أخر الاخبار

رواية آية_في_الجنون الفصل الأول♡بداية جنون♡ بقلم الكاتبة_ندى_محسن

 رواية آية_في_الجنون الفصل الأول♡بداية جنون♡بقلم الكاتبة_ندى_محسن


-مين المجنونة اللي توافق تتجوز واحد أيده مبتورة ومتجوز وتيجي تعيش في أرياف بدل مكانت عايشة في المدينة؟! مستحيل هتوافق بيا يا جماعة!


قالها "سيف" وقد ظهر عليه الضيق الشديد، نظر تجاه زوجته "مريم" التي تجلس بهدوء بجوار والدته، تحدث إليها بغيظ شديد: 


-أيه معندكيش حاجة تقوليها؟! مفيش غيرة أي مشاعر حقد يعني صباح الفل! 


نظرت "مريم" تجاه والدته وهي تشعر بالقلق الشديد، انتهى الأمر وهي تردف بهدوء اعتاد عليه منها: 


-أنا رأيي من رأيهم، أكيد جوازك منها هيبقى في مصلحتكوا كلكو يا سيف. 


نظر "سيف" لها  وهو يضيق عينيه، يبتسم بتهكم ومن ثم نظر إلى والده: 


-أنتو بجد سامعين نفسكو! أفرض أني رضيت تيجي تعيش معانا في قرية مرسانا اللي لسة منزلتش على الخريطة! مين المجنونة اللي توافق؟! 


♡♡♡

-أنا.. 


اردفت "آية" وهي تنظر إلى"آيات" بثقة، نظرت آيات لها ومن ثم ابعدت عينيها بعناد شديد، تابعت آية حديثها بتوعد: 


-أنا اللي هقفلك يا "آيات" ومبهزرش، مش معنى أننا عايشين لوحدنا يبقى خلاص كدة هتعملي اللي يخطر على بالك، أنا لسة عايشة ومتنسيش أني أختك الكبيرة والله لتشوفي وش تاني ووريني أخرت خروجك ده أيه. 

 

انفعلت "آيات" وهي تقف أمامها، ترمقها بنظرات مشتعلة غضبًا: 


-أنا حرة، أنتِ مش هتحاسبيني وأنا مش صغيرة، متنسيش أن الفرق بينا سنتين وليا في الشركة زي مليكي يا آية ومش من حقك ت.. 


قاطعها صوت "آية" الغاضب وهي ترفع سبابتها أمام وجهها لتتحدث من بين أسنانها: 


-أنا مش هسمح تقولي أي كلام سخيف من بتاعك، أنا وأنتِ عارفين كويس أوي أني أكتر واحدة اتحايلت تنزلي تشتغلي معايا، أنتِ اللي عاجبك أوي الجو بتاع صحابك، اسمعيني كويس يا آيات طول منا عايشة مش هقبل تتصرفي بأي شكل ممكن يضرك. 


تركتها "آية" ومن ثم دلفت إلى غرفتها، كادت أن تبكي لكنها حاولت أن تتحلى بالقوة كعادتها، اخرجت ألبوم الصور الخاص بها وبوالديها، تأملت وجه والدها:

 

-مش كفاية هي ماتت وهي بتولدنا؟ ليه قررت تمشي وتسيبلي الحمل التقيل ده يا بابا؟ ربنا يرحمك.. 


دمعة تمردت على وجنتها لتزيلها على الفور ومن ثم تغلق الألبوم لتستقر في سريرها، مرت دقائق وكانت نائمة لتستعد إلى يوم آخر مليئ بالعمل. 


♡♡♡

لم يستطيع "سيف" النوم طوال الليل، كان يفكر في حديث والديه، لم يصدق أنهم يريدوا أن يزوجوه من ابنة عمه الغير شقيق، فقط ليستطيعوا السيطرة على أموالها، ابتسم ساخرًا عندما تذكر هيئتها عندما كانت صغيرة، كيف كانت ترتدي الجوارب في رأسها: 


-لو لسة زي مهي غبية وبنفس معدل الذكاء ده يبقى هتوافق تتجوزني وش.


