القائمة الرئيسية

الصفحات

🌺🌺روايه حدث بالخطأ🌺🌺 بقلم♥ دينا العدوي ♥ ♥ البارت الثالث والرابع ♥ كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 

🌺🌺روايه حدث بالخطأ🌺🌺             

        بقلم♥ دينا العدوي  ♥

        ♥ البارت الثالث والرابع ♥                                     

 ꧁بسم الله الرحمن الرحيم ꧂                 

ــــــــــــــــــــــــــــ

دنياي الم تسأمي!،ألن تكتفي!.

من نحري، تهشيم قلبي، وأحرق روحي 

لقد سرقتِ مني من كانوا فرحتي 

سر ابتسامتي، وتركتني أحيا كشبح 

بلا حبيب أو قريب أو ونس 

لم يُعد لي بكِ احد اطمئن بقربه، وألجأ له 

الدمع بأهدابي معلقًا، هل من مواسي لي!.

يربت بكفًا حنون، يخبرني أنه بجانبي 

وأن كل شيء بخير سيكون ويهون!..

خائفة أنا من مستقبل مجهول!.

اميرة كنتُ بقصري أحيا مدلله والآن سُلب مني 

وبتُ مشردًا، روحًا هائمه مقيده بجسد 

راغبه منه بالخلاص ولا اجده!، وانتِ لم تكتفي 

أنظري لي!، ألن تشفقِ علي حالتي تلك!.

لما انتِ قاسيه كالحجر لا تليني!..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حلّ الصباح، لكن شمسه كانت متواريه خلف غيوم كُثر، وهطُل حبيبات المطر، كان الجو كئيب كما قلبها الصغير المحطم لفقدان والدها، فقد استيقظت تبتهل أن يكون ما عاشته كابوس وانتهى وأنها لم تفقد والدها الحبيب، راضيه بسجنهُ لا بحُريه دونه، لتتحطم امالها على واقع فقدانه..                    

ها هي يلتحف جسدها بالسواد بينما تقف على أعتاب قبره تنتحب بشده وهي ترى جسده يتوارى خلف التراب، لتسقط على ركبتيها منهارة وهي تدرك أنها لحظة النهاية، تلك اللحظة التي تتمنى أن لا تعيشها أبدًا حينما تدرك أنها لن تراه مجددًا ولن تنعم بحضنه وحنانه وحبه، وحتى غضبه السابق ستفتقده سيصبح مجرد ذكرى تحفظها بداخلها في أعماق قلبها..                    

شعرت بالبرودة تلفح جسدها، بروده اجتاحتها من الآن افتقادًا لحضنه وتربيته حنونه منه، فأخذت تبكي بنشيج يُدوي عاليًا مخترقًا الصمت السحيق السائد بالجموع ليصل كسهام تُرشق بقلب ذاك الذي يطالعها بألم ينجلي على ملامح وجهه...                     

كانت عيون الشمس التي يمتلكها مخبئه مثل شمس الصباح خلف غيوم من الدمع لرؤية انهيارها، شاعرًا بالعجز يكبلهُ، عيناه تنتقل بينها وبين قدمه الباليه، يتمنى لو كان يستطيع التحرك والتقدم نحوها يجذبها لتنهض ويضمها إليه مطمئنًا لها، أنه سيكون بقربها الأب، الأخ، الصديق، والسند، لكنه حلم سيبقي بداخله وأمنيه مكبوتة خائبة، فهو عاجز حتى عن مواساتها، تلك الصغيرة والبريئة الذي قسى الزمان عليها بقوة، راغب بتحطيمها، لكنه لن يتركها لقمه سائغه لمن حولها ولو كان عاجزًا، يقسم ان يكون داعم لها حتى آخر نفس، لذا قاد كرسيه نحوها، حتى بات أمامها، تمتد يداه لها في دعوه للنهوض، رفعت نظرها له، لترى من بين دموعها تلك النظرة الحنونة التي تشُع بها مقلتيه، تلك النظرة التي تسللت بين طياتها، تشعرها بالأمان والحنان برفقته، مشاعر مبهمة تداهم قلبها الصغير ، وهي شاعرة بالتردد يتمكن منها، حتى اماء لها برأسه مشجعًا، لترتفع اناملها ملبيه دعوته، وتنهض بثقل بينما هتف هو بكلماته لها بنبرة صوت شجي:-

- ادعي له بالرحمة، هو هيكون دايمًا بقلبك، بلاش تقهريه عليكِ يا جود، حققي احلامه بيكِ وكوني زي ما هو عايز، وأنا جانبك وداعمك انتِ مش لوحدك مفهوم!...

كلماته كانت بلسم لروحها، تربت على قلبها، تبدد ذعرها، تتسرب حيث نياط قلبها الواجل من كل ما يدور حولها، وهي كالعصفور الصغير الذي عاش عمره كله مدللًا من مالكه خلف قفص من ذهب ، ليُطلق يومًا سراحه فيغدو ضائع مشتت بلا مأوى تائه في متاهة السماء الواسعة، يخشى من أن تكسر جناحيه أو أن يكون فريسه سهله لتلك الطيور الجارحة، لتجده هو أمانها، يلتقطها قبل السقوط بالهاوية...                                                              

تلك النظرة التي يخصها بها كان يراها والده، ليتبدد أي ذرة من عذاب ضمير الذي اختلجه نحوها، عاقدًا العزم على جمعهما، فاذا اخذ منها شيء بات يثق أن ولده سوف يعطيها أضعافًا من قبلُه، فيض من الحب، الحنان، والأمان بجانبه لذا شعر بالراحة تتسرب داخله اتجاهها، هو لا يظلمها مؤكدًا، بل على النقيض يقدم لها الكثير، زوج محب وونيس لها وعائله تنتشلها من الوحدة ومستقبل مجهول وتشرُد سيحيط بها، ما أن يتم البنك حجزه على كافة ممتلكات والدها، لكنه يقسم ايضًا ان يعيد لها حقوق والدها المسلوبة من ذاك الهولندي المخادع الذي سلبها.. 


انتهت مراسم الدفن وغادروا جميعًا بصحبتها هي وأنيلا، يستقلون السيارة الخاصة ل آسر لتيسر حركته وتقودهم حتى توقفت أمام منزل جود التي ترجلت بحزن طاغي بقلبها وهي تقف أمامه تطالعه بألم، لا تستعب أنها سوف تلُج اليه اليوم وحدها دون أبيها، عادت تلك الغصة بالتكتل والجرح الذي لم يندمل بالنزيف، شاعره بالقهر يثقل كاهلها، بخطوات مثقله بالهم تحركت اتجاه بوابته الحديدية، تدفعها قليلًا، حتى فتحت البوابة بصرير، فأكملت خطواتها الى الداخل، تسترجع كل ذكرى لهما معًا، كان يجلس على تلك الطاولة يطالعها وهي تروي ازهارها، وهنا كانت تجلس هي على الأرجوحة ويدفعها هو، كما هناك على طرف المسبح كان يجلسان سويًا وبيده كتاب يقرأه لها، كل مكان بالمنزل ذكرى تجمعهما، كان الدمع ينساب بكثرة على وجنتيها الحمرتين، وهي تدلف من باب المنزل الداخلي مستقليه الدرج حتى غرفته وكل ركن ترى ذكرى به، لترتمي بجسدها على فراشه تحتضن وسادته...


بالأسفل كان آسر يطالع دلوفها بألم وعجز يسيطر عليه، فيبث بداخله شعورًا سيء، بينما والده كان ترجل خلفهما يقترب من انيلا يحدثها قائلًا:-

- اجمعي كل اشياءها الخاصة والمهمة اليوم او بالغد وسأبعث احدهم بمساعدتك ونقلهم الى منزلي، لأنه باليوم الثالث سيأتي البنك للحجز على المنزل... 

امأت له أنيلا تدعي الصرامة عكس ما يجيش بقلبها، فقد قضت بهذا المنزل سنين كثُر والآن يجدر بها مغادرته، لذا تحركت مستأذنه هي الاخرى خلف جود تودع هذا المنزل الحبيب... 


طالع سليمان اثرها للحظات، حتى استدار عائدًا ألي السيارة، ليجد السائق وتيام يساعدوا آسر على الترجل 

والتوجه الى منزلهم المقابل...

***

بالقصر خرجت شهيرة من غرفة آسر تخبئ شيئًا ما بيديها، توترت ما أن وجدت باب المصعد ينفرج امامها ويخرج منه آسر وخلفه تيام يدفع مقعده، وشددت قبضيها على ما به، تخبئه خلف ظهرها، متصنعة الابتسامة الودودة قائلة:-

- العزاء خُلص 

اماء لها تيام باستغراب لتواجدها هنا، بينما آسر كان باله مع تلك التي يهشم الحزن قلبها ويدمي قلبه لأجلها، وما أن كاد تيام الحديث وسؤالها عن تواجدها هنا، حتى هتفت مسرعة تمنعه من الاسترسال قائلة:-

- انا هنزل اشوف بابا يا تيام، دخل آسر لأوضته يلا...

وهرولت من امامه تهبط الدرج، ليتابع تيام دفع شقيقه لغرفته، كاد ان يتوجه للفراش، إلا ان آسر اوقفه قائلًا:-

- خدني على الشرفة يا تيام

اردف تيام قائلًا باعتراض:-

- لا يا آسر انت تعبان، ارتاح شوية..

زمجر آسر باعتراض قائلًا:-

- لا أنا عايز اقعد جوا يا تيام مخنوق شوية..

كاد ان يقول أنه راغب برؤياها والاطمئنان عليها، لكنه لجمَ لسانه عن بوحه بها، فقد تصبح جود زوجة شقيقه يومًا وهذا ما ظن أن والده يرمي إليه، لا يدرك أنه قرر ربطه بها، زوجه وامًا لطفله، وسببًا لبقائه على قيد الحياه ودفعه للشفاء...

اماء له تيام وهو يكبت ابتسامه ملحه للظهور، فهو يدرك شقيقه جيدًا، لذا دفعه ألي الشرفة وتركه بينما يهتف قائلًا:-

- هنزل اطلب لنا سندوتشان وعصير واجي اقعد معاك شوية....

وابتعد بخطوات مسرعة دون انتظار أجابته ساعيًا لتنفيذ ما قال، حتي يستغله بإطعام شقيقه الذي لم يتناول الطعام منذ ليلة امس منشغلًا بحزنه على اميرة القصر...

***                                           

في مصر بمنزل السيوفي، تحديدًا بغرفة ميار وظافر...

تململت ميار في نومتها، وهي تحاول التحرك، لتجد أنها مكبله بشيئًا صلب، لذا افرجت الجفون مطلقه سراح مقلتيها، سامحه لها بالرؤية، لتتقابل مع وجهه الوسيم امامها يضمها إليه بقوة واحتواء أنعش قلبها، وسرعان ما داهمتها احداث ليلة امس الاولى ليتغضن محياها بالألم الذي سرعان ما تلاشى واحتل الخجل موضعه وهي تتذكر ليلتهم المحمومة بالمشاعر، ارتسمت بسمه على شفتيها وهي تهيم بملامحه التي عاشقتها منذ الصغر، لم ترى رجلًا غيره ولم يسكن قلبها سوا، جاهدت لتحرير احد ذراعيها، الى ان نجحت ورفعت اناملها تحركها على تقسيم وجهه، عيناه وانفه ووجنتيه واخيرًا شفتيه، التي ما كادت ان تلامسهم حتى شهقت وهو يقتضمها بخفه، ثم سرعان ما غير موضعه واشرف عليها من علو يطالعها بنظرة غضب مصطنع قائلًا:-

- مش هتبطلي تعملي كده ولا ايه!..

شعرت بالقلق وهتفت قائلة بتساؤل:-

- أبطل اعمل إيه يا ظافر!.. 

أجاب ببسمه وهو يميل مقبل وجنتيها قائلًا:-

- مش هتبطلي تحلوي كل يوم اكثر من اللي قبله كده!. 

شعرت بالراحة تتسلل بين طياتها وارتسمت بسمه خجله على محياها وسرعان ما اشاحت وجهها عنه، ليستند على ساعده الايسر، بينما يرفع انامله ويحرك وجهها نحوه قائلًا:-

- زعلانه مني يا ميار!.. 

أماءت برأسها نافيه، فأبتسم ومال برأسه يرتشف بعضًا من رحيق شفتيها المُسكر له، فرغم قلبه الأبي لعشقها إلا أن لمساتها تُشعل به نيرانًا لا يدرك ماهيتها، تجعله يتحرى شوقًا لوصالها، يستهوى ذاك الشعور المُسكر التي تمنحه له أنها تمتلك كل ما به عادا قلبه وهذا يستنكره ويجلده، راغبًا بمنحه لها فهي تستحق اقتحامها له وتملكُه، فيا ليت كان بيده لمنحه لها وغرق ببحور عشقها..


ابتعد بعد عدة دقائق يستند بجبينه على جبينها، يسترد السيطرة حتى لا يثملهُ قربها فيجعله راغب بالمزيد من نعيمها، وبهمسًا هتف قائلًا:-

- أنا آسف إني نسيت بس انا مشغول جدًا الايام دي.. 

اجابته ببسمه متيمه وعشق سافر بنظراتها قائلة:-

- ولا يهمك يا حبيبي 

انحنى مجددًا يُقبل وجنتيها وعذاب الضمير نحوها يعيد رجمه بقوه، لكنه حاول تلاشي الشعور به ونهض قائلًا:-

- اوعدك هعوضك يا ميار.. 

ابتسمت تود لو تقول أن عوضها وفرحتها تكمن بامتلاك قلبه، لكنها لم تبوح وصمتت تومئ برأسها بذات البسمه العاشقة، فتركها متوجه ألي المرحاض، بينما هي التقطت مئزرها وارتدته ونهضت، تطالع الطاولة بشيء من الألم لم يتبدد، ثم تناحته جانبًا وهي تلتقط الهديه عازمه على تقديمها له...


بعد عدة دقائق خرج ظافر من المرحاض، وجد ميار وكالعادة قامت بتحضير ثيابه، جذبها واخذ يرتديها الى أن انتهى متوجه حيث المرآه، حتى يمشط خصلاته، بينما هي توجهت نحوه تحيط ذراعيها حول خصره ضامه إياه من الخلف بابتسامه مشرقه، بادلها الابتسام وهو ينهي تمشيط خصلاته ثم استدار لها بابتسامه، وعيناه تتأمل ملامحها البهية، فهي جميلة، فاتنه يقع لها القلوب إلا قلبه الغبي، كاد ان يدنو منها وعيناه تتأمل ثغرها المغري له والذي يدعوها للأرتشاف منه حتى الثمالة مجددًا، إلا أنها ابتعدت عنه نحو الفراش تلتقط هديتها وتقدمها له قائلة:-

- كل سنه وانت معايا وبحبك..

ثم همست بداخلها قائلة:-

- يارب السنه الجاية اكون قدرت املك قلبك يا ظافر..

ثم تابعت قائلًة له:-

- عندي ليك هديتان دي الأولى وفي هدية تانية 

ارتسمت ابتسامته وهو يجذبها منها ويهم بفتحها، حتى اقتتمت عيناه وتشنج جسده وهو يجد البرفيوم ذاته الذي قد أهدته اياه نادين محبوبته الأولى سابقًا والذي كان المفضل له حتى قرار زواجهم فجعله يتخلى عنه لأنه يذكره بها ...

