بسم الله الرحمن الرحيم
🌺🌺روايه حدث باللخطأ
بقلم♥ دينا العدوي ♥
البارت السادس عشر والسابع عشر
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
🌺🌺
الفصل السادس عشر
يقال ان دمعه واحدة تمحي الألم، أذًا ما بال آلامها لم
تنمحي بعد، وقد ذرفت مقآيها آلاف الدمعات....
# بوسه
***
أترفت عينيها بدمعه تسللت من بين جفنيها المغلقين، مصاحبة لأناة ألم، وهي تحيا كابوسًا مرير، تعاد فيه لحظات انتهاكها، وذاك الذعر الذي انتابها لحظة رؤيتها للدماء تنساب منها، لكنها تختلط مع الاحلام فتراها تتسع وتتسع، وهي مقيدة، تجاهد للتحرر لأنقاذه لكنها لا تستطع، حتى أنها أخذت تتململ في غفوتها الاجبارية تأثير لجرعة المخدر ...
كل هذا لفت انتباه ركان الذي ولج الغرفة منذ ثوانٍ معدودة، بعدما أوصل ميار ألي المنزل بعد اصرارًا منه عليها لترتاح، ثم يعود ريثما تخرج تلك الفتاه من الجراحة التي تخضع لها..
لذا ما أن عاد حتى علم بخروجها وبقاءها بتلك الغرفة
فأتى إليها، ليرى ما هي عليه ويحدثها، لكنه وجدها ماتزال غافيه..
فظلا لثوانٍ موضعه ينتظر أفاقتها، حتى انتبه لها ولتشنج ملامحها وتأوها، فأدرك أنها تعيش كابوسًا وتصارعه، أنتفض قلبه بنبضه متألمة تشفق على حالها، فلم يحتمل ووجد ذاته يندفع اليها وهو يهمس لها مهدئًا قائلًا:-
- اهدي ما تخافيش انتِ بأمان..
نبرت صوته الحانية تسللت الى مسامعها، تنتشلها من كابوسها، لتلين ملامحها وتستكين، وهو يطالعها بنظرة حانيه ما لبست إلا ثوانٍ واختفت وتجهمت ملامحه وهو يتذكر كلمات الرجل عن كونها خائنه، ليبتسم بسخرية مؤنبًا ذاته اولًا،
" فمن بيته من زجاج لا يلقي الناس بالحجارة"،
أليس هو خائنًا!، يعشق امرأة رجل أخر، لذا لا يحق عليه أن يحكم عليها....
تعلقت عيناه بها لبرهه تجذبه ملامحها البريئة والصغيرة التي تدل على حداثة سنها بتسأل، ترى ما هو عمرها!، هل هي بأوائل العشرون ك ميار!.
ليزدحم عقله بالأفكار نحوها، زخم من المشاعر المتناقضة، احداها تبرر له انها ضحية، فكيف لها ان تبيت زوجه للرجل بمثل عمر زوجها وهي صغيرة هكذا!، لتسلك درب الخيانة وتوسم بها، واخرى تستنكر ما يبرره لها، فمهما يكن لا يحق لها أن تخون زوجها مع آخر وتحمل طفله...
مكث شاردًا بها للحظات، لا يدرك لما يستنكر تلك السمه التي الصقها بها ذاك الرجل، حتى أنه لم ينتبه لولوج الطبيب منذ ثوانٍ والذي تنحنح يلفت انتباهه لوجوده هنا، فقد استدعاه قبل ان يلُج اليها، حمحم بحرج وهو يتوجه نحوه معرفًا عن ذاته متسائلًا عن اوضاعها، اخبره الطبيب بحالتها بعملية قائلًا:-
- مش هخبي على حضرتك ان الحالة لسه مش مستقرة، احنا سيطرنا على النزيف، لكن مازال في احتمالية للأجهاض
ثم صمت لوهله وتابع قائلًا:-
وبما ان حضرتك ضابط فلازم تحرر محضر بالوقعة لأن من الواضح انها اتعرضت لاعتداء جنسي وجسدي عنيف، جسمها فيه علامات لضرب من أيام لسه أثاره موجود، من الواضح اننا بنواجه حالة عنف اسري..
اعتراه الغضب الشديد، وتجهمت ملامحه من سيل كلمات الطبيب عما تعرضت له تلك الصغيرة التي رجمتها الحياة بسياط القسوة...
بينما هي بدأت في استعادة وعيها، تفرج الجفون عن آسر مقلتيها، ليزعجها الضوء فترفرف بها عدة مرات حتى تضح لها الرؤى، ليداهمها ألمًا في نصفها السفلي، يذكرها بكل ما حدث معها، رفعت ذراعها الخالي بوهن تحتضن رحمها بنشيج صامت تبدل لنحيب وشلالات هادرة من الدمع..
جعلهم ينتبهون لها...
اسرع الطبيب نحوها مهدئًا لها لكنها لم تهدئ بعد، ذاك الألم يفتك بها، ليس ألم جسدها، بل ألم ظنونها انها خسرت صغيرها وقد اختلط كابوسها بالواقع وتمثل لها زوجها في الطبيب، فأخذت تحاربه بشراسه، في محاولة لإنقاذ صغيرها من براثنه..
فما كان على ركان إلا أن يتقدم نحوها، حينما همّ الطبيب بالاقتراب اكثر برغبة احتواء جسدها وتكبيلها، شيئًا ما بداخله رفض ذلك، ربما يرجع لطبيعته لا يعلم، فأردف بغضب وهو يندفع إليهما قائلًا للطبيب بشراسه:-
- انت بتعمل إيه!..
أجفل الطبيب من نبرته تلك، وبرر له فعلته تلك، ثم طلب منه المساعدة حتى يتمكن من تهدئتها دون اضطرار لحقن مهدئ قد يضر بها ، فقد صار نحيبها انهيارًا قد يؤذيها هي والصغير، لذا حاول هو ان يلجمها بتحفظ، إلا أنها كانت تقاوم بشراسه، جعلته يقيدها بذراعيه، بينما يهمس لها قائلًا:-
- أهدي شوية، انتِ بأمان وطفلك بخير، انتِ كده اللي بتأذيه...
كانت بعالم آخر، تشعر بالألم لفقدان الصغير والذعر من خاطرة العودة له مرة اخرى، فتصيح بنبرة مغلفة بالجنون:-
- قتله، هو قتل أبني، ابني راح وسابني ليه!، وهو هيرجعني لعنده، أنا مش عايزة ارجع، الموت اهون عليا من الرجوع عنده، خلوني اروح لأبني عشان ارتاح، سبوني اموت، انا مش عايزة اعيش...
ألم فتك به لرؤية انهيار صغيرة في عمر الزهور قد ذبلت وتسعي للفناء، فما كان منه إلا أن يهدأها بضعف قد تملك منه قاطعًا وعدًا لها أرغمه عليه قلبه الوهن والذي اشفق عليها قائلًا:-
- مش هترجعي له! وعد مني مش هرجعك ليه!، بس أهدي عشان ابنك يكون بخير ...
وعدًا قطعه في لحظة ضعف، وعدًا عليه أن يصدق به وسيفعل مهما كلفه الأمر، سوف ينقذ تلك الصغيرة آثمة كانت ام بريئة!، سوف يساعدها وينتشلها من تلك الظلمات...
استكانت هي للحظة بين يديه بعدما تسرب اليه كلماته الدافئة وصوته الحاني، وتحول انهيارها الى نحيب صامت، وهي تنتبه أخيرًا له، تطالع ملامحه القريبة للغاية منها، حتى أصابت قلبها رجفة ما أن أدركت انه هو ولا غيره...
اجفل ركان حينما التقت عيناه بتلك الحدقتين الزمردتين، شاعرًا برجفه اصابته ما أن تدارك قربه منها وتلامسه لجسدها، فانتفض مبتعدًا عنها ، شاعرًا بالاضطراب، فلأول مره يقترب من انثى بهذا القدر عاد شقيقته وميار...
لم يهدأ نحيبها، بل زاد بقوة وهي تحمد ربها على نجاة صغيرها وهناك وجلًا بتملكها من زوجها والأكثر المًا كان لرؤيته لها هكذا!، ترى ما الذي يظنه بها!...
تقدم ركان نحو الطبيب، وطالبه بالمغادرة رغبه ببعض الخصوصية واعدًا أياه أنه سيبقى معها ويهدئها هو...
اذعن له الطبيب وغادر، فعاود التقدم اتجاهها مجفلًا من نشيجها الذي لا يهدأ وحقًا بدى تائه لأول مره لا يدرك اي أسلوب عليه ان يتبعه معها،...
اقترب اكثر حتى بات أمامها، زافرً بسأم من حيرته، حتى داهمت كلمات زوجها السامه رأسه مجددًا، تحثه على القسوة اتجاهها، فأردف بنبرة حادة كما اعتاد في عمله للاستجواب معرفًا عن ذاته لها قائلًا باشمئزاز سافر:-
- أعرفك بنفسي انا ضابط بالمركز هنا، وعرفت من جوزك أن سبب اللي انتِ فيه إنك خنتيه وحامل من غيرة...
تلك النظرة وتلك النبرة اخترقت قلبها كسهام مشتعلة ما أن رأتها بعينيه حتى أحرقتها وألمتها بقوة، تشعر نار بأعماقها فتزيد من نحيبها مرة أخرى بقوة اجفلته، فلم تحتمل الازدراء المغلفة به نبرته، وكيف لها ان تحتملها منه هو!، حب الصبا والمراهقة، من كانت له أول نبضة عشق أهدرها قلبها، منذ ذاك اليوم الذي انقذها به حينما كانت في الثانية عشر من عمرها، وكانت برفقة صديقاتها يمرحن ويعبرن الجسر الخشبي للوصول للبر الأخر وصولًا الى المدرسة، فزلت قدمها وسقطت، ولولا هو لما كانت الأن على قيد الحياه، فقد كان حينها قد تخرج من كلية الشرطة لتوه وعمل بمركز آخر، وكان موعد اجازته، ويشاء القدر مروره بالقرب منهن، فأستمع لصيحات الفتيات وما أن أدرك مصدرها وممن، ألقى بذاته في الماء، دون ان ينتظر ثانية واحده باحثًا عنها ألي أن انقذها وقام بالخروج بها ومحاولة أفاقتها، لكنها لم تستجب له، فهبط بشفتيه يباشر بأجراء التنفس الاصطناعي لها، حتى طفقت الماء من ثغرها بوجهه، تسعل بقوة، ثم افرجت جفونها عن مقلتيها، ليقع بصرها على محياه، فانتفضت بذعر وكفها الصغير يعانق وجنتيه...
حينها صدمته فعلتها تلك وتجهم وجهه للحظه، بينما هي طالعت حولها بتدارك ما ان زغرها رفيقاتها، لتنكمش على ذاتها بوجل من ردة فعله القاسية والتي تستحقها، إلا أنها لم تتوقع تبدل ملامحه بلحظة الى تلك النظرة الحانية، المتفهمة، معتذرِ منها، معلنًا عن اضطراره لما فعله ومتفهم غضبها وهو يبتسم لها تلك البسمه الحانية والمهلكة متمتم بالحمد على سلامتها، مازحًا لها انه سوف يصلح غلطته ويتزوجها حينما تكبر، ثم نهض منبهًا لها إلا تعبر من عليه مرة أخرى وعادًا أيهن بأخبار ابن عمه عنه لأصلاحه من اجلهن، لتومئ برأسها له بضياع، ثم يتركهن ويغادر وتتبقي هي مع رفيقاتها وهن يمزحن معها ويخبرونها انها حصلت على قبلتها الأولى من ضابط وسيم وانه محق فقد بات عليها ان تتزوجه هو ولا غيره، ومن وقتها وغزى قلبها وإمتلك مشاعرها الطفولية، وظلت تنتظر موعد اجازته كالحمقاء، لتلحق به وتنعم برؤيته وهي تتخفى جيدًا حتى لا يراها، فقد بات فارسها واميرها والتي تشعر بأنها تدين له بحياتها...