أتاه صوت "مريم" بجواره بعد أن فشلت في سماع حديثه جيدًا: 


-بتقول حاجة يا سيف؟ 


لم ينظر لها، قامت بوضع يدها على كتفه، تعلم كم هو غاضب، لكنها لا تستطيع أن تقف امام والديه وتعترض على قرار جدته: 


-سيف! أنت زعلان مني معقول بعد كل ده؟! 


أمسك "سيف" بيدها وهو يقوم باعتصارها: 


-نامي يا مريم أحسن ميصدر مني رد فعل مش هيعجبك أبدًا.. تلاشيني. 


ابتعدت عنه وهي تعلم أنه غاضب الآن، قررت أن تترك الغرفة وتنام بالخارج، ابتسم هو ساخرًا: 


-جبانة. 


♡♡♡♡

في الثامنة صباحًا وفي منزل راقي بالقاهرة كان يقف هذا الشاب بشرفة الغرفة الخاصة به، يستمتع باطلالته وهو يرى مياه النيل، يفصل شروده بشرب البعض من قهوته، عينيه المقتبسة من السماء تحدق في كل شيء من حوله، كان يجد راحته في الهدوء والوحدة دائمًا وكأنه أُصيب بلعنة ما، رن هاتفه ليقلق راحته ككل مرة، رد على الفور وهو يبتسم: 


-كنت عارف أنك بتيجي في عكس وقتك تمامًا.. وحشتني أوي يا بابا. 


أتاه الرد من الطرف الآخر: 


-أنت اللي وحشتني بجد يا "موسى" بس نقول أيه في عندك طالع لأبوك. 


ابتسم الآخر وهو يجلس على كرسي خشبي بالشرفة: 


-سيبك من الكلام ده وطمني أيه أخبارك دلوقتي؟ وأخبار "محمد" و"ماريانا"أيه؟! 


شعر والده بالكثير من التردد، حاول أن يجد طريقه مناسبة للتحدث إليه:

 

-ده بالظبط اللي عايزك فيه، مش عايزك تتعصب ولا تاخد رد فعل يخليك تغلط، أنا ورايا شغل ومش هعرف أنزل من تركيا الفترة دي وبالتالي لازم تكون مكاني، محمد وماريانا هيرجعوا علشان ماريانا متقدملها عريس وأنا وافقت وأهله في القاهرة والخطوبة هتتم كمان أسبوعين، لازم كل شيء يبقى جاهز. 


عقد "موسى" حاجبيه وقد وقف بانفعال واضح: 


-أيه اللي بتقوله ده يا بابا؟ خطوبة مين اللي تتم وأزاي أنا معرفش أنت نسيت أنها أختي برضو ولا أيه؟! 


اجابه بهدوء كعادته يجد حجة لكل شيء يريد التحدث به: 


-منا بقولك أهو، يا دوبك حددنا المعاد إمبارح، هو الشاب كان جاي رحلة بس حصل قبول وكلهم هينزلوا عندك لحد مخلص شغلي وأجي أنا كمان علشان نتفق على باقي التفاصيل.


أغمض" موسى" عينيه وكأنه يخشى شيء على وشك أن يحدث: 


-أنت تقصد مين بكلهم يا بابا؟ 


ابتسم "عز الدين" التي برزت غمازتيه على الطرف الآخر وهو ينظر إلى "حلم": 


-عايزك بعد بكرة في المطار الساعة عشرة الصبح، متتأخرش. 


أغلق الخط وعلم" موسى" أنها سوف تأتي معهم، سوف يراها من جديد، سوف يضطر لرؤية والدته بها، ترحم على والدته وهو يفكر في "حلم" تلك المرأة التي أخذت والده وسيطرت على كل شيء بعد رحيل والدته: 


-مش حلم.. أنتِ كابوس. 


♡♡♡

وصلت "آية" على أحد الأبراج الضخمة، وقفت أمام الأسانسير لتصعد إلى الطابق العاشر حيث شركتها، كانت تفكر في الكثير من الأمور بخصوص "آيات" اختها، تلك الفتاة التي تفهم الدنيا بشكل خاطئ، تعيش بدون قيود ولا تحمل عبء شيء، ربما على أية أن تجبرها لتهبط وتعمل معها. 


