رواية آية_في_الجنون الفصل الخامس♡حالة اكتئاب
بقلم الكاتبة_ندى_محسن حصريه وجديده
![]() |
اذكروا_الله♡
لطالما شعرنا بالقلق الشديد، خوف غير مبرر، لطالما كانت حياتنا صعبة ومع ذلك لا بد من العيش مهما كانت حالتك.. مهما كانت الظروف.
دلف "موسى" إلى غرفة "ماريانا" وجد جسدها يتشنج وهي مغمضة العينين وصراخها لم يتوقف، أتت "حلم" ومن ثم اضاءت المصباح الكهربي وهي تدفعه:
-أيه اللي حصل مالها يا موسى؟ نفس الحالة دي أنا تعبت وغلبت معاها ومحدش عارف سببها حتى الدكاترة.
رمقها بغضب وعاد ليقترب من "ماريانا" دون أن يهتم لوجودها، صفع وجنتها مرارًا وقلبه يرتجف مما تصل إليه هي:
-ماريانا فوقي وبصيلي، ماريانا ده كابوس أصحي.
سحبها بقوة، كمن ينتشلها من الغرق، شهقت شهقة قوية وقد كانت أنفاسها تتسارع وكأنها سمكة خرجت من مائها، تعلقت به وهي تنظر إلى عينيه وتحاول أن تنظم أنفاسها، ابتسم لها رغم القلق الذي يسحقه دون رحمة:
-أيوة براڤو اتنفسي، بطل، أيوة عااش شوفتي أنتِ كويسة أهو ومفكيش أي حاجة.
قامت بضمه وهو يشعر بنبضات قلبها المتسارعة، أغمض عينيه بألم حقيقي، عادت له حالة الإكتئاب تهاجمه دون رحمة، شعر بانطفاء العالم بأكمله من حوله وقد ازدادت حالته سوءً عندما سمع همسها الذي يعرف معناه جيدًا:
-كان بشع بكرهه، أنا بكرهه يا موسى، بكرهه متسيبنيش.
ضمها بقوة كما ارشدته إحدى الطبيبات التي تحدث معها بطريقة غير مباشرة عن حالات مشابهة لحالة أخته عندما تنال منها نوبات الفزع، انفعلت "حلم" وقد أخذت الدموع طريقها على وجنتيها:
-أنا غلبت معاها يا موسى، أنت فاكر أننا سافرنا لأبوك نتفسح ده أنا عرضتها على أكتر من دكتور ومفيش تحسن، موسى لو في حاجة حصلت بسببك بالله عليك تقولها وفهمني ليه مبتهداش بسرعة إلا جنبك.
سحق أسنانه وهو يتحدث بغضب شديد، لم يكن ينقصه حديثها، كلماتها تزعجه، يشمأز من صوتها وكأنه طعام قد انتشر به العفن:
-ممكن تبطلي بقى ده ولا وقته ولا أوانه، بعدين إيه اللي هيكون حصل بسببي؟ تعرفي متتكلميش كلام أهبل وتهدي شوية ولا متعرفيش؟ لو متعرفيش أنا في حالة حلوة أوي جربي تستفزيني فيها وأعرفك.
وقفت "حلم" وهي تريد أن تطمئن على حالة ابنتها، حالة الإكتئاب تهاجمه الآن كما يهاجم الفزع أخته، هي واثقة من هذا الشيء وتراه يرتسم على وجهه، وضعت يدها على شعر "ماريانا" لتجدها قد انكمشت أكثر، تحدث "موسى" ببرود شديد وقد لمعت عينيه بانتصار:
-شوفتي هي مش عايزة مين؟ شوفتي هي متعلقة بمين؟ تعرفي تطلعي برا ومتخوفيهاش أكتر من كدة علشان حالتها متسوءش؟ ده في حالة لو أنتِ خايفة عليها بس.
ظلت "حلم" واقفة لبعض الوقت تتأمل إبتسامته الحزينة الذي غلفها الغضب والاستفزاز معًا، اتجهت للخارج وهي تجزم أنه من نسل إبليس وليس أخ لابناءها.
همس "موسى" إلى "ماريانا" ومازالت متعلقة به، كان صوته يحتوي على جميع مشاعر الألم والضيق الموجود داخله ليضرب قلبها مباشرة:
-انتهينا بقى، خلاص أنتِ كبرتي على شغل العيال ده! لحد أمتى هتوجعي قلبي عليكِ؟!
