أخر الاخبار

رواية نعيمي وجحيمها البارت السادس والخمسون والسابع والخمسون بقلم أمل نصر بنت الجنوب جميع الفصول كامله

 رواية نعيمي وجحيمها البارت السادس والخمسون والسابع والخمسون بقلم أمل نصر بنت الجنوب جميع الفصول كامله 

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والخمسون والسابع والخمسون بقلم أمل نصر بنت الجنوب جميع الفصول كامله 


رواية نعيمي وجحيمها البارت السادس والخمسون والسابع والخمسون بقلم أمل نصر بنت الجنوب جميع الفصول كامله 

بتكشف وشي ليه دلوقت؟ سيبني بقى لوحدي عشان عايزة انام .

قالت الأخيرة لتلتف بجانبها عنه وتغطي وجهها بذراعيها، فاقترب ليدنو برأسه إليها ليهمس بجوار أذنها بصوته الأجش:

- طب ولما انزل واسيبك لوحدك، هتفضلي تعيطي برضوا ولا هتسكتي بمجرد ما اخرج؟ لو هتفضلي معيطة يبقى انا اَخد حذري من أولها واروح انده لوالدتي، دي هتقلب الدنيا لما تعرف ان البيبي ممكن تحصله حاجة بسبب زعلك .

نهى جملته ليجدها التفت إليه فجأة ناظرة بأعين متسعة بذهول مع غضبها تتسائل إن كان صادقًا بما يقول أم لا، فاستغل هفوتها ليميل برأسه عليها قائلًا بمشاكسة:

- يعني اتعدلت على طول اهو اول أما جيبت سيرة الست الوالدة، للدرجادي انتِ بتخافي منها؟

اعتدلت عنه بجذعها لترد بغضب:

- أنا مبخافش منها، أنا بقدرها زي ما بقدر عمي عامر بالظبط.

رد متبسمًا وكأنه وصل لغايتة:

- حلو الكلام يا زهرة، يعني بتسمعي الكلام عشان بتقديرها وتحترميها، انا كمان زيك ما بخفش، وممكن اخدك على كدة دلوقت ونرجع على بيتنا نعيش حياتنا واعملك اللي انتِ عايزاه، بس انا كمان بقدر أهلي، وعارف كويس مدى احتياجهم للطفل ده، يمكن زمان ماكنتش بفكر ولا مهتم عشان ما كنتش عايز اخلف من ميري اساسًا، لكن معاكِ انتِ لما ربنا كرمني، وشفت اللهفة في عيونهم ، بقيت اعد الايام والدقايق عشان اشوف اليوم ده.


الفصل السادس والخمسون


بإرادة فولازية كانت تجاهد لتُسيطر على التوتر الذي يكتنفها وهي ترتشف من فنجان قهوتها أمام المرأة بثباتٍ تحسد عليه، رغم خفقان قلبها المتسارع من خوف ينتابها على غير عادتها، ترسم ابتسامة على وجهها وهي تتبادل الحديث مع المرأة بمودة حقيقة لا تديعها رغم كل شئ.


- فرحتيني اوي بمجيتك دي يا كاميليا، بس ليه كارم مقاليش ولا اداني فكرة عشان كنت عملت حسابي 

اهتز فنجان القهوة الذي بيدها على ذكر اسمه ولكنها تداركت سريعًا ارتباكها سريعًا لتجيبها:

- إستقبال أيه يا طنط بس؟ ما انتِ قولتِ اني مش غريبة، ثم إن هو كمان ميعرفش بزيارتي، لأني بصراحة ملحتقتش اقوله.

سألتها المرأة باستفهام:

- ملحقتيش ليه؟ هو انتوا ما بتتكلموش مع بعض في التليفون .

أجابتها على الفور بسرعة بديهه:

- لا طبعًا ازاي بس يا طنت؟ دا طول الوقت بيتصل بيا وانا بكلمه، انا قصدي اني كنت في مشوار قريب من هنا، ولقيت نفسي قدام الفيلا بتاعتكم وانا ماشية بالعربية، بصراحة مقدرتش امنع نفسي ان ادخل واطمن عليكِ، أصلك وحشتيني أوي يا طنت وقولت اطمن عليكِ

تأثرت بشدة المرأة بكلماتها المعسولة لتردف لها بسعادة:

- يا حبيبة قلبي ربنا يخليكِ ويسعدك، انا مكنتش اعرف أن كارم بعد الصبر دا كله، هيعرف يختار الجمال والكمال كله، دا طلع عفريت بجد بقى.


تكلفت بتصنع الإبتسامة مرة أخرى لتردف بحذر في محاولة للوصول الى هدفها:

- تسلمي يا طنت ع المجاملة الرقيقة دي، بس بنات الحلال كتير واكيد اللي وقعه فيا هو النصيب.

- فعلًا هو النصيب 

قالتها المرأة وهي تومئ برأسها مسبلة أهدابها عنها متأثرة بالجملة وكأنها ذكرتها بشئ ما، إستغلت كاميليا سكونها لتسألها مباشرةً:

- أنا كنت بتفرج على حائط النياشين والأوسمة، بسم الله ماشاء الله، حاجة كدة تثير الفخر.

ارتفعت أبصار المرأة نحو ما تقصده كاميليا لترد بابتسامة زاهية:

- الحمد لله، تاريخ المرحوم كان مشرف ويستحق الفخر والإعتزاز بحق. 

- ألف رحمة ونور عليه. 

قالتها كاميليا كبداية لتستطرد بادعاء الحزن:

- يا خسارة بقى لو كان كارم كمل زيه؟

تغضن وجه المرأة على الفور بالحزن مع تذكرها لتردف بمرواغة:

- الحمد لله على كل شئ، اهو دلوقتي كمان بقى مدير لمجموعة من أكبر المجموعات الاقتصادية في البلد، ودي حاجة مش هينة.

إجابة زكية جعلت كاميليا تفور من الغيظ ورغم ذلك تابعت بمغامرة غير محسوبة وهي ترتشف بفنجانها:

- طبعًا أكيد، بس انا بقى بتكلم عن حلمه، منه لله بقى اللي كان السبب .

أسقطت المرأة على الفور فتجانها على الطاولة القريبة منها لتسألها بحدة:

- هو قالك ؟

سيطرت كاميليا على إجفالها رغم استغرابها من تغير لون وجه المرأة وانعقاد جبينها، وقالت بلهجة هادئة ترواغها هي الأخرى وهي تضع فنجانها وتفعل المثل:

- إحنا قابلنا اللي اسمه كريم فوزي ومراته دي اللي اسمها ندى في حفل عيد الميلاد بتاع رنيم بنت العقيد نجيب. 

ضيقت حاجبيها أكثر المرأة لتقول بدهشة:

- دا كمان قالك على كريم فوزي وندى ! ياااه، دا الظاهر بقى إن كارم بيحبك قوي.

لم تجيبها كاميليا وانتظرت متابعة المرأة التي أكملت وهي مطرقة رأسها بتفكير:

- انا مش عارفة هو فهمك الموضوع ازاي، بس انا مقدرش ادعي على كريم زيك، دا كان من اعز صحاب كارم وياما كل عيش وملح معانا، دا غير اللي حصله كمان ورقدته في المستشفى شهور..

قطعت تخرج تنهيدة طويلة من العمق، لتستطرد:

- ولا قادرة كمان اللوم ع البنت مع إنها هي اللي عشمت ابني في حبها الأول قبل ما تشوف كريم وتتعلق بيه، بس ياللا بقى، أهم التلاتة خسروا، كارم واطرد من الكلية وكريم وطلع منها بأصابة مستديمة في رجله وندى اتجوزت كريم بعيبه وسابت معاه البلد. حكم القلوب دا مشكلة كبيرة اوي .

قالت الاَخيرة وعينيها تعلقت بكاميليا التي أومأت برأسها بتفاهم، وعقلها يخمن باقي الحقيقة وحده بعد أن علمت عن العرج الذي رأته في سير الرجل زوج ندى ؛ والتي اتضح انها هي صاحبة الموضوع الأصلي وليس العكس كما ادعى، ولكن يتبقى الجزء المهم ماذا حدث لكريم ليجعله طريح المشفى لشهور وبعدها يخرج منها ومن كلية الشرطة بإصابة قدمه؟ وما كان دور كارم إن كان تسبب في ذلك ليُطرد من الكلية بسببه؟.


❈-❈-❈ 


خرج من مصعد البناية الحديثة يسرع بخطواته حتى إذا وصل الى شقة شقيقته وضع يده على الجرس يضغط بتواصل لم ينقطع سوى بفتح الباب من قبل الطفل الصغير والذي هتف برؤيته:

- خالوا حبيبي. 

رفعه إليه يقبله من وجنتيه ليحمله على ذراعه ويلج به في الداخل قائلًا له:

- يا حبيب خالك انت، ماما فين؟

همس الطفل بإذنه:

- ماما جوا مع الست صاحبتك .

- صاحبتي مين يا اهبل؟

قالها إمام مستنكرًا قبل أن يلتقي بشقيقته التي تلقفته بالترحاب من وسط الشقة:

- تسلملي يا حبيبي، جيت ع الميعاد ومتأخرتش يعني؟

قبلها على وجنتها أولًا ثم خاطبها بإجفال:

- خير اللهم اجعله خير، انا خدت إذن وجيت هوا على  تليفونك، حد من العيال جراله حاجة؟ بس انا شايف الواد عمر كويس اهو، ولا تكون البت روان؟ 

- لا دا ولا دا.