ظلت هكذا عدة سنوات، حتى انتهى كل شيء بزواجها من ذاك العجوز المزرى، لذا لم تحتمل حينما رأته ليلة أمس برفقة تلك الفتاة، وهو يراها بذاك الموقف ويلقي عليها اتهاماته الباطلة والمهشمة لخاطرها ، فقد ألمها قلبها بقوة حينها، وها هو قد شق قلبها بنظراته المتشككة الأن، فتضاعف حزنها وانهمرت دموعها بكثرة....
****
تنهد عمر زافرًا بعدما تمكن اخيرًا من اقناع الحارس بأعطائه هاتفه ليحدث احدهم سرًا مقابل ما معه من مال، ليقدمه له واخيرًا طالبًا منه الاسراع..
جذب هاتفه وضغط رقمًا يحفظه جيدًا، ومن يكون غيره، من يلجأ إليها ليساعده قصرًا حتى يتكتم على سره هو وابنته، انتظر لحظات حتى آتاه الرد، فأردف قائلًا:-
- الو يا باشا انا عمر وبكلمك عشان محتاج مساعدتك..
إلا أن الآخر أجابه بحده معنفًا إياه قائلًا:-
- خلصنا يا عمرو، نرمين وماتت ورحيم عرف بكل حاجه، مفيش حاجه تهددني بيها...
ألا ان عمر قهقه بسخريه مسترسلًا دون مبالاة:-
- تفتكر يا باشا!، للعلم أنا سهل اشهر بيكم والسر يطلع للعلن وللصحافة وشوف انت بقى سمعتك وسمعة الهانم الله يرحمها لما تسوء ويتعرف اللي عملتوا في البنت الغلبانة، اسمع أنا معنديش حاجه اخسرها، وانت اتصرف وابعت لي محامي يطلعني من الحبس اللي جوز المرحومة بنتك حطتني فيه عشان طمعان في مراتي وإلا هجيب عليها واطيها وحبايبي برا كتير...
شعر الأخير بندم يكاد يوردوا موارد التهلكة على فعلته الشنعاء التي أفقدته كل شيء وجعلت منه لقمه سهله يخضع لتهديد من ذاك الحقير، لينهي الحديث قائلًا:-
- تمام يا عمرو وأنا هساعدك المرة دي وبس، وبعد كده هتنساني لأني بالأساس مسافر ومش راجع البلاد تاني، واسمع كل اللي هقدر اعمله هو إني أشوف لك محامي، خلال ساعه هيكون عندك...
تلك كانت اخر كلماته قبل أن يغلق الهاتف، ويقوم بالاتصال بمحامًا قريب منه، يتولى الأمر....
بينما على الطرف الآخر رمق عمر الهاتف بنظرات تبعث منها شرار الحنق والضيق، حتى استمع لصوت الحارس مطالبًا بهاتفه،.
هتف عمر به بصوت اجش قائلًا:-
- صبرك عليا هعمل مكلمه صغيرة، اللي واخده انت مش شويه...
ثم شرع بالاتصال على والدته التي أجابته فورًا بقلق سافر، لتطمئن ما ان وصل لها صدى صوتها، حتى جهرت صارخه ما أن علمت بمكان تواجده، فهلع قلبها واخذت تندب حظها وتلومه على عصيانه لها بزواجه من تلك الفتاة، إلا انه هدر بها وطلب منها ان تنصت لما يقوله وتنفذه مسرعًا، فليس لديه وقت للمهادنة معها، فأذعنت له وصمتت تستمع له حتى انتهى، واغلق الهاتف واعطاه للعسكري، بينما هي شرعت بتنفيذ ما قال...
***
بعد عدة دقائق جلست حميدة على الاريكة بصالة منزلها الصغير، تعقد شالًا حول رأسها وهي تهلل وتنتحب على صغيرها الذي اخبرها بذهابه الى قسم الشرطة ولم يعد منذ الأمس ولا تعلم اين هو، بعدما حرصت على ترك الباب المنزل منفرج، ليستمع لنواحها الجيران من حولها، ويأتون إليها بتساؤل عما اصابها، فتسرد لهم اكاذيبها المنسوجة عن زوجة ابنها وعشيقها الذي اخذها وقام بسجن ابنها وتهديده ليطلقها، وذهابها له ومنعها من رؤيته، فيثور البعض رافضًا والبعض الاخر يستنكر ما قالته عن زوجة ابنها المعروفة بحسن اخلاقها..
فتزيد من عويلها، لتقترب منها بعض النسوة محاوله تهدئتها، ويتطوع أحد الرجال بالذهاب ألي المركز هو والاخرين لمعرفة ما يحدث، قائلًا بأنه لن يرضى احد منهم بما يحدث، أن يسجن أحدًا من بينهم قهرًا وظلمًا ويستبيح عرضه...
لتطالعهم هي بنظرة انتصار، سريعًا ما توارت وعادت للنحيب والعويل الزائف وهن يهدئنها.....
***
ما بال قلبه بات لينًا هكذا، لما لا يحتمل حالتها تلك وذاك النشيج يقطع نياط قلبه!، لم يشعر بذاته ونبرته تتبدل لأخرى حانيه بل متوسلة لها للتوقف قائلًا:-
- اهدي أنا مش قصدي اشكك فيكِ!، انا بقول اللي قاله جوزك وأنا مستني اسمعك، مش بحكم عليكِ ولا حاجه..
لم تجيبه واستمرت بالبكاء، مما جعله يستطرد قائلًا:-
- طيب اهدي واحكي لي وانا اوعدك هساعدك، بس بالأول قولي أسمك وكل اللي عايزة هعمله، أنا اوثق انك مظلومة واكيد في قصة تانيه للحصل دا..
بعظ لحظات تمكن من تهدئتها الأن، فقد ربتت كلماته على قلبها، وبدأ نشيجها يخفت، مما جعله يزفر بارتياح قائلًا:-
- قولي اسمك إيه!، واحكيلي كل حاجه واللي عايزة هعمله، أنا وعدتك هساعدك ...
اومئت له برأسها وشفتيها تحركت بشيء لم يسمعه لتلعثمها ونبرتها الخافتة، فانحنى براسه اكثر لتلتقط اذنيه تلك الكلمة فقط:-
- بوسه..
انتفض مبتعدٍ بصدمه للحظه وأردف بتوتر ونبرة حادة:-
- ايه اللي انتِ بتقولي دا!، أنتٍ قليلة الأدب..
اجفلتها حدته تلك وبدأت وتيرة دموعها تنساب بغزارة مرة اخرة وهي تشعر بعدم الاستيعاب لسبب غضبه عليها الأن، بينما هو تلعثم قائلًا بارتباك:-
- بوسة أية! وقلة ادب إيه!..
من بين نشيجها شعرت بالخجل يجتاحها، ما أن تداركت فهمه الخطأ لها، فتهدج صوتها مصححه له بينما تهدئ من بكاءها قائلة:-
- أنا أسمي بوسة...
وصل صوتها له، فاتسعت عيناه واردف مندهشًا:-
- اسمك بوسة!.
أماءت له بخجل، وقد تناست حزنها منه، فهمس متهكم قائلًا:-
- هو دا اسم ازاي يعني!، في حد إسمه بوسة!، دا شبها مش أسم، وأنا اللي دماغي راحت لحتة تانيه وظلمتها...
ثم شعر بتوتر غريب يتملكه، حتى أنه لم يعرف كيف يصحح خطأه ذلك، فصمت للحظات، ثم اردف بنبرة خافته قائلًا:-
- أسف بس هو أسمك غريب جدًا أول مره اسمعه، ازاي باباكِ سماه ليكِ يعني، وأي حد يناديكِ بيه عادي!..
أجابته وقد خفت نشيجها تمامًا وبات شهقات متفاوتة اردفت من بينها قائلة:-
- تيته اللي سمتني بيه، لأنه كان اسم أختها اللي ماتت في صغرها وكان نفسها تسميه لو جابت بنت، بس ربنا مقدرش وجابت غير بابا بس وجده مات وهي رفضت تتجوز بعده، عشان كده اول ما بابا خلفني، اصرت تسميني الاسم دا...
ابتسم في وجهها مومئًا برأسه بتفهم نقيض لما داخله، فلم يقبل الاسم بتاتًا، ولن يجرأ على لفظه مطلقًا، فالاسم مع وجهها وملامحها يجعلها فتنة تلك الفتاة...
ساد صمت لوهله بينهما حتى تنحنح قائلًا:-
- طيب ممكن تحكي كل اللي حصل معاكِ من الأول للأخر..
أمأت له، بينما تنسل دمعة الم وحزن من مقلتيها وهي تسرد له منذ البداية، منذ زواجه منها قسرًا...
بينما هو كان يستمع لسيل كلماتها التي ألمت قلبه وآثرت مشاعر الحزن والشفقة بداخله عليها، ولا يدرك أن الحب قد يقتحم القلب منتحلًا مشاعر أخرى مثل الشفقة والكراهية ايضًا، كلهما شعورًا قوي قد يتبدل الى عشق يبذخ ويترسخ بالقلب، فترى هل هذا ما سيحدث معه!، أما أن قلبه محصن ضدها!...
تجلى الغضب على وجهه وارتسمت به ملامحه، ما ان انتهت من سرد كل ما حدث معها، بينما هو كان يقبض على كفيه بقوة، محاولًا التحكم بغضبه وكبته، حتى لا ينفجر ويذهب ملقن الأخر درسًا على فعلته، لكنه بالنهاية لم يستطع لجمه مع استمرارية سردها لأخر حدث الذي أتى بها الى هنا، فغلى غضبه وتبخر من كل انشًا به وهو ينتفض من موضعه قائلًا:-
- قولي العنوان فورًا..
انتابها الذعر من هيئته تلك، لكنها قد سبق لها رؤية ما هو اكثر قبلًا وكان ذلك منذ عامين تقريبًا وقد خشيت منه وعليه حينها وهي تراه يحطم كل ما تطاله يده حينها ويزأر كأسد جريح متألم حينها في ذاك المكان الخاوي الذي لطالما كان يذهب اليه وقت غضبه ليفرغه، ولا يدرك أنها الوحيدة المدركة لنزعة الجنون بداخله والذي ينتج عن غضبه والذي يخالف شخصيته الهادئة والحنونة دومًا، فلم يدرك ان التي امامه كانت عاشقه مترصده له، كظله ما ان يكون بالبلدة ...
لذا صمتت تخشى عليه وليس منه ولكن شيئًا ما بداخلها أحب غضبه لأجلها، وصمتت تطالع هيئته بسعادة وملامح بلهاء، حتى صاح بها مره أخرى، فأجفلت منتفضه ذعرًا هامسه:-
- اهلًا حالة الجنون اياها اشتغلت، ربنا يستر من اللي جاي ..
ومع نظرته المخيفة الحازمة تلعثمت قائلة:-
- ارجوك انا مش عايزة حاجه غير أنه يطلقني ويسبني انا وابني...