نظرت له وقد غرق وجهها بسبب الدموع، مال لها قلبه أكثر وهي تتحدث بارتجاف:
-كوابيس بشعة صدقني بتعب، بحس أني بموت وحاجة بتجلد فيا، مش عارفة أخرج من الدوامة دي، خليك معايا دايمًا يا موسى، فاكر من كذا سنة لما بابا طردك؟ أنا وقتها كنت بموت لحد مبابا قلبه حن ورجعك بس..
قاطعها "موسى" وهو يريدها أن تتحلى ببعض القوة، لا يعجبه حالتها التي تسوء كلما مر الوقت وهو عاجز عن مساعدتها:
-عارف أن اللي حصل زمان مأثر عليكِ وأوي كمان، لكن أنا عايزك بنت قوية كدة تعرفي تكوني قد حالك ومفيش حاجة تقف قدامك.
امسكت بيده وهي تهمس له من بين انهيارها، تعلم ان وحده من يفهمها، وحده من يشعر بها ويخاف عليها، لطالما كان يقول هذا ولطالما شعرت هي بهذا:
-أنا عملت بالوعد اللي وعدتهولك يا موسى، مقولتش لحد حتى ماما، بس أنا مش قادرة أفضل ساكتة وحاسة أن..
وقف "موسى" بغضب وقد انفعل دون إرادة منه ليقاطعها وهو يشعر بالعالم من حوله على وشك أن ينهار:
-السيرة كلها تتقفل يا ماريانا فاهمة؟ أي حاجة إلا الموضوع ده، أسمع منك أي حاجة إلى إنك تفتحي الموضوع ده.
شعر بصدره يضيق وهناك ألم لا يعرف سببه، أتت لتتحدث من جديد ليوقفها بأشارة من يده محذرًا:
-أنا وعدتك مش هتشوفيه تاني ووفيت، وعدتك سيرته مش هتتجاب وبرضو وفيت، وعدتيني أنك هتتجاهلي اللي حصل والموضوع يتقفل وأنتِ كل متشوفي وشي بتفتكري، هو أنا المشكلة الوحيدة بالنسبالك؟
حركت رأسها بنفي ومازالت دموعها تتساقط، تحدث "موسى" وهو يعلم جيدًا ما الذي يقوله وكيف سيستميلها، حاول أن ينظم أنفاسه ليكون حديثه أهدء:
-المرة دي بوعدك يا ماريانا لو سيرة الموضوع ده اتفتحت تاني أنا هسيب البيت وأمشي ومش هتشوفي وشي تاني، وأظن أنك عارفة موسى عز الدين لما بيوعد.
تركها من بعدها وخرج، لم تستطيع أن توقفه، لم يكن باستطاعتها أن تفعل شيء، بقيت في مكانها تبكي وتوبخ نفسها على اغضابه، لم يذهب إلى غرفته وهبط ليجلس في الصالون دون فعل شيء، تذكر "جميل" وكيف قام بضربه، تذكر كيف تأكد من زوال روحه، ظل يتذكر الكثير والكثير، استفاق في هذا الوقت على صوت الباب يُفتح.
التفت لينظر تجاه الباب، انعقد حاجبيه بتعجب، كان يرى "محمد" وهو يسير خطوة ويتراجع خطوة، لم يكن متزن، ظن في البداية أنه مريض واقترب بسرعة ليساعده لكن استنشق رائحة كريهة يعرفها جيدًا، كانت تفوح منه عندما تحدث:
-يوووه أنت لسة صاحي! أنا قولت إنك غضبت علينا ونمت، افتكرتك مش هتصحى غير تاني يوم، أنا تعبان أوي وعايز أنام ولما أصحى فكرني أقولك على حوار حصلي.
أتى ليصعد، لكن لم يسمح له "موسى" قام بسحبه بغضب:
-كنت فين؟
ضحك "محمد" وهو يرفع إحدى حاجبيه:
-كنت بصلي الفجر.
هم بالصعود مجددًا، لكن موسى لم يسمح له، قام بسحبه ليصفعه بقوة ومن ثم امسكه من رقبة قميصه صارخًا:
-أنت أيه البعيد معندوش دم؟ هتفضل لأمتى معندكش إحساس ومش عايز تحس!
اقتربت "حلم" على صوت "موسى" لتشهق بصدمة وهي لا تصدق أنه يضرب ابنها، انفعلت وهي تقوم بدفعه:
-سيبه يا موسى أنت اتجننت؟ أبعد أيدك عنه أنت ملكش ضرب عليه.
دفع"موسى"يدها بعنف وحتى نبرته الساخرة وكلماته التي تتعمد استفزازها كانت أهون عندها من حالة الإكتئاب الذي يدخل بها وتستمر لأيام:
-ابنك حبيب أمه راجع سكران وش الفجر، أيه بقى عادي خلاص بالنسبالك أيه التربية الحلوة دي!
