رواية حارة الأعيان الفصل الأول بقلم إسراء على
رواية حارة الأعيان البارت الأول بقلم إسراء على
رواية حارة الأعيان الجزء الأول بقلم إسراء على
![]() |
لملمت أشياءها من الخزانة الخاصة بها بـ تلك المدرسة الحكومية التي تعمل بها عقب أن تمت الموافقة على طلب نقلها إلى مدرسة أُخرى بـ مدينتها (الأسكندرية) حي العجمي..كانت سعادتها لا توصف فـ ها هي بعد غياب دام سنتين عقب تعيينها بـ أحد المدارس بـ مدينة القاهرة إلى أُسرتها
+
تنهدت بـ راحة وهى تضع أخر أغراضها ثم أغلقت الصندوق..لتجد بعدها أحد صديقاتها تدلف إليها تقول بـ حزن
-يعني خلاص يا أنغام مش هنشوفك تاني!
-إلتفتت إليها أنغام وقالت:لأ إزاي طبعًا أكيد هاجي القاهرة تاني
-مطت صديقنها بـ حزن وقالت:بس إحنا إتعودنا عليكِ
-إبتسمت بـ دفء وقالت:إن شاء الله طُرقنا تتلاقى مرة تانية...
قاطع حديثهم دلوف صديقه أُخرى وهى تقول بـ مرحها المُعتاد
-ما تسيبي البت فـ حالها...
ثم إلتفتت إلى أنغام تُعانقها وقالت بـ سعادة وحزنٍ في ذات الوقت
-على أد زعلي إني مش هشوفك..على أد ما أنا فرحانة إنك خلاص هترجعي لعيلتك
-إتسعت إبتسامة أنغام وهي تقول:متتصوريش أنا فرحانة أد
-ربتت صديقتها على كتفها وقالت:لأ مُتصورة جدًا..ربنا يفرحك أكتر يا حبي..يلا عشان تلحقي معاد القطر..وخدي التقيلة بقى..هوصلك...
أردفت بـ الأخيرة وهى تغمزها بـ مرح فـ قهقهت بـ قوة ثم قالت وهى تحمل صندوقها
-طب يلا ألحق العرض دا
-أردفت صديقتها الأولى:مش هتسلمي على المدير!
-أجابتها أنغام بـ سخرية:دا أنا قبل أما أمشي من هنا هيكسر ورايا قُلل مصر كلها..أسلم على مين يا عنيا!...
ضحكت صديقتيها فـ هي مُحقة..كم يكرها مُديرها لوقوفها بـ جانب الحق أكثر من مرة مُتحدية تهديداته الوهمية منها والحقيقي..كم يكرها لتصديها لأستغلاله أولياء الأمور بـ شدة والكثير من المُعلمات اللاتي لا حول لهم ولا قوة..يُبغضه إفسادها لإفساد مُخططاته الفاسدة..ولكن خروجها من المدرسة سيمُهد له الطريق بـ الكثير من الفساد..ولكن هيهات تلك القصيرة لن تستلم ولن تترك المدرسة ومن فيها لُقمة سائغة بين فكيه
*********************************
-دا مش جواز..دا حكم بـ الإعدام والمصيبة أبويا موافق..قوليلي أعمل إيه!...
هدرت بها تلك الطفلة التي لم تبلغ السادسة عشر من عمرها وذلك العرض المقيت بـ الزواج من كبير تلك الحارة الشعبية..حيث لا تزال عادات القديمة المُترسخة.."فتوة الحتة" يُريدها وهو يُريد طفلة ليس حُبًا ولكن جشعًا وشهوة وإذا طلبت حمايته فـ عليك دفع "إتاوة" ذلك الزمن الذي ولى مُنذ دهور وها هو يعود
ردت عليها صديقتها على الجهة الأُخرى من الهاتف
-طب ما تكلمي أختك يا أُمنية
-زفرت أُمنية بـ ضيق:هي فـ إيه ولا إيه!..مش كفاية متغربة ولا لما ترجع هتعمل إيه!