وصلت إلى حيث تريد وسارت لتدخل إلى المكتب الخاص بها، قابلت السكرتيرة الخاصة بها في طريقها والتي تكون في منزلة صديقة لها: 


-حد سأل عليها يا سمر؟ 


حركت الأخرى رأسها بنفي وهي تتابع جدول الأعمال: 


-لا، بس النهاردا عندنا معاد مع زبون مهم جدًا بخصوص إعلان عن ماركة جديدة للعربيات. 


ابتسمت "أية" وهي تومأ لها: 


-دي الفرصة اللي كنا بنستناها، نبهي على الكل بعد تلت ساعة في إجتماع طارئ ومش عايزة حد ميحضرش فاهمة؟! 


ابتسمت سمر وهي تومأ لها ومن ثم ذهبت لتخبر الجميع، جلست "آية" على مقعدها وهي ترفع وجهها براحة: 


-هنا حيث كل شيء أحبه قسمًا بالله، أقول عليكِ أيه يا آيات على فوران دمي ده أنتِ ابتلاء ليا ولازم أصبر عليه، لما أشوف أخرت السهر وتضييع الوقت والفلوس ده أيه!! 


امسكت بالهاتف الخاص بمكتبها: 

-سمر خلي عمو صبحي يجهز النسكافيه بتاعي زي مبحبه وهاتيه على مكتبي. 


♡♡♡

اجتمعوا حول مائدة ضخمة بالدور الأرضي من البيت، كان الجميع صامت عدا التوأم المشاغب عامر وعمار، تحدث عامر وهو ينظر بجواره إلى أخيه: 


-هي جدتك ده كله بتجهز؟ دي لو رايحة تتجوز مش هتاخد الوقت ده كله، قلبي مش متطمن يا أخي. 


ضحك عمار ليتحدث سيف الدين بحزم: 


-بطلوا شغل العيال ده! 


أخرج عمار لسانه إلى سيف بطريقة طفولية ليجعل الجميع يضحك، أبعد سيف عينيه وهو يهمس داخله: 


-تافهيين. 


تحدث "ماهر" والده وهو يبتسم: 


-أهدى على أخواتك يا سيف، متبقاش عصبي أوي كدة، أومال تعمل أيه لو مكان "نوح" اللي كل شوية حد منهم يلزقله، لا رحمينه في البيت ولا في الشغل، بس خلاص السنة الجاية هيبقوا تالتة ثانوي وراح زمن السبهللة ده. 


تجاهلوا حديث والدهم لينتبهوا إلى غياب نوح، نظر "عامر" تجاه عمه "مهاب" وهو يسأله بحيرة: 


-هو فين نوح صح؟ ده هو اللي بيوصل قبلينا دايمًا! 


تبادل "مهاب" النظر مع زوجته "كريمة" للحظات، لكن على الفور اجابتهم "أيسل" بدلًا عنهم:

 

-أبيه نوح خرج من بدري، بابا زعله جدًا وحتى مستناش يوصلني الدرس. 


تعجب "سيف الدين" وهو يسأل "مهاب" بحيرة: 


-أيه اللي حصل؟ ده مش سهل حد يزعله لدرجة أنه يغضب على الأكل دي محصلتش ولا مرة! 


تحدثت "كريمة" وهي تشعر بالضيق الشديد: 


-أنا خلاص تعبت ومبقتش عارفة أخرت اللي بيعمله ده أيه؟ لحد أمتى هيفضل كدة؟! هو لا أول ولا أخر واحد مراته تموت مع ذلك قولنا نجوزه بنت عمه وأول مفتحنا الموضوع الدنيا اتقلبت و.. 


قاطعتها "فاطمة" والدة سيف وهي تبتسم: 


-لا مهو مبقاش في داعي تضغطي عليه يتجوز بنت عمه يا كريمة، لأن سيف قرر يتجوزها وهنقابلهم خلاص يتعرفوا على بعض ومن بعديها نكتب الكتاب على طول. 


