رواية في قبضة اللعنات الفصل السابع والتامن والتاسع بقلم مريم غريب
رواية في قبضة اللعنات البارت السابع والتامن والتاسع بقلم مريم غريب
رواية في قبضة اللعنات الفصل السابع والتامن والتاسع بقلم مريم غريب
( 7 ) (8) (9)
_ إبتعد ! _
ها هو قد وصل قبلها، بعد أن تلفنت له و أخبرته بوجوب إلتقائهما فوراً لبحث أمر عاجل، بل أمر خطير
وصل "يوسف" إلى مقرهما السري، عش الغرام الذي إختاره بعيداً عن أنظار الجميع، هنا وسط ضاحية راقية جديدة، لم يتوافد عليها السكان بكثرة بعد
قضى ما يزيد عن الساعة بين الباب و النافذة، ينتظر وصولها، و كلما مر الوقت إزداد قلقه... و لم تكف أصابعه عن النقر على الخشب و الزجاج بعصبية، و أحياناً العبث بخصلات شعره السوداء القصيرة التي خالطها القليل جداً من الشعيرات الرمادية، فهو لم يهرم بعد، ما زال شاباً بلغ قمة نضوجه، و بالكاد يكبرها بعامين
تلك الفتاة التي خلبت لُبه منذ أكثر من عشرون عاماً، كان يريد الإستمتاع معها ثم تركها، لكنه ما لبث أن إكتشف إنجذابه الحقيقي نحوها، سرعان ما وقع بحبها و جمعتهما علاقة رسمية... للآسف لم تدوم طويلاً، فقد فسخ الخطبة بنفسه، بعد أن جاءت و إعترفت له بالخطيئة التي لا تغتفر هنا، أو بالمجتمع الشرقي كله تحديداً
كان يراها نضرة نقية كالأقحوانة الشذية، لكن خاب أمله، عندما علم بأنها ليست عذراء... لم يقبل بذلك، و أبى إلا أن تكون له التجربة الأولى معها، كتفكير كل رجال المجتمع، كان يفكر هو، فتركها على ذلك
ليعود لها الآن، قبل عام واحد إلتقى بها صدفة، بإحدى السهرات التي يقيمها أكابر وسطهم، كانت نظرة بينهما تكفي، ليتجدد لهيب العشق مجدداً، فهما من الواضح قد فشلا في نسيان بعضهما البعض، حقاً لقد مضى كلاهما بطريقه و شكلا حياة خاصة و عائلة... لكنهما لم يكفا عن البحث اليائس، و العيش على الآمال الواهية
إلا أن الآمال قد تحققت، أليس كذلك ؟ بعد أن عادا، لم يعرف و لم تعرف كيف أفضى بهما الأمر إلى هنا.. في النهاية حصل "يوسف" عليها كما تمنى بيوم من الأيام، و هكذا إستقرت رغبة "ميرا" التي أمست كالسهم الحائر
أجل هي الخائنة، و هو كذلك أيضاً، لكن كلاهما لا يجسران على إنهاء الأمر، إنه كالنار المتآججة، تلتهم كل شيء أمامها و لا تخمد حتى تنال من بعضها !!!!
أنتفض "يوسف" مكانه فجأة، حين سمع صوت المفتاح و هو يدور في قفل باب المنزل، إلتفت، ليرى "ميرا" تلج بخطى مضطربة و قد كانت في حالة مزرية، ترتجف و عينيها تفيض بالدمع، دمع غزير !
-ميـــرا ! .. هتف "يوسف" و هو يقطع المسافة بينهما جرياً
ما أن أغلقت الباب حتى شعرت بذراعيه تتلقفانها، أدارها إليه مطوقاً خصرها بذراعه، و بيده الأخرى يزيح شعرها الذي تهدل كله حول وجهها
عبس لمرآى إحمرار عيناها و دموعها التى لا تنقطع، جففها بكفه و هو يقول بجزع :
-مالك يا ميرا ؟ إيه إللي حصل يا حبيبتي قلقتيني ؟ بتعيطي ليه ؟!!!
حاولت أن تتكلم من بين نهنهاتها :
-يـ يو سف. آ أنا. إنت. خلاص. آ.. هي. عرفت !
يوسف بعدم فهم :
-إيه ! هي مين دي ؟ إنتي بتقولي إيه يا ميرا ؟!
بدأ صوت بكائها يعلو، تفاقم الضيق في صدر "يوسف" بشدة، لكنه تمالك نفسه و سحبها نحو الآريكة دون أن يفلتها من حضنه... أخذ يربت عليها بلطف و هو يستطرد من جديد :
-ميرا. ممكن تهدي عشان نعرف نتكلم ؟ أنا مش فاهم منك حاجة. أرجوكي إهدي و فهميني إللي حصل.. بس. بس خلاص بقى. عشان خاطري !
و بالفعل، إستطاعت بمساعدته أن تهدأ قليلاً، إرتدت للخلف و هي تسحب منديلاً ورقياً من حقيبتها، جففت دموعها و مسحت أنفها.. أصبحت مستعدة للكلام، تقريباً ...
-إحنا لازم نسيب بعض يا يوسف ! .. هكذا خرج صوتها خشناً مصمماً
بهت "يوسف" للحظة، ثم قال :
-نعم ! يعني إيه نسيب بعض ؟!
نظرت له و قالت بتصميم أكبر :
-نسيب بعض يعني نسيب بعض. إللي إحنا عملناه من سنة ده ماكنش صح. ممكن نقول كانت نزوة و نعديها و ننسى. أنا متجوزة و عندي ولد. و إنت كمان متجوز و عندك ولاد.. ماينفعش نستمر كده !
