك يا نغم

لم تقدر نغم أن تُخبي عليها ما حدث فهي كانت بأشد الحاجة لأن تجد من يسمعها ويقول لها ماذا تفعل في تلك المعضلة...

حكت  لها ما حدث كله منذ إستيقاظهم ثاني يوم زفافهم وأيضاََ ما حدث هنا بتركيا  منذ أسبوع ولم تقدر على الثبات وتمالك نفسها فكانت دموعها تتساقط لا  إرادياََ مع سردها لما حدث....علت شهقاتها في نهاية حديثها بشدة

تصعب  عليها نفسها التي كانت تشكر ربها على تلك النعمة التى رزقها بها... وأنها  وأخيراً سترى السعادة بمختلف أنواعها ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي  السفن،حدث ما لم تكن تتوقعه يوماً

وآلت الأمور إلى منطقة لم تتخيلها

جعدت رانيا حاجبيها بإستغراب شديد من حديث فارس لنغم...فكيف لا يريد أن ينجب أطفال وهو بالأساس لديه طفل؟!!!

دق قلبها بخوف عندما داهمها ذلك الشك

بأنه من الممكن أن يكون متخذها للمتعة ومن بعدها يرميها دون أي حقوق!!

شعرت بذنب كبير يراودها فإن كان سيفعل فارس شئ سئ بنغم فستكون هي مشاركة به بصمتها عن كذبته تلك

ولكن كيف؟فزين أكد عليها أنه يعشقها وبشدة وفارس أيضاً أخبرها بكم يحبها

وهي سمعت من صاحبة الشأن بنفسها كم هي ولهانة بفارس وكم هو محب لها

فاقت من شرودها على صوت بكائها الذي على أكثر من الطبيعي...فأردفت بتوتر وتوهان:

-نغم حبيبتي هدي نفسك مفيش أي حاجة مستهلة اللي إنتِ بتعمليه ده

ثم إسترسلت حديثها قائلة بحديث لم يدخل رأسها من الأساس:

-يمكن سوء تفاهم...وزي ما إنتِ بتقولي يكون عنده عقدة من الخلفة

-أنا مصدومة من قسوته عليا يا رانيا،إزاي يجيله قلب يعمل فيا كده ويسبني حزينة بالشكل ده وانا لسة مكملتش ١٠ أيام مراته

خرجت تلك الكلمات من بين شفـتيها بحزن وبكاء شديدان

-حاولي إنتِ تكلمية تاني يا نغم وتحاولي تفهمي هو زعلان من إيه بالظبط يمكن سبب زعله أكبر من سبب زعلك

-أنا مش هبادر بحاجة تاني يا رانيا...أنا تعبت والله العظيم تعبت،كل يوم أقول قلبه هيحن عليا وهيصالحني بس مبيحصلش

ثم إستكملت حديثها بقهرة ودموعها تهبط على وجنتيها:

-مش مزعلني قد إني قاعدة مستنية كلمة واحدة منه بس يصالحني بيها يا رانيا

-هيصالحك والله أنا متأكدة هو بس هتلاقيه مشغول في الشغل...إنتِ بس أهم حاجة تهدي نفسك وتفرحي بشهر عسلك اللي مش هيتعوض ده

-شكراََ يا رانيا إنك سمعتيني كنت محتاجة أتكلم مع حد فعلاً

أردفت رانيا بعتاب شديد:

-إحنا  مفيش بينا شكر يا نغم عيب الكلام ده...ووقت ما تحتاجي تتكلمي ترني عليا في  أي وقت وهتلاقيني معاكي،وأنا إن شاء الله هرن عليكي بكرة وهستنى منك  تفرحيني وتقوليلي إنكم إتصالحتوا

ابتسمت نغم إبتسامة  هادئة وحمدت الله بداخلها أنه رزقها بصديقة كرانيا تشتكي لها عن همومها وقت  ما شائت...فهي كانت تتمنى منذ زمن أن يكون لديها صديقة بمثابة الأخت وها  هو الله إستجاب لدعواتها

ردت عليها نغم قائلة بابتسامة:

-إن شاء الله...يلا باي عشان ألحق أعمل الأكل

-ماشي يا غومي ربنا معاكي... باي

أغلقت نغم الهاتف عقب وصول جملة رانيا لها

وجاءت لتلتفت حتى تذهب إلى المطبخ

وجدت فارس يقف أمام باب الغرفة وعلى ما يبدو أنه يقف منذ فترة كبيرة،وسمع مكالمتها بالكامل مع رانيا

تعالت  دقات قلبها بشدة وهي تراه يقف أمامها بهدوئه المعتاد لا يفعل شئ سوىٰ أنه  ينظر إليها بعمق...رفعت أناملها تمسح أثار بعض الدموع التي كانت عالقة  بعيناها حتى لا يرى ضعفها

وتقدمت نحو الباب حتى تتخطاه وتذهب إلى المطبخ

ولكن بمجرد مرورها بجواره أطبق كف يــده

على معصمها بشدة ومازال بصره معلق للأمام

إنتفض جـســـدها بخضة بمجرد ملامسة كفه لمعصمها ونظرت إليه بغضب من تصرفه قائلة:

-سيب إيـدي يا فارس

لم  يأخذ كلامها على محمل الجد ولم يبالي له من أساس...بل وجه نظره إليها  بعدما سحبها من معصمها حتى تكون أمامه مباشرةً ومن ثم خرج صوته طبيعي وكأنه  يسرد عليها أخبار الطقس:

-أول درس لازم تتعلميه معايا يا نغم إني راجل لا بحب حد يعرف عني حاجة ولا أعرف حاجة عن حد

ثم إستكمل حديثه وهو يضغط على معصمها بشدة أكثر قائلاََ بهدوء شديد يحمل بين طياته التحذير:

-أول وأخر مرة أسرارنا تطلع برة يا نغم

وضعت كفها فوق خاصته التي يضغط بها على معصمها وقالت بألم:

-سيب إيـدي يا فارس بتوجعني

أبعد يــده عن معصمها ببطئ ومن ثم أخفض عينه من عليها إلى معصمها حتى يرى إذا كان تضرر أم لا...وقعت عيناه على إحمراره للغاية

أغمض عينه بغضب من نفسه ومن غضبه الذي وقع معصمها المسكين كبش فداء له...من المفترض أنه بعدما سمع حديثها مع "رانيا"

كان أخذها بين أحضانه يتأسف لها عن جفائه معها طوال ذلك الأسبوع

ولكن  عندما خرج من عاطفته ونظر للأمر من جهة أخرى وقعت عيناه على خطئها الفادح  وهو إخراج ما يحدث معهم في بيته إلى صديقتها وهذا ما لم يقبل به أبداً لذلك  أراد أن يحتد معها أولاً حتى يخبرها أن ما قامت بيه غير مقبول نهائياََ

أما هي فنزلت دموعها بضعف وهي تنظر له

تحاول إستكشاف أي شئ بملامح وجهه يجعلها تشعر أنه مازال يكن لها ذلك الحب

ولكن لم تراى أي شئ سوىٰ الجمود

فقالت بصوت جاهدت أن يخرج له واضحاً:

-أنا تعبت

كانوا كلمتان نابعين من أعماق قلبها...عبرت بهم عن ما تشعر به طوال تلك الأسبوع

أرادت الآن أن تنهي تلك المعضلة فهى تشعر بالإنتهاك،تحبه وتحترق من بعده وجفائه

يحتضنها ليلاََ وهم خالدين للنوم وعند الصباح لا يعرفها....تعبت حقاََ

خرج صوته هادئاََ يحمل الكثير من العتاب:

-إنتِ اللي وصلتينا لهنا يا نغم

ثم إسترسل حديثه عندما رأى صمتها على جملته المبهمة بالنسبة لها:

-وقفتي  قدامي وربطي كلامي بشرط معرفش عقلك الصغير ده وصلوا إزاي ده طبعاً غير  كلامك اللي قولتيه ومعرفش برضو دماغك وصلك للتفكير ده إزاي

أردفت بصوت مهزوز كجــسدها الذي يرتجف من البكاء:

-يعني اللي إنتَ قولته هو اللي سهل عليا يا فارس

-يبقى  ترفضي بكل هدوء أنا عمري ما هجبرك على حاجة إنتِ مش عاوزاها وكنت هحاول  أتقبل رأيك ده...بس إنك تشرطي عليا في أي حاجة في العموم فإعرفي إنك دخلتي  في حيطة سد ومش هتاخدي لا حق ولا باطل

نزلت دموعها مرة أخرى عند تذكرها الموقف وقالت له:

-إنتَ مسبتش فرصة لأي أسلوب حوار بينا يا فارس ومبقتش تكلمني مع إن أنا اللي معايا الحق في إني أزعل

وضع يــده خلف رأسها مقرباً وجهها منه ومن ثم وضع شــفتيه على جبينها قائلاً بحنان:

-حقك عليا بس إنتِ كمان كنتي مزعلاني..وبعدي عنك كان لحد ما أهدى لأني مبعرفش أتحكم في غضبي

أردفت ببكاء أكثر:

-بس أنا مش عاوزة كده يا فارس...البعد دايماََ بيسبب جفا وأنا مش عاوزه ده بينا

أخذها بأحضانه وهو يمسح على خصلاتها بهدوء وإبتسامة صغيرة مرسومة على وجهه

ومن ثم قال بصوت رجولي خشن:

-مش من العدل إن دموعك تغلبني وتخليني أصالحك

إبتسمت  هي الأخرى إبتسامة رقيقة قبل أن ترفع أناملها تمحي دموعها من على وجنتيها  بهدوء...تشبثت بقميصه أكثر وهي تضع رأسها بين رقبته وتجويفه مستنشقة رائحته  التى إشتاقت إليها وبشدة

أبعد يـديه من على خصرها ومن  ثم وضعهم أسفل ركبتيها..عدل من وضعيتها حتى أصبحت مستلقية بين ذراعيه،لفت  يــديها حول رقبته بخوف من سقوطها على الأرض

وقالت وهي تنظر إليه بإستغراب:

-فارس نزلني هقع

أغلق باب الغرفة من خلفهم بقدمه اليمنى ومن ثم تقدم صوب الفراش قائلاً بعبث وهو يغمز لها بعيناه اليسرى:

-بينا حساب لازم نصفيه

❈-❈-❈

نزلت سارة من غرفتها وهي ترتدي ثيابها البيتية متجهة نحو الأرجيحة الموجودة بحديقة القصر

جلست  عليها بهدوء وبدأت بهزها هزات بسيطة بكامل جــسدها...نظرت للسماء من فوقها  وجدت النجوم تحوم حول بعضها والقمر ينير عتمة السماء،تتمنى أن تصير بيوم  من الأيام حرة وتحلق في السماء دون قيود ولا شروط

تعلم أنها ليست أفضل إنسانة على وجه الأرض

وتعلم أيضاً أنها أخطأت كثيراً بحياتها السابقة

وأنها منذ عدة سنوات وهي أصبحت إنسانة لا تعرفها لم تعد سارة ذات القلب النقي الطاهر

المُحبة للجميع....

