أخر الاخبار

أغلال_لعنتهُ الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم إسراء علي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

أغلال_لعنتهُ

 الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر

بقلم إسراء علي

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

الفصل_الحادي_عشر 

(الجزء الأول) 

كنت عايزة أنزل فصل كامل بس والله كان يوم حافل بالضغط و كل سنة و أنتوا طيبين 

المواعيد كل 3 أيام الساعة 10 بتوقيت مصر ان شاء الله 


كان من الصعب عليه أن يستسلم 

لقد أحبها في زمنٍ خاطئ و لكنه كان الشئ الصحيح

حتى و إن كانت هي الشخص الخطأ… 


لقد سئمت الذهول و الصدمة لكُل ما يتفوه به ذلك الأحمق الذي أمامها و لكنها لم تستطع السيطرة على تعابير وجهها المشدوهة و هي تقول بـ نبرةٍ باهتةٍ


-دا تهديد يا قُتيبة! 

-تراجع و وضع يده أسفل رأسه و قال:بتقولي سؤال هو نفسه الإجابة… 


تقدمت هي منه ثم قبضت على تلابيبهِ صارخة بـ صوتٍ حاد 


-ليه مُصر تكون ندل للنهاية! عملتلك إيه عشان تعذبني كدا؟!... 


نظر إليها قُتيبة بـ هدوء و كأنه بتشرب ملامحها لعلها تُطبع عليه ثم قال بـ بُطءٍ مُخيف و كلماته كانت كـ سياط حاد لروحها 


-لو كُنت ندل يا كيان كُنت إستغليت الموقف و فضحتك قُدامهم بـ اللي حصل عشان تكوني ليا، لو مش هبقى ندل عشان تكوني ليا فـ أحسنلك متقوليش كدا… 


قتمت عينيه فجأة و هسهس مُمسكًا بـ ذراعيها بـ قوة 


-لأني هوريكِ إزاي فعلًا أكون ندل 

-همست مُتسائلة بـ صدمة:جبت السواد دا كله منين! مكنتش كدا!!... 


لقد كان أسودًا مُنذ البداية و لكنها لم تلحظ قط، كان قُتيبة يُريها جانبه المُشرق فقط و إن كان بسيطًا، هي بـ بساطة لا تعرفه إنها تعرف ما يُريده لها أن تعرفه، يكره أم ترى تشوه روحه، يكره أن ترى ذلك الجانب المُخيف منه، لطالما أراد الهرب منه فـ كانت هي الملاذ


إبتسم قُتيبة فجأة بـ قساوة ثم مر بـ إبهامهِ على شِفاها السُفلى و قال هامسًا بـ. خُبثٍ واضح 


-سوادي مظهرش غير لما كُنتِ بين إيديا، و سوادي مش هيظهر غير بسببك أنتِ و بس… 


طفح الكيل و روحها صرخت مُستغيثة، لن تستطيع التحمل أكثر لقد باتت أسيرة لعنتهُ المُحببة و تأبى التحرر منها، كاذبة هي إن أنكرت سعادتها و روحها التي تطفو ما أن تراه، و لكن لكُل جانب رائع هُناك في زاوية بعيدة عن العين تُخبرك أن ذلك الجانب مُلطخ بـ سوادٍ مُرعب تعجز أنت عن رؤيته


و كل ذلك فقط هي لا تستطيع تحمله، روحها مُعذبة به و عقلها يردعها عن الإنسياق، تُريد التحرر منه و لكن كيف و هي لن تتحرر إلا به؟ 


وضعت يدها على صدرهِ بـ إنهاك ثم نظرت إلى عينيه بـ توسل علها تنجح في إبعادهِ عنها 


-مش عايزاك إسود يا قُتيبة، أنا حبيتك و أنا مُراهقة و متعذبة بـ حُبك و أنا ناضجة و صدقني مش هنجني من دا حاجة غير وجع… 


لمحت طيف غريب يمر بـ عينيهِ و لكنه سُرعان ما أخفاه و حلّ محله تعبير قاسي و نظراتٍ مُبهمة، إلا أنها أكملت تقبض على ثيابهِ التي لم يتم تبدليها 


-أنت فـ غنى عنه، عشان خاطري بلاش تعذيب أكتر من كدا، مُستعدة أعمل أي حاجة إلا دا… 


قبض قُتيبة على فكها بـ قوة فـ شهقت بـ ألم ليهتف دون أن يأبه لألمها بـ قدر ما تُؤلمه هي 


-لو راحتي فـ بُعدك مش عايزها و لو مفكرة يا كيان إني هتفلتِ مني، فـ لفي العالم كُله و شوفي رجالة غيري تانية… 


توسعت عينيها بـ ذهول مع كُل كلمة ينطقها و الغضب الذي ينبعث منها، ليُكمل قُتيبة و هو يُقرب وجهها منه هادرًا بـ هسهسة مُخيفة 


-و أُقسملك إنك هتشوفيني فـ كُل واحد منهم، و مش هتحبي حد عشان أنا اللي حبتيه… 


قبض أكثر على فكها و قربها من وجههِ أكثر حتى أصبحت أنفاسه الساخنة تلفحها فـ تحرق وجهها ثم أردف مُكملًا حدة قاطعة


-و مش هسمحلك تعيشي حاجة من دي، لأنك و فـ كُل الأحوال مش هتبقي لحد غيري، حُطي الكلام دا فـ دماغك هترتاحي… 


دفعها بـ قوة حتى كادت أن تسقط و لكنه تداركها و أمسكها فـ ضغط رُغمًا عنه على الجرح ليضحك بـ سُخريةٍ مقيتة و قال 


-كُل قُرب منك بيوجع… 


إعتدلت كيان و إستقامت بعيدة عنه تُعدل ثيابها، رامقة إياه بـ نظراتٍ متوسلة غير قادرة على كُرههِ فـ أبعد قُتيبة نظراته عنها و هتف بـ جفاء 


-بلغيهم إنك موافقة تتجوزيني و أنا مش هأذي أخوكِ، دا آخر كلام عندي… 


كادت أن تبكي كيان و لكنها تماسكت فـ قالت و هي ترحل بـ صوتٍ مُنكسر و كأنها خائبة الأمل 


-مش هسامحك طول عُمري على دناءتك دي… 


سمع صوت الباب يُغلق بـ هدوء ليسقط عن وجههِ قناع القسوة و الجمود ثم ضرب ما فوق الطاولة جواره و جأر بـ حدة، ليس من حقها أبدًا أن تكرهه و ألا تغفر له، هو فقط من يحق له لقد تركته وحيدًا و هربت كـ الجبانة دون أن تراه كيف يُبلي بعدما أُلقي بـ السجن 


كم هي أنانية و هو سيكون أكثر أنانية منها 

إنها التعويض العادل عما لاقاه في حياتهِ


********************


زفر وقاص بـ ملل كلله الغضب إنه ينتظر لأكثر من نصفِ ساعة و لكن تلك السارقة لم تنزل إليه حتى الآن، ألم يُحذرها؟ يبدو أنها نست ذلك فـ أخرج هاتفه و أجرى إتصالًا بها و لكنها لم تُجِب في أول مرة ليتنهد ساخطًا ثم عاود الإتصال مُجددًا و هذه المرة أجابته فـ هدر بـ حدةٍ خبيثة 


-مش قولنا هنبدأ شُغل النهاردة!... 


أتاه صوتها ساخرًا بـ قنوط و عشوائية مُحببة عَلِمَ الآن أنها سلاحها الوحيد و أمامه هي عزلاء بـ الكامل 


-و أنا قولتلك إني مش هبدأ إلا بـ مزاجي، مش ذنبي إنك أطرش و مبتفهمش… 


كتم وقاص ضحكة كادت أن تخرج رغم غضبه من لسانها و قذائفها النارية ثم هتف مُحذرًا 


-قسمًا بالله يا كِنانة لو ما نزلتِ حالًا لأكون فاضحك فـ الحتة بتاعتك دي

-زاغت قائلة:كداب، أنت متعرفش أنا عايشة فين

-قهقه وقاص و قال بـ مكر:تحبِ تراهني! إستني… 


قام بـ تصوير مدخل المنطقة التي تعيش بها ثم بعثها لها و أعاد الهاتف على أُذنهِ ثم هتف 


-شوفِ بعتلك إيه!... 


ساد الصمت لـ لحظات ثم بعدها إنهال عليه كم هائل من السباب الذي يسمعه لأول مرة فـ أبعد الهاتف و قال مُتعجبًا لإنسيابية لسانها بـ إطلاق سباب ذات سجع مُتلائم


-يخربيتك، لسانك دا ولا مدفع رشاش!... 


قرب وقاص الهاتف فـ وجدها لا تزال تسبه، يبدو أنه الشئ الوحيد الذي تستطيع إتقانه فـ هدر مُسكتًا إياها 


-إخرسي، إقفلي الزفت اللي طالع منك دا… 


صمتت لثانية و همت لتُكمل و لكنه أكمل بـ حدة مُحذرة 


-عشر دقايق يا كِنانة و ألاقيكِ قدامي يا إما قسمًا بالله لأطعلك أجيبك بـ هدوم البيت، و فضيحة بـ فضيحة 

-صرخت به قائلة:إقفل منك لله… 


أغلق وقاص الهاتف و قذفه أمامه ثم إتكئ إلى النافذة جواره، لا يدري لماذا يفعل ذلك كان بـ إستطاعته التغاضي عما حدث فـ الخطأ منه هو و شركته، و لكنه وجد أن حياتهِ المُملة يجب أن يُضفي عليها بعض الإثارة أو ربما أعجبته، و بـ شدة فـ هو رجل بلا خبرة مع النساء على الإطلاق


فـ من عرفهم من النساء كانوا والدته و السيدة صفاء التي تأتي من حين لآخر لتنظيف المنزل و إعداد الطعام حينما تكون والدته مريضة


بعد مرور عشر دقائق 


وجدها بـ الفعل تأتي من بعيد و لكنها وقفت في مُنتصف الطريق و أخرجت هاتفها ثم أشارت إلى هاتفهِ بـ معنى أجب عليه يا أحمق، صدقًا لقد قرأ أنها تسبه


إلتقط وقاص الهاتف و رد إلا أنها قالت بـ إقتضاب حاد كـ نصل سكين أشد حدة 


-إطلع بعيد شوية عشان أهل الحارة

-إبتسم وقاص و قال:عنيا دا أنتِ تأمري يا آنسة كِنانة 

-زفرت قائلة:إنجز… 


نظر إلى الهاتف بـ ذهول يكاد ينفجر و هي لن تتحمل عواقبه، و لكنه كظم غيظه و تحرك بـ سيارتهِ في صمتٍ و إبتعد مسافة معقولة و إنتظرها حتى أتت، فتحت كِنانة الباب و جلست بـ وجهٍ غليظ، غاضب و فجأة هدرت و هي تستدير له 


-مش هسكت كل مرة لتهديدك و بعدين مسمحلكش تهددني بـ فضيحة عشان أنزل… 


نظر إليها وقاص صامتًا و فجأة إقترب لتتراجع صارخة بـ فزع و حدة 


-شوفت، شوفت كُنت عارفة غرضك من الأول… 


رمقها بـ نظرةٍ عابرة ثم قام وضع حزام الأمان قائلًا بـ برود صقيعي كاد أن يجعلها تضربه 


-حُطي حزام الأمان الدنيا مبقتش مضمونة

-تهكمت قائلة:يا سيدي هستريح من وشك… 


قبض وقاص على ذقنها ثم هزه دون أن يأبه لإتساع عينيها 


-لسانك دل هقصه يا كِنانة، و عيب تتكلمي مع مديرك كدا، عيب يا قلبي… 


ثم ترك ذقنها و أدار المُحرك لينطلق و بعدها هتف قائلًا بـ جدية غير عبثه مُنذ لحظات 


-الشُغل مش هتهاون فيه يا كِنانة، معادك كُل يوم الساعة تمانية و مش هاجي أخدك، دا دلع أول يوم بس

-أحسن… 


نظر إليها نظرة خاطفة فـ وجدها ذامة شفتيها بـ حنق ليتنهد قائلًا 


-لسانك دا هنضفهولك، حتى لو كان بـ ليفة و صابونة… 


كادت أن تُرديه بـ كلمةٍ فـ حذرها بـ إصبعهِ هاتفًا بـ. تحذير صارم جعلها تبتلع ما كادت أن تقوله لباقي اليوم


-فكري فـ اللي هتقولي لو مكانك، أنا صبري مش طويل أوي و مش هعدي كتير… 


و عليها أن تأخذ تحذيره على محمل الجد


********************


ضغط وقاص على مُنحدر أنفه بـ غضب يُريد كبحه بـ أقصى ما يمتلك من قُدرة على السيطرة، و لكنها لا تنفك عن إثارة غيظه، تصرفاتها، حديثها و طريقتها في العمل لم تكن هكذا حينما رآها في شركة هيثم، إنها تفعل هذا مُتعمدة


و الآن إنها الشكوى الرابعة على التوالي من موظفة تعمل معها تقف أمامه تطرق الأرض بـ غضب قائلة تحاول كبح غضبها أمام رئيسها بـ العمل 


-دي مُستحيل حد يشتغل معاها، لسانها يا فندم مش معقول، كل كلمة أسوء من اللي قبلها… 


ترك وقاص القلم و نظر إلى الموظفة التي تستشيط غضبًا ثم تنهد بـ نفاذ صبرٍ و قال 


-معلش أنا آسف، إندهيهالي

-غمغمت هي بـ إعتذار:أنا اللي آسفة يا فندم بس مش هقدر، دي بترد على الكلمة بـ عشرة 

-تنهد للمرة التي فَقَدَ عدها:تمام أنا اللي هقوم أجيبها… 


إتكئ إلى المكتب و نهض و تقدم الموظفة و هي تبعته و على بُعدِ ممر واحد فقط من مكتبه لمح ظهرها و هي تتناوش مع أحد العاملين، هُنا و فَقَدَ وقاص رزانته و صبره ليندفع إليها


كانت كِنانة تتشاجر بـ شراسة مع عامل المطبخ حتى كادت أن تضربه فـ هدر وقاص بـ صوتٍ مُخيف أجفل الجميع


-كِناااااانة!!... 


