أخر الاخبار

رواية في قبضة اللعنات الفصل الرابع والخامس والسادس بقلم مريم غريب

رواية في قبضة اللعنات الفصل الرابع والخامس والسادس بقلم مريم غريب 


رواية في قبضة اللعنات البارت الرابع والخامس والسادس بقلم مريم غريب 



رواية في قبضة اللعنات الفصل الرابع والخامس والسادس بقلم مريم غريب 

 ( 4 ) (5) (6) 

_ خبر ! _

مر يومان على الموعد الأول لهما، و ها هي "يارا" تجلس بمعمل عطورها الخاص في كامل إسترخائها.. تصنع قنينة جديدة مستخلصة من عدة نباتات و زيوت و بعض الأخشاب المستخرجة من الغابات الإستوائية _ الصندوق العالمي للطبيعة _ و لم يبقى كثيراً على إنتهاء التجربة، بإمكانها أن تستعين بإبنتها في تقييمها قبل أن ترحل


إبنتها المدللة "يسرا" ذات الوجه الفاتن، تجلس أمامها الآن، لا تنفك عن محاولات إقناعها بأمر عاجل جديد يخصها ...


-مامـي بليززززز هو إسبوع واحد بس !


كم تكره "يارا" الإلحاح، و خاصة بهذه الطريقة التي تعتمدها إبنتها كلما أرادت شيئاً، و رغم الجدال المعتاد و المماطلة، تحصل على بغيتها دائماً ...


-قلت لأ يعني لأ يا يسرا ! .. هتفت "يارا" بعناد و إلتفتت لتحضر إحدى القوارير المعنونة


يسرا بمزيد من التوسل :


-يا مامي عشان خاطري. أنا بقالي 3 شهور مش بخرج من البيت. بروح المدرسة و بس. محتاجة أغير جو بليزز وافقي بقى


تنهدت "يارا" بسأم قائلة :


-إنتي كل مرة تيجي تعمليلي الشويتين دول.. حبيبتي 100 مرة قولتلك أنا ببقى خايفة عليكي. عمري ما أكون مطمنة أبداً و إنتي بعيد عني الفترة دي كلها


-يا حبيبتي ماتقلقيش ما أنا هاكلمك كل يوم. و بعدين أنا مش هاكون لوحدي في مسؤولين و مشرفين على الرحلة. بليزززززز بقى يا مامي قولي آه !!


تآففت "يارا" و قالت بنفاذ صبر :


-خلاص يا يسرا. روحي !


-Yes Yes Yes !


صاحت "يسرا" قافزة بمرح كبير، لتحذرها "يارا" بجدية صارمة :


-بس خلي بالك. دي أخر مرة هاسمحلك بالسفر لوحدك. أنا وافقت المرة دي بس عشان الإجازة إللي فاتت كنت مشغولة فعلاً و ماعرفتش أظبط فسحة لينا كلنا. فخليكي فاكرة إن الموضوع ده مش هايتكرر


إنحنت "يسرا" لتقبلها بقوة مغمغمة :


-ماشي كلامك ياست الستات .. و أخذت تعانقها بشدة


ضحكت "يارا" و هي تقول :


-طيب خلاص. خلاص بقى يابنتي هاتكسريلي المعمل ! .. و أحاطت صف العينات بإحتراس


و هنا دق الباب، فدلفت فتاة ترتدي الزي الرسمي للمكان ...


-Mr's يارا !

سفيان.. سفيان عز الدين وصل حضرتك !!


أخبرتها الفتاة بذلك و فكها يكاد يصل للأرض من الذهول


لم تكن سيدتها تكذب عندما أخبرتها أنه سيأتي ليقابلها، ها قد آتى بالفعل !!!


عبست "يسرا" مستغربة، بينما ردت "يارا" مبتسمة :


-أوكي يا رانيا. دخليه دلوقتي من فضلك


أومأت الفتاة و عادت من حيث أتت دون أن تضيف كلمة.. تلتفت "يسرا" إلى والدتها متسائلة :


-مامي مين سفيان عز الدين ؟ بليز ماتقوليش إنه المغني المشهور !


آيدت "يارا" تخمين إبنتها :


-أيوه حبيبتي. هو


شهقت "يسرا" مشدوهة و قالت :


-OMG ! إنتي تعرفيه يا مامي ؟ و بيجيلك هنا عادي ؟ طيب ماقولتيش ليه ده أنا هموت و أخد صورة معاه


-بنت ! .. قالتها "يارا" بلهجة زاجرة


-إحترمي نفسك و يلا قومي روّحي أو شوفي وراكي إيه. المهم تمشي من هنا حالاً إنتي معطلاني !