قالتها سريعًا وهي تُنزل الطفل من يديه وتأمره للذهاب واللعب لغرفته على الفور، تابع بسؤاله عقب انصراف الطفل:

- في إيه يا خلود؟ أنا كدة قلقت. 

سحبته من كفه الغليظة إلى غرفة المعيشة متمتمة بصوت خفيض:

- تعالى معايا الأول وانت تفهم .

غمغم حانقًا من خلفها ببعض الكلمات المستهجنة لفعل شقيقته في عدم طمأنته ولو بكلمة، حتى إذا وصل للغرفة المقصودة، اصطدمت عينيه برؤيتها، جالسة مطرقة رأسها للأرض وكأنها تبكي والصغيرة روان بجوارها تربت على كتفها بحنان، انخلع قلبه لهيتها، ليهتف جزعًا مناديًا بإسمها:

- غادة! انتِ إيه اللي حصلك؟

رفعت عينيها إليه وأنزلتها سريعًا بدون رد ليتجه

لشقيقته مرددًا:

- ماتقولي انتِ يا خلود إيه الحكاية؟

أومأت له بعينيها قبل أن تأمر الصغيرة كما فعلت مع شقيقها، همت روان بالإعتراض ولكن والدتها كررت بحزم:

- إخلصي يا بنت اخرجي على طول وسيبي الكبار يتكلموا مع بعض .

دبت روان بأقدامها على الأرض قبل أن تتركهم وتذهب مذعنة لأمر الوالدة التي تكلمت فور مغادرتها:

- انا كنت في طريقي للبيت بعد ما خلصت شغلي في العيادة ساعة ما اتصلت بيا هي وقالتلي انها محتاجة إنك تساعدها ضروري، وانها عايزة تكلمك بس مكسوفة .

مال برأسه يرمقها بتشكك مردفًا:

- مكسوفة ازاي يعني؟ إنتِ مكسوفة مني أنا يا غادة؟

رفعت رأسها إليه تجيبه وهي تجفف دموعها:

- عارفة ان الجملة عجيبة ومستغربها على ودانك، بس هو دا اللي حاصل فعلًا، انا مش قادرة احط عيني في عينك بعد اللي حصل واكتشفته......

قطعت لتكمل بدموعها التي تسيل بدون توقف:

- انا كنت هبلة وعبيطة، مكنتش اعرف ان الدنيا وحشة أوي كدة، دماغي كانت واقفة على حاجات بإصرار إني أحققها.... وعيوني معمية عن كل اللي بيحصل حواليا.... انا شاركت بغبائي في أذية أقرب ما ليا....

سمع منها بتفهم لكل ما اردفت به من كلمات رغم عدم فهمه للجملة الاَخيرة، فأردف يسألها على الفور مباشرةً:

- إيه الحكاية يا غادة؟


بعد قليل 

وقد قصت كل ما تفوهت به ميرفت وطلبته منها، مع الإثبات بإخراج الصور التي على هاتفها والتي كان يتطلع بها الاَن بأنفاس متلاحقة؛ مع صعود وهبوط صدره العريض بتسارع شديد بانفعاله، مع فوران الدم برأسه يجعله يأن بألم لن يهدأ سوى بضرب أحدهم وبقوة، حتى يشفي غليله:

- يعني عملالك فيديوهات كمان وبتتهددك أنها تنشرها؟

سألها في عز انشغاله بالتقليب في الصورة المرسلة. 

لتومئ برأسها تجيب مع بكائها الحارق:

- وعايزاني اساعدها في أذية بنت خالي على شرط انها متنشرهاش وتشوه صورتي قدام اهلي وكل الناس اللي يعرفوني..... 

قطعت مرة أخرى لتشهق بنشيج عالي مكملة بتساؤل لخلود التي كانت بجوارها:

- طب هي مكفهاش اللي كانت هتعمله فيا لولا ستر ربنا؟ دي اعترفتلي وبكل بجاحة انها كانت قاصدة عشان اضطر واساعدها في أذية زهرة وجوزها، أتاريها كانت بستغل صحبتي بيها للغرض ده، وانا زي الهبلة كنت فاكرها بتحبني بجد... أنا متخلفة واستاهل كل اللي يجرالي، انا الموت ارحملي من المرار ده....

- بس يا بت انتِ متدعيش على نفسك، هو انتِ عبيطة بجد ولا إيه؟

هتفت بها خلود سريعًا بحزم، وجاء رد إمام من خلفها بخشونة اَمرًا:

- اخرسي يا بت ومتقوليش الكلام دا تاني، وإن كان ع الصور او الفيدوهات، ما تشليش همها نهائي، انا هعرف اجيبها بمعرفتي.

- بجد يا إمام والنبي تقدر تجيبها صح؟

هتفت إليه بأعين راجية تبتغي الأمان، والذي نقله إليها من نظرة قوية منه، ومشبعة بمئات الرسائل المطمئنة، ثم أردف في الاَخير بخطر:

- هي مش اعترفت بنفسها على عمايلها معاكِ ..... تتحمل بقى!


❈-❈-❈ 


في الصباح وقبل أن تذهب إلى عملها ، وصلت كاميليا إلى المشفى كي تطمئن على لينا قبل خروجها لمنزلها الذي لا تعلم عنوانه، طرقت بخفة على باب الغرفة لتطل برأسها وتلقي التحية بابتسامة مشرقة:

- صباح الفل، عاملة إيه القمر بتاعتنا النهاردة؟

تببسمت لها لينا متمتمة ببشاشة، وجاء الرد من الناحية الأخرى في الغرفة:

- صباح الفل يا بنتي، اتفضلي.

تطلعت كاميليا سريعًا للمرأة الجميلة والتي كانت تشبه لينا قليلًا بلون البشرة ولكن بعينان عسليتان، على ابتسامة ساحرة رغم بهتان الوجه نتيجة المرض، فاتجهت إليها تصافحها بمودة وقد استنتجت هويتها:

- صباح الخير، انتِ والدتها صح؟

- أيوة يا حبيبتي صح، أهلا بيكي.

قالتها بأعين سائلة، لتجيبها كاميليا على الفور. 

- أنا كاميليا يا ست....

لم تكمل العبارة فقد خطفتها سريعًا المرأة لتحتضنها مغمغة باشتياق وكأنها على معرفة معها منذ سنوات وليس الاَن:

- يا حبيبة قلبي، عرفتك والله ومن غير ما تقولي كمان. يا حبيبتي. 

تلقت كاميليا معانقة المرأة وترحيبها الحار بها بكل ترحاب رغم تعجبها الشديد لهذه الألفة السريعة منها، لتأخذ جلستها بعد ذلك معها ومع لينا، قبل أن يأتي طارق بجلبته:

- ممكن أدخل ولا استنى شوية؟

قالها دافعًا باب الغرفة بكتفه، ووجهه لخلف للناحية الأخرى، ضحكت كاميليا كفعل لينا ووالدتها التي دعته بغبطة ساخرة:

- خش يا خويا خش، محدش فينا خالع راسه على رأي الصعايدة، قال يعني بيتكسف قوي؟

سمع منها ليدلف إلى الغرفة مسبلًا أهدابه وعيناه تنظر نحو الأرض وهو يدعي الحياء ليقول بصوته الخفيض أيضًا:

- برضوا لازم الواحد يكون مؤدب.

تعجبت كاميليا لفعله حتى كادت أن تصدق قبل أن تصعق بمزاحه بصوت عالي:

- عاملة إيه يا نوسة وحشتيني؟

اطلقت المرأة ضحكة مدوية فور أن باغتها بضمها من كتفيها بكفيه مهللًا بكلماته لترد هي الأخرى بمزاحه:

- مافيش فايدة فيك، هتعيش وتموت وانت عيل صغير. 

تبادلا الإثنان حديثهما المرح قبل أن يستقيم بجسده يلقي التحية على الفتاتين:

- صباح الخير يا كاميليا، عاملة إيه يا بت؟

قال الاَخيرة كتحية إلى لينا التي بادلته الرد بقرف:

- أهلًا.

التفت إليها كاميليا تسألها بدهشة:

- إيه هو ده؟ أمال فين يا فندم بقى والحركات دي؟

أجابتها لينا بكل بساطة:

- واقوله يا فندم ليه؟ هناك في الشغل بحترمه عشان هو رئيسي وهاخد على شغلي فلوس، إنما برا الشغل احترمه ليه؟

عقب على قولها طارق ليزيد من زهول كاميليا:

- مادية حقيرة. 

- الله يحفظك. 

رددتها من خلفه لينا وكأنها لغة عادية بينهم، ليتمازحا ثلاثتهم ببعض الكلمات وكامليا تراقبهم بسعادة لهذا الإندماج الواضح بينهم، والذي يؤكد صدق قوله عن المرأة وابنتها 


بعد دقائق 

وبعد مرور الطبيب الذي رأى حالة لينا والتحسن الذي بدا عليها ليأمر لها بالمغادرة، انتظرت كاميليا طارق خارج الغرفة حتى تجهز المرأة ابنتها للخروج بصحبته مع توليه مسؤلية إعادتها إلى المنزل مع والدتها:


- صريحة اوي لينا وواضح كدة انها بتحترمك. 