اتسعت أعين "حلم" بصدمة وهي تنظر إلى "محمد" الذي يحاول أن يتحرر من يد "موسى" تحدث بضيق:
-سيبني بقى يا موسى كانت صدفة وبعدين منا لما كنت في تركية كنت بشرب أيه الجديد يعني، بص خلينا للصبح وأوعدك هاجيلك تهزقني قبل متمشي.
هبطت "ماريانا" في هذا الوقت بعد أن سمعت صراخ "موسى" وكان الوضع كالتالي "محمد" يحاول التحرر من يده بينما هو يقبض على كتفيه ويهزه بعنف لعله يعود إلى رشده:
-انت ليه مش فاهم إني عايزك بني أدم؟ يا فرحتي تبقى 24 سنة ومش قادر تعتمد على نفسك ولا تشيل مسؤولية، أنت مش حاسس أنك فعلًا في مصيبة يا محمد؟!
دفعه "محمد" بقوة وهو لا يطيق المزيد من الحديث بالأخص في حالته تلك، كل ما يشعر به انه يريد النوم وبشدة:
-أنت ملكش حكم عليا، أعمل اللي يعجبني ومثاليتك دي خليهالك، أنا محمد مش موسى.
أتى ليصعد فيقم بسحبه ومن ثم لكمه بقوة، اتسعت أعين "ماريانا" واقتربت "حلم" في هذا الوقت لتقم بدفعه:
-كفاية خليه ينام مش لازم تتكلموا النهاردا، سيبه حرام عليك.
دفعها "موسى" بقوة كبيرة لتصرخ "ماريانا" وهي ترى حلم تتعصر في الطاولة الزجاجية لتسقط من فوقها وتتهشم التحف التي وضعت فوقها، اقترب منها محمد على الفور:
-ماما أنتِ كويسة؟
حاولت "حلم" الوقوف لكنها تألمت وبدأ دموعها في التساقط، نظرت إلى "موسى" ظنت أنه سوف يلين لكنها اصطدمت بعينيه القاسية، لم يجعله يتوقف إلا صراخ "ماريانا" اقترب منها ليمسك بزراعها ويسحبها معه:
-على أوضتك يا ماريانا ومش عايز اعتراض، طول مبيرجع شارب ومش شايف قدامه أنتِ لا أخته ولا تعرفيه.
♕♕♕
استيقظ "نوح" عندما سمع زقزقة العصافير أمام شباكه، نظر في الساعة وجدها السابعة صباحًا، لم يكن متخيل أنه سوف ينام في شقته ويتركوه دون إزعاج هذه المرة، تذكر كلًا من عامر وعمار:
-مفيش مفر وهشوفكوا في المدرسة أنا عارف.
خرج من غرفته ووجد المرآة التي قام بكسرها مازالت كما هي مهشمة ومتناثرة على الأرضية:
-كان ليكِ نصيب من قلبي.
ابتسم وهو ينظر لانعكاس صورته في الزجاج المهشم، سمع الصوت الذي اعتاد لسماعه في وحدته:
-بيحسدونا يا قلبي وإحنا أحزن من الحزن، لا حلوة الجملة، بقولك أيه خليك محافظ على الحدود بينك وبينهم، لو فقدت أعصابك مش هتسلم، في دماغك إنك نوح العميري المدرس اللي على نياته مش الشيطان اللي لابس ماسك الملاك طول الوقت.
زفر "نوح" بضيق شديد وهو يبتعد عن المرآة ليذهب إلى المرحاض، غسل وجهه مرارًا وصوتها عاد ليتردد داخله:
-عمري مهاسمحك على اللي عملته فيا، ده مش حب يا نوح ده مرض.
كانت آخر جملة سمعها منها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ودموعها تسيل على وجنتها، ابتسم باستمتاع وهو يمسح على شعره بتمهل شديد:
-حلو الكلام.
-----
كان "موسى" في مكتب شركة "موسى" للتجميل الخاصة بوالده، سمع رنين هاتفه وتعجب عندما وجد اسمها ينير الشاشة، لم يريد الإجابة في البداية لكنه استسلم قائلًا:
-أمممم نعم.
عقدت"أية"حاجبيها بتعجب من طريقته، ترددت في البداية لكنها حسمت أمرها:
-بعتذر عن عدم ردي امبارح على الرسالة بس كان عندي ظروف صعبة شوية، بعتذر كمان إني مش هقدر أجي الشركة النهاردا او أقابلك و..