إستدارت كِنانة خائفة من ملامح وجهه التي ستُقابلها و بـ الفعل ملامحه كانت نذير شر و لكنها أبت أن تُظهر خوفها منه فـ رفعت وجهها إليه بـ شموخٍ زائف وأده وقاص قبل أن يخرج وهو يصرخ دون النظر إلى المُحيطين بهم 


-كُله على شُغله، و عم صُبحي أنا آسف عن تصرف الآنسة البيئة… 


وضع الرجل الصينية أمام معدته و أخفض رأسه ثم قال بـ قلة حيلة 


-متعتذرش يا بيه، الآنسة عندها حق… 


بدت ملامح الذنب تعتلي وجهها فـ قد أخجلها الرجُل بـ تصرفه و حديثه، و لكن وقاص رد صارمًا 


-لأ معندهاش حق و طالما هي فـ شركتي لازم تحترم الكُل… 


ذمت كِنانة شفتيها بـ حنق و أدارت وجهها ليُكمل و هو يقترب منها 


-آسف على اللي حصل و أوعدكم مش هيتكرر تاني… 


بـ داخلها سعادة خفية أنه رُبما تخلى عن فكرةِ الدين و خوفٍ ظاهر من نواياه، فـ وقاص لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيفعله 


قبض وقاص على معصمها و جذبها خلفه يجرها بـ قسوة كادت أن تسقط لها عدة مرات لتهتف بـ حنق و هي تُحاول سحب يدها منه 


-براحة هقع

-غمغم وقاص بـ صوتٍ مكتوم:أحسن عشان تتكسر رقبتك و أخلص

-هتفت هي بـ حدة:و لما أنت مش طايقني مخليني عندك ليه و بتجري ورايا ليه؟! 

-توقف و إلتفت إليها هاتفًا بـ صوتٍ عال عن قصد:تحبِ أعرفك ليه و هنا!... 


نظرت كِنانة حولها بـ توتر ثم إليه قائلة بـ تخوف و تراجع


-لأ، مش عايزة أعرف

-قال بـ إقتضاب:شاطرة… 


أكمل جرها خلفه حتى وصلا إلى المكتب ثم دفعها إليه حتى كادت أن تسقط و لكنه لم يسمح لها بل أمسكها و دفعها من جديد لترتطم بـ المكتب خلفها و قبل أن تصرخ مُتألمة كان هو يُحاصرها هاردًا بـ أعين تتقد بـ شرر 


-فاكرة لما تعملي كدا هصرف نظر عنك و هقولك إمشي! 

-أجابت بـ تحدٍ:أه، و لعلمك حققت نص الطريق… 


رفع حاجبيه بـ تعجب ثم إقترب أكثر فـ إضطرت هي لأن تميل إلى الخلف فـ آلمها ظهرها، و هتف وقاص بـ هسيس ماكر


-مُستقبلك فـ إيدي يا كِنانة و قبل ما أفضحك هنا و فـ شُغلك القديم، هفضحك قُدام أبوكِ

-ضربت صدره و صرخت:أنت بتبتذني! 

-أجاب بـ بساطة:أنتِ اللي بتضطريني لكدا… 


نظرت إليه كِنانة بـ غضبٍ جم و بـ داخلها تصب لعناتها عليه حتى كاد أن يسمعها و لكنها فضلت الصمت حتى تستطيع التفكير بـ ردٍ لا يستفزه إلا أنها لم تجد 


و كان هو أسرع فهمًا منها حيث إبتسم من زاوية فمه و قال مُتخابثًا


-طبعًا بتدوري على رد غير ردودك البيئة بس مش لاقية صح! 

-رفعت حاجبها و هتفت:تحب أرد بـ واحد منه! 

-مال أكثر و همس:جربي كدا و شوفي رد فعلي هيكون عامل إزاي، و صدقيني مش هيعجبك… 


ضيقت عينيها و لم تحتج لإستنباط ما سيفعله فـ تعابيره تقول دون الحاجة إلى الحديث، فـ تأففت كِنانة ثم ضربت كتفيه صارخة بـ حنق 


-أوووف و بعدين مايل عليا كدا ليه، إبعد شوية و إتقِ الله… 


للتو لاحظ وقاص مدى قُربه الخطير منها و أراد أن يتراجع و لكنه أراد إخافتها أكثر فـ هتف هامسًا و هو يُبعد خُصلاتهِا عن عُنقها فـ تجمدت بـ شحوب


-ولو مبعدتش! 

-هتفت ذاهبة الأنفاس:هصوت و ألم عليك موظفين الشركة

-قهقه وقاص و قال:تصدقي خوفت… 


كانت كِنانة ترتجف بـ خوف غير قادرة على إبعاده من هول الموقف فـ قرر أن يرأف بـ حالتها ليقول قبل أن يبتعد عنها بـ تحذير صارم و لكنه لم يحمل الجدية أبدًا 


-كِنانة أنا راجل و صبري مش طويل و سهل إني أأذيكِ بـ أي طريقة فـ بلاش تختاري أصعبها… 


الغبية صدقت، حسنًا لم تكن في موقف يسمح بـ أن تُصدق عكس ذلك، فـ أومأت بـ رأسها بـ جُبن و قالت مُبتعدة عنه سريعًا 


-خلاص حاضر حاضر، أنا آسفة… 


و ركضت مُهرولة من المكتب تحت نظراته التي يرمقها بها دون تفسير، قبل أن يضع يديه في خصرهِ و أحنى رأسه يهزها بـ يأس و تنهد ثم عاد إلى مكتبهِ يُكمل عمله

#الفصل_الحادي_عشر

(الجزء الثاني)

#أغلال_لعنتهُ


على معادنا إن شاء الله كل تلات أيام فصل طوال شهر رمضان المبارك الساعة 10 بتوقيت مصر 


في طريق عودة حوراء إلى المنزل توقفت أمام المقهى المُغلق، لم يفتتحه عُميّر و لا العاملين به و كيف ذلك و بعد ما حدث لن يقترب أحدًا منه، تلك الفضيحة التي يتحدث بها أبناء الحي قد سمعتهم حين أخذت أسيل إلى والدتها لذلك كان السبيل الصحيح أن تذهب تلك الصغيرة إلى والدتها 


وقفت أمامه تنظر إليه بـ قنوط مُتجهم، لماذا أقدم عُميّر على هذا الفعل الشنيع؟ لن تستطيع نسيان تلك الحادثة مهما مرّ عليها من سنوات، وضعت حوراء يدها على الزُجاج و ظلت تنظر إليه صامتة ثم قالت بـ نبرةٍ خفيضة حزينة 


-عُميّر يا ترى هتقدر تفتحه تاني!... 


بعد توسل كيان لها لمعرفة المشفى أعطته لها و كان داخلها توسل أن يوافق قُتيبة لطلب كيان منه و لكنها تعلم أنه لن يوافق دون أن يستغل هذا الموقف لصالحهِ، و لكن فقط لتختبر حظها عسى أن يستمع لها 


أخرجت حوراء هاتفها و هاتفت قُتيبة تدعو الله أن يكون هاتفه معه و قد كان حينما أجابها بـ صوتٍ أجش، مُمازح بـ عبث لا يليق بـ حالتهِ المُتدهورة


-لمين الشرف إن البسكوتة بتكلمني الصُبح كدا! قلقانة!... 


توترت حوراء و تجهمت قليلًا ثم قالت بـ لعثمة واضحة 


-آآ أكيد، طبعًا

-قهقه قُتيبة و قال:عارفة الكداب بيروح فين! 

-تسائلت بـ غباء مُنقطع النظير:فين! 

-أجاب ساخرًا:النار… 


تداركت حوراء سُخريته منها فـ قطبت جبينها و قالت بـ حدة خفيفة 


-الله، إيه اللي بتقوله دا! 

-هتف:أقوله تاني!! 

-تأففت حوراء و قالت:على فكرة أنا فعلًا بطمن عليك… 


ساد الصمت قليلًا و سمعت صوت المُمرضة تمده بـ مُغذي جديد ثم هتف هو مُكملًا 


-و إيه! 

-تسائلت بـ غرابة:و إيه إيه!!... 


أجفلها صوته الجدي حينما هتف بـ نبرةٍ قوية 


-اللي أنتِ إتصلتِ فـ الأصل، تحبِ أقولك يا بسكوتة!... 


حبست حوراء أنفاسها و إستمعت إلى حديثه 


-إن مش صُدفة تتصلي بعد أما كيان تمشي على طول، و لحُسن حظي إن معايا فـ فريقي بسكوتة بتدعمني و عرفتها مكان المُستشفى

-تمتمت بـ ذهول:عرفت منين؟ 

-مش محتاجة تفكير، محدش هيديها العنوان و اسم المُستشفى غيرك… 


يال غباءها كيف نست ذلك؟ بالطبع لا أحد غيرها سيتعاطف مع تلك القصة المأسوية غيرها، لذلك ركلت حجر وهمي ثم تسائلت بـ قنوط 


-و وصلتوا لإيه!! 

-هتف بـ إغاظة:و يهمك فـ إيه؟! 

-قالت حوراء بـ. جدية حادة:قُتيبة الوضع مش مستحمل حقيقي تصرفاتك الطفولية دي، عُميّر مش عارف يفتح الكافيه بتاعه و الناس طالعة نازلة بـ كلام غريب و حاجات كتير مش سهلة 

-قال قُتيبة بـ غلظة:محدش قاله يضربني… 


شدت حوراء خُصلاتهِا بـ غضب حقيقي ثم هدرت بـ حدة ناظرة حولها غير عابئة بـ نظرات المارة لها 


-محدش بيتضرر غير سُمعة كيان يا قُتيبة… 


صمت مُخيف جثم عليهما و لكنها لم ترحمه بل قررت أن تكون قاسية عله يتراجع عما يفعله فـ لا أحد يُصيبه الضرر غيرهما 


-تحب تسمع يا قُتيبة بيتقال عليها إيه؟!... 


تعلم أنه لن يسأل و هي لن تجرؤ على البوح بما يقوله و يتداول بين قاطني الحي و ألفاظ بشعة مصدرها والدته تفي بـ أنها "عاهرة" أغوت والده أولًا و كانت السبب في مقتله على يد إبنه و الآن تغويه هو و أصبح ضحية شقيقها المُتهور


الشائعات بشعة و مُثيرة للغثيان لها، فـ كيف لكيان أن تتحملها؟ تنهدت حوراء بـ تعب و لكنها أجفلت حينما هسهس قُتيبة قائلًا بـ نبرةٍ مُخيفة، قاتلة


-بيقولوا عليها إيه؟… 


إستعادت رابطة جأشها لهذا السؤال المُفاجئ و قالت بـ هدوء تتسلح به و لكنها لا تملكه 


-مفيش داعي تعـ

-جأر قُتيبة بـ صوتٍ يُذهب الأنفاس:بيقولوا عليها إيييه!... 


أبعدت حوراء الهاتف عن أُذنها و صمتت حائرة، أتُخبره أم تصمت؟ و لكنها تعلم أن قُتيبة سيعلم شاءت أم أبت لذلك أخبرته بـ أقل إشاعة إهانة و بشاعة 


-كيان كانت بـ بتقابلك دايمًا فـ نُص الليل، و أنت عارف القصد إيه… 


لم يحتج لمعرفة من صاحب تلك الإشاعة و من نشرها فـ بـ التأكيد هي والدته التي رفض أن تأتي إلى المشفى و أعادها، لو كان يعلم لم يكن ليُعيدها إلى الحي أبدًا، ليقبض على يدهِ بـ قسوة و أطلق جحيم عينيه في نظراتٍ سوداء مُرعبة 


سمع صوت حوراء الهامس بـ قلق 


-قُـ، قُتيبة! أنت لسه معايا!... 


تفاجئت لصوته الذي رق و خرج مُتوسلًا على الرغم من قساوتهِ 


-خليكِ معاها متسيبهاش، و ياريت مترجعش الحارة 

-تسائلت بـ توتر:طب طب هنروح فين! 

-قال قُتيبة بـ هدوء:فيه مكان هقولك عليه تروحوا فيه

-أومأت كأنه يراها و قالت:حاضر… 


قبل أن تغلق هتف قُتيبة من جديد يبدو في ظاهرهِ أمر و لكنه رجاء لن يخرج سوى من شخص عاشق، شديد الحماية لمن هي ضلعه


-متخليهاش تدخل الحارة يا حوراء، ياريت تقابليها بره

-إبتسمت حوراء بـ تعاطف و قالت:متقلقش، يلا إقفل و هتصل بيها… 


و قبل أن تُغلق حوراء قالت على عجالة 


-حمد لله على السلامة، و إرجع لكيان بُسرعة… 


*********************


نظر عُبيدة حوله ليجد تجمعات من الموظفات هذه تشكو لتلك، شكوى كل ما يسمعه هو شكوى و ما إلتقطته أُذنه هو إنهن يشكون من موظفة جديدة، بالتأكيد هي الفتاة التي كان يسعى وقاص إليها و لكن يبدو أنها تُثير المشاكل 


تقدم منهن ثم حمحم فـ إبتعدن يُفسحن لـ عُبيدة المجال ليقول بعدها بـ صوتٍ صارم 


-بتعملوا إيه و سايبين الشُغل! 

-قالت إحداهن بـ توتر:أسفين يا مستر عُبيدة بس المساعدة الجديدة لمستر وقاص عاملة مشاكل

-ليرد بـ نفس النبرة:حتى لو المشاكل خلصت فـ كل واحدة تروح على شُغلها 

-حاضر يا مستر عُبيدة… 


ثم تحركن إلى أماكن عملهن ليتحرك هو إلى مكتب وقاص و دخل ليجد تلك الفتاة حديث الشركة تقف أمام وقاص تُساعده في العمل فـ إنتظر حتى إنتهيا ليقول بعدها بـ هدوء 


-محتاجين مساعدة! 

-إلتفت كِنانة و قالت بـ فظاظة:لأ، خلصنا… 


تجعدت ملامح عُبيدة بـ غضب و لكن نظرة من وقاص جعلته يبتلع توبيخه و إنتظرها حتى ترحل و هي ترمقه بـ نظراتٍ شذرة، و قبل أن تخرج هتف آمرًا إياها


-هاتيلي قهوة سادة 

-هتفت كِنانة بـ تهور:أنا مش بشتغل عندك… 


رفع عُبيدة حاجبيه بـ غضب و هم أن يرد إلا أن وقاص قد سبقه و هدر بـ قوة 


-كِنااانة! أكيد منستيش كلامنا من ساعتين… 


نظرت إليه بـ نظرات ذات شرر و واجهها هو بـ نظراتٍ تُخبرها إن كانت تجرؤ على الإعتراض فـ ضربت كِنانة الأرض بـ قدمها ثم خرجت و صفقت الباب خلفها بـ قوة، ليقول عُبيدة بـ تعجب مذهول 


-إيه اللي أنت جايبها دي!... 


جلس وقاص فوق المقعد و هو يزفر بـ تعب ثم قال بـ فتور


-غلطة، بس هنشوف بعدين إيه اللي هيحصل

-جلس عُبيدة أمامه و سأله:و أنت إيه اللي جابرك على كدا… 


إبتسم وقاص إبتسامة خبيثة فـ ضحك عُبيدة و أومأ قائلًا بـ مُزاح


-فهمت، فهمت مش محتاج تقول حاجة… 


إتسعت إبتسامة وقاص قبل أن يميل إلى عُبيدة ليقول بـ نبرةٍ تغيرت إلى أُخرى جادة


-أنا عاوزك فـ خدمة مع أسعد

-هتف سائلًا بـ جدية:خير أسعد كويس! 