قالتها كاميليا متفكهة في بداية حديثها معه، ليستجيب بقوله لها:

- أوي، هو إنتِ مخدتيش بالك جوا ولا إيه؟

- أه طبعًا خدت بالي، دا باين جدًا كمان..

قالتها وضحكت في ختام جملتها لتكمل بجدية بعدها:

- بس على فكرة انتوا ممثلين وخدعتوني بجد.

هتف لها مستنكرًا:

- إحنا خدعناكي؟ حرام عليكِ يا شيخة دا احنا ناس غلابة.

- اه صحيح دا انتوا غلابة اوي.

قالتها بسخرية في استجابة أخرى للمزاح الذي استمر لعدة لحظات قبل أن تقطعه فجأة بسؤالها:

- لكن انت ليه مشلتش مني يا طارق ولا كرهتني؟

سألها باستفسار رغم فهمه لمقصدها:

- واكرهك ليه؟

- إنت فاهم قصدي. 

قالتها لتجده صمت برهة قبل أن يجيبها بصدق:

- عشان مقدرتش، انا مقدرش أشيل ولا اكرهك يا كاميليا مهمها شوفت منك، يمكن في الأول كنت هتجنن من تصرفاتك معايا، بس لما بعدت هديت وعقلت شوية.

لم تعقب على كلماته لأنها كانت تتأمل به صامتة، وعقلها يستعيد حديث الأمس عن ما اكتشفته حديثًا عن الزوج المستقبلي، وما يخبئه خلف هيئته البراقة لشخص اَخر هي لا تعلمه.

أما هو فقد كان مأخوذًا بلون القهوة المحبب لقبه بعينيها مع النظر بهن عن قرب، يشعر بتغير شئ ما بها، يبدوا من كلماتها ونظرتها إليه أيضًا. 


- إنت يااا....

اجفل الاثنين على الصوت القريب منهما، ليغمغم طارق بصوته الخفيض بسبة وقحة بمجرد رؤية الشاب، والذي كرر بعنجهية لا تليق به على الإطلاق:

- يااا استاذ بسألك، يعني لازم تنتبهلي وانا بكلمك .

- إيه ده هو بيعمل كدة ليه؟

تسائلت كاميليا مندهشة لتفاجأ بطارق الذي التف يحدثها من تحت أسنانه:

- ما هو دا بقى يا ستي الخيبة التقيلة اللي بقولك عليها، إنتِ مش شايفة الهيئة ولا التناكة اللي انا مش عارف صراحة جايبها على إيه؟ دا شاعر الغبرة.

قالها ونهض على الفور من جوارها ليتحدث مع الشاب رغم ضيقه.

- شاعر الغبرة!

رددتها من خلفه لتتطلع بالشاب العشريني من بداية شعره المجعد الكبير بهياش لتركه بدون تصفيف، على لون بشرته القمحية، وهو يرتدي في الأعلى تيشرت خفيف وطويل بنصف كم على بنطال جينز باهت اللون في الأسفل، واقفًا بزهو مبالغ فيه أمام طارق يحدثه من طرف أنفه، والأخر يبادله الرد بضيق بدا واضحًا من حركة جسده أمامها،

غمغمت ضاحكة وقد تبينت هوية الشاب مع تذكرها لأشعاره الغريبة:

- يخرب عقلك يا لينا، دا مجنون.

انتبهت فجأة على حدة الحديث التي ازدادت وقد بد أنهما على وشك الدخول في مشاجرة، نهضت لتلحق بهما قبل أن يتطور الأمر بينهم.


- يا أستاذ بقولك هادخل يعني هادخل، انا مفيش حد يقدر يمنعني من إن اشوفها.

- انت اهبل يالا؟ بقولك مفيش دخول دلوقت، هي خارجة أساسًا. 

- صوتكم عالي كدة ليه يا طارق، الناس بدأت تاخد بالها منكم.

قالتها في محاولة للتهدئة، ليسبقه الشاب في الرد مخاطبًا لها:

- تعالي يا اسمك إيه انتِ، شوفي البتاع ده عايز يقعدني في الإنتظار عشان اقدر اشوفها وانا معترض.

إسلوبه في لفظ الكلمات بتعالي نحوها جعلها

لم تقوى على كبح ابتسامة اختفت سريعًا مع رؤيتها لوجه طارق الذي تغضن بشراسة وهو يردد ماقاله الشاب:

- انت بتقولي انا بتاع؟

تخصر رافعًا رأسه للأعلى يجيبه بتعالي:

- أمال عايزني اقولك إيه؟ 

استشاط منه طارق وقبل أن يهم بالفتك به أجفل على صوت أنيسة والدة لينا وهي تتسائل من خلفهم:

- في حاجة يا ولاد؟

اسرع الشاب نحوها لمجرد رؤيتها يُعرفها عن نفسه: كزميل سابق لابنتها ويود الإطمئنان عليها، رحبت به المرأة لتدخله لغرفة ابنتها قبل مغادرتها للمشفى، لحق بهما طارق وكامليا معه، ليقفا على مدخل الغرفة متابعين وجه لينا الذي تورد واشرق بالفرح مع رؤيتها لشاعرها المجنون والذي لم تخف عنجهيته حتى في الحديث معها، رغم ابتسامته .

- عشان لما اقولك خيبة تقيلة تبقي تصدقيني 

همس بها طارق لكاميليا التي تمتمت بالضحك هي الأخرى مع اندهاشها:

- يا نهار أبيض، دا كلام الأمثال طلع حقيقي بقى، لما قالوا إن مراية الحب عمية 


❈-❈-❈ 


على اَريكته كان عامر متكئًا يقلب بجهاز التحكم عن بُعد في قنوات الشاشة العملاقة، وعينيه متابعة هذا المجنون، وهو يتحرك في الغرفة بغير هوادة، إذا جلس لم يصبر ثانيتين حتى يقف؛ ليخرج أو أن يفعل شئ ما يربكه في جلسته الهادئة، حتى فاض به ليصيح به:

- ولما مش قادر تصبر ولا تستنى، مروحتش ليه معاهم وخلصتنا؟

إلتف إليه يردد بانفعال:

- أخلصك! أخلصك من إيه يا عم؟ هو انا بعملك إيه بالظبط؟

مال برأسه عامر يجيبه بلهجة ماكرة:

- أنا قصدي كنت روحت مع مراتك واطمنت بنفسك من الدكتورة، بدال الهيرة والنكتة اللي انت قاعد فيها دي.

دفع جاسر هاتفه بعنف على الطاولة التي أمامه ليرد بقوله:

- اولًا أنا مش بهري وانكت عشان مروحتش معاهم، لا يا سيدي انا عندي موضوع مهم شاغل دماغي، ثم حكاية المشوار دي كمان، الست الوالدة هي اللي أصرت إني مروحش معاهم عشان تاخد راحتها مع الدكتورة، فهمت بقى يا باشا؟

أجابه عامر غامزًا بوجنته بابتسامة متسعة:

- فهمت، يعني هو دا السبب اللي معصبك؟ عشان كان نفسك تروح بنفسك وتكلم الدكتورة ليتفقوا عليك هي ولميا زي ما عملوا المرة اللي فاتت .

تسمر بجلسته يتطلع إليه بصمت يكتنفه الذهول لخبث هذا الرجل وهو يتكلم وكأنه قرأ الأفكار التي برأسه، ليزداد اتساع ابتسامة عامر وقد علم بصدق تخمينه فتابع له بنبرة تبدوا جدية:

- بس انا لو منك مكنتش سكت وروحت معاهم ولو بالغصب حتى، ما انت لازم تثبت وجهة نظرك.

سمع منه جاسر ليرد بلهجة هادئة باقتناع:

- انا فعلًا كنت عايز اروح، بس مش عشان اللي في دماغك، دا كان بس عشان اطمن بنفسي.

- وحتى ولو اطمنت، برضوا أمك هتمشي اللي في دماغها ههههه.

اردف بها عامر لينطلق بموجة ضاحكة مستمتعًا بمشاكسة ابنه الذي كان يستشيط غضبًا منه.

إرتفعت راس جاسر فجأة على أصوات قدومهن لينهض عن مقعده سريعًا وقبل أن يتحرك خطوة وصله قول عامر من خلفه ساخرًا:

- طب اتقل شوية طيب على ما يجوا بنفسهم، خلاص مش قادر تستنى. 

فاض به جاسر لينفض سترته بعنف وكأنه يضع بها غضبه، قبل أن يعود لجلسته مرة أخرى، يزفر بضيق وهو يشيح بوجه عن أبيه الذي وضع كفه على موضع قلبه خوفًا من أذية نفسه من فرط ضحكه المكتوم على هيئة ابنه الغاضب، مع سعادة غامرة لرؤيته وقد عاد بشر عادي بعد أن تخلى عن جموده القديم .


دلفت إليهما زهرة بوجهها الضاحك  تلقي التحية عليهما ثم تسأله باندهاش:

- إيه دا إنت لسة قاعد ومخرجتش من البيت؟

سبقه عامر في الرد ساخرًا:

- أصله كان معاه موضوع مهم ومينفعش يفكر فيه غير في البيت!

عض بأسنانه على طرف شفته يكظم غيظه من أباه الذي لا يمل أبدًا من إستفزازه.