-إنتي جاية دلوقتي تقوليلي كده ؟!! .. صاح "يوسف" بإستنكار
-كنتي فين من بدري ؟ دي مش أول مرة. إحنا بنتقابل هنا بقالنا سنة. كل مرة بسمع منك كلمة واحدة بس. بحبك. و أنا كمان بقولهالك. إيه إللي حصل دلوقتي بقى ؟ زهقتي ؟ و لا كرهتيني ؟ و لا إيه بالظبط ؟!!!
كان منفعلاً، حقاً، لدرجة أعجزتها عن إخفاء مشاعرها لأول مرة، فإنفجرت بصوت صارخ :
-ما إنت السبب.. إنت إللي عملت فينا كده. إنت إللي سيبتني. ليــه ؟ أنا حبيتك. و وثقت فيك رغم إللي كنت بتعمله في البداية. و دلوقتي بقيت واثقة فيك أكتر. رغم إللي عملته زمان. لما سبتني عشان حاجة ماليش ذنب فيها
يوسف بإنفعال أشد :
-و إنتي ماتكلمتيش ساعتها ليه ؟ لما قولتيلي إني مش أول واحد في حياتك كدبتي عليا ليه ؟ ليه ماقولتيش إن الحيوان صاحب أبوكي هو إللي إغتصبك ؟ جاية تقوليلي بعد 20 سنة و زيادة ؟؟!!!
ميرا ببكاء حاد :
-لو كنت قولتلك كنت هاتعمل إيه ؟ كنت هاتفضل معايا ؟ ده إنت أول ما عرفت مشيت. مشيت و مابصتش وراك حتى. ده إللي كان هايفرق معاك ؟ إذا كنت أنا مافرقتش. سبتني و أنا محتاجالك. و عمرو هو إللي وقف جمبي. و للآسف حبني. لكن أنا عملت إيه ؟ خنته. أنا خنته ... و إختنق صوتها بالدموع
غطت وجهها بكفيها و إزداد نحبيها حرارةً، بينما زفر "يوسف" بقوة، إستغرقه الأمر دقائق حتى إستطاع السيطرة على نفسه من جديد
نظر لها، و إمتد يداه فشدها إلى صدره رغم مقاومتها الركيكة، ثم قال بهدوء :
-أنا آسف.. أنا غلطان. فعلاً. حقك عليا. يمكن عشان كنت لسا صغير ماعرفتش أقدر الأمور كويس. بس أنا دلوقتي بحاول أعوضك يا ميرا. و إنتي عايزة تسبيني ؟ ده أنا ما حبيتش غيرك و ما صدقت رجعتيلي تاني !
غمغمت و هي تدفن رأسها أعمق في صدره :
-لازم أسيبك. إنت آه حبيبي. و غالي على قلبي.. بس هو كمان حبيبي و يمكن أغلى منك يا چو
-هو مين ده ؟! .. سألها مزمجراً
-عمرو ؟
رفعت وجهها في هذه اللحظة و قالت بينما لا زالت دموعها تنهمر في هدوء :
-لأ. مش عمرو.. سفيان. إبني !
عمرو بتوجس : هو عرف حاجة ؟
هزت رأسها نفياً و ردت :
-مش هو.. هي
-هي مين ؟؟!!
صمتت "ميرا" لبرهة، ثم قالت بمنتهى الثبات :
-يارا.. أمه ! ...... !!!!!!!!!!!!!!
❤❤❤
( 8 )
_ شبح ! _
وقفت "يارا" وسط مدخل منزلها، تودع إبنتيها راسمة على ثغرها إبتسامتها الحنونة ...
-مش هاوصيكي تاني يا يسرا ! .. قالتها بلهجة محذرة
-خدي بالك من نفسك. و إوعي تفترقي عن جروب المدرسة. و نوم بدري و صحيان بدري و مش عايزة إختلاط بأي ولد. سمعتي ؟
يسرا بإبتسامة : حاضر يا مامي. ماتقلقيش يا حبيبتي
نقلت "يارا" ناظريها نحو "يمنى" مستطردة بنفس اللهجة :
-و إنتي يا ست يمنى. هاتروحي تقضي اليومين بتوعك عند جدتك. عايزاكي تبقي ضيفة خفيفة و تهتمي بيها. إوعي تضايقيها
يمنى بصوتها الرقيق :
-إطمني يا مامي. هي دي أول مرة أروح أقعد عند تيتة ؟
أومأت "يارا" رأسها و هي تطلق نهدة عميقة، إبتسمت من جديد و قالت و هي تنصرف لمعانقة الإثنتين :
-هاتوحشوني أوي. ماتتأخروش عليا يا حبايبي. و ماتنسوش تكلموني. كل يوم تكلموني !
و إنتهت لحظات الوداع على ذلك، و أصبحت "يارا" بالبيت كله بمفردها، بعد أن غادرت الخادمة أيضاً لقضاء عطلة خاصة خارج البلاد، كانت تلك فرصتها، خلال غياب الإبنتين لمدة، فهي هنا في الأساس من أجلهما
إنتقلت "يارا" إلى غرفة الطعام، أرادت أن تأكل شيئاً من العشاء الذي تركته "هيلجا" لها قبل أن تذهب، وضعت هاتفها الخلوي أمامها، كأنما تنتظر أن يطرأ عليه تغيير... و بالفعل
بعد قليل أضأت الشاشة فجأة معلنة وصول إتصالاً، فإبتسمت فوراً، تركت أدوات الطعام من يدها و إلتقطت الهاتف، إنتظرت حتى إزدردت قطعة اللحم التي تلوكها بين أضراسها... ضغطت زر الإجابة و تلقت المكالمة :
-ألـو ! .. كانت شديدة الهدوء، أو البرود
أتاها صوته الثائر في الحال :
-ممكن أفهم مابترديش عليا ليه ؟ و إيه معنى الـMessage إللي جاتلي دي ؟؟؟ مابترديش ليه ؟؟ إتكلمــي !!!