بهت من سماع ما قالت، فتلك الصغيرة لا تدرك أن هذا الصغير عليه ان لا يولد وإلا سيكون لعنة قد تصيب حياتها فلن يتقبله احد ولن يتقبل ذاته هو حينما يكبر ويشار إليه، وادرك ان زوجها محق في تلك النقطة، لكنه سلك درب اخر ولسبب اخر بنفسه وهو الأنانية المطلقة، اجهاضها لتحمل آخر...
لكن هذا الاجهاض لأجلها هي ولأجل ذاك الصغير الذي سيكره حاله ويكرها ويكره المجتمع من حوله وقد يضحى شخصًا سيء ، للحظة شعر بالمسؤولية اتجاهها، وأنها تحتاج لمن يحتويها ويحدثها للاستيعاب ويأخذ بيدها للنجاة، لذا أردف قائلًا:-
- طيب هنتكلم في موضوع البيبي دا بعدين، دلوقت عايزك تقولي العنوان بتاع الحقير اللي عمل فيكِ كده..
أمأت برأسها له وأملت عليه العنوان، ليأردف قائلًا:-
- تمام أنا هروح دلوقت وأنتِ ارتاحي واوعدك الليلة هتتحرري منه...
ثم تركها وغادر متوجه حيث منزل زوجها لنيل حريتها منه....
***
غضب وثورة غير مبرره من شاهي التي ما أن عادوا من المركز واخبروها بحمل جود والجراحة التي خضعت لها، حتى اهتاجت بهم، تنثر رياح غضبها عبر كلماتها اللاذعة، كونهم خبأوا عنها، حينها برر سليمان فعلته، بانه خشى أن يفلت لسانها امام آسر وان الموضوع انتهى ولا يجدر بها الغضب على هذا النحو، الا ان شرار الحنق ظل ينبعث منها، وتشتعل على مراجله من الداخل، بينما تتظاهر بالغضب لأنها ارادت ان تكون معها كأم وأنثى برفقتها تدعمها بدلًا من وحدتها معهما، ليمر الأمر بكلمات شكر وتأسف من سليمان، وتظاهر منها بالأفصاح ووعد بالاهتمام بها حتى يتأكد الحمل...
لتصعد بها ألي غرفتها بود زائف ومعهما آسر الذي يختلج النبض بقلبه سعادة ممتنًا لما مُنح له، متعهدًا بالسعي للشفاء الكامل، لكِ يكون عونًا وسندًا لعائلته الصغيرة، زوجته وطفلة...
ما ان دلفنا الغرفة، وغادرت شاهي حتى أردف أسر قائلًا:-
- جود ممكن تنامي وترتاحي، الدكتور طلب منك الفترة دي تقللي حركة وتهتمي بأكلك وصحتك..
أمأت له بعبوس طفولي، جعل بسمه ترتسم على محياه وأردف قائلًا:-
- طيب هاتي كتاب وتعالي ارتاحي بالبرند وانا أقرأ لك..
اتسعت بسمتها وكادت ان تهرول متحمسة لجلبه من المكتبة الا انه اوقفها بصوته القلق:-
- جود براحه، انتِ ناسية وضعك..
انتبهت متذكرة وهي تحاوط رحمها بذراعيها بحماية قائلة:-
- اسفة يا حبيب مامي، لسه ما أخدت على وجودك، بوعدك هنتبه اكثر واحافظ عليك...
راقب آسر هذا المشهد ببسمة سعادة ووجيب يتعالى، فها هو الله يمنحه ما قد ظن أنه مستحيل..
****
في المشفى ما أن نهضت نيرة بنية المغادرة، حتى باغتها ادم بحمله لها قائلًا:-
- الدكتور قال راحه يا مدام، ومن دلوقت مهمتي راحتك لحد ما ابننا يشرف بالسلامة، أنا متأكد أن العملية نجحت وأنك حامل بأبني ان شاء الله....
ثم تحرك بها اتجاه الخارج وصولًا لسيارته ووضعها برفق
بها واستقلها مغادرًا وهو يقود بحرص حتى وصل إلى الفندق، فلم يسمح لها بالترجل الا وهو حاملًا اياها رغم اعتراضها وصعد بها الغرفة، واضعًا أياها على الفراش قائلًا:-
- ارتاحي شوية على ما أطلب الاكل..
أمأت له، فقام بتمديدها ونزع حذائها ببسمه ودثرها بالفراش، ثم جذب الهاتف وطلب الطعام، ما أن انتهي حتى ولج ألي المرحاض لينعم بحمام دافئ....
***
طرق على باب المنزل بقوة، مما جعل قاطني سكن المنزل يهلعون وحسين يسرع بالتوجه لفتحه وهو يغمغم بضيق لاعنًا الطارق..
وما ان قام بفتحه، حتى تفاجأ بمن يقابله ويباغته بلكمه اسقطته و انهال عليها بالعديد منها غلًا وهو يسبه ويلعنه على ما فعله بالفتاة وصراخ زوجته وفتياته التي اكبرهن تبدو قريبه من عمرها، لكنه لم يعبأ واستمر بضربه بقسوة وهو يهتف قائلًا باهتياج وغضب اعمى:-
- وقسمًا بربي لو ما جيت وطلقتها دلوقت، هخلص عليك ومالكش عندي ديه، أصل اللي زيك مش راجل، اللي يجبر عيلة قد بنته على الجواز ويمد ايده عليها..
ثم جذبه بقسوة الي الخارج وقذفه بداخل سيارته وصعد هو الاخر وقادها عائدًا الى المشفى وهو يجذب هاتفه ويقوم بالاتصال على رحيم منتظرًا ان يجيب، وما أن فُتح الخط، حتى جهر قائلًا:-
- رحيه هاتلي مأذون وتعالى مستشفى البلد حالا، اوضة رقم..
***
في الجهة الأخرى، كان رحيم جالسًا بصالة المنزل، يتناول كيك سارة بتلذذ وهو يشاغلها، بينما عي جالسه مع عمران تدارسه، حتى تعالى هاتفه جاذبًا اياه، وما أن اجاب عليه واخبره بما قال، حتى انتفض واقفًا مأردفًا بنبرة مغلفة بالقلق:-
- مستشفى إيه ومأذون ايه يا ركان خير في إيه!
أجابه ركان قائلًا:
- مش وقته يا رحيم هبقى احكيلك، بس تعالى بسرعه
وافقه رحيم واغلق الخط بملامح واجمه، بينما أنتاب سارة القلق ولم ترد ان تظهره...
جمع هو اشياءه وتحرك مسرعًا صوب باب الشقة، لكنه شعر بتوترها وقلقها، أو هكذا تمنى، فأراد طمأنتها على كل حال فأردف قائلًا:-
- دا ركان صاحبي عايزني اروح له دلوقت، اقفلي الشقة بالمفتاح وانا هبقى اطمن عليكم..
انهى حديثه وهو يجذب حقيبته وغادر قائلًا:-
- اقفلي الباب يلا ورايا حالًا..
أمأت له وتحركت خلفه تغلق الباب، بينما هو تحرك ينفذ ما طلبه منه ركان....
**
تطلعت به بنظرات انبهار وهي تراه يفي بوعده لها، يلج الغرفة كمحارب منتصر، يلقي به بقسوة أمامها، لينقل بصرها اليه بتشفي وهي تراه منكسر، مذعور منه، ووجهه مكدوم، وملابسه مشعثه، لتشعر بوجود سند داعم لها لأول مره، هو فارسها الشجاع، منقذها للمرة الثانية أتى وانتشلها من ظلماتها، كانت نظرات عيناها تتعلق به وهي تلتمع بشيء ظنته انتهى ولن تشعر به مجددًا، لم يخرجها من تطلعها الأبله به
سوا استماعها لصوته الجسور وهو يجهر به قائلًا:-
- طلقها، ارمي يمينيك عليها حالًا..
أماء له الاخر بذعر من هيئته الوحشية تلك، متلعثمًا بحروف متقطعة قائلًا:-
-انتِ طالق...
كلمة تلك كانت، ولكن تأثيرها على قلبها لم يوصف شعرت بدقاته تتراقص عاليًا وبألعاب نارية تنطلق من فرت سعادتها بنيل حريتها وأخيرًا، كل هذا ولازلت نظرات عيناها عليه هو وحده وقلبها الاجدب يعلن تتيمه، لتنتبه لانضمام شخصًا اخر يرتدي جلباب وعمه برفقة رجل والذي لم يكن غير رحيم الفاغر فاهه يتطلع بعدم فهم لما يحدث حوله،
بينما هي تداركت هوية المأذون الشرعي، الذي اتى ليوثق طلاقها، فلم يكتفي بالكلمات الشفوية، بلا اراد تحرير نهائي موثق لها، يمنع الاخر من محاولة الغدر وردها، وما هي الا ثوانٍ وراته يجذبه بعنف ليوقع على وثيقة اطلاق سراحها، حتى انتهى الشيخ ونالت حريتها اخيرًا بسببه هو!..
بينما نهض الشيخ مستأذنًا ما أن انتهى معلمًا اياها انها كونها حاملًا عدتها تكون حتى أنجابها للصغير، لحظة أراد ركان معرفة حكم الشرعة اذا كانت تحمل طفل غيره، لكنه لا يرد تشويه سنعتها على شيء لن يكون وعليه أن ينتهي
لذا صاح ب خسين جاهرًا به ان يخرج ويبتعد، اذعن له وزحف مبتعدًا، بينما تبقى هو ورحيم الذي مازال يطالعه منتظرًا اجابه على ردة فعله تلك وأسالته التي تحوم الان برأسه تسعى للأيجابه، فتقدم ركان نحو بوسة قائلًا:-
- خلصتك منه زي ما وعدتك، دلوقت هتكلم مع الضابط رحيم صاحبي شوية وارجعلك، ارتاحي..
امأت له بابتسامتها البلهاء ونظراتها المنبهرة والعاشقة والذي قرأها رحيم جيدًا، لذا زاد فضوله نحوها، حتى تقدم ركان نحوه يجذبه للخارج حتى يسرد له كل ما حدث...
**
في الخارج ما أن انه ركان قص حكاية بوسه على رحيم والذي احتاج قلبه الحزن عليها تلك الصغيرة وما عانته، خاصةٍ حملها بطفل غير شرعي، سببه الجهل والتخلف الذي يحوم بالمجتمع، إلا انه تنفس الصعداء وهو يحمد الله على انقاذه لحبيبة قلبه قبل ان تزل قدمها في تلك الفجوة المظلمة، لكن تلك الصغيرة التي سقطت فيها وانتهى الامر، وتحتاج لمن يمد يد للمساعدة وانتشالها، ويحمد الله على وجود صديقه ودعمها، لكن الأن المعضلة الكبرى تتمثل في صغيرها المتشبث بالحياة والتي للأسف لا يجدر به المجيء اليها وعيشها...
لذا أردفً بنبرة مغلفة بالشفقة:-
- طيب موضوع جوازها وانتهى يا ركان، لكن موضوع الطفل هتعمل فيه، هتقدر تقنعاها تنزله...
تنهد ركان شاعرًا بضيق يعتمر صدره وشعور بالمسئولية اتجاهها لا يدرك كيف تسلل اليه وتملكه وأردف قائلًا:-
- مش عارف يا رحيم لسه ما تكلمت معها في موضوعه، بس شكلها ومتمسكة بيه...
