أخر الاخبار

أغلال_لعنتهُ الفصل_السادس_عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاسع عشر والعشرون بقلم إسراء علي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 

أغلال_لعنتهُ

الفصل_السادس_عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاسع عشر والعشرون 

 بقلم إسراء علي 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

هل يُمكن أن تتحول النقمة إلى نعمة؟ 

الحُب قد يكون نعمة و يتحول إلى نقمة

و قد يكون نقمة و يتحول إلى نعمة و هذا هو الإختيار الأمثل… 


عاد وقاص إلى منزلهِ بعد يومٍ طويل من العمل ليجد شقيقهِ ينتظره بـ أعين حاقدة قليلًا، فـ تفاجئ ثم سأله بـ عدم راحة


-خير يا أسعد واقف كدا ليه! 

-إقترب أسعد و هتف:أنت عرفت عُبيدة كُل حاجة! لأ و طلبت منه يتكلم معايا!... 


رفع وقاص حاجبه، ألم يحدث هذا مُنذ سبعةِ أيام! إذًا لماذا يذكره الآن؟ تنهد وقاص و تخطى أسعد قائلًا 


-عشان هو اللي هيقنعك بـ العقل، و بعدين دا حصل من أسبوع، جاي تفتكره دلوقتي ليه!!... 


ركض أسعد خلفه و قال بـ نزق و ضيق ظهرا جليًا على ملامحهِ


-مكنتش عايزه يعرف، كفاية أنت و ماما… 


كان وقاص قد وصل إلى غُرفتهِ و بدأ في التخلص من ثيابهِ و قال


-و لما عارف إنك هتتكسف بـ الشكل دا، عملتها ليه من الأول! 

-ظهر التوتر على وجههِ و قال:قولتلك غلطت و مش هكررها… 


إلتفت إليه وقاص و جلس فوق الفراش و نظر إليه بـ نظراتٍ ثاقبة أخبرته أنه يعلم بـ كذبهِ و لكنه نطقها بـ شيءٍ من الحدة


-و مكنتش صادق فـ وعدك

-هتف بـ دفاع و صوتٍ عال:والله ما شربت و لا قربت منها… 


لم يفقد وقاص أعصابه بل زفر حتى لا يغضب عليه كما أخبره عُبيدة و يفقده للأبد، ثم هتف بـ صوتٍ شبه قاسٍ


-صوتك ميعلاش عشان أُمك، ثانيًا أنا بتكلم على صُحبتك الزفت اللي قولتلك إبعد عنها

-زاغت أبصاره و قال بـ غمغمة:مـ مش سهل أبعد عنهم يا وقاص، دول صُحابي اللي أعرفهم بس… 


نهض وقاص عن الفراش و إقترب من شقيقهِ الذي توجس قليلًا و لكنه لم يتحرك فـ وضع وقاص يده على كتف أسعد و قال بـ هدوءٍ يُحاول السيطرة عليه 


-يبقى دور على ناس جديدة، أنت مُمتنع عن اللي بيعملوه بس لأد إيه، شهر، إتنين، تلاتة! بس فـ النهاية هترجع… 


هم أسعد ليتحدث مُدافعًا إلا أن وقاص قاطعه مُكملًا 


-متقولش لأ، بعد أما دوقت الغلط و وقعت فيه نفسك هتحن ليها تاني، شيطانك أقوى منك لأنه إتغلب عليك مرة

-هتف أسعد بـ ضيق:والله مش هرجع تاني

-ليرد وقاص بـ بساطة:يبقى أقفل الباب، متسبش بينك و بين الغلط فجوة مُمكن تتحول لكارثة فـ يوم… 


تنهد أسعد بـ قلة حيلة، لا يُريد خسارة شقيقه و خسارته ستأتي من صُحبتهِ، و للحق وقاص مُحق قد تزل قدمه من جديد بعدما فقد السيطرة على نفسهِ سابقًا و لا يُريد لهذا أن يحدث، و خاصةً أنه يشعر بـ الخجل منه و من والدته


لذلك تقدم منه و قال مُعانقًا إياه


-خلاص يا وقاص هبعد عنهم عشان خاطرك 

-بادله العناق و قال:كدا كدا مش هتخسرني، أنا بتكلم عليك أنت إياك تخسر نفسك… 


أومأ أسعد ضاحكًا و عاود مُعانقة شقيقه ثم قَبّل وجنة وقاص الذي قال مُمازحًا


-بس يالا بتكسف الله… 


و من الخارج سمعت والدتهم صوت مُزاحهم فـ وضعت يدها على صدرها و قالت بـ تمتمة باكية و هي تنظر إلى الأعلى 


-اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله يارب إنك رجعتي ولادي… 


مسحت عبراتها ثم طرقت الباب و دخلت لتضحك قائلا و هي تنظر بـ سعادة إليهم 


-مقولتش ليه إنك جيت يا واد يا وقاص!... 


وضع رأس أخيه أسفل ذراعه ثم قال و هو ينظر إليها 


-فكرتك نايمة يا ست الكُل

-مكنتش نايمة يا بكاش، من إمتى بنام و حد فيكوا بره البيت!... 


إقترب منها وقاص و قَبّل يدها قائلًا 


-ربنا يخليكِ لينا يا ست الكُل

-ربتت على رأسهِ و قالت:و يخليك لينا يا حبيبي، يلا غير هدومك و صلي عشان تتغدى، و بلاش قعدة من غير هدوم فـ الجو دا، هتتعب… 


نظرت إلى أسعد الذي كان يتحاشى النظر إليها بـ خجل، فـ إبتسمت بـ حنو أمومي و قالت بـ نبرةٍ مُشرقة 


-تعالى ساعدني يا أسعد شوية… 


نظر إليها بـ عدم تصديق، أهي سامحته و عاودت الحديث معه من جديد، ليبتسم بـ إشراق أكثر و قال بـ حماس


-طبعًا يا ست الكُل، شاوري و أنا أنفذ… 


أخذ يدها و سحبها معه إلى الخارج لتضحك ثم نظرت إلى وقاص الذي غمزها ضاحكًا هو الآخر، و لكن أسعد توقف و قال ناظرًا إلى شقيقهِ 


-على فكرة أنا قابلت إيزيل و كمال ابن خالتك كان واقف معاها و كانوا بيتخانقوا… 


نظرت والدته إلى وقاص بـ صدمة، بينما هو زفر بـ غضب ثم قال بـ صوتٍ جامد 


-أنا هتصرف، هكلم إيزيل… 


********************


كان ثلاثتهم جالسين بـ غُرفة المعيشة يُشاهدون التلفاز و إختلطت المُشاهدة مع تبادل أطراف الحديث حتى صدح صوت هاتف وقاص فـ إلتقطه ليجد رسالة نصية من كِنانة، جعلته يعتدل في جلسته و يتفحص الهاتف بـ إهتمام و غرابة، لأول مرة تفعلها تلك الفتاة


فتح الرسالة النصية ليجد مفادها 


"إنزل تحت، عايزاك" 


نظر وقاص إلى الساعة ليجدها تقُرب الثامنة فـ نهض مُنتفضًا لتسأله والدته بـ تعجب لإنتفاضه المُفاجئ


-قومت ليه يا حبيبي!... 


نظر وقاص إلى الهاتف بـ شرود ثم إلى والدته و قال 


-في حد عايزني تحت، هنزل و جاي 

-حد مين! 

-أجاب سؤال والدته:عُبيدة يا أمي، سلام… 


إرتدى وقاص نعله البيتي و ثيابه المكونة من بِنطال رمادي اللون تعلوه كنزة بيضاء شبه ثقيلة، ثم إلتقط مفاتيحه و هرع إلى الأسفل


بحث وقاص عنها ليجدها تتكئ إلى السيارة و تنظر حولها بـ تعجب و نظراتٍ شاردة، ليقترب منها بـ تمهل و إبتسامة ماكرة تعلو ملامحه، قام بـ تمشيط شعره بـ يدهِ و هو يسير إليها


-خير يا آنسة كِنانة!... 


إنتفضت كِنانة على صوتهِ الذي جاءها من الإتجاه المُعاكس للإتجاه الذي كانت تظن أنه سيأتي منه إلتفتت إليه لتجده يُقابلها بـ هيئة غير رسمية عكس ما تراه دائمًا، و للحق يُقال أنه يبدو وسيم جدًا، بل مُتحرش وسيم 


حمحمت كِنانة و إعتدلت تنظر إلى بناية ما و سألته 


-مش دي عُمارتك! 

-نفى قائلًا:لأ دي… 


أشار إلى البناية المجاورة لـ البناية التي تُشير إليها ثم إقترب و أعاد سؤاله الأول و الذي يبدو أنها لم تكن مُنتبه له


-خير يا آنسة كِنانة! في حاجة حصلت ولا إيه! 

-تلعثمت قائلة:لأ، أه، ممكن، يووووه أيوه، قصدي لأ مفيش… 


قهقه وقاص ثم إقترب خطوة منها و كاد يضع يده على كتفها و لكنه تراجع ثم قال مازحًا


-يعني أه ولا لأ! 

-أووووف… 


عاد بـ رأسهِ إلى الخلف بـ تعجب لعصبيتها الزائدة لكنه صمت ليتركها تجمع أفكارها فـ هو لا يُريد الضغط عليها خاصةً و هي تبدو مُتوترة إلى هذا الحد


نظر وقاص إلى الأرض و ركل حجرة وهمية ثم ظل يُؤرجح قدمه حتى تبدأ بـ الحديث و تمُن عليه بما يجعلها تأتي إلى منزلهِ، هنا و ساوره سؤال فـ رفع رأسه يسأل و لكنها تحدثت أيضًا في نفس الوقت


-أنتِ عرفتِ عنـ

-كُنت جاية أديـ… 


ثم صمت كُلًا مُنهما في المُنتصف ليقول وقاص 


-قولي الأول

-عاندت بـ نفي:لأ قول أنت الأول… 


لم يصر و لم يتراجع فـ فَضَلَ السؤال الفضولي 


-عرفتِ عنواني منين!!... 


رفعت حاجبها و أجابت و كأنها تُخاطب غبيًا ما


-أنت المُدير بتاعي، طبيعي أعرف ساكن فين… 


إجابة غير مُقنعة و لكنه لن يُدقق فـ الأهم أن يعرف سبب مجيئها إليه في هذا الوقت، و بـ هذه الملامح المُتوترة، و ليست بـ عادة كِنانة 


-دلوقتي حابب أعرف سبب تشريفك و زيارتي! 

-غمغم بـ غيظ:لو هتتريق هاخد بعضي و أمشي… 


كادت أن ترحل و لكن وقاص أمسك يدها و قال ضاحكًا 


-لأ سيبِ بعضك ميرضنيش زعله

-هتفت بـ إشمئزاز ظهر على ملامحها:دمك تقيل فعلًا، و سيب إيدي… 


نفضت يده بعيد و رغم ذلك لم يغضب قُتيبة، ليبتسم و يرفع يده قائلًا بـ إعتذار مُهذب


-آسف مكنش ينفع أمسك إيدك فعلًا… 


أجفلت لإعتذاره و توترت لتهذيبه المُبالغ فيه مُقارنةً مع أول لقاء و ثاني و أيضًا ثالث بل كُل لقاء بينهم، إلا أنها إستجمعت نفسها و قالت بـ حمحمة خجِلة


-احمم، المُهم كُنت جاية و ناوية أرجع حاجة أخدتها

-مط شفتيه و قال:بس مفيش حاجة أنتِ أخدتيها مني

-لأ فيه… 


دفعت كِنانة بـ حقيبة بلاستيكية إلى صدرهِ، ليلتقطها بـ تعجب و ينظر إلى ما بداخلها ليجد بها مبلغ مالي، يظن أنه خمسٌ و عشرين ألفًا، تلك التي سرقتها، ليرفع نظره إليها مصعوقًا فـ وجدها تنظر إليه بـ خجل 


إبتسم وقاص، كان مُحق تلك الفتاة جيدة و ما فعلت ذلك إلا بـ نيةٍ طيبة و لكن يبقى الخطأ خطأً، حينها مازحها قائلًا بـ خُبثٍ 


-قصدك سرقتيها مش أخدتيها… 


كشرت كِنانة عن أنيابها ثم تحول الخجل إلى غضب و جدة ثم قالت بـ صوتٍ غاضب


-أنا اللي غلطانة إني جيت أصلًا… 


كادت أن ترحل و لكن وقاص أمسك يدها مُسرعًا ثم قال


-بهزر، متقفشيش بُسرعة… 


نظرت بـ حنق إلى يدهِ ثم إليه لتجده يبتسم و قال بـ نبرةٍ لامستها بـ طريقة مجنونة


-شُكرًا يا كِنانة… 


تسارعت دقات قلبها و رن جرس الإنذار داخلها يُخبرها بـ وضوح أن تبتعد، فـ سحبت يدها سريعًا ثم هتفت و هي تلتفت لترحل


-العفو، بعد إذنك همشي 

-أوقفها وقاص:إستني هوصلك

-نفت قائلة:لأ مفيش داعي… 


رحلت و لكنه تبعها و أمسك يدها يسحبها تجاه السيارة و همت بـ الإعتراض إلا أنه منعها بـ إشارة من يدهِ و هتف 


-الوقت إتأخر و مش هسمحلك تمشي لوحدك… 


قالت يائسة عله يتراجع هي تُريد الرحيل حتى لا يشعر بـ تخبُطها


-مينفعش لو حد من الحارة شافنا، هيعملوا فضيحة

-و رد هو بـ بساطة:هنزلك فـ مكان بعيد شوية متقلقيش… 


يئست من إقناعه و نظرت إليه إلا أنه تجاهلها و فتح باب السيارة لتصعد و من بعدها هو، لينطلقا في رحلة صامتة يتخللها بـ خُبثٍ صخب مشاعر لن يُسمعه أيٍ مُنهما للآخر 


********************


بعد مرور إثني عشر يومًا


الساعة الثانية صباحًا بعد مُنتصف الليل


كانت كيان تنام بين ذراعيهِ كـ عادتهما، رغم أنه لم يقُربها مُنذ ليلتهما الأولى أبدًا حتى بدأ الشك يُساورها أنه زهدها، جوعه لها سابقًا و مُلاحقته لها، حتى إستغلاله لحادثته مع شقيقها عُميّر حتى يتزوجها، ظنت أنها محض خيال و لم يحدث أبدًا و كأنه حدث في مُخيلتها فقط


و لكن إصراره الرهيب يوميًا أن تنام بين أحضانهِ و كأنها سجينته، هذا ما يترك داخلها أمل أنه لا يزال يعشقها و لكن لماذا يفعل ذلك؟ هي حقًا تشعر بـ راحة أنه لا يجبرها و لكن شكها الأنثوي بدأ يُسيطر على عقلها 


أحس بها قُتيبة فـ شدد من عناقهِ لها و دفن وجهه في عُنقها ثم إشتمها و سألها بـ خمول 


-صاحية ليه! 

-سألته بـ دهشة:أنت صاحي! 

-قهقه وقال:لأ نايم و بكلمك من الحلم… 


لكزته كيان في خصره ثم إلتفتت تواجهه و قالت بـ حنق مُستنكر


-دمك مش خفيف على فكرة… 


رغم الظُلمة المُحيطة بهما إستطاعت أن تشعر بـ ظلام عينيهِ يسحبها في دوامة مجنونة من مشاعر عنيفة، أحست كما لو أنها تُحطم أضلعها و تخترق روحها بـ خطورة، أحست أنه بالكاد يمنع نفسه عنها، أنه يُسيطر على نفسهِ لأجلها


أمسك قُتيبة خُصلاتهِا و داعبها بـ مرح أسود و هتف بـ صوتٍ ثقيل، يُحيط به خمول يخفي خلفه رغبة مُخيفة


-لو عايزة الليلة تعدي على خير، لفي وشك تاني… 


ضمت كيان شفتيها إلى داخل فمها ثم وضعت يدها على صدره، تدفعه ثم قالت بـ تلعثم 


-تـ تعبت، و آآ عايزة أغير وضعيتي… 


وضع يده على ذقنها و سحبه إلى أسفل يُجبرها على تحرير شفتيها التي تضغط عليها، ثم قال بـ خشونة 


-طب و بالنسبة لـ وضعي اعمل إيه!! 

-همست لـ خجل:مـ معرفش… 


إهدأ يا قُتيبة، فكر بها على أساس أنها قطعة شيكولاتة شهية و هو صائم و لا يجب أن يتقرب منها حتى لا تضعف عزيمته، لذلك زفر بـ توتر مكتوم ثم جذبها ليضع رأسها على صدرهِ و ينام هو على ظهره ثم هتف بـ صوتٍ مُرتجف


-الوضع دا خطير على قلبي… 


إنه مُحق قلبه ينبض بـ طريقة عنيفة حتى أنها تشعر أن قلبه سينفجر من كثرة ضخ الدماء، فـ تجعد جبينها بـ قلق و رفعت رأسها تنظر إليه و بـ مرفقيها إتكأت إلى كتفيهِ و سألته


-قُتيبة أنت كويس!... 


نظر إليها قُتيبة بـ عينين سوداوين شديدين العُمق، و إبتسامة خفيفة زينت زاوية شفتيه و، ثم رفع يده و أعاد خُصلة إلى خلف أُذنها و قال بـ صوتٍ عميق و رخيم يُدغدغ الروح 


-أنا كويس، بقيت كويس معاكِ… 


كان بـ إبهامهِ يُداعب وجنتها التي تخضبت بـ حُمرة خفيفة لم يُظهرها الظلام، لترتفع كيان بـ جذعها و تستند بـ يدها فوق الفراش و رفعت نفسها عنه و لكنه إرتفع معها و همس بـ صوتٍ مُعاتب بـ خشونة مُخيفة


-بُعدي عنك و أنتِ قُدامي، أصعب من بُعدي عنك و أنت بعيد

-ضحكت و همست:أنت بتقول إيه!... 


الهدوء كان يتخلله أنفاسهم و صوت همساتهم الرقيقة، يخشيان أن يسمعهما الجموع، و إقترب قُتيبة منها ليتحول الهدوء الخارجي إلى صخب داخلي و هو يهمس على أعتاب شفتيها 


-بقول إنكِ بتعذبيني… 


و حصل على ثالث قُبلة، كانت رقيقة و جميلة، مُتمهلة، يُريد أن يأخذ وقته معها حتى لا يضطر إلى الإبتعاد عنها سريعًا، و لكن الوقت قد حان و أنفاسها قد زُهقت فـ إضطر آسفًا أن يبتعد عنها 


لهثت كيان الهواء و إنزلقت يدها رغُما عنها أسفل الوسادة التي ينام فوقها، و حين إقترب منها و كانت على إستعداد لتلقي قُبلته، إبتعدت فجأة بـ ذهول و يدها تتحسس شيئًا غريب 


إلتقطته و فتحت الأضواء جوارها و نظرت إلى ما بـ يدها، ثم هتفت بـ صدمة و عينيها تتسع بـ ذهول جعل عينيها على وشك الإستدارة


-مطوة! حاطط مطوة تحت المخدة؟!... 


مسح قُتيبة على وجههِ، تلك الغبية أفسدت الأجواء، و لكنه نهض و سحبها منها و وضعها مكانها، لتصرخ كيان بـ حدة


-رُد عليا، إيه دا يا قُتيبة!... 


نظر إليها قُتيبة بلامُبالاة ثم قال بـ صوتٍ بدى عاديًا و لكنها كانت تعلم تمام العلم أنه ليس عاديًا البتة


-دي عادة، إتعودت عليها فـ السجن… 


توقفت دقات قلبها لعبارتهِ التي و إن خرجت عادية إلا أنها مزقتها، فـ إبتلعت لُعابها و الذي أحست و أنه شديدة المرارة كـ العلقم يترك أثرًا حارقًا في روحها 


قبضت كيان على يدها و أحنت وجهها لأسفل ثم قالت بـ صدق و ألم لأجلهِ 


-أنا آسفة… 


حدق قُتيبة بها بـ وجهٍ خالٍ من التعابير و عينين مُظلمةٍ، ثم وضع يده أسفل ذقنها و رفع رأسها ثم هتف بـ نبرةٍ هادئة و لكنها شبه ميتة 


-أنا متأسفتش لنفسي عشان تتأسفي، و متندمنيش عشان أنا مندمتش… 


كانت على وشك البُكاء و لكنها عضت شفتيها تمنع نفسها، ليُقربها منه و يُعانقها فـ تشبثت به بـ قوة، و الصمت كان بُكاء مُؤلم لروحيهما


ظلا هكذا حتى صدح صوت هاتفها فـ أرادت أن تبتعد و لكنه أبى فـ قالت بـ تحشرج


-هرد على الموبايل 

-رد بـ نبرةٍ قاطعة:لأ… 


صمت الهاتف و دام الصمت لثوان قبل أن يبدأ من جديد لتتملص منه قائلة بـ تعثر


-سبني يا قُتيبة، أكيد فيه حاجة مُهمة عشان يتصل فـ الوقت دا مرتين… 


تأفف قُتيبة و تركها على مضض لتنظر إلى هوية المُتصل و نبض قلبها بـ قلق، نظرت إليه فـ بادلها النظرة بـ أُخرى غير مُبالية، قبل أن تُجيب و تقول بـ توتر 


-إزيك يا مستر رفعت

-أتاها صوته المُرهق:كيان أنا فـ مصر… 


إنتفضت كيان و جلست بـ إعتدال على الرغم من السعادة التي شبه غمرتها و لكن نبرته لم توحِ بـ السعادة و الراحة، فـ قالت بـ توجس


-حمد لله ع السلامة يا مستر رفعت

-أتاها صوته القاتم:مامت حوراء ماتت يا كيان… 


********************


ظهر يوم وفاة والدة حوراء 


دثرت كيان حوراء جيدًا و جلست جوارها تتحسس خُصلاتهِا، عبراتها الجافة لم تُغادر وجنتيها و وجهها الذي يبدو و كأنه زاد نحوله فقط في تلك الساعات القليلة، كانت كيان تشعر بـ الشفقة عليها 


لم تنسَ كيف تلقت كيان نفسها الخبر، كانت صامتة فقط قبل أن يسألها قُتيبة بـ غرابة 


-مالك يا كيان! 