- إيه مالك؟ ما ترد يا جاسر ساكت ليه؟

قالتها بابتسامة شجعته ليسألها مباشرةً:

- إيه الأخبار؟ الدكتورة طمنتك؟

- طمنتها يا سيدي واطمنت انا كمان معاها، افرح يا جاسر.

هتفت بها لمياء من خلفها لابنه الذي اشرق وجهه بالسعادة حتى صار يضحك ويتمتم بالحمد في اَن واحد،

وخلفه عامر كان يفعل المثل وقد ذهب عن وجهه العبث، ليداعب خياله حلمه الدائم بحمل هذا الطفل على يديه. 

قبل أن تتابع لمياء بتحذير مخاطبة جاسر:

- أه يا حبيبي بس برضوا الدكتورة نبهت على الحرص وعدم الإجهاد عشان صحتها. 

رد جاسر على الفور بدفاعية:

- طيب ما هو دا اللي انا بقوله على طول، انها متجهدتش نفسها في الشغل، مدام حملها صعب كدة.

سمعت منه لمياء لتلتفت لزهرة قائلة:

- وانتِ تتعبي نفسك في الشغل ليه يا زهرة، ما بلاها الشغل خالص، اهم صحة البيبي.

تلجمت زهرة شاعرة بالصدمة وعينيها تتنقل من لمياء التي ظهر على وجهها الأصرار وجاسر الذي صمت عن الرد، لتسدير عنها قائلة

- طب عن إذنكم أنا طالعة اريح شوية:

وقالتها وانصرفت مسرعة من أمامها، تبعها جاسر وقد علم بغضبها، فجلست لمياء على كرسيها بوجه واجم بتفكير، ثم التفت فجأة قائلة لعامر الذي شعرت بسهام عينيه المصوبة نحوها:

- إيه بقى يا استاذ عامر؟ هو غلط إني اخاف ع البيبي اللي بنترجاه انا وانت من الدنيا دي بقالنا كتير؟


❈-❈-❈ 


وفي الطابق الثاني وبعد ان لحق بها بالغرفة، وجدها كما توقع متلحفة بالفراش ومتكومة على نفسها، فاستنتج من نفسه بكاءها.

اقترب ليجلس بجوارها متفكهُا بمزاح:

- إيه دا يا زهرة؟ بسرعة كدة دي لحقتي تنامي؟ ويا ترى بقى غيرتي هدومك ولا لأ؟

قالها الاَخيرة في محاولة لكشف الغطاء ولكنها تمسكت معترضة حتى صدرت منها صوت شهقتها، فعبس ليرفع عن وجهها الغطاء بقوة حتى أصبح مكشوفًا إليه، فصاحت غاضبة من بين بكاءها:

- بتكشف وشي ليه دلوقت؟ سيبني بقى لوحدي عشان عايزة انام .

قالت الأخيرة لتلتف بجانبها عنه وتغطي وجهها بذراعيها، فاقترب ليدنو برأسه إليها ليهمس بجوار أذنها بصوته الأجش:

- طب ولما انزل واسيبك لوحدك، هتفضلي تعيطي برضوا ولا هتسكتي بمجرد ما اخرج؟ لو هتفضلي معيطة يبقى انا اَخد حذري من أولها واروح انده لوالدتي، دي هتقلب الدنيا لما تعرف ان البيبي ممكن تحصله حاجة بسبب زعلك .

نهى جملته ليجدها التفت إليه فجأة ناظرة بأعين متسعة بذهول مع غضبها تتسائل إن كان صادقًا بما يقول أم لا، فاستغل هفوتها ليميل برأسه عليها قائلًا بمشاكسة:

- يعني اتعدلت على طول اهو اول أما جيبت سيرة الست الوالدة، للدرجادي انتِ بتخافي منها؟

اعتدلت عنه بجذعها لترد بغضب:

- أنا مبخافش منها، أنا بقدرها زي ما بقدر عمي عامر بالظبط.

رد متبسمًا وكأنه وصل لغايتة:

- حلو الكلام يا زهرة، يعني بتسمعي الكلام عشان بتقديرها وتحترميها، انا كمان زيك ما بخفش، وممكن اخدك على كدة دلوقت ونرجع على بيتنا نعيش حياتنا واعملك اللي انتِ عايزاه، بس انا كمان بقدر أهلي، وعارف كويس مدى احتياجهم للطفل ده، يمكن زمان ماكنتش بفكر ولا مهتم عشان ما كنتش عايز اخلف من ميري اساسًا، لكن معاكِ انتِ لما ربنا كرمني، وشفت اللهفة في عيونهم ، بقيت اعد الايام والدقايق عشان اشوف اليوم ده.


بدا على وجهها الإقتناع رغم الحزن الذي ظهر في صوتها العاتب:

- انا فهماك يا جاسر وحاسة بكل اللي بتقوله، بس انا شغلي دا بحس فيه بذاتي. دا الحاجة الوحيدة اللي قدرت اثبت فيها نفسي، بعد الضعف والخوف اللي فضلوا ملازمني طول حياتي.

- وانا مش هحرمك منه.

تفوه بها سريعًا ثم استطرد:

- انا بس عايزك تصبري شوية وتتحملي، اتحمليها يا زهرة عشان خاطري، وانا اوعدك كل اللي انتِ عايزاه هنفذه تمام؟

صمتت قليلًا بتفكير قبل أن تومى بهزة خفيفة من رأسها، تقبلها هو ليضمها إليه مشددًا عليها بذراعيه قبل أن ينزعها عنه بإدراك لما غفل عنه منذ دقائق:

- استني هنا صحيح. 

تطلعت إليه بتساؤل ليردف لها بحاجبين متراقصين، وعينان ارتسما بداخلها الفرح جليًا:

- معنى كدة إن انا اتفك عني الحصار وارجع تاني لمكاني هنا ع السرير. 

تسمرت قليلًا بإجفال، قبل أن تستوعب مغزى حديثه، لتغطي بكفيها على وجهها الذي أصبح كتلة حمراء من الضحك والخجل في اَن واحد .


❈-❈-❈ 


تأنق كعادته كل مساء في نفس ميعاده اليومي، بارتداء الملابس الفاخرة ونثر العطور الباريسيه لجذب انظار النساء إليه، يلهو ويرقص ويقيم العلاقات مع هذه وتلك وتلك في روتين يومي لا يمل منه أبدًا، هذا هو عالمه الذي نشأ عليه، لا شئ يعلو فوق المتــ عة، المتــ عة فقط.

خرج من منزله متوجهًا نحو سيارته ليتفاجأ بنداء حارسه الشخصي رعد يوقفه قبل أن يعتلي سيارته:

- ماهر بيه ماهر بيه 

إلتف إليه ليُجيبه بضيق :

- نعم يا زفت بتنده ليه؟

تعلقت أبصار رعد بالاَخر يخاطبه برجاء:

- أبويا يا سعادة البيه، اختي اتصلت بيا وبتقول إنه اتزحلق في الحمام ورجله اتكسرت، وهي دلوقت مزنوقة بيه ومش عارفة تروح بيه فين؟

رد ماهر رافعًا طرف شفته العليا باستنكار:

- مش عارفة ازاي يعني؟ متقدرش تتصل بالإسعاف او حتى أي تاكسي يوصلها لاقرب مستشفى؟

أجابه رعد متشدقًا:

- هتعرف ازاي بس يا بيه؟ دي عيلة ١٦ سنة وأمي في البلد النهاردة عند أخواتها، ابوس إيدك يا بيه معلش اسمحلي أروح دلوقتِ الحقهم، وابقى اخصملي اليوم كامل حتى.

حدجه ماهر بقرف يشير إليه بطرف يده قبل أن يلتف ويعتلي سيارته:

- خلاص غور 

غمغم رعد بالأدعية وكلمات الشكر على نبل سيده وهو يتابعه حتى اعتلي السيارة ومعه السائق وحارسه الاَخر، ثم ادرا المحرك وسار بها، فاستقام رعد وقد ذهب عن وجهه البؤس، ليتمتم بصوت خفيض:

- تستاهل كل إللي يجرالك


❈-❈-❈ 


وبداخل السيارة التي كانت تقطع الطريق المؤدي إلى الملهى الليلي وجهته، وهو جالسًا في الخلف بارتخاء يردد مع أغاني مشغل الموسيقى في السيارة، انتفض فجأة على هزة أجفلته بالسيارة ليهتف بغضب على سائقه:

- مش تفتح يا حيوان انت وتسوق كويس. 

غمغم سائقه بالاعتذار ، وماهي إلا دقيقتين إلا واهتزت السيارة مرة أخرى بعنف ليعود ماهر هاتفهُا بالسباب على السائق، والذي رد بدفاعية هذه المرة:

- يا سعادة الباشا في عربية جيب سودا بتضيق علينا في الخلف، أول مرة افتكرتها صدفة، لكن المرة التانية بانت قوي انها مقصودة. 

اعتدل ماهر يلتف برأسه ليراقب ويتابع من الزجاج في الخلف، أو في المرأة الجانبية، ليُفاجأ بصدق السائق وهذه السيارة الكبيرة وهي تسير مرافقة لسيارته بالدقة ولا تحيد عنها، لتعود بصدم سيارته من الخلف مرة أخرى لتجعله يندفع للأمام بقوة ويهدر بحارسه والسائق:

- ما تتصرف يا زفت انت، وانت حيوان ماتجري واهرب منهم.