طالعه رحيم بنظرة مطولة، وشيئًا ما بداخله جعله يوقن أن تلك الصغيرة هي القادرة على أزالت ذاك الحب الظالم الذي يفتك بقلبه وزرع حبها هي بدلًا منه، فلم تخفى عليه نظرات العشق المغلفة بالانبهار، تطالعه وكأنه نجم ساطع لذا قرر أن يحث صديقه على قربها، لعلها تتمكن من التسلل بين حناياه حتى قلبه وتملكه فأردف بنبرة ذات مغزى:-
- البنت دي ضايعه وتايهة ومحتاجه حد يرشدها للطريق الصح، وبما إنك اللي لقيتها او عي اللي لقيتك فهي مسؤوليتك، خد بأديها ووجها أنت..
اخرج ركان نفسًا مثقلًا قائلًا:-
- فعلًا يا رحيم انا مش عارف ليه حاسس ان البنت دي تخصني ومسؤوله مني، عشان كده قررت أساعدها وأخد بأيديها..
رفت بسمه جانبيه على ثغر رحيم، سرعان ما اخفاها، وهو يشعر أن صديقه الأن يقطع اول خطوة بدرب عشق صحيح وليس ذاك الخاطئ، ثم نهض مستأذنًا منه للعودة الى المركز، معطيًا له الوقت اللازم للبقاء معها وأنه سيتولى الأمر وحده واذا احتاجه سيخبره، اماء له ركان، فغادر من أمامه، بينما هو توجه ألي الداخل للحديث مع تلك
" البوسة " وعند تذكر اسمها، حتى ابتسم ساخرًا يحرك راسه بيأس مع بسمه خفيفة ارتسمت على محياه، فهو لا يتقبله ابدًا، فكيف لها ان يناديها بوسه، ويسمعه احد، ماذا يظن بها، فذاك الاسم، ليس إلا شبها يعبر عن رغبه فقط...
***
دلف اليها بخطوات مثقله وهو يراها جالسه على الفراش وكفها منبسط على معدتها ببسمه خفيفة سرعان ما توسعت
حينما انتبهت له قائلة بنبرة مغلفة بالسعادة:-
- مش قادرة اصدق إني خلاص خلصت منه، شكرًا أوي أوي...
بادلها البسمه وهو يقترب منها، ثم جلس على المقعد المجاور للفراش وأردف قائلًا:-
- بوــ
لم يستطع اكمل الاسم حقًا، لذا حمحم متابعًا:-
- بصي إنا عايز اتكلم معاكِ في موضوع البيبي، دلوقت ممكن أفهم ليه متمسكة بيه كده...
صمتت للحظه ثم تابعت ويداها ماتزال على رحمها تمسد بطنها برفق وكأنها تربت على صغيرها:-
- بص هقولك مش هنكر اني حاربت بقوة عشان ما احمل من حسين وارتبط بيه، بس لما حصل وحسيت بيه جوايا، حته مني، غصب عني تعلقت بيه وقررت احميه ويكون هو سندي وحمايتي لما يجي، ولما اكتشفت أن احتمال يكون مش ابنه وابن كد تاني، مقدرتش اكرهه او احس اننا مش عايزه، لأني رضيت بيه وهو ابن اكثر رجل بكره في حياتي، مش هرضى بيه وانا حتى معرفش ابوه مين!، هو ابني انا، حته مني يستحيل اتخلى عنها..
لا ينكر شعوره بالأعجاب لمشاعرها وعاطفتها القوية إلا أنه لم يقتنع بحديثها، فذاك الصغير ليس الا أذي لها ولذاته بالمستقبل، لذا هتف قائلًا بنبره هادئة في محاوله لجعلها تستعب:-
- اسمعي كل كلامك جميل ويعتمد على مشاعر خلوة، بس الواقع غير كده، انت صغيره ومش فاهمه عاقبة ولادت ابنك في وضعه دا بالمجتمع، وانه هيكون طفل منبوذ، الكل هيسميه ابن حرام ومحدش هيقبله ولا يعترف بيه، ومش هيروح يحكي لكل واحد قصة أمه واللي تعرضت له، وهيلومك على انك جبتيه للحياة من غير اب، وحتى لو عرف ابوه الي هو هيترمي في السجن لسنين طويلة منعرفش قد ايه، هيفتخر بيه مثلًا انه ابن سجين..
ثم اردف بنبرة حاسمه:-
- الطفل دا لازم ينزل!، صدقيني هيكون افضل ليكِ وليه انه ما يتولدش..
شهقة عالية اندلعت من قلبها دقنتها بكفوف يديها التي اغتسلت بدموعها ما أن انتهى من حديثه تلك، بينما كفها الاخر لتشدد عانقه لرحمها بحمايه، تومئ برأسها رافضه بشدة، قائلة بهلع: -
- لا مستحيل اقتل ابني بأيدي مستحيل...
جزع لرؤية نظرتها ونبرتها المثقلان بالألم ورفضها الهستيري، ادرك انها على وشك خوض انهيار اخر، فقرر المهادنة معها والتهدئة من روعها للوقت الحالي، بينما قد حسم قراره وانتهى الأمر قائلًا:-
- طيب خلاص أهدي، أنا كنت بفهمك عواقب اختيارك، مش بغصبك ...
ثم نهض واقفًا بتروٍ قائلًا:-
- أنا لازم اروح دلوقتِ، قوليلي عنوان بيتكم اعرف مامتك بحالتك تيجي تاخد بالها منك..
- جزعت تومئ برأسها بالرفض من بين نشيجها قائلة:-
-- لا مش عايزة حد يعرف، باب اتصاب بجلطة ومالوش الحزن ولو عارف هيتعب جامد وكمان ماما هي اللي بتاخد بالها منه ومن اختي الصغننة ازاي هتسبهم وتيجي، أنا هكون بخير لوحدي، هنام شوية..
وقف صامتًا يستمع إليها، بينما عيناه تلمعان بالأعجاب لشخصيتها تلك، كم هي حنونه ومراعيه، تهتم كثيرًا لأهلها وتضحي من اجلهم، لقد زجت بذاتها في جحيم هذا الزوج من اجل حمايتهم والان تخشى اخبارهم بحالتها حرصًا عليهم، ليضاعف هذا من عزيمته على دعمها، كما أرغمته طبيعته الحانية على عدم تركها، ولكن لينهي شيئًا ما أولًا
فأردف قائلًا:-
- طيب تمام اذا كان كده انا هفضل معاكُ هنا ..
لكنها اجابته برفضًا خجل:-
- لا صدقتي انا كويسه، وكفاية اوي اللي انت عملته عشاني...
ابتسم قائلًا:-
- على فكره اي حد مكاني هيعمل كده وهيساعدك، ثم انا قررت خلاص إنك من هنا ورايح اختي الصغننه، ثم ما تقلقيش انا كده كده فاضي، وبدل ما اروح اقعد لوحدي، هقعد هنا معاكِ نتسلى سوا، ولا وجودي يضيقك!..
كمن طعن بنصل حاد بارد هكذا كان تأثير كلمته عليها، وكم ألمها قلبها حينها، فكيف يعدها شقيقته وهي من كانت غارقه بعشقه يومًا، لكن كالعادة عقلها يقودها منبهًا اياها بمثلًا قديم أفاقها، "رحم الله أمراءٍ عرف قدر نفسه"
فمن هو، ومن هي الأن!، هو ضابط لم يسبق له الزواج قبلًا، وهي مطلقه تحمل طفلًا ليس له نسب برحمها...
لذا أمأت له ببسمة شجن لم يلاحظها، وكيف أن يلاحظها وقلبه ممتلئ بعشق غيرها، قائلة:-
- يا خبر اكيد لا!، بالعكس طبعًا عمري ما اضايق من وجود حضرتك...
أزعجه اللقب هذا في اخر حديثه، لذا أردف بينما ينزع عنه سترته ويلقيها بأهمال ويشمر عن ساعديه ليرتاح اكثر:-
- مفيش حضرتك تاني، اتفقنا انك زي "لما" اختي وهي بتقولي يا ركان عادي، وأنتِ كمان ذات الشيء، ركان بس
مجددًا يؤلمها ولا يدرك، لكنها اعتادت الالم وبات جزءٍ من حياتها، ستشتاق له ان غادرها...
لذا منحته بسمه وهي تعتدل على فراشها، بينما هو أوشك على الجلوس موضعه، لكن صدح رنين هاتفه، فجذبه من جيب سترته وعيناه تلتمعان ما ان رأى اسم ميار على هاتفه
ليهتف قائلًا قبل ان يجيب عليها:-
- دي ميار البنت اللي كانت معايا لما قبلناكِ اكيد حابه تطمن عليكِ، وضغط على زر الأجابه وبنبرة مغلفه بالعشق اجاب عليها وهو يتحرك ألي الخارج...
بينما هي تمددت على الفراش تدثر ذاتها، فقد شعرت بالبرودة تجتاحها وراسها يرجمها بسيل ذكرياتها المريرة
لتعانقها الوحدة وتضربها بسياط الفقد لكل ما حلمت به وتمنته يومًا وكان اعظمها هو، حتى امتلأت مقآيها من نهر قسوة الاحزان، لتنساب منها تشق اخاديدها على وجنتيها، بينما هي تحاول حجبها ومنعها من الانسياب، مغلقه جفونها بقوة، إلا انها تخطتها....
بالخارج ما أن انهى مكالمته مع ميار، حتى تنفس بثقل وهو يتخذ القرار، متوجه ألي الطبيب المسؤول عن حالتها ليعلمه بما يريده فعله من أجلها، فهي صغيرة جاهلة عن الحياة وقسوتها، تتحكم بها عواطفها وتحتاج لمن يتخذ القرار الاصح بدلًا عنها وقرر أن يكون هو هذا الشخص مقررًا ان الاجهاض لهذا الطفل هو الخيار المناسب والوحيد أمامه من أجلها، فمع انهاءه، سوف ينهي كل مصأبها، ولا يدري أنه بينما كان يدلف الى مكتب الطبيب، كان هناك من يقف أمام منزل والديها بهيئته المبعثرة، يفح بكلماته السامه لوالدها، يقسم له ان لم يعيدها الى عصمته ان يزج به بالمحبس، لينهار والدها ولم يحتمل كلا الخيارين ام السجن او إعادة صغيرته الى النار، وبأحباط تملكه، بثُ بقلبه الوسواس، ضعف أمانه وقرر انهاء حياته للنجاه بصغيرته، وولج للداخل يحرك مقعده حتى وصل وسحب سمًا خاص بالفئران وتناوله وانهى حياته مستسلمًا ولو أنه صبر وتوسم بالله خيرًا، لكان علم انه بعث لهم من يتصدى لذاك الخبيث وينتشلهم من محرابه المظلم، لتلج زوجته الى الغرفه وتراه ساقط على ارضية الغرفه وتلك المادة البيضاء يطفقها فمه، فتعالى عويلها وصياحها على زوجها الذي قتل ذاته وفقدته ....
**
بعد بضعة دقائق من الولوج للطبيب ومحادثته والجدال بينهما محاولًا اقناعه بما يريد ورفض الطبيب للأمر، فاضطراره لأخباره كل شيء عن الحمل، فأذعن الطبيب له على شرط ان يأخذ توقيعه على وثيقه تحمله هو كافة المسؤولية، فوافق ومنحه التوقيع ، خرج كليهما من المكتب، والطبيب يحمل بين يديه حقنه معبأة بسائل ما، متوجهين الى غرفتها، كانت هي استجمعت قواعا واوقفت عبرات الحزن والشفقة على حالها، ليمنحها الطبيب بسمه مضطربة وهو يتظاهر بالاطمئنان على حالها، ثم أفضى محتويات الحقنه في قنينة المحلول المعلق لها، بينما ركان يرمقها بنظرات أسف لما فعله بها من اجلها، لتلتقي عيناه بعينيها، فأشاحها مضطربًا ، ولكن كانت هي رأت نظراته الأسفة والاضطراب الذي أصابه....