-أجابت بـ شرود:مامت حوراء ماتت… 


ملامح الصدمة إرتسمت على وجههِ مثلها تمامًا، ثم نهض بعد لحظات من إستعادة نفسه و قال بـ صرامة 


-قومِ إلبسي… 


لم تنتظره ليُعيد حديثه، بل نهضت و إرتدت ثم ركضت إلى منزلهم، تفاجئ الجميع و كانت حوراء منهم، التي نظرت إلى وجه كيان المصدوم و ظلت تُحدق بها بـ صمت 


حينها تقدمت حوراء و حاولت رسم إبتسامة متوترة على وجهها و سألت


-خير يا كيان، جايين فـ الوقت دا ليه!... 


قلبها يُنبئها بـ أن هُناك ما يحدث، خاصةً و نظرة كيان كانت غير مفهومة و مُحملة بـ الحُزن الشديد، بـ التأكيد شيء يخصُها، تقدمت كيان منها ثم قالت بـ تلعثم و حُزن شديد


-حوراء مش عارفة أجيبها إزاي، بس لازم تتماسكِ

-لم تتحمل حوراء التوتر فـ صرخت:كيان ردي فيه إيه؟!... 


لم تستطع كيان الحديث فـ تركت الدفة لـ قُتيبة الذي تقدم و قال بـ طريقةٍ مُباشرة فـ لا فائدة من التملص و إخفاء ما حدث


-البقاء لله يا حوراء، والدتك إتوفت… 


صدمة صامتة، ثم شهقة أحست كيان و كأن روح حوراء تصعد، ثم صرخة مُؤلمة للجميع قبلها، و إنهيار حاد دام طويلًا قبل أن تفقد وعيها، جسدها و عقلها لم يتحملا ما حدث، لقد فقدت ما لا تستطيع إستعادته، و هي خير من يعلم مرارة الفقد


لم تعلم كيف مرت الساعات التالية، فقط خروج قُتيبة و عُميّر اللذين لأول مرة يتفقان في شيء و ذهبا إلى والد حوراء السيد رفعت و مُنذ ذلك و هي تُهاتف قُتيبة ليُطلعها على ما يحدث


نظرت إلى حوراء النائمة من جديد و قررت الخروج و تحضير بعض الطعام لها لكي تأخذ دواءها، ثم ربتت عليها و خرجت، كان حقًا من الصعب عليها معرفة أن والدتها كانت مريضة و أخفيا عليها ذلك و فقط عرفت حينما إستيقظت و قصت عليها كيان ما حدث


صادفت في طريقها جدها الذي قال بـ صوتٍ مُشفق


-لسه نايمة! 

-أجابت:أه، و هروح أعملها أكل عشان تاكل و تاخد الدوا

-نظر إلى الغُرفة و قال:هنروح أنا و جدتك العزا مينفعش، و خليكِ مع حوراء

-أومأت و قالت:الدفنة كانت بعد الضهر شوية كدا و روحوا… 


أومأ السيد حلمي و رحل لتُكمل طريقها إلى المطبخ، و قامت بـ تحضير بعض الطعام و العصير الطازج ثم إلتقطت الدواء من غُرفة حوراء و ذهبت إلى غُرفتها حيثُ تنام هي


فتحت كيان الباب و لكنها شهقت و سقطت صينية الطعام و صرخت تُنادي 


-حورااااااء!... 


و لكن الرد كان الصمت، فـ حوراء كانت قد إختفت من الغُرفة تمامًا، توجهت إلى المرحاض و طرقت تُناديها من جديد


-حوراء أنتِ جوه؟!!... 


و لكن لا مُجيب، فتحت باب المرحاض و لكنه كان خالي تمامًا، فـ خرجت و نادت جدها بـ توتر


-جدو، تيتة، حد فيكوا شاف حوراء!...


خرجا على صوتها و تساءلت جدتها بـ جزع من صوتها الذي ظهر به الرُعب جليًا


-خير يا كيان! بتزعقي ليه!! 

-إرتجفت قائلة:مش لاقية حوراء يا تيتة

-تساءل السيد حلمي بـ قلق:هتكون راحت فين! مش كانت نايمة!... 


عادت كيان إلى الغُرفة تلتقط هاتفها ثم عادت و قالت بـ توتر و عصبية 


-معرفش، معرفش أنا دخلت أعمل الأكل و رجعت ملقتهاش

-دورتِ فـ كُل حتة!... 


أجابت سؤال جدتها بـ إيماءه و هي تتصل بـ أحدهم و أتاها الرد بعد قليل لتصرخ قائلة 


-إلحقني يا قُتيبة، حرواء إختفت!!... 


********************


أغلق قُتيبة هاتفه و حاول ألا تتغير ملامح وجههِ حتى لا يُلاحظ والدها ما حدث، بل نظر إلى عُميّر الواقف جوار رفعت و أشار إليه بـ رأسهِ إشارة خفيفة ليبتعد


ظهرت ملامح الضيق على وجه عُميّر لقد تحمل وجوده معهم و الآن عليه أن يتحالف معه فقط لأجل حوراء، تبع قُتيبة إلى الخارج و سأله


-خير في إيه! 

-تحدث قُتيبة بـ ملامح واجمة:كيان كلمتني، و حوراء إختفت… 


كاد أن يصرخ من الصدمة و لكنه تمالك نفسه، لا يُريد إفتعال ضجة، يكفي مصاب والدها، فـ مسح على وجههِ بـ عصبية و سأل


-طب هنعمل إيه! لو مشينا أنا و أنت أبوها هيعرف إن فيه حاجة! 

-ليرد قُتيبة بـ حذر:عشان كدا خليك معاه و أنا هدور عليها… 


و لكن عُميّر لم يعجبه الإقتراح ذلك فـ هتف و هو يرحل حتى لا يوقفه


-لأ خليك أنت معاه، و أنا هدور عليها… 


أكمل عُميّر و هو يركض مُبتعدًا عن قُتيبة المذهول 


-و لو سأل عليا، قوله إني رحت أجيب جدي و تيتة… 


بدى مُقنعًا أكثر فـ أومأ قُتيبة و عاد إلى الداخل، بينما عُميّر ركض و القلق يعتريه، على الرغم من التصورات البشعة إلا أنه كان يعلم أين ستتوجه، لا مكان آخر غير المقابر


هي لا تعلم أين دُفنت والدتها و لكنها ستبحث، لقد أخبره والدها أنها كانت مريضة بـ سرطان الدم، و رحلة علاج إستمرت شهرين إلا أنها باءت بـ الفشل و أمر الله قد نفذ، هي ماتت و أصبحت وحيدة


والأغرب من ذلك طلب والدها منه، هو لا يعرفه و أخبره رفعت بما جمده أرضًا 


-كفاية إنك أخو كيان… 


و ليته يعلم أنه لا يُشبه شقيقته بـ شيء، أراد تذكر الحديث و التفكير فيه بـ عُمق و لكن الآن ليس الوقت المُناسب، فـ قد وصل إلى المقابر ليترجل من سيارة الأُجرة و يركض إلى الداخل، يدعو الله ألا يكون قد أخطأ يقينه


دخل المقابر و بحث عن الخاصة بـ عائلتها حتى وجدها فـ إقتحمها بـ هدوء و جمده بل جعل قلبه يهوى إلى أسفل و هو يُبصرها


كانت تبكي في الزاوية بـ مفردها بعدما عاد الجميع من المقابر، هربت هي و أتت إلى هُنا، كان يعلم أنه سيجدها هُناك، أمام ذلك القبر، و مشهدها ذاك ذكره بـ مشهد شقيقته يوم وفاة والدتهما، كانت مُنزوية في رُكنٍ يُشبه ما تجلس به حوراء الآن و لكن الفرق أن كيان كانت بـ غُرفتها 


إستعداد عُميّر أنفاسه و أخرج هاتفه يُرسل رسالة نصية إلى شقيقتهِ يُخبرها أنه وجدها و سوف يُعيدها في الحال، ثم تقدم منها و جلس جوارها دون حديث، يستمع إلى بُكاءها و شهقاتها بـ صمتٍ تام كأنه يمنحها حُرية الإنهيار


كان يؤازرها بـ صمتهِ و داخله يشتعل لحُزنها، تلك الصغيرة الهشة اُجبرت على مُعايشة موت والدتها بعد جهلها بـ مرضها و فشل علاجها بـ الخارج، تلك المشاعر عايشها و بـ قوة و يعرف ما ستمر به و ما مرت به وهو لن يسلبها حقها ذاك 


فجأة رفعت رأسها مصدومة و كأنها لم تشعر به حينما عقد ساقيه أسفله و جلس بـ مُحازاتها، يربت على كسرها بـ لمسة طفيفة من كتفهِ ثم أردف بعدما قرأ الفاتحة لوالدتها


-مينفعش تنهاري لوحدك و فـ صمت كدا، والدتك فـ مكان أحسن يا حوراء، إدعيلها أكتر و تصدقِ عليها أكتر، مش بضغط عليكِ بس أنتِ فـ وقت زي دا مش لازم تنهاري و والدك محتاجك

-همست بـ بُكاء:أنا اللي محتاجاه

-هتف بـ رزانة:وهو كمان محتاجك، أنتوا الإتنين محتاجين بعض، متحرميش والدك منك، إرجعِ و إنهاري فـ حُضنه… 


خرجت شهقة ثم تبعها بُكاء عنيف لتقول من بين بُكاءها و هي تُخفي وجهها بـ يديها


-إتحرمت منها و إتحرمت إني أكون معاها وقت مرضها، ليه مسمحوش ليا بـ الحق دا! 

-حكمة ربنا، إسمعِ يا حوراء لو فرضًا كُنتِ معاها و شوفتيها و هي بتتألم هل هتتحملي أو والدتك هتتحمل!... 


حركت رأسها نافية ليُكمل عُميّر بـ صوتٍ أجش، خفيض


-والدتك فضلت تفتكريها و هي بتضحك مش و هي بتتألم، لازم تحترمِ رغبتها و تحترمِ إنها كانت خايفة عليكِ و حطتك قبل مرضها… 


نظر إليها ثم أكمل و كأنه يُربت على قلبها الحزين و الغاضب 


-عشان كدا إحترمِ رغبتها و إدعِ، إنهاري و عاتبِ بس فـ المكان الصح… 


أخفت وجهها من جديد و أكملت في بُكاءٍ حار أجبره على جذبها و عناقها، العناق دافئًا يمتص تعبها و ألمها، كانت هشة و صغيرة جعلت حاجبيه ينعقدان بـ ألمٍ واضح لصغيرة لم تختبر قسوة الموت من قبل 


و بعد مُدة من البُكاء، غفت حوراء بين يديهِ لينهض حاملًا إياها ثم توجه بها إلى سيارة قد استعارها من والدها و وضعها جواره مُغلقًا حزام الأمان و من ثم إنطلق صامتًا، و ذكرى العرض تلوح من جديد، عرض مُفاجئ جاء من والدٍ ملكوم يُريد الإطمئنان على إبنتهِ قبل أن يموت فجأة، و كأن موت زوجته ذكره بـ حتمية نهايته و يخشى أن تأتي فجأة دون أن يضعها بين يدي شخص يُكمل دوره كـ والدها 


و هو لا يعلم أنه أسوء من يقوم بـ مثل ذلك الدور شديد الخطورة، تلك الفتاة لا تستحق أن تكون معه، هي تستحق الأفضل و هو ليس الأفضل

#الفصل_السابع_عشر

(الجزء الأول) 

#أغلال_لعنتهُ 


إن الحُب لهو دربًا للمجانين 

فـ العاقل لا يتخذ الحُبَ طريقًا… 


أوقف عُميّر السيارة في مكانٍ بعيدٍ نسبيًا ثم نظر إلى حوراء النائمة لعدة ثوان يسترجع ما قاله والدها، كُلما نظر إليها كُلما عاود الحديث طرق رأسه بـ مطارق حديدية ثقيلة


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


كان ذلك بعدما تم وصولهما إلى منزل حوراء بعد دفن جُثمان والدتها، كان بـ الفعل يوجد به القليل من الأقارب، ليتوجه كُلًا منهما إلى رفعت الذي يقف كـ التائه، فـ إقترب منه و ربت على كتفه لينتفض على ربتة يده، و لكن عُميّر أومأ و قال 


-البقاء لله 

-و نعم بالله… 


لم ينتظر عُميّر أن يسأله عن حوراء فـ أردف مُطمئنًا 


-حوراء مع كيان و هي نايمة دلوقتي

-أومأ رفعت و قال بـ شرود:شُكرًا… 


عاود حوراء الربت على كتف رفعت الذي أمسك يده فجأة و قال بـ صوتٍ ضعيف


-عايزك شوية فـ مكتبي يا عُميّر 

-وافق عُميّر بلا تردد:حاضر… 


تبعه إلى المكتب و أغلق الباب خلفه، بينما رفعت إتجه إلى النافذة التي تطل على حديقة المنزل، فـ تُظهر الذاهب و الغادي، ثم قال بـ غرابة و كأنه لا يعرف نفسه البتة


-هطلب منك طلب و إوعدني توفيه

-قطب عُميّر جبينه و قال:لو فـ إيدي أعمله مش هتردد

-إستدار إليه و سأله:حتى لو فـ مصلحة حوراء!... 


توجس عُميّر قليلًا و بدت الصدمة على ملامحهِ، و لكنه أومأ بـ رأسهِ بـ بُطء، ليستطرد رفعت حديثه بدى الأمر و كأنه يسير على الجمر فـ زاد من قلق عُميّر 


-بعد موت والدتها، مبقتش عارف دوري إمتى

-قاطعه عُميّر:ربنا يديك الصحة 

-لم يهتز رفعت و أكمل:الموت حقيقة فـ حياة كُل واحد فينا، و أنا خايف على حوراء من قرايبها محدش هيرحمها… 


سؤال صامت لاح في الأجواء من حولهما فـ أجابه رفعت على مضض


-لما طلبت من كيان تاخد حوراء معاها عشان سفر العلاج، دا عشان الوحيدة اللي هقدر أأمن عليها معاها، و زي ما رجعتلي سليمة الفترة اللي فاتت فـ أكيد هتفضل سليمة الباقي 

-توقفت أنفاس عُميّر و سأل بـ عدم فهم:مش فاهم حضرتك تُقصد إيه!... 


إقترب منه رفعت و وقف أمامه ثم وضع يده خلف ظهرهِ يقبض عليها حتى لا يُظهر ضعفه لـ الذي أمامه و قال بـ نبرةٍ شحيحة


-يعني حوراء فـ أمانتك يا عُميّر، إتجوز حوراء… 


كان يظن أنها مزحة لو أنه إبتسم قليلًا، لكن لا الوقت و لا المكان يسمح بـ هذا حتى الظروف قاسية لتخرج منها مزحة شديدة المرح كـ تلك، ليتراجع عُميّر خطوات ثم هتف بـ صوتٍ تائه


-حضرتك بتكلمني أنا! 

-أجاب بـ صلابة:محدش غيرنا فـ الأوضة… 


مسح عُميّر على وجههِ بـ توترٍ بالغ ثم هتف موضحًا يُحاول إستيعاب ما يُقال 


-حضرتك واعي لـ اللي بتقوله؟ أتجوز حوراء! بصرف النظر عن فرق السن اللي بينا، بس حضرتك بتقول لغريب يتجوز بنتك! أنت متعرفش عني حاجة

-كفاية إنك أخو كيان… 


بهت وجهه لـ لحظةٍ و نظر مصعوق إلى رفعت، ذلك الرجل يثق بـ شقيقتهِ ثقة عمياء و لكن أنِّى له هذه الثقة به؟ صحيح هو لن يأذي حوراء بـ أي شكل و لكن لماذا هو تحديدًا 


مئات من الأسئلة دارت داخله و لكن لم يجد إجابة على أيٍ منها، فـ فَضَّلَ الصمت و رفعت أكمل يضغط عليه 


-متقلقش يا عُميّر، أملاكِ إعتبرها ملكك و بتاعتك، مش هتطلع خسران… 


كاد أن ينفجر به غضبًا، هو قط لم يُفكر بـ المال، بل كيف له أن يأمنه على تلك الصغيرة، عاود يمسح على وجههِ بـ غضب و عصبية ثم قال بـ صوتٍ حاول أن يخرج هادئًا و لكنه فشل ليخرج موازيًا لعصبيته و شيء من رد كرامته المُهانة


-الفلوس دي آخر حاجة مُمكن أفكر فيها، أنا كُل همي حوراء إنـ

-قاطعه رفعت:و أنا أكبر همي بنتي، هساعدك يا عُميّر و فـ المُقابل ساعدني… 


صمت عُميّر و غام وجهه بـ تعبير غيرِ مقروء ليستطرد رفعت و هو يتقدم منه و يضغط على كتفهِ، و ضغطته كانت رجاء و توسل أذى قلبه


-عشان خاطر بنتي متسيبهاش… 


"عودة إلى الوقت الحالي" 


خرجت تنهيدة حارة لا تنُم عن شيء و قرر التفكير لاحقًا، نزع حزام الأمان و هبط و فعل المثل لحوراء ثم جثى أمام مقعدها، و ربت على وجنتها يُناديها بـ خفوت


-حوراء، إصحِ وصلنا البيت… 


كانت الرد تململ بسيط أعقبه بعد ثوان فتح عينيها، ليُبعد خُصلاتهِا عن وجهها ثم قال بـ صوتٍ حنون لم يستطع إخفاء الحُزن به


-باباكِ مستنيكِ جوه… 


أومأت حوراء بـ صمتٍ و هدوء أثارا قلقه، و لكنه آثر الصمت و إبتعد حتى تترجل، و حينما نهضت حوراء وجدت ساقيها لا تستطيعان حملها فـ كادت أن تسقط لولا يد عُميّر التي أمسكت بها، ليسألها بـ قلق


-أنتِ كويسة؟!...


أومأت بـ صمتٍ تام و حاولت الحركة و هي تُبعد يده، إلا أنها لم تستطع الحركة و تعثرت من جديد، حينها زفر عُميّر بـ ضيق، ثم إقترب و حملها، إتسعت عينيها و لكنها لم تجد القُدرة على الحديث، بل تمسكت به و سار هو بها إلى الداخل


*******************


أبت أن تجلس لثانية واحدة رغم ضعفها الشديد، حتى أنها أبت أن تصعد إلى غُرفتها بل ظلت واقفة جوار والدها تبكي بـ صمتٍ عبرات فقط تتحرك على طول وجنتيها، و رفعت يحتضن صغيرته بـ شدة حتى لا تسقط 


و في زاوية قريبة منهما كان عُميّر يقف و ينظر إليها بين الحين و الآخر، ذهنه مُشتت بينها و بين ما دار مع والدها قبل ساعات، تتجهم معالمه و تتعقد كُلما تعمق في التفكير، ليُخرج تنهيدة ثقيلة بعدها 


أحس بـ إهتزاز الهاتف في جيب بِنطالهِ فـ أخرجه ليجد كيان تُهاتفه، إستأذن من الجموع و خرج ثم فتح الهاتف و أجاب 


-أيوة يا كيان… 


في طريقهِ إصطدم بـ أحدهم فـ إعتذر عُميّر بينما أومأ الآخر دوم أن يلتفت إليه، فـ قطب جبينه و تابع دخول ذلك الرجل قبل أن يعاود الحديث مع كيان التي سألته


-أخبار حوراء إيه يا عُميّر و مستر رفعت! 