اتسعت أعين الجميع وقد تبادلوا النظارات، تحدث "مهاب" وقد ظهر عليه الغضب وعدم الرضى: 


-أيه الكلام اللي بتقوليه ده يا فاطمة؟ ابنك متجوز ومينفعش اللي بتقوليه ده. 


اجابه "ماهر" في هذا الوقت وقد ارتسمت فوق شفتيه إبتسامة خبيثة: 


-ابني راجل والشرع حلله أربعة يا مهاب، كمان مراته موافقة ومفيش داعي للكلام ده. 


كان "مهاب" على وشك الرد عليه لتتدخل أختهم "سمر" وهي تنبههم بتحذير: 


-ماما جاية ممكن تهدوا بقى؟! 


اقتربت سيدة ترتدي فستان أسود اللون بسيط للغاية، نقشت الورود الحمراء بخيوط بسيطة فوق الكتفين، قد تحول شعرها للون الأبيض وتستمر بصبغه للون الأحمر لتشعر أنك أمام سيدة في الثلاثون من عمرها، نعم إنها "فيروز" تلك السيدة التي تمتلك كل شيء هنا ويعمل الجميع تحت إدارتها، إنا هي كبيرة قرية "مرسانا" التي تقع قبل المنصورة: 


-صباح الخير، يلا اقعدوا وكملوا أكلكو. 


جلسوا جميعًا، نظرت "فيروز" تجاه المقعد الفارغ الخاص بنوح: 


-فين نوح؟ 


اوشكت "كريمة" أن تجيبها فقامت "فاطمة" بمقاطعتها على الفور: 


-نوح مشي من بدري ومستناش، كل ده ليه علشان فاكر أنك هتجوزيه بنت عمه، مش عارفة أيه التفكير ده بجد! لأمتى هيفضل يكسر في كلام الكبار ويشوف نفسه علينا؟! 


رمقتها "كريمة" بغضب شديد وهي تعلم أنها تريد لجدته أن تغضب وربما تريد أن تتخلص من الجميع لترث هي وزوجها كل شيء من بعدهم: 


-نوح كان وراه شغل وخرج، متنسيش أنه مدرس لغة عربية ولازم يروح المدرسة اللي في القرية. 


ابتسمت "فاطمة" بسخرية: 


-يعني اللي خلقه مخلقش غيره يعني ولا أيه يا ست كريمة، أنتِ عندك سيف الدين أهو مهندس معماري ومع ذلك حبيب أمه عمره مكسر كلمة لعيلته. 


تبادل كل من عامر وعمار النظرات، بادر عمار بالهمس إلى عامر قائلًا: 

-أمك بتدلل على أخوك.. حبيب عين أمه! 


انفعلت "كريمة" وقد كانت على وشك الوقوف لولا أن أمسك بيدها مهاب زوجها وهو يوجه حديثه إلى زوجة أخيه: 


-في أيه يا فاطمة؟ متليميها على الصبح وخليكي في حالك. 


تحدثت "فيروز" بحزم وهي لا تنظر إلى أي شخص منهم وتتناول طعامها بهدوء: 


-مش عايزة كلمة فاهمين؟ كل واحد يخليه في نفسه وفي اللي مسؤول عنه. 


ابتسمت "فاطمة" بتهكم وهي تنظر إلى كريمة كما لو أنها تقوم باستفزازها، لم يعجب أيسل ما يحدث، وقفت وهي تنظر إلى جدتها: 


-أنا شبعت يا تيتة، هطلع أوضتي أذاكر. 