.....
أوقف ظافر سيارته امام المنزل وترجلا منها، يخطو بخطوات مثقله بالهم للداخل، وهو يتذكر مغادرتها مع ركان وتركه بعد طلابها الانفصال، شاعرًا بالخواء يعربد بداخله دونها، يخشى فقدانها الدائم، خاصةٍ لقرب ركان منها، فمن المؤكد عاد بها الى القاهرة وابعدها عنه وسوف يستطيع اقناعها بالانفصال عنه، إلا أنه تيبس موضعه منصدمًا وهو يلمحها تقف في شرفة غرفتها القديمة، للحظة تسمر موضعه ظنًا منه التوهم، حتى اجفله نبرة صوتها وهي تحادث أحد، فتهللت اساريره وشعر بأن الفرصة ماتزال أمامه لأقناعها بعشقه واستردادها مجددًا، لذا عزم على السعي لاكتساب قلبها واستملته مجددًا....
***
تجوب الغرفة ذهابًا وأيابًا وهي تشعر بالحنق والغضب، تستدعي شيطانها ليغمرها بالأفكار الشنيعة للتخلص من ذاك الجنين إذا ما تأكد وجوده برحمها، والخلاص منها هي عقبه، فبعد ما حدث باتت تدرك كم هو خطير بقاءها، لكن لتقضي على احتمالية حملها اولًا....
بسم الله الرحمن الرحيم
🌺🌺روايه حدث بالخطأ🌺🌺
بقلم ♥ دينا العدوي ♥
البارت السابع عشر
كم تمنيت الولوج لأعماقك
وسبر اغوارك، وقراءتك حرفًا حرفًا
لعلِ حينها اجد سبيلي أليكِ،
وأبثُ الدفء بين ثنايا قلبك
وأضمر الخراب الذي احدثته الخيبة
وانير بعشقي سراديب روحك المعتمة
أحتوي آلامك وانتشلك من قسوة أحزانك
وارسم البسمه على محياكِ
ليتني لو استطيع، وليتك تسمحين لي
لتمكنا من اللقاء وتعانقت الأرواح
# رحيم
" سليل أبليس"
لقب نعت ذاته به وقد اجاد الوصف، فمن مثله يملك عقل شيطانًا مخادع، خطط وترك لوالدته التنفيذ...
كان قرص الشمس قد اندمل في أحضان السماء قبل وقت
حتى أن الساعة قد تجاوزت التاسعة حينما اندفع الرجال صوب المركز، حتى آتهم صياح إحدى النسوة وتكون "ام هاجر" وهي إحدى الجارات التي تربطها بحميدة علاقة وطيدة فكلاهما متجبرتان قائلة بعدما لكزتها حميدة لتنفذ ما طلبته منها حينما هاتفتها عقب مكالمتها لعمر:-
- انتم تروحوا المركز الأول، قبل ما نتأكد من الكلام دا وإن مرات ابنها فعلًا في بيت الضابط، لا احنا نروح على بيته ونشوف بنفسنا،....
اماء لها زوجها مؤكدًا على صحة حديثها، وهو يحث الرجال علي أتبعه، ازعنوا له وبدلوا وجهتهم صوب بيت الضابط للتأكد...
استدارت بوجهها ترمق حميدة ببسمه منتصرة، فبدالتها إياها بينما ينتابها الشعور بالراحة بعدما بخت سمها كالحية، تنتظر رؤية مفعوله على ضحيتها وسقوطها جراءه....
السعادة الغامرة هي ما اعتملته لحظة رؤياه لها بالشرفة، تراقص وجيب قلبه وهو يلج المنزل، يلقي سلامًا مقتضب على الجالسين بالبهو الخاص بهم، وهو يخطو بخطوات سريعة اتجاه درج المنزل، يكاد يكون مهرولًا، ونبضات قلبه تسبقه للوصول لها، لم يهتم بنداء والدته المتكرر له، بل سعد الدرج كل خطوتين معًا، حتى وصل للغرفة فتوقف شاعرًا بالاضطراب يتمكن منه، ظلّ للحظات موقعه يلتقط بعضًا من انفسه الهاربة حتى قرر اقتحام الغرفة والولوج لها...
جال بحدقتيه بأرجاء الغرفة بحثًا عنها، لكن لا من اثر لها
لا بالشرفة ولا بالمرحاض، أذًا اين هي!، هل كان يهلوس حينها!، هل بدء يتخيل وجودها حوله!، هل تملكه اليأس الى هذا الحد من عودته ليجن عقله ويطاردها خياله معذبًا اياه، لكن لحظه وانتبه لانفراج الخزانة وخلوها من ثيابها، اذًا كانت هنا حقًا ولكنها غادرت، من المؤكد ليس لبعيد فلم يراها، ترى اين تكون!، خرج من الغرفة باحثًا عنها حتى اهتداه عقله ان تكون بغرفة نومها السابقة، فتوجه نحوها، مقتحمًا اياه بغضب، لتقع عيناه على رؤياه من المرحاض خارجه ملتف جسدها بشرشف أبيض وخصلاتها مبلله تتساقط المياه من اطرافها، فمشهد مغري كان له دائمًا القدرة على أذابته ورجمه بالتوق لوصالها، كانت جميلة، شهية كعادتها، تجعله يخر راكعًا امام بهاءها، لم يشعر بذاته وهو يتقدم نحوها، كالمسحور بسحرها، كـ ظمأن يسير في صحراء قاحلة لأيامًا عجاف ووجد ضالته، فتقدم راغبًا بالارتواء، فقد ارهقه الظمأ، عيناه كانت لا تحيد عنها...
بينما هي تيبست موضعها فقد أصابها الارتباك من ولوجه المفاجئ وتلك النظرة التي رمقها بها، تلك النظرة التي لطالما تمنت أن تلقيها عيناه بها، رجفه اجتاحت جسدها حينما قطع المسافة بينهما في لحظة وغمرها بين احضانه بمفاجأة لها، لم تستعب متى وكيف!، فجأة وجدت ذاتها بين ذراعها، يغمر وجهه بتجويف عنقها وشفتاه بدات عبثها، تارة تهمس بالعشق والتوق وتارة تمارس دورها...
انفرطت مشاعرها امام طوفان عشقه الهادر التي تناله لأول مرة، كادت تذوب بين ذراعيه مستسلمة وكيف لا تفعل بعدما صافح قلبها بنظرات اشبه بزخات المطر التي رطبت عجاف صدرها الذي حرم وتاق لنيل عاطفته هذة، حتى انتفض قلبها كطائر جسور هادر ليضرب بصدرها بقوه، لتدفعه عنها بقوة، بعدما اتخم عقلها بومضات خافية لذكرى مرآها له بين احضان اخرى، فشعرت بالخزي وانخرطت دموع الندم من طرف عينيها وهي تسرع بالاستدارة تواري ضعفها تكفكف دموع عينيها عنه، وتستجمع قواها وعزيمتها التي تتلاشى بقربه..
رشقت قلبه بفعلتها تلك، ولم يطق رؤية دمعها، فطالما كان وهنًا أمامها رغم جهله بعشقها، والان وحينما علم بات لا يستطع، دموعه تحرقه هو وتشطر قلبه وتحرق روحه، فدار حولها حتى قابل وجه وجهها، وهمس بصوت مثخن بالعاطفة:-
- اسف لو عشت عمري كله اقولك اسف مش كفاية عليكِ، ارجوكِ ما تبعديش أنا ما اقدرش على بعدك، بحبك وكنت غبي، بس صدقيني ما خنتكيش والله ما خنتك، هي فاجأتني وانصدمت مش اكثر، بس اقسملك أن لمستها ليا كرهتها، وعرفتني انت إيه ليا، ميار أنا معاكِ وبقربك بحس بمشاعر عمري ما حسيت بيها مع غيرك، بتجنن لقربك، وبحس ان مكاني حضنك، كنت غبي وبعترف لك، اديني فرصه وبلاش تقتليني ببعدك عني، عاقبيني بأي طريقه إلا فراقك وحرماني منك...
صمت ساد منها وهي تنصت لحديثه، وقد شاب نظراته الحزن وبعضا من الالم قراتهما جيدًا، لكنها لم تبدي أي تأثر منها، بل ارتسمت القسوة على ملامح وجهها تأبى الخضوع لقلبها الذليل الذي يرجو الصفح عن الحبيب، لكنها تمردت عليه وأبت ان تزرخ له من جديد، لقد ألمها بقسوة وقد منحته بالمقابل عشقًا تدرك أنه بقلبها راسخ، لكنها ستتعلم
ان تطمره بأعماقها وتواريه عنه، فالأن عهد ضعفها امامه قد ولى ولن يحصد منها سوا الجفاء حصيلة سنين عجاف قد مرت بها في عشقه، تشتهي عتاقًا دافئ و غمرة من المشاعر
لذا هتفت قائلة:-
- ما بقى ينفع يا ظافر، صدقني احنا انتهينا خلاص، قلبي اللي حبك انت كسرته بنفسك، أنا وانت ما بقينا ننفع لبعض، كل اللي هيكون بنا ابننا وبس، لكن أنا مشاعري اتجاهك ماتت وانتهت...
الصمت ارخة ستائره عليهما معًا، للحظات ظل يطالع عينيها راغبًا بقراءة ما تضمره له، لكنها حجبت عنه جيدًا، لكنه لم يستسلم ورفض فراقها لن يتغير، فما كان عليه سوا أن يعبر عن غضبه منه زمنها ومن سيل كلماتها ورفضه لها، سوا ان يجذبها اليه بقوة وشفتاه تعانق شفتيها وتعنفها عما هدرت به منذ ثوانًا، يمنحها اجابته على ترهاتها تلك، يتجاهل مقاومتها له، حتى شعر بتراخيها، فابتعد مانحًا اياها الهواء اللازم بينما يهدر لها قائلًا:-
- أنا وانتِ مستحيل ننتهي، ميار لظافر، وظافر لميار، وانسي ان اسيبك يا ميار إلا في حالة وحده لما تحملي لقب أرملة، غير كده انت هتكون ليا، اسمك على اسمي لأخر لحظة بعمري، عاقبيني وقابل عقابك مهما كان ومهنا طال، مش هتلاقي مني غير الصبر والانتظار، مش همل زي ما أنت ما ملتيش مني، وفي يوم هتقتنعي بحبي وهتسمعيني، مني ما شفتيش إلا التجاهل، بس اوعدك من النهاردة هكون ليكِ العاشق اللي بتحلمي بيه....
كانت تستمع اليه بدهشه من تصميمه هذا وقبلته تلك العاصفة بالمشاعر، ولم تنبث بحرف حتى انهى حديثه وقام بلثم وجنتيها بقوة قائلًا مع غمزة:-
- هسيبك ترتاحي شوية لأنك اكيد تعبانة وبعدين لينا كلام تاني مع بعض يا ميار...
ثم تحرك مغادرًا الغرفة منحًا اياها بعض الوقت والراحة، لكنه ينتوي العودة مجددًا، فلن يحتمل النوم بدونها، فقد استبد الشوق به ويتوق لنومًا مريح حرم منه بغيابها..
ولجت سارة ألي غرفة النوم، تشعر بالأرق وأنها بحاجه لأخذ حمامًا بارد لترتاح، فماتزال بثياب ليلة الأمس،
وهي غير مريحه بالمرة، لكن لفت انتباهها تلك الاكياس الورقية الموضوعة على الفراش والتي لم تكن موجوده قبلًا، توجهت نحوها بدهشه من وجودها، تشعر بالتردد من فتحها ومعرفة ما بها، إلا ان تلك الورقة الملصقة على احداها جذبتها، فأخذت القرار بفحصها..