تعمدت "يارا" الصمت لفترة، ثم قالت :
-عمري ما هارد عليك و إنت بتكلمني بالإسلوب ده يا سفيان !
-عايزاني أكلمك إزاي ؟ هه ؟ لما إتصل بيكي أكتر من 50 مرة و ماترديش. و في الآخر تبعتيلي Message "سوري.. مش هاينفع نكمل" إيه إللي هو إيه ده يعني ؟ إنتي بتلعبي بيا يا يارا
-إسمعني يا سفيان. أنا سبق و قولتلك إني مش عيلة صغيرة من دورك. آه معجبة بيك و يمكن ببادلك نفس شعورك ناحيتي. بس لو كانت المشاعر دي هاتحط من كرامتي فبلاش منها أصلاً
-إيه إللي إنتي بتقوليه ده ؟ أنا مش فاهم حاجة حد مس كرامتك دلوقتي ؟
قاومت "يارا" إبتسامتها الجذلى، حتى لا تظهر في صوتها و لكي يتسنى لها إتقان دور الشهيدة في سبيل الحب، و قالت :
-لما مامتك تيجي تهددني ببناتي عشان أبعد عنك.. عايزني أعمل إيه ؟ لما تهيني و تغلط فيا و في أخلاقي. عايزني أعمل إيه ؟ إللي عملته معاك كان طبيعي جداً يا سفيان و آ ا ..
-أمي أنا جاتلك ! .. قاطعها بهذا السؤال المدهوش
يارا بنبرة باكية :
-أيوه جت. هددتني و مشيت انهاردة الصبح. يا أيعد عنك يا تأذيني و تأذي بناتي. إنت صحيح الحب إللي عشت طول عمري أدور عليه. لكن كله إلا بناتي يا سفيان. مش هسمح لحاجة تمسهم. و لو كان حبي ليك في ضرر ليهم يبقى هانبعد.. هانبعد و ده أخر كلام يا سفيان. ياريت تمسح رقمي بقى و تنساني خالص. مع السلامة يا سفيان !
و أغقلت بسرعة قبل أن تسمع رده
أفلتت ضحكتها الصاخبة و هي ترمي بالهاتف أمامها، رفعت كفها و أخذت تجفف الدمعات البسيطة التي إصطنعتها بمهارة منقطعة النظير، و تمتمت لنفسها :
-مستنياك. مستنياك يا صغنن يا روح أمك .. وحياتك لتشوف إنت و أمك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان الزوجين يجلسان على شرفة المنزل المطلة على الحديقة مباشرةً، عندما وصل الإبن و إقتحم خلوتهما فجأة ...
-أهلاً بالـJunior بتاعنا ! .. هتف الأب المزعوم "عمرو"
كانت الإبتسامة تملأ وجهه، وضع فنجان الشاي فوق الطاولة و قام ليرحب بعودة الإبن المبكرة على غير العادة ...
-مش معقول راجع بدري !! .. و فتح ذراعيه بنية عناقه
إلا أن الأخير جمده مكانه موجهاً كلماته المقتضبة لأمه... المزعومة أيضاً :
-ماما ! صحيح حضرتك روحتي تقابلي يارا إنهاردة ؟؟
تطلعت "ميرا" إليه، تصنعت البرود و هي تسأله :
-يارا مين حبيبي ؟!
تمالك "سفيان" نفسه أمام إسلوبها الإستفزازي و رد بصوت أجش :
-يارا شهدي إللي حكيتلك عنها.. إللي قولتلك إني عايز أتجوزها !
كان "عمرو" واقفاً يراقب ما يجري في صمت، بينما أجابت "ميرا" و هي تقف على قدميها لتصبح في مواجهته :
-أيوه يا حبيبي روحتلها !
هكذا شاهد "سفيان" لمعة التحدي بعينها و أدرك الحقيقة التي خبأتها عنه خلف ستار السخرية و المجاراة بالمرة السابقة... لم تنتظر "ميرا" أن يطرح سؤالاً آخر و أردفت بصرامة :
-روحتلها عشان أحذرها.. يا تبعد عنك. يا أكيد هاتكون خسرانة
إحتقن وجهه بالدماء و هو يرد عليها منفعلاً :
-إنتي كده بتعامليني كأني طفل ؟ بتصغريني قدامها ؟ كنتي بتاخديني على أد عقلي ؟ بس تعرفي.. كل إللي عملتيه ده و لا يفرق معايا. و لما قولتلك إني هاتجوزها ده ماكنش هزار أو إي كلام. أنا هاتجوزها يا ماما. و إللي عندك أعمليه من الأخر
ضربت "ميرا" الطاولة الصغيرة بقدمها و إمتدت يديها نحوه، قربته ممسكة إياه من ياقتي قميصه و هي تهتف من بين أسنانها :
-لو كنت صغير شوية و قلت الكلام ده كان هايبقى أخرك معايا عقاب من بتوع زمان.. إنما إنت راجل دلوقتي. تفتكر لما أسمعك بتقول كلام زي ده أتصرف معاك إزاي !!!