اومأت لها فيروز لتركض للأعلى على الفور ومن ثم تتصل بأخيها نوح، لم يمر الكثير من الوقت ليجيبها، ابتسمت أيسل وهي تتحدث بحماس: 


-أبيه نوح أزيك أنت بقيت كويس ولا لسة متعصب؟ 


كان نوح يجلس في سيارته وهو يحاول أن يشتت نفسه بأي طريقة عن سماع أصوات لا وجود لها سوى بعقله ولم يذهب إلى عمله بعد: 


-كويس يا أيسل متقلقيش، أنتِ عايزة حاجة؟ 


ترددت أيسل لكنها اخبرته في النهاية بكل شيء حدث، فهم "نوح" كل شيء يدور بينهم، لطالما كان الجميع يسير خلف القواعد وهو مغمض العينين، هذا هو الشيء الذي لم يستطيع أن يفعله، ربما هذا ما جعله مختلف والأدهى أنه دائمًا على صواب: 


-متشغليش بالك بالكلام ده يا أيسل، خناقتهم معتادة وبصراحة كنت عارف أن ده اللي هيحصل، بدل مأتكلم مع حد كلام يضايقه قررت أني أروح الشغل رايق أحسن. 


ابتسمت "أيسل" لطالما كانت ترى أخيها الوحيد كالأبطال الخارقين دون مبالغة، لقد كان جميع صديقاتها معجبون به، عينيه الزرقاء وشعره البني، نظرته الحادة وقدرته على حل أي مشكلة لأي شخص: 


-أبيه نوح ممكن أعرف ليه رفضت تتجوز بنت عمنا؟ 


فكر "نوح" للحظات قبل أن يجيبها بهدوء: 


-علشان مهما كانت القواعد كون أننا نجبر بنت ملهاش ذنب على الجواز لمجرد أننا عرفنا أن معاها قرشين حلوين ده شيء قذر والأقذر منه لما منسألش فيها لمجرد أن أبوها مش من نفس الأم، جدتك فيروز من زمان وبتكره الست اللي اتجوزها جدك وقررت تطلع ده على حفيدتها، هنزل من عين نفسي أوي لو وافقت اتجوز واحدة غصب عنها.. 


قاطعته"أيسل"وهي تشعر بالكثير من الحيرة: 


-مين قالك أنهم هيغصبوها؟ كانت ممكن توافق عليك! 


ابتسم "نوح" وقد بدأ في قيادة سيارته أخيرًا: 


-الأكيد أنها كانت هتوافق عليا يا أيسل، لكن أنا هتجوز اللي أشوفها مناسبة ليا، اللي هينبض ليها الأستاذ اللي ورا ضلوعي ده، سيبك من الدور ده أنا لما بحب بحن بجن بس لسة بنت المحظوظة مجاتش. 


اصابتها الحيرة وهي تتذكر حنان زوجته التي ماتت بشكل مفاجئ وغريب، لكنها ضحكت على حديث أخيها بينما هو تدارك نفسه ليتحدث بحزن مصطنع: 


-روحي ذاكري يا أيسل وملكيش دعوة بالكلام ده، أنسي كل اللي قولته ومتفتحيش عنيكِ ولا كأنك سمعتي حاجة، من بعد حنان الموضوع بقى صعب أوي يا أيسل. 


لمع الحزن داخل عينيها وهي تستمع إلى صوته الحزين: 


-متتأخرش يا أبيه. 

♕♕♕

قاد سيارته حيث مصنع والده، هبط وهو يرتدي نظارته السوداء بغضب جحيمي، أغلق باب السيارة بعنف شديد ودلف إلى المصنع ينظر حوله بانفعال واضح، كالليث يبحث عن فريسته، وقعت عينيه عليه، يقف وكانه لم يفعل شيء، اقترب منه بخطوات ثابتة وقبل أن يصل إليه كان يستعد لركله بقوة. 


سقط الآخر أرضًا وقد شعر بالخوف الشديد، حاول أن يسيطر على نفسه حتى لا يكشف أمره وتحدث باندفاع: 


-موسى بيه! أنا عملت أيه؟! 


قبض موسى على تلابيب قميصه ليجبره على الوقوف وهو ينظر له ولم يكلف نفسه ليزيل نظارته الشمسية: 


-من غير لف ودوران علشان اللت الكتير ده مش بتاع رجالة مظبوطين، أنت اللي ضفت المادة اللي بوظت المنتج وعملت للمستهلكين حساسية وخلت المستثمر الأجنبي يفسخ عقده مع شركتنا. 