وما أن وصلت وأحنت رأسها لقراءتها دون نزعها، تعالى وجيب قلبها خجلًا وهي تقرأ كلماته تلك المهتمة قائلًا:-
- عارف إنك أكيد محتاجه تخدي حمام دلوقت وتغيري، لأن أكيد زهقتِ من هدومك دي، عشان كده جبتلك شوية حاجات بسيطة على ذوقي، بتمنى تعجبك وتكون على مقاسك، لحد ما ننزل سوا ونجيب كل الي ناقصك، وآه ياريت ما تعانديش لمجرد العناد، لأن عارف دماغك وتفكيرك... ثم انهى ما كتب يرفقه بتلك العبارة بالنهاية:-
"ليتك لو تقبلين بي!، وتمكنيني من نزع اوصاد قلبك واقتحامه حتى انثر بين ثناياه عشقي وتبتين لي سروري"...
اختلجها التردد للحظة وشعورًا مبهم يعتمرها، لكنها حسمت أمرها بالنهاية وجذبت الحقائب ونظرت لما بداخلهن، وقد اعجبها زوقه كثيرًا، للحقيقة لطالما اعجبها سابقًا، حينما كانت ترافق نرمين ودائمًا ما كانت تنبهر بذوق زوجها الرفيع في اختياره لأشيائها، فقد كانت نريمان دائمة التباهي بما يجلبه لها من هدايا واهتمام رغم رفضها لمرافقته لتلك القرى النامية حيث يخدم، الا انه كان متفهم لنمط حياتها وصعوبة تبديله، فلم يجبرها يومًا على مرافقته..
مر الوقت عليها وهي تتفحص الثياب بأعجاب، شاردة بالماضي، الذي رجمها بسيط الألم مجددًا، لكنها نفضت جانبًا، رافضه الانصياع رغبة ذاك الوسواس الدائمة بتذكيرها بما عاشته من سوء والم ويغفلها عن رحمته وفرحته...
لذا لفظته مستغفره وهي تنهض جاذبة إحدى البيجامات الحريرية ودلفت إلى المرحاض لتنعم بحمامًا دافئ، بينما عمران ظلا يلهو بألعابه منتظرًا اياها حتى انتهت تمامًا وعادت له، تحثه على النوم، فأذعن لها واصطحبته الى الفراش ودثرته به وبدأت تقص عليه إحدى القصص....
وما هي إلا دقائق واستمعت لصوت جلبه بالأسفل وصوتًا يتعالى، فانتابها القلق، ونهضت بتوتر، تطالع ما يحدث من نافذة الغرفة......
شهقة عالية اندلعت من قلبها دفنتها بكفوف يديها وقد جزعت من رؤية جمع من أهالي البلدة بالأسفل، يحاولون اقتحام البناية، لكن العساكر المكلفة بحراستها، تصدوا لهم، مغلقون بابها بقفلًا حديدي، بينما تصل همهماتهم وصيحاتهم إليها، لتدرك حقيقة مجيئهم من أجلها هي...
تيبست موضعها للحظات بارتياب، فقد غفلتها الصدمة عن ما يجدر بها فعله، وقد انسابت العبرات من مقآيها تشق وديانًا على وجنتيها، حتى أتاها عمران الذي شعر بالوجل من تلك الاصوات وتوجها صوبها يضمها طالبًا الأمان..
انتفض جسدها حينها وتنبه لضرورة تحركها، فأسرعت بجذب صغيرها تبث له الأمان وتطمئنه، بينما بأعماقها تشعر بالهلع، وهي تهرول نحو هاتف عمران تبحث عن رقم رحيم لتخبره بما حدث...
في هذا الوقت كان رحيم قد وصل الى المركز لتوه
ولج مكتبه، مقررًا قضاء ليلته به، لحين إيجاد مكانًا مناسب له، بسط ظهره على الأريكة ثانيا ركبتيه، عاقدًا ذراعيه اسفل رأسه، محاولًا الانسجام بجسده الضخم على الأريكة الجليدية الصغيرة، إلا أن ضخامة جسده لم تتناسب تمامًا معها، لكنه تجاهل هذا وحشر جسده بها عنوه، هامسًا لذاته أن عناءه فداءٍ لها ولراحتها هي!، وبقاءها أمانة، مطمئنه بمنزله هو كل ما يهتم له حتى تحين تلك اللحظة التي يحق له فيها مشاركتها الفراش وتندمج روحيهما وهي حلالًٍ له...
بعد وهلة من الزمن كان قد سئم السهد، يستدعي النوم لكنه يجافيه، وما أن وأخيرًا سقط بالنوم حتى اطبقت على عنقه فجأه انامل خفيه قاسيه خشنة، جعلته يختنق
وينهض منتفضًا شاعرًا بغصة بقلبه لا يدرك ماهيتها....
فأصابه القلق، ولا يعرف لما تملكته الرغبة بمهاتفة منزلة والاطمئنان انهما بخير، فأتجه نحو المكتب جاذبًا هاتفه، لكن صدح رنينه فجأة وأسم عمران يتوسد الشاشة، هدر له وجيبه وجلًا، فأسرع بالإيجاب قلقًا....
توسع بؤبؤ عينيه من شدة الذهول والغضب، كمن سُكب الثلج فوق رأسه وهو يستمع لتلعثم سارة، وهي تخبره بتجمع بعض الأهالي بالأسفل من اجلها ومحاولة اقتحامهم البناية، حتى انتفض جسده وتشنج عضاله شعورًا بالغضب الشديد والذي بات كدخان يتبخر من كل انشًا به وهو يتحرك مسرعًا بخطوات وئيده اتجاه سيارته وقد شعر ان كلاهما كمن يقف على حافة جرف وعلى وشك السقوط به وان عليه إيجاد حالًا مسرعًا يتلافى به السقوط بالهاوية، فأوحى له عقله سريعًا بذاك الحل الذي قد ينقذهما من براثن ألسنتهم والاتهام بالخطيئة، فجذب هاتفه مسرعًا يحادث ركان، ليلحق به ويلتقيا قبل المنزل ببضعة انشات، حتى يصلا إليه سويًا....
كان ركان يترقب شاعرًا بالتوتر يجثم على روحه، وكأنه جالسًا على جمرًا محترق، يطالعها بنظرة يسودها الغموض...
استقبلتها هي بالحيرة، يعتريها شعور بأنه اغلق كل الأبواب التي تمكنها من قراءة عيناه عمدًا، هناك شيء غامض، مريب يواريه خلف تلك البسمه الجوفاء الذي يمنحها لها...
حتى بدأت تشعر بالتخدر والتراخي تزامنًا مع توقفه أمامها وقد تبدلت نظراته ألى اخرى مذنبة قائلًا:-
- آسف بس دا لمصلحتك، الطفل دا مش لازم يجي...
ألم غائر شعرت به، كمن طعن بسكين الغدر، لكن تلك الطعنه كانت اكثر ايلامًا حينما تكون ممن اعتبرته الأمان
حينها ارتسم شعور الخيبة في نظراتها وتبدل العشق الى كره وهي تشعر بالثقل في لسانها والتخدر في اعصابها، لكنها جاهدت بالنطق وهي ترفع أناملها تتشبث بكفه بمفاجئة ارتجف لها بدنه وهي تهمس قائلة بتلعثم والعبرات تنساب على وجنتيها، يتملكها الشعور بالعجز:-
- لا ابني لا، بلاش أنت اللي تخده مني، أرجوك مش عايزة أكرهك...
لكن نظراته كانت مصممه، لم يتراجع، رغم جمر كلماتها، والتي لا يدرك لما ألمته بقسوة، إلا أنه يثق أنه يفعل الافضل لها، فعندما جلس مع الطبيب ادرك ان الخضوع لفحص الابوة يلزم ان يكون الحمل في الشهر الثالث منه، وحينها سيكون فات الأوان لأجهاض الصغير، سيكون روحًا واجهاضه يمثل القتل، لذا سوء كان الصغير من زوجها الخسيس او من ذاك ال** وجوده ما هو الا ضرر لها، سيربطها بالوغد المسن اكثر، او سيكون لعنه تصيبها، لذا قراره صحيح وسيتحمل عواقبه من أجل صغيرة عليها أن تحيا حياتها ولا تهوى مجددًا...
سقطت في غفوتها الأجباريه ودمعاتها بالأهداب عالقة واناملها ما تزال تتشبث بكفه، فتقدم الطبيب والممرضتين من خلفه لأخذها الى الجراحة، انسل بكفه من بين اناملها ببطيء ووهن تملكه، مدركًا أنها ما ان تلج لتلك الجراحة وتخرج منها، حتى ستتبدل مشاعرها نحوه، وذاك الامتنان الذي ابدته له سيتبدل الى كره وغضب، لكن مع مرور الوقت، وتبدل حياتها حينما تجد شريك حياة آخر مناسب لها وتجد معه سعادتها وتنجب اطفالًا منه يحملون إسمه ويدركون هويتهم، سوف تشعر بالامتنان نحوه مجددًا وتدرك أنه اراد لها الخير بفعلته؛ هكذا اقنع ذاته وهو يرى تحرك الممرضات بها ومعهم الطبيب حيث غرفة الجراحة.....
وما كاد ان يتحرك خلفهم حتى صدح رنين هاتفه، فأجاب عليه مستمعًا الى هدر الاخر به بضرورة مغادرته المشفى الان وتحركه اتجاه البناية التي يقطنان بها والتي هي مخصصه من أجل الضباط والاطباء المنقولين لها...
قائلًا:-
- ركان اطلع من عندك وتعالى بسرعه، في كارثه اهل البلد متجمعين عند العمارة، ووصلهم كلام عني وعن سارة ومحتاج وجودك معايا عشان ننهي الموضوع دا، أنت منهم وعليهم وعارفينك كويس وهيسمعوا ليك وهيصدقوا الكلام اللي هنقوله...
انتاب ركان التردد لثانيه من ترك تلك الصغيرة، لكن صديق عمره يحتاجه لذا اجابه قائلًا:-
- تمام انا هتحرك فورًا، اقفل وهكلمك تاني..
ثم تحرك وعيناه تجول بحثًا عن ممرضه ما لأعلامه عن موعد خروجها من الجراحة، فوجد احدهن وقام بسؤلها، فأخبرته انه يلزم ساعه او اثنين للانتهاء وأنها ستظل غافية لعدة ساعات أخرى تاثيرًا بالمخدر، فتفهم وتحرك مسرعًا حيث سيارته، وقادها متوجهًا لرحيم الذي أعاد الاتصال به
يفهم منه مخططه وما يريده أن يتفوه به امامهم...
**
وصل ركان ألي المكان المتفق عليه مع رحيم الذي يبعد مسافة امنة عن المنزل، فاسرع رحيم الذي كان ينتظره وهو يحادث سارة يطمئنها ويهدئ من روعها ووجلها مما سوف ينثرونه من أشاعات باطله عنها، يقسم لها أنه لن يسمح ان تلوك بألسنتهم وأنه سينهي الأمر دون المساس بأخلاقها...
وما أن انتبه له حتى اغلق الخط فورًا وتحرك صوبه، يحثه على الاسراع...