اجابها "موسى" على الفور وقد بدى صوته جامدًا أقرب للبرود، بدى لها انه يريد ان ينهي هذه المكالمة بسرعة:
-كدة كدة كنت ناسي أننا هنتقابل أصلًا مفرقتش كتير.
نظرت "أية" تجاه الهاتف وهي تتعجب من طريقته معها، لم تعتاد عليه هكذا، ذكرت نفسها أنها لا تعرفه وربما يكون غاضب من تجاهلها أو حدث معه شيء ما:
-تمام.. سلام.
لم يجيبها بل أغلق الهاتف لتتسع عينيها وهي تحرك رأسها بعدم استيعاب:
-ده قفل السكة في وشي! أيه قلة الذوق دي؟
سمعت صوت الباب وعلمت أن "أيات" تحاول فتحه، لم تستطيع بعد أن دفعته ليرتفع صوتها بغضب:
-أية أنتِ قافلة الباب؟
وقفت "أية" أمام الباب وهي تعزم على معاقبتها مهما كانت النتيجة، رفعت حاجبيها باصرار وهي تومأ:
-أه قفلاه ومش هفتحه يا أيات لحد متتربي.
انفعلت الأخرى وهي تصفع الباب بقوة من شدة غضبها:
-افتحي الباب وبلاش الهزار السخيف ده أنا دماغي هتنفجر وعايزة أعملي قهوة.
ابتسمت "أية" ساخرة ودمائها تغلي داخل عروقها كلما تذكرت هيئتها وهذا الشاب يحيط بخصرها، لقد شعرت أنها على وشك الانفجار دون مبالغة:
-طبعًا مالخمورجية بتاعة البيت شربت أمبارح لحد مكانت هتتعمي، لا ورجعالي مع واحد بعد نص الليل، يا شيخة مش مكسوفة على دمك؟
عقدت "أيات" حاجبيها وهي تضع إبهامها على ذقنها كما لو أنها تحاول أن تتذكر، ابتسمت وقد اتسعت عينيها عندما تذكرت ما حدث، اختفت إبتسامتها عندما تذكرت ما حدث في سيارته وطريقتها معه:
-أوه.. هو وصلني؟ اسمه محمد صح؟!
وضعت "أية" يدها على جبينها تقوم بتدليكه وهي تكاد أن تصرخ:
-محمد ولا زفت أنتِ أيه مبقاش ليكِ كبير؟
ابتسمت "أيات" وهي تحاول أن تقوم باستفزازها لتفتح الباب:
-بس أيه رأيك فيه مش كان أمور؟ يا بنتي ده عليه غمازات تحسيهم معلقتين شوربة جوا خده.
بالفعل لم يخيب ظنها ووجدت "أية" تفتح الباب لتقم بسحبها من شعرها، ضحكت "أيات" وهي تمسك بيدها:
-والله بهزر صدقيني بهزر والله علشان تفتحي.
كانت تمسك بشعرها وهي تحركها لليمين ولليسار بغضب شديد، تحدثت بانفعال واضح:
-مبقاش همك أنتِ مبقاش حد فارق معاكِ ولا ليكِ كبير، إذا كانت أمك ماتت وهي بتولدك فمتنسيش أني الكبيرة والله العظيم مهرحمك يا أيات لو غلطة تانية حصلت، عارفة هعمل أيه؟ انا اللي هتصل بخالد وهسلمك ليه وهشهد كمان على كتب الكتاب.
تحدثت "أيات" بغيظ شديد ومازالت تحاول أن تبعد يدها عن شعرها وهي تسخر منها:
-ومش هتحتاجي رجل وامرأة تانية أنتِ لوحدك برجلين.
دفعتها "أية" بقوة وهي ترمقها بغضب شديد:
-قعدالك ومش هتخرجي وريني بقى هتعملي أيه يا صايعة.
لمست "أيات" شعرها بألم وهي تنظر إلى شقيقتها بغضب:
-لو مكنتش مصدعة كنت عرفت أرد عليكِ كويس.
اقتربت "أية" منها لتركض الأخرى على المرحاض ومن ثم تغلق الباب من خلفها، حاوطت "أية" رأسها ولم تعد تطيق أفعال شقيقتها، فكرت في حديث عمها الذي يتصل عليها ويصر على حضورها، فكرت في "أيات" ربما حالها سيكون أفضل من الآن ويمكنه أن يقف في وجهها:
-الله يسامحك يا شيخة على مرمطتنا كدة، هتعملي فيا أيه تاني، أقول أيه بس مهو بابا نسي يربيكي تقريبًا، إنسانة اللي يفرق بينها وبين الجاموسة إن الجاموسة بتحس.