سفيان بحدة : إعملي إللي تعمليه قولتلك. مش هاتتحكمي فيا تاني. كفاية عليكي كده .. و أكمل هازئاً بها :
-ده إنتي عمرك ما حسستيني إني إبنك.. زي ما أكون عبد. بتمشيني حسب رغباتك. و دايماً أحاول أقنع نفسي إنك أمي و خايفة عليا. إنتي عايشة عشان تبوظيلي حياتي. مافيش حاجة واحدة سامحالي أعملها منغير ما تكون ليكي يد فيها. كأن حياتي دي ملكك مش ملكي
إنعقد حاجبيها بشدة و هي تستمع إليه، ما أن فرغ حتى صاحت فيه بغضب :
-كل ده عشان بحاول أحميك و أحافظ عليك ؟ بتلومني عشان خايفة عليك و بحبك ؟ إنت غبي.. إنت ماتعرفش الست دي. دي بتضحك عليك. و هاتعمل فيك زي ما عملت في جوزها. سرقته و موتته بحسرته. خدت منه كل حاجة. معقول إنت يتعمل فيك كده و مش هامك. و لا لسا ماشوفتهاش على حقيقتها ؟ مستني لما تغدر بيك عشان تتأكد ؟ بس أنا مش هاسمح لا ليك و لا ليها بكده. سامعنـي ؟!!!
-خلاص يا ميرا من فضلك ! .. كان هذا صوت "عمرو"
جاء من خلفها و أبعدها بحزم عن الإبن الثائر ...
كان لهاث الغضب يتسرب من بين شفاهها، بين أخذ "سفيان" يعدل هندام ثيابه التي شعثتها أيدي الأم
لم ينقطع إتصالهما البصري، حتى قال مشيراً بسبباته :
-أنا هاعمل إللي أنا عايزه.. و وريني هاتمنعيني إزاي المرة دي !
و إستدار مغادراً المنزل كله ...
-إهدي. إهدي خلاص يا حبيبتي ! .. قالها "عمرو" محاولاً تهدئة "ميرا" التي لا تنفك عن التملص منه
ميرا بعصبية : سيبني يا عمرو. ده مجنون. ده مش فاهم حاجة. و الزفتة يارا دي أنا مش هاسيبها. هي السبب. هي السبب. كان لازم تموت من زمان. ده إللي كنت عاملة حسابه !!
عمرو بجدية : خلاص. خلاص قولتلك هانتصرف. صدقيني مافيش حاجة هاتحصل.. أنا هاتصرف. بس إهدي
-لازم يرجع الليلة دي. لازم كل حاجة تخلص الليلة دي
ضمها "عمرو" إلى صدره بقوة، و همس لها واعداً :
-كل حاجة هاتخلص الليلة دي .. إطمني !
و كأنه يعلم شيئاً لا تعلمه ....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت تستعد للنوم... أجل، فهي تعلمت تلك الإستعدادت منذ زمن، و من الذي علمها ؟ و ماذا علمها ؟ من يكون غيره ؟ إنه هو بالطبع.. زوجها المجرم، القاتل، الذي أنقذها القدر منه بمعجزة
قديماً كانت رمزاً للبراءة، في أصغر تفاصيلها، حتى في نومها، كانت كالأطفال، حتى ظهر في حياتها، تذكر جملته المأثورة التي إستحسنتها بطريقة ما... و هي بمعني إن المرأة يجب أن تكون إمرأة حتى لو كانت في فراشها تستعد للنوم، يجب أن تكون إمرأة من رأسها لأخمص قدميها
و لعل هذه النصيحة من ضمن نصائح كثيرة أخذتها عنه، تعمل بها بإتقان... فها هي قد إرتدت ثوب نومها الأسود المثير، تركت شعرها الحريري الذي يكاد يلامس چيدها مسدلاً، رطبت وجهها و جسمها بأفخم المنتجات التجميلية، و أخيراً تعطرت بعطرها المفضل "Black Diamond" المثير جداً
و الآن أصبحت مستعدة للنوم، قامت من أمام المرآة و إلتفتت قاصدة بخطاها الوئيدة فراشها... لتسمع جرس الباب في هذه اللحظة، الباب الرئيسي هكذا فجأة، و في هذه الساعة !
بالنسبة لها لم يكن هناك مجالاً للتخمين، هي تعرف جيداً من الذي يود زيارتها الآن.. إبتسمت و هي تتجه نحو الخارج، وصلت عند لوحة ( الإنتركم ) و ضغطت زر الإتصال ....
-مين ! .. خرج السؤال المعابث من فمها و هي تنظر فعلياً إلى الشاشة الموصولة بالكاميرا الخارجية
كان يقف هناك كما توقعت، و سمعت صوته في اللحظة التالية :
-إفتحي يا يارا. أنا سفيان .. كانت لهجته قوية، كما بدا مصمماً على شيئاً ما
-إنت إيه إللي جابك هنا دلوقتي يا سفيان ؟ إيه إللي جابك أصلاً إحنا مش إتفقنا على كل حاجة ؟ أرجوك إمشي أنا مش ناقصة فضايح كفاية إللي مامتك عملته
-بقولك إفتحي يا يارا. إفتحي لو مش عايزة فضايح بجد !
إتسعت إبتسامتها أكثر و منعت ضحكة من الإفلات بصعوبة كبيرة، بينما ظن الأخير أنه أغضبها بكلامه، فعاد يقول بنبرة أكثر لطفاً :
-يارا أنا آسف. أرجوكي إفتحي. أنا محتاج أتكلم معاكي.. إفتحيلي من فضلك !
فكرت "يارا" للحظات، تنهدت و هي تهز كتفيها بإستسلام، رفعت إصبعها عن ( الإنتركم ) و أغلقت الشاشة الصغيرة، ثم ذهبت لتفتح له
عبر وحده البوابة التي تعمل إلكترونياً، ولج إليها فوجدها تقف خلف باب المنزل من الداخل، لوهلة حبس أنفاسه حين رآها هكذا،في ذلك الثوب الذي لا يستر بقدر ما يكشف، حاول ألا يهتم بهذا على الأقل الآن
لم ينتظر سماحها له بالدخول، دفعها للداخل و هو يلج مغلقاً الباب من خلفه ...