بينما هي هتفت قائلة دون ان تنتبه لغضبه:-

- كنت بتحط من البرفيوم دا زمان يا ظافر وحبيت رايحته عليك اوي، ودورت عليه لحد ما جبته...

لم يستطع ظافر تمالك غضبه ولجمه، وذكريات نادين تقتحم عقله ولحظة كسره لها ومطالعتها له بألم ليلة زفافه، جعله يجذب العطر ويقذفه بقوة مهشمًا إياه، تحت نظرات ميار المصدمة والمرتعبة من فعلته تلك، وبلحظه كان يصيح قائلًا:-

- كفاية بقى كفاية..

ثم دب الارض وهو يركض خارج الغرفة بل القصر كله، تاركًا اياها تنهمر دموعها على وجنتيها بقوة وألم يتسرب بقلبها تطالع اثره بعدم فهم لفعلته تلك، متسائلة بما اخطأت!.. 

***

لم ينم، لم يستطاع وتلك الأسئلة تؤرق مضجعه، جعلته يقضي ليله مسهدًا في غرفة مكتبة، يشرد فيما استمع اليه، ترى ما الذي تخفيه عنه زوجته وألى اين هي اليوم ذاهبه، حتى دلف من ساعة واحده، جلس بجانبها وعيناه طالعتها بشرود دام لبعض الوقت حتى انتبه لاستيقاظها، وجهت بصرها نحوه قائلة:-

- صباح الخير يا أدم 

انتبه لها فأومئ لها وهو ينهض متوجه للمرحاض قائلًا:ـ

- صباح الخير يا نيرة 

اردفت قائلة بتعجُب:-

- انت لسه بهدومك من امبارح!، انت ما نمتش هنا ولا ايه!..

ارتسمت بسمه ساخرة على محياه، فهي لم تشعر حتى أن فراشها بارد خالي منه، ربما لاعتيادها على هذا فأردف قائلًا وهو يهم بالدخول للمرحاض:-

- انشغلت بالعمل وما انتبهتش للوقت 

ثم اغلق باب المرحاض..... 

زفرت هي بضيق وهي تنهض جالسه على الفراش تشعث خصلاتها ثم تعاود تعدليها لدقائق بقيت موضعها حتى نهضت ما أن انتبهت له يفتح الباب، فتوجهت هي للداخل، بينما هو اتجه نحو الخزانة لارتداء ثيابه حتى انتهى وهبط للأسفل... 

خرجت هي ولم تجده، فأسرعت بارتداء ثيابها ولحقت به هي الاخرى...

****

خرج نادر من المرحاض يجفف خصلاته، ليجد سيدار قد قامت بتحضير ثيابه كالعادة، ابتسم لها بحنو وهو يقترب منها، جاذبًا أياها أليه من خصرها، يقربها أليه قائلًا بتذمر:-

- تعرفي اني كنت حابب نسافر شوية، بس انتِ آصريتي على الشغل، بس اكثر حاجه مفرحاني اننا هنكون سوا يا سيدرا بالبيت وبالشغل كمان وإلا كنت مليت ورفضت طلب أدم، بس عشانك هوافق، عشان تكوني فخورة بيا وكمان عشان اكون جانبك على طوال لأني عارف انتِ بتحبي شغلك أد أيه وانا مستحيل احرمك من حاجه بتحبيها... 

ابتسمت له ويداها ترتفع تحاوط عنقه، تقبل وجنته بدلال قائلة:-

-ربنا ما يحرمني منك يا عيون سيدرا، وانا بوعدك هكون معاك وجانبك لحد ما تتعلم الشغل كويس وتكون professional كمان...

ابتسم لها بعشق وغمز لها بعبث قائلًا:-

- طيب ما أنا professional يا قلب نادر ولا تنكري دا.

اطلقت قهقهتها عاليًا قائلة:-

- طبعًا يا حبيبي في الوقاحة وقلة الأدب مفيش محترف زيك....

هتف قائلًا بينما ينحني بوجهه اتجاهها، رافعًا لها أحد حاجبيه:-

- بعترف وفخور يا قلب نادر، حتى تعالى ما اديكِ كورس.. 

ابتعدت عنه مسرعة قائلة:-

- لا متشكره احنا متأخرين وانا لازم أجهز.. 

ثم تركته وولجت المرحاض مسرعة، بينما هو ابتسم بعشق عليها واستأنف ارتداء ثيابه منتظر خروجها هي الاخرى لتتجهز حتى يخرجان من الغرفة سويًا 

***

تجمع الجميع حول مائدة الطعام يتناولون افطارهم دون وجود ميار او ظافر... 

هتف ادم سائلًا عنهما، اجابته والدته ان ظافر خرج بينما ميار اخبرت انها مريضه تحتاج للراحة.. 

إغتم أدم من أجل شقيقته، مدرك تمامًا ما تمر به، لما لا وهما يرتشفان سويًا من ذات الكأس، لذا نهض من على الطاولة قائلًا:-

- طيب أنا هطلع اطمن عليها..

انطفأ وجه سناء ما أن تفوه بذلك، تخشى أن تسرد له ميار شيء بخصوص ولدها، تدرك تمامًا جفاءه معها وتدرك حب ادم لشقيقته وتفضيله لها عن الجميع، وأنه لن يتوانى عن تطليقها منه اذا رأى تعاستها، لذا اردفت قائلة بسرعه:-

-بلاش تطلع يا أدم وسبيها تنام وتستريح..

رمقها أدم بنظرة ضيق واردف قائلًا بتصميم:-

- هطلع اطمن على اختي يا مرات عمي ولو نايمه مش هزعجها...

ثم اتجه ألي الدرج وهي تشعر بالوجوم والقلق خاشية من أن يكون ابنها قد افتعل شيء غبي وازعج ميار وتبوح به لـ أدم، لتطالع ابنتها التي لا تبالي بشيء بنظرة ممتعضة 

بينما استأذن نادر وسيدار للذهاب الى العمل.....

**

طرق أدم على الباب طرقه خافته، كانت حينها ميار جالسه على الفراش تضم ذاتها شاعرة بالقهر والعبرات تنساب من مقلتيها حزنًا، حينما استمعت لطرق الباب، قائلة:-

- مين!.

اجابها ادم قائلًا:-

- انا ادم يا ميار، كنت حابب اطمن عليكِ، ممكن ادخل!..

كفكفت دموعها سريعًا وهي تنهض من على الفراش متوجه للباب لتفتحه له، قائلة:-

- ايوة طبعًا يا ابيه ثواني..

لحظات وقامت بفتحه له، قائلة ببسمه جاهدت لرسمها: -

- ايه دا أبيه ادم بنفسه هنا على باب اوضتي!..

انتبه ادم لجفونها المنتفخة وبحة صوتها المكتوم وادرك انها تحاول اخفاء حزنها بمرحها الزائف، فقام هو الاخر بمجراتها، ضاربًا اياها بخفه على مقدمة رأسها قائلًا:-

- دا على أساس إني اول مره اعمل كده وما اطمنش عليكِ 

وبعدان هتسبيني واقف كده، مفيش اتفضل يا ابيه!..

تلجلجت ميار وهتفت بنبرة متلعثمة:-

- لا طبعًا اتفضل يا ابيه!..

دلف أدم الى الغرفة، لتقع عينه على الطاولة والعشاء الذي لم يمس بشجن وضيق، حتى دعس على شظايا الزجاج المتناثرة على ارضية الغرفة، ورائحه العطر القوية تفوح بالأجواء، ليستدير لها بنظرات مستفسرًا غاضبه، فأسرعت تهتف مبرره له قائلة:-

- دي هدية ظافر كان بيفتحها وتنثرت منه وتكسرت كده..

لم تكن يومًا بارعه بالكذب شقيقته ويعلمها جيدًا، اخذ صدره بالعلو والهبوط من فرط انفعاله من ظافر، هو قد عاهد ذاته على عدم التدخل بينهما، لكن اذا شعر بتعاسة شقيقته سيدعس على الجميع من اجلها وسيطلقها منه دون تردد او اهتمام بأحد، لذا استرجاع خطواته عائدًا إليها يضمها أليه قائلًا:-

- ميار الصغيرة كبرت وبقيت تكدب وتخبي على اخوها..

ابتعدت ميار تناظره بآسف وعيون ملتمعه بالدموع قائلة:-

- لا يا ابيه أنا مش قصدي والله 

جذبها ادم واجلسها على الأريكة وجلس بجانبها ورفع انامله يزيح عبراتها قائلًا:-

- دموعك دي غاليه يا حبيبتي ومقدرش اشوفها ابدًا، 

ثم صمت لوهله واردف قائلًا:-

- كلمه واحده منك يا ميار كافيه تنهي كل دا!.

قالها بنبرة مؤكده لا تقبل الشك، أجفلت ميار من حديثه رافضه اياه، فهي تعشق ظافر بقوة ولا تستطيع العيش دونه، ولم تستسلم بعد من نيل عشقه خاصةٍ بوضعها الحالي الذي ربما يقرب بينهما، لذا رفعت راسها لأدم تبوح له بما يختلج قلبها دون خوف او خجل، فهذه هي علاقتهما تتخطى اي حواجز، لطالما كان هو الاب والصديق لها، لتأردف بنبره ملتاعة بالعشق:-

- ، صدقني ظافر بيعاملني كويس جدًا ومراعي ليا، بس اوقات بيفقد اعصابه غصب عنه وأنا من واجبي اتحمله لأني بحبه وواثقة بيوم أنه هيحبني، لأن حاسة أنه هيقرب بنا ويربطنا ببعض..

تحدثت اخر كلماتها وهي تحتضن معدتها بابتسامه انتقلت لأدم وهو يستعب معنى حديثها، فأردف قائلًا بذهول:-

- انتِ حامل يا ميار!..

أمأت له برأسها تزامنًا مع اتساع ابتسامته واختلاج نبضهُ بالسعادة من اجلها شقيقته وربيبته التي كبرت فجأه وتكاد ان تصبح أمًا، لا يستعب مرور السنوات عليهم، فبالأمس كانت صغيرة تتعلق بعنقه، والآن باتت انثى تنتظر طفلها الاول، جذبها اليه مقبل رأسها مباركًا لها، لكن سريعًا ما انتبه لذاك الحطام من الزجاج، وخشى من خاطره لاحت له عن ابن عمه وزوجها، فتغضنت ملامحه بالغضب وأبعدها دون ان يعتقها متسألًا:-

- ظافر عرف بحملك!..

تلك الطريقة التي تحدث بها ونظراته جعلتها تفهم ظنونه، فأسرعت نافيه، مستبعده ذاك الظن السيء بزوجها عن مخيلته قائلة:-

- لا لا ظافر لسه ما يعرفش يا ابيه، انا مستنيه الوقت المناسب اللي اقوله فيه ومتأكدة من سعادته وقتها بيه ..

طالعها بنظرات ثاقبه يستشف صدقها، الذي كان سافرًا بها، فأطمئن قلبه عليها، وهو يعيد من تهنئتها بحملها مستنكرًا انها من بين ليلة وضحاها أمست انثى وزوجه وستبيت أمًا قريبًا، لتمر الدقائق عليهما وهو يهنئها واعدًا لها ان يكون داعم وسند لها، يحثها على القوة من اجل صغيرها متأكدًا انها ستنال عشق زوجها الذي تستحقه عاجلًا أو أجلًا

ثم تركها لترتاح قائلًا:-

- هبعتلك نعيمه تنظف لك الاوضه وتجيب لك فطار، ولازم تفطري كويس عشان اللي في بطنك مفهوم!..

امأت له بسعادة قائلة:-

- عقبالك انت كمان قريب يا أبيه!.

صدق على دعاءها وغادر الغرفة بعدنا قبل جبينها، هابطًا الدرج مستدعي نعيمه قائلًا:-

- حضري فطار ولبن دافئ بالعسل ل ميار وطالعيه ونظفي اوضتها..

امأت له وذهبت تنفذ ما طلب، بينما هو تحرك اتجاه الطاولة، ونظرات عمته عليه بوجل تلاشى مع انبساط ملامحه، ليقوم بتوديعهن وعيناه على نيرة التي لم تخبره عن ذهابها لأي مكان اليوم رغم استماعه لتلك المكالمة والتي انتهت بقولها انها ستأتي بالغد، لذا تحرك اتجاه باب القصر عازمًا على تتبُعها ومعرفة ما تخفي عنه ززوجت ذا صعد سيارته وقادها للخارج، حتى توقف عند منعطف قريب يسنح له رؤية الراجي والغادي من المنزل، وانتظر عدة دقائق حتى وجدها تخرج بسيارتها، فقام بتتبعها... 

****

بهولندا:- 


انتفضت شاهي من على مقعدها وقد تغضنت ملامحها بالغضب القاتل لما استمعت اليه الأن من سليمان رافضه أياه بشده وصاحت قائلة باستنكار:-

- انت بتقول إيه يا سليمان!، يعني إيه عايز تجوز آسر من جودي البنت اللي باباها مات وسابها امانه في رقبتك، ازاي عايز تجوزها ليه بحالته دي!.

انتفض سليمان والغضب يطل من مقلتيه لردة فعلها تلك و وهتف قائلًا بنبرة غليظة:-

- أنا مش بقولك يا شاهي عشان مستني رأيك، انا بعرفك بقراري مش باخد رأيك، جود هتتجوز من أبني آسر يوم الخميس اول ما تتم السن القانوني، هيتم كتب كتابهم فورًا ..

كانت النيران تستعر بداخلها من حديثه، رافضه اياه بشده ولكن ليس بيديها شيء، خاصةٍ وهي تلمح اللأصرار والغضب يطُل من مقلتيه، فسليمان اذا قرر لن يستطع احد المثول امامه ومعارضته، لكن لن تستسلم لذا اردفت قائلة بنعومة:-

-يا سليمان اسمعني، الموضوع اني مش قادرة اتقبل فكرة انك تعمل كده في بنت بريئة زيها، ابوها وصاك عليها قبل ما يموت وهو واثق انك هتحافظ عليها، تقوم انت عاوز تنهي حياتها وتجوزها لواحد مقعد!..


طرق سليمان على مكتبه بغضب من حديثها مما اجفلها وجعلها تتراجع خطوة للخلف، فحالته تلك جديدة عليها 

بينما هو اردف بفحيح قائلًا:-

- أياكِ تتكلمِ كده مره تانيه يا شاهي!، جواز جود من آسر هيتم ولازم تقبلي دا واياكِ تتكلمي في الموضوع تاني.. 

اومئت له بذعر من هيئته تلك وتركته مبتعدة الى الخارج بخطوات سريعة متوجه حيث غرفتها وهي تجذب هاتفها بعنف وتضغط اتصال، مرت ثواني وجاءها رد من الطبيب المتابع لحالة آسر وبدأت بالحديث معه بتساؤل أن كان آسر بأمكانه ممارسة حياة زوجيه طبيعية بحالته تلك، واجابه الطبيب بالنفي انه لن يستطع ما دام يستمر بأخذ ذاك العلاج، انهت الحديث معه واغلقت الخط وهي تشعر بالضيق الشديد لما يحدث.....