♡♡♡
كانت تجلس على أريكة في شقة بسيطة منظمة، لا تعلم كيف لعائلة كاملة أن تعيش في غرفة وصالون كما ترى الآن، نظرت إلى ساعة يدها ووجدت أن الساعة مازالت التاسعة صباحًا، اقتربت سيدة قد تجاوزت الخامسة وثلاثون عامًا وهي تضع أمامها أحد أكواب العصير لتحرك الأخرى رأسها بنفي:
-لا شكرًا أنا مليش نفسك، عايزة أشوف حبيبة وبس.
شعرت الأخرى بالإحراج وهي تخبرها، تفكر في الوقت الذي تأخذه ابنتها لتستفيق من نومها:
-أنا صحتها أهي بس مش من السهل تقوم من النوم، دي نومها أتقل من عربية رش مقلوبة، بس عقبال مكرم أخوها يصحيها ممكن تقوليلي حضرتك عايزاها ليه؟
نظرت لها من خلف نظراتها الشمسية التي لم تكلف نفسها لتزيلها:
-أنا اتصلت بيها وقولتلها تكلمني لأني محتجاها في شغل وعايزة أقابلها، بس ده محصلش ومهتمتش فكررت أجيلها أنا بنفسي، خلينا نقول أن اللي عندي هيغير حياتها وحياتكو للأحسن.
ضيقت الأخرى عينيها ولم ترتاح لحديثها، شعرت أن هذه السيدة ترغب في استغلال ابنتها، حاولت أن تتحدث بهدوء:
-مش فاهمة برضو تعرفي بنتي منين وعايزاها في أيه؟
أخذت نفس عميق وهي تومأ لها بتفهم، فهمت أن هذه المرأة ليست سهلة ولن تترك ابنتها دون أن تعرف كل شيء يريح بالها:
-خلينا نبدأ من الأول أنا حلم مرات عز الدين موسى مهران بيتهيقلي جوزك أكيد ذكر اسمه قبل كدة قدامك!
اومأت لها وهي تشعر بالكثير من التشتت، تتساءل ما الذي تفعله زوجة أحد المنافسين لزوجها في منزلها وما الذي تريده من ابنتها:
-جوزك اللي ضيع فلوس جوزي الله يرحمه وجاية دلوقتي عايزة أيه أنتِ بعد مرضينا بالعيشة دي؟!
ضحكت "حلم" ساخرة وقد علمت أنهم لا يعرفون حقيقة زوجها لتتحدث عنه بتلك الطريقة:
-متخليناش نقلب في الماضي علشان في حاجات كتيرة متعرفيهاش، دلوقتي خلينا في اللي جاي أنا جاية لحبيبة في شغل وبيتهيقلي فرصة متتعوضش، أنا عرفت أنها مكملتش تعليمها مش كدة؟
اومأت والدة حبيبة وقد ظهر عليها الحزن، قررت "حلم" أن تضغط على جرحها أكثر لعلها تنشغل به عن حقيقة ما تريد:
-غريبة مع أن بنت عمها بيجو ولا ميجو دي اتعلمت أحسن تعليم وعايشة أحسن عيشة ليه هي حبيبة أقل منها!
ابتسمت والدة حبيبة برضا وهي تحرك رأسها بنفي:
-حبيبة بنتي مفيش في أدبها ولا أخلاقها، كفاية إنها فعلًا إنسانة في كل أفعالها أنا ربنا هداني بيها هي وأخوها ومن بعدهم مش عايزة حاجة في دنيتي، أما اللي حصل خلاص ده مفيش في أيدينا حاجة نغيرها.
حركت"حلم"رأسها بنفي وهي تتحدث إلى والدتها:
-الظاهر أنك متعرفيش حاجة بس المرحوم كان صديق لينا ووصانا عليها دايمًا، صحيح كان في منافسة في الشغل بس منافسة شريفة وأنا أسفة إني اتاخرت عقبال مجيت بس جوزي مش هنا وبيسافر كتير، وآه جميل كان بيقول أن عمها مش هيرحم حد فيكو لو هو حصله حاجة.
ظهر الحزن داخل عينيها وفي هذا الوقت سمعت "حلم" صوت حبيبة التي تخرج من الغرفة بانفعال وصوتها يتعالى:
-في أيه يا شروق حد يصحي حد كدة؟ الواد اللي عايز يتضرب ده رشني بالمية وبيكذب ويقول عندنا ضيوف هو إحنا حد بيعبرنا!