و لم تكد "يسرا" ترد، حتى جاء الصوت الهادئ الجميل الذي عشقته ملايين الآذان ...


-صباح الخير !


نظرتا الإثنتين نحوه في الحال، كان يقف عند عتبة الباب، أنيقاً جميلاً كعادته


جحظت أعين "يسرا" و قد هالتها المفاجأة كلياً، إنه هو، حقاً هو.. نجمها المفضل، فارس أحلامها و أحلام جميع فتيات عمرها


تساءلت كثيراً في تلك اللحظات أهذا حلم أم واقع ؟ و لو حلم فهي تخشى لو أغمضت عيناها للحظة أن يختفي، و هي لا تريده أن يختفي، ذلك الشاب الوسيم صاحب البشرة الخمرية الصافية، و العيون الملونة، و البنية الرياضية السليمة... رباه كم هو مثالي، مثالي جداً، في كل شيء !


-أهلاً أهلاً يا نجم !


أفاقت "يسرا" على صوت أمها، نظرت فوجدتها تنهض من مكانها مخصوص لتذهب إليه و تستقبله ...


-نورتني و الله الـGallery نور بجد .. قالتها "يارا" بإبتسامتها الرقيقة و هي تمد يدها لتصافحه


رد "سفيان" عليها و هو يقبض على كفها الغليظ الناعم بأصابع متلهفة كأنه يعانقه :


-بنورك يا هانم. متشكر أوي ! .. و لم يتوقف عن رمقها بنظراته الشمولية الوالهة


تنحنحت "يارا" محاولة سحب كفها من يده و هي تقول :


-أستاذ سفيان. أحب أقدملك بنتي الصغيرة. يسرا رؤوف الزيني !


و بصعوبة أزاح "سفيان" ناظريه عنها، كانت "يسرا" قد أصبحت على مقربة منهما الآن، ما أن أشارت لها أمها حتى إقتربت أكثر و هي تسارع بإلقاء التحية على الضيف الخاص :


-أنا بقى مش محتاجة أتعرف عليك إنت Super Star أصلاً


إبتسم "سفيان" قائلاً :


-Thanks يسرا. Nice to meet you !


يسرا بإبتسامة عريضة :


-ده أنا إللي مش مصدقة إني واقفة قدامك كده و الله !

هو أنا ممكن أخد صورة معاك ؟!


سفيان برحابة : Sure !


و رقص قلبها من الفرحة، فأخرجت هاتفها من الحقيبة بسرعة و إتخذت وضعية مميزة بجواره، و إن كانت فضلت الإلتصاق به حتى يتبين صدق الصورة.. و مع العد العكسي، إلتقطت صورتها معه و سمعت أمها تقول :


-خلاص بقى يا يسرا. لازم تمشي دلوقتي حبيبتي أنا عندي شغل


أومأت "يسرا" دون أن تحيد عن "سفيان" و قالت و هي تستعد للذهاب :


-أوكي مامي. هامشي.. بس أكيد هاشوفك تاني يا سفيان صح ؟


سفيان بإبتسامة : أكيد !


و صافحته مودعة :


-باي !


-باي !


و رحلت أخيراً ...


-إيه إللي جابك يابني ؟ إحنا مش كنا خلصنا كل حاجة أخر مرة ؟! .. هكذا وجهت "يارا" سؤالها إليه و هي تمضي عائدة إلى عملها


تبعها "سفيان" قائلاً :


-إيه يابني دي إللي بتقوليها ؟ دي تاني مرة أسمعها منك على فكرة ! .. كان إنزعاجاً واضحاً في نبرة صوته


يارا و هي تضحك :


-خلاص إنت زعلت و لا إيه ؟ أنا ماقصدش. دي كلمة بتطلع بحكم فرق السن إللي بينا بس


سفيان بجدية : مافيش أي فرق بينا يا يارا. أنا مش شايف أي حاجة قدامي غيرك. فاهماني ؟


أدارت وجهها نحوه قائلة :


-إنت عايز إيه بالظبط يا سفيان ؟!


و كتمت شهقة، عندما رأته يركع على قدمه في لحظة و هو يقول فاتحاً ذراعيه :


-أنا بحبك ! .. و كان يبتسم


قهقهت "يارا" بقوة و هي تقول :


-إنت مجنون. و الله مجنون


-مجنون بيكي ! .. أجابها و هو يقف على قدميه ثانيةً


-مش مصدقاك بجد. طب حبيت فيا إيه يعني ؟!!