توقفت السيارة أمام البناية وترجل منها ركان وتحرك صوب الجمع الذي لم ينتبه له، فنا كان عليه ألا أن يجذب انتابهم، فأخذ سلاحه ورفعه لأعلى مطلقًا منه احدى الطلقات التي دوى صوتها عاليًا، فأصابهم بالهلع واستداروا منتبهين اخيرًا له....
فجهر بهم ركان قائلًا:-
- ممكن افهم ايه الجمع دا ومتجمعين هنا ليه!...
بينما وقف رحيم على مقربه منهم متواري، يراقب ما يحدث، فلم يكن هو الآخر ندًا سهلًا ابدًا، فهو لا يتسم بقوة البنيان فقط انما برجاحة العقل، فقد ادرك جيدًا ما ينجم على ظهوره هو في الصورة الآن، وخاصة لقراره بالزواج منها عقب نيلها الطلاق، لذا قرر التواري حاليًا وجعل ركان يستلم هو الأمر، فاحترام الجميع له ووجلهم منه لانتسابه لعائلة الحديدي سيلجم من ألسنتهم، فهو مهما كان غريبًا عنهم، لم يلبس بينهم إلا شهرين فقط، لم يهتم ان يتلبس صورة البطل الشجاع امامها والمنقذ، بل كل ما أراد هو تجنب الاساءة لها، وظهوره بالصورة سوف يؤكد صحة ما فح لهم من أحاديث مسممه، لذا صمت يترقب..
بينما بالأعلى من خلف النافذة تراقب سارة بجسد يرتجف ما يحدث بالأسفل وهي تضم عمران ألى صدرها ، يعتريها الذعر من القادم، وما سوف يكشف من ماضٍ قاسٍ تلوكه الأفواه عنها، فلن يصدق احدًا من هؤلاء الجهلة قصة حملها بعمران اذا عُلمت وتداولت بينهم، بل سوف يرشقوها بسوء ظنونهم ويتهموها بما لم تفعله، بداخلها تؤنب ذاته وتوبخها على الأذعن له والبقاء بمنزله، كان عليها المغادرة، لو فعلت لكانت تلافت ما حدث هي المخطئة...
ظلت هكذا ترجم ذاتها بقسوة على ما اقترفته، حتى انتبهت لمجيء احدهم وحديثه لهم واختفاء رحيم الذي لم يعلمها به، اعتراها الوجل والقلق وخيبة الأمل حينها، وهي تجاهد لمعرفة هوية المتحدث، لكنها لم تتبين ملامحه وسط ذاك الظلام المنيف والجمع الوفير...
بالأسفل تقدم الرجل زوج السيدة ام هاجر من ركان مطأطأ الرأس يجيبه بحذرٍ قائلًا:-
- سمعنا من الست حميدة ام عمر أن في ضابط بالقسم حابس ابنها وواخد مراته مقعدها عنده بالبيت، واحنا ما نرضى ابدًا بالوس**ه دي في بلدنا يا ركان بيه، إلا العرض والشرف ودا واحد منينا، مستحيل نرضاها ليه...
كان رحيم يلجم غضبه عنهم بصعوبة، محاولًا تمالك ذاته حتى لا يفعل ما يزيد الأمر سوءٍ، فيهمس لذاته يهدأها بأنه يفعل الأفضل لها....
ليهدأ من روعه حينما استمع لجهر ركان موقفًا سيل كلمات الرجل الذي يعلم مؤكدًا كيف ترجم رحيم وتضاعف من غضبه وترغمه على الانفجار الوشيك بهم قائلًا:-
- وانتم طبعًا جين عملين نفسكم قضاه وناوين تنفذوا من غير ما تتأكدوا من الكلام الأول..
صمت ساد من الجميع، يرمقون بعضهم بنظرات مترددة، حتى جهر ركان بهم مستطردًا:-
- الكلام دا مش صحيح، مدام سارة ضيفتي أنا، بعد ما قدمت بلاغ تعدي اتجاه جوزها وحماتها، ولجأت للقصر بعد ما حماتها وجوزها اعتدوا عليها وكانوا عايزين يجبروها تروح للدجالة إياها، ولولا تعليمها وعدم جهلها كان زمانها ضحيه ليها، ولأن ما لهاش حد بعد موت والدها، لجأت لكبير البلد ولعدم تواجد ادم أنا اللي توليت مسئوليتها وقدمت لها بلاغ وقبضنا على جوزها بتهمة التعدي والعنف الأسري وطبعًا مش هنسيبها، عشان كده جبتها هنا وقعدتها في المبنى الخاص باستضافة الأطباء والضباط المنقولين لهنا وبما انها مدرسه بمدرسة الحديدي، فأكيد ليها الحق باللجوء ليها لحد ما نلاقي حل ننهي بيه مشكلتها واللي قررت انها تطلق منه ولا لأن مالهاش حد هيتجبروا عليها!..
ثم تابع حديثه بمغزى:-
- ولا إيه رائيكم يا رجاله، مش دي كمان منكم ومتردوش ليها الظلم بس لأنها يتيمه!، مش الصح تتأكدوا من الكلام قبل ردود الفعل دي!، واعتقد كمان أن معظمكم جيران ليها وشاهدين على اخلاقها العالية وتجُبر حماتها عليها..
طأطأ الرجال رأسهم خجلًا وخزى من حديث ركان الذي ألجم ألسنتهم عن الحديث، فقد اركبهم الخطأ، ثم ما لبست إلا ثوانٍ حتى تعالت همهماتهم مصدقين على حديثه وصحته واستشهاد البعض بحسن خلق المعلمة و علمهم بتجُبر حماتها وتمتموا بالاعتذار وهم يجمعون ذاتهم مغادرين ...
زفر ركان واعتراه شعور بالراحة لتمكنه من اقناعهم، بينما رحيم كان غضبه في أوجهه حينما علم أن تلك احاديث الحية حميدة والتي لطالما رجمتها بسياط القسوة، يشعر بجحيم يستعر بداخله راغبًا بإحراقها هي وابنها البغيض وكل من انصت لها ونطق بحرفًا واحدًا عليها، لكنه تمالك ذاته من اجلها فقط، بالنهاية هو راجل لن يشوبه شائبه، وصوف يلقون اللوم عليها هي..
انتشله من زخم افكاره كف ركان الذي تقدم نحوه ما أن غادروا واضعًا إياه على كتفه بمؤازره له، فأنتبه رحيم له ورفع رأسه رامقًا اياه بنظرات امتنان لدعمه، فمنحه ركان بسمه مهتزة مدركًا ما يعانيه صديقه قائلًا:-
- اتحلت يا رحيم والحمد لله ما تشغلش بالك، والمهم تفكر إزاى تخلصها منه بأسرع وقت، وكمان أم عمر تطلع لشقتي الفاضية فوق وانت ترجع لشقتك ويكون الوضع طبيعي وأنا هروح أعيش بالقصر الفترة دي لحين عودة أدم وما تشغلش بالك..
ساد الصمت بينهما للحظات، حتى استطرد ركان بينما يخرج مفتاح الشقة الكامنة بالطابق الأسفل لشقة رحيم قائلًا:-
- دا مفتاح الشقة بتاعتي، هطلع اخد حاجتي وام عمران تبقى فيها من الليلة وأنت ارجع شقتك زي ما اتفقنا، عشان ان لازم ارجع للمشفى دلوقت قبل ما تخرج من العملية وتفوق، لازم تلاقيني معاها وقتها....
أماء له رحيم ممتنًا وفكره شارد، فكيفية الخلاص من ذاك العمر مسرعًا، فقد انتصر عليه في اول معركه يخوضها ضده، ولم يكن يدرك أنه يخوض عاركًا مع سليل ابليس، فما حدث لم يكن إلا تمويهًا لمجيء المحامي الخاص به وحديثه مع احدًا ذو رتبه عاليه التي تربطهم معرفة خاصة عن حجزه دون سبب بالسجن ورغبته بأطلاق سراحه وبعد بحث علم بصحة ما تفوه به المحامي وقام بأطلاق سراح عمر، بعدما حاول الضابط مهاتفة رحيم الذي كان هاتفه مشغولًا دائمًا وهكذا خرج عمر منتصرًا، وعزم على الاختفاء لحين العودة يقسم أن ينتزع زوجته منه وان لا يسمح لها بان تكون مع غيره!، هي له ومعه فقط ستكون....
بعد مرور برهة من الزمن، كان ركان يخرج من الغرفة حاملًا حقيبته بين يديه وتحرك خارج الشقة مودعًا للرحيم وهبط الدرج للأسفل، واستقل سيارته، عائدًا ألي المشفى
مقررًا البقاء بجانبها حتي تفيق وتدرك ما حل بها، ينتابه قلقًا من ردة فعلها اتجاهه، أن لا تفهم وتدرك أنه فعل الأصح من اجلها، قد لا تصدق ما يعتريه من مشاعر اتجاهها، نوعًا من المسؤولية والرغبة بالحماية لها وكأن صغيره تخصه هو، لذا لن يتوانى عن مساعدتها مهما كان ردة فعلها اتجاهه، سيأتي يومًا وتتفهمه، ظل شاردًا، غارقًا ببحور افكاره حتى وصل المشفى وولج اليها بخطوات وئيده يتسأل عنها، ليدرك أنها قد خرجت لتوها من الجراحة وتكمن بغرفتها، فتوجه صوب الغرفة حتى دخلها وعيناه تتجه صوب فراشها، يراها ممده على الفراش بملامح وجه شاحب
ومتي ما كان غير هذا، منذ الوهلة الاولى ووجهها هكذا، ذابل، شاحب، يرتسم بالحزن والأم، صغيرة هي على تلك القسوة من الحياة...
جلس على المقعد المجاور لفراشها يترقب صحوتها وغضبها حتى سقط غافيًا من شدة أرهاقه، فاليوم قد تعب حقًا واستنزفت طاقته....
طرق رحيم باب الشقة، وصوته يصدح عن هويته، لتهرول سارة إليه راكضه، وتنزع قفله وتقوم بفتحه له...
ما أن فعلت ورأى الذعر بنظراتها والوجل، حتى ود تحطيم تلك المرأة وابنها، لكن قبلًا ود لو كان له الحق لجذبها الى احضانه وطمأنها، لكن تلك النظرة بعينيها ألمته، رأى الشك والخيبة بهما ، فتبدلت ملامحه ألي الجمود، مستنكرًا انعدام ثقتها به، لكنها تبدلت فورًا ما ان هرول صغيره له، فانحنى بجزعه رافعًا اياه له ضماما له ومهدئًا، بينما أردف بنبره يغلفها الجمود وهو يلج ألي الشقة متوجه حيث غرفة رحيم
دون ان يوجه حديث لها، يرى التساؤل بعينيها، لكنه تجاهله ودلف الى الغرفة، وضع عمران على الفراش وقام بأخراج أحدى الحقائب الصغيرة نسبيًا وبدأ بأخراج ثياب عمران ووضعها به...
وقفت هي بالخارج تشعر بالتردد من اللحاق به، لتتخذ القرار بعد برهه من الوقت وتتوجه خلفه، هوى قلبها بين قدميه وهي تطالع ما يفعله وشعرت بالوجل مما ينتوي، هل قرر اخذ صغيرها منها والمغادرة، ولجت الغرفة مسرعة حيث الصغير جالس، تنحني بجزعها وتنتشله منه، وهي تطالعه بنظرات عدائيه رآها هو، فحرك رأسه بيأسًا منها واردف قائلًا مانعًا اياها من الحديث بما سيؤلمه أكثر:-
- جهزي انتِ الكمان الهدوم اللي جبتها لك من شوية يا سارة عشان هتنتقلي انتِ وعمران لشقة ركان اللي تحتينا وانا هبقى هنا بالشقة على ما ننهي موضوع جوازك دا..