-إنت مجنون على فكرة !
نظر لها بعد هذه الجملة، ليرى الغضب واضحاً عليها ..
-ممكن تفهمني إيه إللي بيحصل ؟ و سيادتك جاي ليه في ساعة زي دي ؟!!
إزدرد ريقه بتوتر و رغماً عنه راح يشملها بنظرات فاحصة لا تخلو من الإعجاب، و قال بهدوء :
-إنتي هنا لوحدك ؟
زمت "يارا" شفتيها و كتفت ذراعيها قائلة بلهجة تنم عن صبر نافذ :
-أيوه لوحدي. خير بقى ؟ مهما كان إللي جابك كنت تقدر تستنى لحد الصبح ؟ إيه إللي حصل أنا قافلة معاك من ساعة !!
-يارا إحنا لازم نتجوز في أسرع وقت !
-نعم ! قلت إيه ؟! .. هتفت بإستنكار
كرر "سفيان" بحزم :
-بقولك نتجوز. و بسرعة !
قهقهت "يارا" قائلة :
-إنت أكيد بتهزر .. و إستدارت ماضية إلى الصالون
رمت بنفسها فوق آريكة مبطنة بالقطيفة الزرقاء، تبعها "سفيان" قائلاً بحنق :
-مابهزرش. أنا مش عارف إيه إللي بيضحك في كلامي ؟ مش على أساس متفقين أصلاً ؟!!
إستندت "يارا" على مرفقيها و هي ترد عليه بحدة :
-بعد إللي عملته مامتك إنسى أي إتفاق بينا !
سفيان بجمود : أنا ماليش دعوة بأمي دلوقتي. و إنتي إللي تنسي أي حاجة قالتهالك بخصوصي. أنا دلوقتي إللي واقف قدامك و بكلمك. و بقولك هانتجوز يا يارا
-بس آ ..
-مابسش ! .. قاطعها بغضب شديد
صمتت و بقت تنظر إليه فقط... زفر بقوة و حاول السيطرة على أعصابه مجدداً، و بالفعل سرعان ما هدأ قليلاً، إقترب منها ببطء و هو يقول بصوته العذب :
-يارا. أنا بحبك. إنتي فاهماني ؟ .. و ركع أمامها
وجهه مقابل وجهها
هزت "يارا" رأسها متصنعة الحيرة و قالت :
-مش عارفة يا سفيان. أنا طول عمري ست عايشة في حالي. مابحتكش بأي حد. حتى بعد ما جوزي مات فضلت عايشة لبناتي. مش عايزة مشاكل أنا !
و هنا قبض على يديها، رفعهما إلى فمه و أنهال عليهما تقبيلاً و هو يقول :
-أنا مش هاعملك أي مشاكل. أوعدك.. بس أرجوكي خليكي جمبي. أنا محتاجلك. عمري ما كنت محتاج لواحدة في حياتي أد ما أنا محتاجلك دلوقتي. أرجوكي خليكي معايا !
هذا الإحتكاك ربما يولد حرارة !
إنها تشعر بالسخونة على أي حال، و أصبحت بشرتها الناصعة مضرجة بالدماء الآن، إثر ما يفعله هذا الشاب و ما به من حماس يذكرها بأحدهم !!
تبخرت حساباتها في هذه اللحظات، عندما صعدت قبلاته على ذراعيه و صدرها المكشوف... ضاع كل شيء، مؤقتاً، فما هي إلا إمرأة أولاً و أخيراً.. و فجأة و من دون أن تشعر، وجدت نفسها تتجاوب معه و تبادله مشاعره الحارة بمثلها
يا للبؤس، يا للعار !!!
و لو أن ذلك دام أكثر قليلاً، إنما ليس في وجوده... مستحيل !
و بينما هما منغمسان في تلك اللحظات التي لا تسمن و لا تغني من جوع مهما كان حجم و قدر الوليمة المقدمة، توقف كل شيء فجأة، عندما تحطم باب المنزل بدفعة واحدة شديدة العنف
إنتفضا الإثنين معاً و طارت نظراتهما نحو مكان الباب المخلوع، و من بين الغبار المتناثر في الهواء ظهر جسماً ضخماً، و برز وجهاً رغم هرمه لم يعفي عليه الدهر
كل هذا و لم تتحرك "يارا" قيد أنملة، فقط إشتبكت عيناها بعيني الغريب ... غريب !!!
هل هذا حقاً غريب ؟! مستحيل، بل هذا شبح، لا يمكن أن يكون غير ذلك !!!!
-إيه ده إنت مين ؟ و إزاي تدخل البيت كده ؟! .. هكذا صاح "سفيان" و هو يقوم من مكانه ليواجه المقتحم بشجاعة
كان يقف حائلاً بينه و بين "يارا"... فمد الأخير رأسه لينظر لها، رأت إبتسامته الخبيثة المألوفة، فأرتعدت مذعورة، بينما يخرج صوته الذي قطع شكها تماماً و هو يخاطبها :
-إيه يا قلبي.. أوام كده و على الحامي ؟ جرالك إيه ؟ هتنامي مع إبنك ؟!
جحظت عينيها من شدة الهول الماثل أمامها، و نطق لسانها لا شعورياً :
- سفيـان !
و لم ترى شيئاً بعد ذلك... إبتلعتها الظلمة لأول مرة منذ أكثر من عشرون عاماً !!!! .............. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
❤❤❤
( 9 )
_ كذبة ! _
طالت مدة مكوثه بالمرحاض، منذ أن تم نقله من بيت "يارا" بالقوة الجبرية مع ثلاثة من رجال الحراسة الأشداء... "يارا"
أليست حبيبته ؟.. بل أمه.. أمه !!!!