-و الله لو إنتي مش مقدرة قيمة نفسك. أنا بقى مقدرك كويس أوي .. و إلتقط زهرة من فوق الطاولة التي أمامها


إشتمها للحظة ثم وضعها خلف أذنها مكملاً :


-بس حلو أوي المكان ده. أنا كنت فاكرك بيزنس وومن بس !


يارا و هي تزيل الزهرة بلهجة معاندة :


-دي هواية كانت عندي من زمان. أنا طول عمري بحب الروايح و كان نفسي دايماً أصنعها بنفسي .. و أردفت بجدية :


-المهم ماتتهربش من الكلام. إنت عارف كويس إن إحنا مش نافعين لبعض. و أنا مش عيّلة من سنك يابني !


سفيان بغضب : تاني يابني ؟ من فضلك مش عايز أسمع الكلمة دي تاني. أنا مش إبنك. و مش زي إبنك. أنا راجل عادي زي أي راجل ممكن تقابليه. و لا إنتي مش شايفاني راجل ؟!!


إبتسمت "يارا" و صمت لبرهة تشمله بنظرات خبيثة، إن الخطة تسير بالضبط كما أرادت، بل و أسرع و أدق مما توقعت ...


-بالعكس يا سفيان. أنا شايفاك راجل أووي !


دغدغ إطرائها مسامعه و جعل صدره يخفق بتوتر... حتى سمعها تستطرد :


-بس بردو لازم أعرف. إنت في إيدك إيه تعمله ؟ و هاتقدر تواجه أهلك و المجتمع بيا إزاي ؟ إنت بالشكل ده ممكن تخسر جمهورك و الناس إللي بيحبوك. و أولهم عيلتك !!


أطبق على يدها فجأة قائلاً :


-مالكيش دعوة بكل ده. أنا هاتصرف. أهم حاجة أسمع ردك بس !


قطبت "يارا" بحزن متكلف و قالت :


-إنت ليه مش قادر تفهمني ؟ إحنا ممكن نبقى أصدقاء. مش هاينفع أكتر من كده. أنا كبيرة عليك أوي يا سفيان و أديك شوفت بنتي ما شاء الله عاملة إزاي. قريبة منك في السن


سفيان بإلحاح : أنا مايهمنيش كل ده. أنا عايزك أنتي. أنا بحبك. و الله بحبك. من أول مرة شوفتك حبيتك و الله. و جمهوري ده مش هايغنيني عن حبك. حتى أهلي. مش هاسمح لأي حد يقف في طريقي ليكي. أنا أقدر أعيش لوحدي و أقدر أعتمد على نفسي. أنا عندي حاجات كتير أوي. بس مش مبسوط. لما كنت بشوفك بس كنت بتبسط. أرجوكي إديني فرصة !


تصرفت "يارا" بتظاهر متقن، تنهدت بثقل و أشاحت بوجهها للجهة الأخرى، إلتوى فمها بإبتسامة شيطانية لم تظهر في صوتها و هي تقول بلهجة تزخر بالآسى :


-هاتفضل تضغط عليا كتير.. عايزني أضعف و أقولهالك. أنا فعلاً مش هقدر أخبيها أكتر من كده. أنا بحبك. بحبك أوي يا سفيان !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


إستيقظت "ميرا" من نومها، رأت زوجها لا يزال يغط في نومه بجوارها، لم تعيره إهتماماً و قامت من السرير


دلفت إلى الحمام و خرجت بعد فترة وجيزة و هي ترتدي مئزر الإستحمام، طلبت الفتور عبر الهاتف الموصول بجناح الخدم... ثم ذهبت و جلست أمام المرآة


طفقت تمشط خصلات شعرها الطويلة، عندما أفاق "عمرو"، إرتدى روب البيچامة و أقبل عليها مغمغماً :


-صباح الخير يا حبيبتي ! .. و هبط بجزعه ليطبع قبلة على خدها


إبتسمت "ميرا" و هي تنظر له من خلال المرآة و ردت :


-صباح النور. يلا حبيبي إدخل خد شاور كده. لحد ما الفطار يجي. و طلبتلك القهوة بتاعتك كمان


عمرو مبتسماً بإمتنان :


-Thanks baby. و أنا رجعلك علطول !


-Waiting حبيبي !


و دلف بدوره إلى الحمام ...