-تنهد و أجاب:طبعًا مش كويسين، لازم تيجي لحوراء… 


ركل عُميّر حصى صغيرة يُريد أي شيء يُلهيه عن التفكير الذي أكل خلاياه، ليأتي رد كيان 


-متقلقش يا عُميّر أنا بحضر شنطة حوراء و شنطة ليا و هاجي

-تمام، هجيلك عشان أخدك

-نفت قائلة:لأ، أنا جاية مع جدو، خليك جنب مستر رفعت… 


وافق عُميّر و أغلق الهاتف و لم يعُد إلى الداخل، بل قرر الوقوف خارجًا يتنفس هواءًا مُنعشًا عله يُنقي ما يدور بـ رأسهِ  من أفكار غريبة


و في الداخل، كان قُتيبة يقف بعيدًا عن الجميع، ينظر إلى إطار الصورة من جميع الإتجاهات و لم يفهم سر ذلك الحُزن الذي بدى حقيقيًا على أوجه البعض و مُزيفًا على الآخر، لم يعرف كيف يحزن على فُقدان شخص، عاداها، والده لم يحضر جنازته قط و لم يحزن عليه


لم يكن الحُزن رفاهية يستحقها من الأساس، قُتيبة تعلم تبلد المشاعر و قسى أكثر من قبل، والدته حتى لم تكن معه يوم زفافه لقد سيطر عليها حقدها و تركته وحيدًا، الفجوة تزداد في كُل مرةً يُخبر نفسه أنه يستطيع أن ينجو


و لكن لا يستطيع لوم والدته بـ النهاية هي سيدة بسيطة قذفها جهل الأهل لتتزوج بـ رجلٍ لا يمُلك من الحياة شيئًا سوى يده، و كأن عليها أن تتحمل الحياة فقط لأجلهِ و هو لم يُرد ذلك، أرادها أن تهرب لتتحرر ليتحرر هو الآخر


و لكن بـ النهاية لم يحدث و أصبح قاتل، أصبح يُطارده لقب "قاتل والده" قد يرى الجميع أنه لقب مُخيف و لكن بـ نظرهِ كان لقب أعطاه الحُرية


و وسط كُل ذلك كان يرى في حوراء نفسًا صغيرة ضمها ذات ليلة حينما خسرت والديها في ليلةٍ واحدة، كان هو ملاذها في ذلك الوقت و كانت هي تائهة كـ ورقة شجرة أُقتلعت بـ واسطة الرياح و تاهت، بَعُدت عن موطنها فـ أصبحت فقيرة و ماتت بـ النهاية ذابلة


كان عليه أن يرى كُل ذلك و يعيشه معها حتى خرجت و عادت كيانه إلى الحياة، حينها إستطاع أن يعود هو أيضًا إلى الحياة، هذه هي المرة الوحيدة التي إختبر فيها الحُزن و كان لأجلها


لمح شخصًا غريب يدخل دون أن يُلقي التحية على أحد، أو حتى يُقدم تعازيه لـ رفعت، بل جلس وسط الجموع فقط دوم حديث، لم يأبه و نهض ليخرج قليلًا، تلك الأجواء خانقة بـ شدة 


ذلك الشخص الجالس عينيه لم تزُل عن حوراء، نظراته ما بين الغضب و الحقد الذي أحرقه مُنذ زمن، نظرات يُلقي بها رفعت فـ يتمنى لو تقتله، لقد سرقها مُنه مُنذ سنوات و ها هي ماتت بـ سببهِ و لم يستطع أن يراها


لقد سرقها، هو من أحبها الأول، هو أول من عرفه عليها، كان صديقه و لكنه سرق ما لم يملكه من الأساس، و أختارت صديقه رفعت عليه، فضلت ذلك الأحمق الذي شق طريقه من البداية عليه هو الذي وُلِدَ بـ ملعقة ذهب في فمهِ


ثم ينظر إلى تلك الصغيرة التي تُشبهها إلى حدٍ كبير، فـ ترق ملامحه و يتذكر الأيام الخوالي و يتذكرها هي، تلك الصغيرة هي التعويض العادل عن سرقة والدها لحبيبته


********************


في الليل


عاد قُتيبة إلى المنزل وحيدًا بعد إصرار كيان على البقاء مع حوراء و لم يستطع الرفض، و لكنه عاد مُثقل القلب و يشعر بـ البرودة بعدما عاد و هي ليست معه، يشعر أنها خرجت و لن تعود، بـ الأحرى هربت


كان سيبقى معها بـ المنزل و لن يتركها و لكنه صدقًا وبخته بـ عُنف قائلة أن تملكه لن يصل إلى حد حُزن حوراء، إلى هُنا و يجب أن يتوقف، لذلك عاد خالي الوفاض


صعد الدرج ليجد والدته تجلس أمام الشقة تضع يدها أسفل وجنتها و تنظر بـ شرود إلى الفراغ بـ سخط إبتسم بـ سُخرية ثم صعد الدرجات المُتبقية و قال بـ نبرةٍ ساخرة، عديمة المشاعر 


-نورتِ يا غالية، جاية تفتكري إن إبنك إتجوز بعد إسبوعين… 


خرجت من شرودها على صوتهِ الساخر لتنهض و سخطها يزداد لتهدر و هي تضع يدها بـ خصرها و الأُخرى تُشيح بها في كُل إتجاه 


-ما إبني الوحيد إتجوز بدون رضايا… 


تنهد قُتيبة بـ يأس و فتح الشقة ثم إبتعد و قال بـ فتور 


-هتدخلي و لا جاية تسمعيني كلمتين و تمشي

-دفعته و قالت:إوعى… 


إبتعد قُتيبة و تبعها ثم أغلق الباب، بحثت عن كيان في أرجاء الشقة و تأملتها بـ عدم رضا ثم تساءلت بـ إبتسامة هازئة


-أومال السنيورة فين! طفشت و لا إيه! 

-إصطكت أسنانه بـ غضب و قال:يا مُثبت العقل و الدين يارب… 


وضع يده في خصره و ألقى بـ المفاتيح فوق الطاولة ثم أجاب بـ قنوط 


-حصل حالة وفاة لمعرفة و إضطرت تبات هناك 

-ضحكت ساخرة:لأ فيها الخير و حنينة على الكل ما عادا جوزها… 


كظم قُتيبة غيظه و نظر إليها بـ أعين سوداء قبل أن يردف بـ نبرةٍ خالية من المشاعر 


-جاية تنكدي عليا و لا تباركيلي مُباركة متأخرة!... 


زمت شفتيها بـ عدم رضا، ثم رفعت حافظة نقودها و أخرجت مبلغ مادي تضعه بـ يدهِ قائلة بـ إستنكار 


-عمامك باعتينلك نُقطة جوازك و بيباركولك، مع إنهم زعلانين منك و بيقولوا لك تعالى البلد مع العروسة… 


نظر إلى المال بـ أعين مُظلمة و مشاعر من الكُره و النفور تلوح من حولهِ و لكنه إلتقط المال فقط هو بـ حاجةٍ إليه، ثم ربتت والدته على كتفهِ بـ سُخرية و قالت 


-ألف مبروك يا عريس، و خلي الفلوس تدفيك بدل مراتك… 


عليه أن يصمت و يتحمل إنها والدته في النهاية، عليه أن يُحافظ على ما يكنه لها من مشاعر صغيرة من الإحترام، بعض الإمتنان لأنها حافظت عليه و أنجبته للحياة، و إنتظر خروجها حتى يلتقط مزهرية ذات قيمة مُنخفضة و قذفها تجاه الحائط


تنفس بـ غضب و برزت عروق نحره و ذراعيه اللتين كانتا مشدودين بـ حدة ثم إرتمى جالسًا فوق الأرض، يرفع ساق و يضع ذراعه فوقها و من ثم وضع رأسه و حدق في الفراغ، ليتها كانت معه الآن، تُعانقه و تُخبره أنها معه


كانت ستطيب أوجاعه

#الفصل_السابع_عشر

(الجزء الثاني) 

#أغلال_لعنتهُ 


بعد عدة مُحاولات من النوم التي باءت بـ الفشل نهض بـ وجهٍ مُكفهِر، كان يعلم أنه بعدما إعتاد على النوم و هي في أحضانهِ، أنه لن يزُره مُجددًا، أنه لم يعتاد أبدًا أن تُفارقه، لذلك نهض دون أن يهتم بـ تبديل ثيابه فـ إلتقط مُتعلقاته الشخصية و خرج من المنزل البارد


و إتجه إلى حيثِ تلك التي تضني عليه بـ مُكالمة صغيرة تطمئن فيها على حالهِ الذي لا يسُرُ أبدًا، و بعد القليل من الوقت و الكثير من الإنتظار لينتهي الطريق، وجد نفسه أمام المنزل الذي تركه صباحًا


و وقف ينظر إلى النوافذ المُظلمة، ثم رفع هاتفه و أجرى إتصالًا بها، إنتظر ثوانٍ حتى أتاه صوتها الناعس، الذي مُزجَ بـ الدهشة 


-قُتيبة!! خير في حاجة! 

-هتف بـ هدوء مُظلم:فيه كتير، إنزلي… 


سمع أصوات تكهن منها أنها تنهض عن فراش و تبتعد، و بـ الفعل لاحظ أن إحدى النوافذ تُفتح ليجدها تنظر إلى الخارج بحثًا عنه، فـ إنتظرها حتى تجده دون أن يُطلعها على مكانهِ


لحظات مرت قبل أن يجد نظرها يُثبت على النقطة التي يقف بها ثم قالت بـ همسٍ مجنون


-بتعمل إيه فـ الوقت دا يا قُتيبة! و بعدين مش هتبطل عادتك دي! 

-تجاهل غضبها و هتف:كيان إنزلي محتاجك… 


ساد الصمت المُخيف بينهما، و على الرغم من المسافة البعيدة بينهما إلا أنهما أحسا و كأن عين الآخر تخترق روحه، سمع صوت تنهيدة ثم صوتها و هو يقول بـ إقتضاب


-أنا نازلة أهو… 


أغلقت الهاتف و إنتظر قدومها إليه بـ فارغ الصبر، لقد حقًا إعتاد على ذلك مُنذُ فترة، كُلما جافاه النوم يأتي إليها، قد لا يراها و لكن ذكرى قديمة تلوح في ذاكرته بـ وقتٍ سابق يجعل و كأن تلك الذكرى حقيقية، و أنه يلمسها و تبتهج روحه، ثم يعود و ينام لتزوره في أحلامهِ مُمسكةً بـ يدهِ ضاحكة، ومُعترفة بـ حُبها له


كانت عادة من الصعب التخلي عنها


وجدها تقترب منه ترتدي منامة شبه ثقيلة و تضع وشاح حول جزعها العلوي، ثم فتحت البوابة و إقتربت منه تقول بـ نبرةٍ شبه غاضبة


-قُتيبة مينفعش اللي بتعمله فـ… 


قاطعها قُتيبة و هو يُمسك يدها ثم جذبها إلى يُعانقها بـ كُلِ قوته، مُريحًا رأسه فوق كتفها قريبًا من عُنقها النابض، ثم همس بـ نبرةٍ أجشة


-هشششششش، سبيني كدا شوية… 


تفاجئت كيان و تصلب جسدها، و لكن عندما سمعت صوته الذي كان مُتعبًا بـ شدة، تألم قلبها لأجلهِ و عانقته هي الأُخرى ثم مسحت على خُصلاتهِ من الخلف في صمتٍ أرادت ألا تُفسده، ربُما لن يتكرر مرةً أُخرى 


إستمر هذا الوضع حتى فترة عجزت بها كيان عن الوقوف على قدميها نظرًا لأحداث اليوم، لتقول كيان بـ توسل


-قُتيبة أنا تعبت من الوقوف، ممكن أدخل!... 


أبعدها عنه و أبعد خُصلاتهِا التي إلتصقت بـ لحيتهِ الخفيفة ثم قال و هو يُحدق بها كأنه لم يسمعها، و بـ الأحرى يتشرب ملامحها داخله 


-أنتِ لازم تتحجبِ، مينفعش كدا!... 


نظرت إليه بـ ذهول بـ ماذا يهذي هذا المجنون بـ حق الله؟ تُخبره أنه تعبت و هو يُخبرها أن عليها أن ترتدي الحجاب، تنهدت كيان و قررت التجاهل فـ هي لا تمُلك الطاقة لذلك 


-هنشوف الحوار دا بعدين، بس حاليًا أنا بجد تعبت من الوقفة… 


شهقت بـ صدمة حاولت فيها السيطرة على علوْ صوتها حينما جذبها قُتيبة ليجلسا على الأرض التُرابية دون أن يأبه بـ إتساخ ثيابهما، لتهدر كيان بـ غضب


-أنت مجنون… 


وضع قُتيبة رأسه على كتفها دون أن يرد عليها لعدة لحظات، قبل أن يقول بـ نبرةٍ مُتعبة قد تكون ميتة


-مشبعتش منك لسه… 


رده أجبرها على الصمت فـ صمتت، و قررت إقراضه كتفها ليستريح فوقه قليلًا ثم قالت بـ إبتسامة مازحة


-و لا عُمرك هتشبع… 


كان تقصدها مزحة لا تعلم أنه أخذها على محمل الجد، ليتشابك معها الأيدي و يُحدق بـ كفها المُزين بـ حلقتهِ الذهبية ثم قال بـ صوتٍ عنيف على الرغم من خفوته


-هو فيه حد بيشبع من المايه!!... 


توقفت أنفاسها و لم تستطع الرد على ذلك الهجوم المُباغت لمشاعرها، ثم إستطرد حديثه و هو يضغط على كفها أكثر


-ليه مش مصدقة إني مليش حياة بعدك يا كيان!... 


كادت أن تبكي، تعلقه بها كـ تعلق طفل صغير بـ والدتهِ، و هذا لا يقتُلها بل تشعر بـ ثقلِ كاهلها، و لكنه شعور لذيذ جدًا، وجدت كيان تشد على يدهِ هي الأُخرى ثم أراحت رأسها فوق رأسهِ و قالت بـ نبرةٍ مُستسلمة


-لأ مصدقة، لأني زيك بالظبط… 


********************


في صباح اليوم التالي 


كانت كِنانة مُتجهمة الوجه كـ العادة و لكن هذه المرة كان الخجل هو سبب التجهم، لقد تفاجئت بما فعله وقاص و منها أيضًا، و تعامل معها و كأن شيئًا لم يحدث و عاد إلى عادتهِ القديمة، هي ليست غاضبة بل هذا مُريح أكثر، هكذا لن تشعر بـ الإمتنان 


رتبت كِنانة الأوراق ثم قالت بـ عملية شديدة دون النظر إلى وجهِ وقاص شديد التركيز على الطريق


-حضرتك كدا فاضل meeting واحد فـ الأوتيل، و جدولك يخلص، ممكن تاخد باقي اليوم راحة… 


الدهشة سيطرت عليه و لم يجد القُدرة على الرد، و لكن كِنانة لم تلحظ هذا فـ إستطردت مُكملة


-هيكون فيه شوية تعنت منهم لكن معايا معلومات تقدر نخلينا يلينوا شوية… 


إنتظرت سؤاله عن تلك المعلومات و لكن كُل ما قابلها هو الصمت، فـ نظرت كِنانة إليه قاطبة جبينها بـ ضيق ثم تساءلت بـ شبه عصبية 


-هو حضرتك مش سامعني و لا مطنشنـ… 


توقفت كِنانة عن الحديث و هي تراه ينظر إليه كما لو أنه يحل مُعادلة شديدة الصعوبة، لترفع حاجبها و تسأل 


-خير في حاجة!... 


بادل وقاص ما بين الطريق و بينها ثم قال بـ صوتٍ شديد التعجب و الحيرة 


-أصلك بتتكلمي بـ إحترام معايا، من إمتى و أنتِ بتقولي حضرتك؟!... 


فغرت كِنانة شفتيها بـ صدمةٍ هي الأُخرى، حقًا مُنذ متى تتحادث معه بـ هذه الرسمية، يبدو أن ذلك الحدث قد أثر على خلاياها بـ الكامل 


تُريد الحديث و إخباره أنها تشعر بـ الخجل و لكن فمها جاف و مُجمد تمامًا، ليبتسم وقاص و قال مازحًا 


-أنا قولت كدا برضو… 


أغاظها لتجد نفسها ترد بـ إنطلاقة لسانها المعهودة 


-لو عايزني أكلمك بـ قلة أدب، عادي معنديش مشكلة 

-تحولت إبتسامته لضحكة و قال:هي دي كِنانة اللي أعرفها… 


حاولت كظم غيظها و لكنها لم تستطع فـ أغمضت عينيها و نظرت إليها مُلتفتة بـ جسدها كُله


-على فكرة أنا أقـ آآه… 


تأوهت كِنانة حينما توقف وقاص فجأة و دون سابق إنذار، فـ جعل جسدها يرتد و كادت أن تُصدم، نظرت إليه بـ شرارة و قالت 


-حد يقف بـ الطريقة الهمجية اللي وقفت بيها دلوقتي… 


و لكن وقاص لم يُعرِها أي أهتمام بل كان يُحدق بـ تعابير شديدة التعقيد و القلق أمامه فـ نظرت إلى حيثِ ينظر و تساءلت 


-أنت بـ بتبص علـ… 


توقفت من جديد عن الحديث و هي تجد أمامها شخصين يسدان الطريق أمامهما، يحملان أسحلة بيضاء و عصىً غليظة بـ أيديهما، لتقول بـ همس مُرتعب


-هو في إيه! 

-قبض وقاص على المقوّد و قال:فيه إننا هنثبت حالًا… 


شحب وجهها و نظرت إلى الرجُلين اللذين يقتربان منهما ثم قالت و هي تُمسك يده بـ إرتجاف


-أكيد بتعرف تضرب! 

-همس بـ أسفٍ شديد:لأ للأسف بتضرب بس

-صرخت بـ شراسة:أنت بتهزر!! 

-يعني هو دا وقت هزار… 


أغلق وقاص النافذة بـ القفل الداخلي و إنتظر ما سيحدث تاليًا، خوفه على تلك الجالسة جواره، مهما بلغت شراستها و عشوائيتها هي تظل فتاة، طرق أحدهم على النافذة بـ وجهٍ مُنتصر، و نظر وقاص حوله لن يجد أحدًا يُساعده في هذا الطريق الشبه مقطوع


عاود الطرق من جديد و حركة شفاه الرجل يفهمها


-إنزل… 


قبض وقاص على المقوّد أكثر ليقول و هو ينزع حزام الأمان 


-إقفلي العربية عليكِ و إتصلي على عُبيدة هو اللي هيلحقنا بسرعة

-تمسكت به حوراء في جزع و قالت:أنت هتسبني و تنزل! 

-قال وهو يربت على يدها:لو منزلتش هنتأذي إحنا الإتنين… 


أبعد يدها و ترجل و تركها لـ الرُعب الذي يكتنف جميع خلايا جسدها، و تتبعت حركة وقاص مع الرجل، و بلا تردد هاتفت عُبيدة و صرخت 


-إلحقنا، وقاص فيه ناس وقفته و مش عارفة هيعملوا معاه إيه

-أتاها صوته يقول بـ صدمة:ناس مين و أنتوا فين بالظبط!... 


قصت عليه كِنانة بـ إختصار، كان يجب أن يلحق به و لكنه الآن سيأتي راكضًا، مسح عُبيدة على وجههِ و نهض مُسرعًا ثم قال بـ حزم شديد


-إسمعي كويس اللي هقولك عليه و تنفيذه بـ الحرف… 


*******************


في الخارج 


كان وقاص يسير مع ذلك الرجل بـ هدوءٍ تام على الرغم من توتر أعصابه داخليًا، ثم وقف مع الآخر ليهتف 


-بالصلاة على النبي كدا، مدفوع فلوس عشان نضربك يا باشا و نعلم عليك… 


رفع وقاص حاجبه دلالة على عدم تصديقه لحديث ذلك الرجل، فـ قال و هو يُخرج هاتفه 


-بُص يا باشا مش دي صورتك!... 


حدق وقاص بـ الهاتف و إتسعت عينيه، كانت صورة له إلتُقطت أمام منزله مع كِنانة، لينظر إلى الخلف فجأة بـ ملامح مصدومة ثم إلى الرجل و هتف في مُحاولة لتهدئة أعصابه


-الصورة دي جبتها منين! 

-ضحك الرجل و قال:يا باشا أنا اللي واخد الصورة بـ نفسي 

-تشنجت عضلات فكه و قال:هات الخُلاصة… 


حك الرجل فكه ثم قال و هو ينظر إلى صديقهِ الآخر 


-أنت مدفوع فيك خمس آلاف جنيه، هاخد ضعفهم منك و أسيبك أنت و السنيورة… 


سيوافق بـ أي عرض ما دامت كِنانة ستكون بـ خير ليومئ وقاص قائلًا بـ جدية و نبرةٍ مشدودة


-تمام معنديش مشكلة، بس محدش فينا يتأذي

-شاطر يا باشا، بتخاف على نفسك… 


بحث وقاص عن مال و لكنه لم يجد فـ قال و هو يتنهد


-ممعيش دلوقتي 

-نتصرفلك يا باشا

-تساءل بـ عقدة حاجب:يعني إيه! 

-أشار الرجل بـ يدهِ و قال:يعني تلفونك على الساعة الغالية دي على الفلوس اللي فـ جيبك و هسيبلك العربية عشان كدا كدا هتبلغ و هتقفش بيها… 


أخرج وقاص بـ الفعل المال الذي كان بـ حوزته، الهاتف و ساعة يده و أي شئ قيم ثم قال 


-لأ ناصح

-إلتقط الأشياء و قال:عيب عليك يا باشا، أنا بقالي سنين فـ  الشغُلانة دي 

-وضع وقاص يده في خصرهِ و قال:لأ صايع 

-إحنا عملنا اللي علينا، سلام يا باشا… 


كاد أن يرحل و لكن وقاص أوقفه و سأله 


-مين اللي باعتك! 