حتى هذه اللحظة لم يكف عنه شعور الغثيان و القيئ الشديد، بعد أن فرغت معدته تماماً، يكاد يتقيأ قلبه لو صح هذا... فبالطبع
تلك فجيعة، كابوس، شيء يقود إلى الجنون الحتمي، كيف يعقل أن تكون "يارا" أمه ؟ و ذلك الرجل الغريب الذي يدّعي أنه أبيه !!!!!
إذن من تكون "ميرا" بالنسبة له ؟ و "عمرو" ؟ أليسا والديه ؟ و هو... هل حقاً كاد يزني بأمه ؟؟؟؟ كان سيرتكب هذا الجرم معها ؟؟؟؟ و هي.. هل كانت تعلم أم لا ؟؟؟!!!
-هو الولد ماله يا عمرو ؟ حد عمله حاجة ؟ أطلب دكتور طيب !
-ماتقلقيش يا حبيبتي هايبقى كويس. تعالي هنا بس !
كان "سفيان"... الإبن، يستمع إلى الحديث الدائر بالخارج و هو لا يزال على حالته المزرية، الدموع تفيض من عيناه بلا إنقطاع، و إنما من غير بكاء.. لكن الأم المزيفة أبت إلا أن تقتحم خلوته هذه و تركض إليه لتأخذه بحضنها مغمغمة من بين دموعها :
-حبيبي. إنت كويس يا قلبي ؟ بليز رد عليا. حد عملك حاجة ؟ حاسس بإيه يابني ؟؟!!
-إخرســــي ! .. جأر "سفيان" بصوت خشن غير مألوف له بالمرة
وثب قائماً و هو يدفعها بعيداً عنه كما لو أنها جرثومة وبائية، كان وجهه محتقناً بالدماء و الشعيرات الدموية بعينيه تكاد تنفجر من شدة الضغط النفسي و العصبي، كان شعره مشعثاً و جسده يرتجف من الغضب الذي يملأه
ظلت نظراته الفتاكة متصلة بنظرات "ميرا" المشدوهة، بينما كان "عمرو" قد وصل إليها في هذه اللحظات، وبخ "سفيان" على تصرفه لكن لا هو و لا الزوجة المصدومة إستمعا إلى كلماته
و ما لبثت العبارات تخرج من فم "سفيان" كالقنابل :
-إنتي لسا هاتكدبي عليا ؟ أنا إبنك ؟؟؟ لأ طبعاً مش إبنك. كنت حاسس.. بس إللي عايز أعرفه. إللي لازم تقوليه دلوقتي. أنا إبن مين ؟ هه ؟ ردي عليا أنا إبـن ميــــن ؟؟؟؟؟
-إيه إللي إنت بتقوله ده ؟!! .. صرخت "ميرا" فيه
قامت هي الأخرى بمساعدة "عمرو"، تركته و إقتربت من الإبن و هي تستطرد بإنفعال جم :
-إنت إبني أنا طبعاً. مين قال غير كده ؟ و إيه إللي إنت حاسس بيه ؟ إنت إبني أنا يا سفيان سـامع ؟ أنا إللي ربيتك و حبيتك و كبرتك و إديتلك عمري كله. أنا إللي خليتك أول إهتماماتي. خليتك إبني الوحيد. إكتفيت بيك. إنت بس. إنت إبني. أنا أمك. أنا أمــك !!
و كانت تستخدم سبابتها في الإشارة له و لنفسها ..
فرغت، و بقى الأخير يحدق فيها صامتاً، على الطرف الآخر هناك "عمرو" يقف وراء زوجته واجماً، كأن تصريحاتها التي يعرفها و يسرّها في نفسه مخافة هدم حياتهما أذهلته، كانت لها معاني مختلفة تماماً حين نطقتها منذ لحظات.. هكذا أكدت له بمنتهى البساطة أنه لا شيء بالنسبة لها، وجوده مجرد وسيلة للغاية الأسمى بنظرها، و لم تكن الغاية يوماً سوى "سفيان".. و "سفيان" وحده !
-يارا تبقى أمي ؟! .. قالها "سفيان" بصيغة السؤال و كان نوعاً ما هادئاً
ميرا بغضب شديد :
-قولتلك مالكش أم غيري. يارا مين دي إللي بتقول عليها أمك ؟ دي ست حقيرة. و ×××××. لسا مش واخد بالك ؟؟!!!
أردف "سفيان" على نفس النحو الهادئ :
-و سفيان الداغر.. الكبير. أبوكي.. يبقى أبويا أنا كمان.. يعني إنتي أختي. مش أمي !!!
ميرا بعصبية : قولتلك أنا أمك. أنا بس إللي أمك.. و أمسكت بتلابيبه
-إوعى تكرر الكلام ده تاني فاهمني !!
رمقها "سفيان" بنظرة مستنكرة لا تخلو التنفر، ثم دفعها عنه مرةً أخرى و إستدار ماضياً للخارج، خارج الغرفة و خارج المنزل من جديد
بينما تركض خلفه محاولة عبثاً إبقائه و إستعادته إليها، إلا أنها لم تجد "عمرو" بجوارها يؤازرها كما في كل مرة ....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كما إنزلقت الفكرة الصادمة مع وعيها قبل مدة لا تعرف حسابها، قفزت بعقلها من جديد، حين بدأت تفيق من إغماءتها... في تلك الأثناء حاولت إقناع نفسها أن هذا كان كابوساً ليس إلا، فتلك النوعية من الكوابيس ليست غريبة عليها
حاولت تأكيد ذلك بأكثر من طريقة، فهذا مستحيل، أن يعود الميت إلى الحياة... هذه تخاريف بيّنة، بالطبع لم يحدث هذا، و لم يأتي لها "سفيان" الشاب، كانت تحلم، فهي كانت ذاهبة للنوم أصلاً، لقد خلدت إلى فراشها.. أجل. مئة بالمئة، لقد حدث ذلك !