صرخ السائق مرددًا:

- أتصرف ازاي بس يا بيه، ودول زنقونا في شارع مقطوع وضيق، انا بحاول بس مش عارف .

أكمل على قوله الحارس وهو يطل برأسه للخلف:

- عندك حق دول باينهم بلطجية وعددهم كتير، انا حتى مش شايف أي بني أدم منهم، دول بينهم مخبين وشوشوهم. 

- مقصودة يا عني إيه؟ اتصرفوا يا حيوانات وخلصوني. 

صرخ بها ماهر وسائقه زاد من سرعة السيارة والأخرى أيضًا حتى تفاجئوا بتصدر دراجة بخارية في وسط الطريق الضيق لتجبرهم على الوقوف،

صرخ ماهر :

- وقفت ليه زفت ما تكمل.

رد  السائق بأنفاس متهدجة وقلب مزعور :

- مقدرش اخش في المكنة دي ممكن تنفجــ ر بيننا.

كاد أن يصرخ بلهجة باكية وقد وقع قلبه في أقدامه، فتدارك بلهجة اَمرة يغلفها الرجاء:

-حاول تتصرف يا عبيد، اعمل أي حاجة.

- ما انا بحاول اهو يا ماهر بيه .

تفوه بها السائق وهو يتراجع بغرض الخروج من الشارع،  ليندفع فجأة على اثر صدمة قوية من الخلف وقد عادت السيارة السوداء لتتوقف سيارتهم قصرًا ، بعد أن حاصرتهم وترجل منها الرجال الذين حاوطوا سيارة ماهر من جميع الجهات ليكون الحارس اول من يقع بأيديهم، من أجل الأمان،  وبعد ذلك كان السائق، 

بقلب كاد إن يقفز من صدره من الخوف وعينانٍ زائغة كان يتطلع لهذا الكابوس حوله، ثم تفاجأ به أمامه

صاحب الجسد الضخم، مكمم الوجه يقف أمامه بتحفز للقتال وعينان تطلقان شررات نارية،  ليعرفه على الفور ماهر من نظرة عينبه المخيفة ونفس هيئته في المرة الماضية، دنى بجسده ليقترب منه من نافذة السيارة قائلًا بلهجة هادئة ومريبة:

- قاعد في عربيتك مستني إيه؟ زي الحلو كدة انزلي حالا وبمزاجك كمان... دا لو انت خايف على نفسك. 


الفصل السابع والخمسون 


عاد بخطواته المسرعة صباحًا ليلج إلى منزله اَخيرَا بعد قضائه عدة ساعات في البرد وتحت رحمة هذا المجنون، ليُفرج عنه اَخيرًا بعد أن استكفى منه، وقد نال من الإهانة ما يجعله يود القضاء على كل من يراه أمام، فما بالك بما كانت السبب الأساسي لما حدث له!

وصل إليها ليجدها جالسة على مائدتها تتناول وجبة إفطارها، بيدها شطيرة صغيرة من الخبز المحمص، مغمسة بالمربى تقضم منها بتمهل ويدها الإخري تقلب في الهاتف وتتصفح به، رفعت رأسها فجأة على قدومه من الخارج في هذا الوقت من الصباح بوجه متجهم، وهيئة مبعثرة لا تدل على هيئته المعتادة على الإطلاق، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء القاء التحية عليها، لتسأله باستغراب:

- هو انت خرجت امتى عشان ترجع كدة؟ في حاجة يا ماهر؟ 

ألقى مفاتيحه بإهمال قبل أن يجلس على إحدى الكراسي أمامها، يفرك بكفيه على وجهه بعنف متجاهلًا الرد عليها، لتعيد السؤال مرة أخرى بقلق:

- انا بسألك يا بني، رد عليا على الأقل بكلمة طمني بيها.

التف أليها يحدق بوجه مظلم ونظرات نارية ليصرخ بها هادرًا:

- كنت متثبت أنا والسواق بتاعي والحارس يا ميرفت، متثبت في عز البرد وانا عريان بالأندر وير، وعارفة مين بقى اللي كان مثبتني يا أختي العزيزة؟

طالعته باستفهام مع ارتياع قلبها مما ذكره لها لتجده متابعًا بصراخ، 

- اللي كان مثبتني هو نفس الحيوان الضخم اللي خطف غادة من داخل البيت هنا وبعد ما ضربني.

صاحت به مستنكرة وهي تنهض عن مقعدها:

- يعني أيه الكلام ده؟ هو ازاي الحيوان دا أساسًا يتجرأ ويعمل حركة زي دي مع أسياده، هو فاكرنا قليلين في البلد دي ولا ايه؟ دا أنا....

قاطعها بصرخته ضاربًا بكفيه على سطح المائدة حتى اهتزت بعنف:

- إنت السبب يا ميرفت، عشان نزلتِ بمستواكِ ومستوى العيلة، وجرأتي الناس دي علينا، لولا عملتك الزفت لما خدت الصور ع البت دي وهددتيها بيها، مكانش الحيوان دا ذنبني أنااا واخدلي صور وفيديوهات وانا بالطقم الداخلي بتاعي ويقولي احمد ربنا اني برضوا مراعي الستر معاك ومش عايزلك الفضيحة، أنا يتقالي كدة من ناس زي دي؟ تتهان كرامتي وابقى مهدد في أي وقت بنشر الصور اللي خدهالي لو بس فكرت وأذيت السنيورة بتاعته. 

- دي بني أدم غبي وانا هعرف أربيه كويس هو والجربوعة اللي بيدافع عنها .

صاحت بها تعقيبا على كلماته وكانت النتيجة أنه ثار أكثر بها:

-دا انتِ اللي غبية عشان مستهونة بالناس دي وفاكراهم مش قد مستوى ذكائك، دا قالهالي بنفسه يا ميرفت وهو بيستهزأ بيا، قالي انت باشا كبير وصورة زي دي لو عملنالها فيديو حلو هتجيب ألاف المتابعات وتبقى نجم، انتِ فاهمة دا معناه إيه؟ معناه دمار لسمعتي، ومهما كانت الصور اللي انتِ خدتيها للبت دي مش هيبقالها نص التأثير اللي هيحصل معايا لو نفذ تهديده ، انا صباعي بقى تحت درس الولد ده وانتِ السبب يا ميرفت بحوارتك الهبلة.

برقت عينيها وهي تطالعه بعدم استيعاب، جسدها يهتز من فرط أنفعابها وعقلها يرفض التصديق، حتى صرخت بدورها عليه:

- ولما زفت زي دا يثبتك، حراسك كانوا فين؟ اللي اسمه رعد دا اللي مرافقك زي ضلك فايدته إيه لما يحصلك انت حاجة زي دي؟

-رعد ما كنش معايا يا ميرفت .

هتف بها ردًا على سؤالها وأستطرد:

- رعد استأذن مني فجأة عشان يلحق والده اللي رجليه اتكسرت بالصدفة امبارح، والحارس التاني ولا السواق محدش فيهم قدر يصُد ولا يرد بعد ما تحاصرنا في الشارع الضيق وحاوطونا رجالة الباشا ده، شوفتي بقى اللي كنتِ فاكرها هتبقى خاتم في صباعك، طلعت مرافقة ناس بلطجية وبيعرفوا يوقعوا اللي زينا بالمظبوط .

صمت يحدق بها بغيظ يدفعه للفتك بها انتقامًا لما حدث له، وكاد ان يتسبب بمقتله لو تهور هذا الضخم وقتله في لحظتها، ليختم بقوله في الاَخير وهو يتناول سلسلة مفاتيحه على سطح المائدة:

- انا البلد دي مابقاليش سكن فيها تاني .

أوقفته بأعين راجية قبل يغادر:

- تقصد إيه بكلامك ده يا ماهر؟. 

- قصدي اني هسوي كل أموري هنا وهسافر يا ميرفت.

قالها واستدار عنها متجهًا نحو الدرج ليصعد إلى غرفته، وتسقط هي بحملها على الكرسي بأقدام مرتخية لم تعد تحملها تردف بقنوط:

- برضوا حتى دي كمان فشلت، نار قلبي دي هتفضل كدة دايمًا ما فيش حاجة تهديها؟ لكن لأ.

توقفت لتغمغم بتصميم:

- مهمها حصل انا مش هسكت غير لما اَخد حقي بحرق قلوبهم زي ما حرقوا قلبي، ساعتها بس اقدر اسافر واسيب البلد كلها كمان .


❈-❈-❈ 


جالسة على فراشها متكتفة الذراعين، مستندة بظهرها على الوسادة خلفها تتطلع إليه بغيظ وهو يتزين أمام المرأة ويرش بكثافة بعطره المميز على عنقه وبعض أجزاء من قميصه، بعد حرمانها من الذهاب إلى عملها معه، ليتبقى لديها فقط مراقبته وتفحصه جيدًا ولكنه يبدوا لها اليوم يزيد بتأنقه ومزاجه العالي في الغناء بهذه الأغاني الأجنبية التي لا تفهم منها شيئًا ولكنها تليق على صوته الأجش القبيح...