دقائق قليلة و جاء الفطور، قامت "ميرا" و جلست في الشرفة، لم تمد يدها على شيء، فقط تناولت الصحيفة، وجدتها مملة هذا الصباح، فإلتقطت مجلتها المفضلة


و فوراً إجتذبتها صورة إبنها على الغلاف، مرفقة بعنوان رئيسي مثير للإهتمام ... "سفيان عز الدين و موعد غرامي جديد، أهي مغامرة كسابقتها ؟ أم أن للقصة وجهاً آخر ؟ و من تراها تكون جميلته المجهولة ؟!!" .. و تفاصيل الخبر قرأتها بالصفحة التالية


لم تهتم "ميرا" بكل هذا بقدر ما إسترعتها الصورة التي إلتقطت لهما، كان هو من رأته بشئ من الوضوح، أما رفيقته تلك لم تتبينها جيداً...  و لكنها لا تعلم، لماذا يساورها إحساس قوي بأنها رأتها من قبل


بل ريما تعرفها أيضاً !! ............... !!!!!!!!!!!


❤❤❤


( 5 )


_ من الماضي ! _


أوقف "سفيان" سيارته أمام منزلها، إلتفت نحوها مبتسماً و إلتقط يدها من فوق حجرها... رفعها إلي فمه و قبّلها بعمق، ثم نظر في عينيها قائلاً بصوته العذب :


-الوقت معاكي مش بحس بيه. ياريتك تفضلي معايا شوية كمان !


ردت "يارا" له الإبتسامة و قالت برقة :


-أنا كمان كان نفسي أفضل معاك. بس إنت مشغول يا حبيبي. مش عندك حفلة الإسبوع الجاي و لازم تجهز على أد ما تقدر ؟!


-أيوه. بس إنتي و الله أهم من مليون حفلة. عندي إستعداد أفضل قاعد جمبك العمر كله ماتحركش


قهقهت "يارا" بقوة قائلة :


-لأ و حياتك بلاش الكلام الجامد ده. واحدة واحدة عليا إحنا لسا في أول المشوار


إبتسم لها و مد إصبعه ليزيح تلك الخصلة المتهدلة على جانب فمها، و تمتم :


-حد قالك قبل كده إنك جميلة ؟ جميلة أوي !


يارا بلهجتها المغناجة :


-ده إنت و الله إللي جميل أووي. Very Handsome بجد. و عنيك ماحصلتش !


سفيان بحبور : بيقولوا وارثها عن أمي و جدي. تقريباً كل إللي شافوه قالولي كده


و هنا تلاشت إبتسامتها، عندما أشار إليه ببضعة كلمات فقط، تملكها ذلك الشعور الخطير، العنيف، الذي لطالما كان كفيلاً بدفعها إلى إرتكاب أي خطيئة أو عمل شيطاني، في سبيل إرضاء ذاتها المجروحة، المذبوحة !!


-ده أنا حتى متسمي على إسمه تصوري !


سمعته و هو يستطرد بهذا الكلام، إغتصبت إبتسامة و هي تقول بصعوبة بالغة :


-جدك كان إسمه سفيان بردو ؟!


إنتفخ صدره و هو يرد عليها متفاخراً :


-آه. سفيان الداغر. إنتي ماسمعتيش عنه معقول ؟ ده كان أكبر بيزنس مان في البلد. شركاته لسا موجودة لحد دلوقتي El Dagher Holding. أمي ورثتها و بتديرها دلوقتي


يارا بإبتسامة متكلفة :


-متهيألي سمعت عنه. من سنين. تقريباً قريت عنه في الجرايد أو حاجة زي كده


سفيان بحزن : ممكن تكوني قريتي عن الحادثة. أصله مات هو أخته و صاحبه مع بعض. ليلة فرح أمي. أخته كانت مخطوبة لصاحبه و المحامي بتاعه. كان أسمه سامح تقريباً على حسب ما أنا فاكر من حكايات أمي. كانوا بيشوفوا البيت إللي هاتسكن فيه وفاء هانم. أخته. محدش عارف إللي حصل ده تم إزاي. بس كان في تسريب غاز و تقريباً حد دخن منهم فالمكان كله إنفجر بيهم !