أصبحت أخرى طامعة لا تفعل شئ سوى جني الأموال من فارس حتى تضمن حياتها إذا تخلى عنها في يوم،أصبحت كارهه للجميع ومنبوذة منهم

حتى ولدها الذي أتى من رحمها نال كرهها،تعترف أن حظه سئ لأن أم مثلها أنجبته

أم جميع أحلامها مسلوبة،أصبحت بين يوم وليلة زوجة لأخر غير الذي كانت تهواه ويعشقه قلبها

حتى  حُبها لفارس فرضته على نفسها حتى تعيش حياة طبيعية ولكن دائماً ما كان  القدر مخالف لها،لم تهنئ يوم بعيشتها...عاشت منكسة الرأس بينهم،وعند حدوث  أي مشكلة يذكروها بماضيها الذي من دونه لكانت ميتة الآن

فما يصبرها على تلك الحياة القاسية معها هى تلك الذكريات التي عاشتها بالماضي مع حبيب أيامها وعمرها الذي لم تعلم عنه أي شئ الآن

سوى تخليه عنها وتركه لها بالوقت الذي كانت تحتاجه فيه وبشدة

حتى الآن فارس هو الآخر على ما تظن أنه سيتخلى عنها،فقلبها لم يرتاح لسفريته تلك ولا لهذه الفتاة التي كانت معه بالصورة

وأكثر ما أكد ظنونها عندما ذهبت إلى الشركة وسألت عن الفتاة وجدتها هي الأخري ليست موجودة

نظرت خلفها بخضة وهي تتمسك بذراع الأرجوحة عندما وجدتها تصعد بها إلى أعلى بقوة شديدة

وجدت زوجة عمها سارة واقفة خلفها عاقدة ذراعيها على صــدرها وهي تنظر إليها بنظرات

لم تفسرها

نظرت للأمام مرة أخرى متجنباها حتى لا تشتبك معها فهى تعلم أنها لا تحبها وتريد دائماً إفتعال المشاكل معها

جاءت سارة من الخلف بهدوء وجلست بجوارها على الأرجوحة وأخذت تهزها هزات متتالية ومن ثم نظرت إليها قليلاً قبل أن تقول بهدوء:

-تعرفي إني عمري ما حبيتك

نظرت سارة لها هي الأخري ولكن بإستغراب شديد من حديثها معها فأردفت بثبات برغم من اهتزازها من أثر جملتها من الداخل:

-حبك مش هيزودني في حاجة ولا كرهك هيقل مني

ثم إسترسلت حديثها قائلة بإبتسامة ساخرة:

-الإتنين واحد عندي

إبتسمت لها سارة هي الأخرى إبتسامة ساخرة وقالت مكملة حديثها السابق دون تعليق على حديثها:

-بس نسيت أقولك إن ثقتك بنفسك بتعجبني أوي

-طب الحمدلله إن في حاجة فيا عجبتك يا حماتي

قالت سارة كلمتها الأخيرة وهي ترفع لها حاجبها الأيمن بعبث حتى تُغضبها فهي تعلم أنها تكره تلك الكلمة بشدة

-أوقات بتصعبي عليا بس أوقات أكتر بشوف إن اللي بيحصل فيكي ده إنتِ تستاهليه وأكتر كمان

قالتها سارة متجاهلة كلمتها التي تعلم أنها أرادت إغضابها بها ومن ثم تسترسلت حديثها وهي تنظر للأمام:

-بس أرجع وأقل إيه ذنب فارس إبني إنه يشيل معاكي غلطتك،فارس عمره ما عمل حاجة وحشة في حد ولا أذى حد ليه تكوني إنتِ من نصيبه؟

-أديكي  قولتي نصيبه...والنصيب محدش يقدر يهرب منه،وفارس ما شلش معايا غلطتي لأني  معملتش حاجة غلط ولا حرام...أنا حبيت وحبيت من كل قلبي والحب مش حرام ولا  عيب

رفعت لها حاجبها وهي تقول بصوت عالٍ قليلاََ:

-هتفضلي طول حياتك تقولي أنا معملتش حاجة غلط ولا هتعترفي في يوم إن من غير فارس كانت سيرتك هتبقى على كل لسان

-عشان  أنا معملتش حاجة غلط،أنا حبيت ووثقت في اللي حبيته... أما فارس بالنسبالي  مضحاش بحاجة،جوازه مني مكنش تضحية ولا حاجة بالعكس ده يمكن انا اللي ضحيت  لما إتجوزته لأن مفيش واحده في الدنيا كانت هتستحمله ولا هتستحمل طباعه

إقتربت منها سارة وقالت لها وهي تضغط على كل حرف تخرجه:

-أنا إبني ألف واحدة تتمناه وإنتِ عارفه كده كويس يا مرات إبني

-إنتِ عاوزة إيه؟

هتفت سارة سؤالها بضيق شديد من مجالستها

-عاوزة إبني يشوف حياتوا بعيد عنك لأنكم مش شبه بعض

ثم قالت لها وهي تنظر لها بتحدي:

-إبني يستاهل أكتر من كده

قامت سارة من على الأرجوحة بغضب شديد مما جعل الأرجوحة تهتز بقوة من أثر قيامها من عليها

أردفت بصوت مرهق من الحديث في ذلك الموضع الذي يفتح جراح قلبها وبشدة:

-ربنا ما يحط لين في الموقف ده أبداً يا طنط

هي لسه صغيرة برضو زي ما أنا كنت صغيرة بالظبط

قامت سارة هي الأخرى بغضب شديد وقالت بصوت عالٍ حاد:

-إخرصي خالص أنا بنتي عمرها ما هتكون زيك

إبتسمت لها إبتسامة هادئة قائلة قبل أن تغادر:

-أتمنى حظها يبقى أحسن من حظي

❈-❈-❈

يجلس  على المقاعد الحديدية القابعة أمام غرفة العمليات،متكأ بذراعيه على ركبتيه  واضعاً رأسه بين كفيه ناظراً لأسفل...يردد بداخله بعض الآيات القرآنية  التي يحفظها

يدعو الله بداخله أن يرد أمه إليه سالمة

ندم  على العمر الذي أضاعه بعيد عنها وعلى كل لحظة هاتفته باكية له وهي تقنعه  بالرجوع وكان يدير ظهره لها،تمنى لو كان لم يسافر أبداً وجلس كل تلك  السنوات الماضية تحت أقدامها

يخدمها،يريد أن يضرب نفسه مئة جزمة على رأسه لبعده عنها...