***


كعادة كل صباح نهضت مبكرًا لتنتهي من تنظيف وتحضير الطعام قبل استيقاظ والدة زوجها، وجلًا من بطشها وحديثها الصباحي واسرعت بارتداء ثيابها وتوجهت للخارج بعدما ايقظت زوجها لتذهب ألي عملها وما ان كادت تهم بفتح الباب حتى وجدتها تخرج من الغرفة تبرم وجهها وتناديها بنبرتها الغاضبة كالعادة قائلة:-

- اسمعي يا هانم اعملي حسابك ترجعي بدري وما تروحيش هنا ولاهنا عشان هنروح أنا وانتِ مشوار... 

امأت لها وهي تحافظ على وجهها الخشبي وتلك البرودة في التعامل معها حتى لا تستفز تلك المشاعر الغاضبة التي تعتملها وتحاول دفنها في اقصى اعماقها حتى لا تتلبسها وتحرقها وتحرق من حولها بها، ان بداخلها غضب لو ظهر لحطم الجميع ولكنها ألي الأن تجيد التحكم والسيطرة عليه فأردفت قائلة:-

- حاضر يا ماما، ان شالله مش هتأخر، بس ممكن اعرف مشوار ايه!..

اجابتها قائلة باقتضاب:-

- لما تيجي هتعرفي..

ثم تحركت من امامها ألي المطبخ ولم تعيرها اهتمامًا، بينما سارة اخذت شهيق يليه زفير واستدارت تغادر المنزل الى عملها كالعادة حتى تقابلت مع صديقتها واكملا الطريق وكالعادة تتقابلا مع الصغير ادم وتلك العيون السوداوية العاشقة ترمق صاحبتها بعشقًا سافر، يتمنى لو يخبرها بحقيقة وجود طفلًا لها ووالد له هائم بعشقها، متمني لو يجمعهم معًا منزل واحد ويبيتَ عائلة، شارد بذكريات مضت

منذ حوالي سبعة اعوام تقريبًا حينما بدأ كل شيء معه حينما علم بمشاكل زوجته الصحية التي تمنعها من الانجاب والتي اخبرته بها ب عودته بأجازة من عمله والذي كان بمحافظة اخرى يقضي بها ايام الاسبوع عادا الخميس والجمعة، لتعلمه أن الطبيب طلب منها الخضوع للحقن المجهري ومن هنا كانت البداية لحكاية كان هو وهي وطفلهم مظلمون بها.... 

ظلت عيناه تراقبهما حتى اختفوا من امامه واغلقت بوابة المدرسة، ليتحرك بسيارته ألي المركز الذي انتقل له منذ عدة اشهر مضت للبقاء هنا بجانبها بعد بحث دام اشهر للوصول لمكانها، ليتفاجأ بها ويدق قلبه بعنفوان لها.... 

**** 

توقفت سيارة نيرة امام أحد البنايات التي تقبع بمركز المحافظة، وترجلت من السيارة تلتفت يمينًا ويسارًا، وولجت حيث البناية ولم تنتبه لمن يقبع بسيارته يراقبها، وما ان وجدها تلُج ألى الداخل حتى ترجل ولحق بها هو الاخر يدب الارض بغضب وعيناه تقدح لهب وحقيقة أنها تخبئ عنه ما بها تزعجه بقوة.. 

ولجت نيرة الى العيادة النسائية وما ان فعلت حتى ادخلتها الممرضة للطبيب فورًا، لحظات وكان آدم يلج هو الاخر، يلمحها وهي تدلف لغرفة الفحص وما ان كادت الممرضة ان تغلق الباب حتى اقتحم هو الغرفة وفجأ نيرة والطبيبة بوجوده، لكنه لم يظهر للطبيبة أنه فجأ زوجته بل ادعى انه تأخر عليها قائلًا:-

- اسف يا حبيبتي اني تأخرت عليكِ بس كان عندي اجتماع مهم.. 

ارتبكت نيرة وقلبها سقط بين قدميها وتخشبت مخروسة في صدمة من رؤيته الأن أمامها، بينما هو جذب يديها واجلسها ثم رحب بالطبيبة معرفًا أياها بذاته قائلًا:-

- معاكِ ادم السيوفي جوزها 

رحبت بها الطبيبة وطلبت منه الجلوس قائلة:-

- اهلا استاذ ادم حضرتك غني عن التعريف، الحقيقة أنا سعيدة بقدومك واخيرًا للعيادة ودعمك لمدام نيرة، كتير قولت لها ان وجودك ومعرفتك بحالتها الصحية ضروري للخطوات القادمة... 

كانت ثواني هي ما مرت عليه وهو يستمع لكلمات الطبيبة ولكنها كانت كالدهور بالنسبة له وكأن الساعة تجمدت وحركة الكون توقفت، بينما انفاس كليهما محبوسه بصدريهما تئن بترقب وخشيه من القادم، غضب عاصف من جهته ووجل سافر بمقلتيها من قبلها وهي تستمع للطبيبة توضح له حالتها الصحية قائلة:-

- للأسف مدام نيرة بتعاني من انسداد بقناة فالوب اللي بتمنع الحيوان المنوي من المرور للرحم ودي حالة بتعيق الحمل بصورة طبيعية ودا سبب تأخير الحمل عندها... 


كان ادم ينصت إليها ومشاعر مبهمة بداخله تتضاعف، غضب يتفاقم، حزن يجتاحه، وألم ينهش به من أجلها، غاضب منها لإخفائها حالتها تلك عنه، حزين عليها في ذات الوقت، ومتألم من خاطرة انها لا تثق به وبحبه لها، أنه يعشقها بل هو متيم بها ويكتفي بها عن العالم رغم جفاءها، فهو منذ ان سمعها ليلة امس وادرك ان لديها موعد عند الطبيب وانقبض قلبه، والوجل أطاح به وعقله تعصف به الافكار، كاد أن يلُج الغرفة واستجوابها لكنه فضل اللحاق بها ومعرفة ما تعانيه حتى لا تسنح له فرصه للكذب عليه، لذا غادر الغرفة وفضل البقاء بمكتبه مسهدًا، افكاره تنهش به حتى الصباح وألى تلك اللحظة، التي ارتاح فيها، فيكفي انها بخير وبصحه جيدة، واذا كان على الحمل والاولاد فهم رزق بيد الله لم يحين ان يمنحهم أياه بعد، وسيصبر عليها ويخضعها للفحص عند اكثر الاطباء مهاره ألي أن يكرمهم الله بشفائها...

بينما هي اجفلتها نظراته المبهمة لها خشيه من القادم، إلا أنها فوجئت بأنامله التي تسللت تقبض على كفها الصغير بدعم لها وهو يتحدث مع الطبيبة عن امكانية علاجها والتي اردفت قائلة:-

- للأسف يا دكتور أدم في حالة مدام نيرة مفيش علاج، والحمل أذا هيتم هيكون بتدخل جراحي، بمعني انه يفضل خضوعكم لتلقيح صناعي...


ما ان نطقت الطبيبة بذلك حتى انتبه ادم لها؛ ينصت لحديثها باهتمام وهي تخبره أن الأمثل هو إجراء عملية طفل انابيب لا حقن مجهري وهي توضح له الفرق بينهما حيث أن الحقن المجهري هو عباره عن سحب الحيوانات المنوية منه وتلقيحها بها مباشرة، بينما أطفال الأنابيب ستكون عباره عن سحب الحيوانات المنوية منه وفرزها وكذلك استخراج البويضات منها والقيام بتلقيح كل بويضة بحيوان منوي واحد ثم اعادة زرع المخصب منها في رحم الأم ...

ظلت تشرح له حتى انتهت تمامًا، فأومئ لها بتفهم قائلًا أنهما سيفكران بالأمر معًا ثم يتخذان القرار المناسب.. 

اومئت له الطبيبة كذلك قائلة:-

- تمام يا دكتور أدم وانا في انتظار حضرتكم في أي وقت ما أن تقرروا ولو كان القرار بالموافقة، فهنصحكم ببعض المعامل والمختبرات المختصة والرائجة بخصوص التلقيح الصناعي داخل البلد وبرا كمان.. 

اومئ لها ادم واستأذن للخروج وأنامله تحتضن كف زوجته نيرة ساحبًا إياها ألي الخارج حتى وصلوا ألي السيارة، فتحها لها واجلسها، ثم استدار واستقلها هو الاخر وقادها بصمت سحيق دام لفترة حتى هتفت هي قائله:-

- ادم.

ما ان كادت ان تكمل حتى نظر لها قائلًا:-

- مش وقته يا نيرة لينا بيت نتكلم فيه..

أمأت له برأسها موافقه وصمتت تطالع الطريق من نافذة السيارة، بينما هو كان يحاول إخماد نيران غضبه منها لما عاناه من وجل عليها وافكار سوداء طاحت به حتى وصلوا الى القصر، وترجلا من السيارة متوجهين الى الداخل، وهو يهتف بها ان تلحق به مباشرة الى مكتبه.....

ولجوا الى القصر بوجوم سافر على محياهما رأته سناء والدتها، فتسارعت دقات قلبها وجلًا وهي ترمق أبنتها بنظرات متسأله تجاهلتها وهي تلحق به الى المكتب فورًا...


ولج الى المكتب وهي خلفه تغلق بابه، وجدته واقفًا يواليها ظهره، ظل هكذا لدقائق يسارع جحيم غضبه حتي لا يطالها 

ثم استدار اخيرًا لها قائلًا بحده :-

- من أمتى يا نيرة وانتِ عارفه بحالتك دي وبتابعي مع الطبيبة من غير ما تعرفي!، وليه ما قولتليش... هااا انطقي!...


تسلل التوتر بين طياتها من لهجته الحاده تلك، لكنها نهرت ذاتها لتوترها هذا واستجمعت قواها، فطالما كانت قويه شامخه لا تبالي، لذا اردفت قائلة:-

- بقالي شهور يا أدم، شهور بحاول اتعالج لكن مفيش أمل، وما قولتلكش لأني مش كنت حابه اظهر لأي حد مشكلتي دي، وانت عارف شخصيتي كويس، يستحيل اقبل نظرة شفقه او تعاطف من أي حد، كنت فاكره انها هتمر وهبقى كويسه، كان عندي أمل لكن للأسف مفيش أمل...

اغتضنت ملامحه بالضيق من حديثها، وما نعتته به كأحد لكن نظرة الألم التي تطل من عينينا جعلته يحن لها ويتناسى تأثير كلماتها التي رجمت روحه واحتل قلبه الألم مضاعف لألمها، لذا تقدم منها قاطعًا تلك الخطوة جاذبًا اياها ألي احضانه بقوة قائلًا بنبرة شجن:-

- ليه يا نيرة تعيشي لوحدك الإحساس دا لشهور!، ليه ما بتشاركيني المك ومشاعرك، انا جوزك وواجبي اكون داعم ليكِ وجانبك، ليه دايمًا بانيه بينا حيط سد!.


لم تتأثر بكلماته وكيف تتأثر وهي تحجب قلبها عن الشعور 

نافرة للأحاسيس تلك، لذا اجابت بجمود ونبرة بارده قائلة:-

- الموضوع فكرته بالبداية بسيط يا أدم وكنت اكيد هحكيلك لما اكتشفت أنه مش بسيط زي ما أنا فاهمه بس مقدرتش وكان النهاردة هو الفيصل في قراري لما اعرف من الفحوصات تحديد مصيري، بس أنت اكتشفت قبل ما اعرف واجي احكي لك، وانت دلوقت عرفت يا ادم وفهمت لن الحل الوحيد للحنل هو الخضوع للتلقيح الصناعي، فأنت إيه رأيك!..

ابتعد عنها يطالعها بنظراته العاشقة متنهدًا قائلًا:-

- نيرة اسمعيني، احنا نقدر نستني وتتعالجي عند دكتور واكثر انا مش مستعجل على الولاد ما أنتِ اللي تهميني... 

بعمليه أجابته قائلة:-

- ادم اسمعني انت دلوقت عمرك واحد ثلاثين سنه وانا كمان عندي ثمانية وعشرين سنه هنستنى اكثر من كده ايه، دا غير أن أنا كشفت عند اكثر من طبيب وكلهم اجمعوا على النقطة دي التلقيح الصناعي، فأنت قرارك إيه...

صمت للحظات حتى اردف قائلًا:-

- تمام يا نيرة، أنا هشوف المناسب وبعدين نقرر بأذن الله... 

اومئت له قائلة:-

- تمام وأنا مستنيه قرارك، عن إذنك انا محتاجه استريح شويه... 

أماء لها، فابتعد عي تخرج من الباب، لتجد والدتها تنتظره وعلامات القلق تنجلي علي ملامحها وما ان راتها حتى هتفت قائلة بتساؤل:-

- نيرة في ايه!، مالك انتِ وأدم وليه دخلين كظه على المكتب على طوال!.. 


اسبلت جفنيها تسيطر على أعصابها وأردفت قائلة بنزق:-

- مفيش حاجه يا ماما كنا بنتكلم بموضوع مهم وانتهى ودلوقت عن إذنك محتاجه ارتاح.. 

وتركتها وذهبت، لتنظر اثرها سناء بضيق وتلحق بها فعليها أن تفهم ما يدور ، فماذا لو كان هناك مشكله ما بينهما عليها أن تجد له حالًا مسرعًا...                    

ما ان ولجت نيرة الغرفة وكادت أن تبدل ثيابها حتى دخلت والدتها واغلقت الباب خلفها قائلة:-

- يعني إيه موضوع مهم!، وتسبيني وتمشي، انطقي وقولي في إيه بينك انتِ وهو!، وليه شكلكم عامل كده انطقي يا نيرة فهميني!.. 


اظلم وجهها شاعره بالضيق من ألحاحها بالسؤال والمعرفة، لذا تريد ان تعرف حسنًا فلتخبرها بما يحدث، لذا صاحت بها بانفعال قائلة:-

- عايزة تعرفي إيه يا ماما!، حاضر هقولك، في أن بنتك عندها مشاكل مانعها انها تحمل بصورة طبيعية زي أي ست واني بقالي شهور بتعالج ومفيش أمل وكمان كنت مخبيه على ادم اللي اكتشف حالتي الصحية النهاردة، كده تمام عرفتي في ايه!، ويا ترى عندك حل للمشكلة دي!..


كلماتها كانت كضربه مؤلمه، مميته لقلبها، أودت بدقاته ألي درب من الجنون، لدقات شعرت بالشلل التام واصاب لسانها الخرس شعور وكأنها توشك على فقد كل شيء اجتاحها، جعلها تصيح بمهستريه بينما تقبض غلى خصلاتها وكأن مسًا أصابها قائلة:ـ

ـ يعني إيه عندك مشاكل تمنعك من الحمل!، يعني مش هتعرفي تجيبِ وريث ليه، يعني كده احتمال يتجوز عليكِ وتيجي هي تقش وأحنا نطلع من المولد، لا مستحيل دا يحصل مستحيل انتِ فاهمه!.. 


رمقتها نيرة بنظرة ساخرة، ليست متألمه، فالألم ينبع من العشم ومعرفة قيمتك عند شخصًا ما، وهي تدرك ان قيمتها عند والدتها هي بزواجها من أدم فقط لكِ تحقق لها اهدافها، لذا لم تهتم ولم يتألم قلبها ولم تحترق روحها من عدم مبالة والدتها بنكبة ابنتها واهتمامها فقط بما توشك على خسارته، لما تلك الغصة تتكتل بقلبها الان ولما تلك الدمعة الغبيه تتعلق بأهدابها راغبه بالانسياب، لا لن تسمح لها، ؤ ثم موافقة أدم عليها، سوف تتركها لتلك الخاطرة بالخسارة تنهش بها، ولن تبالي برؤيتها هكذا، بل تركتها وولجت الى المرحاض تنعم بحمام دافئ ينسيها كل شئ، جهزت المغطس وعطرته وجذبت هاتفها واشغلت احد الاغاني الناعمة ونزعت ثيابها وألقت بحسدها بداخله تنعم فقط بتلك اللحظات دون اهتمام لما يحدث معها او سيحدث مستقبلًا فهو ليس بيديها، فمتى امتلكت خيار بحياتها، هما يحددونها لها وهي تقبل بها، لذا ستترك الامور تسير كما هي وستنعم بتلك اللحظات من السكينة....