-تنهد بـ حُزن و قال:هو كويس، بس محتاجك معاه… 


أسعد و وقاص كانا كـ شقيقين له مُنذ زمنٍ بعيد و قد عهد بـ مُساعدة وقاص في تربية شقيقه، كان من بعيد يوجه صديقه لتعامل الصحيح مع ذلك المُتمرد الصغير و رغم ذلك كان عُبيدة أقرب لأسعد من شقيقهِ


عُبيدة له طُرقه في التعامل مع أسعد يستطيع الحديث و الحصول منه على ما يريد، لذلك كان أسعد يُحب عُبيدة و يلجأ له كثيرًا لذلك إحتياج صديقه له بعد هذه التنهيدة الحزينة يعني أن شيئٍ جلل قد حدث


إبتسم عُبيدة ثم قال بـ رفق


-عنينا لأسعد

-لم يبتسم وقاص بل قال:الموضوع صعب المرادي يا عُبيدة و أنا مش هقدر أتعامل معاه الفترة دي، فـ أنت ملجأي الأخير

-أومأ بـ تأكيد ثم قال بـ طُمأنينة:متقلقش يا وقاص

-تنفس وقاص الصعداء ثم قال:شُكرًا، مش محتاج تعرف اللي حصل! 

-نفى قائلًا:لأ مش محتاج، هعرف من أسعد… 


قاطع حديثهم دلوف كِنانة التي وضعت القهوة و عيناها تكاد تقتلهما معًا ثم قالت قبل أن تخرج 


-فيه واحدة حابة تدخل 

-تسائل وقاص بـ عقدة حاجب:واحدة! واحدة مين!! 

-هتفت بـ ملل:اسمها إيزيل… 


حرك وقاص رأسه بـ يأس و صر على أسنانهِ يكتم غضبه، لقد أخرجت أسوء ما فيه في ساعات قليلة من الصباح إذًا ماذا سيحدث بعد شهرًا من الآن؟ أشار لها بـ يدهِ ثم قال بـ صوتٍ صارم


-خليها تدخل، و إطلعي من هنا بسرعة 

-قالت ساخرة:منا هطلع فعلًا مش مستنياك تقول

-ضرب المكتب و قال بـ حدة:إطلعي يا كِنانة أحسنلك… 


خرجت بعدما رمقته بـ نظرةٍ قاتلة ثم بعد قليل دلفت إيزيل و يعتريها تعبير مذهول مُتمتمة بـ صوتٍ لم يصل إلا لـ عُبيدة 


-وقحة… 


ضحك عُبيدة بـ صوتٍ خفيض لينظر له وقاص بـ حدة فـ إبتلع عُبيدة ضحكاته واضعًا يده على فمهِ، بينما نظر وقاص إلى إيزيل و سألها 


-خير يا إيزيل فيه حاجة!... 


نظرت إيزيل أولًا إلى عُبيدة ثم سلمته بعض الأوراق قائلة بـ نبرةٍ راقية و هادئة لأول مرة يسمعها منها 


-الورق اللي المفروض كُنت أسلمه، و آسفة على التأخير 

-تسلمه منها ثم قال بـ هدوء مُماثل:العفو، الأمور تمام! 

-إبتسمت إبتسامة حلوة و قالت:أه الحمد لله، شكرًا لإهتمامك و شُكرًا لتفهمك… 


نظر إلى إبتسامتها الجميلة مذهولًا لولهة و لكنه تدارك نفسه ثم أومأ، لتجلس و إلتفتت إلى وقاص الذي يتكئ بـ يدهِ إلى ذقنهِ و ينظر إليهما بـ دورهِ بـ إبتسامة خبيثة لتُحمحم قائلة و هي ترميه بـ نظرةٍ مُحذرة 


-أنا جيت عشان فيه شُغل و لما عرفت إن مستر عُبيدة معاك، قولت فرصة نخلصه

-إعتدل عُبيدة في جلستهِ وقال:تمام… 


كان وقاص لا يزال يرمقهما بـ تلك النظرة و الإبتسامة الخبيثتين فـ قذفه عُبيدة بـ قلمٍ قائلًا بـ تحذير مُماثل


-نبدأ الشُغل بقى!

-ضحك وقاص بـ مكر و قال:نبدأ الشُغل… 


********************


أمسكت كيان بـ يد حوراء بـ قوة دون حديث، حينما إلتقت بها كانت تنتظرها أمام المقهى لتتقدم منها و دون مُقدمات هتفت حوراء 


-مش هينفع نرجع المنطقة تعالي فيه مكان هنروحه… 


أومأت كيان دون أن تجد قُدرة على الجدال بالتأكيد يتناقل قاطني الحي قصصهم الخرافية فـ قد وصل إلى مسامعها بعضًا منها صباحًا، و هذا ليس بـ جديد فـ في زمنٍ قد مضى حدث مثل تلك الحادثة و كان نتيجتها أنها هربت من الحي بـ أكمله و لكن ظلت الأقاويل كما هي لم تختفِ


سارت كيان معها بـ صمتٍ تام حتى بعد حديثها مع قُتيبة الذي لم يزدها إلا صدمة و ذهول لم تجد طاقة في الحديث و صمتها كان يحكي ما تشعر به و حوراء بـ دورها إحترمت صمتها و آزرتها صامتة هي الأُخرى


إتبعت تعليمات قُتيبة و بـ مُساعدة تطبيق على الهاتف إستطاعت بعد وقتٍ الوصول إلى حيث أخبرها، لترفع الهاتف و تُجري إتصالًا بـ رقمٍ أعطاها إياه ليأتها الرد بعد لحظات فـ قالت


-أنا وصلت المكان اللي قولت عليه، أروح فين بعد كدا! 

-أتاها صوتٍ رجولي:قوليلي أنتِ فين بالظبط!... 


نظرت حوراء حولها و أعطته معلومات حول المكان فـ قال بـ صوتٍ به خمول بـ طبيعتهِ


-خليكِ عندك، ثواني و هتلاقيني قدامك

-أوكيه… 


أغلقت حوراء الهاتف و إنتظرت قدوم ذلك الشخص، و الذي لم يتأخر حقُا، فـ وجدت شاب فاره الطول، ذي جسد عضلي مُخيف و ملامح قاتمة تُشبه خاصة قُتيبة، إنهما حقًا أصدقاء 


أشار إليها بـ ذقنهِ و تسائل دون النظر إلى كيان 


-أنتِ حوراء!... 


فظ، إنه حقًا فظ، ذمت حوراء شفتيها و أجابت بـ حنق 


-أيوة… 


أومأ ثم نظر إلى كيان، رغم غضبه منها إلا أنه لا يستطيع فعل شئ إحترامًا لصديقهِ فـ هتف بـ هدوء مُجحف


-إزيك يا كيان، حمد لله على السلامة… 


أومأت كيان فـ تنهد ثم نظر إلى حوراء التي تنظر إليه بـ تحفز ليقول 


-تعالوا معايا، المكان مش بعيد

-تسائلت حوراء و هي تتبعه:أنت تعرف قُتيبة من إمتى!... 


نظر آدم إليها ثم أكمل سيره أمامهما قائلًا بـ مُداعبة لطيفة بـ غرض تخفيف حدة الأجواء المُتوترة 


-بشكلي دا هنكون نعرف بعض منين! 

-أجابت حوراء بـ تلقائية:من السجن… 


شهقت حوراء و هي تعي فداحة ما قالته فـ قالت مُسرعة بـ توتر 


-آآ أنا آ آسفة

-ضحك آدم و هتف مازحًا:مش سر و لا عار، متاخديش فـ بالك

-هتفت بـ نبرةٍ على وشك البُكاء:أنا آسفة بجد… 


حرك رأسه و كأنه يقول لا بأس فـ سألته حوراء بـ فضول بعد وقتٍ قصير 


-هو إحنا هنقعد فين! 

-أجاب آدم بـ تلقائية:فـ شقتي… 


توقفت حوراء مذعورة و معها كيان، ليتوقف آدم حينما أحس بـ توقفهما ثم نظر إليهما و تسائل بـ عقدة حاجب


-وقفتِ ليه! 

-أجابت ساخرة بـ حدة:هنقعد فـ شقتك و أنت راجل… 


إستعاب آدم أن قُتيبة لم يُخبرها أنه مُتزوج فـ ضحك و قال موضحًا


-أنا متجوز و بعدين مش هقعد فـ الشقة، هبات فـ الورشة متقلقيش

-تنفست الصعداء و قالت:متقول كدا من الأول

-رد مُدافعًا:فكرت قُتيبة قالك… 


أحست حوراء بـ تصلب جسد كيان عند سماع اسم قُتيبة فـ ربتا عليها و أكملوا سيرهم حتى وصلا إلى بناية قديمة و صعدا ليصلا إلى الشقة 


فتح آدم الباب و أفسح لهما المجال لتدخلا و كان في إستقبالهم زوجة آدم التي رحبت بهم بـ حرارة، و أثناء ذلك صدح هاتف آدم فـ أخرجه ليجد قُتيبة، إبتعد عنهم و فتح يسأل


-خير يا قُتيبة محتاج حاجة! 

-سأل الآخر بـ تجمد:وصلوا؟!... 


نظر إلى حيث يقفوا ثم أدار وجهه و قال بـ إقتضاب


-أه 

-هتف قُتيبة بـ قتامة:لو بعيد عنهم روح و خليها تسمع الكلمتين دول 

-قطب آدم جبينه و قال:هتقول إيه! 

-آدم إعمل اللي قولتلك عليه من غير كلام كتير

-إعترض آدم هاتفًا:قُتيبة بلاش تهور

-جأر قُتيبة بـ حدة:إسمع الكلام يا آدم و بلاش حوارات معايا… 


تنهد آدم بـ قلة حيلة ثم توجه إلى ثلاثتهن و قام بـ تشغيل السماعة الخارجية لتسمعن صوت قُتيبة الذي هتف بـ غلظة و قسوة 


-إسمعي يا بنت الحلال هي كلمة و رد غطاها، يا توافقي على اللي قولت عليه يا تروحي تحضني أخوكِ و تودعيه لآخر مرة، أنتِ مُقابل أخوكِ… 


شهقت حوراء و معها زوجة آدم بينما كيان لم تُحرك ساكنًا و كأنها ملت الفرار، أما آدم فزع قائلًا 


-قُتيبة مش كدا يا جدع

-هدر قُتيبة:إسكت أنت، سمعيني إجابتك

-تدخلت حوراء قائلة:مفيش حاجة بـتيجي بـ الطريـ

-موافقة…

#الفصل_الثاني_عشر

(الجزء الأول) 

#أغلال_لعنتهُ 

معلش يا جماعة والله الوورد علق معايا و مكنش راضي يحمل فـ اللي هعرف أنزله جزء من الفصل و الباقي بكرة إن شاء الله، ظروف اليوم النهاردة عكسي لا نت ولا وورد بصراحة فـ بعتذر 😭😭


و إن كذبتِ عزيزتي فـ عينيكِ مهدِ الحقيقة 

أُخبرك أن لا طائل يُذكر من الكذب 

فـ الحقيقة أمامكِو لن تستطيعي نُكرانها

أعلم أن قلبك يهفو إليّ تمامًا كما يفعل قلبي

و سيان الأمر رفضتِ أم وافقتِ فـ أنا لن أترُككِ… 


ساد الصمت بعد ما فجرت كيان كلمة واحدة فقط و لكنها كانت كـ الصاعقة على الجميع حتى هو لم يظن أنه سيستمع إلى موافقتها بـ تلك الطريقة، بل كان يُخطط و يُفكر، لا يأمنها و لا يأمن عائلتها


نظرت إليها حوراء فارغة الفاه و كأنها نسيت كيف تتحدث، رُبما كانت ستتآمر مع قُتيبة في الخفاء للبحث عن موافقتها و لكن كيان، حسنًا لنقل أنها أفرغت ما في جعبتها بـ طريقةٍ قاتلة للجميع 


كان أو من تدارك الصمت هو آدم الذي آجلى حنجرته و وجه حديثه إلى قُتيبة من الهاتف 


-أحم، طيب يا قُتيبة أنا جايلك نتناقش و نشوف هيحصل إيه

-و لكن كيان إنطلقت:موافقتي متعنيش إني هنسالك عملتك السودة دي، أنت أجبرتني يا قُتيبة 

-سمعت صوت ضحكته الخشنة بـ جفاء قائلًا:الكدب حرام يا كيان، أنا عارف و أنتِ عارفة من جواكِ مبسوطة حتى لو مبينة العكس، أنتِ بتحبيني و عايزاني و لما صدقتِ لاقيتِ الحجة دي عشان تقولي أنت غصبتني أتجوزك، بس يا حرام يا كيان طول عُمرك فاشلة فـ الكدب، حتى عليا عُمرك ما هتعرفِ تكدبِ… 


أحمر وجهها خجلًا و غضبًا لإعترافه السافر أمام الجميع، و الأنكى الذي جعلها تشعر بـ لكمة قوية وُجهت إلى قلبها أنه لا يكذب، سُحقًا إنه حقًا لا يكذب، قلبها يهفو إليه بـ طريقةٍ مؤلمة، و لكنها لن تعترف له بل حاولت إخراج صوتها جامد، صخري


-خليك عايش فـ وهم، كرهتك و بكرهك و هكرهك

-ضحك مرةً أُخرى و قال:للأسف الشديد يا كياني أنا عايش حقيقة، و أجمل حقيقة إنك هتكونِ ليا خلاص، وعدت و وفيت… 


نظرت كيان إلى الوجوه أمامها كان منهم من ينظر إليها في شفقة و منهم من يتحاشى النظر، و شعرت كأنما أنفاسها تضيق بـ قوة كلماته الحقيقية و تسحق ضلوعها، لن تتمكن من الهروب من صدق كلماته فقط لأنها من تربت على يدهِ و الآن عليها تذوق مرارة ما تجرعته من حُب على يدهِ


خرجت شهقة رُغمًا عنها حينما سقطت دمعة من عينها ثم هربت إلى أحد الغُرف دون أن تأبه لأيهم تخصها هي و حوراء بل أرادت الهرب إلى أقصى بِقاع الأرض، تبعتها حوراء و زوجة آدم و ظل هو وحيدًا مع صديقه


مسح آدم على وجههِ و قال بـ صوتٍ مُعاتب في شيءٍ من القسوة 


-غبي و هتخليها تكرهك يا قُتيبة 

-غمغم قُتيبة بـ خشونة:ملكش دعوة أنت، هي عمرها ما هتعرف تكرهني

-ضحك آدم ساخرًا وقال:لو مفكر كدا تبقى غلطان، بكرة الثقة دي تتلاشى لما تلاقيها فعلًا بتكرهك… 


ساد الصمت عدا صوت أنفاس قُتيبة القاسية و كان آدم يعلم ما يشعر به، مزيج من الخوف و الصراع يحومان بـ داخل صديقهِ، أكثر ما يخشاه أن تكرهه كيان، لقد أخبره ذات مرة و لن ينسى تعابيره في هذا اليوم "أن كيان هي عائلته الوحيدة لم يملك قبلها عائلة و لن يكون هُناك بعدها" 


أصبح آدم مُتيقن أن قُتيبة كـ سمكة إن خرجت من المياه ستنقطع أنفاسه، و كيان كانت هي المياه، و تشبثه بها يعني تشبثه بـ الحياة، ذلك الحُب القاتل و المُخيف بالنسبةِ له


مسح آدم على وجههِ ثم وضع يده بـ خصرهِ قبل أن يلتقط مفاتيحه و يُخبر صديقه الصامت بـ وضوح


-أنا جايلك حالًا يا قُتيبة، هنتكلم بـ العقل سامع!... 