-إبتسم الرجل بـ سُخرية و قال:بس دي خدمة مش مجانية 

-أشار وقاص بـ رأسهِ إلى ما في يد الرجل:اللي فـ إيدك أزيد من اللي طالبه

-لاماح… 


تشاور مع صديقهِ ثم إلتفت إلى وقاص و قال بـ نبرةٍ خشنة 


-واحد اسمه سعيد الجوهري… 


صُعق وقاص و لكنه صمت، يعلم أنه يكرهه مُذ أن وقف أمام العائلة لإستعادة حق إيزيل و لكنهم رفضوا، فـ قام بـ مُساعدتها و أيضًا قوبل بـ الكُره الشديد، و لكن أن تصل إلى القتل؟ هذا ما لم يتوقعه 


مسح وقاص على فمه بـ قسوة و حاول الصمود، ليقول بعدها 


-بس إيه اللي صحا ضميرك فجأة! 

-أجاب بـ سُخرية:ضمير إيه يا باشا، فال الله ولا فالك، الحكاية كُلها إني أستفيد منك و منه و أنت راجل بتقدر حياتك و أنا محبتش أكسفك

-غمغم وقاص بـ قنوط:كتر ألف خيرك يا ريس، خدمة مش هنساها… 


ربت الرجل على كتف وقاص و كاد أن يصعد دراجته النارية خلف صديقهِ قبل أن يسمع لصوت صافرات الشُرطة، لينظر إلى وقاص المصدوم بـ شدة و قال بـ غضبٍ شديد و غلظة 


-شوفت بقى إنك ابن *** متستحقش تعيش… 


أمسك السكين و كاد أن يضرب وقاص و لكنه تفادها إلا أنه لم يستطع تفاديها كُلها فـ أصابت ذراعه، تأوه و سقط بينما الآخران فضلا الهروب عن طعنه من جديد


و من بعيد ما أن رأت كِنانة ما حدث حتى صرخت، و ترجلت من السيارة سريعًا ثم ركضت إليه صارخة بـ اسمه 


-وقااص، أنت كويس!!... 


جثت جواره و حاول الجلوس فـ ساعدته ثم عاودت السؤال من جديد و هى على وشك البُكاء


-أنت كويس!... 


تفحص الجرح النازف و تأوه من جديد ثم قال و هو يعود بـ رأسهِ إلى الخلف


-كويس بس بستعبط 

-ضربته بـ خفة و قالت:و دا وقت هزار…. 


نظرت إلى حيث هرب الرجلين ثم إلى الخلف و سألت


-بس هما هربوا ليه!.

-أجاب بـ تعب:تقريبًا عُبيدة جه و معاه البوليس… 


وإنتظر كِلاهما وصول عُبيدة مع الشُرطة و لكن ظهرت سيارة صديقه فقط، ما الذي حدث بـ الضبط؟


إنتظر وصول صديقه الذي جثى جواره و تفحص صديقه بـ قلق ثم هدر عُبيدة بـ صوتٍ غلبه القلق عن حدتهِ


-أنت كويس جرالك حاجة؟!... 


نظر وقاص إلى حيثِ سيارة صديقه و فهم الخدعة، ثم عاود بـ نظرهِ إلى عُبيدة و قال بـ تنهيدة 


-كُنت هبقى كويس لو مجتش 

-هدر عُبيدة:أنت بتهزر! 

-أجاب وقاص بـ بساطة:ههزر ليه، دخلتك الغبية خلته يضربني بـ السكينة… 


نظر إليه عُبيدة بـ تعجب فـ أطلق وقاص تنهيدة أُخرى و قال مُحاولًا النهوض


-ساعدني أقوم و وديني المُستشفى… 


ساعده عُبيدة بـ صمت بينما نظر وقاص إلى كِنانة فـ وجدها ترتجف و تبكي، فـ مدّ يده و أمسكها ثم قال مُطمئنًا 


-متخافيش، كل حاجة بـخير… 


و كانت إشارتها لتبكي كِنانة بـ قوة و هو تركها تفعل ذلك دون شكوى، كما لو كان ينتظر أن تفعل فـ يُعانقها، إلا أنه لا يستطيع حاليًا


********************


لقد عَلِمَ عن وفاة والدتها من عُميّر صُدفة و أصابه الحنق و الذهول ثم الحُزن عليها، لماذا لم تُخبره عما حدث ليكون جوارها؟ أليس هو صديقها كما تدعي؟! 


كان يتنهد بين الحين و الآخر و عمله قد إرتكب به العديد من الأخطاء و لكن زميله كان يُساعده، ثم سأله حينما آخذا إستراحة


-مالك يا عم نوح؟… 


نزع نوح مئزره ثم جلس أمام طاولة عالية و مُستطيلة ثم هتف بـ نبرةٍ جامدة شبه مُنهكة


-مفيش حاجة 

-جلس صديقه جواره و قال:مفيش إزاي! دا أنا كل شوية عمال أصلح غلط ألعن من التاني! 

-معلش تعبان شوية… 


ذم صديقه شفيته يعلم أن نوح لن يُخبره بـ شيء ليقول و هو يربت على فخذهِ


-قوم كُل يلا قبل ما الإستراحة تخلص… 


بعدما إنتهيا من العمل ذهب كُلًا منهما في طريقهِ و وجد نوح نفسه ينحرف عن البيت ليحادث والده الذي إتصل به


-أيوة يا بابا

-أتاه صوت والده يسأل:فينك يا إبني! المفروض تكون هنا من نص ساعة

-أجاب نوح:بتمشى شوية، خير في حاجة!... 


توقف نوح أمام ممشى يطل على الشاطئ ثم جلس يُحدق في ظُلمتهِ، ليأته صوت والده يقول بـ إهتمام 


-لا يا بني، بس بتطمن عليك 

-إبتسم نوح و قال:أنا كويس يا حبيبي متقلقش… 


إستمع إلى حديث والده و حادثه كثيرًا، و كم أسعدته هذه المحادثة اللطيفة، ثم أنهى حديثه بـ قولهِ


-إتعشى أنت يا بابا، و أنا هاجي بعد شوية كدا 

-متتأخرش يا نوح

-ضحك و قال:أنا مش صُغير يا بابا، إبنك كبر و بيشتغل 

-أتاه صوت والده الحنون:مهما كبرت هتفضل فـ عيني صغير و محتاج أخاف عليك… 


عندما عاد والده إلى مصر و إضطر نوح العودة معه بعد وفاة والدته، إضطر إلى ترك الوطن الوحيد الذي يعرفه ليأتي مع صديقهِ قبل أن يكون والده و لا يندم على ذلك، قد يكون هُناك ما لا يعلمه و لكن إقتلاع والده من وطنهِ الوحيد كان من أجلهِ


أنهى نوح الحديث مع والده و نهض ليجد ساقيه تقوده لها، أخبرته ذات ليلة أين تسكن و راحت تصف جمال بيتها، ليس لفخامته و لكن ذلك المنزل قضت به أيام جميلة لن تتكرر أبدًا


وجد نفسه يقف أمام المنزل و يتصل بها مرارًا و تكرارًا و لكنها لم ترد، و حينما يأس صدح صوت هاتفه، ليفتحه بـ لهفة فـ وجدها هي، إنفرجت أساريره و أجاب سريعًا ليأته صوتها الضعيف و ذلك آلم قلبه


-البقاء لله يا حوراء 

-أتاه صوتها المُتحشرج:شُكرًا 

-توتر و سألها حينما لم يجد ما يرد به:أنتِ كويسة! 

-أنت شايف إيه! 

-عض على شفتيهِ و قال:أنا آسف… 


سمع صوت و كأنها تكتم بُكاءها و صمت يتحرم حُزنها، ثم سمعها تقول بـ نبرةٍ مبحوحة فقدت أحبالها الصوتية القُدرة على الحديث


-مكنش قصدي، آسفة

-هتف مُسرعًا:لالالالا أنا اللي بعتذر… 


كان هُناك صوت كلب ينبح خلفه فـ سمعت الصوت من غُرفتها و وصلها صوت النُباح أيضًا من الهاتف لتنهض و تسأله بـ تعجب 


-أنت فين! 

أجاب نوح و هو يحك مؤخرة رأسه:أنا تحت بيتك يا حوراء، جيت عشان أعزيكِ… 


ساد الصمت ليسمعها بعد ذلك تقول و هي تنهض عن فراشها


-لحظة واحدة… 


أغلقت حوراء الهاتف و نظر هو إليه بـ تعجب و إنتظر فترة بسيطة، حتى وجدها أمامه تفتح البوابة و تطل منها، إقترب منها نوح و قال بـ دهشة


-نزلتِ ليه، كان كفاية أسمع صوتك بس 

-ضمت حوراء كنزتها و قالت:كان لازم أشوفك… 


أحس أنها تكتم الكثير بـ داخلها فـ إقترب نوح منها و سألها بـ نبرةٍ هامسة بها الكثير من الإهتمام


-أنتِ مش كويسة!... 


أومأت حوراء و إنفجرت في البُكاء و لم يجد نوح نفسه سوى أنها تُسرع لمُعانقتها، و هي لم تتردد تشبثت به و قالت من بين صُراخها الباكي 


-لأ مش كويسة، أنا عايزة ماما… 


و من أكثر منه يعلم مرارة الفَقد، كان أكثرهم حُزنًا ذات يوم حينما فقد والدته في سنٍ يقترب من سن حوراء، و لكنه مع مرور الوقت تأقلم إلا أن الألم لم ينتهِ


ربت على ظهرها ثم قال بـ صوتٍ به مشاعر جمة و على رأسهم الشفقة 


-كُل حاجة هتكون بخير يا حوراء… 


و في جُنح الليل بعيدًا عنهما كان هُناك من يُراقب بـ أعين تتقد شررًا، سيكون هو أول من يقتلهم، لا أحد يحق له لمسها إلا هو يملك كُل الحق

#الفصل_الثامن_عشر

#أغلال_لعنتهُ 


قد تكون قصة مُختلفة، بـ نكهةٍ جديدةٍ

قد تختلف أحداثها، و الشخصيات بها

و لكن نهايتها..! كانت بداية جحيمية… 


إنتهى الطبيب من تضميد جرح وقاص ثم أخبره و هو ينزع قُفازاته 


-الجرح مش خطير، بس هتحتاج تغير عليه كل يوم، حمد لله على السلامة

-رد عُبيدة نِيابة عن وقاص:شُكرًا ليك يا دكتور… 


أومأ الطبيب ثم رحل و تركهما معًا ليقف عُبيدة أمام وقاص ثم سأله بـ تردد 


-مُتأكد إنك مش هتبلغ!!... 


حاول وقاص تحريك ذراعه و لكنه آلمه قليلًا ثم أجاب بـ تعبيرٍ غامض 


-لأ، مش عرفت مين اللي عمل كدا! يبقى ليه أدخل البوليس فـ مشاكل عائلية

-مسح عُبيدة على وجههِ و قال بـ نفاذ صبر:يا وقاص يا حبيبي، دا كان عايز يخلص عليك أنت مستوعب هتتعامل مع عقلية زي دي إزاي! 

-رد وقاص بـ بساطة:و محصلش أي حاجة من دي، و عارف أتصرف إزاي متقلقش مش هتوه عن أهلي…


كاد عُبيدة أن يفقد المُتبقي من عقلهِ و لكنه آثر الصمود قليلًا ثم هتف في مُحاولةٍ بائسة لإثناء صديقهِ عن رأيهِ الأحمق 


-وقاص دي مش فتونة، اللي حصل دا ستر من ربنا إن البلطجي طلع طماع قلبكوا أنتوا الأتنين… 


نظر إليه وقاص بـ هدوء و تعجب عُبيدة لذلك كثيرًا، وقاص لم يكن يومًا من هواه العُنف و الرد بـ مبدأ العين بـ العين، بل كان رزينًا هادئًا، يعرف دائمًا كيف يسترد ما سُلبَ منه دون أن تتسخ يديه


أما ما يراه الآن ما هو إلا شخصًا آخر قد تلبسه، يبدو مُعاكسًا لِما عرفه ذات ليلة، وقاص شخصٌ حذر جدًا و لكن الآن يسوقه غضبه أو ربُما كرامته التي أُهدرت


أراد أن يُثنيه عن ذلك في مُحاولةٍ أخيرةٍ و لكن وقاص رفع رأسه و قال بـ بُطء


-محتاج أطلع شريحة بـ نفس الاسم عشان الشُغل… 


نظر إليه عُبيدة بـ ذهولٍ تام و غضب جعل من ملامح وجهه تقتم بـ شدة، فـ قبض على يدهِ بـ غيظ قم هتف بـ حنق و هو يخرج من هذه الغُرفة 


-أنا اللي لازم أطلع من الأوضة دي بدل أما أكمل اللي معرفوش البلطجية يعملوه… 


و تركه عُبيدة راحلًا ليسقط قناع وقاص الهادئ و حلَّ محله غضب و كُرهٍ شديدين و ملامح تُنذر بـ شرٍ لم يكن ليُخرجه أبدًا، و لكن كِنانة كانت معه كيف يجرؤ ذلك الوضيع على إرهابها؟ 


لحظات و سمع صوت طرق و بعده دخول شخصٌ ما، لم يرفع وقاص نظره إلى ذلك الشخص ظنًا منه أنه عُبيدة، إلا أنه رفع رأسه سريعًا حينما وجدها تقف أمامه و تسأله بـ صوتٍ مُرتجف


-أنت كويس!!... 


لم يهتم بـ الرد على سؤالها بل نهض و سألها بـ جنون و غضب على الرغم من هدوء نبرته 


-أنتِ بتعملي إيه هنا و لسه مروحتيش ليه! 

-أجابت بـ تردد:كان، كان لازم أطمن عليك… 


للعجب لم تغضب و هذا ما جعله يغضب و يُصيبه الجنون أكثر، لا تزال خائفة مما حدث مُنذ قليل، ليتنهد وقاص ثم إقترب و قال بـ نبرةٍ مُتعبة 


-أنا كويس يا كِنانة، لازم تروحي البيت فورًا

-لم تجد ما تقول سوى السؤال:طب و الشُغل!... 


نظر إليها بـ عدم تصديق و وضع يده على جرحهِ ثم قال بـ ذهول


-شُغل إيه يا كِنانة! هنروح أصلًا إزاي بـ منظرنا كدا! 

-مش عارفة… 


نظر إلى يدها المُتعرقة و حركاتها الخرقاء، ليضع كفه على يدها ثم إبتسم إبتسامة مُطمئنة و قال بـ دفءٍ


-أنا كويس متقلقيش… 


توترت ليده و إقترابه المُفاجئ لتصفع يده بعيدًا ثم تراجعت خطوة لتقول و هي تُدير رأسها بعيدًا عنه 


-مين قال إني قلقانة! و بعدين محدش قالك تعمل نفسك شُجاع و تنزل… 


رفع وقاص حاجبيه ثم هز رأسه بـ يأسٍ و قال بـ نبرةٍ شبه مازحة


-أنتِ ليكِ عين تتكلمي بعد أما زمايلك فـ الشُغلانة عوروني!!... 


أثار غضبها و هي كانت تنتظر هذه اللحظة حتى تُخرج مكنوناتها و لكنه في وضعٍ بائس لا يستحق التوبيخ، لتقول بـ عصبية و هي تضع يدها في خصرها و قد عادت كِنانة إلى حالتها الطبيعية


-لأ عندي لسان هيمرمط بـ كرامتك سراميك المُستشفى كُلها… 


لم يجد بِدًا من الضحك فـ ضحك و هو ينظر إليها، الآن يستطيع الإطمئنان، هي بخير و هذا ما كان يصبو إليه 


قاطع تلك اللحظات المشحونة و التي تُنذر بـ مُشاجرة ستحدث، صوت عُبيدة الذي قال و هو يطُل من الباب


-دفعت، يلا نمشي

-ماشي… 


رد وقاص و هو يلتفت و يجذب سُترته، بينما عُبيدة نظر إليهما بـ شك، و لكن صديقه لم يهتم و خرج قبلهما، و وقفت كِنانة تسُبه بـ داخلها قبل أن يُقاطعها عُبيدة قائلًا 


-هتفضلي واقفة عندك و لا هتيجي عشان أروحك! 

-نظرت إليه بـ ضيق و قالت:متخلكش رذل زيه… 


تقدمته كِنانة و ضرب عُبيدة فخذيه ثم تبعهما في صمت، الموقف لا يحتمل مُشاجرة أو توبيخ، يكفي لحظات الرُعب التي قاساها و هو يرى صديقه مُلقى أرضًا و ينزف، هو لا يزال على قيدِ الحياة و لكن فكرة إصابته كانت تُصيبه هو شخصيًا بـ الموت


********************


رغم فساد شهر العسل الخاص به، و الذي كان يُخطط به كيف يسلُب قلبها، و لكنه يعيش الآن سعادة مُطلقة، لقد إعترفت تلك القاسية أنها لا تستطيع العيش من دونه، وقتها لم يعرف كيف مرت اللحظات، و لكن فجأة كانت إختفت و كأنها كانت سراب


و هذا لم يمنعه من الإحتفال بـ سعادتهِ، عندما عاد إلى المنزل، زاره النوم كما لم يفعل من قبل و نهض يكتب عبارته حتى لا ينساها، أو ربُما توثيقًا لإعتراف لن يتكرر على الأقل الآن


كان صفيره قد بلغ أعلى مراحله حتى أنه بدأ يرقص على أنغام صفيره ثم قام بـ تمشيط خُصلاتهِ لينظر بعدها إلى المرآة و يقول بـ إبتسامة زادته وسامة 


-قمر ياض يا قُتيبة… 


كان يُريد التأنق أكثر من المُعتاد و لكنه ذاهب إلى مأتم، و عليه أيضًا أن يُخفف من إبتسامتهِ و مزاجه إحترامًا لحوراء، كان الوقت عشاءًا إلا أنه لم يتحمل إنتظارًا للغد


إلتقط مُتعلقاته الشخصية ثم خرج، و صدح صوت هاتفه، فـ وجده أرسلان، من المُفترض أن يغضب، كيف يتصل به و هو في إجازة يقضي أيامه الحلوة مع زوجتهِ؟ و لكنه إبتسم و أجاب


-يا أهلًا، حصلت البركة

-أتاه صوت أرسلان:حصلت البركة!! 

-ضحك قُتيبة و قال:أومال… 


ساد الصمت و كان حينها أرسلان ينظر إلى هوية المُتصل إن كان أخطأ أم لا، ليجده حقًا قُتيبة ثم وضع الهاتف على أُذنهِ من جديد و قال بـ سُخريته المُعتادة 


-أنت الجواز لحس مُخك

-لم ينفي قُتيبة بل قال بـ إبتهاج:جدًا

-زفر أرسلان و قال بـ جمود:شكلك رايق، المُهم ناوي سيادتك تخلص شهر العسل إمتى عشان نبدأ الشُغل… 


خرج قُتيبة من البناية و نظر حوله ليجد والدته تقف مع إحدى سيدات الحي، و من تعبيرات وجهها تبدو أنه تسبه و تلعن كيان، و ما أن رأت رجاء قُتيبة حتى رمقته بـ نظرةٍ تهكمية و أدارت وجهها، ثم رفعه صوتها عن قصد ليسمعها


-البت ياختي عملاله عمل مخلياه ملفوف حوالين صابعها زي الخاتم… 


أظلمت تعابير وجه قُتيبة، بل إستحالت إلى أُخرى جحيمية و هو يستمع إلى تنشره والدتهِ من شائعات قاسية عن كيان، رمقها بـ نظرةٍ أخيرة و لكنها لم تهتم و أكملت، فـ أكمل طريقه حينما سمع صوت أرسلان يقول 


-هو أنت اللي ملفوف حوالين صُباعها! كانوا قاصدينك يعني؟! 