**

ببنما بالأسفل ما ان غادرت نيرة غرفة المكتب حتى جلس أدم على مكتبه يطلع حاسوبه ويبحث اكثر عن التلقيح الصناعي وكل ما يخصه وما هو الذي يحل منه والذي يحرم، فليس كل علم تم اكتشاف محلل، لذا عليه التأكد وبدأ في مرحلة البحث ليدرك أن المحلل فيه ان تكون بين زوجين رجل وزوجته، اما المحرم تكمن بوجود طرف اخر بينهم بمعني إلا يجوز سحب عينه من غير الزوج ولا استخدام بويضة من غير الزوجة او استعمل رحم اخر للأيجار ووضع البويضات المخصبة به، لأن كل هذا يعد تخالط انساب، لذا ارتاح باله ما ان علم أن ما يفعله غير محرم ويستطيع القيام به، لذا اغلق حاسوبه وقد قرر أن يفعلها، أن ينجب من زوجته طفل كما تريد، فهو يعلم ان كل رغبتها تتشكل بجنين يمنحها أياه، لذا سيبدء بالتمهيد والتحضير لتلك الجراحة في القريب العاجل بعد التواصل مع الطبيبة ...

****

هناك بالحياة تلك اللحظات الفاصلة التي تمر علينا، لحظات تغير مسار كامل، تأخذك لمنعطف اخر لم تخطط له ولم تتخيل ان تسلكُه يومًا!. 


            


              

                    


وها هي تمر بكل هذا، حياتها اتخذت مسار آخر ومنعطف اخر برفقة أناس آخرون، في خلال ثلاثة ايام فقط تغيرت حياتها، وخسرت والدها ومنزلها الحبيب، ها هي مضطره لتركه والمغادرة بعد أن أعلن البنك عن الحجز عليه.. 


كانت توالي وجهها للمنزل وهي ترى الضابط يقوم بغلق بوابة منزلها وتشميعه بالشمع الاحمر طاردًا اياها خارجه، خارج البيت الذي قضت به سنوات عمرها، ذاك البيت الشاهد على لحظات طفولتها ومراهقتها مع والدها، كانت الدموع تنهمر من مقلتيها منسابة على خديها وقلبها انشطر لنصفين حينها، تشعر بخواء عقلي وارهاق بدني غير مسبق يصيبها، حتى استمعت لتلك النبرة الخافتة بأسمها والتي تسللت بين طياتها الى شغاف قلبها تشعرها بأمان قد تناسته مع فقدانها لأبيها، ألتفتت أليه حيث يقبع هو فوق كرسيه المتحرك، وقد آتى إليها لدعمها كما وعدها انه سيبقى بجانبها، وجوده يشعرها براحه ودعم نفسي غريب، 

كل خوفها يتلاشى ويتبدد ما ان يرمقها بتلك النظرة الحنونة، لتستمع له يهتف من بين شفتيه بكلمات مطمئنه يخبرها انها ربما قد خسرت منزل لكنها اكتسبت اخر وبات لديها عائلة لن تتخلى عنها ومجددًا كانت يداه تمتد لها بدعم كالسابق يدعوها بصمت لم تلتزم به نظراته التي تتوعد بالكثير، لتلبي النداء وترفع اناملها له ويحرك كرسيه بصحبتها حيث منزلها وعائلتها الجديدة، ولا يدري ايًا منهما ما هو قدرهما وإلى ما قد يأول حالهم....

كان يخطو بها ال الداخل وهو يشرد بما حدث منذ قليل 

حينما ولج الى الغرفة والده يخبره بما اتخذ من قرارات صدمتهُ 

فلاش باك 

دلف تيام كالعادة لغرفة شقيقه لمساعدته على النهوض ونقله الى مقعده المتحرك، وما ان انتهى حتى ولج سليمان الى الغرفة وخطى نحوه عدة خطوات قائلًا :-

- آسر كنت حابب اقولك ان كتب كتابك على جودي هيكون بكره، يوم عيد ميلادها الثامن عشر... 

رفع آسر نظراته بصدمه لوالده يطالعه باستنكار لما قاله، ومن بين انفاس تأخذ بصعوبة تحدث قائلًا:-

- كتب كتابي على مين يا بابا أنت بتتكلم جد، أنت عايز جودي تتجوزني أنا!، تتجوز واحد عاجز ما بيتحركش!، واحد محتاج مساعده دايمًا، مستحيل الكلام دا!.. 

ناظره سليمان بنظرات جاده قائلًا:-

- لا مش مستحيل يا آسر وكلامي جاد أنت وجودي هتتجوزوا بكره ودا قرار نهائي.. 


تغضنت ملامحه بشدة وكلام والده يمر بعقله ببطء بل بكيانه كله كسم زعاف يميته لينتفض جسده بغضب جمّ رافضًا له شاعرًا بجنون نبضات قلبه وعدم الاستيعاب لما يقوله والده من هراء من وجهة نظره، فعن اي جواز يتحدث 

زواجه هو القعيد من أميرة القصر ما هذه الخرافات التي يتفوه بها والده ومن قال له انه قد يوافق عليها، فهو ليس اناني أو بالأصح لم يعُد أناني كما كان سابقًا ليضحي بها في سبيل سعادته، هي كانت كحلم بعيد، نجمه ساطعه بظلام سماءه الحالك وكفى، لم يسمح لذاته بفكرة نيلها، بل فقط كل ما يُسمح به هو تأمل بهاءها وتركها تنير عتمة ليله القاحلةض، لكن ان يمتلكها ويحطمها بقربه هذا لن يسمح له ابدًا، لذا تشنجت عضلات وجهه وبرزت عروق نحره وهو يهتف قائلًا:-

- مستحيل أوافق على الكلام دا!..

امتقع وجه سليمان وغضب بارد يطُل من مقلتيه وهو يأردف قائلًا:-

- لو عاوز تنقذها يبقى تقبل تتجوزها وألا هتكون بتحكم عليها بالتشرد والضياع..

ثم حرك مقعده نحو الشرفة حتى يريه ما يحدث عندها، حيث سيارة الشرطة قادمه لتخرجها من منزلها، صُدم آسر مما يرى امامه، وحاول تحريك مقعده وتحريره من والده للوصول لها، يشعر ان عليه ان يكون معها في تلك اللحظة، قلبه يشعر بالوجل عليه، لذا تحدث بنبرة تقطر ألمًا لوالده راجيًا له ان يتركه ليذهب لها:-

- بابا سبني اروح لعندها، هي محتاجه اننا نكون معاها..

بنبرة بارده تحدث سليمان قائلًا:-

- القرار بأيدك يا آسر، موافق تتجوز جودي وتعيش هنا وسطينا معززه مكرمه مل احلامها مجابه أو تتركها لمصيرها وحيده في الطرقات هنا مدانة للبنك بكثير، ولك أن تتخيل بنت حلوة زيها لوحدها ببلد اجنبي غريب هيكون مصيرها إيه!... 


سالت دمعة من عينيه شقت طريقها في الاخاديد 

علي جانبي وجهه كالماء حينما تخترق أرضا شديدة الجفاف وتحدث بنبرة متألمة:-

- ارجوك يا بابا بلاش تعمل فيا كده، بلاش الاختيار من خيارين الاثنين أصعب من بعض، أنت قولت هتجوزها من واحد من ولادك ليه أنا!، وليه ما يكون تيام، ثم ادار براسه لتيام يناظره بنظرات رجاء، لكن تيام اشاح بوجه بعًيدًا عنه قائلًا:-

-- اسف يا آسر مش هقدر، جودي ليك أنت والقرار بأيدك يا تنقذها وتنتشلها من اللي هتعيش فيه او تسيبها تغرق، القرار بأيدك انت..

رمقه آسر بخيبة أمل وشعر وكأنه يتمزق بين قرارين كلاهما هادم ومدمر لها، ليبقى على وضعه للحظات والصمت السحيق هو السايد بينهم، وعيناه فقط هي من تناظر والده برجاء لم يهتم له، فكان كل ما يجول بخاطره إنقاذ ابنه وجودي هي سبيله لذلك، هي من ستمنح ابنه الحياة والسعادة والقوة ليتحسن من اجلها، لذا ناظره هو الاخر بنظرات حاسمه تخبره ان لا تراجع عن قراره أما الزواج بها وانقذها او تركها بين الطرقات لقمه سائغه لمن حولها.. 

ليهتف تحت وطأة مشاعر الوجل عليها والضغط من والده قائلًا بنبرة تقطر ألمًا، شاعرًا بالأسف عليها متوعدًا بالعديد بداخله من اجلها، مانحًا اياه ما اراد، حتى سمح له بالذهاب لها قائلًا:-

- تيام وصل اخوك لعند جودي وتقدروا تجيبوها معاكم والخدامة تجهز لها اوضة الضيوف تبقى فيها الليلة على ما نكتب الكتاب بكره... 

أذعن له والده وتوجه اتجاه شقيقه يجذب مقعده ويحركه هامسًا له بالأسف انه لم يستطع وأن ما حدث هو الخير لكليهما...


وصل لها وقلبه ينتفض بألم مما تعانيه تلك الصغيرة، لعنًا تلك الحياة التي ألمتنا وعصفت بها الى هذه النهاية الوشيكة، لتمسى زوجه رجل عاجز لا يستطيع منحها ابسط حقوقها، لكنه توعد أن يبذل ما بوسعه من اجل سعادتها وان تستمد بعضًا من قوتها حتى يكون لها حرية القرار، كان يعد ويتوعد ذاته غافلًا عن قدر متمرد لا يخضع لأحد، قدر قد كُتب وانتهى وعلينا عيشه والرضا به... 

꧁بسم الله الرحمن الرحيم ꧂                

"حدث بالخطأ" 

سلسلة "حينما يتمرد القدر" 

بقلم "دينا العدوي"(ملاك)

  البارت الرابع 

🌺🌺🌺 

على اعتاب شرفته يجلس على مقعده والبؤس يرسم ملامحه، يتأمل زخات المطر الغاضبة والتي تتساقط بالخارج، مصاحبه لصوت الرعد والبرق وكأن السماء مغتضبه مستنكره لكل ما يصيب تلك الصغيرة ..                   

لا تزال صدى كلمة إذعانه وخضوعه الحارقة تترك آثرها على قلبه، لا يصدق أنه أُجبر على تلبية اوامر والده وانه بالغد ستقترن به أميرة القصر الفاتنة وتصبح له، غامت عينيه بحنين لها، وشفقه على ما يصيبها من غدر الزمان لتقترن بشاب قعيد مثله، تلك الاميرة التي تستحق أمير يتوجها على عرش قلبه، يمنحها ما لا يستطيع هو منحه، لكنها لم تتلقى إلا الغدر والقسوة من تلك الحياة اللئيمة والتي قادتها أليه.. 

لكنهُ الأن بما أنه ادرك حقيقة أن زواجهم قدر محتوم، فـ توعد بينه وبين ذاته على أن يسعي ليكون جدير بها، سوف يستأنف علاجهُ من اجلها فقط، حتى يقف على قدميه مجددًا ويكون الزوج الذي تتمناه هي، الزوج الذي يستطع تلبية احتياجاتها ورغباتها الانثوية والحياتية، من الآن سيصابر!، لن ييأس أو يمل!، هي هدفه ومبتغاه اسعادها..               

دخل عليه تيام الذي راقب شروده منذ وهله وهو يتطلع به ويخشى مواجهته، ظل لثوانًا يحدق به ويستجمع شجاعته، حتى سمح لقدمه ان تقتاده اليه هامسًا بأسمة، فانتبه له آسر واستدار بوجهه نحوه يطالعه بنظرة خذلان منه، جعلت بصره ينحدر ارضًا لثوانًا حتى رفعه قائلًا:- 

- آسف يا آسر بس مقدرتش اعمل كده، صدقني صعب أني حتى افكر فيها زوجه وأنا شايف بعيني نظراتك ليها طوال الفترة دي، وصدقني أنت قادر تسعدها وتمنحها الحب والعاطفة اللي تحتاجها بنت رقيقه زي جود، قضت عمرها في أقرب ما يكون عنه سجن، بنت لو ما كان ربنا دخلها حياتك كان زمنها ضايعه وخاصةٍ لساذجتها وجهلها عن الحياة والناس وقسوتهم، صدقني أنت ما بتظلمها بجوازك منها أنت بتمنحها وتمنح نفسك فرصه للحياة، هي هتكون دافع وفرصه ليك لتعيش وأنت هتمنحها البيت والحب والعيلة والأمان فكر في كلامي وهتلاقي إني صح .. 

انهى حديثه وغادر تاركًا اياه يتخبط بين كلماته التي تحوم برأسه الأن بلا هوادة وشيئًا بنفسه يخبره أنه محق، أن القدر يقتادهم لبعض، فـ جود لن تتمكن من العيش في تلك الحياة القاسية وحدها وأن الله أرسله ليكون ملاكها الحارس ولتكون شعلة الأمل للتشبث بالحياة والتعافي من اجلها، لذا ليتمسك كلًا منهما بالأخر ويترك القدر يتقدهما كما فعل.... 

***** 

اغمض ظافر عينيه بألم سافر وهو يرتكن بظهره على مقعده الجليدي، وأنامله تفرك جبينه من نوبة وجع الرأس القوية التي تداهمه وهو يعاني من كلا الأمرين؛ غضب جمّ يشعر به وعذاب ضمير يختلجه، أمواج وأمواج تتلاطم من الحزن والخزي من الذات يغرق بينهما بلا رحمه، أنفاسه تضيق ودقاته تجن هادره لأدراكه أنه قد أحزنها اليوم مجددًا كالعادة يؤذيها ويؤلم روحها ويتألم لألمها....                       

قطع جلده لذاته صوت طرقات سكرتيرته تعلن له عن مجيء فريق عمل شركة الزيني وانتظارهم له بغرفة الاجتماعات، فأومئ لها ونهض يلحق بها الى غرفة الاجتماع، وهو عازم على إنهاء العمل والمغادرة باكرًا لجلب هدية ما وربما باقة من أزهار البنفسج المفضلة لها والذهاب أليها لأصلاح ما أفسده، تيبس موضعه وخفق قلبه بجنون بينما تسارعت أنفاسه ما أن وضع اول خطوة بغرفة الاجتماعات ولمحها هنا بين فريق العمل، صدمه اجتاحته برؤيته لها بعد كل ذلك الوقت الذي جاهد فيه للجمّ مشاعره نحوها، هي نادين حبه الأول والذي قضى سنون دراسته الجامعية عاشق لها مقرر رفض تحكمات وتعسفات عائلته والتخلي عن كل شيء من أجلها، وما أن اوشك أن يفعل ويعلن تمرده ورفضه لتلك الزيجة، حتى امتنع ما أن علم بمشاعر صغيرته ميار القوية له، لم يستطع رفضها هي وعشقها وتحطيم قلبها الصغير برفضه لها، يدرك كم هي رقيقه وستموت حينها، لذا اختارها هي وذهب ل نادين معتذرًا يخبرها انه قرر الزواج من أبنة عمه كما العادات تحكم، حينها صاحت به وتهمته بالضعف، ووافقها على هذا كان اضعف من كسر صغيرته الرقيقة بيده، ليقرر منحها حلمها الذي يؤذيها يومًا تلو الأخر، ظلا للحظات مشدوهًا بوجودها حتى أسبل جفنيه يسيطر على اعصابه وتحكم بصدمته وخطى خطواته حيث مقعده مرحبًا بهم.. 