أزاحت كلماته الوجل الذي اعتملها، وارتسمت الحيرة على محياها فأستطرد قائلًا مزيلًا طلاء الحيرة والشك الذي ينتابها نحوه قائلًا:-
- أظن إنك سمعتي كلام ركان يا سارة، وانه قال انك ضيفته لحد ما يرجع ادم ويحل مشكلتك، وعارف انك مستغربه عدم تدخلي يا سارة وممكن فهمتيه بصورة تانيه، بس عايزك تفكري كويس لو كنت ظهرت بالصورة كنت اكدت كلامهم، خاصةٍ اننا هنتجوز بعد طلاقك بأذن الله وكان صورتك هتتهز قدام الناس وتطلع علينا الاشاعات، ففضلت أبعد عشانك، وطلبت من ركان يدخل لأن مساعدته ليكِ هتكون طبيعي لأنه من اهل البلد وكمان من بيت كبيرهم، فهمتي دلوقت أنا عملت كدا ليه!، عشان احافظ على سمعتك يا سارة، ياريت تبطلي تشكِ فيها وتثقي أن يستحيل اتخلى عنك او اتسبب لك في اذى..
اعتراها شعور بالخجل منه، دائمًا ما تشك به وهو يثبت لها أنه يهتم، لكنها محقه، لقد خدعت من جميع من حولها وصعب عليها الثقة بأحدهم، تخشى أن تتعرض للغدر والخيانة مجددًا، فقد تعب قلبها وسئم الطعن بيد من تهتم له، فلم تنال بحياتها إلا الخيبات ولن تحتمل اخرى، لذا اومئت متفهمه وهي تنسحب من الغرفة ومعها صغيرها
متوجه الى غرفته، وضعت صغيرها على الفراش وهي ينتابها مشاعر مبهمة اتجاه رحيم، هناك تناقض بداخلها نحوه، لا تدرك ما عليه فعله حقًا... انتزعت ذاتها قصرًا من غياهب عقلها وزخم افكاره، وبدأ بجمع اشياءها....
بعد هنيهه خرج من الشقة حاملا رحيم والحقائب، بأصرار منه لعدم حملها لشيئًا وهبط الدرج ألي الاسفل وفتح الباب وولج يريها الغرفة الاي ستمكث بها، وضعًا فراشها، ثم استئذن ينوي المغادرة..
وقفت هي بتردد دام لثوانٍ، قبل أن تتلعثم قائلة بخجل:-
- شكرًا يا رحيم على كل حاجه عملتها عشاني، شكرًا انك دورت عليا ورجعت لي أبني...
التوى ثغره ببسمه سعادة واختلج نبضه تأثيرًا لكلماتها، واخيرًا شعر بقليل من الأمل لامتلاك قلبها، وسوف يسعى ويجاهد لنيل عشقها، ثم استدار لها قائلًا:-
- مفيش شكر بنا وكوني واثقه أننا هعمل اي حاجه عشان سعادتك، انتِ بتعني لي كتير يا سارة، أكتر ما ممكن تتصوري
بس ما ليش حق اقوله دلوقت...
ثم غادر الشقة، مغلقًا بابها، وصعد الى شقته وارتمى على فراشه وهو يفكر بالقادم وما عليه فعله، حتى سقط بالنوم ولا يدرك بخروج عمر ووقفه امام البناية الآن، متوعد بالعودة واخذ ما له، ثم غادر مبتعدًا.....
هبت نسائم الفجر مغبرة بأوجاع الامس، جروح لم تندمل بعد واحزان مازال تأثيرها بالقلب ومآقي مازالت تذرف الدمع ..
شعور بالألم اجتاحها بعدما بدأ مفعول المخدر يزول، وكأنه سكين نخر جسدها، فما عادت قادرة على النهوض والتحرك...
رفرفت بأهدابها عدة مرات قبل ان تنفرج جفونها كليًا، ظلت منفرجة الأعين مستكينه للحظات، قبل ان ترجمها سياط الذكريات بومضات خفيه لما حدث معها قبل ان تغرق بغيبوبتها، فانتفض جسدها بسهم غادر صوب للقلب...
واندلعت آه من جوفها استنكرًا ورفضًا لتلك الذكرى، لا تستعب انه تم نحرها على يد من عشقته طوال سنوات، لقد غدر بها وسلب منها جنينها، انسابت قطرات الدموع على وجنتيها، تشعر بالضيم والقهر، وعانقتها الوحدة، ولم تنتبه لذاك الجالس على المقعد بجوارها وقد سقط في النوم شاعرًا بالإرهاق، والذي انتفض ما ان وصل لمسمعه نشيجها، فاقترب منها بقلق يساوره قائلًا:-
- انتِ بخير انادي للدكتور
سومته بنظرة غاضبه، كارهه، أجفلته وغرزت بقلبه، ليراها
وهي تشيح بوجهها عنه بنفور وصمت سحيق دام للحظات قبل ان تهمس بنبرة معاتبه، مغلفة بالألم:-
- ليه عملت كده!، ليه تكسر ثقتي فيك!...
ذاك الحزن بنبرتها أدمى قلبه وحرك عاطفته نحوها، فأجابها بنبرة هادئة، واثقه قائلًا:-
- عشانك وعشانه، صدقيني ما ينفعش الطفل دا يجي هيعاني وهتعاني معاه، كده افضل انتِ لسه صغيرة وبكره تقابلي اللي يعوضك ويسعدك ويكون زوج واب لأطفالك، صدقيني أنا عملت كده عشانك، قولت لك من قبل اني اعتبرت اختي عشان كده اديت لنفسي حق القرار وانقاذك من الظلمة اللي كنتِ هترمي نفسك فيها...
كان يضغط عليها بكلماته، يرجمها بقسوته ولا ينتبه، لو كان احد آخر لرأى منها ما لم يُرى، لكنه هو ولا غيره، فكيف لها ان تغضب وتثور وتقلل منه وهي تراه كالنجوم والقمر، لذا لم تستطع سوا ان تخفف آلامها منه بأبعاده عنها، لن تحتمل رؤيته بعد اليوم وتذكر ما فعلها به، لذا اردفا قائلة بلسانًا ثقيل رافض لكلماتها وعبرات تنساب بغزارة على اخاديد وجهها:-
- لو سمحت امشي من هنا، مش عايزة اشوفك تاني...
صدمته بما قالت، فلم يتوقعه، كان يظنها ستثور وتغضب وتصرخ به، لكنها ستهدأ وتتفهمه، لا إن تطالبه بالذهاب وهي في أشد الحاجة أليه ..
لذا لم يعير حديثها أهتمامًا، يدرك صدمتها بفعلته، لذا اردف قائلًا بنبرة جامدة:-
- بو__
لما اسمها ثقيل على لسانه هكذا، يشعر بنطقه له بشيء خاطئ واحساس خاطئ، هكذا رجمه عقله قبل ان يتلافى افكاره تلك وتابع قائلًا:-
- اسمعي أنا مقدر شعورك دلوقت وفاهم إنك مقهورة، عشان كده مش هزعل منك وتأكدي اني وعدتك اني مش هسيبك، يبقى مش هسيبك، عشان كده عايزة تغضبي وتثوري براحتك أنا هنا ومش رايح لمكان، طوال ما انتِ تعبانة ومش معاكِ حد فهمتي!...
لم تجيب ليس لان ليس لها ما تقول بل على النقيض، لكن ولوج إحدى الممرضات ألي الغرفة مهرولة تقطع حديثها، وهي تندفع صوب ركان قائلة:-
- حضرة الضابط جات لينا من كام ساعة حالة انتحار تسمم لراجل عجوز اسمه عثمان عبد الغني وللأسف مات ومحتاجين حضرتك تعمل ـــــــــــــ
لم تكاد تتابع حديثها، حتى دوي صوت صرخة عالية من تلك القابعة على الفراش، تحاول النهوض بانهيار، بينما تنزع الكانولا عنها بقوة، جعلت الدماء تتناثر من حولها
وهي تصيح:-
- بابا لا
تجمد ركان ل ثوانٍ معدودة قبل ان يتحرك صوبها بتدارك، مقيدًا اياها بذراعيه، يمنعها من التحرك، بينما يصيح بالممرضة رامقًا اياه بشرر يأمرها بان تتحرك وتجلب الطبيب لها فورًا، فلم يحتمل رؤيتها هكذا وهي تصيح رافضه تترجاه ان يتركها تذهب لتطمئن قلبها بأنه ليس والدها، لكنه لم يستطع ان يسمح لها، فماذا اذا كان حقًا والدها، ستكون كارثه ولن تختمل فقدانًا اخر ترجم به..
فظلا يكبلها بين ذراعيه مهدئًا لها، حتى ولج الطبيب مسرعًا ومعه مهدئ واسرع بحقنها وهي بين ذراعي ركان الذي يحاوطها بقوة، حتى هدأت وتراخى جسدها فورًا وغابت عن وعيها بين يديه وهي تهمس بمناجاة له بأن يدعاه تذهب، ليحملها مسرعًا ويضعها على الفراش ويطالعها بنظرات متألمة، وشعور بالشفقة على حالها، فبل ان يتحرك ليتأكد من صحة ما سمع، يتمنى ان يكون فقط تشابه اسماء بينهما...
مر اسبوعان كم حدد الطبيب لهم، للتأكد من نجاح الجراحة وثبوت الحمل بالرحم، وها هي جود بالداخل، تتمدد على الفراش بجانبها اسر الجالس غلى مقعده المتحرك، ممسك بكفها بدعمًا، والصمت والترقب هما السائدان وكلاهما منتظر ما سوف تتفوه به الطبيبة التي بدات بفحصها على جهاز السونار، حتى ابتسمت الطبيبة مأردفا باللغة الهولندية:-
- مبروك لقد ثبت الحمل.....
ابتسامه ارتسمت على محياه آسر الذي طالع جود بنظرة امتنان وسعادة وتدارك أنها لم تستعب بعد مقصد الطبيبة فاردف قائلًا:-
- مبروك جود، الدكتورة تأكدت إنك حامل بابننا
ابتسمت جود قائلة بتيقن:-
- اصلًا قولتلك أننا متأكدة أنه جوا..
اتسعت بسمة آسر من حديثها مومئًا لها فحقًا كانت واثقه بوجوده منذ يوم الجراحة، وتخبره انها تشعر به، وانها مؤكدًا حامل والطبيبة ستأكد له هذا..
على الحاننب الآخر وفي إحدى الكشف بذاك المركز المنيف كان يوجد كلًا من آدم ونيرة التي يعتريها الوجل من نتيجة الجراحة، تخشى الفشل وان تحرم من ان تكون أمًا وتعاقب على كل تلك السنوات التي واظبت فيها على حبوب منع الحمل بالخفاء وخرمانها لأدم من أن يكون اب، حتى طالبها الطبيب بالصعود على الفراش المخصص للكشف، لتتجه له بخطوات مثقله، وتتمدد عليه، لتتفاجئ بكف ادم الذي جذب كفه بمؤازره لها، والطبيب الذي جلس وبدأ بالفحص بملامح جامده لا تظهر منها شيئًا...
مرت ثانيه اثنان ولا من جديد، التوتر والقلق هو كل ما يسود ذاك الصمت، ووجيب قلبها المتسارع ترقبًا ودعاء نيرة بأن يغفر لها الله ولا يعاقبها ويحرمها من الانجاب....
يتبع
تعليقات
إرسال تعليق