-إنتي مابتحلميش على فكرة.. و لا إتجننتي. إنتي عاقلة جداً.. إطمني يا قلبي !!
إحتبست أنفاسها لا شعورياً، لدى سماعها هذا الصوت !
خافت، خافت كثيراً لو فتحت عينيها يتحقق الكابوس و تراه.. تراه مجدداً، ترى عذابها مجدداً، جحيمها، الشيطان، زوجها الأول، و الرجل الأول بحياتها، و الأبشع من ذلك لو تأكدت من إشارته السالفة لحقيقة بنوة "سفيان" الشاب لها... مستحيل، طفلها مات، منذ سنوات طوال، لم تكتحل عيناها به قط، لا بطفولته، و لا صباه، و لا مطلع شبابه.. "ميرا" التي فعلت، أنجبت و عاشت في سعادة لم تذقها "يارا" أبداً و كان لابد من معاقبتها على ذلك، هي و إبنها !!!
-مش إبني ! .. صرخت "يارا" و هي تقفز نصف جالسة فوق هذا الفراش الوثير
هكذا إستيقظت فجأة و تماماً، جمد كل شيء لبرهة، بقيت كما هي، منكسة الرأس، فمازالت متوجسة... حتي تشجعت قليلاً، و رفعت أنظارها شيئاً فشيء
عودة بالزمن ثلاثة و عشرون عاماً، هل عادت ؟ أم أن هذا المكان لا يزال كما هو ؟!!
إنها غرفتها، غرفته.. الغرفة التي شهدت نصف معاناة حياتها، إنه بيت آل"داغر"، مستحيل !!!!
-مستحيل ! .. تمتمت بخفوت و هي تهز رأسها للجانبين
-إيه هو المستحيل يا عمري ؟
إلتفتت إلى هذا السؤال، إلى الشخص الذي طرحه.. كان يجلس هناك، فوق كرسي على مقربة منها، بجواره أضأ مصباح الكومود و ألقى نوره على وجهه المسترخ الباسم
كان كما هو، لم يتغير و لم يغير فيه الزمن شيئاً، إلا شعره الأشيب فقط، و القليل من التجاعيد التي أحاطت عينيه الحادتين و صدغيه ...
كان هو بشحمه و لحمه، مهيباً، وسيماً، خطيراً.. و مجدداً عادت تنصهر في حضوره !
-أهلاً يا حبيبتي ! .. قالها "سفيان"... الأب، مبتسماً بوداعة
مد جسمه قليلاً للأمام و هو يتابع بهدوء :
-وحشتيني يا يارا.. ياااه. 23 سنة. بس لسا زي ما إنتي. أجمل فرسة إمتلكتها في حياتي
-إنت مين ؟؟؟ .. زمجرت متسائلة
عقد حاجبيه قائلاً :
-أنا مين ؟ مش معقول تكون نسيتي. مهما حصل. مش معقول تنسي جوزك. أبو إبنك .. و إبتسم بلؤم
يارا بغضب : جوزي و إبني ماتوا من زمان !
فإنفجر ضاحكاً و هو يقول :
-و حياتك عندي ما كنت خايف إلا من ذكائك الخارق ده. ماكنش هاين عليا أسيبك ! .. و كف عن الضحك بسهولة مكملاً بإبتسامة :
-بس رغم كل إللي حصل.. أنا فخور بيكي جداً يا قلبي. حقيقي كيفتيني
شعرت بتلف أعصابها فلم تحتمل أكثر و تحركت لتقوم من الفراش، لكنه جاء فجأة، بلحظة وجدته بجوارها مطوقاً خصرها بذراعه و مقيداً حركتها ...
أخذت تصرخ فيه ليتركها و لكن من دون جدوى طبعاً، بينما كان مستمتعاً بتكرار اللعبة القديمة و هو يقول بضحك :
-بس بس.. إهدي يا حبيبتي. ليه العصبية دي ؟ ماحصلش حاجة. أنا رجعتلك تاني. و إبنك عايش. إبنك عايش يا يارا !
-إبنـي مــات ! .. صرخت بعنف
-إبني مـات و أنا بولده. ده حفيدك إنت. لو كان إبني كنت حسيت بيه. ماكنتش هافكر يبقى في بينا حاجة زي كده. و هو كمان مستحيل يفكر في أمه كـده !!
بقيت إبتسامته كما هي، و فوراً بدأ يحكى لها كل شيء ...
Flash back ...
أخذ "سفيان" الخاتم و وضعه جانباً فوق الطاولة ، ثم دفع لإبنته بورقة و هو يقول بصوت قوي :
-عايزك توقعيلي علي الورقة دي بقي !