-آوه ! شيء فظيع فعلاً .. هكذا أبدت "يارا" تعاطفها الزائف إزاء القصة الأليمة


وافقها "سفيان" :


-أمي إتأثرت بموت جدي. كانت بتحبه جداً و كانت بتقولي إنه كان راجل عظيم. عمره ما آذى حد. و كان دايماً بيساعد الناس. حتى في علاقته بيها. كانت بتقولي عمرها ما حست إنه أب. كان بيحسسها إنها أخته .. و ضحك مكملاً :


-أصل جدي كان شقي حبتين. إتجوز في سن صغير أوي. و خلف ماما. كان بينه و بينها فرق مش كبير أوي و إللي كان يشوفهم مايقولش أب و بنته أبداً


-شوقتني أشوف مامتك يا سفيان ! .. قالتها "يارا" بحليمية شديدة


-أكيد ست رقيقة و جميلة


سفيان بجدية : قريب هاجمعكوا ببعض. لازم تتقابلوا كده كده


-أوكي. إتفقنا .. و أمسكت بمقبض الباب قائلة :


-يلا بقى أقولك مع السلامة. عشان تلحق البروڤا بتاعتك !


أوقفها "سفيان" فجأة ممسكاً بذراعها، عبست و هي تنقل نظراتها بين يده و عينيه الملبكتان.. إبتسم لها مطمئناً و إقترب بحذر، مال رأسه قليلاً و لفحت أنفاسه الدافئة بشرتها و عنقها، و في اللحظة التالية شعرت بقبلته الرطبة على خدها ...


-تصبحي على خير ! .. همس مودعاً


كان حاجباها مرفوعان دهشةً، لكنها ردت بصوت طبيعي :


-و إنت من أهله يا سفيان !


و أفلتت من قبضته اللطيفة بسهولة، نزلت من السيارة دون أن تضيف شيئاً آخر... لا تعلم ما الذي حدث لها، ربما ضايقتها قبلته، أو التمثيلية كلها، حين أصبحت واقعية الآن، إشتد الخناق عليها، هكذا فجأة.... و لعل هناك سبباً أخر لا تعلمه !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


أنهت "ميرا" الكأس الرابع الآن، و كانت تمسك بهاتفها محاولة إجراء إتصالاً ما


بينما يقف "عمرو" خلفها، يعمد إلى تهدئتها دون جدوى ...


-يا حبييتي إهدي مش كده !


إنفعلت "ميرا" و هي تتملص منه صارخة :


-سيبني يا عمرو. لازم يعرف. دي وصلتله. ده إللي أنا كنت عاملة حسابه و إنتوا كنتوا هاملين كلامي


عمرو مهدئاً : طيب بالراحة بس. إنتي عرفتي منين إنها تقصد إللي قولتيه ده ؟ يا حبيبتي إنتي ناسية إن إبننا نجم مشهور ؟ كل الناس عارفاه. و ممكن تكون شافته بالصدفة و آ ا ...


-مش صدفة ! .. صاحت "ميرا" بعصبية


-دي مش صدفة يا عمرو. يارا مانسيتش إللي حصلها على إيدينا و مش هاتنسى. عمرها ما هاتنسى. دي راجعة تنتقم. و أنا مش هاقف أتفرج لو وصلت أقتلها هاقتلهـــا


-طيب عشان خاطري هدي أعصابك. هانتصرف. صدقيني هانشوف حل. سفيان إبني. إبني أنا كمان. و لا يمكن أسمح لحاجة وحشة تحصله .. و أمسك بكتفيها مكملاً :


-خليكي واثقة فيا يا ميرا. إطمني. أرجوكي خلينا نتصرف بعقل. دي مش طريقتنا. إنتي فاهماني ؟؟


قطبت بشدة و هي تومئ له، كانت تحارب نزعات الشر بداخلها، في تلك اللحظات تماماً... و هنا آتى صوته، الإبن، سر حياتهم جميعاً، إحدي لعناتهم المتوارثة، إلا إنه أثمن ما لديهم، بلا أدنى شك !


-Good Evening !


وقف "سفيان" عند مقدمة البهو يراقب والديه بنظرات متوجسة، ترك "عمرو" زوجته فور رؤيته، و رد عليه مبتسماً كأن شيئاً لم يكن :


-مساء النور يا حبيبي. تعالى. كنت فين طول النهار واحشني


أقبل "سفيان" عليه قائلاً :


-آسف. كان عندي معاد بس. حضرتك كمان واحشني أوي


-بالمناسبة حبيبي ! .. هتفت "ميرا" من مكانها


نظر "سفيان" نحوها، كانت تبتسم له ببساطة، تناولت المجلة الصباحية و لوحت بها أمام ناظريه قائلة :


-مين دي إللي متصورة معاك على Cover المجلة ؟!