ولكن بماذا يفيد الندم الآن؟

منذ أسبوع تقريباً وهي تدخل من عملية إلى أخرى وكلما سأل أحد عن حالتها لا يقول له سوى"مش بإيــدينا حاجة غير الدعاء"

لا  يفعل شئ بالفعل سوى الدعاء لها بالشفاء العاجل ولا يحزن الله قلبه عليها  فهو لم يتحمل فراقها فهي من بقيت له بهذه الدنيا وإن كان فرط بها من قبل  فوالله لن يفعل ذلك مرة أخرى

رفع رأسه من بين كفيه ناظراً جانبه ليرى من الذي وضع يــده على كتفه...وجده أبيه

حالته  لم تختلف عنه كثيراََ،يقسم أنه يرى الدموع متجمعة بعيناه منذ أن خطو  بقدميهم إلى تلك المستشفى...مما دعاه للإستغراب فهو يعلم أن علاقة أبيه  بأمه ليست مثالية وأبيه ليس بملتزم فهو دائماً إنسان عابث،يفعل المحارم دون  أن يخشى الله

لم يراه بيوم حزين بقدر ما يراه الآن،مشاعره جالية على وجهه مما دعاه إلى التعجب فأبيه معروف بقسوة قلبه

فلما حزين على أمه الآن؟!!

أخرجه علي من أفكاره تلك على صوته الهادئ وهو يقول له:

-روح يا مازن إرتاح شوية في البيت شكل العملية مطولة وإنتِ بقالك أسبوع مابتنمش

نظر مازن للأمام باعداََ بصره عنه وقال بلا مبالاة:

-أنا كده مرتاح

جلس علي بجواره دون أن يعقب على حديثه

ونظر  للأمام بصمت تام،لا يعلم بما يبدأ معه وبما ينتهي فهو لم يعطيه أي فرصة أو  مجال للحديث...منذ عودته وهو يتجاهله تماماً وإن تحدث معه يرد عليه  بإقتضاب واضح

يتذكر جملته الذي قالها له قبل سنوات وتحديداً منذ تلك الواقعة

أخبره بصوت عالٍ ينزف ويأن"من النهاردة إبنك مات...مات"

يتذكر بعدها أنه دخل غرفة مكتبه وبعد ساعة خرج على صوت بكاء شمس العالي للغاية

ومن بعد سؤاله عن سبب بكائها عدة مرات

جاوبت عليه بصراخ"إبني سافر ومش راجع تاني بسببك حرام عليك يا علي حرام عليك"

قاموا الإثنين بإنتفاضة من على الكرسي الجالسين عليه...متجهين إلى الطبيب الذي خرج أخيراً من غرفة العمليات القابعة بها

أردف مازن ب تسائل متلهف وخوف قابعين بنبرته:

-إيه يا دكتور العملية نجحت؟

نظر الطبيب له بأسف شديد وقال بنبرة عملية مكتسبها:

-أنا أسف بس مقدرش أجزم بنجاح العملية لأن المريضة دخلت في غيبوبة

إنقبض قلب مازن بشدة وسأل الطبيب مرة أخرى ولكن تلك المرة بنبرة ضعيفة تدل على حالته التي إقتحمت جسده منذ سماعه لكلمات الطبيب:

-يعني إيه دخلت في غيبوبة!!

نظر له الطبيب بشفقة فيبدو أنه متعلق بوالدته كثيراً،ربط على كتفه بمواساة حتى يشدد أزره

ومن ثم قال له:

-لازم  تبقى أجمد من كده....والدتك محتجاك جمبها والمريض في الوقت ده من الغيبوبة  بيبقى حاسس بأي حاجة وأي كلام بيتقله وبيبقى عامل كبير جداً في إنها ترجع  لوعيها تاني

نطق علي أخيراً موجهاً حديثه للطبيب قائلاً بإهتزاز بنبرة صوته واضحة للعيان:

-طب هى هتفوق إمتى يا دكتور

هو  من كان يقف أمام أحشاد من الناس يتحدث معهم عن ثفقات ومشاريع عملاقة بكل  ثقة وثبات...يقف الآن أمام ذلك الطبيب يرتعش من الخوف،يخاف من فكرة  فقدانها

مرضها غيَر الكثير به،يريد فقط أن يعود بالزمن  إلى الخلف قليلاََ ويخبرها كم هو يحبها منذ يوم زواجهم ولكن حظها العسير  أوقعها برجل مثله لا يعرف للمشاعر طريق

أما هي فكانت  كتلة من المشاعر الطيبة تسير على الأرض،كانت تريد رجل يتغزل بجمالها صباحاً  ومساءََ وللأسف ليس هو ذلك الرجل وليس نوعه....ليته إكتفى بذلك بل كان  يجرحها بأكثر الطرق التي تفقد الأنسة ثقتها بنفسها

ألا وهي الخيانة،كان يخونها جـــسديا بمعرفتها..يرى الآن أمامه صورتها وهي تبكي على فراشها عندما كان يعود من سهراته

نزلت دمعة واحدة منه دون إرادة تعبر عن ندمه الشديد بما فعله معها وخيانته لها،مد

يـــده يمسحها بسرعة قبل أن يراها أحد

ونظر حوله وجد مازن جلس مرة أخرى على الكرسي بحزن شديد ويسرح هو الآخر بملكوته

❈-❈-❈

فتح باب السيارة الخلفي بسرعة بعدما نزل من مقعده وأغلف الباب خلفه

مد يــده بحذر شديد يمسك خاصتها ويسحبها بهدوء حتى تقترب من الباب

ومن ثم ترك يـدها ووضع ذراعيه أسفل ركبتيها وحملها بهدوء شديد

وإتجه إلى المبنى التي تقبع أمامه سيارته بعدما أغلق بابها الخلفي بقدمه

نظر له بضجر شديد وهي تتمسك برقبته أكثر قائلة:

-والله يا زين لو وقعتني لخلي ليلتك سودا

نظر لها من أسفل عيناه وأردف بغضب مكتوم:

-إنتِ اللي لو مسكتيش هخلي ليلتك سودا على دماغك

ضربته بقبضة يــدها بصدرة بقوة ومن ثم قالت له:

-راعي إني تعبانة وخلي عندك دم

نظر لها بإستنكار ومن ثم أردف بنبرة ساخرة:

-لاء وإنتِ الصدقة مدحرجة من رابع دور

ثم إسترسل حديثه قائلاً:

-خلتيني أسيب الإجتماع منك لله يا شيخة...