-أكيد هتعمل حاجة..أختك مُتعلمة وأكيد هتقف للجهل اللي بيحصل دا
-وضعت يدها بـ خُصلاتها وقالت:سبيها لله دلوقتي..أنا هفكر بـ حاجة كدا تخليني أخلع
-وصلها غمغمة صديقتها:إن شاء الله ربك هيسترها..أنا هقفل معاكي دلوقي وبعدين هكلمك أشوفك هتعملي إيه وأنا لو لاقيت حل أكيد هكلمك
-تمام..سلام...
قذفت الهاتف بـ إهمال على الفراش وهي تكاد تبكي لما هي مُقبلة عليه..تأملت نفسها بـ المرآة لا تستطيع أن تُنكر جمالها فـ هي قمحية البشرة..ناعمة الملامح بـ عينيها العسليتين و أهدابها الكثيفة..أما ثغرها الكرزي المُمتلئ هو ما يجذب الجنس الآخر إليها..وهذا هو التصريح الفج الذي ألقى بها "فتوة الحتة" عندما عَلِم بـ رفضها "والنبي أنا أموت فـ الشفايف اللي تحل من على حبل المشنقة"..شهقت أُمنية بـ خجل وركضت من أمامه وأمام قاطني المنطقة ولم يتدخل أحد..فـ من يجرؤ على الوقوف أمام "فتوة الحتة" ومجابهته
إنتفضت على دلوف والدتها الأهوج تلك السيدة البيسطة التي لم تتلقَ تعليمًا كافيًا يؤهلها من العقلية كي تعترض على ذلك الجهل ولكنها مِن مَن يتبعن مقولة "أهو ضل راجل ولا ضل حيطة" وهو ليس كـ أي رجل..بل "فتوة الحتة" وماذا إذا كان يبلغ الخمسين من العمر أو مُتزوج من ثلاث نساء طالما "في الحلال" و"الشرع محلل أربعة"
نبرتها كانت غاضبة وكأن أُمنية سيدة تخطت الثلاثون ولم تتزوج وليست طفلة
-صحيح اللي سمعته دا من ستات الحتة!
-نهضت أُمنية تقول بـ ضجر:خير يا ماما!!
-تقدمت منها بـ خُطىٍ غاضبة:لأ مش خير يا وش الفقر..بقى سيد الحتة كلها يقف يكلمك وأنتي تسبيه وتمشي!..بتفضحينا وسط الناس!..مش كفاية أنه هيتجوزك؟
-إنتفضت أُمنية بـ غضب قائلة:لما يقف ويقولي كلام قذر زيه يبقى أسيبه وأسيب أمه..يحمد ربنا إني ممدتش إيدي عليه
-صكت والدتها صدرها زاجرة إياها بـ حدة:قطع إيدك إن شالله..أنتِ عاوزة الناس تاكل وشي يا بنت قدري!
-أخذت أُمنية نفسًا عميق وقالت:يا ماما هو أنا كبرت عشان أتجوز!..دا أنا لسه مخلصتش ثانوي..وبعدين أختي لسه متجوزتش..ليه عاوزة تخلصي مني؟
-أصدرت والدتها صوتًا من بين شفتيها وقالت بـ حسرة:وإحنا هنتحصل على أُختك منين يا حسرة!!..ما هي متغربة فـ المرمطة عشان الكام ملطوش اللي بتاخدهم..يا ما قولتلها...
قاطعتها أُمنية بـ سخرية وهي تضرب كفيها بـ بعضهما
-البنت ملهاش غير بيتها و جوزها...
رمقتها والدتها بـ إمتعاض لتُكمل أُمنية حديثها
-ليه حاطين الجواز هدف سامي!!..ليه البنت المفروض تتجوز وترضى بـ أي حد حتى لو كان عواطلي مش مهم..لكن الراجل من حقه يختار اللي تعجبه حتى لو بنت عندها خمس سنين
-أشاحت والدتها بـ يدها وقالت:أُصره..الراجل جاي النهادرة وهتوافقي ورجلك فوق رقبتك..مش حتة عيلة هتمشي كلامها عليا...