توتر "سفيان" لوهلة، ثم أجابها بلهجة ثابتة :


-حضرتك شوفتيها. كويس أنا كنت هاكلمك عنها أصلاً


ميرا بإبتسامة : هي مين حبيبي ؟! .. و مشت ناحيته بتباطؤ


سفيان بصوت أجش :


-دي واحدة أعرفها من 3 سنين. إتعرفت عليها أكتر اليومين دول.. و بصراحة يا ماما أنا بحبها. و هاتجوزها !


أومأت "ميرا" له و قالت بهدوء :


-Great. طيب مش كنت تبلغني أخبار زي دي ؟

على الأقل أعرف هي مين. إسمها إيه. مش أنا أمك حبيبي ؟


إزداد توتره و هو يخبرها بعصبية مبطنة :


-إسمها يارا شهدي. بيزنس وومن معروفة. كانت متجوزة و عندها بنتين. و عمرها 48 سنة !


-مش مهم كل ده حبيبي. المهم إنت بتحبها ؟


إزدرد ريقه مرتاباً و قال :


-مش فاهم سؤالك !


-سؤالي واضح. أنا مهتمة بيك أكتر و عايزة أعرف بس. إنت بتحبها ؟


رقص بريق الحيرة بعينيه، لكنه أومأ برأسه في الأخير و هو يقول :


-أيوه. بحبها


-خلاص ! .. قالتها بصوتها الناعم


-خلاص إيه !!


-خلاص Go Ahead طبعاً


-يعني إنتي موافقة على الجواز ؟ .. سألها مشككاً


ميرا برحابة : طبعاً حبيبي


-حتى بعد ما عرفتي سنها ؟ دي 48 سنة !


إبتسمت "ميرا" و قالت و هي تربت على خده بلطف :


-أنا أتمنى أشوفك مبسوط و مرتاح. كل إللي بتحلم بيه لازم يحصل.  You My Everything حبيبي. ماعنديش أغلى منك


إبتسم "سفيان" قائلاً بعدم تصديق :


-مش مصدق. إنتي موافقة بجد ؟ يعني بجد ؟!!


ميرا بوداعة : بجد يا عمري. بس لازم أشوفها و أقعد معاها الأول. و أوعدك كل إللي إنت عايزه هايحصل ! ............ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!


❤❤❤

( 6 )


_ حتى الموت ! _


توقفت "يارا" لحظة عن العمل، و كأنها تذكرت شيئاً، و ما لبثت أن أدركت ذلك... أقفلت حاسوبها الخاص مؤقتاً و إستدارت بالكرسي قليلاً، مدت يدها و رفعت سماعة الهاتف من فوق مكتبها الضخم


ثوانٍ و آتاها صوت سكرتيرتها، خلعت عويناتها الأنيقة و هي تتحدث إليها بنبرة تنم عن إرهاقها :


-إسمعي يا سمية. يسرا هاتيجي دلوقتي. مادخليهاش. أنا مش فاضية و محتاجة أركز في الشغل إللي في إيدي. الظرف إللي سيبته معاكي إمبارح في فلوس. إديهملها و أكدي عليها ماتاخدش الباص بتاع الرحلة. أحمد السواق بتاعي مستنيها تحت. لو مش معاها شنطة هدومها يروح يجيبها و بعدين يوصلها بنفسه. مفهوم !


و أغلقت السماعة و هي تطلق نهدة حارة مطولة ...


تناولت كأس المياه البارد أمامها و تجرعته كله دفعة واحدة، أخذت نفساً عميقاً و شرعت بالعودة إلى العمل.. ما كادت تفعل ذلك تماماً حتى دق هاتف المكتب فجأة


تآففت بضيق و ردت مرةً أخرى :


-إيه يا سمية قولتلك إتعاملي معاها. أنا في إيدي شغل


جاء صوت "سمية" معتذراً :


-أنا آسفة حضرتك. بس في حد قدامي حالاً طالب يقابلك !


يارا بغرابة : حد ! طالب يقابلني و دلوقتي ؟! مين إللي عندك يا سمية ؟!!


-هي مدام بتقول إنها صديقة قديمة و عايزة تشوف حضرتك ضروري. إسمها ميرا. ميرا الداغر !


صدمة !!


ربما دامت للحظات، ثم بزغت بعينيها لمعة شيطانية غريبة، و فوراً زال شعور الإرهاق السالف هذا، بدلاً منه أحست بحماسة كبيرة و هي تأمر السكرتيرة بلهجة قوية :


-دخليها حالاً. و مهما حصل محدش يقاطعنا !