-هدر قُتيبة بـ صوتٍ أجفل الجميع من حولهِ:أرسلاااااان، متنساش أنك بتتكلم عن مراتي… 


ساد صمت خلالها كان تنفس قُتيبة حاد و حاول الخروج من هذا المكان، ربُما ليست المرة الأولى التي تأتي بها إلى هُنا و تبدأ رحلتها في نشر الشائعات، لقد ترك الحي حتى لا تتعرض كيان لمثل هذه المواقف القاسية و لكن والدته تُطاردهما بـ شراسة مُعتقدة أنه سيتركها، لن تعرف أنه لن يترُكها إلا حينما يكون جُثةً هامدة


سمع بعد لحظات صوت أرسلان يقول بـ فتور و كأنه لا يعنيه بل مُجبر و كأن أحد أجبره على الإعتذار 


-معلش مكنتش أقصد… 


أكمل قُتيبة سيره و في قرارة نفسه يشعر بـ الغضب و ها هو قد فَقَدَ روعة بداية اليوم، تنهد و قال بـ نبرةٍ صلبة، شحيحة المشاعر 


-فـ ظرف أقل من أسبوع هرجع، هو حد مهنيني على شهر العسل

-أحسنلك تصدق فـ كلامك 

-زفر و قال:قول يارب، سلام… 


ثم أغلق قُتيبة الهاتف و إستقل حافلة ذاهبة بـ القُرب من المنطقة التي تسكن بها حوراء، و ما يدور داخله 


"اللعنة، لقد أفسدوا يومي" 


*******************


مُنذ فترة لا بأس بها و هي تأتي إلى حيث يسكن قُتيبة دون علمهِ، تأتي تتقصى عنهما و عن الحي الذي يسكنان به و كونت صداقات مع نساء الحي هُنا، تُخبرهن أن إبنها تزوج و يقطُن هُنا  و هي تُريد الإطمئنان عليه في هذا الحي


و لكنها تتقصى أخبارهم من حين لآخر و الفضلُ كله لتلك السيدة التي تقف معها الآن نظرًا أنها ثرثارة تُشبه من يقطنْ معها بـ الحي، و هي الهدف الأمثل لتشويه سُمعة كيان


-و النبي يا ختي ما كُنت موافقة على الجوازة، بس أقول إيه الواد هيموت عليها

-أخرجت السيدة صوتًا مت فمها و قالت:شباب إيه الأيام دي اللي يعصى أمه عشان واحدة… 


أتقنت رجاء دروها الذي تعتقد أنه صحيح و أنها على، و أن كيان لا شيء سوى حية إختطفت إبنها و كانت السبب في موت شاهين، وضعت يدها على فمها و قالت بـ قلة حيلة 


-أعمل إيه بس يا ختي، قالي يا هي يا مفيش… 


لمحت من مكانٍ قريب قُتيبة يخرج من البناية، توترت في البداية و كادت أن ترحل و لكنها وجدتها فُرصة جيدة ليعلم كيف يُفكر أبناء الحي هذا في كيان، لتقول بـ صوتٍ ماكر أصبغته بـ الدهشة و الإستنكار


-البت ياختي عملاله عمل مخلياه ملفوف حوالين صابعها زي الخاتم…


نظرت من طرف عينها، لتجد قُتيبة ينظر إليها بـ تعابير مُظلمة أرعدتها و لكنها سعدت أن مُبتغاها قد وصل، و إنتظرته يتقدم و يتشاجر معها لتُزيد الطين بلة و لكنه لم يفعل، بل إكتفى بـ نظراتهِ و رحل


و السيدة أمامها تُخرج أصوات إستنكار من فمها و بـ نبرةٍ مُشفقة و مُتعاطفة هتفت


-بنات آخر زمن، مش عارفة تجيب العيل من هنا، تقوم تروح لواحد يعملها عمل عشان تجيبه على بوزه

-هتفت رجاء:مش صعبان عليا غير إبني اللي معمي… 


ربتت السيدة على كتفها ثم قالت و هي تُشدد على يد رجاء و تقول بـ غرض التخفيف عنها 


-ابن أختي برضو، بت بنت حرام عملت فيه كدا، عملتله عمل و ياعيني طلق مراته بسببها 

-ردت رجاء بـ غضب زائف:أعوذ بالله، الناس جرالها إيه! 

-أشاحت السيدة بـ يدها و قالت:والله ما أعرف، بس ربنا كرمه و عرف يفُك العمل… 


لمعت عيناها فجأة حينما قالت بـ نبرةٍ حماسيةٍ مُفاجئة


-صحيح، ما تيجي نروح للراجل دا، هو اللي فك العمل عن ابن أختي 

-نظرت إليها رجاء بـ إستنكار و قالت:لأ يا ختي مش لدرجادي… 


ربتت على يدها بـ قوة طفيفة ثم قالت بـ نُزق و هي تنظر إلى تعابير الحيرة التي إرتسمت على وجه رجاء 


-إسمعي الكلام، عندك ابن واحد بس هتسيبيه للحرباية دي! 

-هتفت بـ تردد:إبني هيغضب لو عملت كدا

-تأففت السيدة و قالت:مش هنعرفه، هتروحي من وراه، بس هاتي حاجة من حاجته، أي حاجة… 


الفكرة تتلاعب بـ عقلها كما يفعل الشيطان الآن، هي لن تقوم بـ فك السحر كما تقول تلك السيدة، بل ستُبعدها عن إبنها، إنها شر يجب الإبتعاد عنه، و زين لها الشيطان سوء عملها و أن هذا هو الأفضل للجميع، خاصةً لـ قُتيبة 


نظرت رجاء إلى السيدة أمامها ثم قالت بـ عزم 


-إديني رقم الراجل دا و أنا هروحله 

-إبتسمت السيدة و قالت:متقلقيش هاجي معاكِ و مش هسيبك

-نفت رجاء بـ قوة و قالت:لأ عشان بس محدش يشك فينا و مياخدش باله… 


نظرت إليها السيدة بـ ضيق، كان الفضول يأكلها أكثر من مصلحة قُتيبة كما تدعي و لكنها أخرجت هاتفها الصغير على مضض، و أعطت لرجاء الرقم ثم قالت بـ فتور


-بس كلميه قبلها بـ كام يوم و لا حاجة عشان بيكون زحمة

-سألتها رجاء:بياخد فلوس كتير! 

-لأ خالص، دا راجل إيده حنينة و بيجيب من الآخر… 


أخذت رجاء الرقم و أومأت ثم رحلت و الفكرة تترسخ أكثر و الشيطان يُوسوس أكثر مُقنعًا إياها 


"من أجل مصلحة قُتيبة لا أكثر" 


"فتاة عاهرة، أغوت زوجها و إبنها" 


"عليها أن تتخلص منها حتى يعود إبنها" 


و كُل ما عليها فعله هو الحصول على شيءٍ من مُتعلقاتها الشخصية


********************


زفر قُتيبة للمرة التي فَقَدَ عدها مُذ خرج من المنزل، لم يتجه مُباشرةً إلى منزل رفعت، بل ظل يحوم كثيرًا علَّ ذهنه يصفى مما حدث صباحًا و لكن بلا فائدة، فـ قرر الذهاب إلى كيان علها هي من تُصفي ذهنه 


كان يسير بـ خُطىٍ وئيدة، لا يُريد الذهاب و في الوقت ذاتهِ تسوقه قدماه إليها قبل عقله، و هو لن يتردد أبدًا، و في جُنح الظلام و بعدما بـ التأكيد إنتهى العزاء سار حتى ليرها و يطمئن على حوراء 


سمع صوت نُباح كلب و لكنه لم يجفل بل أكمل سيره حتى صدح صوت هاتفه فجأة، ليُخرجه قُتيبة و لكنه إستمع إلى صوت أقدام تدهس الحصى ثم أسرعت تلك الخطوات في الإبتعاد 


لم يستطع تبين الملامح او مَنْ قد يكون، و رجح أنه الكلب ليُخرج هاتفه و يرى أن المُتصل لم يكن سوى آدم صديقه، زفر و أجاب ليأته صوته


-إيه يا بني مبتردش من الصُبح ليه! 

-رد قُتيبة بـ جفاف:مكنتش فاضي 

-لم يقتنع آدم و لكنه قال:أخبارك إيه و أخبار البنت اللي اسمها حوراء إيه؟!... 


أكمل قُتيبة سيره حتى وصل على مقربة من البوابة الأمامية للمنزل و لكنه توقف حينما رأى حوراء تقف أمام المنزل و تُعانق شخصًا مجهول، ليقطب جبينه و يقول بـ إقتضاب و على عَجَل


-إقفل هكلمك بعدين

-يا بني إستنـ… 


و لكن كان قُتيبة قد أغلق الهاتف و إقترب مُسرعًا تجاه حوراء ثم فصل بينهما، ساحبًا نوح بعيدًا عنها و هتف بـ غلظة 


-جرى إيه يا نجم! هو مال سايب و لا إيه؟!

-شهقت حوراء مُجفلة:قُتيبة!!!... 


إلتفت نوح على تلك القوة التي تجذبه بـ قسوة و تُبعده قسرًا عنها، و لكن قُتيبة كانت أنظاره مُعلقة على حوراء و هتف بـ خشونة


-أنتِ واقفة قُدام البيت فـ وقت زي دا و مع واحد إزاي يعني! 

-إنكمشت حوراء و قالت:مش، يعني آآ… 


تلعثمت حوراء فـ أبعد نوح يد قُتيبة و وقف أمامه ثم قال بـ هدوءٍ تام


-راعي حالتها الأول، و ثانيًا أنا معرفة لحوراء 

-تهكم قُتيبة:و المعرفة دي تقضي إنك تُحضنها فـ الشارع و قُدام بيتها!... 


أجفل نوح لتلك الحقيقة و إرتبك قليلًا ثم غمغم و قال 


-عندك حق، بس كُنت بحاول أخفف عنها

-ليرد قُتيبة بـ غلظةٍ أكبر:في طُرق كتيرة، بس مش من ضمنها الأحضان… 


زفر نوح و كاد أن يتحدث و لكن حوراء قامت بـ الفصل بينهما، حيث وقفت في المُنتصف و قالت بـ نبرةٍ ضعيفة 


-حصل خير، و شُكرًا يا نوح عشان عزتني… 


ثم إلتفتت إلى قُتيبة و قالت بـ النبرة ذاتها الضعيفة 


-و أنت تعالى معايا جوه نتكلم… 


رفع قُتيبة حاجبه و لكنه أومأ على مضض، لتلتفت حوراء إلى نوح ثم لوحت له ليقول قبل أن يرحل


-البقاء لله يا حوراء 

-شُكرًا… 


و أكملت طريقها مع قُتيبة إلى الداخل، الذي أغلق البوابة رامقًا نوح بـ نظراتٍ قاتلة قبل إن يلتفت و يُكمل طريقه مع حوراء


قبل أن يسيرا المزيد إلى الداخل و قبل أن يفتح قُتيبة فمه، كانت حوراء تسبقه قائلة بـ صوتٍ حزين 


-نوح صديق ليا على فكرة، و كُنت محتاجة حد أتكلم معاه… 


لم يقتنع قُتيبة و وقف لتقف هي و تستدير إليه ثم هتف بـ صوتٍ هادئ لا يُريد إحزانها أكثر 


-مقدر دا كُله، بس مينفعش اللي حصل دا… 


رفعت حوراء حاجبها تُذكره بما فعله سابقًا مُنذ مدةٍ طويلة، ليُحمحم قُتيبة و قال بـ خشونة مُحرجة


-وقتها مكنتش فـ وعيي، و كُنت ناوي أتأسف

-زفرت حوراء و قالت:محصلش حاجة، أنت أخويا الكبير يا قُتيبة… 


لانت ملامح قُتيبة و حك مُؤخرة عُنقه ثم قال بـ صوتٍ صادق 


-و عشان أنا أخوكِ بقولك كدا عشان خايف عليكِ… 


حركت رأسها بـ إمتنان ثم أكملت سيرها و تبعها هو حتى وصل جوارها فـ سألته و هي تضم سُترتها حولها أكثر لذلك البرد الذي ضربها فجأة


-جاي عشان كيان! 

-إبتسم إبتسامة صغيرة و قال:هكدب لو قلت لأ، بس برضو جاي عشانك… 


توقفت حوراء و إلتفتت إلى قُتيبة الذي وقف مُتعجبًا و أردفت بـ نبرةٍ على وشك البُكاء


-و أنا مش كويسة يا قُتيبة… 


تجهمت ملامحه و أصابه إحساس به مرارة لاذعة، تُذكره بـ طفلةٍ كانت في يومٍ تركض إليه لتبكي و تشتكِ إليه، والديها تركاها وحدها و هي تُريد عودتهم، قبض قُتيبة على يدهِ و قال بـ صوتٍ قاتم


-هي فـ مكان أحلى يا حوراء دلوقتي

-هتفت بـ نشيج:بس هي سابتني من غير أما تقولي، أنت خسرت باباك و أكيد عارف أنا حاسة بـ إيه… 


أصابته نوبة الضحك داخله بـ قوة و لكنها ضحكات صارخة بـ غضب و قسوة، ضحكات تحمل المرارة و تزداد لتُصبح مرارتها كـ العلقم، تحولت نظراته إلى نظراتٍ أكثر قتامة و حدة، لا يا عزيزتي أنا لا أعلم كيف تشعرين، فـ أنا لم أحزن على على وفاتهِ، بل كانت بـ مثابة حُرية ضنى عليه الدهر ليُعطيها إليه، فـ أخذها عنوة 


إبتلع كُل ذلك، و أغلق جرحًا عميق قسرًا ثم قال بـ صوتٍ جامد، شديد القسوة 


-تعالي ندخل يا حوراء

-و لكنها أصرت:حسيت بـ إيه يا قُتيبة! أكيد خسرت ضهرك اللي بيحميك!... 


كان يُريد الصُراخ، يُريد إخبارها أن تتوقف، إلا أنه أجاب بـ مشاعر لا تنتمي للبشر 


-طبعًا، يلا ندخل… 


خسارة والده كان الأكثر ربحًا له


********************


طرق باب الغُرفة ثم دلف دون أن ينتظر أن تأذن له، فـ وجدها شاردة تنظر من نافذة الغُرفة حيثُ الظلام الدامس يغزو جميع الأنحاء، توقف قُتيبة قليلًا و أشبع عينيه منها، كم إشتاقها و كم أراد عن يعتصرها في عناق يُزهق أنفاسهما معًا


تقدم منها دون أن يصدر أي صوت، مُستمتعًا بـ رؤيتها هادئة هكذا، ثم لف يده حول خصرها كـ كِلّاب إنتفضت كيان على إثرهِ ثم هدرت بـ غضب


-دخلت إزاي هنا!... 


وضع رأسه على كتفها ثم أودعه قُبلة رقيقة جعلت جسدها يرتجف ثم أجاب بـ تمهل


-وحشتيني، قُلت أشوفك

-سألتك سؤال يا قُتيبة 

-قهقه و أجاب:نطيت من البلكونة، زي مُراهقة زمان… 


رُغمًا عنها إبتسمت بـ حنين و شجن لتلك الأيام التي لم تحمل لها همًا، كان بـ الفعل يتسلق حتى يصعد إلى نافذة غُرفتها، و يتعلق بـ الشجرة التي أزالها جدها بعد ذلك، لا تعلم لِمَ فعلها و لكن يبدو أنه إكتشف ما يحدث


ذات ليلة أخبرته أنها خائفة بـ شدة من إختبار غد، رغم أنها ذاكرت العديد من المرات و لكن قلبها كان يخفق بـ إستمرار، لتجده بعد فترة قصيرة يتسلل إليها 


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


كانت تسير بـ الغُرفة ذهابًا و إيابًا تؤكد معلوماتها و لكنها كانت متوترة بـ شدة و فجأة سمعت صوت طرق على النافذة، فـ فتحتها و وجدت قُتيبة يجلس أمام الشجرة، شهقت كيان و همست بـ صدمة 


-بتعمل إيه يا مجنون! 

-أجاب بـ شيءٍ ليس له علاقة بـ سؤالهِ:هاتِ المُذكرات بتاعتك و تعالي… 


حدقت به بـ عدم إستيعاب ليُشير بـ رأسهِ إلى المُذكرات الموضوعة فوق مكتبها الصغير و قال بـ إبتسامة شقية


-يلا متنحيش يا كيان، هنتقفش و هقع من على الشجرة حالًا… 


أسرعت تُحضر المُذكرات كما طلب و فتحت النافذة على مصرعيها و جلست فوق مقعد، و بدأ قُتيبة في مُراجعة بعض النِقاط الهامة و شرحها مرةً أُخرى بـ سلاسة حتى تتذكرها بـ سهولة و كم إتبهرت صغيرته بـ قُدرتهِ على إيصال المعلومة، إذًا لماذا هو بـ ذلك الغباء حينما يتعلق الأمر بـ مشاعرها؟ 


تُرى أيخدعها أم حقًا لا يستطيع أن يراها سوى طفلة تشبثت به في أول يومٍ دراسيٍ لها؟ 


أغلق قُتيبة المُذكرة ثم قال و هو يُعطيها إياهم 


-لو راجعتِ على النُقط دي، هتعرفِ تحلي، بس متعيطيش عشان متتوتريش

-حاضر، شُكرًا يا قُتيبة 

-هتف بـ صوتٍ عميق:لو عايزة تُشكريني بجد، حلي كويس فـ الإمتحان و يوم النتيجة لو طلعت حلوة، فيه مُفاجأة… 


كان يعتقد أنها ستتشبث به و تتوسله ليُخبرها و لكنها خيبت ظنه لأنها تعلم أنه لن يُخبرها بـ شيءٍ لتقول بـ إبتسامة حلوة


-ماشي، هستنى يوم النتيجة بـ فارغ الصبر

-قهقه و مازحها:راحت فين الطفلة الزنانة زمان؟ 

-عبست و قالت:كبرنا يا دنجوان… 


إبتسم قُتيبة و هُنا و خافت كيان، كانت إبتسامة لذئبٍ صبور سينال ما يطمح بعد طول إنتظار، كانت إبتسامة تحمل معاني عنيفة أحرقت جسدها و روحها على حدِ سواء، كانت إبتسامة أخبرتها بـ كلِ وضوح 


"لقد وقعتِ بـ الفخ يا صغيرة" 


توترت كيان و ألقت مُذكراتها فوق الفراش ثم قالت و هي تبتعد مُغلقة النافذة 


-لازم تمشي و أنا هنام عشان الإمتحان الصُبح… 


كادت تُغلق النافذة و لكنه وضع يده ثم قال بـ صوتٍ جدي و لا زالت الإبتسامة تُقلقها 


-هاجي أوصلك و أخدك، متتحركيش من غيري

-هتفت سريعًا:طب يلا ماشي، تصبح على خير… 


و لم تنتظر رده بل أغلقت النافذة و الستائر، تختبئ من نظرةِ عينيهِ المُقلقة، وضعت يدها على فمها ثم فتحت جُزء من الستار لتجده لا يزال جالسًا و ينظر تجاهها، و ما أن رآها تفتح الستار حتى لوح لها، لتشهق كيان ثم أغلقتها سريعًا و ركضت إلى الفراش


إرتمت فوقه بـ شدة و خبأت وجهها تحت يديها و ركلت الفراش قائلة بـ ذهولٍ و إعتراف سعيد 


-أنا بحب قُتيبة، و مش هحب غيره… 


"عودة إلى الوقت الحالي" 


أحست بـ رأسه تتحرك و وجهه يدفنه بـ عُنقها يشتمها ثم أودعها قُبلة عميقة ثم رفع فمه و همس بـ صوتٍ أجش جعل إرتجافة تنتشر في جسدها كُله


-وريني ضحكتك، ضحكة زمان يا كياني… 


أدارها بين يديهِ و للغرابة لم تُشيح وجهها عنه بل حدقت به بـ قوة جعلت من كيانه يهتز، فـ تأوه قُتيبة و صبره قد نفذ مُنذ زمن، ليهبط على شفتيها بـ قُبلةٍ قاتلة أخبرها خلالها أنه إشتاقها بـ قوة


و تمسكت كيان به، تدعم جسدها الرخوي كـ غريق يتمسك بـ طوقِ النجاةِ، هو حتى في قُبلتهِ لم يسلبها حياتها بل أضفى عليها ألوانٍ مُبهرة تُلون عالمها عديم اللون


إبتعد قُتيبة عن وجه كيان و لكن نظراته ظلت مُتشبثة بها، داعب وجنتها بـ يدهِ الخشنة و قال بـ همسٍ متوسل


-النهاردة آخر يوم هتباتيه بعيد عني، بكرة هترجعي… 


أومأت بـ طاعة، ربُما لأعترافها المُخزي أمس جعلها الآن غيرِ قادرة على الرفض، أو ربُما لأنها إستسلمت لطوفانه الذي جرفها إلى شاطئهِ، لم يُغرقها قط


أبعد خُصلاتهِا و داعب وجنتها أكثر ثم دنى و قَبّل وجنتها قائلًا على مضض


-همشي دلوقتي، و بكرة هاجي آخدك… 


ثم قُبلة جديدة على جبهتها، أحست بـ قوة ما أودعه لها من إشتياق و كأن أثرها لن يختفي، و حدق بها مُبتسمًا، كانت إبتسامة مُتألمة و رأت هي ذلك الألم ثم إبتعد ليرحل


وجدت كيان نفسها تُمسك كفه، فـ أجفل و إستدار إليها قُتيبة مُتفاجئًا، لتقول هي بعد تردد و خجل طغى على وجنتيها فـ تخضبت بـ حُمرة جميلة 


-خليك… 


تأوه قُتيبة كـ وحشٍ أصيب في معركة شديدة العُنف و إقترب منها مُعانقًا إياها، يرفعها عن الأرض، ثم نظر إلى عينيها و قال بـ نبرةٍ عنيفة، شديدة الخطورة 


-لو تعرفٌ طلبك أصعب من بُعدك إزاي!... 