أغلق الهاتف دون إنتظار رد الآخر و الذي يعلم أنه لن يأتيه لأنه و بـ بساطة قُتيبة غارق في أفكارٍ سوداء و هاوية ستطبق على صدرهِ إن إستمر هكذا


حينما حادثه و أخبره عما أصابه كان على وشك سحب مديته و توجهيها إلى عُميّر إنتقامًا لصديقه، و قد. أخبره أنه يُريد أن يفعل و لكن رد قُتيبة جمده أرضًا حينما هتف هادئًا


-هأذيها بـ الطريقة دي، و أنا مش عايز أأذيها كدا… 


حبه لها لا يفهمه، صدقًا يتقبل منها كل القسوة التي بـ العالم و هو يمنع عنها أي قسوة، بل و يتقبلها هو بـ صدرٍ رحب، سيموت قُتيبة يومًا ما سبب ذلك الحُب القاتل


**********


لن تكف عن قسوتها حتى و إن كانت كاذبة و لكنها تدفع به إلى الهاوية، إنها تدفع بـ صبرهِ إلى الحدود و كانت هذه الطريقة الوحيدة التي أمامه، كان هذا الطريق الأمثل للوصول إليها بعد عناء سنوات، تبًا لها إن ظنت أنه سيتراجع عما فعله لم و لن يفعلها 


بـ نظرها هو حقير مُستغل و لا بأس بـ ذلك لطالما ستكون بين أحضانه، يُقبلها كيفما يشاء و متى شاء، ستنام بين ذراعيه كما يأمل و رُبما هو من سينام بين ذراعيها الرقيقين، سيستيقظ ليجدها جواره فـ يتأملها بلا ملل أو كلل، ستكون كيانه الوحيد


الدماء التي تنتمي إليه 

و الروح التي تسكنه

و الأنفاس التي يتنفسها 

إنها كُل شئ


عالمه يدور حولها فقط، لا يهتم إن كانت نهايته على يديها لطالما أخبره آدم أنها ستكون أذاه الوحيد، حبه لها مؤذي له قبل أن يكون مؤذي لها و لكنه لا يأبه، لا أحد سيفهم ما يشعر به و لا يظن أن أحد مرَ بما مر به، و كأن الحُب خُلق له فقط فـ أعطاها كُل الحُب و نضب من الجميع 


تنفس قُتيبة بـ شدة مشاعره مُتقلبة، رغم موافقتها التي ألقتها بـ وجههِ و إبتسامته التي إبتسمها إلا أنه يعلم أن هُناك شيئًا ما بينهما كُسر و لكنه سيُصلحه، فـ هي تُحبه و ستُسامحه أليس كذلك؟ 


مسح على خُصلاتهِ بـ عُنف و أظلمت تعابير وجهه شاتمًا بـ بذاءة و قال


-حتى لو هتعيش كرهاني كفاية إنها معايا، هي مش هتعرف تكرهني… 


لعن آدم أكثر من مرة و مرات لا تُحصى يشتم بـ بذاءة حتى فُتح الباب و طّل منه صديقه الذي قال بـ نبرةٍ صلبة و شبه مازحة


-كل الألفاظ الـ**** دي من نصيبي صح!... 


نظر إليه قُتيبة بـ قسوة و جمود و لم يرد، فـ تنهد آدم و دلف ثم سحب مقعد حديدي و جلس جوار الفراش و قبل أن يتحدث سبقه صديقه 


-جاي ليه! 

-رفع آدم حاجبه بـ دهشة وقال:لا حول ولا قوة إلا بالله، يا بني مش قولت هاجي نتكلم فـ الهباب اللي هببته

-بصق قُتيبة كلماته:قولتلك ملكش دعوة، هتحمل أنا نتيجة أخطائي… 


خرجت تنهيدة مُستنكرة من آدم و حرك رأسه يأسًا ثم قال بـ فتور


-طب أطمن عليك حتى

-منا قُدامك زي القرد… 


إنه يُثير جنونه بـ طريقةٍ لا تُحتمل، و لكن آدم إعتاد على قُتيبة و شخصيته المُعقدة فـ أصبح أُستاذًا في التعامل مع تقلب شخصية قُتيبة، فـ هدأ نفسه و ضغط على مُنحدر أنفه ثم قال 


-قُتيبة اللي عملته دا كيان مش هتنساه، أنت مشوفتش شكلها كان عامل إزاي… 


إنقبضت عضلات فكه بـ قسوة و إنعقد حاجبيه رُبما ألمًا و رُبما غضبًا و لكن هذا لا يُهم بل أكمل آدم و هو يضغط على تلك النُقطة


-ممكن خيالك يصورلك إنها هتسامحك، بس أنت إستغليتها عشان تتجوزك 

-هدر قُتيبة بـ جنون:مش عايزها تسامحني، أنا عايزها هي

-هتف آدم بـ هدوء:هتقدر تعيش مع جسم من غير روح!... 


و كأن السؤال كان دلوًا من الثلج تساقط فوق رأسه بـ غزارة فـ لم يُصِبه فقط بـ البرودة بل جرحه بـ شدة نزف لها، هذا ما أحس به داخله و لم يُبدِه له بل، جمدت ملامح وجهه و تصلب فكه أكثر قبل أن يقول بـ نبرةٍ صخرية لا حياة فيها 


-أنا هردلها روحها، كيان ملكي و محدش هيقدر يبعدها عني

-هتف آدم بـ شيئٍ من الحدة:هتفضل لحد إمتى تتعامل مع كيان على إنها شئ مش إنسانة، كيان هيجي ليها يوم و هتهرب منك… 


حينها فجأة نهض قُتيبة مُتجاهلًا ألم جرحه و الأبرة التي سُحبت من جسدهِ بـ عُنف و قبض على تلابيب آدم ثم دفعه إلى الطاولة الصغيرة وراءه فـ سقط ما عليها أرضًا مُحدثًا دويًا عال و هدر بـ صوتٍ قاتل يحمل حُمم جحيمية دافعًا إياه بـ قوة أكبر جعلت آدم يتألم حقًا


-أُقسم بالله لو مكنتش صاحبي لكُنت قتلتك حالًا، قولتلك ملكش دعوة و متدخلش 

-تدارك آدم ألمه وقال:و عشان صاحبي خايف عليك بعدين، أنت هتخسر يا قُتيبة و هتخسر بسببها 

-قصف صوت قُتيبة بـ حدة:الخُسارة بسببها مكسب… 


إتسعت عيني آدم لعبارة قُتيبة و جعلته صامتًا، إنه حبًا سام حقًا، حاول تهدأة غضبه و حدته إلا أن قُتيبة دفعه و جلس على طرف الفراش واضعًا يده على الجرح المؤلم، ليقول آدم و هو يبتعد مُعدلًا ثيابه


-هنادي مُمرضة 

-هتف قُتيبة بـ جمود قاسي:إمشي مش عايز أشوف خلقتك

-إبتسم آدم ساخرًا و قال:هنادي المُمرضة و همشي… 


كان غاضبًا من نفسه و من صديقهِ و مما يحدث و لن يجني سوى الألم، إلا أنه لا يملك سوى دعم ذلك الذي دافع عنه بـ إستماتة في السجن، ليقف عندما سمع صوت قُتيبة يهتف من خلفه بـ صلابة


-متمشيهاش من عندك بسببي

-إستدار إليه آدم و قال بـ خيبة أمل:هو دا رأيك فيا! أنا مش ندل يا قُتيبة متقلقش… 


و إستدار راحلًا و كما وعد أحضر مُمرضة و أعطاها بعض المال للإهتمام بـ قُتيبة ثم ألقى نظرة أخيرة و رحل


تنفس قُتيبة بـ غضب أنفاسًا حارقة و أدار وجهه إلى النافذة، لقد تحول إلى شخصٍ لا يعرفه مُنذ عودتها، لم يكن يعرف أنه سيتحول إلى ذلك المجنون الفاقد الأهلية و السيطرة على النفس، و لكن ماذا عساه أن يفعل؟ لقد تمزق من إشتياقه لها و كانت من القسوة لأن تتركه وحيدًا يُعاني، أدارت ظهرها له و تركته يُعاني و يحمل الذنب بـ مفردهِ و قد كان أكثر من سعيد لأنها لن تضطر لمُشاطرته الألم 


و حين خرج من السجن و بـ لهفةٍ يبحث عنها ظنًا أنها تنتظره، كانت قد هربت و تركته، الألم و الخيبة و الغضب تمكناه منه، و بحث عنها كـ المجنون حينما رفض الجميع إخباره عن مكانها، و وجدها بعد عناء


رآها و أراد إختطافها و إعادتها إلى مكانها الأصلي، بين ذراعيهِ، و لكن هُناك بارقة من الأمل أخبرته أنها ستعود حين تعلم أنه خرج، و دحض الألم لأنه يعلم أنها تعلم بـ خروجه 


كانت تعدُ الأيام مثله ليخرج و هذا اليوم كانت تجلس أمام النيل تنظر إليه بـ شرود، قبل أن تُخرِج رابطة شعر أعطاها إياه تنظر إليها ثم ألقت بها في حاوية القُمامة، و لم ترحل بل ظلت تُحدق بها كثيرًا ثم رحلت


لكمة قوية أصابت قلبه و ألم لا يُحتمل ضربه حتى أنه شهق و كأن أنفاسه تخرج، و حينما إستعاد أنفاسه و توقف لُهاثه، تحرك إلى الحاوية ليلتقط الرابطة و لكنه وجدها ترجع مُهرولة و تلتقطها من جديد ثم بكت بـ قوة


أراد أن يضمها بين ذراعيه و يسحب كُل ألمها و لكنه لم يستطع، بـ قوة جبارة وقف يشهد بُكاءها وحيدة و أحد المارة من النساء تقف و تُساعدها و هو يقف بلا حول أو قوة قابضًا فقط على كفيه حتى إبيضت مفاصله 


كان هذا خيط أمل و التأكيد الأوحد على أنها لا تزال تُحبه و لن تتخطاه أبدًا، لم تعلم أنه رآها هذا اليوم وسمع صوتها و هي تصرخ، حتى و إن وصله ضعيفًا هامسًا 


"أنا بحبه و مش هقدر أنساه غير لما أموت" 


و لكن قلبه حفر هذه العبارة جيدًا و كان بـ مثابة إعتراف و تأكيد أنها تُريده كما يُريدها، ليبتسم ثم رحل عازمًا إنه لن يقرُبها إلا عندما تأتي هي و وقتها لا تلومن إلا نفسها على ما يفعله 


********************


خرجت حوراء من الغُرفة بعد إحباط أصابها، لم تتحدث معها كيان بل ظلت صامتة لا تُجيب على أيٍ من أسئلتها، و لا تتحدث مع على الإطلاق، فـ تنهدت و ربتت على رأسها ثم خرجت لتلتقي بـ زوجة آدم التي وضعت يدها على بطنها و قالت 


-برضو متكلمتش! 

-أخرجت حوراء تنهيدة حارة و قالت:ولا راضية تاكل… 


أومأت زوجة آدم و لم تزد ثم أخبرت حوراء أن تتناول معها الطعام و على الرغم أن فُقدانها الشهية و لكن يجب أن تأكل لتتناول أدويتها، بعد لحظات سمعتا صوت آدم يدلف فـ نهضت زوجته و سألته


-عامل إيه!... 


نظر إلى حوراء الفضولية و التي تسأله بـ عينها عن حاله هي الأُخرى ثم عاد بـ. نظرهِ إلى زوجته و قَبّل رأسها قائلًا بـ إبتسامة كاذبة


-كويس و إحتمال يخرج بكرة كمان 

-تمتمت حوراء بـ راحة:الحمد لله… 


ربتت زوجته على صدرهِ ثم سألته بـ رجاء 


-طب مش هتاكل، من إمبارح وأنت مكلتش

-لم يكن له طاقة للرفض فـ قال:حاضر، أنا فعلًا جعان… 


جلس أمام حوراء و لم يبحث عن كيان و لم يهتم و لكن حوراء قالت بـ توضيح


-كيان نايمة تعبانة فـ الأوضة… 


أومأ دون رد و دس لُقيمة داخل فمه، فـ هزت حوراء رأسها بـ قلة حيلة و تناولوا الطعام في صمتٍ تام و حينما إنتهوا نهضت تُساعد حتى قالت زوجة آدم 


-لأ ميصحش يا حبيبتي، إرتاحي أنتِ

-رفضت حوراء قاطعة:لأ طبعًا مينفعش، أنتِ اللي حامل و تعبانة… 


إبتسمت و أومأت فـ جمعت حوراء الأطباق ثم تبعتها إلى المطبخ قبل أن تلتفت إلى آدم مازحة بـ هدف تلطيف الأجواء 


-هنعملك شاي مش هننسى… 


إبتسم من زاوية فمه و أومأ، ثم نهض و توجه إلى غُرفة كيان، تردد و لكنه طرق الباب ليأتي صوتها مُتحشرج و كأنها كانت تُعاني من نوبة بُكاء شديدة جرحت حنجرتها 


-حوراء قولتلك مش جعانة و مش هتكلم تاني 

-حمحم آدم و قال:أنا آدم يا كيان، عايز أتكلم معاكِ… 


ساد الصمت من طرفها لحظات و توقع هو ذلك، فـ أكمل قبل أن يرحل إلى الشُرفة 


-إطلعي نتكلم، هستناكِ فـ البلكونة… 


كانت تعلم عم سيتحدث و لم تمتلك طاقة لتُجادله من أجل صديقه، و لكن قلبها أراد بـ خُبثٍ أحدهم يُخبرها أن تتزوج قُتيبة لأجل شقيقها، أرادت روحها أكثر الأسباب تفاهة لتدعم قرارها الذي لم يخرج منها كرهًا بل بـ كُل طيب يحمله العالم


فـ نهضت مُسرعة ثم فتحت الباب و بحثت عن الشُرفة لتجد آدم يقف مُتكئٍ إلى سور الشُرفة و زوجته تضع كوبًا من الشاي، تقدمت هي بـ تردد و حينما إستدارت زوجته ربتت على كتفها و قالت 


-متخافيش يا كيان، إعملي اللي أنتِ مصدقة إنه صح، ملكيش دعوة بـ كلام حد… 


تتعجب لتلك الفتاة التي لا تغار على زوجها على الرغم أنها تعلم أنهما سيجلسان بـ مُفردهما، و لكن نظرة آدم لـ زوجتهِ أخبرتها أن و إن كانت نساء العالم تقف أمامه لن يختار سواها، كما يفعل قُتيبة تمامًا


تقدمت من آدم و حمحمت فـ إلتفت إليها بـ تعبير مُبهم ثم نظر إلى الشارع و قال بـ هدوء حاول التسليح به


-ناوية على إيه! 