بصقت والدتها العبارة ورحلت صافقة الباب خلفها بـ قوة..لتسقط أُمنية على الفراش باكية بـ قهر يفرضه عادات عقيمة ولى عليها الزمن ولكن كيف تلوم والدتها تلك المرأة البسيطة في كُل شئ..عادات توارثوها وتتوارث وستتوارث لطالما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم
************************************
وبذلك المنزل المكون من خمس طوابق..يسكن كل طابق على حدا إحدى زوجاته عدا طابقين..أحدهما لعروسه الجديدة والأُخرى لولده و ولي عهده الذي سيرث المنطقة الشعبية من بعده..وهما يقفان بـ شقة زوجتة الأولى التي أنجب منها ولده الأول "ولي العهد الأول" وبعدها صغيرين أحدهما يبلغ الخامسة عشر والأخر الثانية عشر
يقف هو بـ كل عنجهيته أمام المرأة يضبط وضعية شاربه الكث الذي هذبه بـ صالون الرجال كي يُعجب العروس..وخلفه يقف ولي عهده الأول يُضبط ثيابه التي هي عبارة عن قميص أبيض وبنطال قُماشي جملي اللون..يتفاخر بـ أبيه الذي سيتزوج "الرابعة"..ليهتف بـ مُشاكسة +
-أبويا يا جامد يا فتوة الحتة..هتتجوز الرابعة يا لئيم...
إنتفخ صدر والده ليلتفت إليه يضرب على صدره العضلي الذي فرضه عليه الوضع ليكون "فتوة الحتة" ثم قال بـ جذل
-شوفت ياض أبوك..إتعلم بقى
-ماشي يا معلم رافعي..يلا عشان هنتأخر على العروسة
-عقبالك يا ياض يا بدر...
إبتسم بدر ذلك الشاب الذي يكاد يبُلغ السادسة والعشرون..يُشبه أباه كثيرًا شخصًا وملامحًا..عيناه سوداوين تُشبه ظلام الليل..بها نظرة شرسة , جريئة و عُنف لا يُستهان به..يمتهن الحدادة مما ساعدته على تقوية بنيته الجسدية..بشرته الخمرية والتي تحولت إلى سُمرة جذابة تجعل فتيات المنطقة تقع بـ هواه وتتمنى فقط "غمزة" منه..وطوله الفارع يجعله بـ نظر الأخرين ما هو إلا عملاق متوحش..ثيابه دائمًا عبارة عن بنطال جينز مُهترئ و قميص مفتوح أزاره حتى ما بعد صدره لتظهر عضلاته القوية والتي بها ندوب ناتجة عن دخوله المعارك الطاحنة
أما اليوم فـ هو مُتأنق يرتدي كنزة رياضية سوداء وبنطال جينز أسود اللون مُنمق..وخُصلاته الفحمية شديدة السواد كـ عيناه والتي تصل إلى عنقه صففها إلى الخلف..فـ بدى أيقونة جاذبية مُهلكة
هبطا على الدرج تُصاحبه أصوات نساءه بـ أصواتهن التي تُعبر عن فرحتهم الخالصة فـ سيد الرجال ذاهب ليجلب الرابعة!!!..هدر بـ صوته فـ صمتن جميعًا
-بس يا مرة منك ليها..مش فرح أمك أنتِ وهي..يلا كل واحدة تخفى على شقتها...
ثم تابع هبوطه هو وبدر حتى وصلا إلى الشارع..الجميع يُهنئ ويُجامل..إما خوفًا أو محبة..حتى وصل إلى منزل العروس المنكوبة..ليستقبلهم والدها بـ حفاوة و والدتها التي تُطلق صوتها بـ سعادة ترحيبًا بـ سيد الرجال و ولده
***********************************
وصلت أنغام مدينها بـ حي العجمي بـ وقتٍ مُتأخر فـ قد تأخر القَطار عن ميعاده ساعةً كاملة وهو المُتوقع من أي وسيلة قد تستقلها دون سبب وكأنها أصبحت عادة..ألا يصل أحد بـ ميعاده وإلا ستكون ملعونًا
تنهدت وهي تهبط من وسيلة الموصلات المُتعارف عليها هُناك..نظرت إلى المنطقة كم تغيرت عن السنتين التي غابتهما!
وقبل أن تدلف إلى مدخل منطقتها أوقفها رجلان..ليهتف أحدهم بـ خشونة
-رايحة فين يا ست أنتِ!
-عقدت أنغام حاجبيها وقالت:رايحة فين إزاي!..داخلة منطقتي!..وبعدين أنتوا مين بالظبط؟...