اشارت لها والدتها حتى تصمت وهي تشير على الجانب الآخر لتنتبه "حبيبة" من وجود سيدة غريبة، كانت ترتدي منامة صفراء اللون وشعرها ليس مهندم بل ينسدل على ظهرها بعشوائية، كانت تمسح عليه لتتأكد من نومه وهي تتحدث باحراج:
-بعتذر مكنتش أعرف أن في حد بجد.
ابتسمت "حلم" لها وهي تشير لها بالجلوس بجوار "شروق" والدتها، جلست "حبيبة" ومازالت تشعر بالتعجب من هيئة تلك السيدة التي تشبه هيئة زوجة عمها كثيرًا، الملابس الأنيقة والزينة الفاخرة، تحدثت إليها وهي تلاحظ شرودها:
-أنا اللي كلمتك في التليفون يا حبيبة وكنت عايزة أقابلك وأنتِ مهتمتيش.
احمرت وجنة"حبيبة"وهي تتذكر هذا اليوم البائس التي خرجت به من عند عمها وهي بائسة بعد أن أُصيبت في وجهها وكانت تشعر بالخوف والقلق:
-بعتذر أنا معرفش أنك تعرفي والدتي.
حركت "شروق" رأسها بنفي وهي تشرح الأمر لها:
-المدام حلم مرات عز الدين موسى مهران ده كان بيشتغل مع باباكي وهي عايزاكي تشتغلي معاها، بس لسة يا مدام حلم مقولتيليش عايزاها تعمل أيه برضو وتشتغل في أيه؟!
ابتسمت "حلم" وهي تنظر إلى "حبيبة" ومن ثم إلى "شروق" قائلة:
-حبيبة هتبقى السكرتيرة بتاعتي وأنا مستعدة أديلها المرتب اللي تطلبه.
عقدت "شروق" حاجبيها وهي لا تشعر بالراحة لهذا الأمر:
-سكرتيرة أيه؟ هو حضرتك بتشتغلي في شركة جوزك؟
تذكرت "حلم" رغبتها في العمل هناك ولكن لم يقف أمامها أحد سوى "موسى" الذي يؤثر على والده في كل شيء، حاولت أن تدفع صورته الموجودة داخل عقلها بعيدًا وعادت لتتحدث إلى "شروق" بجدية:
-أنا صاحبة ڤيلا كبيرة يعني إلتزام وترتيب المواعيد ومين جاي ومين ماشي وحفلات واجتماعات كل ده بيخليني اتشتت وبصراحة مش هلاقي أحسن من حبيبة خصوصًا إنها زي بنتي ماريانا.
نظرت "شروق" إلى ابنتها بعدم رضا ومن ثم نظرت إلى "حلم" بنظرات مشتعلة علمت أنها سترفض بعدها:
-أممم يعني عايزاها خدامة ليكِ ولبيتك! أنا بنتي مش خدامة ومقبلش أنها..
قاطعتها "حلم" على الفور وقد بدت جدية في الحديث أكثر من قبل وهي لا تشعر بالراحة لوجودها، تمنت لو استطاعت أن تتحدث مع ابنتها بمفردهم:
-أنا مقولتش كدة، بنتك لا هتمسح ولا هتغسل هي فعلًا هتكون السكرتيرة بتاعتي وبمرتب عشر ألاف جنيه شهريًا وأي ظرف طارئ وأي حد تعب في البيت ده او حصله حاجة لقدر الله تقدر تاخد اللي تطلبه.
نظرت "حبيبة" لها وهي لا تصدق ما تقوله، لقد بدى هذا الأمر غريب جدًا، إن حدث هذا لن تترك والدتها لتعمل ولن تترك "كرم" يؤثر في دراسته، ابتسمت وكان هذا الأمر كافي ليزرع الراحة في صدر "حلم" وقفت من بعدها وهي تنظر إلى ساعة يدها:
-انا لازم أروح دلوقتي، رقمي عندك يا حبيبة وأنا مش هضغط عليكِ بس عمتك شكرت فيكِ وأنا محتاجة لحد أمين زيك.
شرد عقلها في عمتها وابنها وزوجها، لقد عانت منهم كثيرًا، لكنها اجابتها على الفور وهي تومأ:
-اقدر أبدأ الشغل من أمتى؟
ابتسمت "حلم" لها وهي ترى "شروق" مترددة كثيرًا:
-تقدري تيجي معايا وهعرفك على البيت والأولاد كمان، هتكونوا صحاب وأنا واثقة أن ماريانا هتحبك.