كان ماله الأسانسير يا رانيا قصر معاكي في حاجة؟

أنهى حديثه بتسائل ينهرها به،فهو كان يجلس مع رجال أعمال في إجتماع هام

ومن ثم سمع صوت صرختها التى دوت يافي الشركة بأكملها....وقع قلبه صريعاً بين قدميه فهو لن يخطأ بصوتها أبداََ

لا يتذكر كيف قام من بينهم وماذا قال ولكنه في ثواني كان يقف أعلى درجات السُلم وهو يراها تتدحرج من عليه

فاق  من صدمته سريعاً ونزل السُلم بسرعة حتى أصبح مجاري لها..أقبض على معصمها  بشدة حتى لا تفلت منه ومن ثم ووقف أمامها تماماً وهو يمسك بمعصمها الآخر  حتى تستعيد توازنها

نظرت إليه بتوتر وهي خجلة مما ستقوله ومن ثم أردفت:

-كنت عاوزة أخس شوية

زفر بضيق من سببها التافه الذي كان يعلمه علم اليقين ولم يرد عليها لوصولهم لغرفة الأشعة

التي دلتهم عليها موظفه الإستقبال منذ قليل

دخل الغرفة بعدما طرق على بابها....ألقى السلام على الدكتورة الواقفة بالغرفة ومن ثم وضع رانيا على سرير الفحص

وجه للدكتورة حديثه شارحاً لها سبب وجدهم هنا قائلاً:

-واقعة من على السلم يا دكتور ومش قادرة تحرك رجليها خالص....والإستقبال قالي أجي اعمل إشاعة الأول

ردت عليه الدكتورة قبل أن تتجه للفراش الموجودة عليه رانيا قائلة:

-خير ان شاء الله...لو سمحت إتفضل إنت بره

وأنا هعمل الازم،ولو في كسر لقدر الله هبعت للدكتورة تجبسها

أماء لها زين برأسه ومن ثم وجهه نظر لرانيا قائلاََ قبل أن يغادر الغرفة:

-أنا هنزل اجيب قهوة من الكافتريا وقت ما تخلصي رني عليا

❈-❈-❈

يقف أحمد بسيارته أمام ڤيلا الشاذلي منتظراً خروج رقية من الداخل وهو يتأفأف بضيق واضح من تأخرها المعتاد عليه

نظر إلى بوابة الڤيلا مرة أخرى عندما سمع صوت فتحها،وجدها أتيه إليه وهي تهرول

زفر بضيق وهو يرفع معصم يــده الأيسر ليرى

الساعة

فتحت رقية باب السيارة المجاور له وهى تلهث من خطواتها السريعة...صعدت السيارة ومن ثم أغلقت الباب خلقها قائلاً:

-حقك عليا يا أحمد معرفش الوقت سرقني إزاي كده

نظر إليها بجانب عينيه وهو يقول بغضب :

-سرقك إزاي يا رقية...أنا بقالي أكتر من ساعة واقف مستنيكي تحت،وقبل ما أجي رنيت عليكي قولتيلي إنك جاهزة ومستنياني

نظرت  إليه بتوتر من غضبه تعلم أنه معه كامل الحق به ولكن الأمر ليس بيــدها فهى  ما إن تقف أمام المرآة لترتدي ملابسها تنسى العالم الخارجي بأكمله

أردفت بصوت مهزوز وهى تدعى الله بسرها أن يُمرر هذا الموقف المعتاد على خير:

-خلاص يا أحمد والله غصب عني

ضرب على المقود بعصبية وهو يهتف بصوت عالٍ:

-رنيت عليكي سألتك يبقى تقوليلي لسه ملبستش بدل ما تجبيني وأقف ساعة مستنيكي زي النطع

نظرت  للأسفل بخجل مما فعلت ولم ترد على حديثه فهي لم تمتلك إجابة تُخرجها من  هذا المازق،فهي بالفعل أخطأت ولكنها لم تعلم أنه سيأتي بهذه السرعة.....

سرعة!!!أي سرعة هذه فالمسافة بينهم لا تقل عن ساعة

أدار السيارة بغضب وسار بها متجهين إلى النادي عندما لم يستمع إلى ردها

********************

تنزل  من على الدرج المؤدي إلى ردهة القصر بلياقة وهى ترتدي ملابس رياضية سوداء  اللون وتغطي شعرها بطرحة من اللون الإسود أيضاً تلفها إلى الخلف

وجدت مالك متنظرها في الردهه وبجواره تجلس والدتها

ألقت لين السلام على والدتها وقبلت مالك من وجنته قائلة:

-يلا يا بطل عشان إتاخرنا النهاردة

رد عليها مالك بضجر وهو ينظر إليها بطفولية:

-أنا مستنيكي من بدري يا لين وإنتِ اللي إتأخرتي والكوتش هيزعقلي عشان إتأخرت

-متخافش أنا هدخل أتأسفله على التأخير ويلا عشان منتأخرش أكتر

نظرت لين لوالدتها وجدتها تأتي بها من أسفل لأعلى وملامح الإمتعاض على وجهها

نظرت لمالك وهي تقول له بمزاح:

-شوف شوف هتموت وتقولي لابسة إسود ليه أمك ماتت

قهقه مالك دون أن يفهم ماذا تقصد... أما سارة

فأبعدت أنظارها عنها وقالت:

-ألبسي اللي تلبسيه أنا ساكته خالص أهو

تقدمت لين تجاهها وقبلت رأسها وهي تقول:

-سلام يا سرسورة يا قمر

مدت يدها وأمسكت كف مالك وذهبوا إلى الخارج،حتى يستقلوا سيارة من المركونين

بالجراچ

❈-❈-❈

يجلس  على طاولة بالنادي منتظراً مجيئها ولكنها تأخرت للغاية،مد يده في جيبه  ليخرج هاتفه ومن ثم ضغط على زر المهاتفة ووضعه على أذنه منتظراً ردها

جاء صوتها له وهي تقول بصوتها الهادئ:

-أنا أسفة يا يونس خمس دقايق بالظبط وأبقى في النادي

- براحتك خالص أنا رنيت عشان أطمن عليكي لما لقيتك إتأخرتي

-صحيت متأخر النهاردة هودي مالك التدريب بتاعه وأجيلك على طول

-وأنا مستنيكي...باي

أغلق الهاتف ووضعه على الطاولة أمامه عقب إنتهاء جملته

ونظر للبعيد وجد أحمد ورقية أتيين عليه

إنقلب وجهه بضيق عندما وجدهم على بعد خطوات منه...فهو كان يود الجلوس مع لين

بمفردهم،وبما أنهم هنا الآن فبالتالي لم يلتقي بلين

جلس أحمد بغضب دون أن يوجه أي حديث ليونس،وفعلت رقية المثل ونظرت إلى البعيد علامةََ على حزنها

نظر لهم يونس بذهول...تارة لأحمد الذي كل ثانية والأخرى يتأفأف،وأخرى لرقية التى تنظر إلى البعيد وتهز ساقيها بغضب شديد

أردف بإستنكار وهو يرفع إحدى حاجبيه:

-هو أنا كنت بايت في حضنكم إنتوا الإتنين؟

نظر له أحمد بجانب عينه نظرة سريعة ومن ثم نظر للأمام مرة أخرى دون أن يكلف نفسه عناء الرد عليه

لوى شفتيه من تصرفه بضيق ومن ثم نظر إلى أخته وقال بصوت هادئ حاني:

-في إيه يا رقية...إنتوا متخانقين؟

نظرت له رقية بحزن وقالت:

-أنا زهقت كل حياته خناق وقرف

وجه أنظاره إليه عقب وصول كلمتها الأخيرة إلى أذنه قائلاً بإستنكار:

-أنا كل حياتي قرف يا رقية؟

لم ترد عليه وأعادت وجهها للأمام

مد أحمد يده ممسكاً بمعصمها قائلاََ بتصميم:

-لما أكون بكلمك تردي عليا

حاولت  أفلات معصمها من بين يديه ولكنه كان قابض عليه بشدة فنزلت دموعها دون شعور  منها،وكأنها كانت تنتظر أي شئ يحدث حتى يخرجان من جحورهم

قام يونس سريعاً من مكانه وأبعد يد احمد عن معصم أخته وقال بغضب شديد:

-في إيه يا أحمد إنتَ إتجننت؟!!

أستغفر في سره وقال بندم بعدما أدرك فعلته

قائلا:

-هي اللي بتستفزني يا يونس... مش شايف طريقتها؟

نظرت له رقية بعيون تفيض بالغضب قائلة:

-كل ده عشان إتأخرت عليك شوية؟

-شوية؟

هتف بها أحمد مستنكراً لجملتها الكاذبة

إبتسمت دون إرادة منها على طريقته التى نطقها بها ونظرت لأسفل دون أن  ترد

إبتسم أحمد هو الأخر عليها وقال وهو يبعد الكرسي للخلف حتى يقوم:

-حقك عليا يا ستي...وهاتي رأسك أبوسها

وقف يونس أمامه بإستنكار وهو يقول:

-إنتَ رايح فين؟

-هبوس

-تبوس إيه إنتَ ضاربلك حاجة قبل ما تيجي؟

صاح بها يونس وهو يلكزه بقبضة يده على صدره

حمحم أحمد وقال قبل أن  يعاود الجلوس مرة أخرى:

-لامؤاخذه يا أبو نسب نسيت إنك معانا

جاء  ليرد عليه ولكن قاطعه رنين هاتفه...مد يده سريعاً ملتقطاََ إياه من على  الطاولة حتى يضغط على زر إنهاء المكالمة فهو يعلم من التى تهاتفه الآن

وقعت عين أحمد على لين الواقفة تدور حول نفسها وكأنها تبحث عن أحد...دقق النظر جيداً حتر تأكد أنها هي

قام من على الكرسي متجهاً إليها بعدما قال:

-ثواني هجيب لين وجاي

إلتفت يونس للخلف وجدها واقفة وعلى ما يبدو تبحث عليه..لعن حظه العسر،فعندما تحن عليه باللقاء يأتي أخيها ويقف كاللقمة بالحلق

جلس على الكرسي الخاص به عندما رأهم قادمين نحوهم ونظر لهاتفه حتى لا تفضحه نظراته لها

وقف أحمد إمامهم وبيده يمسك بكف لين

ومن ثم أردف بإبتسامة:

-لين اختي يا جماعة

ثم نظر للين وقال:

-ودي طبعاً رقية خطبتي،وده واحد بنعطف عليه

رفع يونس بصره من على الهاتف وهو ينظر لأحمد بنظرة إستخفاف...قائلاََ وهو يرفع حاجبه الأيمن له:

-ده على أساس إني انا اللي رميت نفسي عليكم، ولا إنتوا اللي طبيتوا عليا زي القضى

المستعجل

نظرت له رقية وهي تحدجه بنظرات متوعدة قائلة قبل أن تقوم من على الكرسي:

-مش وقت الكلام ده يا يونس

ثم إسترسلت حديثها وهي تتجه للين قائلة بمودة:

-النادي كله نور والله...كان نفسي أتعرف عليكي أكتر وأهي الفرصة جت أهي

أنهت حديثها وهي تمنحها إبتسامة بشوشة

ردتها لها لين الإبتسامة بأخرى مرتبكة من نظرات يونس الآتية بها من أعلى لأسفل

تشعر به وبنظراته بالرغم من عدم تقابل عيناهم سوياََ

زاغت ببصرها نحوه وجدته يتطلع عليها بالفعل

فأخفضت عيناها سريعاً وأردفت بإرتباك:

-أنا اللي كان نفسي أتعرف عليكي...حتى كنت بقول لأحمد يجيبك يوم عندنا تقعدي معانا ونتعرف على بعض أكتر

نظر  لها أحمد بإستنكار لحديثها الكاذب الذي لم يحدث أبداََ...مدت يدها ولكزته  بخفة دون أن يراها أحد ولكن بالطبع لم يخفى على يونس المترصد لأي حركة تصدر  عنها

إتسعت شفتيه قليلاََ بإبتسامة خفيفة على الموقف دون أن يعلق

-الأيام جاية كتير وهنتعرف أكتر يا ستي...تعالي إقعدي جمبي هنا ومش مهم أحمد

أنهت حديثها وهي تشير على المقعد المجاور لمقعدها الذي كان يجلس عليه أحمد قبل أن تجلس عليه

ضحكت لين وقالت بإعتراض:

-لاء أنا مبقطعش رزق حد مابالك أخويا بقى...أنا هقعد على الكرسي ده

أشارت على الكرسي الملاصق في كرسي يونس،ومن ثم جلست عليه قبل ان تسمع تعقيب على حديثها

جلس أحمد هو الآخر على مقعده وقال للين بمزاح:

-أول مرة أحس إنك أختي بجد يا بت يا لين

ثم أكمل حديثه قائلاً:

-مالك معاكي ولا جاية لوحدك؟

-اه وديتوا التدريب وهقعد أستناه

أماء لها برأسه وقال قبل أن يقوم:

-هروح الكافتريا أجيب حاجة نشربها

قام أحمد وإتجه إلى الكافتيريا الخاصة بالنادي حتى يأتي بالمشروبات

نظرت رقية ليونس وجدته ينظر إليها برجاء أن تقوم خلفه حتى يخلى له الطريق

إبتسمت إبتسامة صغيرة وقامت من مكانها ذاهبة خلف أحمد

همس يونس بجوار أذنها قائلاََ بصوت حاني:

-وحشتيني

إرتفعت دقات قلبها ورفعت بصرها سريعاً لمكان جلوس رقية وجدته خالي... لم تأخذ بالها

من تركها للطاولة فهي كانت ناظرة للأسفل خجلة للغاية منها ومن يونس

وجهت أنظارها له وهي تقول بتوتر:

-يونس متبصليش وهما قاعدين لأحمد ياخد باله

لم يبالي بكلامها ولم يهتم به كثيراً،وقال بنبرة مُصرة:

-بقولك وحشتيني

ضيقت عيناها قليلاََ وهي تقول:

-عشان خاطري يا يونس

-ماشي يا لين أنا ماشي خالص عشان ترتاحي

أنهى حديثه وهو يجلب أشيائه من على الطولة بضيق قبل أن يقوم من على كرسيه

-يا يونس مقصدش إنك تمشي...بس أنا خايفة أحمد يعرف إني عرفاك

لم يرد عليها بل غادر المكان تحت أنظارها بكل هدوء دون حتى أن يلقي عليها نظرة أخيرة

❈-❈-❈

دخل زين الكافتريا الخاصة بالمسشفى وهو يمسك الهاتف بيده يراسل إحدى أصدقائه

رفع أنظاره عن الهاتف عندما شعر بجسد صلب صُدم به

ظلت عيناه محدقة بالشخص الذي أمامه لفترة

يحاول إستيعاب إذا كان هذا الذي يراه حقيقة أم خيال

أما الثاني فكانت نظراته محملة بالشوق لصديق عمره الذي سلبته منه الأيام عنوة

لم يتحدث ولم يصدر عنه أي فعل لم يجبره على محادثته...

أنزل بصره من عليه وعملت قدميه على البعد عنه ولكن أوقفه صوته الذي صدح بالمكان هاتفاََ بإسمه "مازن"

ثُبتت قدميه على الأرضية وعاد ببصره للخلف ينظر إليه منتظراً حديثه الذي أوقفه من أجله

تقدم زين الخطوات الفاصلة بينهم حتى صار أمامه مباشرةً

أخذ نفساً عميقاً في محاولة منه للثبات ثم أردف بصوت متزن:

-إيه اللي جابك يا مازن

إبتسم مازن بسخرية قبل أن يقول وهو يهز رأسه:

-يا خسارة يا صاحبي

-إرجع يا مازن من مكان ما جيت فارس لو عرف إنك في مصر مش هيتردد إنه يخلص عليك المرادي

قالها زين بنبرة جامدة،يخشى عليه من فارس

وتهوره فهذه المرة لم يرحمة بالتأكيد

رد عليه مازن بلامبالاة قائلاََ:

-مش فارقة كتير يا زين...انا ميت من زمان

ثم أكمل حديثه قائلاً بحسرة:

-اللي  حبيتها راحت مني وصحابي راحو مني وأدي أمي كمان بتروح مني يعني يا صاحبي  ميت من زمان، قول لصاحبك يتطمن...عرفه إنه دمرني من زمان

هتف زين قائلاََ بدفاع عن صديقه:

-إنتَ اللي دمرت نفسك يا مازن محدش دمرك

وده دايماََ بيبقى جزاء الخاين

-أنا مش خاين يا زين ولا عمري كنت خاين،

لو في حد خان فعلاً يبقى هو مش أنا

-الكلام معاك ممنوش فايدة يا مازن

قالها زين ثم إسترسل حديثه قائلاً:

-ألف سلامة على طنط ربنا يقومهالك بالسلامة

❈-❈-❈

فتح عينيه قليلاً حتى يعتاد على الضوء وجدها مستلقية على صدره العاري وترسم بيدها اليسرى دوائر وهمية عليه،مما أخبره

بإستيقاظها

مد يده هو الآخر يضعها بشعرها قائلاََ:

-الساعة كام يا نغم

رفعت رأسها قليلاََ حتى تراه ثم قالت :

-تقريباََ سبعة

إعتدل بهدوء سانداََ ظهره على الفراش قبل أن يقول :