-هتفت سريعًا:من قُدامك قُلت إني موافقة… 


حينها إستدار إليها بـ نصف جسده و سألها بـ. جدية أخافتها و جعلتها تتراجع 


-و أنتِ وافقتِ عشان مقدامكيش حل تاني و لا عشان أنتِ عايزة كدا؟!... 


صُدمت كيان لهذا السؤال البسيط و المُباشر بـ طريقة مُخيفة و على الرغم من بساطة السؤال إلا أنها لم تستطع الإجابة فـ إبتسم آدم و عَلِمَ الإجابة، و أبت هي الإعتراف بها فـ قالت بـ عناد 


-أنا وافقت عشان قُتيبة هيحبس عُميّر لو موافقتش… 


و كأنها تُقنع نفسها قبل آدم و الذي إبتسم بـ سُخرية و قال مُستهزئًا


-قُتيبة مش هيعمل حاجة زي دي، و أنتِ عارفة كويس… 


صُدمت للمرة الثانية و حاولت الحديث فـ خرج كلامها مُبهمًا، شارد كـ نظرتها تمامًا 


-لأ، قُتيبة هيعملها عشان هو قال قبل كدا 

-ضحك آدم ساخرًا ثم هتف بـ نبرةٍ هادئة:لما عرفت اللي حصل كُنت ناوي أرد الصاع صاعين لأخوكِ، عشان هو رفض، هو رافض أي حاجة تأذيكِ يا كيان… 


توقف قلبها عن الخفقان لسماعها حديثه و بهتت ملامحها و شحبت فـ أكمل آدم و هو يُؤكد على كل كلمة 


-قُتيبة مُستعد يتنازل عن كُل حقوقه لو كانت هتأذيكِ، أنا مشوفتش حد بيحب بـ الطريقة المؤذية دي… 


تنفسها بات غير مُنتظم فـ صمت قليلًا و إستدار عنها يُعاود إتكاءه على السور ثم أكمل شاردًا و على شفتيهِ شبه إبتسامة 


-لما إتقابلنا فـ السجن، كان بيسد مع أي حد و كُنت أنا منهم، هو شال السكينة من على رقبتي و حطها على رقبته، أنا لو طلعت من السجن عايش فـ هيكون بسببه، و هعيش طول عمري شايل دينه فـ رقبتي… 


شبك يديه معًا و شدد عليها ثم أكمل و بدأت نبرته تتباعد شيئًا فـ شئ


-كل وقت عدا عليا من بعد خروجه كُنت بقول هو نساني و دور عليكِ ولا عمل إيه! و يوم أما خرجت كان هو اللي إستقبلني و حفظ صحوبيتنا يا كيان، و عهد الله من وقتها حالف اللي يأذيه يأذيني، صحيح مش طالع بقالي فترة طويلة بس قُتيبة مش هتلاقي زيه فـ الزمن دا… 


عاود النظر إليها فـ وجدها تبكي في صمت ليزفر ثم قال و كأنه يتعذر


-أنا مش بقولك كدا عشان تعيطي، بس أنتِ ساعدتيه زمان و أنقذتيه من حبل المشنقة

-سألت مذهولة:أنت عارف! 

-أومأ و قال:قُتيبة حكالي كُل حاجة، و قتله لأبوه صحيح صعب تتخطيه و تتخطي مشهد الدم، بس مسألتيش نفسك قُتيبة عامل إيه؟ و إزاي متحمل حاجة زي دي! طب مجربتيش تسألي هو عمل كدا ليه؟ 

-حاولت الحديث فـ قالت مُتلعثمة:عـ عشاني، و بـ بسببي حصل كل دا… 


مط آدم شفتيه و سب قُتيبة داخله ثم نظر إليها و قال بـ صوتٍ مُجهد 


-قُتيبة مفتحش قلبه ليكِ، و مش معنى كدا إنه مش واثق فيكِ لأ خايف عليكِ… 


خرجت شهقة كتمتها بـ يدها و نظرت إلى آدم بـ توسل إخبارها الحقيقة، فـ إهتزت حدقتيه و قال بـ توتر


-هو لو عايز يحكيلك هيحكي، دي حياته مش حياتي… 


أصابتها خيبة الأم و الحُزن الشديد، لطالما علمت أن قُتيبة يُخفي أعظم مما يُظهر و لكنه لم يُفكر مُشاركتها أبدًا لا مخاوفه و لا ماضيه، فقط كان يُخبرها دائمًا أن حاضره معها هو الأهم 


تشوشت رؤيتها كثيرًا و عادت تضح حينما سمعت نبرة آدم المتوسلة و هو يقول 


-أنتِ عيلته الوحيدة يا كيان ديمًا كان بيقولي كدا، فـ لو مش هتقدري تديله العيلة دي يبقى سيبيه أحسن… 


تركها و دلف إلى الشقة و تركها تغوص في أفكارها 

الموت سيكون أهون من تركهِ


********************


-كيان أنا لا يُمكن أسمحلك، لأ مش هتحطي رقبتك فـ إيد واحد زي دا… 


كان الرد هادرًا من عُميّر الذي رفض موافقة كيان لعرض ذلك الحقير كما يدعي و لكنها واجهته بـ هدوء و جَلد تستحق أن يُرفع لها القُبعة، و جدتها و جدها جالسين بـ صمتٍ تام لا أحد منهم يجد القُدرة على الحديث


أمسكها عُميّر من ذراعيها و أنهضها صارخًا بـ حدة 


-ملكيش دعوة أنا عندي إستعداد أدخل السجن

-هدرت صارخة:و أنا مش هقدر

-يبقى هحبسك يا كيان… 


و قبض على ذراعها يجرها خلفه فـ نهضت حوراء مُسرعة تُمسك يده و قالت بـ توتر و رجاء 


-عُـ عُميّر، مش بالطريقة دي، كدا مفيش حاجة هتتحل

-دفعها و صرخ بها بـ شراسة:إخرسي، أنتِ اللي مليتِ راسها بـ الكلام الفارغ دا… 


شهقت حوراء و تراجعت تضع يدها على صدرها و كأنها تُشير إلى نفسها ثم همست بـ صوتٍ ذاهب


-أنا!!... 


ضربة من عصا السيد حلمي طرقت الأرض ثم هدر بـ صوتٍ صارم 


-عُميّر إتأدب، دي ضيفة عندنا و أوعى تغلط فيها طول ما هي فـ بيتي، و سيب دراع أُختك… 


تنهد عُميّر و مسح وجهه يُهدئ من روعه ثم ترك كيان التي فركت ذراعها و قال بـ صوتٍ شبه عال


-حوراء ملهاش دعوة، دا قراري أنا، و قرار مش هرجع فيه… 


ثم تركته و دفعته لتتجه إلى جدها و جثت أمامه تتمسك بـ رُكبتيه و قالت بـ صوتٍ خفيض 


-يا جدو والله محدش غصبني، بس أنا مش هقدر أشوف عُميّر فـ السجن، مش هقدر أشوف حد تاني… 


صمتت و لم تُكمل عبارتها و كأنها تداركت ما تفوهت به فـ صمتت و لكن السيد حلمي عَلِمَ مقصدها و لم يجد الرد، أمامه خياران و كلاهما أسوء من الآخر، إما دخول عُميّر السجن و ترك إبنته بـ مفردها لفترة و ما سيلحقه بعد ذلك من فضائح و حديث لن ينتهي كما حدث مع كيان من قبل و الآن بعدما رأى قاطني الحي ما حدث و لقاءهما بـ السر ليلًا


و بين تركها بين يدي قُتيبة، و لا يعلم أيهما الأقل سوءًا و من الصعب التخلي عن الأقل سوءًا أيضًا، فـ لم يجد السيد حلمي سوى الهجوم على كيان قائلًا 


-أنتِ اللي عملتِ فينا كدا… 


تصلبت يداها و تجمد جسدها و لكنها تستحق، هي من ركضت وراء أهواءها و مرة بعد مرة قبلت مُقابلته و إنتهى الأمر آخر مرة بـ كارثة و قبلها مشاعر ضربتها من رأسها حتى أخمص قدميها و ما حدث جعلها تنسى هذا لبعض الوقت


إزدردت لُعابها و أومأت قائلة بـ نبرةٍ خائفة و بعيدة كُل البُعد عن كيان الصارخة


-عندك حق يا جدو، و عشان أنا اللي غلطت فـ لازم أتحمل غلطي… 


تحدثت جدتها لأول مرة و كان صوتها جاف لا يحمل دفئها المُعتاد


-إدخلي أوضتك يا كيان، أنتِ اللي قررتِ و إتحملي نتيجة أخطاءك… 


لم يُصدق عُميّر ما يُقال فـ هدر و هو يقترب منهم


-حتى أنتِ يا تيتا!! مش هقبل دا يحصل

-أدارت وجهها و قالت:هي اللي قبلت على نفسها… 


حاولت حوراء تلطيف الأجواء فـ إقتربت قائلة بـ توتر كاد يجعلها تفقد الوعي


-خلينا نُبص للجانب المُشرق، قُتيبة مش هيأذي كيان هو بيـ… 


نظر إليها ثلاثة أزواج من الأعين بـ غضب و إستياء فـ تراجعت عن قولها 


-أو ممكن يأذيها مش عارفة، أنا آسفة… 


دفنت كيان وجهها في ساقي جدها و إنفجرت في البُكاء ليعم الصمت المكان، و رُغمًا عن السيد حلمي سيطرت مشاعره عليه فـ ربت على رأسها ثم قال بـ نبرةٍ دافئة 


-ربنا يسترها عليكِ يا بنتي و يجبر بـ كسرك، متخافيش يا كيان وقت أما تقولي لأ كلنا هنقف جنبك… 


زفر عُميّر بـ غضب و أشاح بـ يدهِ ثم إستدار يرحل فـ وجد حوراء تنظر إليهم بـ أعين دامعة و ما أن إلتقطتت عيناها عيناه، حتى جفلت و أشاحت وجهها بعيدًا، أصابه الشعور بـ الذنب و الغضب في الوقت ذاته إلا أن الغضب كان يُسيطر عليه أكثر فـ تجاهلها و رحل


نظرت حوراء في إثره بـ تبرم و أخرجت لسانها له فـ إستدار على حين غُرة و كأنه ينوي قول شئ فـ أدخلت لسانها سريعًا و ذمت شفتيها بـ توتر و غضب، ثم سألته بـ صوتٍ مُستاء


-في حاجة!!... 


كان ينوي الإعتذار عن دفعه لها و فتح فمه فعلًا ليقول و لكن ما خرج منه كان 


-متدخليش فـ حاجة متخصكيش تاني… 


إتسعت عينيها بـ صدمة و شهقت ثم سُرعان ما ضيقت عينيها و إستدارت توليه ظهرها، أما هو فـ في داخله كان يقول ما هذا الغباء الذي تفوهت به؟ إزداد حنقه أكثر و أحمر وجهه، ليزفر بـ حرارة ثم توجه إلى غُرفتهِ و صفق الباب بـ قوة


غمغمت حوراء بـ شئٍ غير مفهوم و يبدو أنها تسُب عُميّر ثم إقتربت من كيان و ربتت على ظهرها تواسيها بـ صمتٍ كما فعل جدها و جدتها

#الفصل_الثاني_عشر

(الجزء الثاني)

#أغلال_لعنتهُ


بعد مرور يومين 


كان قُتيبة يقف أمام المرآة يُعدل خُصلاتهِ بـ دندنة توحي بـ سعادته و إبتسامة تكاد تشق وجهه، ثم ترك الفُرشاة و إلتفت يتحقق من العُلبة الحمراء المخملية التي تحوي على حلقتين إحداهما ذهبية و الأُخرى فضية و وضعها في جيب بِنطاله


ألقى نظرة أخيرة على هيئته و عدل مُقدمة قميصه ذو اللون الأزرق الداكن و إلتفت ينوي الرحيل و لكن وقوف والدته خلفه جعل إبتسامته تختفي و يتصلب وجهه كـ صخرة ملساء لا تعابير فيها


أخرج تنهيدة حارة و إلتقط مفاتيحه و ينوي تجاهل رجاء حتى لا تُفسد الأجواء و سعادته، إلا أنها أبت ألا تفعل فـ هدرت و على ملامح وجهها تكونت تعابير مقيتة


-هتروح تخطبها من غير أُمك! 

-رفع حاجبه و قال:لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أنا منعتك! أنتِ اللي نش عايزة تيجي

-صرخت رجاء بـ حدة:و لا عمري هاجي معاك

-ذم شفتيه و قال بـ تصلب:خلاص هروح لوحدي، متقلقيش كدا كدا هتم الخطوبة و الجواز كمان… 


إتسعت عيني رجاء و شهقت ثم صكت صدرها صارخة بـ إستنكار و غضب 


-بتكسر كلمتي يا قُتيبة! طب و رحمة الغاليين البت دي لو دخلت الشقة هنا لـ أنا طالعة منها

-مسح قُتيبة على وجههِ وقال بـ نفاذ صبر:مين قالك إني هدخلها الشقة هنا، هجيبلها شقة بعيد عنك و عن الحارة… 


فغرت شفتيها لا تُصدق إنه سيذهب إلى ذلك الحد، فقط ماذا فعلت به تلك الفتاة؟ لتصرخ بـ آخر ما تملكه من حيل عله يتراجع


-قلبي غضبان عليك يا قُتيبة لو إتجوزت البت دي… 


إنتفضت مُفزوعة حينما ضرب الباب بـ قوة بـ يدهِ و تظن أنه كُسر تحت قوة قبضته ثم تراجعت عندما إقترب منها و هسهس بـ صوتٍ مُظلم هادئ


-متقوليش كدا ي ست رجاء عشان مش هرجع فـ كلامي أبدًا، و بكرة هتتقبلي الحقيقة دي لأن مفيش غيرها أصلًا… 


إلتقط أشيائه الخاصة و نوى الرحيل و لكن رجاء تمسكت بـ ذراعهِ و قررت إستخدام حيلة الحنان الأموي و قالت بـ وجهٍ حزين 


-يا بني خايفة عليك البت مبيجيش من وراها غير المصايب، و أدي أهو أخوها ضربك بـ السكينة و أنت رايح تُخطب أُخته يعني عايزين يشفطوك

-ضحك قُتيبة بـ ظلام وقال ساخرًا:اللي غصبت عليهم أتجوزها… 


حاول دفع يدها و لكنها تشبثت به أكثر، رغم حنقها إلا أنها قالت بـ نبرةٍ هجومية


-يا بني راجع نفسك مش هيجي من وراها غير كل تُعاسة ليك… 


خلص قُتيبة من قبضتها على ذراعهِ ثم قال بعدما قَبّل رأسها مُبتسمًا بـ سوداوية قاتلة 


-أنتِ عارفة إن مليش سعادة من غيرها… 


و تركها راحلًا، تغرق في ذهولها قبل أن تتجه إلى الشُرفة و حينما خطى خارج البناية صرخت بـ كُل ما تملكه من صوتٍ


-و ديني و ما أبعد يا قُتيبة ما هتخليها تتهنى يوم واحد معاك، مبقاش غير الصايعة أخت القاتل دا كمان… 


رفع قُتيبة نظره إليها و حدجها بـ نظرةٍ قاتلة تُشبه خاصة المُسجلين خطر ثم إستدار و رحل دون حديث مُتجهًا إلى البناية التي تبعد عن خاصته بـ بضعة أمتار 


تنفس الصعداء و أخيرًا أولى خطواته لتكون كيان، كيانه وحده، سيأخذ بما يدعوه حقه و لن يدع أحد يتشاركه معه


لقد ربحها و ربح نفسه و بعد طول عناء سيحصل على ما تمناه، و يبني ما هُدم بـ الماضي


********************


خرجت حوراء من غُرفتها و كانت في طريقها إلى غُرفة كيان، ناظرة إلى ما في يدها دون أن تنتبه إلى الطريق، و فجأة إصطدمت بـ شئٍ صلب فـ تأوهت ثم قالت قبل أن ترفع رأسها بـ تبرم


-أنا مُتأكدة إن مكنتش فيه حيطة هنا… 


سمعت قهقه رخيمة فـ رفعت رأسها سريعًا و على وجهها إمارات الغضب و الخجل، ليقول عُميّر و هو يُحمحم 


-هي فعلًا مش حيطة و مكانها مش هنا، دا بني آدم… 


ضحكت حوراء بـ سماجة و تعابير وجهها تدل على مدى سخطها ثم رفعت حاجبها و قالت بـ غمغمة تُشبه السب


-دمك سم الحقيقة، و بعد إذنك عشان أروح لكيان… 


تقدمت خطوتين و عندما مرت جواره، أمسك ذراعها و أعادها أمامه فـ نظرت حوراء إلى يدهِ ثم إلى عينيهِ بـ رفعة حاجب و قالت بـ نبرةٍ تملاؤها الملل و الغضب أيضًا، الكثير من الغضب 


-في حاجة ولا إيه يا أُستاذ عُميّر! 