ابتسمت"حبيبة" بإمتنان بينما "شروق" امسكت بيد ابنتها وهي تستأذن من "حلم" لتدخل إلى غرفتها وتتحدث بصوت شبيه بالهمس:
-أزاي تاخدي القرار من نفسك؟ إحنا منعرفش حاجة عنهم، الست دي ممكن تكون مش كويسة وأنا مش مرتاحة يا بنتي.
حركت "حبيبة" رأسها بعدم اقتناع وهي تنظر إلى والدتها بضيق شديد:
-أنا مش هلاقي فرصة أحسن من دي يا ماما وأنا لسة عشرين سنة، هجرب ولو في أي حاجة مطمنتنيش أنا هسيب الشغل فورًا صدقيني.
نظرت "شروق" لها وهي تشعر بالكثير من القلق عليها، امسكت بيدها بحنان:
-أنتِ مش هتمضي على حاجة ولا تاخدي قرار إلا لما ترجعيلي.
ضحكت "حبيبة" وهي تومأ لها وتحاول أن تجعلها تطمئن:
-حاضر يا ماما وبعدين هيمضوني على أيه بس هو انا عيلة ولا حيلتي حاجة أصلًا!
خرجت "حبيبة" مع والدتها ووجدت "حلم" تحمل بعض المال لتمده لها:
-ده أول مرتب ليكِ يا حبيبة علشان لو عوزتي حاجة ودول خمسة تانيين علشان لما تيجي يبقى معاكِ حق المواصلات كل يوم.
كان هذا الشيء يجعل "حبيبة" تتعجب أكثر ويجعل "شروق" تقلق وهي لا تعلم ما الذي من الممكن أن يحدث، حاولت أن تطمئن وهي تخبر نفسها أن هذا المبلغ لا شيء بالنسبة إلى زوجة عز الدين موسى مهران، لكن في النهاية قلبها يخبرها أن عليها أن تحترس جيدًا.
♕♕♕
كان" نوح"في الفصل الخاص به وهو يكمل شرح احد دروس اللغة العربية، قاطعه طرق الباب ودخول المدير ليقفوا جميع التلاميذ ومن بينهم عامر وعمار، ابتسم المدير وهو ينظر لهم بتوعد وغضب شديد:
-ماشاء الله شوية عاهات في وسط التلاميذ.
تبادلوا الأنظار ورفع "عامر" حاجبه الأيمن بعدم رضا:
-وليه الغلط بقى؟
اتسعت أعين"نوح" وهو يحسه على الصمت، وقف أمام المدير ليحجب نظره عن هؤلاء المشاغبين:
-أيه اللي حصل يا أستاذ مدبولي بس فهمني؟
نظر "مدبولي" تجاه عامر الذي يقف ثابتًا ورأسه مرفوعة عاليًا كمن يتحداه أن يفعل شيء:
-هو عارف كويس ولو اللي عملته أتكرر تاني مش هيكفيني فيك رفدك فاهم؟
رحل من بعدها ونظر "نوح" إليهم بغضب قبل أن يتحدث لجميع التلاميذ:
-هنقف هنا النهاردا وبكرة نكمل، الأسئلة اللي ورا الدرس واجب واللي مش هيعملها ميحضرليش أحسن إنما اللي واقف معاه حاجة قبل الحصة يجيلي أفهمهاله.
خرج من غرفة الدراسة وهو يشتعل غضبًا من أولاد عمه، لقد كان يكره إثارة الانتباه، لا يريد لأحد أن يركز معه وما يفعله كلًا من "عامر" و"عمار" هو إثارة الانتباه والشغب.
وقف عامر أمام "نوح" بعد أن خرج ليلحق به وتبعه "عمار" الذي تحدث:
-على فكرًا معملناش حاجة والله، حتى عامر معملش حاجة، مبلولي ده بيعاكس في أولياء الأمور وعلشان عامر أتضايق هو عمل فيه مقلب وللأسف أتكشف.
عقد "نوح" حاجبيه بتعجب وهو ينظر إلى "عامر" فهم الآخر أنه يتساءل عن هذا المقلب ليجيبه:
-معملتش حاجة تُذكر يعني، أنا قطعت حزام بنطلونه اللي أكبر منه بمرتين من غير ميحس، كمان بدلتلك الريحة اللي بيفضل يرش منها قدام أولياء الأمور بريحة قوية شوية أنا عاملها.
لم يستطيع "عمار" أن يتمالك نفسه ليوضح إلى "نوح" مشمازًا وهو يتذكر ما عاناه مع شقيقه في هذا الأمر:
-خلاصة فضلات البقر.