بينما هي كان قلبها ينبض بجنون بصدرها حينما وقعت عينيها عليه، فكم اشتاقت له، تذكرت كم سعد قلبها وتراقص نبضه حينما علمت بأن مصانع الزيني ستدخل بشراكة عمل مع شركات السيوفي وانها من ضمن الفريق التابع لتنفيذ تلك الصفقة ومباشرة الاعمال التي تجمعهما، وحقيقة أنها وأخيرًا ستلقاه بعد طوال غياب جعلتها تحلق عاليًا وهي تعُد ذاتها من اجل مقابلته اليوم واستعادة شعورها بقربه... 


غامت عيناها تأثرًا به ما أن التقت عينيهما معًا، شعور بالاجتياح اقتحمها، اجتياح هيمنته عليها، راقبت صدمته وانقشاعها وتلكأه بالتقدم وعيناه التي تهربان من النظر إليها خوفًا من ضعف وشيك تراه بمقلتيه، فهي تثق بهيمنتها عليه كما هيمنته عليها، ربما اختار تلك الصغيرة سابقًا وهي كانت من الغباء لتستسلم، لكنها ندمت لفعلتها تلك، لتركها اياه لها تلك المدللة لتحظى به وتتلظى هي بنيران الغيرة والشوق الذي رجم قلبها كسياط من جمر... 


انتهى الاجتماع ولملم الجميع اشياءه، بينما تلكأت هي قليلًا ، وهو تائه مشتت لا يدرك ما عليه فعله، خرج الجميع لكن وقف أحد زملائها على اعتاب الغرفة قائلًا:- 

- نادين يلا هنستناكِ نروح على الشركة سوا.. 

ألتفتت اليه بابتسامه قائلة:- 

- لا شكرًا يا رامز روحوا انتم، انا مش هروح الشركة عندي صديقه هنا وحشتني وحابه اطمن عليها.. 

اومئ لها بابتسامه عذبه محبه وغادر، بينما ظافر لا يعرف ما هذا الارتباك الذي يعتريه، متوتر بشده، ويرتعد وجيبه بداخله... 


خلت الغرفة إلا من كليهما، للحظات ساد التوتر والصمت بينهما، حتى قطعته هي قائله:- 

ـ معقول ضايقك وجودي اوي كده يا ظافر وحتى مش حابب تسلم عليا!، ولا كأن بينا ذكريات كتير... 

زُخم من المشاعر المربكة كانت تعتريه الآن، شوق، حنين، وخوف أجل خوف من مشاعر دافينه قد تطفو للعلن وتسير فوضه قد تهدم وتحطم أحدهم، مشاعر يجدر بها البقاء دفينة الاعماق، بينما هي كانت تتلهف له كلهفة الصحراء للغيث، لكن احبطها صمته الذي لم يدم إلا لحظات حينما ارتعش قلبه لرؤية نظرة الحزن بعينيها، لذا أسبل اهدابه قائلًا:- 

- أبدًا ما ضايقنيش يا نادين ولا حاجه بس تفاجئت، ما كنتش عارف إنك بتشتغلي في شركة الزيني، بس حقيقي انبسط إني شفتك واطمنت عليكِ... 


ابتسمت هي ابتسامتها المحببة لقلبه، جعلته يبتسم هو الأخر لها، لذا اردفت بأسلوبها المرح المعتاد قائلة:- 

- تمام بما أنك سعيد لأنك شوفتني وأنا كمان كذلك وبقالنا كتير ما تقابلناش يبقي ضروري تعزمني على الغدا ونتكلم سوا كأصدقاء زي زمان... 

ذاك الطنين بأذنيه الذي هدر فجأه منبعث من عقله الرافض لتلك الدعوة ينذره بخطورة تلك الخطوة، لكن تعالى صوت دقات قلبه غطى على هذا الطنين، ليستسلم بلحظة ضعف لقلبه الذي يحثه على القبول، فأومئ لها برأسه موافقًا 

لتجيب بذات البسمه قائلة:- 

- تمام يلا بينا لأني هموت من الجوع وانت عارفني لما بجوع بيحصل إيه.. 


اتسعت ابتسامته مستعيد ذكرياتهم معًا وهو يجذب اشياءه ويغادر معها غير مدرك انه على وشك السقوط في هوه سحيقة قد تؤدي بحياته الذي يجاهد لرأب الصدوع بها 

لكنه ألغى عقله تمامًا واتبع لحظات حنين قلبه لماضي أسعده... 


صعدت سيارته وانطلق بها الى احد المطاعم القريبة وولجا الي الداخل، وقادهم النادل لأحدى الطاولات، وانتظر طلبهما... 

تفاجئ ظافر بنادين التي أسرعت تملي على النادل طلبهما المعتاد، مما ادهشه أنها لا تزال تتذكر.... 

استدارت أليه بوجهها وكأنها تداركت للتو فعلتها قائلة بأسف مصطنع:- 

- آسفه يا ظافر ما انتبهتش، بس عادة أن كنا دايمًا بنطلب الطبق دا سوا غلبتني ونسيت... 

ابتسم لها قائلًا بصوت مثخنًا بالحنين احيته بداخله:- 

- لا ابدًا مفيش مشكله يا نادين، أساسًا كنت هطلب ذات الطلب.. 

ابتسمت بمرح قائلة:- 

- أوف ريحتني يا ظافر، هااا قولي انت اخبارك إيه!.. 

اردف قائلًا:- 

- انا تمام، حياتي زي ما هي مفيش جديد.. 

بتساؤل متردد أردفت قائلة:- 

- سعيد يا ظافر!... 

ثقل انفاسه للحظات، شاردًا بأفكاره متسألًا أن كان سعيد أم ماذا!، لم يسأل ذاته هذا السؤال قبلًا هل هو سعيد!، لما بدت الأجابه مبهمة له!، ولما يشعر بشيء خاطئ هنا.. 


أصابها الندم لطرحها هذا السؤال، خوفًا من اجابته ما أن لاحظت شروده اللحظي هذا، حتى اسرعت بتغير الموضوع قائلة:- 

-أه صحيح عرفت ان رانيا واحمد خلفوا ياسين.. 

نجحت في انتزاعه من شروده قبل التقاط أيجابة سؤالها الدفينة في أعماق قلبه وكادت أن تطفو له وتبيت ظاهرة 

لو تعمق لثانية أخرى، لكنها عادت حيثما كانت متوارية عنه 

ليهتف قائلًا:- 

- حقيقي مبروك فرحت لهم جدًا.. 

تابعت حديثها قائلة بسؤال مُلح أخر سيترتب عليه الكثير قائلة:- 

- وأنت يا ظافر خلفت ولا لسه .. 

فجأه سؤالها لكنه اجابها قائلًا:- 

- لا لسه ماحصل نصيب

زفرت ارتياح أطلقتها لم تفوته رؤيتها تزامنًا مع مجيء النادل بالطعام ثم تركهما، فشرعوا بتناوله مع الحديث بذكريات مضت حتى انتهوا وغادرا من المطعم، موصلًا إياها الى الشركة، متوعدان بلقاء أخر قريب، ثم عاد الى شركته لأتمام عمله متناسيًا ما خططه من اجل تلك القابعة بالمنزل يلتهما الحزن هي وجنينها حديث التكوين برحمها من جفاء زوجها ومعشوق قلبها .. 

**** 

انتهت ساره من دوامها وعادت ألي منزلها مبكرًا كما اخبرتها حماتها، دخلت المنزل بخطوات مرهقه من العمل، وجدتها جالسه على احد الارائك بصالة المنزل البسيط قائلة بامتعاض:- 

- ما لسه بدري يا هانم!.. 

بنبرة فته ومتعبه اردفت قائلة:- 

- لسه مخلصه والله يا ماما، مسافة الطريق بس لأني اخدته مشي كالعادة.. 

نهضت متأففة قائلة:- 

- تمام يلا بينا عشان ما نتأخرش.. 

اردفت قائلة بتساؤل مع تقطيب حاجبيها:- 

-انت ما قولتليش هنروح فين يا ماما!... 

اجابتها بنبرتها الجفاء قائلة:- 

- لما نروح هتعرفي. 

اومئت لها بصبر نافذ تجاهد للتحكم به وتابعتها حيث تريد، دون أن تعرف ما ينتظرها وسيبدد صفاء حياتها 

أو ربما يكون عقاب ذنب قد ارتففته بماضيها او ربما هي فقط ستدفع ذنب لم ترتكبه مطلقًا... 

**** 

تلاشت ظلمة الليل وحلّ صباح آخر شمسه متواريه خلف غيوم كُثر كمثيل الأمس وقبل الأمس أتمت فيه جودي عامها الثامن عشر، استيقظت فيه وحدها لأول مرة منذ سنوات لا تستيقظ فيه على لمسات والدها الحانية والبهجة ترتسم على محياها لما يخطط له من اجلها، اصطحابها لرؤية الخارج معه، الذهاب للتسوق يليه تناول البيتزا المحببة ثم السينما ومدينة الملاهي، لكن اليوم لا شيء سيحدث، سيمر كئيب كمثيله دونه وهي ببيت جديد محاطه بأناس أغراب عنها، 

نهضت بتكاسل من على الفراش والعبرات تنساب على وجنتيها، جذبت احد الاثواب السوداء ودلفت للمرحاض ثم ارتدته وجلست على الفراش شاعره بالحزن، طرقات على باب الغرفة اجفلتها فأردفت تجيب على الطارق بالولوج.. 

ثواني وانفرج الباب وكان آسر يجلس على مقعده ويحمل قالب جاتوه ومعه تيام مهنئين لها بعيد ميلادها، هتف آسر قائلًا بنبره صوت مثخنا بالعاطفة:- 

- ما حبيتش أول عيد ميلاد ليكِ معانا يمر دون احتفال، كل سنه وانتِ طيبة جودي 

هدر قلبه نبضة سرور قد اختلجته بينما ماجت عينها بمزيج من السعادة والامتنان له لتواجده ودعمه، لا تدرك ما تشعر به اتجاهه، فتلك المشاعر مبهمة لها، لكنها تشعر نحوه بالعاطفة وشعور بالأمان لتواجده بمحيطها، قطع الصمت السائد بينهما قائلًا: ـ 

ـ كل سنه وانت طيبة يا أميرتنا 

اومئت له بخجل صامت، حتى ظهر من خلفهم سليمان الذي آتى قائلًا:- 

- كل سنه وأنت طيبه يا جودي... 

بخجلها الصامت اومئت له، ليتابع هو قائلًا:- 

- انتِ عارفه أن أنا وباباكي استنينا تتمي السن القانوني عشان نتمم زواجك من آسر وبما إنك تميتي النهاردة، فأحنا هنباشر بأجرأت الجواز، لأن باباكي الله يرحمه كان رافض فكرة إنك تبقي هنا من غير رابط وأنا لازم أنفذ وصيته عشان كده هنروح المحكمة نقعد قرانك انتِ وآسر... 

اومئت متفهمه، موافقه وكيف لها أن تعترض وهل تستطيع الاعتراض وتعرفه، انها بريئة، وساذجة، كالدمية سوف يستطيع تحريكها كيفما شاء.. 

بينما آسر لا يعرف لما قُبض قلبه يشعر بشيء خاطئ، لكنه هو الأخر مجبر من اجلها، من أجل ضمان حميتها وقربها، لذا صمت مترقب تعابير وجهها والتي فجأته لا من نفور ولا اعتراض داخلي، انها متقبله الزواج منه، لا يشعر بأنها مكرها او مجبورة، بل موافقه عن طيب خاطر وهذا أسعد قلبه، كانت عيناه فقط متعلقة بعينيها السوداوية الواسعة ولم ينتبه لحديث والده أن عليهما الاستعداد، حتى قام تيام بلكزة مع بسمه متسليه وقام بتحريك المقعد، ليتركوا جودي تستعد ويستعد هو الاخر..... 


بينما بالغرفة الاخرى كانت شاهي تقطعها ذهابًا وأيابًا رافضه هذا الزواج المفاجئ، لكن ليس بيدها منعهُ، كانت تعتمد على عدم موافقة آسر لكن سليمان استطاع الضغط عليه وارغمه على الموافقة، لكن عليه فعل شيء، كانت تشعر بالتوتر من كينونة تلك الفتاة الدخيلة عليهم، لكنها تفاجئت من براءتها وساذجتها، هذا جعلها تخنع مؤقتًا تاركه الامور تسير كما هي، فحتى أن تم هذا الزواج، ستنهي هي ما بدأت، لكن سيكون هناك تغير بسيط بما تخطط له، فتلك الفتاة لن تأثر عليها بل على العكس سوف تستخدمها كبيدق بلعبتها تلك، لكنها كانت غافلة عما يخطط له زواجه وبد يطيح بكل مخططاتها 

**** 

في مبنى بلدية المحافظة الساكنين بها، خطت جودي على عقد القرآن وكذلك فعل آسر ليصبحا زواجين قانونيًا، ما أن اعلنهم القاضي زوج وزوجه، حتى ماجت عين جود بالألم لعدم وجود والدها برفقتها ورؤيته لها تفعل ما اراد، تقدم منها سليمان مباركًا وقبلها من جبينها يخبرها أنها ابنته منذ اليوم وليست فقط زوجة ابنه، بينما هنأها تيام هو الاخر وتقدمت منها شاهي متظاهرة بالود تهنئها بكونها باتت فرد من العائلة، كل هذا كان يتابعه آسر المشدوه وغير مستعب ألي الأن ان أميرة القصر الصغيرة صارت ملك يمينه... 


اخرجه من شروده تيام وهو يبارك له، حتى تحدث سليمان بموجب الذهاب ألي أحد المساجد لعقد قرآن شرعي وهذا ما فعلوا بعدها، لتنتهي اجرأت زواج أسر وجودي... 

بينما بالمنزل كان الخدم ينقلون اغراض جود الى غرفة آسر 

وتهيئ الغرفة لتتناسب مع عيش زوجين بها... 


ما ان وصلوا حتى كان سليمان امر بتجهيز سفرة كبيره احتفالًا بزواج ابنه الذي لن يقدر على إقامة احتفال به أولًا من اجل والد جود وأيضًا من أجل ابنه الرافض لتلك الفكرة.. 