- زهرة انتِ سرحانة؟

قالها بعد أن استدار إليها فجأة يجفلها، تداركت لتنفي بهز رأسها، فتبسم يفرد ذراعيه إليها بتخايل قائلًا:

- إيه رأيك بقى؟

- رأيي في إيه؟

تسائلت باندهاش ليُجيبها على الفور:

- في البدلة يا زهرة، اصلها جديدة وقولت اشوف رأيك فيها عشان عندي النهاردة مشوار مهم .

- وحشة.

- نعم !

قالها بصدمة من ردها ليلتف مرة أخرى للمراَة ويتفحص حلته بتمعن، فتراجعت في قولها لتردف بفضول:

- أنا مش قاصدي انها وحشة وحشة، انا بس عايزة اعرف مشوارك المهم عشان ادلك .

قال بعدم تركيز وهو يلتف يمينًا ويسارُا يبحث عن 

العيب في ما يرتديه:

- مشوار إيه بقى  اللي احضره بيها بعد اللي قولتيه ده، أنا طالع معايا اغيرها كلها ، مع اني مش شايف فيها حاجة وحشة والله.

- ماهي مش بطالة يا جاسر، إنت بس قولي ع المشوار وانا اقولك تليق ولأ.

رفع رأسه فجأة وقد انتبه اخيرًا ليُجيبها كابحًا ابتسامة ملحة:

- عندي مقابلة انا ومصطفي عزام شريكي مع وفد أجنبي يا زهرة، أديكي عرفتي المشوار، ها إيه رأيك بقى؟

صمتت لتطالعه من جديد بتشكك مع هذا التأنق المبالغ فيه ثم اعتدلت لتنزل بأقدامها على الأرض، لتتحرك نحوه قائلة باهتمام الزوجة المخلصة:

- مدام قولت ع المشوار المهم يبقى اقوم اشوفها عن قرب بقى، عشان بالمرة دي اتأكد من لونها، هي مش زرقة باين؟

- زرقة ازاي يا زهرة دي كحلي!

هتف بها مذهولًا، ليجدها اقتربت منه مرددة:

-اه صح دي فعلًا كحلي، شكلي كدة لخبطت من الشمس، لكن الوفد دا فيه ستات يا جاسر؟

باغتته بسؤالها ليفتر فاهه بابتسامة متسلية يسألها هو الاَخر:

- وانتِ عايزة تعرفي ليه؟ دي مقابلة شغل يعني مش فسحة. 

زامت بفمها ترمقه بغيظ قبل أن تجيبه:

- دا سؤال عادي، انا مقصدتش بيه حاجة على فكرة.

تحرك من جوارها ليرد وهو يضبط رابطة عنقه مع انتباهه لتحديقها به وتخصرها خلفه بتحفز:

- تمام يا روحي فهمتك، بس عشان تعرفي يعني انا قريت الأسامي بسرعة ومقدرين اتأكد ان كان فيهم ستات ولا لأ.

- ياراجل!

تفوهت بها ساخرة من خلفه لتجده استدار إليها قائلا بمرح:

- هو انتِ ليه محسساني انك مش مصدقة، طب يعني تيجي معايا تتأكدي بنفسك؟

- صحيح يا جاسر بجد، يعني انا ممكن اجي معاكم؟ انا فعلا نفسي اخرج والله عشان اتخنقت.

قالتها بلهفة وحماس لتجده أجابها بهدوء يغيظ:

- طبعًا يا قلبي زي ما تحبي أكيد، بس انتِ ناسية بقى مشوارك مع ماما النهاردة وحكاية شرا الهدوم وحاجة البيبي؟

عضت على شفتيها بتفكير ثم خاطبته برجاء وهو يدور من حولها يبحث عن أشياءه قبل المغادرة:

- طب ماهي محبكتش يعني النهاردة، دا انا لسة في الخامس وباقي شهور ع الولادة ، والست والدتك محسساني إن الولادة بكرة، ما تكلمها انت يا جاسر تأجل. 

رفع رأسه عن الحاسوب الذي القى على شاشته المفتوحة نظرة سريعة يقول بجزع:

- يا نهار أبيض، لا طبعًا مقدرش يا زهرة، خصوصًا وانا شايف حماس الوالدة بتحضير أؤضة البيبي والألوان والتجهيزات اللي عملتها، لو عايزة تكلميها انتِ ماشي بس انا متحملش غضبها. 

استشاطت غيظًا لتزفر هاتفة بإحباط وتزيده استمتاعًا بمشاكستها:

- يعني انت متقدرش وانا اللي اقدر!

صمتت برهة بتفكير ثم قالت بتذكر:

- طب كلها كام يوم وفرح خالي يتم ، وانا بقى كنت عايزة احضر التحضيرات وليلة الحنة والحاجات البلدي اللي احنا متعودين عليها، يعني ابات الكام يوم دول هناك، هترفض هي بقى على كدة كمان دي؟.

ترك ما بيده لينتبه لها، ويرد بجدية ووجه غاب عنه الهزل:

- معلش بقى يا زهرة عشان الرفض هيبقى مني انا المرة دي.

تطلعت إليه باستفهام، ليتابع لها:

- بصراحة بقى رغم كل احترامي وحبي لرقية وفرحتي لخالد كمان، لكن انا لا يمكن هقدر اطمن واسيبك تباتي هناك، حتى لو قولتي انك متعودة والكلام ده كله، لكن برضوا وربنا ما هقدر احط راسي على المخدة، اقسم بالله، دا غير والدتي كمان، يستحيل توافق، واذا اصريتي مش بعيد تبات معاكِ، ما انتِ عارفها بتعيد على مواعيد علاجك انتِ ووالدي بالثانية.

تنهدت بيأس تتكتف بذراعيها وتبتعد عنه، ليصبه الحزن لمشاهدتها هكذا، فاقترب يحاوطها من الخلف بكفيه على أكتافها، ليهمس بجوار أذنها بصوته الدافئ:

- عارف انك زعلانة، بس انا عايزك تقدري خوفي من حاجة زي دي انا شوفتها بنفسي، العمارة ايلة للسقوط يا زهرة، ثم انه كمان نصبر شوية مدام الحال اتعدل، خالك وهيغير السكن بعد جوازه من نوال، ورقية وهتتنقل مع العروسين بعد رجوعهم من شهر العسل، يعني ساعتها بقى هنقدر ننقل اخواتك البنات للبيت اللي اخترناه انا وانتِ قبل كدة، عشان والدك لما يخرج قريب من المصحة ان شاء الله، يسكن معاهم على طول .

صمت برهة ليسألها بقبلة كبيرة على وجنتها :

- ها بقى اقتنعتي باللي بقوله؟

هزت برأسها بخفة كموافقة، لتزيد بداخله الحماسة بضمها أكثر ويزيد معها من قبلاته الناعمة على وجنتيها مرددًا:

- عايزة اسمعها بصوتك مش بهز الدماغ.

اجبرها بمناكفته على الضحك لتبادله المزاح ولكن بقصد:

- ماشي دي اقتنعت بيها ، فاضل بقى تقنعني بالثانية:

سألها بإجفال:

- ايه هي التانية؟

اعتدلت ليُصبح وجهها مقابل وجهه سائلة بتصميم:

- تقنعني انك مش عارف الوفد الأجنبي في ستات ورجالة ولا رجالة بس .


❈-❈-❈ 


بجلستها معه في كافتيريا الشركة ورغم أنها المرة التي يتم فيها ذلك، إلا أنها كانت منطلقة معه وكأنه تجلس معه كل يوم، تقلب في صور الهاتف التي التقطها أمس لهذا المدعو ماهر، بعد تهديدات شقيقته لها ثم تطلق ضحكتها بفرح منها بعد حالة الخوف التي تملكتها الليلة السابقة لدرجة الرعب:

- يالهوي دا شكله مسخرة هههه، لا وكمان واقف بتناكة كدة ههه

رغم سعادته بمشاركتها لهذه الجلسة إلا أن ضحكاتها العالية كانت تدفعه للغضب منها، فيتمتم يحذرها بهدوء وعينيه تتلفت حولهم:

- قلبي كمان وشوفي بقية الصور بس وطي صوت الضحك شوية.

اومأت برأسها له على عجل وهي تركز في الصورة الأخرى لماهر وهو جالس على ركبتيه كطفل مذنب في مدرسة، لتقهقه غير قادرة على التوقف:

-وربنا يستاهل الأهبل ابن الهبلة ده.

تبسم ضاحك ببهجة من داخله بعد أن التزمت قليلًا بالصوت وظهر سنها بضحكة من القلب دون تصنع أو ادعاء، أجفلته بنظرة متسعة من عينيها سائلة بهمس

- دا قلع القميص...

غمز بوجنته يجيبها بابتسامة شريرة:

- وقلع البنطلون كمان.

سمعت منه لتنسى جميع تحذيراته وتطلق ضحكة صاخبة بصوت لفت انتباه رواد الكافتيريا حولهم، بشكلٍ أثار حميته ليخطف الهاتف منها فجأة ويهدر من تحت أسنانه:

- قولتلك وطي صوتك الناس بتبص علينا .

أومأت برأسها وقد أسكتتها نظراته المرعبة، ثم قالت تخاطبه بتردد:

- طب اشوف بقية الصور .

رد بحزم وهو يدخل الهاتف في جيب ستريته:

- كفاية عليك كدة، الباقي مالوش لازمة أصلًا.