كاد "نوح" أن يتقيئ وهو يقوم بدفع عامر مشمأزًا:
-أنت اتجننت يا عامر؟ ده كان يرفدك فيها دي جتك القرف يا شيخ:
غمز له الآخر ضاحكًا وهو يخرج هاتفه ويقوم بفتحه:
-ده لو مكنتش مسجله هو بيعمل أيه، أنا موريش غيره من ساعة متنقلت ثانوي، الراجل ده مش هيجيبها لبرة يا "نوح" بس للأسف أنت مدرس بقى لو كنت طالب كنت هتشترك معانا.
نظر "نوح" له للحظات قبل أن يضرب كتفه مرارًا بتحذير:
-روح على فصلك يا شاطر وأمور البلطجة دي متتعملش وأنا موجود، إياك أسمع حاجة زي دي تاني ولا عايز أبوك يعرف؟
حرك "عامر" رأسه نافيًا وهو يرفع يده ببراءة:
-وعلى أيه يا سيدي الطيب أحسن، يلا يا عمار.
ذهبوا بينما "نوح" وقف أمام السور وعينيه على مكتب المدير ليبتسم بتمهل هامسًا إلى نفسه:
-حلو الكلام.
♕♕♕
انفعلت "أيات" وهي تنظر إلى شقيقتها الجالسة بهدوء شديد:
-أنا مش واخدة على الملل ده أيه يا أية أنتِ هتقعديني جنبك العمر كله يعني ولا أيه؟
اومأت "أية" ولم تبعد وجهها عن الهاتف:
-آه يا ست أيات هقعدك جنبي العمر كله في مانع؟
اقتربت "أيات" لتجلس بجوارها وهي تحرك رأسها بنفي، تحدثت إليها برجاء شديد وهي تعلم كيف تجعل قلبها يميل لها:
-بالله عليكِ بقى بلاش تكوني قاسية معايا أنا فعلًا مخنوقة، طيب خلينا ننزل نشرب حاجة في الكافيه اللي قريب من البيت ووعد مش هعمل حاجة تضايقك.
حاولت "أية" أن تتجاهلها لتفشل في النهاية، سحبت "أيات" الهاتف منها على حين غفلة لترى ماذا تفعل وقد استمعت إلى صراخها:
-أيات هاتي التليفون أنتِ اتجننتي.
اتسعت أعين "أيات" وهي تبتسم بعدم استيعاب وتطالع شقيقتها بخبث شديد:
-مش ده القمر اللي جه هنا وساعدك علشان تتخلصي من خالد؟ أيه ده جيبتي الإيميل بتاعه منين؟
سحبت "أية" الهاتف منها وهي تشعر بالغضب الشديد:
-أنا غلطانة أني قاعدة معاكِ وأنتِ جاموسة، ده بينا شغل وأنتِ عارفة يعني.
ضحكت "أيات" وهي تغمز لها بمكر شديد:
-يعني أي حد بيعمل حاجة تعجبك مبتبطليش أحببت ولازم تقولي رأيك سواء طلبوه أو لا، اشمعنا ده معندوش ولا love منك؟
رمقتها "أية" بغضب وهي تتحدث بانفعال واضح جعلها تتعثر في الحديث:
-تعرفي علشان أنا مؤدبة مش هرد عليكِ وكنت على وشك أوافق إننا ننزل بس خلاص غيرت رأيي.
ضحكت "أيات" واقتربت لتقوم بضم أختها وهي تحرك رأسها بنفي:
-لا لا مقدرش أنا على زعل الحلو، بقولك أيه قومي البسي بقى وخليكِ جدعة للنهاية وأنا هلبس هوا ده أنا في الدنيا دي كلها مليش غيرك يا يوتي.
ذهبت على الفور إلى غرفتها بينما "أية" بقيت جالسة في مكانها، تشعر بالكثير من الحيرة ولا تعلم ما الذي من الممكن أن تفعله يجعل أختها تتراجع عن أفعالها وعن أصدقاءها السيئين، قلبها يؤلمها وتشعر بالخوف في كل يوم من فكرة أن تتهور أختها ولا تستطيع مساعدتها.
بالفعل ذهبوا إلى المكان التي قامت باقتراحه "أيات" بالقرب من المنزل:
-القهوة حلوة أوي، قوليلي أيه أخبار عصير الرومان هنا والله معرف أيه اللي بتشربيه ده؟
قبل ان تجيبها "أية" كان هو يقاطعهم ضاحكًا:
-عصير رومان؟ ملقتيش غير عصير الرومان؟ لا ده أنا كدة هموت فيه من النهاردا يا أنسة أية.
وإلى اللقاء في الفصل القادم يا أصدقائي..
تابعوني
تعليقات
إرسال تعليق