تجمعوا على السفرة وتناولوا الطعام في جو عائلي لم يخلوا من ممازحات تيام مع جودي حتى انتهوا وطلب منهم سليمان الذهاب ألي غرفتهما للراحة، وترك أسر يتعامل هو بمقعده دون مساعده منهما لعدم احراجه أمام جود، استقليا المصعد وصعدنا ألي غرفتهما، ما ان دلفنا ألي الغرفة، حتى توترت جود من فكرة مكوثها مع رجل بغرفة واحده، ذاك الخجل والتوتر الفطري لأي أنثى داهمها، رغم جهلها التام عن الزواج وكينونته، فهي تربت على أيد والدها الذي حرص على عدم معرفتها بأيًا من تلك الامور وأيضًا على يد راهبه تجنبت الحديث معها بتلك المواضيع سوا أن عليها المحافظة على ذاتها وعدم السماح لأحد بالاقتراب منها حتى لا يغضب منها الرب، لذا جود جاهله عن العشق والزواج وما يخصه تمامًا... 

شعر آسر بتوترها، ولولا أنه يدرك جهلها وعدم ادراكها عن طبيعة العلاقة الزوجية ، لتوتر هو الاخر وشعر بالحرج لعدم قدرته على منحها لها، فقد أخبرتهم المربية في وقت سابق عن جهل جود عنها وعدم تثقيفها بأمر من والدها .... 

لذا للحظات ساد صمت متوتر بينهما وهو شارد بطبيعة علاقتهما معًا كيف ستكون، خاصةٍ مع براءتها تلك، حتى قطعته جود وهي تنتبه لتلك المكتبة الضخمة من الكتب والروايات، لتظهر على محياها ابتسامه صغيرة وهي تتحدث قائلة:- 

- أنت بتحب القراءة يا آسر.. 

ابتسم لها مومئًا برأسه قائلًا:- 

- تمام زي اميرة القصر، بتفضل القراءة بالجنينة واحيانًا بشوفها وهي مستمتعة بقراءة والدها ليها... 

غامت عينيها بالحزن على ذكرى والدها، فلاح الندم على محياه آسر لتذكيرها، فاسرع قائلًا:- 

- تحبي اقرأ لك انا!. 

اومئت له برأسها موافقه، فهتف قائلًا:- 

- تمام اختاري كتاب وتعالي نقرأه جوا في البراندا... 


اومئت واتجهت نحو المكتبة تختار كتابًا ثم اعطته له، فأبتسم لها وحرك مقعده اتجاه الشرفة، طالبًا منها ان تلحقه وجلست امامه على أحد المقاعد وبدأ هو بالقراءة لها، واستمعت هي له بشعور راحه وسعادة وليدة لرفقته... 

**** 

بالقاهرة بقصر السيوفي، استيقظ ظافر مبكرًا وارتدى ثيابه وغادر غير قادر على مواجهة ميار، حتى أنه عاد ليلة أمس متأخر وظلا بالمكتب حتى تأكد من نومها وصعد، بداخله يدرك أن لقاءه بنادين كان خطأ لكنه ينكره، لذا يهرب من ميار ومن عذاب الضمير الذي يختلجه بقربها، ولا يدرك انها تشعر به وبهروبه منها الذي يدمي قلبها... 

** 

استيقظ آدم هو الاخر وأرتدى ثيابه ثم توجه ألي الفراش حيث زوجته غافيه، جلس بجانبها وبدأ بتمسيد خصلاتها برفق محاولًا أفاقتها، ألي أن تململت بالفراش مستيقظة، لتتفاجئ بعيناه المموجة بالمشاعر والعاطفة نحوها، وتلك الابتسامة العاشقة التي يخصها به قائلًا:- 

-صباح الخير يا حبيبتي.. 

ارتبكت حينما وجدته يميل برأسه اتجاها، وعيناه على شفتيها، فأشاحت بوجهها وكأنها لم تنتبه فلامست قبلته وجنتها، رفع رأسه وابتعد عنها مستعيدًا جموده، ما أن أنتبه لفعلتها تلك وهتف قائلًا:- 

- اجهزي وحصليني على مكتبي.. 

اومئت له، فخطى خطواته اتجاه باب الغرفة وخرج 

هابطًا الدرج متوجه حيث مكتبه، عازمًا على فعل شيء ما، 

ربما يستطع رأب الصدع بينهما، اجرى اتصالاته اللازمة للأمر 

وانتظر مجيئها، لحظات وسمع صوت طرقات هادئة، ادرك انها هي فأذن له بالدلوف، ما أن فعلت، حتى أشار لها بالجلوس وهتف قائلًا:- 

- نيرة أنا قررت اننا نعمل العملية دي وكلمت الدكتورة واقترحت علينا مختبر ناجح في مدينة هولندا مختص بالتلقيح الصناعي وأنا هحجز التذاكر وهنسافر قريب أن شالله، وعايزك تعرفي أن مفيش حد هيعرف بالموضوع دا غيرنا انا وانتِ، بالنسبة للكل هيفكروا اننا رايحين سياحه.. 

اختلج السرور نبضها وارتسمت ابتسامه خافته على محياها وهي تومئ له موافقه، ليستمعا لطرق الباب والخادمة تخبرهم بان الجميع ينتظرهم على الفطور، لينهضا متوجهين نحو الطاولة يلقين تحية الصباح عليهم وبدأوا بتناوله، حتى هتف آدم قائلًا:- 

- خلال يومين انا ونيرة هنسافر برا مصر في رحلة.. 


تفاجئت كلًا من سناء والدة نيرة التي شكت بأن هناك سبب خفي لتلك السفرية المفاجئة، وصافية والدة آدم التي انتابها الضيق من هيمنة ابنة سناء على وليدها، بينما ابتسم كلًا من نادر و سيدرا، كذلك ارتسمت ابتسامه حزينة على محياه ميار التي تتمنى أن يفعل اخاها ما لم تستطيع فعله وهو الوصول لقلب من عشقها، فهي تدرك تمامًا ذاك الصقيع بعلاقة شقيقها الاكبر المماثل لعلاقتها وكأن قدره هو وهي الغرق بعشق من لا يبادلهن مشاعرهم، وكان عشق ابناء عمهما لعنه اصابتهم.... 

انتهى الفطور وخرج ادم الى الشركة بينما صعدت نيرة ألي غرفتها ولحقتها والدتها لتعلم سر تلك السفرية، اقتحمت الغرفة قائلة:- 

- ممكن أعرف إيه سر السفرية دي يا نيرة!.. 

لم تتفاجأ نيرة بقدومها بل على النقيض كانت متوقعه له، والدتها وتعرفها جيدًا، لذا اعطتها ما اتت لأجله لتريحها وترتاح من ضغطها عليها واخبرتها إنهما ذاهبان لأجراء عملية تلقيح صناعي لرحمها، لعلها تنجح وتستطيع ان تحمل طفله، وان آدم أصر على عدم اخبار احد بتلك الحقيقة.. انتابتها السعادة وتلاشى ذعرها السابق من فكرة تخلي ادم عن أبنتها من اجل الاطفال، لكن هاهو يثبت هيامه بها ليوافق على تلك الجراحة ويسعي لها، متمنيه نجاحها من اجل تحقيق اهدافها، وأخيرًا منحتها ابتسامة رضا وهي تؤكد عليها أن تلتزم بكافة التعليمات لنجاح هذا الحمل وأكمله، ثم تركتها وغادرت ورأسها تموج بأعداد الخطة اللازمة ما أن تنجب ابنتها وريث العائلة... 

*** 

في الشركة، تأفف نادر من العمل والملفات التي أمامه فقد اشتاقها كثيرًا، مرت عدة ساعات لم يراها فيها لانشغال كلًا منهما عن الأخر وهو لم يعتاد بُعدها عنه بعد، لذا ترك الملفات ونهض عازمًا على الذهاب أليها، خرج من الغرفة واخبر سكرتيرته بتواجده بغرفة سيدرا، وتوجه نحوها، لكن اظلمت عيناه ما ان ولج الغرفة ووجد أحد الموظفين قريب منها يريها شيئًا بالملف الذي بين يديها، شعر بالدماء تغلي بأوردته واوشك على التقدم نحوه بنية تلقينه درسًا، لكن انتبهت سيدرا له واستطاعت قراءة ما يدور بعينه الأن، فأسرعت بالنهوض متوجه نحوه، بينما تطالب من الموظف المغادرة، كانت تضغط على ساعديه وترجوه الهدوء، تعلم مشاكله مع الغيرة والغضب وكم عانت معه لتقويمه للجم غضبه هذا، فلم تنسى بعد ماذا فعل بأحدهم ببداية علاقتهما فقط لأنه أبدى إعجاب بها وبعدها الكثير من المرات التي تليها، لتتأكد حينها أنه يعاني مشاكل مع التحكم بغضبه الذي امتزج بالغيرة عليها، كانت في البداية تنفر من ذاك الغضب الجمّ الذي يعتريه وفقدانه سيطرته عليه، لكنها لم تستطع تركه، فقد وقع قلبها له بشدة، لذا قررت اتخاذ سبيل اخر وحاولت اقناعه بالخضوع للعلاج لعله يتعلم السيطرة، لكنه رفض رفضًا قاطع، فما كان عليها غير مساعدته بذاتها لجأت لصديقتها الطبيبة النفسية والتي علمتها كيف تتعامل معه ومع غضبه هذا ومحاولة تقويم سلوكه الهمجي وجعله شريك أفضل خاصةٍ بعدما تم كبته حينما اجبرته على التوقف عن القتال الدامي الذي كان يمارسه بالخفاء هو ومجموعه من الملاكمين، وقد قطعت معه شوطًا كبيرًا، لكن مازالت تأتيه تلك النوبات من الحين للأخر وكلها يكون دافعها الغيرة عليها، لكنها ستعلمه كيفية التحكم بها مؤكدًا، لذا تنفست الصعداء ما ان خرج الموظف واستطاعت لجم غضب نادر عنه، لترسم سيدرا ابتسامة على محياها وهي توجه وجهها له، ابتسامه من شيمها تبديد كل غضبه، فيحل العشق محلها، العشق لتلك الانثى الشبيهة بمهدئ قوي له، تجعل منه حمل وديع يتودد لرضاها عليه، يستجدي منها منحة عشق، وهي لم تبخل عليه، تعطيه كل ما يرغب به، لا تقارعه ولا تنهره فقط تتظاهر بعدم انتباهها لتلك النوبة الوشيكة من الغضب، فيكفيها انهما نجحا معًا في لجمها وتلاشيها، لكن تلك المرة تظاهرت بالحدة والعملية متذكره انها مديرته الأن واردفت قائلة:- 

- جاي هنا لعندي ليه ومن غير ميعاد كمان، حضرتك دا مكان شغل مش مكان لعب وتسلية، اتفضل ارجع على مكتبك حالًا وخلال ساعه تكون الاوراق والملفات اللي طلبتها جاهزة... 

رفع حاجب متسلى لها، وهو يراها تنهره هكذا في محاولة منها لتصنع القوة والجمود، لكن دونًا عنها خرجت منها بدلال مغوي أثار قلبه واهتاجت له مشاعره لذا وضع يده بجيب بنطاله وهو لا يزال يرفع لها احد حاجبيه، وتقدم منها خطوة جعلتها تتراجع مقابلها، حتى اصطدمت بحرف المكتب ومالت، حينها فقط ارتفعت أحد ذراعيه لتحيط خصرها والذي عمل على تقريبها منه، بينما الاخر مازال بجيب بنطاله، وبلحظه كان يرتشف من رحيق شفتيها المغوي له، رغم تململها ووجلها من ولوج أحدهم، حتى مرت لحظات وتركها قائلًا:- 

- زعقي لي تاني كده وأمريني والموظفين هيمسكونا بفعل فاضح في المكتب يا مدام، المرة دي هكتفي بتحذير 

ثم من هنا ورايحه مفيش راجل يدخل مكتبك هنا ويقرب بالشكل دا مفهوم!.. 

كانت بتلك اللحظة تائهة، هائمه بتأثير قبلته التي لا تزال تملك ذات الأثر عليها، تسكرها بشكل غريب، وتلك الحالة التي تعيشها عقب تقاربه منها، تنتفخ لها اوداجه بفخر رجولي وانتشاء سعيد، يتضخم له قلبه وتضاعف دقاته، لذا كان رؤوف بها وابتعد قائلًا:- 

- كده اقدر أكمل الملفات من تاني بعد ما اخدت اللي كنت جايله وشحنت طاقه.. 

وهكذا انهى حديثه بغمزة عابثه وخرج تاركًا اياها تستعيد وعيها وتهدى من خفقان قلبها الذي يكاد يصاب بنوبة قلبيه كلما يتلاحما بقرب مثير لمشاعرها العاشقة له حتى النخاع، لتتخذ خطواتها اتجاه مقعدها وترتمي بجسدها عليه وبسمه واسعه تزين محياها سعادة بذاك الشرس العابث الذي تزوجت منه وعشقته..... 

**** 

وهكذا مضى اليوم وغابت شمسه واسدل ليلة ستائره، ليخفف حدة ظلام الليل ضوء القمر الخافت الذي انار له وجه جود التي ما تزال جالسه برفقته بشرفة غرفتهما يقرأ لها ويلاحظ استمتاعها بذاك الوقت، حتى قطع عليهم صوت الخادمة وهي تخبرهم بتجهيز العشاء وطلب حضورهم، ليغلق آسر الكتاب وهو يبتسم لها قائلًا:- 

- تعالي نتعشى يلا... 

منحته تلك البسمه وهي تنهض من على المقعد وتتبعه حيث المصعد للهبوط، ليجدان الجميع جالسون ويبدأ بتناوله حتى انتهوا وجلسوا سويًا قليلًا حتى هتفت شاهي قائلة:- 

-فات ميعاد دواك يا آسر ولازم تلتزم بيه، ثواني وهبعت اجيبهُلك... 

هنا وتحدث سليمان قائلًا موجه حديثه ل جود واسر:- 

- جود من دلوقت هتكون مسئوله عن مواعيد دواء اسر وهتكون حريصة انه يخدها باعتباره جوزها، مش كده يا جودي.!.. 

ما أن انتبهت له جودي حتى اومئت له براسها قائلة بعذوبه:- 

- اكيد يا أُنكل، بس محتاجه مساعدة بسيطة أنكم تعرفوني مواعيده وانا هلتزم بيها فورًا... 

منحها ابتسامة رضا، وتطوعت شاهي قائلة:- 

- تمام يا جود تعالي معايا، انا هوريكِ الأدوية ومواعيدها بالضبط.. 

اومئت لها ونهضت مثلما فعلت وذهبت خلفها حيث الغرفة لتبدئ بشرح مواعيد الأدوية لها بود مصطنع، حتى انتهت تمامًا من الشرح، وبعد دقائق كانت عائدة بأحدهم له، لتجعله يأخذه ويرتشف الماء أمام الجميع دون أن يعترض او يمتنع بالبداية كعادته، مما جعل تيام يرمقه بغمزة، وكذلك نظر له والده بنظرات اخجلته، جعلته يوجه حديثه لجود متسائلًا بعدما لاحظ جفونها المرتخية، فهتف قائلًا:- 

- تعبتِ تحبي نطلع عشان ترتاحي وتنامي!.. 

اومئت له بتثاؤب، فابتسم على طفولتها واستأذن منهم، وخطى الخطوات اتجاه المصعد، الا أنه توقف مستدعي الخادمة قائلًا:- 

- ابعتي واحد لبن دافي بالعسل لأوضتنا.. 

ثم نظر لجود التي أنتابها الخجل فحقًا هي تحتاجه قبل النوم كما اعتادت عليه، لكنها خجلت طلبهُ حتى لا يسخر منها احد، وبفعلته تلك شعرت بدقة عالية تختلج قلبها لاهتمامه بها ومعرفته بما ترغب خاصةٍ حينما قال:- 

- لما تعوزي حاجة، اي حاجه مهما كانت تطلبيها مني من غير كسوف يا جود أنا دلوقت جوزك ومسئوله مني... 