أوشك الآخر على الإجابة ليقاطعه "موسى" وهو يصدمه في إحدى الآلات بالمصنع: 


-من غير لف ودوران وإلا قسمًا بالله لتكون فتحت على نفسه أبواب جهنم، متنساش أنت بتكلم مين أنا"موسى عز الدين" يلة. 


ابتلع الآخر ما بحلقه وهو يومأ: 


-أنا اللي عملتها، بس صدقني كان غصب عني، أنا خوفت وهما بيهددوني و.. 


قاطعه"موسى"من جديد وهو يبتسم ساخرًا كما لو كان شيطان مجرد من الإنسانية: 


-منا عارف وهو أنت لو مكنش في حد وراك كان زمانك عايش؟ دلوقتي لو عندك شوية ذكاء هتقولي مين اللي مشيت وراه زي الأهبل وخلاك لعبة في أيده! 


حرك الآخر رأسه بنفي وهو يتحدث إلى"موسى"برجاء: 


-أرجوك يا باشا مقدرش أتكلم، وقتها مش بعيد يقتلوني ويأذوا عيالي، أنا عبد المأمور يعني مليش أي ذنب. 


أرخى موسى قبضته وهو يهندم ملابس الآخر، تحدث بلهجة لا تخلوا من السخرية ليبعث الخوف في قلب الرجل الذي خالط الشيب رأسه: 


-إلا قولي يا.. أمممم يا عبد المأمور أنت، هو ربنا لما أهلك فرعون أهلكه هو بس ولا هو وجنوده؟! 


لم يفهم الرجل المغزى من حديث موسى ليبتسم له وهو يقبض على كتفه: 


-جاوب يا عبد المأمور متخفش أنا شخص حنين خالص. 


أجاب الآخر وهو يعلم أن هذا هدوء ما قبل العاصفة: 


-هو وجنوده.. 


ضحك موسى وهو يزيل نظارته ليرمقه بنظرات متوعدة: 


-يعني عبد المأمور دي أيه؟ أنا مش زي اللي مشغلك علشان أضر حد ملوش ذنب عيالك مش هاجي جنبهم إنما أنت خلي بالك من نفسك كويس علشان زيك زي اللي مشغلك بالظبط، وقوله لأني تقريبًا عرفت أن الحركات دي متطلعش غير منه موسى عز الدين بيقولك خلي بالك مني علشان هيطلع عيني وعين.. وعين المأمور.


أشار له على الباب وهو يكمل بهدوء لم يعكره شيء وكأنه في مزاج رائع لفعل كل شيء بقلب متلهف ونفس راضية: 


-يلا يا عبد المأمور ومشوفش وشك تاني لحسن أغير رأيي. 


كان الجميع يتهامس ولم يتجرأ أحد ليتدخل، أثار "موسى" فضول الجميع والبعض قد تمنى لو كانوا مثله، ارتدى نظارته الشمسية وهو يتجه للخارج قائلًا بحسم: 


-كله يشوف شغله، ده إنذار والحساب لسة مخلصش ولو اتكرر اللي حصل تاني صدقوني مش هرحم حد.


خرج بخطوات سريعة، تبعه أحد العمال وهو يناديه: 


-موسى بيه لو سمحت استنى. 


التفت له في انفعال واضح، حاول الآخر أن يرتب حديثه وهو يبتسم ببعض القلق: 


-هو أنا ممكن أتكلم مع حضرتك؟ أنا خريج كلية حقوق واتدربت كتير جدا وكمان بفهم وبحفظ كويس أوي وبسبب أني ملقتش شغل اشتغلت مع عمال المصنع حاجة ملهاش أي علاقة بمجالي، بس أنا مش حابب ولا قادر أتقبل ده، لو سمحت تشوفلي اي شغل مع شركة موسى للتجميل أكون شاكر جدا. 


هدأ "موسى" وقد انتبه له جيد: 


-اسمك أيه؟ 


اجابه الآخر على الفور وقد شعر بالأمل يسيطر عليه: 


-أنا اسمي معتصم عبد القوي. 