-رفع حاجبه بـ دهشة و غمغم:أُستاذ عُميّر! أنتِ فعلًا زعلانة

-دفعته و هتفت بـ شراسة من بين أسنانها:و هو اللي عملته ميزعلش ولا إيه! على أساس إيه بـ تتهمني!!... 


الدفع تحول إلى ضربات، رغم قوة ضرباتها التي توجهها إليه و لكنها كانت تصله رقيقة نظرًا لصلابة جسده، كان يُريد الضحك و لكنه سيستفزها أكثر، فـ أمسك يدها و قال مُداعبًا بـ عبثية


-حقك عليا متزعليش، أنا كُنت متعصب 

-مليش دعوة، و أنا مالي متعصب و لا هادي… 


إنها تصغره بـ الكثير و لكن لم يكن يظن أنها طفولية إلى هذا الحد، تملصت بـ ذراعها الذي أوقفها منه و حاولت لكمه إلا أنه أمسك قبضتها و ضم يدها إلى صدرها في وضع مُعاكس و هتف في مُحاولة لتهدئتها


-حوراء خلاص، إهدي عشان نتكلم

-تحركت بـ عُنف تتملص منه و قالت:لأ مش هنتكلم، دي كانت آخر مرة هكلمك فيها… 


طفولية إلى حد مُضحك، و إن كان في وقتٍ آخر و أحداث ليست كـ تلك لكان أظهر تسليته و لكنه حقًا مُرهق، و في خضم شروده القليل ركلته حوراء فـ تأوه ثم غمغم بـ شئٍ من الحدة 


-لأ كدا غباء

-أومأت و قالت:إستنى هوريك غباء أكبر… 


كادت أن تدهس قدمه بـ كعب حذاءها و لكنه تفاداها بعدما دفعها إلى الحائط خلفها بـ نفس الوضعية، ذراعيها محتضنان جسدها في وضع مُعاكس و جسدها حُشر بينه و بين الحائط خلفها، تشعث شعرها و إلتصق بـ شفتيها التي طلتهما بـ أحمر شفاه لامع و لُهاثها يصله واضح


أنفاسها حلوة كـ حلاوة وجنتيها الحمراء التي يُريد تقبيلهما، لا بل تناولهما في الحال، و سُحقًا لكل عقل و منطق يُخبره أنها صغيرة، و أنه نضج عن تلك التصرفات المُتصابية، و أنه والد لطفلة، و أنها ضيفة يجب عليه الحفاظ عليها، و سُحقًا له إن فعل ما يُمليه عليه عقله العابث


كانت شفتيها مفتوحتين كي تتنفس و عينيها تُحدق فيه بـ شراسة هرة يُريد صاحبها تقبيلها قسرًا، و كم كانت جميلة و هشة، و دون وعي وجد نفسه يهمس 


-مكدتبش لما قُلت عليكِ بسكوتة

-بتقول إيه!... 


سألت بـ شراسة فـ هي لم تسمعه بـ وضوح، ليتدارك عُميّر نفسه و حمحم يُلملم شتات نفسه و يلعن شيطانه ثم قال بـ هدوء لا يملكه حقًا و تشهد ضربات قلبه على ذلك 


-مبقولش حاجة

-تحركت تُريد الفكاك قائلة:طب إوعى عايزة أمشي… 


تركها فجأة و تراجع و حقًا سيفقد السيطرة على نفسه و رفع يديه علامةً على الإستسلام و حينما حاولت الرحيل، قاطع طريقها و قال يطلب بـ هدوء 


-طب نحاول نصلح الأمور

-رفعت حاجبها و قالت بـ صلف:تحاول تصلح الأمور، أنا مغلطتش

-أومأ و قال كأنه يتماشى مع عقل طفلة:حاضر يا ستي هحاول أصلح أنا الأمور… 


تلاعب عُميّر بـ خُصلاتهِ الطويلة و أعادها إلى الخلف و لم يعرف كم أبهرتها تلك الحركة ثم قال مُبتسمًا بـ عذوبة ظنت أنها لن تراها مُجددًا 


-أنا آسف، و حقك عليا متزعليش… 


هزت رأسها تفيق مما تُفكر به ثم قالت و هي تذم شفتيها بـ تبرم 


-يعنى مُعترف إنك غلطت! 

-رد بـ بساطة:لو مكنتش معترف مكنتش إعتذرت

-أشارت بـ سبابتها بـ تحذير:رد على أد السؤال… 


هز رأسه و كاد أن يضحك، إلا أنه أومأ و قال بـ صبرٍ


-حاضر، أيوة مُعترف… 


ضمت شفتيها إلى اليسار ثم إرتسمت شبه إبتسامة و قالت بـ نبرةٍ مُشرقة و كأنها لم تغضب منه


-خلاص طالما إعترفت هسامحك… 


خرجت ضحكةً صافية من قلبهِ، تُشبه أسيل في غضبها منه، نظر إليها و مدّ يده يُبعد الخُصلات المُلتصقة بـ شفتيها، تلك الفعلة جعلتها تشهق بـ صوتٍ مكتوم و تتسع عينيها إلا أنه لم يلحظ 


-يعني خلاص مش زعلانة! 

-أومأت بـ توتر و قالت:آآ أه، أيوة لأ مش زعلانة… 


تعجب لتوترها و كاد أن يتحدث و لكنها دفعت يده و دفعته هو شخصيًا و هتفت قبل أن تبتعد عنه 


-أنا لازم أروح لـ كيان، مش زعلانة خلاص فـ همشي… 


راقبها و هي تركض و تعجب و هو يقطب جبينه ماذا فعل؟ ليرفع يده يمسح على فمه و حينما قربها شم رائحها عطرها، أو رُبما رائحتها، حينها فقط إتسعت عينيه و هو يعي ما فعله أخيرًا


لقد لمس شفتيها الناعمتين دون أن يدري، كانت حركة عفوية واحدة أشعلت نيران مُتعمدة و كأنها تنتظر تلك الشرارة أسفل الرماد لتشتعل مرة أُخرى بـ خُبثٍ 


********************


دق جرس الباب أخيرًا لتنتفض كيان مذعورة، و لولا أن هدأتها حوراء لكانت فقدت الوعي الآن، بينما تصلبت تعابير وجه الجميع و لكن عُميّر نهض ليفتح الباب إلا أن حوراء منعته قائلة 


-هفتح أنا، بلاش مشاكل عشان خاطري… 


كاد أن يعترض و لكن السيد حلمي أوقفه بـ إشارةٍ من يدهِ و قال بـ صوتٍ أجوف


-سيبها يا عُميّر، عندها حق… 


زفر عُميّر و جلس، لتهرول حوراء إلى الباب و فتحته بـ إبتسامة مُتسعة حينما قابلت قُتيبة، رفع حاجبه و بدى مُنزعجًا ثم قال 


-و محدش من اهل البيت يفتح ليه! 

-هتفت بـ ضيق:يعني أنا بقابلك بـ إبتسامة تقوم تقول كدا! و بعدين أنا اللي تطوعت أفتح عشان متحصلش خناقة بينك و بين عُميّر… 


أومأ بـ عدم رضا فـ نظرت إلى هيئته الشبة رسمية بـ بنطال چينز أسود و قميص من اللون الكحلي، و كان حقًا يبدو وسيمًا، كادت أن تُثني عليه و لكن حينما لمحته قادمًا خاليًا الوفاض، إختفت إبتسامتها و سألت بـ تبرم


-فين بوكيه الورد! 

-هتف بـ نبرةٍ صخرية:ورد إيه! هو حد طايقني فـ البيت عشان تطيقني

-وضعت حوراء يدها في خصرها و قالت:و جاي إيدك فاضية كمان؟ حتى كسلت تجيب كيس شيبسي مش علبة شيكولاتة حتى!... 


صر قُتيبة على أسنانهِ و تمتم بـ شئٍ غير مفهوم ثم قال وهو ينظر إليها بـ نفاذ صبر


-أنتِ هبلة يا بت أنتِ! الحركات دي للناس العادية، أما دا زي الطار كدا

-تمتمت حوراء بـ يأس:الله يكون فـ عونها no sense، مفيش إحساس

-تقدم خطوة و قال:وسعي خليني أدخل… 


تنحت حوراء جانبًا ثم أشاحت بـ يدها بـ إستنكار ثم قالت بـ غضب و تبرم


-إتفضل… 


دلف و تبعته هي بعدما أغلقت الباب، لم يُكلف قُتيبة نفسه عناء الإبتسامة بل هتف بـ صوتٍ خشن 


-متجمعين عند النبي… 


بحث عنها بـ عينين وحشيتين حتى وجدها، و علق نظره بها، نظرته كانت تُخبرها بـ كلِ وضوح أنه إنتصر و ها هو أتى ليجمع غنيمته، إرتجف جسدها و بحثت عن حوراء بـ إستنجاد حتى وجدتها و نظرت إليها بـ توسل


فـ تقدمت منها حوراء سريعًا و أمسكت بـ يدها، كانت الأجواء خانقة و يعُمها الكره و الغضب فـ شعرت حوراء و كأنها تختنق، لتهتف بـ شبه إبتسامة أجبرتها على الخروج 


-طب وافقين ليه! إتفضلوا… 


شدتها حوراء لتجلس و هي لم تعِ إنها نهضت من الأساس فـ جلست و تحاشت النظر إلى عينيهِ التي تأكلها و تخترق روحها فـ تُخبره عن دواخلها و هذا ما لا تُريده


الجميع مُنزعج، و يستحقره حتى هي عدا تلك المعتوه، البسكويتة حوراء، كانت تنظر له بـ سعادة بالغة و كأنها والدته، لم يرَ مثلها كـ صورة فوتوغرافية تلتقطها عائلة بائسة عدا هذا الطفل المعتوه الذي يضحك في جميع الأوقات 


و كان هو يضحك فـ يُثير غظيهم أكثر، ثم نهض و قال بـ صوتٍ هادئ و لكنه مُغيظ بـ درجة تكفي لطعنه مرةً أُخرى 


-مش هنلبس الدبل و لا إيه! 

-غمغمت كيان بـ إستنكار:بجح… 


إخترقت السبة أُذنيه فـ نظر إليها نظرةٍ ماكرة و لكنه لم يتحدث بل إقترب منها و جلس جوارها، و لا أحد إستطاع الحديث، على الرغم من حقارة ما يفعله و لكنه السبيل الوحيد و كان عُميّر يعلم أن قُتيبة لم يتردد في الإبلاغ عن واقعة الطعن و صدقًا لم يأبه و لكن الجميع أبى و رفض، و الآن هو في موقف يعجز فيه عن الحديث كما يجب، يكفي فضائح كما قالت كيان و حوراء من قبلها 


تململ حلمي و حمحم لينظر إليه قُتيبة قبل أن يقول بـ فتور 


-أنا مش بجح زي ما خطيبتي قالت يا حج حلمي، هلبسها دبلتها و همشي، ميصحش برضو كلام الناس دي أصول 

-هدر حلمي بـ إنزعاج مُشمئز:كويس إنك لسه عارف الأصول يا بن شاهين… 


كانت نظرة قُتيبة سوداء، قاتلة و السيد حلمي يعلم جيدًا أنه يكره مُناداته هكذا و كأنها سبة شديدة القسوة، و كان هذا تعبير عن الإزدراء إلا أنه لم يهتم فقط ما كان يسمو إليه ناله أخيرًا و ما هي الإ أيام أو ربُما أسابيع و تُصبح مُلكهُ


أمسك يدها و دس حلقة ذهبية بـ يدها، سُرعان ما سحبت كيان يدها و كأنها شعرت بـ نيران تحرقها و تلك الحلقة تكوي قلبها قبل يدها، يعلم تمام العلم أنها تحتقره أكثر الآن و لكن عشقها له سيتغلب على كُل ذلك و سُرعان ما ستنسى ما حدث


مدّ يده بـ حلقتهِ الفضية و قال ماكرًا


-مش هتلبسيني الدبلة ولا إيه! 

-هتفت بـ إشمئزاز:لبست فـ حيطة يا شيخ

-إقترب في لمحة و همس:لا والله لبست فـ ملبن… 


و إبتعد سريعًا مُقاومًا غرائزه الذكورية، أما هي كتمت شهقة كادت أن تفلت منها، و مدّ هو يده لها و أعاد بـ صرامة 


-لبسيني الدبلة يا عروسة

-هدر عُميّر بـ نفاذ صبر و كان على وشك لكم قُتيبة:كدا كتير أوي… 


نظر إليه قُتيبة من طرف عينه ثم لم يُعِره إهتمام و إلتفت إلى السيد حلمي و قال بـ هدوء 


-إيه يا حج حلمي، ملكش كلمة ولا إيه! مش دا اللي بيحصل فـ الخطوبة

-هتف حلمي و هو يُدير رأسه:لبسيه يا كيان خليه يغور… 


فعلت ما أمرها جدها بـ صمتٍ تام و قسوة بالغة لم تنظر لها خشية أن يقرأ مشاعرها المُتناقضة، و بعدها إتسعت عينيها حينما سمعت عُميّر يقول 


-خليتِ روحنا فـ إيد واحد زيه… 


و قُتيبة لم يهتم بل أدار الحلقة في يدهِ و قال مُتخابثًا


-مكنتش أعرف إنكِ مُتحمسة كدا، صبعي وجعني من إيدك… 


لم تتماشى كيان مع مزحته بل شحب وجهها، هي من أصرت و قررت و كان عُميّر هو الرافض و النتيجة ألقت بـ الجميع معها، سُحقًا لها و لقلبها الأحمق و عقلها الغائب في كُل قرار تأخذه حينما يتعلق به


أظلمت تعابير قُتيبة و لكنه حافظ على هدوء ملامحه، سيكذب إن قال أنه لم يكن مُتوترًا قب قدومه إلى هنا، ليعود و يجلس قائلًا بـ إريحية و هو ينظر إلى عُميّر بـ إغاظة 


-و بما إننا معملناش خطوبة فـ عاوز أعمل فرح

-رد عُميّر بـ حدة:و إحنا مش عايزين

-أكمل قُتيبة بـ نفس الإغاظة:بس أنا عايز، هو ينفع أدخل بيها بيتي من غير فرح يا أبو نسب؟!... 