حاوطت خصره بـ قدميها و عانقته ثم همست بـ صوتٍ خفيض، على وشك النُعاس


-يلا ننام… 


ربت قُتيبة على خُصلاتهِا ثم سار بها إلى الفراش و وضعها بـ حذر، ثم نزع حذائه و دثر نفسه جوارها، كمشت كيان نفسها في أحضانهِ و حاوطت خصره، ثم نامت بـ سلام و هو كذلك


كانا قلبين ينبضان فـ إتحدت نباضتهما تربت على أوجاعهما فـ ينعمان بـ السلام 


********************


بعد ظهر اليوم التالي


ترجلت من السيارة و معها أسيل التي تسأل بـ فضول 


-إحنا رايحين فين يا ماما! 

-أجابت إيزيل:هنزور قرايب لينا يا حبيبتي… 


صعدت إيزيل الدرج المؤدي إلى داخل البِناية، ثم ضغطت أزرار المصعد و صعدت، وصلت إلى الطابق المطلوب ثم وقفت أمام الشقة و دقت الجرس


إنتظرت بعض الوقت حتى تفتح لها عمتها و لكنها فوجئت عندما رأت عُبيدة هو من يفتح الباب، تراجعت و نظرت حولها بـ ذهول ليقول هو بـ هدوء و بساطة 


-العنوان صح، بس أنا قاعد عن وقاص 

-سألته بـ تعجب:أنت عرفت اللي حصل!... 


عقد عُبيدة ذراعيه أمام صدره ثم أومأ قائلًا بـ مُزاحٍ


-أنا اللي لحقته أصلًا… 


نظرت إيزيل خلفه و بحثت عن عمتها ثم أعادت نظرها إليه، وجدته عندها يُلاطف أسيل فـ سألته مُبتسمة


-طب هي عمتو جوه! 

-أجاب ضاحكًا:أه بتغذي العيان اللي عندنا جوه… 


أرادت الضحك و لكنها لم تستطع، فً طمأنها عُبيدة قائلًا بـ رزانة


-متلوميش نفسك، اللي حصل ملكيش ذنب فيه… 


إتسعت عينيها بـ صدمة و تراجعت خطوة إلا أن عُبيدة إستقام في وقفتهِ و إبتعد يسمح لها بـ المرور ثم قال 


-وقاص مبيخبيش عليا حاجة، و أعرف حاجات أنتِ نفسك متعرفيهاش، أُدخلي و بعدين نتكلم… 


أومأت إيزيل بـ شرود و دلفت فـ ربت عُبيدة على رأس الصغيرة ثم أغلق الباب خلفه، نادى عُبيدة أسعد الذي آتى


-معلش يا أسعد، خليك مع أسيل شوية… 


كانت نظرات عُبيدة تحكي و فهم أسعد الذي رف بـ عينهِ و أخذ أسيل قائلًا لها بـ مُزاحٍ و حماس 


-أما يا بت يا سيلا، نزلت ألعاب تلبيس بنات إيه هتعجبك، تعالي نلعب مع بعض 

-ياريت يا عمو أسعد… 


إستدارت أسيل إلى إيزيل و سألتها بـ توسل طفولي 


-ماما تسمحيلي! 

-إبتسمت إيزيل و قالت:طبعًا أسمحلك، يلا روحي إلعبي، بس متعذبيش عمو أسعد

-أوكيه يا ماما… 


تابعت إيزيل تحرك الصغيرة بـ حماس حتى إختفيا في غُرفةٍ، ثم إستدارت إلى عُبيدة الذي كان ينظر إليها مُنتظر سؤالها 


-عرفتوا إزاي! وقاص محكاليش تفاصيل، هو قالي أنا عايزك تيجي 

-طب نقعد الأول قبل ما ندخله، عشان تبقي عارفة كُل حاجة… 


أشر لها لتجلس في غُرفةِ الإستقبال و جلس أمامها ثم بدأ في سرد ما قصهُ وقاص عليه في وقتٍ سابق 


-وقاص فيه بلطجية طلعوا عليه و هو رايح إجتماع، و الحمد لله الواد طلع طماع أخد فلوس من اللي اسمه سعيد دا و منه و طلع كسبان… 


عند ذكر اسم سعيد جفل جسدها و تراجعت في مقعدها، ليسألها عُبيدة رغم أنه يعرف الإجابة 


-سعيد دا اللي قابلناه و كان بيضايقك!... 


أومأت بـ رأسها، فـ تعقدت ملامح عُبيدة و سألها من جديد يُريد إيضاحًا


-أفهم من كدا إن دا مكنش صُدفة صح!... 


مطت شفتيها بـ جهل فـ زفر عُبيدة بـ نفاذِ صبر ثم هتف بـ نبرةٍ شبه عصبية 


-معلش لازم أفهم إيه اللي حصل! ما هو معلش مش أنتِ يحصل معاكِ كدا فـ يقوم ينتقم من وقاص… 


حكت إيزيل جبينها ثم إتكأت بـ مرفقيها إلى رُكبتيها و قال بـ إجهاد غريب 


-سعيد يبقى إبن عمي، لو أنت عارف ظروف الميراث آآ

-قاطعها قائلًا:عارف… 


إتسعت عينيها فجأة وقاص حقًا يعتبر عُبيدة أكثر من شقيق، صداقتهم عميقة كما أخبرها ذات ليلة، كان عُبيدة يحمل عاتق هذا المنزل و كأنه منزلهُ أيضًا، في وقتٍ كان وقاص لا يزال مُراهق لا يعرف كيف يعتني بـ أُسرتهِ، لذلك هو يستحق تلك الأسهم في الشركة 


كما أن والده أدار الشركة في ظلِ وفاة زوج عمتها، حدقت به إيزيل طويلًا هي سمعت عنه الكثير مُسبقًا و لكن لقاؤه الآن كان شيئًا آخر، إنه بطل من فيلم قديم خرج ليُثبت لها أنه لا تزال هُناك رجال نُبلاء في هذا العالم


تنهدت إيزيل ثم قالت و هي تُشير بـ يدها بـ عشوائية 


-كان المفروض ليا ورث، بس أهل بابا رفضوا يدونا حاجة، علشان أنا و ماما ملناش حد فـ معرفناش نعمل إيه، و إتجوزت فـ سن صُغير قُلت يمكن أشيل عبئ عن والدتي شوية… 


إبتسمت إيزيل كانت طفلة ساذجة و كم حذرتها والدتها أن الحُب وحده ما هو إلا كـ خيطِ عنكبوت لا يستطيع مواجهة الريح العاتية و لكنها أبت أن تُصدق و تزوجت ثم حصلت على الطلاق بعد فترة قصيرة و يا ليتها أنصتت إلى والدتها حينها لم تكن لتخسر هكذا


شبكت يديها ثم نظرت في عيني عُبيدة و قالت بـ نبرةٍ عادية بها صلف بـ الفطرة


-عن حُب بس للأسف مقدرناش نكمل لأننا كُنا صُغيرين وقتها، و رجعت بـ عبء زيادة على ماما، مش ندمانة إني خلفت أسيل بس تهوري وداني لحتة بعيدة… 


إستمع لها إيزيل بـ صبر فـ أكملت و قد ظنت أنها حادت عن مسار الحديث الأصلي 


-المُهم وقاص هو اللي كان واقف قُصاد العيلة عشان يرجعوا حقي، بس هو كان لوحده و مش هيعرف يعمل حاجة… 


تابعها بـ تركيز فـ إستطردت حديثها و الذنب يأكلها 


-بعد اللي الزفت دا عمله كلمت وقاص و حاولت معاه عشان نوصل لحل، و هو مستحملش و راح واجهه و هدده إنه هيعرف يرجع حقي، و كان دا آخر حاجة حصلت، بعدين حصل اللي حصل دا إمبارح… 


رفع عُبيدة حاجبه و إنتظرها تُكمل ولكنها صمتت، فـ حثها على الحديث قائلًا 


-ها و إيه كمان

-قطبت و قالت:خلاص كدا

-لأ مش خلاص كدا… 


إلتفتا على صوتٍ قاطع حديثهما و كانت عمتها التي قالت بـ قوة و حزم أصابت كِلاهما بـ الدهشة 


-وقاص هيتجوز إيزيل و نرد إعتبارها…


#الفصل_التاسع_عشر 

#أغلال_لعنتهُ 


لا أتذكر قلبي إلا إذا شقه الحب نصفين

 أو جف من عطش الحب

أحببتك مرغما ليس لأنك الأجمل بل لأنك الأعمق 

فعاشق الجمال في العادة أحمق… 


إرتد عُبيدة إلى الخلف من الصدمة و كذلك إيزيل المعنية بـ الأمور التي تفاجئت بـ هذا القرار الذي يمُسها و الذي أُتُخِذَ عنوة دون رأيها، نهضت إيزيل و تقدمت من عمتها و قالت بـ نبرةٍ تُنبئ بـ خطورة 


-مين اللي هيتجوز مين! 

-أجابت عمتها بـ هدوء:وقاص هيتجوزك عشان نرجع حقك يا إيزيل… 


ضحكت إيزيل رُغمًا عنها ثم نظرت إلى عُبيدة الذي لا يظهر عليه أي رد فعل ينتمي أنه على قيد الحياة ثم قالت بـ إستنكار 


-و جوازي من وقاص هو اللي هيرجع حقي يا عمتو!!... 


إقتربت منها إحسان ثم وضعت يديها على ذراعيها ثم قالت بـ قوة و هي تشد يدها عليها من حين لآخر


-مين اللي هيحميكِ من الحيوانات دي! سعيد مكتفاش بـ إنه يهددك لأ و هدد إبني و كان هيقتله… 


نظرت إيزيل إلى يد عمتها ثم إليها و قالت بـ نبرةٍ جامدة 


-و دا مش سبب كافي يخليكِ تبعدي إبنك عني، لأ و يطردني من الشركة! 

-شهقت إحسان و قالت بـ إستنكار غاضب:أكل الحقوق مفيهوش خوف، إتعلمت كدا من مُحيي الدين، و إسمعي يا إيزيل مش معنى إني ساكتة يبقى مش بعمل حاجة… 


حدقت بها إيزيل بـ عدم تصديق ثم إنتظرت المُتبقي من حديث عمتها و التي قالت بـ صوتٍ بدأ يرق و يتغلف بـ الحنان 


-يا بنتي أخويا مات و سابك أمانة عندي و معرفتش أقف قدام العيلة، بس عشان إتجوز مامتك اللي مش على مزاجهم

-تنهدت إيزيل و قالت بـ نبرةٍ ميتة:بس أنا إتنازلت عن حقي، و هتنازل عليه أكتر لما أشوف وقاص بيتأذي بـ سببي… 


و على صوت الحديث الدائر بينهما خرج وقاص و أنهى ما يحدث بـ حديثٍ واحد لا تقبل النقاش حتى إنها أسكتت إيزيل 


-تقدري تقوليلي هتدافعي عن نفسك إزاي و أنتِ إتطلقتِ و طليقك حتى ميعرفش إيه اللي بيحصل! و بنتك مش خايفة عليها يا إيزيل!! 

-تلعثمت قائلة:هو، هو ميعرفش حاجة، و أنا محكتش… 


إقترب وقاص من إيزيل و نظر إلى عُبيدة من طرف عينهِ فـ وجد ملامحهِ مُتجهمة بـ شدة، و أحس بـ الحُزن لأجلهِ و لكنه لن يتراجع ثم أكمل 


-لو شايفة إنك هتتحملي ذنب، فـ لأ إعتبريه تاري يا إيزيل، محدش يأذيني بـ الغباء دا و هسكت 

-صرخت إيزيل:كفاية صراعات و ضرب و خناق على ورث ولا ليه لازمة، أنا لو بصيت على حاجة فـ كُنت ببص على العيلة، اللي هربت منها لواحد عشان أكون معاه العيلة اللي بتمناها و برضو ملقتهاش… 


أخرجت إيزيل نفسًا مُرتجف و إرتعشت يدها ثم أكملت و يداها تتهدل جوارها 


-مش عايزة صراع على الفاضي، لو على الورث اللي أكلوه فـ الله الغني، أنت مديت إيدك و ساعدت مرة يا وقاص و مش مُجبر تساعدني تاني، و أنا راضية 

-هتف وقاص بـ خشونة:و أنا مش راضي… 


قبضت على يدها و ضحكت ثم قالت و هي تضرب فخذيها بلا حول أو قوة


-مش لازم ترضى، أنا مُكتفية يا وقاص، بنتي و أمي و أنا بخير و إحنا راضين الحمد لله 

-كان هذا صوت عمتها و هو يقول:و إحنا مش هنرضى بـ الظُلم، دا مال يتيم كلوه عليكِ من زمان، و غير كدا بتتساومي على حقك أصلًا… 


زفرت إيزيل و قالت بـ نفاذ صبر و قد بدأت تفقد أعصابها، هي لم تُرِد يومًا صراعات تُشبه تلك، حتى تهديده لسعيد و أنها ستستعيد حقها ما هو إلا تهديد واهي حتى لا يقتنص الفُرصة و ينقض عليها مُستغلًا خوفها


-مش ناقصة عداوات يا عمتو، صدقيني والله مش عايزة حاجة مُمكن تكون سبب فـ أذاكوا، و بعدين بنتي مش هقدر… 


لم تُكمل حديثها فـ قد تقدم عُبيدة و قاطع حديثهم قائلًا بـ صرامة و حزم 


-نتكلم فـ الموضوع دا بعدين، مش وقته

-إلتفتت إليه إيزيل تصرخ:مش من حقك تدخل… 


نظر إليها عُبيدة بـ نظراتٍ أجفلتها ثم حول نظرته إلى رُكنٍ بعيد و قال مُبتسمًا و كأنه لم يتحول إلى وحشٍ مُنذ لحظات 


-تعالي يا أسيل، عشان تروحوا، الوقت إتأخر… 


شهقت إيزيل و إلتفتت إلى حيث تقف أسيل، و وجدتها تقترب منها و على وجهها ملامح الخوف و التردد فـ إنحنت و إبتسمت إبتسامة لم تصل إلى عينيها 


-تعالي يا حبيبة ماما، هنروح

-نظرت أسيل إلى الوجوه من حولها وسألت:أنتوا بتتخانقوا ليه يا ماما! 

-مسحت إيزيل على خُصلاتهِا و قالت:مكناش بنتخانق يا روحي، بس كُنا بنهزر بـ صوت عالي، يلا نروح!... 


أومأت أسيل و أمسكت إيزيل يد إبنتها و نهضت، ثم إلتقطت حقيبتها و تحركت تجاه الباب دون أن تُودع أحد، فـ هتف وقاص بـ صوتٍ قوي 


-كلامنا مخلصش يا إيزيل لسه… 


أشار عُبيدة بـ يدهِ علامة ليتوقف عن الحديث ثم قال و هو يتبع إيزيل 


-كفاية كدا يا وقاص، مش وقته

-أنت رايح فين! 

-أجاب و هو يلتقط مفاتيحه:هوصلها، مش هسيبها لوحدها فـ وقت زي دا… 


و أنهى عُبيدة حديثه وإتجه يتبع إيزيل، و لا يعرف سبب تلك المشاعر المُتخبطة ما بين غضب و عدم إرتياح، و لكن ما هو مُتأكد منه أنه لا يُريد من وقاص أن يتزوج إيزيل 


و هذا ما يجعله يشعر بـ الغرابة لماذا الغضب و الحيرة؟ 


********************


فتح عُبيدة السيارة لتصعد إيزيل ثم في الخلف رفع أسيل و قَبّلها ثم وضعها و وضع حزام الأمان، ثم توجه إلى مقعدهِ و إنطلق في صمتٍ تام، مشاعره لا تزال تقتله و لا تجعله قادرًا على مواجهِ ما يعتمل داخله، لأول مرة يقف حائرًا أمام شيءٍ مجهول


لطالما كان عُبيدة من أؤلئك الذين يعرفون جيدًا ما يُريدون، يستطيع أن يواجه مشاعره، مُستقبله، مَنْ يُريده و من لا يُريده و لكن معها تبخر كُل ذلك و أصبح يقف كـ التائه في مدينةٍ كبيرة لا يعلم عنها سوى اسمها


و هذا يقتله و يجعله غاضب من نفسه و منها و من وقاص الذي الأحمق الذي يعرض الزواج عليها في وقتٍ حرج له، في وقتٍ كان يُربت ما بـ داخلهِ و يُرتب تلك المشاعر المُراهقة التب بدأت تندلع داخله


-معلش لو كُنت إنفعلت عليك فوق… 


لم ينتبه أولًا لحديثها و لكنه إستدار بـ رأسهِ إليها و عقد حاجبيه و كأنه لا يعلم ما تعنيه، فـ أعادت إيزيل حديثها و كُل صلفها و غرورها يتهشم أمامها 


-يعني فوق لما كُنت بتحاول تنقذ الموقف… 


رفع حاجبيه عندما تذكر ثم إبتسم شبه إبتسامة و قال بـ نبرةٍ رخيمة 


-لا أبدًا، محصلش حاجة، أنا فاهم… 


حديثه كان مُبهم و هي تفهم ما يفعله، لأجل صغيرتها المشغولة بـ الهاتف و اللعب عليه، لتتنهد إيزيل و تنظر من النافذة فـ جاءها صوت عُبيدة الذي جاء مُطمئنًا بـ غرابة 


-كُل حاجة هتتحل إن شاء الله… 


نظرت إليه و لا تعرف أن نظراتها إمتزجت بـ الإمتنان و شيءٍ آخر، و قرأه هو بـ وضوح و إتسعت إبتسامته، لتبتسم هي الأُخرى ثم قالت و هي تنظر إلى أسيل 


-أجمل حاجة كانت هي، و إتعلمت برضو إن التسرع فـ قرارات و إني أمشي ورا قلبي من غير تفكير هيوقعني، بس التجربة بطلع منها مُستفيدة… 


لا تعلم لِمَ تقُص عليه هذا و لكنه بدى يستمع بـ إهتمام و كأنه يلتهم حديثها فـ أكملت إيزيل شاردة 


-لما بابا إتوفى كُنت صغيرة و حاولت كتير إني أقرب من عيلة بابا بس ماما كانت بتمنعني، و كُنت بزعل، و لما كبرت فهمت هي عملت كدا ليه، ملقناش جنبنا غير عمتو إحسان و وقاص… 


إبتسمت و تلاعبت بـ خاتمٍ في إصبعها و قالت مُكلمة و بدأت معالم وجهها تختفي منها الإبتسامة 


-هو اللي وقف جنبي عشان يرد حقي و معرفناش برضو، الكُترة تغلب الشجاعة، فً عشان يريح ضميره، إداني منصبك اللي كُنت المفروض تاخده… 


تجعد جبينه لتلك الذكريات المُخجلة و تنتحنح ثم قال بـ صوتٍ مُغمغم


-ما خلاص بقى اللي كان كان و فهمت

-ضحكت و قالت:على فكرة مش قصدي حاجة، أنا بفهمك إن وقاص إنسان جميل و بيحاول يرضي ضميره حتى لو مكنش أذاك فـ حاجة… 


تجهمت ملامح وجهه و قبض على المقوّد دون أن تلحظ ثم سألها بعد تردد و صراع داخلي لم ترَ منه سوى السؤال الذي خرج مكتومًا إلى حدٍ ما 


-و هتوافقِ على الإقتراح! 

-أجابت بـ إندفاع:لأ طبعًا، مُستحيل أورط وقاص فـ حاجة، و كفاية الذنب اللي محمله لنفسه… 


شعوره الداخلي و ثوراته هدأت، و سيطر على إبتسامهٍ كادت أن تشق وجههِ فـ أكملت إيزيل 


-أنا عارفة إن بيعمل كدا عشان إحساسه بـ الذنب، بس مقدرش أخليه يتخلى عن حاجات و يحط نفسه فـ موقف صعب عشاني، كفاية اللي عمله

-إبتسم من زاوية فمه و قال:زي ما قلتِ، وقاص بني آدم جميل و بيحاول يساعد الكُل، حتى ولو على حساب نفسه… 


إستدارت إليه إيزيل و حدقت في ملامح عُبيدة الوسيمة بـ خشونة، عينيه الزرقاوين بـ جمالٍ مُخيف تستطيع سبر أغوارك بـ سهولة، و الشيب الذي خط شعره فـ أضاف إليه هيبةٍ، و أخلاقه التي يتمتع بها و التي تجعله هدف دسم لأي فتاة جعلتها تبتسم ثم قالت بـ نبرةٍ صادقة 


-و عرفت مين اللي زرع كُل دا فـ وقاص

-سأل بـ تعجب و لم يعِ أنها تتحدث عنه:مين! 

-عبست و قالت:و مين اللي أخد باله من وقاص و عمتو و أسعد غيرك!... 


لأول مرة يشعر أنه قام بـ إنجاز يستحق الثناء، كُل ما فعله قبلًا كان بـ دافع حُبه لوقاص و أبيه، و لم يكن يعلم أنه شيء سيتذكره أحد أو يفهمه بـ هذه الطريقة فـ إبتسم و قال 


-أنتِ شايفة كدا! 