أسبلت أهدابها وهي تزم شفتيها بطاعة جديدة عليها، جعلته يتراجع عن حدته ويتابع لها ناصحًا:

- خلي بالك يا غادة مش كل الناس ضميرها سالك عشان تسمع ضحكتك وتسكت أو تنبسط لانبساطك، واحنا مش هنفتش على ضماير الناس، بس ع الاقل نلتزم من نفسنا وناخد بالنا. 

أطرقت رأسها بانكسار أظهر تأثير كلماته عليها ليستطرد بمرح:

- بس ضحكتك عسل .

اشرق وجهها الذي رفعته أليه مستجيبة بابتسامة لمدحه، وتابع :

- بس تضحكيها لوحدك أو في بيتكم، لكن برا لا .

أومأت برأسها كإجابة مع راحة أصبحت تغمرتها بهذا الشعور الجديد عليها، أن تجد من يوجهها بخوف عليها ونية خالصة، ليست بقصد اَخر ، والأروع من هذا كله هو الأمان وإحساس الحماية التي يحاوطها به، فقالت تخاطبه بامتنان:

- أنا متشكرة أوي يا إمام، بجد مش عارفة اقولهالك على إيه ولا أيه؟

- ولا على اي حاجة، مافيش داعي للشكر أصلًا .

رددت خلفه بتصميم:

- لأ في وفي كتير أوي كمان، انا لو قعدت العمر كله اشكرك مش هكفيك ولا اوفي حقك بجد ربنا يسعدك. 

أومأ بهز رأسه مع طيف خفيف من الخجل فضحته عيناه التي زاغت مقلتيها في التجول حولها رغم خشونة هيئته، ليزيد من اندهاشها ورؤيتها الجديدة عنه، فتابعت هذه المرة بسؤال:

- هو انا ممكن اكلم خلود واصاحبها ؟

اجيبها على الفور:

- طبعًا دي مش محتاجة استئذان، اعتبريها زي اختك كمان.

ازداد اتساع ابتسامتها لتردف بطلبها الاَخر:

- طب انا كنت عايزة اعزمك على فرح خالد خال زهرة، انت أكيد هتيجي طبعًا عشان شغلك مع حاسر باشا، بس انا بقى عايزاك تدخل وتبقى تبع المعازيم .

صمت قليلًا يرمقها باستغراب لتفكيرها في شئ كهذا وتدعوه عليه فقال يجيبها بتحفظ:

- ان شاء الله خير وأكيد هاجي طبعًا.

ظهر على وجهها الفرح لتقبله دعوتها، لتنظر بساعتها وتنهض على عجل مرددة:

- طب انا هستأذن بقى عشان البريك بتاعي خلص، سلام .

غادرت من أمامه ليجد الفرصة في النظر إليها من الخلف، ترتدي ملابس عادية تليق بالعمل وليست مبهرجة ولا قصيرة بتعمد للفت الأنظار، خطواتها رغم سرعتها لكن مظبوطة من غير ميلان أو ادعاء الدلع، غمغم بصوت خفيض:

- الظاهر كدة في أمل إنها تتعدل.


❈-❈-❈ 


- عجبتك الصورة؟

تفوه سائلًا بها لها وهي واقفه باندهاش أمام الإطار المعلق على الحائط لصديقهم الثالث وشقيق لينا رمزي، اثناء أنتظارهم بغرفة المعيشة في المنزل المتوسط الحال لكن برقي، ردت تُجيبه بشرود :

- مش حكاية عجبتني، بس الصورة قريبة من القلب فعلا وكأن الواحد يعرفه من سنين...

التفت أليه تكمل:

- مش عارفة ليه بقى؟ يمكن عسان يشبه لينا بلمحة بسيطة او لون العيون المشترك ما بينهم، ولا يمكن عشان يشبهك أنت يا طارق .

عقد جاجبيه يلتف للصورة خلفها ينظر بتمعن ويسألها بعدم تصديق:

- في أي حتة بالظبط؟ دا راجل بشعر اصفر وعيون فيرزي، بشرته رايحة ناحية الخواجات، لكن انا بقى مصري في كله، البشرة القمحي والعيون العسلي والشعر الأسود، فين الشبه يا كاميليا؟

- في الروح .

قالتها كإجابة سريعة بدون تفكير لتكمل:

- ملامحه الطيبة كدة وهو بيضحك فكرتني بيك، 

اومأ بسبابته نحوه مع ابتسامة ماكرة :

- انا روحي طيبة؟

- ضحكت تجيبه:

- جدًا يا طارق، حتى لو بينت غير ذلك .

تبسم يخفض عينيه يرد بادعاء الخجل:

- الله يحفظك يارب ويسعدك وليه الإحراج دا بس؟

قالها وارتفعت رأسه فجأة على ضحكتها التي أطلقتها بحرية وبدون تحفظ، فصمت يشاهدها حتى انتهت لتردف له:

- اللي يشوفك وانت منزل عينك كدة يصدق انك بتتكسف هههه

شاركها هذه المرة الضحك مع قوله:

- يعني ولا كدة عاجب ولا كدة عاجب. 


- وانت من امتى بتعجب حد اصلًا.

قالتها لينا وهي تلج إليهم بخطواتٍِ متأنية ووجه عابس وهي وصلت لترحب بهما بالتصافح وإلقاء التحية، قبل أن يجلسا ثلاثتهم، فبادر طارق بمشاكشتها كالعادة

- قالبة خلقتك كدة ليه يا زفتة؟ دا شكل تقابلي بيه ناس لاول مرة تدخل بيتك؟

- انت عارف اني مش قاصدة كاميليا. 

هتفت بها إليه بابتسامة صفراء قبل تتوجه لكاميليا بقولها:

- وانتِ أكيد عارفة اني مش قاصداكٍ صح؟.

اومأت برأسها كاميليا لها كإجابة، فتدخل طارق بقوله:

- الله، دا انتِ قاصداني انا بقى.

ردت بتأكيد لتخمينه:

- أيوة قصدك انت، عشان اللي عملته مع نيازي في المستشفى، هو حكا.....

قطعت مجفلة من هيئته وهو يكاد أن يقع على الأرض من الضحك مرددًا:

- طب بذمتك دا إسم واحد ترتبطي بيه واحدة؟ حتى اسمه مش لا يق عليكِ يخرب عقلك، لينا ونيازي ههههه 

اكمل بالضحك غير قادر على التوقف حتى أصابت كاميليا العدوى على الرغم من محاولاتها للكبت أمام لينا التي كانت تفور غيظًا، وهو ترمقه محدقة به بغيظ ، حتى التفتت للكاميليا تخاطبها:

- عاجبك اللي بيعمله ده ؟ وهو بيستهزأ بيا وباختياراتي؟

أجابتها كاميليا بابتسامة تجاهد لكبحها:

- انا متألنيش يا لينا، سيبيني في حالة الذهول اللي انا فيها دي ، الشقلبة دي اللي انتوا عملتوها في دماغي، اقسم بالله انا لسة باستوعب أساسًا .

- تستوعبي إيه بالظبط؟ ممكن تفهميني؟

رمقتها كاميليا من اعلى رأسها حتى اقدامها لتُجيبها :

- كلك على بعضك يا لينا، اللي يشوفك في الشغل باللبس العصري والمكياج اللي يهبل ولا الشعر الحرير، عكس اللي شايفاها قدامي خالص، البيجاما دي اللي انتِ غرقانة فيها، الشعر المنعكش ولا الشبشب اللي في رجلك، دي مش اللهلوبة خالص يا قلبي. 

- نيازي بهت عليها .

هتف بيها طارق ليُشعل غضبها مرة أخرى وهي تجيب كاميليا وتتجاهل استفزازه لها:

- اولا دا انا عشان عيانة وعملية وانتِ عارفة طبعًا، وثانيًا بقى عشان في فرق بين الشغل وبين البيت، ما انا قولت امبارح. الشغل دا أكل عيش..

أومأت لها كاميليا تدعي الفهم برغم عدم اقتناعها، وتمتم طارق .

- وحتى لو مش عيانة، برضوا نيازي أثر عليكِ.

زفرت تنفخ بفمها كالأطفال لتردف لكاميليا بسأم:

- شايفة استفزازه، قوليلوا يقعد ساكت احسن. 

لم تتمكن كاميليا فهي أيضًا كانت تضحك ولا تستطيع التوقف حتى انتبهت على دخول والدة لينا بصنية كبيرة، من المشروبات الساخنة وعدة أطباق من الحلويات، تلقي التحية وهي تضعها أمامهم:

- ها يا ولاد عاملين إيه؟

- فل يا أنيسة فل والله.

هتف بها طارق وهو يتناول أحد الأطباق سريعًا بلهفة ليقدمه لكاميليا التي حاولت الرفض:

- لأ لا انا مش هشرب ولا هاكل أي حاجة. 

خاطبتها المرأة بمودة صادقة تشدد:

- لأ بقولك ايه، دي عادة وانا اتعودت عليها مع احبابي بس، يعني مش مع أي حد.، لمتا تدخلي عندي لازم تشربي الحاجة السخنة او الساقعة وتاكلي معاها الحلويات، ولا انتِ مش معتبرة نفسك من حبايبي.

- لا طبعًا أكيد من حبايبك.