نظر الذ يُحادثها إلى حقائبها ومظهرها المُنمق قليلًا بدايةً من ثوبها الزهري الأنيق و وشاح رأسها الأسود..ثم هتف بـ نزق
-مش شُغلتك إحنا مين..وإحنا أصلًا مشوفناكيش قبل كدا
-هدرت بـ عنف:وهو أنا اللي أعرفك عشان متخلنيش أدخل منطقتي
-أنتِ مين أصلًا؟
-وأنت مالك أصلًا
-عقد ذراعيه وقال:يبقى مفيش دخول..ويلا طرقينا ورانا شُغل...
نهض صديقه وإقترب منها ثم تشدق هو الأخر بـ خبث
-لو عاوزة تُخشي شخللي
-هتفت بـ إستنكار:أآآ إيه؟
-وضح بـ يده:شخللي..يعني إدفعي عشان تدخلي
-هدر الآخر من خلفه:أنت نسيت سيد الحتة هيتجوز النهاردة..يعني مينفعش حد غريب يُدخل...
إرتفع حاجبي أنغام بـ تعجب صريح وهي تستمع إلى كلمة "سيد الحتة" مُنذ متى وهُناك "سيد الحتة"!!..هى لم لم تغب سوى عامين..أكانا كافيين ليحدث كل هذا التغير الجذري!!
وقبل أن تتحدث قاطعهم أحد قاطني المنطقة وهو يقول بـ تهليل ما أن رأى أنغام
-ست العرايس هنا!..يا مرحبا يا مرحبا
-إبتسمت أنغام بـ هدوء قائلة:إزيك يا عم فاروق!
-بخير يا بنتي..مالك واقفة كدا ليه!
-هدرت بـ غيظ:الكباتن دول مش راضيين يدخلوني..وعمالين يقولوا شخللي وسيد الحتة وحاجات عجيبة
-إرتفع حاجبيه وقال:اااه أنتِ غايبة بقالك كتير يا ست العرايس ومتعرفيش اللي بيجرى..تعالي تعالي يا بنتي...
كادت أن تتحرك ولكن ذراع أحد الحارسين منعها قائلًا بـ غلظة
-تدخل فين يا عم فاروق!
-صرخت أنغام بـ حدة:ما قالك يعرفني
-ضرب كفيه بـ بعضهما هادرًا:مليش فيه..توكلي يا ست بدل أما نطردك بـ معرفتنا...
تقدم منه عم فاروق ثم همس بـ خفوت
-يا بني دي أخت عروسة سيد الحتة..مينفعش مدخلهاش..وشكلها جاية عشان أختها...
نظر إليها بـ تفحص ثم قال بـ تهذيب جعل الذهول يُصيبها بـ حالة تجمد
-أسفين يا ست العرايس..حقك علينا مُكناش نعرف..إمسحيها فينا...
إمتعضت ملامحها ولم ترد..بل جذبت حقائبها خلفها وسارت مع فاروق الذي أخذ يُثرثر دون أن يُخبرها عن خطبة شقيقتها ظنًا منه أنها تعلم..وقفت أمام مدخل بيتها وقالت بـ تعجب
-يااااه كل دا حصل فـ السنتين دول!
-الدُنيا بتتغير يا ست العرايس..يلا إطلعي إستريحي من السفر..زيارة مش كدا!
-لأ على طول يا عم فاروق..إتنقلت لهنا خلاص
-تهللت أسارير فاروق وقال:دي الحتة هتنور تاني..يلا سلامو عليكو...
أومأت بـ رأسها لتصعد الشقة بـ منزلهم المتواضع..كم تشعر بـ الحنين إلى تلك الفترة التي قضتها هُنا قبل أن تنتقل لـ ظروف عملها..كانت الإبتسامة تكاد تشق وجهها فـ هي لم تُخبر أهلها كي تُفاجئهم
وضعت المفتاح بـ الباب ودلفت ليجذبها صوت أحاديث بـ غُرفة الصالون..لتتوجه إليها ولم تسمع سوى عبارة رجُلًا مجهول يقول بـ حماس
-نقرأ الفاتحة بقى!...
إندفعت أنغام بـ قوة وعقلها إستوعب من ستُقرأ فاتحته اليوم لتهدر بـ إنفعال
-إيه اللي بيحصل هنا دا!!!...
إللي عاوز الروايه من اولها من هنا