كانت يتعمد قُتيبة إغاظته و قد نجح فـ نهض يُمسكه من تلابيبه و هدر بـ صوتٍ جهوري 


-بلاش تستفزنا أحسنلك… 


شهقت كيان و حوراء التي نهضت تُحاول إنقاذ الموقف و لكن كف قُتيبة منعها من التقدم، ثم نظر إلى عيني عُميّر بـ هدوءٍ مُثير للغضب و وضع يده فوق الجرح الذي تسبب له من يومين و قال بـ خُبثٍ 


-الجرح لسه مخفش يا صاحب الكافيه، تحب أعمل محضر تاني! 

-جأر عُميّر بـ غضب:أنت بتهددني! 

-هتف بـ بساطة:حاش لله يا بو نسب، أنا بقترح عليك… 


رفع عُميّر قبضته ليلكمه و لكن كيان صرخت و قالت بـ إنهزام


-كفاية بطّلوا خناق و فضايح، سيرتي بقت على كُل لسان… 


إلتفت إليها عُميّر بـ جنون دافعًا قُتيبة ثم هدر بـ حدة 


-و مين اللي وصلك للوضع دا! فهميني و قوليلي! مش كل دا بسببك… 


أمسكه قُتيبة من تلابيبه و أداره إليه ثم هسهس بـ شراسة و عينين تحترقان بـ نيران قاتلة 


-لما تتكلم مع الرجالة متدخلش الحريم فـ الوسط

-أمسكه عُميّر هو الأخر و صرخ:أقسم بالله لاكون مخلص عليك هنا و دلوقتي… 


أمسك قُتيبة يده و قال بـ هسيس دون أن يضطر إلى رفع نغمة صوته


-أنت مش هتحب اللي حصل من يومين يتكرر، و لعلمك أُختك مش هيمسها حد بـ كلمة لا فـ وجودي و لا فـ غيابي… 


نظر إليه بـ قسوة ثم دفعه بعيدًا و ترنح إلا حوراء أمسكت به ثم أكمل قُتيبة و هو يُعدل ثيابه


-أُختك مغلطتش و لو عايز تلوم حد، لومني أنا، لكن هي مش هسمحلك… 


الغضب و الجنون يعُم الأجواء و حقًا قد بدى أن أحدهم سيقتل الآخر الآن، إلا حين نهض السيد حلمي و دفع بـ قُتيبة و قال بـ صوتٍ جاف غليظ 


-مش لبّست دبلك! روّح بقى، و لو عاملي إعتبار أو خايف عليها، إمشي… 


رف قُتيبة بـ عينيهِ ثم تراجع و عدل ثيابه من جديد و قال بـ صوتٍ صلب، مُخيف


-ماشي يا حج حلمي، همشي و قبل ما يكون عشانها فـ هيكون لأني عاملك إعتبار و بعتبرك أبويا… 


العبارة هزت السيد حلمي بـ قسوة و لكنه لم يُظهر ذلك بل حافظ على جمود تعابير وجهه، حتى رحل


و من خلفه سكون مُظلم و أسئلة مُبهمة لم تتجرأ على سؤالها و الأهم أنه ترك بُرعم من الأمل ينمو داخلها دون أن تعرف و إعتراف أبت أن تُطلقه شفتيها و لكن أطلقه قلبها 


أن قلبها لن يُخفق لغيره ما دامت على قيد الحياة 

و أنها لن تُحب غيره و قلبها الذي ظنت أنه زهد ذلك الحب، إكتشفت أنه لا يحيا من دونه

#الفصل_الثالث_عشر

#أغلال_لعنتهُ 


إنما للقلب إتجاه مُعاكس للعقل دائمًا 

و لكن ماذا تفعل حينما يتفق العقل مع القلب على حُب شخصٍ واحد؟ 

هذا يعني أنك خسرت كُل منطق و مرحبًا بك في المنطقة المحظورة… 


بعد مرور شهر


نهضت بعدما صدح مُنبه هاتفها بـ كسل و ضيق، لم تعتد بعد على ذلك الروتين اليومي المُمل مع ذلك المُتحرش، السادي الذي يبدو و كأنه يستمتع بـ تعذيبها أكثر من أي شخصٍ آخر، إبتسامته الأنيقة بـ شدة تجعلها تُريد تحطيم أسنانه البيضاء بـ شدة، ماذا يفعل ليجعلها شديدة البياض هكذا؟ 


تنهدت و ها هي تنحدر أفكارها تجاه مُغيظ جدًا، دائمًا و أبدًا أفكارها تُخبرها بـ وضوح أنها لن تنشغل سوى بـ "وقاص مُحي الدين" رغم أنها تتخطى الكثير من الحدود معه في الفترة السابقة و لكنه لم يقم بـ طردها بل كان يُهددها قائلًا بـ صلب و هدوء يُصيبها بـ الهلع 


"فـ الوقت اللي هتطلعي فيه من الباب دا، هتلاقي البوليس مستنيكِ" 


يجرؤ على تهديدها! هي المظلومة هنا و والدها أيضًا، الذنب يقع على عاتقهِ أنه يقوم بـ توظيف بشر سارقين، مسحت كِنانة على وجهها لن يفيد كُل ذلك، كُل يوم تُفكر و تُفكر و تغضب و بـ الأخير تنهض و تستعد لتذهب إلى عملها 


طرقة ثم فُتح الباب و طَلّ منه والدها مُبتسمًا بـ حنان و قال 


-لسه مجهزتيش! طب يلا يا حبيبة قلبي عشان تلحقِ الشُغل… 


و أمام إبتسامة والدها لم تجد بدًا سوى أن تبتسم و يذهب غضبها من وقاص أدراج الرياح، لتومئ بـ حماس قائلة 


-عشر دقايق و هكون جهزت إن شاء الله، إسبقني أنت يا جميل… 


إتسعت إبتسامة والدها و سمعته يُتمتم لها بـ دُعاءٍ، أصابها شئٍ من الحُزن و الذنب و لكنها أقنعت نفسها أنها فعلت الصواب


بعد عشر دقائق 


كانت كِنانة قد خرجت بـ الفعل و هي تضع قميصها الأبيض في تنورتها السوداء و تُعدل سُترتها ثم. نظرت إلى الطاولة الجالس عليها والدها و يبدو أنه ينتظرها ثم قالت و هي تتشمم الرائحة الشهية


-يا سيدي على الريحة، من يومي و أنا عارفة إني فاشلة فـ الطبخ عشان أدوق من إيدك و مفوتش الطعامة دي

-رفع والدها حاجبه و قال:كُلي يا كِنانة و مش بـ الكلمتين دول هتخليني زي الأهبل أفضل أعمل الأكل 

-دست طعام في فمها و قالت ضاحكة:كشفتني… 


إرتسمت إبتسامة أكثر حنوًا من ذي قبل، ثم ربت على كتفها و قال بـ سعادة لرؤيتها تضحك هكذا 


-بألف هنا، كُلي يا كِنانة و ملكيش دعوة بـ أي عمايل أكل

-تسلملي… 


أكملا تناول الطعام حتى قال والدها فجأة و كأنه تذكر شيئًا مُهم


-صحيح مش الشركة بعتتلي مُستحقاتي إمبارح… 


توقف الطعام في حلق كِنانة و سعلت بـ قوة فـ أعطاها والدها كوب من الماء بـ قلق و قال 


-بسم الله الرحمن الرحيم، إشربِ يا بنتي فيه إيه!... 


تناولت الكوب منه و شربته ثم رفعت نظرها إليه و سألته بـ صوتٍ ذاهب


-إيه! 

-سألها بـ قلق:أنتِ كويسة! 

-أومأت و قالت:أيوة كويسة، المُهم فهمني

-تنهد و قال بـ هدوء و تعجب في الوقت ذاته:والله يا بنتي مش فاهم برضو، بس اللي حصل إن حد من الشركة كلمني و بعتلي فلوس تسوية معاشي… 


إذًا ماذا عن المال الذي أخذته؟ دار هذا السؤال بـ عقلها و لكنها لم تنطق به و أكملت سؤاله 


-متعرفش مين! 

-فكر قليلًا و قال:قالت اسمها إيزيل مش عارف إيه كدا، و قالتلي المُستحقات هستلمها على المغرب كدا و جالي حد من الشركة سلمني الفلوس و مضّاني على الوصل و مشي

-طب مقولتليش ليه إمبارح! 

-أجاب بـ بديهية:أنتِ راجعة تعبانة و نمتِ من غير غدا حتى، و بعدين أديني بقولك أهو… 


صمت يُحدق في وجهها المُرتبك و سألها بـ طريقةٍ مُباشرة


-أنتِ عملتِ حاجة فـ الشركة؟! 

-نظرت إليه بـ ذهول هاتفة:إيه اللي بتقوله دا يا بابا! لأ طبعًا

-سألها:أومال إيه سبب إنك تشتغلي فـ الشركة اللي رفضت تديني فلوس معاشي

-تنهدت و قالت بـ صدق هذه المرة:والله معرفش أنا لاقيت فجأة هيثم بيقولي هشتغل من النهاردة فـ شركتك القديمة… 


صرت على أسنانها و لكنها عادت تبتسم إبتسامة صفراء لم تصل إلى عينها 


-جايز حسوا بـ تأنيب الضمير، خصوصًا إن صاحب الشركة مكنش يعرف إختلاس المُدير المالي… 


حقًا هل تُدافع عن ذلك المُتحرش؟ قضت معه ثلاثين يومًا معه و هذه النتيجة لقد قام بـ غسل دماغها كُليًا، تنهدت كِنانة و نهضت قائلة بـ شبه إبتسامة


-همشي بقى عشان متأخرش مع السلامة 

-ربت على كفها و قال:خلي بالك من نفسك، الطريق السلامة… 


إنحنت كِنانة تُقبل رأسه و رحلت، يجب أن تتحدث مع ذلك المُتحرش و تفهم منه، المال لا يزال والدها لا يعرف عنه شيئًا و ربُما يستغل ذلك. لمصلحتهِ فيما بعد، و هي لن تدع له هذه الفُرصة أبدًا


********************


وصلت إلى الشركة في موعدها و هذه أول مرة تصل بها مُبكرًا، كانت تأتي مُتأخرة مُتعمدة لترى ردة فعله، أولًا كان يغضب، ثانيًا كان يبتسم بـ سُخرية و يقول هادئًا 


"الطريق كان زحمة أكيد" 


تهديد و تعلم أنه يُهددها و لكنها لم تمتثل لأي تهديد و هو لم يكن يُنفذ إلا بـ طريقتهِ الخاصة، ألا و هي إثارة غضبها بـ شتى الطُرق و هو يحصل على إمتياز في طُرقهِ تلك، لقد كانت مُثيرة للإستفزاز حقًا


و مع تقدم الوقت يبدو إنه إعتاد أفعالها فـ لم يعد إثارة غضبه سهلًا، توجهت إلى مكتبها و صادفها في الطريق موظفة تقول و هي تضع بعض الأوراق بـ يدها 


-مستر وقاص مستنيكِ فـ المكتب، و قالي أول ما تيجي تروحي له… 


نظرت كِنانة إلى ساعة معصمها لتجد أنها لم تتأخر حقًا، إذا متى يأتي هو ليحدث ذلك فـ سألتها 


-هو هنا من إمتى؟ 

-أجابت الموظفة:من نص ساعة، و أنا جاية من عشر دقايق فكرني أنتِ بس قالي خليها تجيلي 

-تنهدت كِنانة و قالت:طيب… 


إلتقطت الملفات من الفتاة و إتجهت إلى مكتبهِ، تُرتب سؤالها و كيف ستسأله عن المُستحقات التي أعطاها لوالدها و يعلم أنها أخذتها بـ الفعل، حسنًا سرقتها و تأبى الإعتراف بـ ذلك أمامه لذلك ستُبقيها حقيقةً داخلها


توقفت أمام مكتبها و إلتقطت ملف كان يجب عليه النظر إليه أمس و لكن لم يفعل، فـ وضعت الأوراق داخله ثم إتجهت إلى غُرفة مكتبه و التي لا تبُعد عن مكتبها سوى بـ خطوتين أو ثلاث


دفعت الباب و دلفت كـ عادتها دون طرق و هو إعتاد على أفعالها، في السابق كان يغضب و لكنه يتحكم في غضبه، أما الآن فـ البرود حقًا كان من نصيبهِ و لم يتصنعه 


لم يرفع وقاص نظره عن الأوراق و تركها تُكمل طريقها إليه و قرع حذاءها المُزعج تضرب به الأرض الخشبية عن قصد لتُثير غضبه و لكنه هادئ على غير العادة فـ أثار ذلك غضبها أكثر 


لم تضع الملف المطلوب بل قامت بـ رميهِ فوق يدهِ التي تدون بعض المُلاحظات ثم قالت من بين أسنانها بـ شماتة و تشفي


-الأوراق اللي طلبتها فـ الملف… 


لم يُحرك وقاص ساكنًا بل رفع رأسه إليها و إبتسم بـ إغاظة قائلًا وهو يُحدق بـ عينيها اللامعة بـ خُبث


-شُكرًا آنسة كِنانة بس شايفة دي طريقة تُحطِ بيها الورق لمُديرك؟! 

-عقدت ذراعيها و قالت بـ برود:والله دا نظامي، إتعود

-ضحك وقاص لعنادها و قال:تعرفِ إني مُدير فرفوش و مبزعلش من موظفيني!...


و قبل أن ترد رفع يده بـ قوة و بـ قصد ليسقط الورق أرضًا جواره فـ ذُهلت كِنانة لفعلهِ ثم أردف وقاص بـ إبتسامة مُستفزة 


-وقع غصب عني، ممكن تجيبيه!... 


نفخت بـ ضيق و تقدمت تلتقط الملف و قذفته كما السابق تمامًا و على يدهِ ليعاود الكرة و ظلا على هذا الحال حتى صرخت كِنانة بـ غيظ


-دي اسمها تناحة

-مط وقاص شفتيه و قال:لما تتعلمِ تتعاملي مع مديرك بـ إحترام كويس 

-رفعت حاجبها وقالت:مش لما أكون بحترم مديري من الأساس! 