قالتها كاميليا ردًا للمرأة التي أحرجتها بزوقها لتقبل الدعوة وتتناول من طبق الحلوى مع ثلاثتهم طارق ولينا ووالدتها، في جلسة عائلية يغمرها الدفئ الأسري ومشاكسات طارق ولينا الناقمة عليه، لسخريته الدائمة من شاعر قلبها؛ نيازي 


❈-❈-❈ 


في التجمع التجاري الكبير

وبعد أن انتقت مع لمياء معظم احتياجات الطفل من ملابس، والعاب وبعض الاشياء التي تزين الغرفة، تبقى فقط اَخر محل تدخله معها لاختيار ملابس واسعة لها تناسب وضعها الجديد في الشهور القادمة. 

- شايفة يا زهرة، اهو ده هيبقى حلو قوي عليكِ.

قالتها لمياء وهي تفرد أمامها إحدى القطع بصحبة عاملة المحل، تناولته منها زهرة تطالعه بتمعن قبل أن تدلى برأيها:

- بس دا ممكن يحزأ عليا شوية، حاسة كدة قماشته خفيفة. 

القت نظرة نحوه لمياء قبل ان ترد:

- لا يا زهرة انا مش شايفاه خفيف لدرجة وحشة بالعكس، انتِ هتحتاجي الأنواع دي صدقيني .

تدخلت العاملة:

- فعلا يا فندم ، كل ما الحمل بيكبر كل ما كانت الأنواع دي من القماش مطلوبة اكتر، ودا صنف فاخر مصنوع لراحة المدام الحامل، خصوصًا في الشهور الأخيرة. 

أثنت على كلمات الفتاة لمياء لتردف لزهرة:

- عندها حق على فكرة، انا باخد بالي، فعلا هو دا النوع اللي سائد كموضة للحوامل الايام دي وبشوفه كتير، ها إيه رأيك بقى؟.

اومأت لها رأسها بتعب :

- خلاص يا طنت زي ما تحبي، بس مش كفاية كدة بقى، احنا اشترينا كتير اوي النهاردة.

ردت لمياء بإصرار:

- لا طبعا كفاية دا أيه؟ انتِ لسة عايزالك كام طقم استقبال، ولا انتِ ناسية ان هتيجي ناس كتير تزورنا. 

- اَه

تفوهت بها باستسلام رغم اعتراضها من الداخل ، وذلك لمعرفتها الكبيرة بعدم جدوى النقاش مع لمياء والتي تتعامل مع الوضع وكأنه سيصير غدًا وليس بعد شهور بولادة الطفل، فقالت:

- ماشي يا طنت اختاري مجموعة وانا هنقي منهم، بس اسمحيلي بخمس دقايق بس، اعمل مكالمة تليفون.

- تمام، بس متأخريش. 

قالتها لمياء لتتخذها فرصة زهرة وتتناول هاتفها لتتصل به.

و في خارج المحل وقفت أمام واجهة العرض الزجاجي، تنتظر إجابة اتصاله، والتي أتت بعد وقت بصوت قلق:

- الوو... أيوة يا زهرة، بتتصلي ليه دلوقت؟ في حاجة؟

أجابته بهدوء:

- لا مافيش حاجة، أنا قولت بس اطمن عليك، لكن انت بتنهت ليه؟

أجابها على عجالة:

- بنهت يا زهرة عشان سيبت الإجتماع المهم وخرجت من الجلسة على اتصالك، خوفت ليكون حصل حاجة .

ردت بلهجة مطمئنة قبل الوصول لهدفها

- لا الحمد طبعًا اطمن مافيش حاجة، انا بس قولت اسألك عن الشركا وعن الجلسة. 

- بعدين يا زهرة بعدين، هقولك على كل حاجة، سبيني دلوقت ارجعلهم ، مصطفى لوحده بيتفاوض معاهم جوا.

هتف بها وهمَ لأنها المكالمة ولكنها لحقته بقولها:

- طب دقيقة بس يا جاسر هاسألك قبل ما تقفل. 

تنهد بسأم يجيبها:

- لخصي يا زهرة وقولي بسرعة.

عضت على شفتيها بحرج قبل أن تسأله بتردد وصوتٍ خفيض:

- بعد ماشوفت الوفد كدة بنفسك وقعدت معاهم، هما بينهم ستات؟

شعرت بضحكته رغم صدورها من غير صوت، ليردف لها باقتضاب قبل ان يغلق الهاتف:

- هبقى اقولك بعدين، سلام بقى .

نظرت لهاتفها الذي انتهت به المكالمة، لتتمتم بالكلمات الحانقة عليه وعلى مرواغته الدائمة لها، لتختم بتوعد:

- ماشي يا جاسر.

قالتها والتفت لتستدير، فارتدت منتفضة للخلف برؤية اََخر شخص تود رؤيته الاَن وفي أي وقت، واقفًا أمامها بهيئته القبيحة ونظراته الوقحة وكأنها تجردها مما ترتديه:

- إنت ايه اللي موقفك هنا قصادي يا حيوان؟

قالتها بقوة تدعيها رغم الرعب الذي يسطير عليها بداخلها، سمع منها وتبسم لها بسنه المكسور ليرد بعدم اكتراث:

- انا واقف بقالي وقت هنا من ساعة ما شوفتك، بصراحة مقدرتش امنع نفسي، وحشتي عمك فهمي يا زهرة. 


❈-❈-❈ 


بداخل السيارة العائدة بهم للشركة، كانت ما تزال لا تستطيع التوقف عن الضحك معه، كلما تذكرت مشاكساته مع لينا التي تدافع بشراسة عن شاعرها المجنون ولا تتحمل عليه نقد:

- حرام عليك اللي عملته فيها والبنت تعبانة أساسًا، دي هتكرهك بجد على فكرة .

مط بشفتيه يدعي التأثر وهو يقود السيارة بجوارها، ليقول:

- عارف اني زودتها عليها، بس انا كمان معذور يا كاميليا، نفسي الاقي ميزة واحدة في الولد ده لكن مش لاقي، دا حتى اسمه....

توقف على مقاطعتها له مكملة من بين ضحكاتها:

- لينا ونيازي ههههه كل ما افتكر شكلها وهي بتنفخ زي القطة الشرسة اللي عايزة تهجم عليك في أي لحظة ههههه فظيعة، بمجرد بس ما تجيب سيرته، دي شكلها بتحبه بجد باينها!

أومأ لها يردف وقد توقفت ضحكاته:

- يا خوفي ليكون بجد يا خوفي .

توقفت هي الأخرى لتسأله:

- يا خوفك ليه بقى؟ مش دا اختيارها وهي حرة .

- هي فعلا حرة .

تفوه بها قبل أن يلتف إليها برأسه متابعًا:

- بس بقى لو حصل وأصرت على اختيارها ده، طبعًا انا مش هقدر اعترض على اختيارها، وهضطر اقبل بيه وأرحب، لا دا كمان ولو وصلت لكتب الكتاب هبقى وكيلها، بس كل ده هيبقى غضب عني، عشان بصراحة مش عجبني طريقة تفكير الولد، بس لازم اقف جمبها.

تسمرت قليلًا تستوعب كلماته قبل أن تسأله:

- لدرجادي انت بتحبها؟

أجابها على الفور بدون تفكير:

- ما انا قولتلك قبل كدة يا كاميليا، لينا اختي .

شدتها العبارة وهي تستشعر صدق ما يقوله من واقع ما التمسته بنفسها ورأته في تعامل الإثنان مع بعضهما بالإضافة إلى حنان المرأة والدة لينا معه وكأنه من الأسرة بالفعل، غلبها الفضول وهمت لتسأله عن طفله الذي يتركه وحده بدون أب تربيه عائلته المهاجرة في دلولة أخرى،  كما أخبرها كارم ولكنها أجفلت على توقف السيارة متمتمًا:

- خلاص وصلنا.

ليتبع قوله بغمغمة واضحة:

- ودا من امتى رجع من سفره؟

انتبهت على جملته فانتقلت عينيها إلى ما ينظر إليه أمامها، لتفاجأ بجلوس زوجها المستقبلي أمامها على مقدمة سيارته، بهيئته البراقة دائما ونظارة شمسية أكملت المشهد، 

تناولت حقيبتها واستأذنت مغادرة على الفور من السيارة، فخطت حتى توقفت أمامه تبادر بإلقاء التحية:

- مساء الخير يا كارم، حمدلله ع السلامة، انت رجعت امتى؟

اعتدل عن جلوسه بتأني ليقبلها على وجنتيها بابتسامة مريبة:

-الله يسلمك يا روحي، وحشتيني، وحشتيني أوي يا كاميليا. 

- وانت اكتر، ما قولتش يعني انك راجع النهاردة. 

قالتها بمجمالة قبل سؤاله وهو أجاب:

-حبيت اعملهالك مفاجاة، انا جيت من المطار على هنا على طول .

أومات برأسها ترد بشبه ابتسامة:

- حمدلله على سلامتك مرة ثانيه، طب اطلع معايا المكتب بقى، على ما اخلص الحاجات اللي في أيدي .

تبسم لها يلقي نظرة على طارق الذي كان يركن سيارته التي خرجت منها هي منذ قليل، ليسألها :

- هو انا غيبتي طولت اوي لدرجادي يا كاميليا؟


تابعوني وكونوا بالقرب للتكمله

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close