نظر "موسى" له للحظات قبل أن يومأ بتفكير: 


-الكلام هنا مش هينفع، تقدر تعدي عليا في الشركة بكرة الساعة تلاتة ونقدر نتكلم وتكون مجهز كل حاجة ليها علاقة بيك. 


ربت على كتفه وكأنه يشجعه ومن بعدها ذهب، ابتسم هذا "معتصم" لم يكن يصدق أن يعطيه موسى فرصة الحديث، لكنه شعر بالكثير من السعادة لمحاولته وقد ازدادت سعادته بنجاحها.

♡♡♡

كانت أعين"آية"ترمق هذا المتطفل بنظرات مشتعلة في غرفة الإجتماع: 


-حضرتك مش ملاحظ أن أسئلتك أسئلة شخصية وملهاش أي علاقة باللي المفروض نتكلم فيه؟ 


ابتسم الآخر وقد حاولت أن تخفي اشمأزازها من إبتسامته: 


-بيتهيقلي كان سؤال بديهي جدًا، ميستحقش كل العصبية دي يا مدام آية. 


علمت "أية" أنه لا يتحدث بجدية، ربما نظراته التي  تتفحصها جعلتها تشعر بالنفور الشديد، القت نظرة على الجالس عن يمينها ولم تجده يبدي أي رد فعل سوى أنه يحاول كبت ضحكاته، وقفت على الفور وقد احتلت عينيها شراسة لا تعلم متى امتلكتها: 


-من أمتى محجبة؟ ليه قررتي تداري الجمال ده؟ بس شكلك صغير؟ من أمتى وأنتِ مهتمة بالشغل، أسئلة ملهاش أي علاقة بالبزنس ولا باللي أنت جاي علشانه يا أستاذ.. 


نظرت لذلك الشاب الموجود عن يمينها وهي تتظاهر بنسيان اسمه: 


-اسمه أيه؟ 


انتبه لها على الفور وقد شعر بالحرج نيابة عنه: 


-شريف بيه أكيد مكنش يقصد. 


اعادت "أية" النظر إلى "شريف" من جديد وقد احتدت نظراتها: 


-وآخر حاجة يا أستاذ شريف جملتك وذكرك مدام علشان تدخل في نقاش تاني خالص، أنا بعتذر لحضرتك وممكن تروح لشركة دعايا وإعلان تانية وهتقدر تفيدك أكتر مني. 


وقف "شريف" شعر بالكثير من الإحراج بين مساعديه، حاول أن يجد ما يسعفه من كلمات، لكن في الحقيقة لم يستطيع أن ينطق بحرف، اكتفى بمغادرة غرفة الإجتماع وقد تبعه من بعدها مساعديه، ابتسمت هي بثقة وجلست، تحدث هذا الشاب من جديد: 


-أيه اللي هببتيه ده يا أية. 


نظرت له ولم تكن نظراتها لينة أبدًا، رمقته بانفعال واضح وهي تحرك رأسها باستنكار شديد: 


-أنا مش فاهمة أزاي قادر تكون ريلاكس كدة وحد بيتعمد يتغزل في البنت اللي المفروض هتبقى مراتك يا رامي؟!


ابتسم "رامي" ساخرًا وهو يحرك رأسه نافيًا: 


-مش شايفة أنك أنتِ اللي مدية الموضوع أكبر من حجمه؟ الراجل بس كان مستغرب شوية أزاي Business woman ناجحة في سنك و.. 


ازدادت نظراتها شراسة وهي ترمقه بغضب شديد: 


-تفتكر أني مش هقدر أفرق؟ تفتكر أني مش هعرف لو هو عفوي أو لا، أنا مش فاهمة أنت مشوفتش ده ولا بتستهبل! 


وقف "رامي" بغضب شديد وهو يصفع طاولة الآجتماع ذات اللون الأسود: 


-أنا مسمحش بتلميحاتك دي يا أية فاهمة ولا لا؟ 


اقتربت لتواجهه بنظراتها التي تسخر منه ومن أفعاله، حركت رأسها بنفي وقد تأكدت من مشاعرها: 


-أنت مبتحبنيش يا رامي، محبتنيش. 