-طبعًا و مش شايفة غير كدا، أنا اللي فهمتك غلط

-مازحها قائلًا:و جرحتِ مشاعري، أنتِ متعرفيش عيطت أد إيه فـ أوضتي لما روحت… 


ضحكت إيزيل بـ قوة حتى أن خُصلاتهِا تناثرت من حركة رأسها، فـ حدق بها مذهولًا، متى كانت بـ هذا الجمال الصارخ؟ و كيف لم يلحظه سابقًا؟ من المُمكن أن يكون لاحظه و لكنه تعمد غض الطرف عنه نظرًا لِما لاقه من أسلوب فظ


توقفت إيزيل عن الضحك و نظرت إليه من جديد، كانت تحتاج حقًا إلى شيءٍ بسيط يُبهجها و قد فعل، و قبل أن تتحدث فاجئها عُبيدة قائلًا بـ نبرةٍ عذبة مع إبتسامة جميلة 


-ضحكتك حلوة جدًا، متبطليش ضحك… 


و ختم حديثه بـ نظرةٍ جعلت عينيها تتسع و تحمر خجلًا بعد وقتٍ طويل من الخجل، و أدارت وجهها، تضع يدها على فمها تُخفي إبتسامة تُشبه في حلاوتها حلوى غزل البنات، و لكنه قد لاحظها و إنتهى الأمر


ليُعلن القدر عن دقات عقارب جديدة تسير عكس الإتجاه و تركي بك إلى زمنٍ يُخبرك


"أن لا شيء هُنا سوى الحُب!" 


********************


في مساء اليوم التالي 


بعد إنتهاء العزاء و كان آخر يومًا به 


توجه قُتيبة إلى حيث يتواجد رفعت ثم صافحه و قال بـ نبرةٍ خشنة


-البقاء لله 

-رد عليه رفعت بـ تعب:و نعم بالله، شُكرًا لوقفتك جنبنا و آسف على آآ

-قاطعه قُتيبة قائلًا:معملتش غير الواجب، بنتك كانت فـ أمانة مراتي و أمانتها تبقى أمانتي بـ الظبط… 


أومأ رفعت بـ صمت، لقد تعجب حقًا لزواجها من قُتيبة، لقد تركها و كان يعلم أنها ستتزوج رشاد و لكن ماذا حدث لا يعلم


صافح رفعت أحدهم ثم وجه حديثه إلى قُتيبة الذي يقف جواره


-تقدر تاخد كيان، معلش فرقتك عنها كتير… 


غمغم قُتيبة بـ شيءٍ غيرِ مفهوم، يبدو أنه لا يعلم أنه قضى ليلته أمس معها هُنا، لذلك آثر الصمت و إنتظر نزول كيان، التي أتت بعد فترة قصيرة و معها حوراء التي تقدمت من قُتيبة و قالت بـ نبرةٍ ضعيفة، شاردة


-شُكرًا على وقوفك جنبي، مش بس دلوقتي، لأ فـ كُل وقت 

-رد قُتيبة:أهم حاجة، ترجعي تاني حوراء بتاعة زمان… 


مدَّ قُتيبة يده لكيان التي وضعت يدها بها ثم قال بـ صوتٍ أجش


-يلا نروح! 

-أومأت بـ تردد:ماشي… 


و قبل أن يرحلا وجدا من يقترب منهم، فـ رفع قُتيبة رأسه ثم غمغم بـ نفاذ صبر و غضب أوشك أن ينفجر 


-يا صبر أيوب… 


تقدم الرجل منهم ثم صافح رفعت و قال بـ تعاطف


-البقاء لله يا رفعت باشا، ربنا يصبركوا 

-رد عليه رفعت بـ خفوت: نعم بالله… 


كان قُتيبة يُمسك يد كيان بـ قوة و إقترب الرجل منه ليصافحه ظنًا منه أنه أحد أقارب رفعت و لكنه توقف مذهولًا و إتسعت عينيه بـ دهشةٍ و بصره يتركز على كيان، حينها تململ قُتيبة و زمجر بـ عُنف ثم وقف أمامه يمنع عليه الرؤية ثم قال بـ صوتٍ مُخيف رغم إنخفاض نغمته


-فيه حاجة!... 


كان الرجلُ شاردًا يكاد ينتهي العالم و هو لا يزال على وقفتهِ، قبل أن يستعيد تركيزه ثم قال بـ إعتذار 


-لا أبدًا، هي الأنسة شبه حد أعرفه

-قربها قُتيبة منه ثم قال بـ نزق:المدام، هي اسمها مدام مش آنسة… 


رفع الرجلُ حاجبه و أومأ، فقط دون أن يتحرك، لذلك زفر قُتيبة و إلتفت إلى رفعت و حوراء قائلًا على عجل


-أنا هستأذن، سلام عليكم… 


ثم إلتفت و رحل يجر كيان وراءه و كأنما يركض، فـ إلتفتت إلى حوراء و قالت بـ أسف


-خلي بالك من نفسك و من باباكِ يا حوراء، و أنا هكلمك كل شوية… 


أومأت حوراء و لوحت لها، ثم إندثرت في أحضان والدها، و ذلك الرجل يُتابع إختفاء كيان قبل إن يلتفت إلى رفعت و يسأله 


-أنا عارف إنه سؤال مش فـ وقته، بس مين دا! 

-أجاب رفعت بـ ضيق:هو مش وقته فعلًا، بس هو حد معرفة

-تنحنح الرجل في حرج و قال:آسف

-ولا يهمك، بعد إذنك… 


تركه رفعت و تحرك مع حوراء إلى الأعلى بعدما ترك مُهمة إنهاء العزاء لشقيقهِ فـ قد أصابه التعب و يُريد النوم و إبنته في أحضانهِ تعوضه عن رفيقة دربهِ التي تركته وحيدًا 


********************


وصلا المنزل بعد وقتٍ طويل، كانت كيان بها تشعر بـ تعب رهيب و خففه هو، كان يُقربها منه، يُحاوط كتفها و يتلاعب بـ خُصلاتهِا ثم يضع قُبلةً على جبينها و يُخبرها هامسًا 


-تحبي أشيلك!... 


فـ تضحك رُغمًا عنها و يضحك معها ثم يُخبرها مُتخابثًا بـ همسٍ آخر أشد خطورة


-والله بتكلم جد… 


تنظر إليه و تبتسم و كأنها عادت صبية و هو ذلك المُراهق المُغازل بـ عبثيةٍ مُحببة ثم تنفي قائلا بـ الهمس ذاتهِ


-لأ مش مستاهلة… 


و يشُد من يدهِ عليها و يودعها قُبلةً أُخرى ثم يترجلا من الحافلة ثم يصلا إلى منزلهما، فتح قُتيبة الباب و أضاء الإضواء و إبتعد لتدلف هي، و حدقت في الأرجاء و للأسف يجب أن تعترف أنها إشتاقت المنزل و إشتاقته أيضًا


أجفلت عندما عانقها قُتيبة من الخلف ثم قَبّل خلف أُذنها و همس بـ صوتٍ أجش، مُخيف


-وحشتيني و وحشتي بيتك… 


لم ترد كيان إنها لا تزال في حيرةٍ من أمرها، و غيرت الموضوع قائلة 


-بس عجيبة البيت نضيف! 

-قهقه و وضع كفه فوق كفها و قال:منا كُنت بحافظ على نضافته عشان متعبكيش… 


إستدارت بـ رأسها و نظرت إليه بـ نصف عين ثم قالت بـ تشكك


-شكلك عامل مُصيبة… 


أبعد رأسه عنها ثم رسم تعابير بريئة و قال 


-أنا!!! خالص

-أنذرته بـ تحذير:قُتيبة!!... 


أدارها إليه ثم حاوط خصرها و قال واضعًا جبينه على جبينها


-عايز أكل من إيدك، مكلتش أكلة عليها القيمة من ساعة أما مشيتِ

-صرخت قائلة و هي تُحاول التملص منه:لاااااء يا قُتيبة، مش هيحصل تاني 

-قَبّل وجنتها و قال بـ إستعطاف:عشان خاطري… 


زفرت كيان بـ تعب، ثم قالت و هي تبتعد عن ذراعيهِ بـ حنق قد بلغ مبلغه معها 


-إوعى هغير و أدخل… 


إنفرجت أساريره و قَبّل ثغرها مُتحمسًا، يبدو أنه كان يتضور جوعًا الأيام الماضية، تفاجئت كيان و لكنها أومأت ثم دخلت الغُرفة تُغير ثيابها ثم خرجت إلى المطبخ


ما أن دلفت و أضاءت الأضواء حتى شهقت و إتسعت عينيها صارخة و هي تلتفت إلى قُتيبة 


-نهارك إسود و منيل! إيه اللي حصل فـ المطبخ دا!... 


يبدو أنها إكتشفت الكارثة التي إفتعلها الأيام السابقة، إقترب منها و نظر إلى المطبخ، ليشهق قائلًا بـ تفاجؤ


-مين اللي عمل فـ المطبخ كدا!... 


تخصرت كيان و إلتفتت إليه قائلة بـ نبرةٍ تُنذر بـ الشر 


-والله! تحب أعرفك مين اللي عمل كدا! 

-قرص أنفها و قال:لأ عارف، و يلا إعملي الأكل عشان جعان

-مش هنضف الزفت اللي عملته دا

-سألها بـ إستنكار يُثير الغيظ:يعني هتعملي الأكل على كدا! 

-ولا دي هعملها كمان… 


ضحك قُتيبة و تركها بعد أن رمقها بـ نظرةٍ تُفيد ستفعليها كياني، نظرت خلفه بـ نظراتٍ مُحتقنة و ضربت الأرض بـ قدميها و إضطرت آسفة أن تبدأ في غسل الأطباق، لِمَ أجبرها على الزواج منه؟ 


الحقيقة هو لم يُجبرها، لن تكذب لقد تزوجته لأنها أرادت ليس لأنه حطم إرادتها في الإبتعاد عنه، و كيف السبيل لـ الإبتعاد و هي لا تُريد؟ يا إللهي لهذه الفوضى الكبيرة التي يُحدثها قلبها والأنكى أن عقلها يبدو و كأنه يئس منها فـ قرر الدخول في بيات شتوي و رُبما سُبات أبدي 


تنهدت كيان و هي تقف بـ المطبخ تغسل الصحون الذي خلفها الفوضوي، الكاره للنظام، ثم مسحت يدها و إتكأت بهم إلى حافة الحوض و تنفست الصعداء، لقد آلمها ظهرها لطول المُدة التي وقفت بها 


-إتمردتِ و فـ الآخر نضفتِ الدنيا… 


فجأة إستمعت إلى صوتهِ البغيض في نظرها و تشنج جسدها للحظات و لكنها سيطرت على إنفعالاتها ثم إلتفتت إليه بـ برود و قالت 


-عشان عايشة مع همجي، مبيعرفش يحافظ على نضافة المكان… 


رُغمًا عنها تفادت النظر إلى هيئته العضلية التي بناها في السجن و خارجه و هو يقف أمامها بـ كنزة داخلية و كنزته السوداء يعقدها حول خصره فوق سروال قصير يصل إلى رُكبتيه و شديد الضيق، و تنفست بـ توتر و قد بدأ وجهها يتورد غيظًا لا خجلًا لأنها تعلم أنه ما يفعل ذلك سوى لإثارة غيظها و شيئًا آخر خبيث تعلمه جيدًا و الأشد غيظًا أنها تُريد ما يُريده و لكنه لن يأخذه بـ هذه السهولة 


سمعته يقول بـ برود مُغيظ مع إبتسامة بغيضة و هو يضع يديه في جيبي بِنطاله 


-و أنضف ليه و أنا عارف إنك أنتِ اللي هتنضفِ

-هتفت بـ إستياء و غضب:اللي إختشوا ماتوا 

-ضحك قُتيبة و قال:منا لسه عايش قُدامك… 


لم ترد كيان و هي تعلم أنها لن تنتهي من حوار عقيم، فـ نزلت مئزرها ثم حاولت الخروج من المطبخ و لكنه أعاق خروجها مُمسكًا بـ ذراعها، ليهتف بعدها وهو يُقربها منه 


-طب إيه! مش ناوية تعطفِ على قلبي المسكين بـ حتة سُكر

-صفعت يده و قالت بـ حدة:إوعى، و إمشي من قُدامي

-هتندمِ

-تملصت كيان منه و قالت:ملكش دعوة لما أندم إبقى تعالى و قطم فيا… 


زم قُتيبة شفتيه و تنهد ثم إبتعد عنها و تركها تمر، ليستدير بعدها قائلًا بـ ملل


-طب إبقي هاتيلي معاكِ دوا للقلب… 


إستدارت كيان مُجفلة ثم حدقت به مليًا قبل أن تسأله بـ نبرةٍ قلقة 


-ليه؟! 

-أجاب و كأنه شيئٍ عاديٍ:أصلك تاعبة قلبي… 


عادت كيان ثم ضربت كتفه و قالت بـ نبرةٍ حانقة 


-خلي عندك دم حرام عليك… 


تعجب قُتيبة لصوتها و حاول تهدئتها إلا أنها أبت أن تفعل، لتركل ساقيه قائلة بـ صوتٍ هادر لا ينتمي لأُنثى


-مبسوط كُل شوية و أنت تاعبني كدا! مرة تعبان مرة جعان مرة وحشتيني

-أمسك يديها و هدر:كيان إهدي… 


حاولت التملص منه و لكن بلا فائدة لتعود و تصرخ 


-مش ههدى أنا تعبت يا قُتيبة و أنت سبب تعبي… 


تصلبت ملامح وجهه و تجمدت كأنه تمثال حجري شديد القسوة ثم هتف بـ صوتٍ جامد


-سبب تعبك!!... 


أومأت و تهدلت رأسها بـ يأس قبل أن ترفع رأسها باكية، و هو حقًا لا يعرف سبب إنفجارها المُفاجئ، ثم هتفت بـ نبرةٍ شاردة، بعيدة كُل البُعد عنه


-كُنت مفكرة إني هبطل أحبك، كُنت مفكرة بـ اللي عملته هكرهك… 


ربت على خُصلاتهِا يُخفف عنها ثم جذبها إليه يُعانقها فـ تشبثت به كـ طفلةٍ تائهة وجدت أبيها بعد عناء، و تركها تُخرج مكنونات قلبها و هو سيتقبل كُل ذلك بـ صدرٍ رحب


-قُلت كتير و حاولت بس مقدرتش يا قُتيبة 

-هدر بـ خشونة مُخيفة:و لا أنا قادر أبعدك عني… 


أومأت تُؤكد على حديثهِ ثم أكملت و يديها تتشبث بـ كتفهِ العاري


-حُبك ليا مرض يا قُتيبة، و مرض مش هتشفى منه غير بـ موتك… 


حاولت الإبتعاد عنه و آبى هو في البداية و لكن تركها بعد مُدة بـ مساحةٍ صغيرةٍ فقط تسمح بـ رفع رأسها له و النظر إليه ثم أكملت و هي تبتسم بـ ألم


-حُبك ليا هتشقى بيه طول حياتك و كأنه لعنة بتطاردنا إحنا الإتنين… 


أمسك وجهها و هدر بـ شراسة رافضًا مبدأ الإبتعاد عنها، رافضًا ما تنوي قوله 


-أنا راضي بـ شقايا معاكِ، مشتكتش و مش هشتكي، و لو مفكرة إني هبعد و أسيبك يبقى بتحلمي… 


إبتسمت بـ ألم أكبر ثم أبعدت يدها عن كتفهِ و حاوطت وجهه قائلة بـ إستسلام جعل الذهول يكتنفه و ضربات قلبه تُغادره


-و أنا مش عيزاك تبعد، مش عايزة أعيش ثانية من غيرك… 


فغر فمه يُحاول الحديث و لكن كيان وضعت يدها على فمهِ تمنعه ثم قالت بـ سُرعة قبل أن تخونها شجاعتها


-أنا بحبك يا قُتيبة و حبيتك و هفضل أحبك، يمكن دا الحُب الوحيد اللي أعرفه فـ حياتي…

#الفصل_العشرون 

#أغلال_لعنتهُ 


عندما ضاق العالم بي وجدتك تتسع لي

تتقبلني بـ كُل عيوبي

تحتضن مساوئِ

تُعانق علاتي 

تربت على أحزاني

تُزيد سعادتي 

تُخبرني أنني الوحيدة بـ العالم

تبتسم فـ أعلم أن العالم كُله أُختصِر بك… 


نظر إليها بـ ذهول و تجمدت عينيه بـ نظرتها المصعوقة فوق ملامحها التي تبتسم بـ إستسلام، كان إستسلام لذيذ يجعله يشتهي إعتراف آخر منها، إبتلع قُتيبة لُعابٍ جاف يُرطب حلقه الأكثر جفافًا و لكنه لم يجد ما يروي عطشه سوى إعترافٍ آخر منها 


أمسك ذراعيها و قربها منه أكثر و همس بـ توسل يُمزق نياط القلب


-قوليها تاني يا كيان… 


رفعت كتفيها بـ بساطة و إتسعت إبتسامة جميلة على وجهها ثم أعادت قولها


-أنت الحُب الوحيد اللي أعرفه يا قُتيبة… 


ضحك قُتيبة بـ قوة و السعادة تكاد تفتك به فـ أبعدها قليلًا عنه و جلس فوق الأرضية يتكئ بـ ظهرهِ إلى الحائط خلفه و تأوه قائلًا بـ نبرةٍ تكاد تُحطمها من فرط المشاعر و قوتها 


-اااااه يا كيان، متعرفيش تعبت أد إيه عما سمعت الكلمة دي… 


جلست كيان هي الأُخرى أمامه ثم قالت و هي تُمسك يده المُتصلبة 


-أنت عارف إني بحبك، حتى لو معترفتش 

-قبض على يدها وقال بـ عُنف:ساعات الواحد بيحتاج تأكيد… 


رفع كفها و قَبّل باطنه فـ إرتجف جسدها ليهتف قُتيبة و هو يُقربها منه أكثر


-كُل ثقتي كان هوا قُدامك، كُل حاجة عملتها عشانك ببقى خايف متعجبكيش، أنا كُنت بغرق يا كيان و أنتِ أنقذتيني… 


تألم قلبها له، تعلم جيدًا أن قُتيبة في عينيهِ هي الحياة و هو في عينيها نَفَسها الذي لا تستطيع العيش بـ دونهِ، ستكذب إن قالت عكس ذلك و أنها شعرت بـ خوفه و حيرته و لكن ماذا تفعل؟ كانت خائفة بـ شدة، كانت مُترددة بـ البوح و هي لا تجد القُدرة عبر تخطي الماضي 


و تخطته به و فقط، كان دواءها و هي تبحث في رُكنٍ بعيد تمامًا و كان هذا الرُكن هو شقاءها، إن عاد بها الزمن من جديد، لن ترتكب مثل هذه الحماقة مُجددًا، هو فقط و لا شيء غيره


وضعت كيان يدها الأُخرى على لحيته تُداعبها ثم قالت بـ إبتسامة شاردة 


-لو العُمر فات يا قُتيبة أو رجع بيا مش هختار غيرك

-همس بـ شراسة وهو يجذبها:لأن مفيش غيري… 


قهقهت كيان و قالت و كأنها تُعامل طفلًا صغيرًا يُثبت ملكيته لأشياءهِ الأكثر أهمية 


-لأن مفيش غيرك يا قُتيبة… 


إبتسم قُتيبة و أعاد رأسه إلى الخلف يتكئ إلى الحائط و يده التي تُمسك يدها أنزلها و وضعها فوق قلبه تستشعر نبضاته المُتراقصة بـ سعادة بعد طول إنتظار لإعتراف كان بـ مثابة رشفة ماء بعد جفافًا شديد


قربت كيان رأسه إلى صدرها و حاوطت رأسه، و بـ المثل هو حاوط خصرها و تشبث بها و تركها تتلاعب بـ خُصلاتهِ تُريحه، من المُفاجئ أن يسمع منها هذا الإعتراف، رغم تغنيه بـ ثقتهِ في عشقها له و لكنها كانت تتزعزع أمام جفاءها المُتكرر حتى ظن أنها حقًا تكرهه


و عندما كان قد يئس من ظنه، و إعترف في قرارة نفسه أنه خسر أمامها، عادت كيانه الصغيرة إلى حيث تنتمي


سمع صوتها تقول بـ نغمةٍ حلوة مُداعبة شعره بـ أصابعها اللطيفة


-مش هتاكل!... 


رفع رأسه إليها و إبتسم إبتسامته التي يخصها بها، لها فقط، لكيانه الأوحد ثم أردف بـ تُخمة


-أنا كلت خلاص، شبعت

-ضحكت و مازحته:يا راجل!!... 


لم يُشاركها المُزاح بل رفع يده و داعب وجنتها المتوردة ثم قال و هو يُقرب وجهها منه


-جوع المشاعر أشرس بـ كتير من جوع الأكل يا كيان… 


إختفت إبتسامتها شيئًا فـ شيء و إستجابت لإقترابه الخطير و أنفاسه التي تُدغدغ بشرتها فـ تضحك لها مشاعرها، ثم همس قُتيبة و هو يُحدق بـ شفتيها


-تسمحيلي!!... 