ابتسمت له بأمأه وهما يتحركان اتجاه الغرفة وينتابها حيرة كيف عرف، بينما هو تذكر حديثه هو وتيام مع مربيتها الذي طلبا منها اخبارهما بكل ما تفضله جود وتعتاد عليه حتى لا تشعر بالغربة، خاصةٍ بعد قرارها بالعودة الى الكنيسة ولا يدرك أن والده هو من طلب منها ذلك حتى لا تتسبب لهم المشاكل... 

ما ان دلفا ألي الغرفة حتى عاد التوتر يداهمهما مره أخرى وشعور بالنقص يجتاحه ويهشم روحه، لولا طرقات تيام الذي لحق بهما حتى يساعد شقيقه بالتمدد على الفراش.. 

شعور بالانكسار والعجز تتأجج بداخله أضعاف مضاعفه، وكاد قلبه يشق صدره صارخًا وهو يري شقيقه يأتي لمساعدته للاستلقاء أمامها، شعر بنقص برجولته، رجولة لا يمتلكها، لذا تغضنت ملامحه بالغضب الشديد رافضًا أن يفعلها أمامها وتقدم بمقعده حيث الفراش وجاهد لأول مره بعزيمه على فعلها بذاته، لن يسمح برؤيتها له عاجز هكذا، منذ تلك اللحظة سيبادر بالتحسن، لن يستسلم، لذا حاول الانحناء واسقاط قدمه اليمنى من على الكرسي يليها قدمه اليسرى وقد نجح بفعلها، تم بدأ باستخدام ذراعيه والاتكاء عليها محاولًا تحريك جسده اتجاه الفراش، كاد ان يسقط مما جعل جود وتيام يحاولا التقدم نحوه ومساعدته إلا انه نهرهم بحده عن ذلك، ثم حاول مره اخرى وقد نجح بفعلها، القى جسده على الفراش بصعوبة ودمعة الم تعلقت بأهدابه إلا انه شعر بالفخر لفعلها، فمنذ فترة وجيزة كان لا يستطع حتى رفع ذاته من شدة الالام، مما جعله يرفض العلاج ويلقيه متظاهرًا انه يأخذه، وقد بدأ بالشعور بالتحسن ما ان انقطع عنه، بات يشعر بالألم يقل وقدرته على تحريك جسده، لكنه رجح ذلك ألي حالته النفسية التي باتت تتحسن منذ زاد رؤياه لها... 

بينما تيام كان يطالعه بنظرة دهشه وسعادة تنجلي على ملامحه لرؤيته له قد فعلها، لأول مره يحاول فعلها بأراده من حديد، ليدرك الأن أن والده كان محق باختيار جود وزواجه منها، هي سوف تكون الدافع له للشفاء مؤكدًا، فمنذ اول ليلة بزواجهما ونجحت بتحفيز أرادته ليكون زوج أفضل لها، لذا ابتعد يزيح عبراته واغلق الباب خلفه وقد اطمئن على شقيقه، بينما جود لم تكن تدرك ماذا يحدث ولما نهرها هو بحده جعلتها تشعر بالوجل وتنكمش مبتعدة عنه بحزن يختلجها، لينتبه لها ويلعن ذاته لفعلته تلك، لكن كرامته ألمته حينها ولم يكن يقصد ان يخصها بحدته تلك، لذا رسم بسمه حانيه على شفتيه وهو يشير لها أن تأتي له.. 

بتردد تقدمت منه حتى وقفت امامه، رفع ذراعه وجذبها لتجلس بجانبه على الفراش وهو يرمقها بتلك النظرة التي تطمئن قلبها واردف قائلًا بعذوبه وأنامله تزيل دمعاتها:- 

- اسف يا جود ما كان قصدي ازعق واخوفك مني، أنا بس كنت حابب اعتمد على نفسي وأكون أفضل عشانك، لأنك ما تستحقيش تكون زوجه لراجل عاجز زيي، صدقيني أنا ما تمنيت أني أخف إلا عشانك أنتِ، فبلاش تزعلي مني آسف تاني.. 

اومئت له بتفهم قائلة:- 

- بس انا مش قصدي اضايقك يا آسر والله، أنا بس خفت عليك لتقع، وكمان أنا مش زعلانه لأني تجوزتك بالعكس انا بحس بالأمان وأنا قريبه منك... 

اتسعت ابتسامته بينما انتفض قلبه الذي لم ينتبه أنه كان متوقفًا للحظات، ولم يدق بصدره وهو ينصت لحديثها، ألي ان استعاد النبض، بل واضحى مجنونًا في صدره يهدر دقاته بقوه حتى أوشك أن يحطم عظام صدره من شدة خفقانه، وزخم من المشاعر المربكة تداهمه تأثرًا بسحر نبرة صوتها وهي تقولها أكثر من تأثره بسحر الكلمات ذاتها، حتى قطع تلك اللحظة الساحرة ببنهم طرقات الخادمة الذي اجفلته، ليستعيد أنفاسه المسلوبة وصوته الهارب وهو يأذن لها بالدلوف، لتضع الكوب بجانبهم على الكمود وتخرج مغلقه الباب خلفها، ليهتف هو قائلًا بنبرته الحانية:- 

- يلا اشربيه كله قبل ما تنامي... 

أمأت له وبدأت بأرتشاف الحليب وسؤال ملح يجول بخاطرها، أين ستنام هي ولما جلبوا اغراضها ألي هنا، 

حتى انتهت تمامًا من الكأس ووضعته، فهتفت حيناها قائلة:- 

- هو أنا هنام فين!. 

بابتسامته الدافئة اجابها قائلًا:- 

- هتنامي هنا جانبي على السرير طبعًا يا جود.. 

- توسعت حدقتيها تناظره بدهشه وبحروف متلعثمة تحدثت قائلة:- 

- جانبك ازاي يا آسر!، ما ينفعش !. 

قهقهه مستمتعًا قائلًا:- 

- ليه ما ينفعش يا أميرة.. 

بذات التلعثم اجابته قائلة:- 

- عشان عيب 

بنبرة متسليه اردف قائلًا:- 

- لا مش عيب يا اميرة لان انا دلوقت جوزك، ثم 

مش انتِ أوقات بتنامي جانب بابا الله يرحمه.. 

امأت له، فهتف قائلًا:- 

- يبقى تعتبريني زي بابا مؤقتًا وتنامي جانبي عادي يعني 

شعر بتوترها، فأراد تخفيف توترها وخجلها فتابع قائلًا:- 

- يلا ادخلي الحمام غيري هدومك بسرعه وتعالي عشان اكملك قراية الكتاب قبل النوم.. 

- بحماس طفولي اردفت قائلة:- 

- تمام... 

ثم شرعت بفتح الخزانة واخراج بيجامة لها واخذتها ودلفت المرحاض لتبدل ثيابها وبعد عدة دقائق خرجت جود من المرحاض ووقفت امام الفراش شاعرة بالتردد، ليبتسم داخليًا عليها وهو يتظاهر بعدم انتبه لترددها وخجلها هذا وهتف قائلًا:- 

-- يلا هاتي الكتاب وتعالي.. 

اذعنت له وجلبت الكتاب وجلست على حرف الفراش من الجهة الاخرى، ومدت يديها تعطيه له، فطلب منها ان تتمدد وتدثر بالفراش حتى يبدأ، فاستجبت له بخجل، وبدأ هو بالقراءة لها حتى شعرت بالنعاس يتشبث بأهدابها، فلم تقاوم وغفت تمامًا، فأغلق هو الكتاب وتطلع بها للحظات شاعرًا بالسعادة والبهجة تتسلل اليه بقربها، وكأنها ربيعًا خيم على حياته الباردة... 

ليحاول بعدها الاعتدال بصعوبة رغبةٍ بالنوم، فاليوم كان مرهق له بشدة، ولم ينسى ان يترك الأضاءه الخافتة بجانبه مضاءه كونه بات يعلم انها تخشى الظلام.

في ذات اللحظة كانت سارة بالغرفة شاعرة بالغضب كلما تتذكر ما فعلت معها حماتها وإلى اين أخذتها، لا تصدق ان يصل بها الحال أن تأخذها الى هكذا مكان.. 

فلاش باك 

اذعنت سارة لحماتها وخرجت معها من المنزل، دقائق وأوقفت حماتها أحد المواصلات المسماة (التوكتوك) وصعدتا بها وطلبت من سائقها الذهاب الى عنوان ما، دقائق ووقف التوكتوك وطلبت منها الترجل، استدارت بوجهها تطالع المكان، بينما تنقط حماتها السائق الاجرة، وجدت أمامها بيت كان على اطراف البلدة، وأمامه مزدحم بالنساء، انتابتها الحيرة عن ماهية هذا المكان، واخذت تطلع فيه، حتى انتهت حماتها وحثتها على التقدم لتأخذ دورهما، قبل مجيء أحدهن واخذه، لم تشعر بالراحة وهي تتقدم نحو هذا المكان، ما ان ولجا الى الداخل حتى تقدمت حماتها اتجاه أمرأه تنقطها مبلغ ما وتخبرها انها ترغب بالدخول فورًا، كانت تشعر بالتشتت وهي تطالع هذا العدد الوفير من النساء، وبداخلها حدس تستنكره، وما هي الا ثواني وكانت حماتها تلكزها للولوج معها، فطالعت سارة بنظرة تائه قائلة:- 

- إحنا فين بالضبط وهندخل فين!. 

أجابتها قائلة:- 

- انا جايباكِ عند شيخه سرها باتع ووصله وبعون الله تحملي على أيديها وافرح واشوف ولاد أبني... 


صدمه الجمتها وهي تستمع لها، لترتسم على محياها مشاعر مختلطه بين النفور والاشمئزاز والاستنكار وهي تجول بعينيها المكان والنساء وحماتها وهذا المستنقع المعبأ برائحة الجهل والتخلف، لتشعر بالاختناق وكأن هناك أنامل خفيه، خشنة، وقاسيه تطبق على عنقها وتسلب منها أنفاسها... 


دون ان تتفوه بكلمة بدأت باتخاذ خطواتها مبتعدة عن هذا المكان العفن بعدما رمقت حماتها التي تحاول اوقفها وحثها على الولوج بنظرات غاضبه، واسرعت تهرول للخارج تستجدي استنشاق هواء نظيف غير هذا الذي بات يخنقها 

وأخذت تسير بخطوات سريعة عصبيه دون ان تهتم لصياحها بها أن تتوقف، ألي أن ابتعدت عن هذا المحيط القذر والممتلئ بالجهل... 


بينما رُحيم كان حينها يقود سيارته عائدًا من زيارة لمجلس القرية الذي يترأسه أدم لحل مشكلة نزاع على قطعة ارض بين عائلتين واستطاعوا حلها دون اللجوء للقضاء اخيرًا بعد مناقشات دامت لعدة ساعات ارهقته 

ليلمح جسد انثوي يسير بخطوات سريعة غاضبه أشبه بالركض بهذا المكان النائي، حدق بالجسد مدققًا وما هي إلا ثواني وادرك من تكون وكيف له أن لا يفعل ، وهي معذبة قلبه وأم طفله الذي وقع لها ما أن رأها دون أدراكًا منه، انتابه القلق عليها والوجل من رؤيتها بهكذا مكان، لذا سار بسيارته ببطيء اتجاها، حتى كاد أن يمر بجانبها، فأطلق بوق السيارة الذي اجفلها، فانتفضت مرتعبة وتعرقلت بأحد الاحجار وسقطت أرضًا.. 


ترجل مسرعًا من سيارته متوجه نحوها بقلق ادمى روحه 

وأنحني نحوها يتحدث بلهفه قائلًا:- 

- انتِ كويسه!، أنا آسف ما كان قصدي أخوفك، أنا بس استغربت وجودك بمكان زي دا، الطريق خالي من الناس والشمس قربت تغرب، فحبيت اسألك لتكونِ محتاجه مساعدة!.. 

كانت متقوقعه على ذاتها شاعرة بالألم النفسي وليس الجسدي، فكل ذكرياتها الماضية اقتحمت عقلها دفعه واحده، تعتريها مشاعر الذل والانكسار، تغضنت به ملامحها، لتغلق عيناها بقوة محاولة طردهم من عقلها، بينما يتسلل صوته أليها، ذاك الصوت الرخيم الذي زاد من سيل تدفق الذكريات المؤلمة، ذاك الصوت الذي شعرت انها ربما تعرفه 

لترفع بصرها نحوه بنظرة عين كسيره، يموج بها الحزن والأسى، لتشطر قلبه ألي نصفين ألمًا عليها، وهو يراها على هذا الحال منذ أول وهلة رآها بها تعيسة وهو مُكبل، عاجز عن مساعدتها واخبارها بهويته هو وصغيره.....

لكنها لم تعرفه وكيف لها أن تعرفه وهي لم تراه قبلًا، لترتعد خطوة للخلف وجلًا من هيئته الضخمة، ليرفع يداه عنها حينما شعر بهذا الوجل الذي اوضحته قائلًا:- 

- اهدي أنا الضابط رحيم منقول للمركز هنا من فترة وأبني عمران طالب عند حضرتك... 

ما أن ذكر اسم عمران حتى داهمتها مشاعر قوية مبهمة اتجاه هذا الصغير، قلبها يخفق بقوة لرؤيته شاعرًا بحنين إليه غريب، اعادت توحيه بصرها نحوه بتمعن، لتجد ملامحه مشابه لهذا الصغير تمامًا، لذا شعرت بارتياح اجتاحها لا تدرك كنهه.. 

ليعيد مد ذراعه لها بدعم لتنهض، لتستجيب له تلك المرة وتمد كفها وتنهض.. 

لمسة يديها اصابته برجفة قوية وتهدجت انفاسه بلوعه وهو يراها أمامه بهذا القرب لكنها أبعد ما تكون عن هذا... 

لجم ذاته وثقل روحه يتضاعف وهو يكتم كلمات تخنق ضميره وترهق بحملها كاهله، كلمات لو أخبرها بها لتغير الكثير معهما، لكن هل يمكنه البوح بها!، أنها كلمات قد تدمر استقرار حياتهما معًا، لذا اختار الصمت.... 

الصمت الذي ينهش بقلبه وروحه ويؤنب ضميره فيؤلمه.... 

حاول التحكم بتلك المشاعر التي تنتابه واستعاد قوته وهتف قائلًا بصوت جاهد لأخراجه طبيعيًا لكن دونًا تنه خرج الصوت مثخنا بعاطفته نحوها قائلًا:- 

- شكلك تعبانة، ومفيش موصلات هنا، والشمس بتغرب فالأفضل أني أوصلك!... 

جالت بعينيها بالمكان حولها، لتجد الخواء المهيب هو ما يحيطها فلا يوجد غير الأراضي الزراعية الممددة على كلا الجانبين وهذا ما لم تنتبه له في فورة غضبها ومقتها تلك.. 

لكنها ما تزال تشعر بالقلق والتوتر، فلا يصح أن تصعد معه بسيارته أيضًا، فتلك البلدة صغيرة واذا رآها أحد ما، سوف يلوك الاشاعات عنها، أذًا ماذا عليها أن تفعل الأن!... 