-كويس إني صحيت، عندي إجتماع عمل الساعة تمانية...لازم أقوم ألبس دلوقتي

هزت رأسها بالنفي قائلة:

-لاء يا فارس عشان خاطري متروحش...مش عاوزة أقعد لوحدي تاني

-ساعة واحد بالظبط وهتلاقيني قدامك يا حبيبي

هزت رأسها مرة أخرى رافضة لكلامه ومن ثم إستلقت برأسها على صدره مرة أخرى

مد يده يلعب بخصلاتها قائلاََ بهدوء:

-عشان خاطري يا نغم صدقيني ساعة وأجي...عيب أكون مدي حد كلمة ومنفذهاش

رفعت رأسها له مرة أخرى ولكن تلك المرة كانت الدموع تملئ عينينها وهي تقول له:

-عاوزاك تقعد معايا

ابعد يده عن خصلاتها ومن ثم مسك وجهها بكفيه قائلا بحنان:

-دموع لاء عشان خاطري

ثم إسترسل حديثه قائلاً:

-عشان متزعليش هاخدك معايا بس صدقيني يا نغم مش هعرف أعمل أكتر من كده

أماءت له برأسها قبل أن تقول:

-خلاص ماشي بس بشرط تعزمني على العشا برة

رفع إحدى حاجبيه وقال بإستنكار:

-بتشرطي عليا يا نغم

إبتسمت إبتسامة صغيرة قبل أن تهز رأسها له بالإيجاب

إبتسم هو الأخر بشدة ومن ثم قبل شفتيها قبلة رقيقة وأردف بهدوء لذيذ:

-وأنا موافق

❈-❈-❈

يجلسوا على طاولة مستطيلة الشكل... كل شخص أمامه نسخة من الأوراق،يتناقشون

بأفكار مبتكرة وجديدة حتى يزيدون معدلات ربحهم وشهرتهم

ظهر فارس أخيراً بالمكان وهو يمسك بكف نغم

كان يرتدي حلة رمادية اللون أما هي فكانت ترتدي كاردَجي من اللون الأزرق ومن أسفل ترتدي بيزك أبيض وفوقهم غطاء شعر باللون الأبيض

تقدم فارس من الطاولة وبمحاذته نغم حتى وقفوا أمامها تماماً

سحب فارس إحدى الكراسي وأخبر نغم أن تجلس عليه،وسحب المجاور له وجلس عليه هو الآخر

أردف سليم بسخرية غير واضحة:

-كنت طول عمري بشيد بمواعيدك يا فارس بس شكلي كده هغير رأيي

ردت عليه چومانة وهي ماتزال ناظرة لفارس:

-أكيد حاجة حصلت عطلته يا سليم...مش كده يا فارس؟

أنهت حديثها وهي تنظر إليه بتساؤل ماكر

أماء لها برأسه دون أن يأخذ معها بالكلام فحمحم أولاً ثم قال:

-خلونا نبدأ في الشغل على طول

إستمع الجميع له وبالفعل جلسوا أكثر من ساعة يتناقشون على خططهم للمشاريع القادمة... ولكن كان بهم شخص واحد فقط

سُلب  منه تفكيره وبالطبع هذا الشخص لم يكن سوى "سليم"،فهو منذ أن رأها أول مرة  ويشعر بأشياء غريبة تتحرك بداخله..وها هي ثاني مرة ولم يختلف حاله كثيراً  عن الأولى

أما هي فكانت كل نظراتها موجهه على  فارس،مبهورة بشخصيته الجذابة وهيبته المفروضة على الجميع بالرغم أن جميهم  يظهر عليهم أنهم من نفس طبقته ولكن فارس يختلف بحضوره الآخاذ،وسيطرته  الحازمة بحديثه

لم يخفى عليها نظرات تلك الأفعى ذات  الشعر الكستنائي له،تغلي من الداخل فنظراتها مفضوحة للغاية...تتدخل في  الحديث قاصدة إجتذاب الكلام معه،تنظر بعيناه بقوة عندما تتحدث معه

إنتهى أخيراً الإجتماع عندما توصلوا للحل الأمثل،نظر فارس بجانبه وجد نغم تنظر إلى چومانة نظرات شرسة

إبتسم إبتسامة لم تظهر على وجهه ثم ضغط على قدميها بخاصته من أسفل الطاولة حتى تنتبه له وتبعد نظراتها عنها

إلتفتت نغم له لترى ماذا يريد،وجدتهم إنتهوا من حديثهم ويملون النادل الآن ما سيتناولونه

نظر الرجل لفارس موجهاً إليه حديثه وهو يقول:

-تحب تطلب إيه يا مستر فارس

قام فارس من مكانه وهو يمسك كف نغم بين يديه حتى تقوم هي الأخرى قائلاََ:

-لاء إعذرني يا كارم أنا هستأذن..لسه عريس جديد بقى

قالها بهدوء وهو ينظر لسليم الذي لم يغفى عن نظراته لنغم

نظر سليم على الأرض بخجل عندما وجهه إليه نظراته وعرف أنه رأه وهو ينظر عليها

صدمت چومانة من جملته الأخيرة وخرج صوتها مبحوح من أثر الصدمة وهي تقول:

-إنتَ إتجوزتها؟

-اه وإحنا هنا بنقضي شهر العسل

بارك له كل من كان على الطاولة ماعدا چومانة التي نظرت إليها بغضب شديد وغيرة ومن ثم قالت له:

-أووه إنتَ من محبين التعدد يا فارس؟

شعر إنها النهاية الآن فبماذت يقول أو يرد عليها،فهي تعلم بزواجه الأول،فها قد وقعت يا فارس ولم يُسمى عليك أحد


تكملة الرواية من هنا


بداية الرواية من هنا


🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇

من غير ماتدورو ولاتحتارو جبتلكم أحدث الروايات حملوا تطبيق النجم المتوهج للروايات الكامله والحصريه مجاناً من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇

روايات كامله وحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا


🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close