ترددت كيان كثيرًا و لكنها أخبرت نفسها "أنه قُتيبة"


 الرفيق الذي قتل نفسه مئات المرات لتحيا هي

الحبيب الذي دام حبه في الفؤاد لأجلٍ غير معلوم

الصديق الذي أخذ بـ يدها إلى طريقٍ مليء بـ الورود

و الأب الذي تحمل شوك الطريق ليحميها


لتومئ بـ رأسها و إقتربت هي تقوم بـ الخطوة الأخيرة، و إختطلت الأنفاس كما إختطلت المشاعر، كما إلتحمت الأرواح و تآلفت و كُل هذا لم يفِ حق ما تنبض به القلوب


نهض قُتيبة و أنهضها معه ثم حملها إلى الغُرفة و وضعها على الفراش قائلًا بـ نبرةٍ أجشة، ثقيلة 


-النهاردة عايزك تعرفِ إني قُتيبة و بس… 


حاوطت عُنقه و أومأت ليتأوه بـ زمجرة و أخذها في رحلةٍ رقيقة فوق سحابة وردية، إلى أرض الأحلام، لم تحلم بها من قبل


********************


ترجلت إيزيل من السيارة و كذلك عُبيدة و حينما حاولت إيزيل فتح الباب الخلفي لحمل أسيل النائمة، رفض هو قائلًا بـ نبرةٍ صارمة لا تقبل النقاش 


-سيبيها أنا هطلعها 

-هتفت إيزيل بـ إعتراض:لأ مش هينفع، هطلعها أنا… 


حاولت فتح الباب الخلفي من جديد و لكن عُبيدة وضع يده على يدها فـ نظرت إليه بـ تعجب و صدمة إلا أنه لم يجفل بل أبعد يدها و قال مازحًا ليُخفف من حدة الأجواء التي توترت فجأة 


-مبحبش حد يفتح أبواب عربيتي، بيرزعوها و هما نازلين… 


رفعت إيزيل حاجبها بـ إستهجان ليومئ ضاحكًا فـ ضحكت هي الأُخرى و إبتعدت، ليفتح عُبيدة الباب و يحمل أسيل ثم وضع مفاتيح السيارة بـ يد إيزيل و قال 


-إقفلي العربية، و تعالي وريني الطريق

-أوكيه… 


تحرك عُبيدة قبلها بـ عدة خطوات ثم إستدار و هو يربت على ظهر أسيل ليهتف بـ إبتسامة 


-مترزعيش باب العربية… 


حركت إيزيل رأسها بـ  يأسٍ ثم أومأت و أغلقت السيارة، لتقترب منه سريعًا و أرشدته تمُد يدها أمامها 


-إتفضل

-يزيد فضلك ياختي… 


تنحنحت إيزيل تمنع ضحكها و لكنها فشلت لتقول و هي تصعد الدرج جواره 


-دمك خفيف، مكنتش أعرف

-هتف مُجيبًا:يمكن عشان مهزرتش قبل كدا

-أكدت قائلة:فعلًا، شخصيتك لأول ولهة إتمة و تقيلة… 


إلتفت إليها رافعًا حاجبيه بـ إستنكار فـ إلتفتت هي الأُخرى إليه و عدلت حديثها 


-يعني و بعد كدا ظهرت شخصيتك لطيفة

-غمغم عُبيدة:كان مُمكن تصيغيها بشكل ألطف… 


وقف عُبيدة أمام المصعد و أكملت إيزيل طريقها، فـ سألها بـ تعجب و هو يُناديها


-رايحة فين! الأسانسير أهو… 


توقفت و إستدارت ثم قالت بـ تململ و حرج


-ما هو عطلان 

-سألها بـ إستدراك:و أنتوا قاعدين فـ الدور الكام! 

-حمحمت و قالت:السابع… 


أومأ و إقترب منها ثم مدّ يده يضع أسيل بين يديها و قال بـ تعجل


-طب إطلعي أنتِ، و شاوريلي من فوق… 


مدت إيزيل يدها تلتقط أسيل و سألت بـ عدم فهم


-إزاي! 

-يعني أنا صحتي على أدي

-رفعت حاجبها بـ إستنكار قائلة:هتخلع! 

-أومأ بـ تأكيد:أيوة و ملهاش صياغة غير كدا… 


توسعت عيني إيزيل و كادت أن تأخذ أسيل إلا أنه عانق الصغيرة جيدًا و صعد قبلها قائلًا بـ مُزاحٍ ثقيل


-أنتِ صدقتِ و لا إيه! يلا إستعنا على الشقى بالله… 


حدقت إيزيل في ظهرهِ بـ ذهول قبل أن تضرب كف على آخر و تتبعه حتى وصلا إلى الشقة، فتحت الباب و إلتقطت أسيل ثم همست شاكرة


-شُكرًا على تعبك… 


أشار بـ يدهِ لاهثًا دلالة على أنه لا شيء ثم قال و هو يتكئ إلى إطار الباب


-هو العفو و كُل حاجة عنيا ليكوا، بس عشان خاطري صلحوا الأسانسير 

-إبتسمت و قالت:آسفة

-إبتسم هو الآخر و قال:محصلش حاجة، تصبحي على خير، نتقابل بكرة فـ الشُغل

-و أنت من أهله… 


لوح لها عُبيدة ثم هبط الدرج، و تابعته حتى إختفى عن الأنظار لتُغلق هي الباب و تفكيرها أصبح أكثر تشويشًا


******************


في صباح اليوم التالي 


وصل وقاص إلى الشركة و في الوقت ذاتهِ كانت كِنانة تترجل من سيارة الأُجرة تسُب و تلعن قائلة 


-السواق قليل الذوق شافني و مرضاش يقف و خلاني جيت فـ تاكس، اصطبحت بـ وش مين بس

-بـ وشي… 


إستدارت على الصوت الذي داعب أُذنها في هذا الصباح الباكر، لتجد وقاص يتكئ إلى سيارتهِ و يعقد ذراعيه أمام صدرهِ، ناظرًا إليها بـ إبتسامة شقية لا تتناسب مع شيب رأسه اللامع أسفل أشعة الشمس 


توترت و هذا أشد غرابة، مُنذ متى كانت تتوتر في حضور وقاص؟ و ما الذي تغير اليوم لتراه بـ هذه الوسامة؟ حائرة و خائفة بـ شدة تُريد معرفة ما يحدث معها كُلما رأته يحدث هذا


إقتربت منه و نظرت حولها ثم إليه و سلطت نظراتها على ذراعهِ المجروحة و سألته بـ إهتمام


-لسه بتوجعك!... 


نظر وقاص إلى حيث عينيها ثم إليها و إبتسامته لم تزُل ليقول 


-طبيعي لسة، بس عادي أنا كويس

-المفروض مكنتش تنزل النهاردة!... 


تحرك يقترب منها ثم قال و هو ينزع نظارته فـ تكتمل هيئته و تلمع عينه مع الشمس كما فعلت خُصلاتهِ 


-و مين هيدير الشُغل فـ غيابي! 

-ردت بـ بديهية:مستر عُبيدة موجود… 


عبس وقاص و أشرف بـ طولهِ عليها حتى حجب معظم أشعة الشمس و قال بـ إستنكار


-عُبيدة يتقاله مستر، و أنا كُنت بنضرب بـ الجزمة

-كشرت عن أنيابها قائلة:عشان أنت مُتحرش

-رد بـ بساطة و هو يرفع كتفيه:طب ما أنتِ حرامية و متكلمتش… 


فغرت فمها و أرادت الرد كما يليق، و لكنها آثرت الصمت، أولًا هي أمام الشركة و الكثير من الموظفين، ثانيًا هو مريض و قد جازف بـ نفسهِ لأجل حمايتها، حسنًا هذا ما سيجعلها تصمت ليس لأنه مُحق أبدًا


زفرت كِنانة بـ غضب و أشارت بـ إصبعها قائلة من بين أسنانها 


-إحترم نفسك، مش كُل شوية تفكرني 

-قهقه و همس مُتخابثًا:يعني مُعترفة إنه حقيقة… 


إختفى إصبعها في القبضة التي قبضتها ثم قالت بـ حنق جعل وجنتيها تتورد أكثر من فعلة الشمس


-أنا غلطانة إني قلقانة عليك و مفيش حمد لله على السلامة… 


تركته كِنانة و تقدمته تدخل الشركة أولًا، و بعد لحظاتٍ ضحك و تبعها ليقفا أمام المصعد ثم قال و هو ينتظره مثلها 


-الواحد كان محتاج يصورك فيديو و يمسكه عليكِ ذلة يا كِنانة… 


فُتحت أبواب المصعد لتدخل و هو كذلك ثم قالت بـ سُخرية و هي تنظر أمامها 


-و أنت كُنت لازم تتصور عشان يشوفوا مُديرهم و هو بيتعلم عليه… 


إنتفضت حينما حاصرها وقاص في زاوية المصعد دون أن يلمسها ثم وضع يديه في خصرهِ و قال بـ تشفي مُستمتعًا بـ نظرات الهلع و الصدمة التي ترتسم على وجهها 


-مخصوم منك تلات أيام يا كِنانة على طولة لسانك

-شهقت و قالت:أكتر من اللي بتخصمه! أما أنت ظالم و مُفتري صحيح… 


حك وقاص ذقنه و تعمقت نظراته بـ حدة فـ أخفضت عينيها ليقول مُتمتمًا بـ هدوء 


-بقوا أربعة

-يا مفتري

-بقوا خمسة… 


همت لتعترض، و إعتراضها سيكون مصحوب بـ سباب فـ إستدركها قائلًا بـ جدية و تحذير 


-كلمة كمان يا كِنانة و مفيش مُرتب الشهر دا، و أهو تخلصي اللي عليكِ بسرعة… 


عضت على شِفاها السُفلى بـ غضب و كتمت ما كانت تنوي التفوه به، و لكن هذا لا يمنع أنها تسُبه داخلها، وصل المصعد أخيرًا لتدفعه و تحركت و قبل أن تبتعد قالت بـ إغاظة 


-بس دا ميمنعش إنك مُتحرش… 


و ركضت، فعليًا ركضت، و ظل هو واقفًا يبتسم، ماذا سيكون رد فعل والدته إن أخبرها أنه كان سيتزوج سارقته! ربُما قد يُصيبها ذبحة صدرية، هو نفسه لا يُصدق أنه تقبل فتاة سرقته، و أن مشاعره تتحرك فقط معها 


حتى إيزيل الذي سيتزوجها بـ دافع الذنب و الشفقة، لن تتحرك مشاعره معها كم يحدث مع كِنانة، رغم أن إبنة خاله أكثر جمالًا و فتنة منها، و لكن القلب و ما يهوى


********************


-إتفضل… 


هتف بها وقاص و هو يتفحص الأوراق أمامه ليدخل عُبيدة ثم يقول بـ إبتسامة 


-معطلك!... 


رفع وقاص رأسه ليجد عُبيدة يقف أمام الباب، فـ نزع نظارته الطبية و إبتسم هو الآخر ثم قال بـ مُزاحٍ 


-نفضالك يا شريك

-تقدم عُبيدة و قال:لسه متعودتش على كلمة شريك دي… 


قهقه وقاص و تراجع في جلستهِ ثم قال مُبتسمًا


-بكرة تتعود يا سيدي، تعالى إقعد… 


تقدم منه عُبيدة و جلس أمامه صامتًا لبرهة و وقاص إنتظره ليتحدث و لكن لم يتحدث، فـ إنتظر أكثر و لكن أيضًا لا شيء، تململ وقاص و قال بـ نبرةٍ محرجة و تنحنح


-عُبيدة أنا مبسوط إني شوفتك، بس هتفضل ساكت كدا كتير!... 


تململ عُبيدة و حمحم مُحرجًا ثم قال بـ صوتٍ خفيض، شبه متوتر 


-كُنت عايز نتكلم فـ موضوعك مع بنت خالك

-رفع وقاص حاجبه و تساءل:و مالك بـ بنت خالي!... 


زفر عُبيدة بـ ضيق و كُل ما حضره ذهب أدراج الرياح، فـ هتف من جديد و هو يحك مُؤخرة رأسه


-يعني بـ دافع الفضول… 


تراجع وقاص في جلستهِ و وضع قبضته أسفل ذقنه و هتف بـ صوتٍ هادئ و لكنه هدوء مُقلق


-و من إمتى يا عُبيدة كُنت بتسأل بـ دافع الفضول!... 


زفر من جديد و أدار رأسه، ليميل وقاص إلى الأمام و قال بـ نبرةٍ تُحاول السيطرة على هدوءها


-خليك دُغري معايا يا عُبيدة، متعودناش على كدا 

-تنهد عُبيدة و قال:طب أُطلب حاجة نشربها… 


خرجت زفرة حارة من وقاص قبل أن يومئ موافقٍ، ثم رفع الهاتف و إتصل داخليًا بـ كِنانة و قال بـ إقتضاب 


-إتنين شاي يا كِنانة… 


و أغلق الهاتف ثم نظر إلى عُبيدة الذي أذهله لمظهره المُتوتر عكس صديقه الذي كان دائمًا شديد الثقة بـ النفس، يعرف دائمًا ما يُريد، لم يتردد أمامه أبدًا و لم يتوتر هكذا من قبل و لكنه صبر و إنتظر صديقه ليبدأ الحديث


و لم يتأخر عُبيدة فـ إلتفت بـ نصف جسدهِ و قال مُتساءلًا بـ إهتمام و قد إستعاد جُزء من ثقته


-أنت عامل إيه الأول! 

-إبتسم بـ رزانة و قال:كويس متقلقش

-و ناوي تعمل إيه مع سعيد!!... 


مط وقاص شفتيه و قال بـ نبرةٍ لا تُنذر بـ الخير وهو يُحدق بـ عُبيدة 


-نصيبه هياخده تالت و متلت، و حق إيزيل هيرجع… 


تحفز جسده و خلاياه لذكر إيزيل ليتعدل في جلستهِ أكثر، ثم قال بـ فضول 


-يعني ناوي على إيه وقاص! بلاش تهور

-يا عُبيدة مش هعمل خطوة إلا بـ لما آخد رأيك

-ضرب عُبيدة على المكتب و قال:ما أنا بسألك أهو عشان تاخد رأيي… 


تنفس وقاص بـ نفاذ صبر ثم نهض و إلتف حول المكتب ليقف قِبالة صديقهِ و قال بـ جدية


-مبدأيًا لازم أتجوز إيزيل

-هدر عُبيدة:إصرف نظر عن أم الجواز دلوقتي و عرفني هتعمل إيه… 


نهض عُبيدة على إقتراب وقاص منه ليسأله وقاص بـ هسيس 


-أنت ليه بيركبك عفريت على السيرة دي! 

-ليُجيب بـ رزانة و توضيح:لأن اللي بتعمله فـ حق نفسك و حقها غلط و مش هتظلم غير نفسك قبلها… 


نظر إليه وقاص بـ نصف عين و تنهد ثم قال 


-هعمل نفسي مصدقك

-هدر عُبيدة:يا بني مش محتاج أكدب، و لو عندي مشاعر لإيزيل و أنا هتتجوزها عن حُب، هقتل كُل حاجة و هساعدك، بس أنت بتصحح غلط بـ غلط أكبر… 


إبتسم وقاص بـ خُبثٍ و صمت، بينما إستعاب عُبيدة ما قاله ليتنحنح مُحاولًا تصحيح ما إقترفه من خطأ


-مش قصدي حاجة من اللي فهمتها

-قهقه وقاص و قال:محدش هيعرفك أدي يا عُبيدة، و لو أني بدأت أشك إني أعرفك الفترة دي

-إبتسم بـ شرود و قال:أنا نفسي مش فاهم، المُهم هتعمل إيه مع سعيد! 

-أجاب وقاص:هنوقعه فـ نفس الغلط مرتين… 


وضع عُبيدة يده على كتف وقاص و قال بـ تحذير


-وقاص متوقعش نفسك فـ الغلط و متأذيش نفسك

-إبتسم بـ إمتنان و قال:متقلقش 

-موقفك من إيزيل! 

-مازحه قائلًا:هتجوزها برضو… 


سمعا شهقة قادمة من الباب ليلتفتا إلى مصدرها و كانت كِنانة التي تحمل الشاي، حدق بها وقاص صامتًا دون أن يتحدث، قبل أن يقول بـ هدوء 


-حُطي الشاي هنا على المكتب و هاتِ الملفات اللي قايلك عليها… 


أومأت بـ تردد و شحب وجهها إثر ما سمعته، يُغضبها هذا و لكن ما شأنها و الأهم لِمَ هي تهتم؟ 


********************


تململت كيان في نومتها و فتحت عينيها مع دخول أول أشعة الشمس إلى الغُرفة، و فجأة غمرتها ذكريات أمس فـ إبتسمت و إستدارت لتجد قُتيبة مُستيقظ و ينظر إليها، توردت وجنتها و قالت بـ غمغمة خجولة 


-صباح الخير… 


لم يرد عليها فورًا بل حاوط خصرها مُقربًا إياها إليه ثم قَبّل أنفها و وجنتها ثم عُنقها مُدغدغًا إياها قبل أن يرد بـ تمهل و صوتٍ أصابه التُخمة 


-صباح الورد، تصدقِ دا أول صباح ليكِ فـ حُضني كدا!... 


وضعت يدها على وجنتهِ تحسستها ثم توجهت إلى شِفاه السُفلى تسير بـ إبهامها عليه قبل أن تهمس 


-آسفة… 


تأوهت حينما عض قُتيبة إصبعها، ثم قهقه قائلًا 


-تستاهليها بعد اللي عملتيه فيا

-أغمضت عينيها و قالت بـ توسل:قُتيبة راعيني، و إفهم أنا كُنت بين نارين إزاي… 


أخرج قُتيبة زفيرًا حار، و حاوطها جيدًا ثم دفن رأسه في خُصلاتهِا و قال بـ نبرةٍ أجشة، تزداد خشونة مع كُل كلمة ينطقها 


-لو مكنتش راعيتك و فاهم بتمري بـ إيه يا كياني كُنت أخدتك من زمان… 


قَبّل وجنتها كثيرًا و بـ قوة ثم إستطرد بـ نبرةٍ عنيفة شديدة القسوة 


-كُنت نفذت تهديداتي كُلها عشان تكونِ ليا، و ساعتها يا كان محدش كان هيلومني و لا أنتِ حتى… 


أحس بـ إرتجافتها و لكنه أكمل بـ صوتٍ هادر على الرغم من صوتهِ الخفيض 


-أنا معنديش صبر يا كياني عليكِ، مع كُل موضوع يُخصك بفقد عقلي، و بخسر قُدام كُل منطق… 


رفعت رأسها إليه تنظر إلى عينيهِ المُظلمة، ليُكمل و هو يُبعد خُصلاتهِا المُتشابكة في لحيتهِ


-أنا بايع الدُنيا كُلها و شاريكِ أنتِ، أنتِ لوحدك فـ الكفتين… 


تألم قلبها لذلك الحُب القوي، تشعر و كأنه يُطِبق على ضلوعها يعتصرها و لكنها ترضى أشد الرضا به، ثم سألته بـ أعين دامعة


-لدرجادي يا قُتيبة! 

-ضحك بـ خشونة و قال:خايف لو عرفتِ بحبك أد إيه تهربِ

-إبتسمت و قالت بـ صدق:أنا إتربط بيك خلاص، مبقتش أنفع غير ليك… 


تأوه قُتيبة بـ سعادة ثم عانقها من جديد، هي تعلم جيدًا كم يكبح نفسه لأجلها، رغم أنها تركت نفسها له تمامًا، و لكنه على أتم الإستعداد لتضحية بـ سعادتهِ من أجل راحتها


و ظلت في هذا العناق النابض بـ الحياة حتى هتفت و كأنها تذكرت فجأة 


-قُتيبة! 

-همهم:هممم

-رفعت رأسها له و سألته:عايزة أسألك حاجة، بس ياريت تجاوبني بصراحة… 


قطب جبينه و فتح عينيه ثم أردف بـ قنوط 


-لو حاجة هتعكر علينا، يبقى الله الغني

-نهضت جالسة ثم قالت:بتكلم بجد… 


وجدت عينيه تتعلق بها فـ شهقت و جذبت الغطاء على جسدها ثم قالت بـ حدة و خجل و هي تُطرقع أصابعها أمام عينه الشاردة في منطقة مُعينة 


-ركز معايا هنا… 


كان من الصعب عليه الحياد عن ما تصبو إليه نفسهِ، فـ أمسكت ذقنه و رفعتها إليه قائلة بـ نفاذ صبر


-قُتيبة ركز يا إما همشي و أروح لحوراء 

-عبس و قال بـ قنوط غاضب:خير يا كيان!... 


ترددت كيان و تلاعبت بـ طرف الغطاء ثم حسمت أمرها و نظرت إلى عينيهِ الفضولية بـ إنتظار و سألته بعدما أخذت نفسًا عميق 

-إحكيلي عن علاقتك بـ عمو شاهين…


لتكملة الروايه اضغطوا هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close