رفع رأسه للأعلى، كأنها لا تتحدث إليه، كأنه لا يراها، بقيت هي تحدق به ومازال يتجاهل النظر إلى عينيها، بالفعل هو لم يحبها، لقد كان يماطل كثيرًا في أمر زواجهم، كانت تفكر كثيرًا حتى اتخذت قرارها وهو.. أن هذا الشخص لا يستحقها. 


قبل أن يتفوه أي شخص منهم بكلمة كان هاتف"أية" يعلن عن وجود إتصال، رأت اسم شقيقتها ينير الشاشة، علمت أن هناك شيء لن يسرها أبدًا، لطالما كان هذا الأمر طبيعي: 


-نعم يا أيات، عملتي أيه المرة دي؟! 


اتاها الرد من "أيات" ذات الصوت المرتجف وقد كانت تسمع من خلال المكالمة صفعات متتالية على الباب وصراخ رجل لم تستطيع أن تميز صوته: 


-أية خالد ابن خالتك هنا، مصمم أفتحله الباب، أنا مرعوبة وهو بيكسر الباب أنتِ مش متخيلة متعصب أزاي، بالله عليكِ تعالي أنا حاسة أن هيغم عليا، الجيران خرجوله بس هو مداش فرصة لحد، قال أنه قريبي وأني مشيت مع واحد ومش عايزة افتحله. 


خرجت "أية" على الفور من غرفة الإجتماع، حاولت أن تهدأ من حالة أختها، هي تعلم أنها لو شعرت بالخوف سوف تدخل في نوبة زعر من الصعب أن تخرج منها: 


-أيات لا عاش ولا كان اللي يخوفك، هو اللي المفروض يخاف أنا جيالك. 


شعرت "أيات" بالقلق على أختها وهي تضع كل الاحتمالات أمام عينيها: 


-خلي بالك ممكن يكون شارب حاجة، إحنا منضمنش. 


اغلقت "أية" كانت تفكر في حل سريع، فكرت في طلب الشرطة، تركت سيارتها وخرجت للطريق وهي تحاول أن توقف سيارة، بالفعل اوقفتها وقد شعرت بالأمل عندما وجدته شاب يظهر عليه الإحترام وقوة البنية: 


-ممكن توصلني؟ أنا عربيتي عطلت ومحتاجة أوصل في أسرع وقت. 


نظر لها للحظات وقد انتبهت لعينيه الزرقاء لتبعد عينيها على الفور، تأمل هيئتها ليتحدث بهدوء من بعدها: 


-تقدري تركبي. 


صعدت على الفور وهي تمليه العنوان، بدأ في قيادة السيارة وقد لاحظت أنه يقود بسرعة كبيرة وكأنه في سباق مع جميع من حوله، لقد كان هذا الشيء الذي تحتاج بالضبط، حاولت أن ترتب حديثها وقد كانت دائمًا الفتاة الواثقة من نفسها: 


-اسم حضرتك أيه؟ 


اجابها ومازالت عينيه مثبتة على الطريق وهو لا يعلم ما الذي تريد أن تصل إليه تلك الغريبة، كان يعلم أنها ترغب في شيء آخر وقد تعجب من سلوكها بعض الشيء: 


-موسى عز الدين. 


تحدثت دون تفكير وقد أخذت نفس عميق وهي تعتدل لتنظر له: 


-أنا محتاجة مساعدتك، في واحد بيتهجم على بيتي وأختي هناك ومرعوبة، محتاجة تقف معايا بس علشان ميفردش نفسه أكتر قدامنا. 


نظر لها "موسى" لتلتقي أعينهم للحظات وهي تدرك أن ما تفعله هو الجنون بعينه، ثقتها بهذا الغريب الذي أتى عن طريق الصدفة هو الجنون بعينيه.. ربما يكون بداية الجنون.. 


*وضعتك الصدفة في طريقي، كأنها رسالة ما بثها القدر بعينيك، سرت قشعريرة وأنا آخر من تهتم لها، شيء ما يخبرني أنها بداية النهاية..* 



الفصل الثاني من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close