نظرت إليه أولاً ثم للورقة التي دفعها لها و قالت :
-إيه الورقة دي ؟
سفيان بجدية : ده عقد جوازك . مش عايز مخلوق يعرف عنه حاجة. نهائي حتى عمتك وفاء لحد ما يجي الوقت المناسب
-إزاي هتجوز واحد عمري ما شوفته ؟ و ليه إنت عملت كل ده ؟؟؟
نظر "سفيان" لها محتفظاً بغموضه، فهو لم يحكي لها الأمور تفصيلياً ، قال بحزم :
-الولد شاب و وسيم إطمني. و فوق كل ده متعلم كويس و أبوه راجل مهم في البلد يعني مش هرميكي في أي حتة و السلام
هزت رأسها و هي تقول بحيرة :
-طيب فهمني بليز . ليه ؟
سفيان ببرود : منغير ليه. إنتي تسمعي كلامي من سكات أنا مش هضرك. و عموما أنا إشترط عليه حاجات كتير من ضمنهم إن إبنه يسيبك براحتك لحد ما تاخدي عليه و هما حاطين في إعتبارهم إنك لسا صغيرة. إطمني أنا مرتبلك كل حاجة
تنهدت "ميرا" بيأس و قالت :
-طيب عقد الجواز ده مظبوط و لا إيه ؟
سفيان : طبعا مظبوط. ده على إيد مأذون و إتنين شهود كمان. مش فاضل غير إمضتك .. ثم ناولها قلم و قال آمراً :
-وقعي يلا
نظرت له بتردد، لكنها أخذت القلم بالنهاية و خطت إمضتها على الورقة بتمهل ..
-تمام ! .. تمتم "سفيان" و هو يسحب الورقة من تحت يدها
جمع بضعة أوراق أخرى في ملف و أعطاه لأبنته مستطرداً :
-الورق ده نسخ لأصول أنا حطتهم في خزنة البنك . تخليه معاكي هو و قسيمة جوازك. و في الوقت المناسب تطلعيه
إبتلعت ريقها بصعوبة و قالت بتوجس :
-إنت بتعمل كل ده ليه ؟ على فكرة إنت بترعبني !
سفيان بتحذير قوي :
-إوعي . إوعي تتهزي أو تخافي من أي حاجة مهما حصل. إنتي صغيرة أه بس إنتي بنتي. فاهمة يعني إيه يا ميرا ؟!
..................
ميرا هانم ! الهدية وصلت .. قالها النائب و هو يقترب منها و في يده السرير النقال الخاص بالأطفال حديثي الولادة
تهللت أساريرها و هي ترد بسعادة :
-دياب .. Thanks . رغم إني إستنينك كتير !
مد لها السرير النقال و هو يعتذر بلطف :
-أنا آسف على التأخير . لحد ما جبت الطفل البديل و وضبت أموري و قدرت أطلع بيه من المستشفى منغير ما حد يحس
أزاحت "ميرا" الأغطية الكثيرة عن الرضيع و قبضت عليه بتلهف و هي تقول :
-baby . Welcome home .. إنت في آمان دلوقتي. إنت معايا يا سفيان !
و ضمته إلى صدرها بحب جارف ...
قام "عمرو" من مكانه و إقترب منها، طوق كتفيها بذراعه و هو يقول بنعومة مداعباً خد الصغير بإصبعه :
-سفيان.. و الأم ميرا !
ميرا و هي تتأمل ملامح أخيها، و الذي أصبح إبنها أيضا إبتداء من اليوم :
-و الأب عمرو !
كانت ملامحه كلها ، كناية ، بل إستنساخ دقيق لملامح والدها ... إحتضنت الطفل بلطف و هي تتمتم بتملك واضح :
-إنت بتاعي . بتاعي أنا .. هي مالهاش فيك أي حاجة . إطمن حبيبي .. محدش هايقدر ياخدك مني !
Back ...
-و بكده حرمتك من الميراث. و ميرا خدت الولد !
بهذه العبارة أتم "سفيان" سرد قصته، و أضاف بينما "يارا" تجلس متخشبة بين أحضانه القسرية :
-كنت مخطط أجيبك تعيشي معايا برا و يبقى معانا إبننا. رغم إن ميرا إتعلقت بيه و بقى بالنسبة لها إبنها فعلاً. كنت هاعوضك عن كل ده.. بس لما مر كام شهر لاقيتك إتجوزتي. و خلفتي. مرتين. كل ده و أنا عايش يا يارا !!
كانت نبرة الغضب واضحة بصوته
دبت الحياة فيها مجدداً، إرتدت بوجهها للخلف و نظرت إليه، تعاظم الحقد في صدرها إزائه و هي تنطق عبر أسنانها المطبقة بقوة :
-إنت عملت فيا كل ده ؟ إنت حرمتني من إبني طول السنين دي ؟ و أخرتها.. كنت هاغلط معاه غلطة زي دي ؟ ده أنا هاقتلك. هاشرب من دمك يا سفيان يا داغر !!!!
و تعاركت معه بالأذرع، عراك لم يدم سوى لحظات، قبل أن يلوي يديها ليّاً مؤلماً و هو يقول :
-لما إنتي تشربي من دمي أنا أعمل فيكي إيه ؟؟؟
إندفعت الدماء حارة إلى وجهها و إشتدت إطباقة فكيها، بينما يكمل و هو يقبض على عنقها بأصابع مهددة :
-حسابك تقل أوي. عارفة كام مرة سامحتك ؟ كام مرة إديتك فرصة ؟ كنتي فاكرة إيه ؟ كنتي فاكراني سايبك ؟ يمكن. بس بمزاجي. إنما دلوقتي بقى هانتحاسب. هانرجع الشريط من أوله و هاتتحاسبي يا يارا .. فاهماني يا حبيبتي ؟
-تحاسبني ؟! .. غمغمت بلهجة متشنجة
-حساب الملَكين هه !!
رد بإبتسامته الشيطانية :
-بالظبط !
و هنا دق باب الغرفة، ثم فتح لتلج تلك السيدة المتآنقة من الأذنين للرجلين، و كان تعبيرها البشوش النبيل يثير الريبة حتمياً ...
إنتبهت "يارا" لصوت الأخير و هو يقول داعياً السيدة للدخول :
-إتأخرتي ليه ؟ دي فاقت من بدري. تعالي سلمي على يارا يا وفاء ! ...... !!!!!!!!!!!
تعليقات
إرسال تعليق