قالت ذلك و تآهبت في الحال لتلك اللحظة.. كم إنتظرتها !!!


كم إنتظرت ذلك اليوم الذي سترى فيه مدللة أبيها، قلبه، حبه الوحيد كما كان يصف لها بالأيام الخوالي، ها هو قد تركها وحيدة، بعد أن بصم عليها ذاته، إلا أنها تبقى وحيدة رغم هذا، هي و ولدها العزيز، الحفيد.. الإبن.. نسخة جده المصغرة، إنه لها، مهما حدث لها، لن تتركه حتى يُشفى صدرها، و تنطفئ نيران حسرتها، حسرتها المريرة على طفلها الذي مات قبل أن تبصر عيناه النور ...


سمعت "يارا" صوتها... ثم رأتها، في اللحظة التالية، تلج عبر باب المكتب الجرار، توقفت الأخيرة لبرهة، تنظر لها مطولاً و قد كسا وجهها تعبير مبهم


مشت نحوها بخيلاء، يطرق كعب حذائها الأرض في كل خطوة، بينما تغلق "سمية" باب المكتب على كلتاهما


و توقفت "ميرا" فجأة، أمام "يارا".. لا تفصلهما سوى مسافة قصيرة جداً، إبتسمت لها بوداعة قائلة :


-يارا ! Long Time صحيح.. بس لسا زي ما إنتي. إزيك يا مرات أبويا ؟


بادلتها "يارا" نفس الإبتسامة و هي ترد بصوتها الناعم :


-كويسة أوي الحمدلله. يا بنت الغالي. أهلا بيكي. خطوة عزيزة يا حبيبتي. فيكي الخير و الله يا ميرا. تعرفي لو ماكنتيش جيتي أنا كنت هاجيلك بنفسي !


-القلوب عند بعضها. مش بتتقال كده بردو ؟


-مظبوط يا حبيبتي. لهجتك المصرية إتحسنت كتير عن زمان


-طبعاً.. ما أنا نصي مصري. و خلاص بقى إستقريت هنا. حياتي هنا. شغلي. بيتي. جوزي.. إبنــي !


و شددت على أخر كلمة


يارا مبتسمة برقة :


-طيب تعالي نقعد. مش معقول نفضل واقفين كده. إتفضلي حبيبتي .. و إصطحبتها نحو صالون صغير في الوسط


أجلستها أولاً و قالت :


-تشربي إيه بقى ؟


-Thanks و لا أي حاجة


-لأ إزاي إنتي ضيفتي و أول مرة تزوري شركتي


تطلعت "ميرا" حولها و هي تقول بلهجة تميل إلى الهزأ :


-الزيني جروب. بتاعة البيزنس مان المعروف رؤوف الزيني. الله يرحمه. بقيت بتاعتك دلوقتي يا يارا ! ألف مبروك و الله


يارا بإبتسامة : الله يبارك فيكي يا قلبي. ها بقى تشربي إيه ؟


-صدقيني و لا اي حاجة. أنا جاية عشانك إنتي. بليز أقعدي عايزة أتكلم معاكي شوية


هزت "يارا" كتفيها و قالت :


-as you like حبيبتي !


و جلست مقابلها


-خير يا ترى.. I hear you !


ميرا بنظراتها الثاقبة :


-و أنا مش هاطول عليكي. هما كلمتين. و يمكن سؤال في الأول !


بقيت "يارا" في الإنتظار، و ما زالت محتفظة بإبتسامتها ...


مدت "ميرا" جسمها للأمام قليلاً و قالت و قد إستحالت ملامحها المنفرجة للتجهم الآن :


-إبني.. My Junior سفيان يا يارا. أكيد سمعتي عنه طبعاً !


-طبعاً. ده Super Star. ربنا يفرحك بيه يا حبيبتي صوته جميل و هو أجمل صراحة .. و ضحكت بمرح


عبست "ميرا" بشدة و هي تقول بخشونة :


-إنتي عايزة إيه منه يا يارا ؟ ماشية معاه ليه ؟ مش تستحي طيب.. ده أد إبنك المفروض !


جمدت إبتسامة باردة على ثغرها و هي ترد عليها :


-ما عشان كده. أنا ماشية معاه يا ميرا.. و كويس إن الأخبار بتوصلك. لكن يا ترى بقى عرفتي إنه طلب يتجوزني ؟!


-ده Over My Dead Body. فاهمة يا يارا !!