بينما هو كانت عيناه عليها، يتمعن بتفاصيل وجهها المحببة فلأول مرة تسنح له رؤيتها من هذا القرب، أن صغيرهما يمتلك عينيها الجميلة والساحرة، والتي تجذبه الأن للهيام بها... 


قطع حيرتها وتأمله لها صوت عربة (توكتوك) آتيه وكان راكبها حماتها التي اضطرت لانتظار السائق الذي اتفقت معه ولحقت بها، لتراها على تلك الهيئة بجانب ذاك الرجل الغريب أوقفت السائق وترجلت من العربة متوجها لها قائلة بحدة:- 

- انتِ يا هانم إزاى تسيبيني وتمشي كده، ليا كلام مع رجلك لما نوصل.. 

- ثم رمقت ذاك الضخم قائلة:- 

- ومين حضرته دا كمان وازاي توقفي معاه لوحدكم بالطريق بالشكل دا ولا عملا اي اعتبار للراجل اللي انتِ متجوزة ومأويكِ في بيته... 

كلماتها كانت تقطر سمًا، اعتادت عليه، لكنه ألمه وازعجه، قبض على يديه بشدة متحكم بذاته، حتى لا يري سليطة اللسان تلك من هو وما بوسعه فعلها، لكنه لجم غضبه من احاه وتحدث بنبرته الغليظة قائلًا:- 

- انا الضابط المسئول عن المركز هنا، ولما شفت المدام لوحدها بالطريق الخالي دا، فكان بحكم مهنتي اعرف اذا كانت محتاجة مساعدة أو لا... 

انكمشت الحماية على ذاتها ما ان علمت هوايته، وزجرت زوجة ابنها وهي تهتف بنعومة قائلة:- 

- انا اسفه يا حضرة الضابط اللي ما يعرفك يجهلك، وشكرًا لحضرتك ولاهتمامك، أنا هاخد مرات أبني ونروح لأن شكلها 

تعبانة... 

ثم لكزتها حتى تتحرك معها اتجاه العربة (التوكتوك) وأمرت سائقها بالتحرك، ليذعن لها وتمر العربة من جانبه، فيصعد هو الاخر سيارته ويلحق بهما للاطمئنان على وصولها آمنه...

بينما هي اسندت رأسها على جانب العربة، ولا تدرك لما داهمتها الأن ذكريات مضيها الأليمة تحديدًا منذ سبع سنوات مضت، حينما كانت في الثامنة عشر من عمرها، تحيى مع والدها الحبيب الذي كان يبلغ الستون عامًا من عمره حينها، اجل ستون عامًا فقد انجبها بعد سنوات عجاف من الاشتياق للأطفال، لتحمل بها والدتها بسن متأخر، وتسبب الحمل بوهن جسدها، حتى أودت الولادة بحياتها، ليتولى والدها رعايتها بعدها، رغم كبر عمره ووهنه إلا أنه منحها الحب والحنان، كانا يسكنا ببيت صغير مجاور للبيت الكبير الذي يهتم به والدها هو والاراضي المحيطة له، كون صاحبه يعيش بالقاهرة ولا يأتي الى هنا إلا ببعض الاجازات، لكن تلك الأجازة كانت مختلفة، فحينما جاء وعلم بتفوقها بمرحلة الثانوية العامة، حتى أخبر والدها أنه من الظلم عدم ألتحاقها بالجامعة ولأنه يعلم ضيق الحال فأخبره أنه سيتكلف بمصاريف دراستها، كما أنها تستطيع البقاء بأحد الغرف الملحقة بقصره وتكون رفيقة لأبنته التي تأتي للبقاء معهم طيلة الاسبوع لانتقال عمل زوجها بأحدي القرى كونه ضابط شرطه وعودتها الى منزلها يوم الخميس والجمعة، حينها ستأتي ابنته أيضًا لتقضيه الأجازة معه من كل اسبوع، وحينما لاحظ تردده اخبره أن لا يكون ظالم ويحرمها من فرصة اكمال دراستها وتحسين مستواها العلمي وعندما علمت هي بما أخبره لوالدها حتى شعرت بالسعادة لتحقيق حلمها بالالتحاق بكلية التربية وايضًا ذهابها الى القاهرة، فسارعت بالضغط على والدها حتى وافق من أجلها، لتتسلح بشهادتها اذا اخذ الله أمنته منه، لتمر الأيام ويأتي يوم ذهابها الأول ألي القاهرة، حيث هذا المنزل الكبير، الذي يعد كـــ قصرًا كبير في عينيها، خطت اولى خطواتها بالداخل وقلبها تتراقص نبضاته سعادة ستتلاشى مع مرور الايام ويحتل الحزن موضعها بقلبها، فكانت غاية صاحب البيت تتناقض مع ما اظهره من نية طيبه، فقد كانت خبيثة، عطشة لاستغلالها.. 

حينها ما أن ولجت القصر واستقرت بأحد الغرف الصغيرة بالملحق له، حتى طلبت منها أحدى الخادمات التوجه لرؤية الهانم الصغيرة ابنة صاحب القصر، فأذعنت لها وتوجهت نحوها، وهي تطالع القصر بانبهار، فكل ما فيه كان لامع، براق، وزائف مثلهم... 

طرقت باب الغرفة، حتى سمعت صوت انثوي ناعم يأذن لها بالدخول، ما أن دلفت الغرفة المبهرة حتى رات أمامها فتاة جميلة وأنيقة بخصلات فحمية وأعين بلون القهوة، تبدو في الخامسة والعشرون من عمرها، تلك الجميلة التي كانت تقع عينيها عليها بانبهار لجمالها واناقتها حينما تأتي مع والدها ألي البلدة سابقًا، حتى توقفت تمامًا عن المجيء منذ عدة سنوات، حتى علمت بزواجها منذ ثلاثة اعوام مضت.... 

تطلعت بها الفتاه وابتسمت لها وهي ترحب بها برقة قائلة:- 

- اهلًا يا سارة أنا نرمين، بابي عرفني انك هتبدأي دراسة بالجامعة وهتعيشي معانا هنا، فحبيت اتعرف عليكِ وأقولك 

أنك تعتبريني اختك الكبيرة، وأن طالما إحنا هنا هنقضي اليوم سوا طبعًا بعد ما ترجعي من الجامعة وتخلصي مذاكرتك اللي أكي مش هعطلك عنها.. 

كانت تتقرب منها بطريقة أسعدتها، وبدأتا بالتقارب، كنت تغدقها بالهدايا وتحثها على الاناقة والاهتمام بذاتها كونها انثى، حتى بدأت بالشعور بالراحة اتجاهها، ومضى عدة اشهر عليها وهي تقضي ايام الاسبوع الاولى ما بين الجامعة وبين رفقتها التي باتت محببه لها، فكانت أحياناً تأتي إليها ما ان تنتهي من محاضراتها وتصطحبها معها للتسوق ثم ينتهي الاسبوع بسفرها الى البلدة حيث والدها قبل مجيء زوجها، لتغادر هي معه، زوجها الذي لم تلتقي به أبدًا، فقط استمعت لصوته عدة مرات عبر الهاتف حينما كان يطلبها وتضطر للأيجابه هي عليه ، ومرة أخرى حينما جاء في أحد الأيام في منتصف الاسبوع لمفاجأة زوجته، حينها استمعت لصياحه المرح معها وهي توشك على الولوج للقصر بعد مجيئها من الجامعة، لكن قبل أن تلُج للداخل، اوقفتها الخادمة مانعه اياها من الولوج، لأن زوج الهانم بالداخل وأن عليها الالتزام بغرفتها الى ان يعودان لمنزلهما، فهما سيبقيان لتناول الغداء هنا، حينها اذعنت لها وتوجهت حيث غرفتها ومكثت بها تنكب على كتبها للمذاكرة، حتى غادروا 

ومضى يومان وعادت نرمين ألي المنزل، لكن تلك المرة كانت مختلفة غاضبه ونزقة، حتى انها صاحت بها ذات مره، لتعود للاعتذار منها وتخبرها انها تلك الأيام تشعر بالإعياء وان حالتها المزاجية ليست رائقه، لذا ستذهب لإجراء فحص شامل لها وطلبت منها مرافقتها، وبالطبع وافقت قلقًا عليها، وذهبنا معًا الى الفحص، حينها اخبرتها ان تخضع هي الأخرى للفحص مثلها لتطمئن على صحتها، وكم شعرت بالامتنان والمحبة لها وأنها بالفعل تحبها وتعدها اخت صغيرة لها، لذا بعد اصرار منها، اذعنت وخضعت للفحص معها، ومر بعدها يومان جاءت بها نتيجة الفحص تخبرها أنها بخير وليس بها شيء..           

ليمر بعدها شهرًا آخر، مرت احداثه على ذات الوتيرة، حتى جاءت هي من اجازه لها عند والدها الذي اشتد الاعياء عليه، حينها اخبرتهم أنها تريد ان تنقل اوراقها ألي جامعة قريبه من البلدة حتى تكون برفقة والدها، لا تعلم لما ساد التوتر حينها من قبلهما.... 

حتى استدعتها نرمين الى الغرفة في اليوم التالي وأخذت تبكي وتخبرها انها تحتاج اليها للبقاء معها بتلك الفترة، فقد اكتشفت ان لدبها بعض المشاكل التي تمنعها من الانجاب وانها تتعالج منذ فترة، حتى اخبرها الطبيب بحاجتها لأجراء حقن مجهري وأنها تريدها برفقتها في هذا اليوم، وقد نجحت بأثارة عاطفتها حينها واخبرتها أنها ستكون بجانبها، ولم تدري أنها خديعة صنعت للإيقاع بها، حتى مرت الأيام وجاء موعد ذهابها لأجراء الحقن في أحد المستشفيات، قدمت لها الخادمة العصير الطازج لتحتسيه ريثما تستعد نرمين، بدأت بأرتشافه حتى خرجت لها نرمين وتوجها الى السيارة التي انطلقت بها ألي المشفى وهناك بدات بالشعور بالأعياء ومغص شديد يداهمها، جعل نرمين تذعر أو ربما من الاصح تتظاهر بالذعر ، لتمر اللحظات وتأتي ممرضه لمساعدتها واخذتها لأحدى الغرف بغية فحصها، وحينما ولجت الغرفة أصابها الدوار وأغمى عليها ولم تشعر بما حدث عقب هذا، حتى فاقت مساءٍ غير مدركه ما اصابها، حينها وجدت نرمين التي تنتحب ووالدها الذي يرتسم الوجوم على محياه، حينها شعرت بغصة تعتمل قلبها ووجل يسيطر عليها وهي تتسأل عما حدث ولما البكاء والوجوم، لتكون كلمات نرمين التي اجابتها بها نصال حاده بارده ترتشق بقلبها وتشطره، لتنهمر الدموع والصياحات المستنكرة بعدها وهي تضرب وجنتيها بكلتا يديها رافضة تلك المصيبة التي حالت على رأسها، ولوهلة صدقت ما قالوا ان ما حدث كان تحت بند "حدث بالخطأ" وليست خطة مرسومه بعناية من قبلهم، فقد كلمات مبرره انهم اخطأوا وظنوها هي المريضة المعنية الاتية للخضوع للحقن المجهري، بما أنها ولجت المشفى تحمل كنية والدها، التي تم الحجز بها ل نرمين مسبقًا.... 

خدعة رخيصة لا يصدقها إلا الاغبياء وكانت هي منهم لتصدقها حينها، لتمر الايام التي تلي تلك الحادثة والوجل والقلق ينهشان بها كوحوش ضارية من خاطرة ان يتحقق ذاك الكابوس وتمسى حاملًا!.. حاملًا بالخطأ...... 

ولكن يا للقدر، لقد تحقق أسواء كوابيسها وبالفعل علمت بحملها بعد عدة ايام، وما ان علمت حتى انهارت وتوسلت لمساعدتها بالخلاص من ذاك الطفل أو بجعل والده يتزوجها، لكنها لم تنال أيًا من هذا، وأخبروها أن زوجها لم يوافق على الزواج بها والاعتراف بجنينها، وان حلها الوحيد ان تنجب الصغير وتعطيهم إياه وهم سوف يساعدونها بعد هذا، وهكذا ستنتهي كل مصائبهم، وبالنسبة لأبيها الجاهل اعلموا بتلك الكذبة ايضًا ان ما حدث كان بالخطأ، صار وتوعد وبعدها لم يستطع فعل شيء، سوا الرضوخ لهم، والانتقال لبيت يخص المالك بهذة البلدة حتى تنهي فترة حملها بها، ولم يمر شهرًا على تلك الحادثة حتى مات والدها بحصرته، لم يحتمل رؤية ما اصابها وتلك الفضيحة التي ستلحق به، وكم كرهت الطفل ونقمت عليه وتمنت ان يموت بداخل رحمها، وحاولت الخلاص منه، لكنه تشبث بالحياة بداخلها، لتتبدد مشاعر الكراهية نحوا مع استمرارية وجوده بأحشائها ويحتال موضعه الحنين والمحبة والتوق له، لتتخذ القرار باحتفاظها بجنينها وعدم التخلي عنه حتى ولو رفض والده الاعتراف به، لكن حتى صغيرها تخلى عنها، فما ان وضعته حتى علمت انه ولد فاقد النبض .... 

انسبت عبراتها عند تلك الذكرى المؤلمة، وهي تتذكر انها حتى لم تراه ولم تضمه ولو لمرة واحده، فقد فارق الحياة وتخلى عنها، وتاركها وحيدة، لينتهي بهم الأمر محاولين اجبارها على الزواج من أحد رجالهم ، لكن عمر والذي كان احد الرجال المكلفين بحراستها وعلم كل ما اصابها هو من انقذها وأخبرها بما يخططون له وعقد قرآنه عليها لتكون بحمايته، واعدًا اياها ان يكون الزوج الذي تتمناه، وبالفعل قد فعل الكثير من احلها، كان رؤوف وحنون معها وجعلها تنهي دراستها ضد راغبة والدته التي لم تحبها منذ الوهلة الاولى وقد عرضت زواجهم بشدة ويليها رفضها لأكمال دراستها ايضًا وإلى الأن هي ما تزال تبغضها خاصةِ بعدما علمت أن زوجها يعاني من مشاكل تمنعه من الانجاب ولم يستطع البوح لوالدته بعلته تلك، فلم تحتمل نظرة الانكسار بعينيه وهو يكاد ان يخبر والدته بما علم، فوجدت ذاتها تخبرها انها هي من تعاني من مشاكل تمنعها عن الانجاب وانها هي من تخضع للعلاج، حتى ترد لها ولو بعضًا مما فعله معها ومن اجلها، وهكذا بدات معاناتها معها وحديثها السام لها وتلك الأفكار والطرق الغربية التي تخضعها لها بغاية أنها علاج طبيعية يساعدها على الحمل، وكل مرة ترضخ لها كما يطلب منها عمر تجنبًا للمشاكل، فربما يكون هذا اخر ما تفعله وينعم عليه الله بالشفاء، لينتهي بها الأمر ألي اخذها الى مشعوذة اليوم... 

انهت شرودها بماضيها، الذي عادت ذكرياته تنهش بها بلا رحمة، تشعرها بالألم يطوق عنقها ويشعرها بالاختناق 

تزامنًا مع توقف العربة (التوكتوك) وصياح حماتها بها ان تلحق بها...... 

يتبع 

 بقلم الكاتبه  دينا العدوي 

تكملة الرواية من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close