كانت نظراتها المستوحشة العنيفة تتفرس فيها بقوة، بينما تضحك " يارا" مستطردة :


-مش هاتوصل لكده يا ميرا. صدقيني الموضوع أبسط من كده. و بالراحة على نفسك دي نصيحة. أصل كده كده إللي أنا عايزاه هايحصل فمش هاتسفيدي حاجة من حرقة الدم دي. ممكن تتعبي يا قلبي. و إنتي لسا صغيرة أوي على التعب


ميرا بتحذير : أنا مش هاسمحلك بكده. خليكي واثقة. إنتي ماتعرفيش أنا ممكن أعمل فيكي إيه. لا تكوني فاكرة سفيان الداغر مات. لأ. ده قاعد قدامك أهو ! .. و أشارت لنفسها


-ما هو عشان كده بالظبط على فكرة .. قالتها "يارا" بلهجة تهكمية


-عشان إنتي و إبنك شايلين دمه. و عيني إللي بتيجي في عينكوا كأني ببصله هو.. تخيلي لما إنتقم منكوا هايكون إحساسي إيه ؟ ده أنا كأني إنتقمت منه هو شخصياً !!


هبت "ميرا" واقفة و هي تصيح بحدة شديدة :


-لو قربتي من إبني مش هارحمك. و أحسنلك تبعدي عنه. إنتي مش أدي. أنا ممكن ألففك حوالين نفسك و أخليكي تمشي تكلمي نفسك. بناتك أكيد هايوجعوكي. بلاش تغامري بيهم !


لم تهتز "يارا" لتهديدها، بل إزدادت إبتسامتها إتساعاً، قامت لتواجهها و هي تقول ببرود كبير :


-تصدقي من زمان ماسمعتش تهديدات خطيرة كده. أبوكي الله يجحمه مطرح ما راح. كان أستاذ الصراحة. و كان أحسن منك في الموضوع ده .. و إقتربت منها خطوة و أكملت :


-بس أعتقد إنك مش في وضع يديكي الثقة الجامدة دي في نفسك يا ست أبوكي.. عارفة ليه ؟ عشان أنا مش يارا القديمة. الصحفية الساذجة دي ماتت خلاص. و بفضلكوا إنتي و أبوكي إتولدت واحدة جديدة. واحدة بقت داهية زيكوا. شيطانة و يمكن أكتر


ميرا بسخرية : خوفت أنا كده صح ؟ إسمعي يا آ ...


-إسمعي إنتي يا صغننة ! .. قاطعتها "يارا" بجمود


-أخر حاجة هاقولهالك. أنا مش ناوية أسيبكوا في حالكوا أبداً. حقي كله إللي إتاخد مني زمان هارجعه. هارجعه بأي طريقة حتى لو وصلت للدم. و إبنك إللي فرحانة بيه ده و جاية تهدديني عشان أبعد عنه قسماً بالله. لأحزنك عليه. و جربي تقربي مني أو من بناتي. هادمرلك حياتك. و علاقتك القديمة دي.. إللي كانت بينك و بين چو. يوسف Your Ex. و إللي دبت فيها الروح تاني من سنة تحديداً ...


هربت الدماء من وجه "ميرا" و هي تستمع لهذا الجزء من كلامها، إبتسمت "يارا" بلؤم لمرآى ذلك و أردفت :


-ممكن بـMessage صغيرة أبعتها لزوجك العزيز. فيها صورة بتجمعك بحبيب القلب الأولاني. و معاها عنوان البيت إللي بتتقابلوا فيه.. شوفي ممكن يحصل إيه. ممكن هو يعمل فيكي إيه. مش هو بس. و إبنك كمان !


كانت تزدرد لعابها المرة تلو المرة من شدة التوتر، حتى فرغت "يارا"... تمالكت نفسها بصعوبة، علقت حقيبتها على ذراعها و هي تقول دون أن تحيد عنها :


-شكل في Game جديد هاتبدأ بينا.. بس صدقيني يا يارا. You Never win. و هاتندمي على اليوم إللي حبيتي تظهري فيه تاني في حياتنا.. باي يا مرات أبويا !


و ولّت مدبرة إلى الخارج ...


-باي ياختي و القلب داعيلك ! .. تمتمت "يارا" و هي تراقب رحيلها بإبتسامة عريضة


و هي فعلاً محقة، لقد بدأت مرحلة جديدة، من اللعبة التي لم تنتهي بعد، و ربما لن تنتهي أبداً.. فمن يكف عن الآذى في هذا العالم !! ....... !!!!!!!!!!


تكملة الرواية من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close