-قهقه وقاص و قال بـ بساطة:دي أخلاق الحرامية… 


طار الهزل من عينيها و حل محله الجنون لتردف بـ حدة مُستمِدة سلاطة لسانها من الحارة التي تسكن بها 


-سكتناله دخل بـ حماره، أنت ابن ناس و مش عاوزة أغلط فيك… 


نهض وقاص على حين غُرة لتتراجع كِنانة بـ قلق إلا أنه وضع يديه بـ جيبي بِنطاله و هتف بـ إريحية


-عندك حق، أنا فعلًا ابن ناس و مش عارف أجاري عشوائية لسانك… 


ثم إقترب منها بـ خفة و لكنها لم تتحرك من مكانها ليدنو إليها و همس مُتخابثًا و يده تجد مسارها تجاه مُؤخرة عُنقها


-فـ إتلمِ عشان عندي طُرق تانية أقدر أسكتك بيها

-هتفت بـ إنفعال:عشان مش محترم… 


كان رده أنه دفع بـ يدهِ مُؤخرة عُنقها فـ سقطت رأسها على كتفهِ و قيدها قائلًا بـ خطورة 


-للأسف الشديد إتربيت كويس فـ مش عارف أرد بما يليق، ولا إني أتخذ فِعل زي فعلي فـ أول مرة إتقابلنا

-حاولت دفعه قائلة بـ حنق:إتقِ الله عندك إخوات بنات، و بعدين إبعد بقى الروچ هيطبع على قميصك و مراتك هتفكرك بتخونها… 


لم يُبعدها فقط لأن رائحتها ناعمة، طفولية، مُشبعة بـ عنادها، وهو رجل لم يقُرب النساء مُطلقًا في حياتهِ و كانت هي أولى تجاربه، ليبُعد خُصلاتهِا عن جانب وجهها المُواجه له فـ ظهر عُنقها و أُذنها ثم همس بـ خُبثٍ خطير 


-مش متجوز، بس هتجوز، و إحتمال يكون أنتِ… 


إتسعت عينيها و تسارعت ضربات قلبها ثم نظرت إليه بـ صدمة قائلة 


-بتهزر أنت صح! و هزارك سخيف جدًا… 


قهقه وقاص بـ خفة، هت نفسه تفاجأ مما قال و لكنه لن يتراجع الآن بل سيُثير رُعبها أكثر و قال بـ صوتٍ ناعم 


-أنا واحد مفكرش فـ الجواز طول حياته، و أنتِ عجبتيني فـ ليه لأ!... 


يبدو أن الهرة أكلت لسانها حقًا فـ لم تستطع الرد ليُكمل و هو يرفع كتفيه بـ بساطة 


-أنا راجل صريح، و بقولك على مُستقبلك معايا… 


أمسك طرف خُصلاتهِا و رفعها قريبًا من أنفهِ و قال بـ إبتسامة قاتلة، تبًا لرُقيه و إبتسامته تلك التي تجعله أميرًا في القصص الخيالية 


-مش أحسن لما تكون علاقة حرام!... 


الغضب تملكها في تلك اللحظة و سحبت كلامها، هو ليس بـ أمير بل بـ قاطع طريق أحمق يجب أن يُعدم أن يُزَج في السجن، لتصر كِنانة على أسنانها ثم سألت بـ حنق


-هي الست الوالدة عايشة! 

-رفع حاجبه و أجاب بـ دهشة:الحمد لله 

-إبتسمت كِنانة بـ سماجة و قالت:ربنا يحفظهالك يارب، بس إبقى خليها تتعب شوية و تربيك عشان بصراحة هي فشلت تربيك… 


رفع وقاص حاجبه الآخر قبل أن يطلق ضحكة عالية، لم تعرف لِمَ يضحك أو ما الخطأ فيما قالته، هو حقًا قليل الحياء بل مُنعدم الحياء و الأدب و عليه أن يعرف حدوده


تفاجأت بـ يدهِ التي وضعها على وجنتها و همس مُشاكسًا


-شُكرًا على النصيحة، بس أنا متربي كويس

-هتفت بـ إشمئزاز:مش باين

-دافع عن نفسه بـ براءة:لأ دا معاكِ بس… 


شهقت كِنانة و حاولت دفعه بعيدًا عنها و لكنه لم يتحرك فـ صرخت قائلة بـ تهديد 


-إبعد بدل أما أصرخ و ألم عليك الشركة، يجوا يشوفوا مُديرهم بيعمل إيه! 

-أجاب بـ بساطة قاتلة:بتحرش… 


همت بـ الحديث و إطلاق سيلًا من السباب اللاذع، إلا إنه أبتعد فجأة و هي لم تدع فُرصة لتتفاجأ بل فتحت الباب و ركضت خارجه و لن تسأله عما أخبرها والدها به صباحًا، لا تُريد أن تفهم البقاء معه وحدهما وقتًا أطول سيُسبب لها مصائب تشك أنها ستخرج منها، بينما وقاص إتجه إلى النافذة العملاقة و وضع يده على فمه ذاهلًا ثم قال 


-إيه اللي أنا عملته دا!! 


********************


ضرب قُتيبة باب الغُرفة بـ شدة و خرج غاضبًا، تكاد عروقه تنفجر من شدة غضبه و تبعه آدم الذي كان ينتهد بين الحين و الآخر ثم قال بـ هدوء و كأن ثورة صديقه لا شئ 


-يعني بذمتك كُنت متوقع إيه يعني! مفكر بعد خطوبتك ليها هتجري على حضنك و تقولك إتجوزني بكرة!!... 


إستدار إليه قُتيبة بـ جنون و الشرر ينطلق من عينيه و كأنه على وشك حرق الأخضر و اليابس أمامه الآن، ثم إقترب جأر بـ صوتٍ يصُم الآذان


-دا اللي المفروض يحصل، دا مكانها الأساسي، و هما سرقوه مني… 


قَلّبَ آدم عينه، يُريد أن يقسو عليه و لكن حينما آتاه قُتيبة بعد خطبته سعيدًا، مُغتبطًا لم يستطع رد صديقه، بل عانقه و هنأه و تم حل سوء الفهم بينهما و قُتيبة لم يكن ليترك صديقه حزينًا، ليُخرج تنهيدة يظن أنها المائة في الخمسةِ عشر دقيقة الماضية ثم إقترب و جلس جواره على الأريكة 


-يا قُتيبة إفهم، سواء مكانها الأصلي أو لأ، كيان مُعتبرة إنك هددتها عشان تتجوزوا، عايزها تنسى يعني و تجري عليك! 

-هز قُتيبة ساقه و قال بـ عُنف:بقالي شهر مشوفتهاش، ولا حتى بترد عليا

-زفر آدم و قال:يا بني هو أنا بتكلم هندي! إسمع اللي قولته و ترجمه… 


فتح قُتيبة فمه ينوي الحديث و لكنه عاد يغلقه، لا يجد شئ يستطيع به التعبير عما يشعر به، إنها النيران التي تأكله، مزيج من نيران حارة تشتعل بـ رأسه عندما ينظر إلى يدهِ فـ يجد حلقتها تُزين يده و ثلوج باردة تُجمِد قلبه و هي تأبى حتى أن تُسمعه صوتها


كم مرة ذهب أسفل منزلها يُريد فقط رؤيتها و يُشبع طوفان شوقه لها و لكنها حتى تستكثر عليه أن يلمح طيفها فـ لا إقتربت من النافذة أو خرجت إلى الشُرفة، كان يعود كُل ليلة يائسًا و لكنه يستيقظ يُجدد الأمل بـ أنه سيراها اليوم حتمًا و يموت الأمل حينما سعود خائب الرجا


غبية و لا تفهم توابع ما تفعله معه، إنه يخشى عليها من نفسهِ و مما سيفعله حينما تكون معه وحدهما، لن يكذب و إن قال أنها دخلت عرين أسد لن يخرج حتى يلتهمها حتى يتخم و تلك الحمقاء تجعل جوعه لها يتفاقم بـ شراهة حتى أصبح يخاف من نفسه حقًا


سمع صوت آدم يرن جواره و هو يسأله


-طب حوراء مش بتكلمك! 

-زاد جنونه و صرخ:و لا هي كمان، شكل الـ*** اللي اسمه عُميّر مانعهم

-قُتيبة دا الطبيعي و لو كان حصل عكس دا يبقى تفهم إن فيه حاجة غلط… 


زفر قُتيبة و زادت حركات ساقه عصبية ثم هتف و كأنه يُحدث نفسه 


-أنا إشتريت الشقة اللي كانت عاوزاها، بعيد عن المنطقة، كُنت عاوزاها تشوفها، ليه بتعمل كدا!... 


رُغمًا عن آدم ضربت الشفقة قلبه على صديقهِ، حُبه مُؤذي بـ طريقة مُخيفة و يخشى أن يهلك يومًا ما بسببه، و لكن يوم تحدث مع كيان و أخبرها إن لم تستطع إعطاءه العائلة فـ يجب أن تتركه و شأنه، و وافقت هي و حينها فقط تأكد أن كيان لا تستطع العيش دونه هي الأُخرى، و أن براعم الأمل نبتت سريعًا و ستغدوا الأزهار رائعة الجمال مع فقط القليل من الصبر و هذا ما يجب أن يتحلى به قُتيبة 


فـ ربت على ساق قُتيبة ثم قال و هو ينهض 


-قوم روح معادك يا قُتيبة و إثبت نفسك، و فكر فـ مُستقبلك شوية

-غمغم بـ تجهم خَشِن:مش رايح

-هنا إنفجر آدم غضبًا:و بعدين بقى! هتصرف على نفسك إزاي يا باشا و أنت سايب الشُغل! و لا هتفتح بيت إزاي فهمني! هتسيبها تصرف عليك!... 


نهض قُتيبة و أمسك بـ تلابيب آدم و هدر بـ نبرةٍ عنيفة 


-خُد بالك من كلامك يا آدم

-نفض يده بعيدًا عنه و قال:و هو أنا مش بقول كدا عشان مصلحتك! فوق يا قُتيبة متخليش حُبك ينهي حياتك كُلها… 


لا ذنب لآدم فيما يحدث بـ حياتهِ و لا يجب أن يُخرج إحباطه و غضبه عليه، فـ مسح على وجههِ و هتف بـ صوتٍ مُتجهم


-معاك حق، متزعلش أنا بس عصبي الأيام دي

-رد عليه آدم بـ هدوء:أنا مش زعلان منك يا قُتيبة، أنا زعلان عليك… 


حك قُتيبة جبينه و رفع يده إلى رأسه و لم يتحدث، فـ زفر آدم و إقترب منه رابتًا على كتفهِ و قال 


-يلا يا قُتيبة، خُش إلبس و هوصلك بـ المكنة

-مفيش داعي، هروح لوحدي، محتاج أفكر لوحدي شوية… 


أومأ آدم و تحرك ليرحل من شقة صديقه و لكنه إستدار و سأله بـ عقدة حاجب


-صحيح أومال الست رجاء فين! 

-ضحك قُتيبة ساخرًا و قال:سيبالي البيت

-لم يحتج ليسأل لماذا فـ قال:دا عشان خطبت كيان!... 


إستدار قُتيبة و نزع كنزته البيتية  و إلتقط قميصه الذي جهزه آدم في وقتٍ سابق و أجاب بـ صوتٍ أجوف


-مفكرة لما تعمل كدا هرجع فـ كلامي، بتضغط عليا يعني 

-قُتيبة دي أُمك برضو، اللي بتعمله مش صح

-إستدار إليه و هدر بـ شراسة:هي اللي مش عايزة تفهم، و بتعمل مشاكل من غير لازمة… 


همَّ آدم بـ الحديث و لكنه صُعق حينما هدر قُتيبة بـ نبرةٍ أكثر شراسة و غضبٍ أسود 


-ما هي الوحيدة اللي عارفة جوزها عمل إيه، ليه مُصممة تطلعه غلبان و هي اللي مُذنبة!... 


لم يجد آدم ما يقوله، هُنا و يعجز عن الحديث أو الدفاع عن أيٍ منهما، و لكنه قال في محاولة أخيرة 


-جوزها يا قُتيبة… 


ضحك قُتيبة ضحكة سوداء مُرعبة جعلت آدم يجفل ثم هتف و هو يُغلق أزرار قميصه الأسود 


-جوزها! قصدك عبدة، فـ حياتي مشوفتوش عاملها و كأنها مراته، فـ حياتي مشوفتوش بني آدم أصلًا، و حتى تشبيه الحيوانات خُسارة… 


و كان على آدم أم يصُمت أمام ماضيه الأسود، في السجن عندما تحدث مع آدم و أخبره بـ جريمته، لم يرَ ذرة من الندم أو الحُزن و كان هذا يُرعبه كثيرًا، و رُعبه إختفى تمامًا حينما سمع حكايته كُلها، و الآن لا يستطيع إلا أن يشفق على قُتيبة 


إختفت كُل عبارات المواساة و تبقى دعم خفي تمثل في إبتسامة مُحملة بـ المرارة، ليربت على ذراعه و قال 


-يلا عشان متتأخرش… 


أومأ قُتيبة صامتًا ثم قال بعد. فترة و هما يرحلان من الشقة بـ صوتٍ فاتر، لا يحمل أي مشاعر تنتمي إلى عالم البشر 


-أنا محكتلكش عشان تُبصلي كُل شوية بـ شفقة، أنا حكيتلك عشان لو مكنتش حكيت، كُنت مُت… 


********************


توقفت أمام المقهى و ترددت كثيرًا في الدلوف و لكنها حسمت أمرها و دلفت، نظرت حولها كان المقهى كما المُعتاد تمامًا، و كأن صاحبه لم يرتكب شيئًا أو أن الجميع فضل النسيان 


في أثناء نظرها في الأرجاء وقف أمامها ظل أحجم عنها الضوء، فـ شهقت حوراء و نظرت إلى صاحب الظل لتجده ذلك الأشقر الذي يبتسم بـ حلاوة فـ إبتسمت و قالت بـ رقة 


-إزيك يا نوح! 

-إتسعت إبتسامته الجميلة و قال:كويس إنك منستيش اسمي، فكرت بعد المُدة دي هتنسيني

-أصابها الحرج و قالت بـ إرتباك:معلش يا نوح أكيد عرفت الظروف… 


نظر حوله يبحث عن طاولة فارغة و قد وجدها، جوار أحد النوافذ التي تطل على الشارع المُزدحم ثم إليها و تسائل 


-تعالي إقعدي الأول، بتدوري على أُستاذ عُميّر!... 


تحركت معه إلى الطاولة حيثُ أشار ثم جلست و قالت 


-حاجة زي كدا، المُهم متزعلش مني

-إبتسم و قال:مش زعلان

-إبتسمت بـ إتساع وقالت:طب إقعد واقف ليه!... 


عاود النظر حوله يبحث عما إذا كان أحد يطلبه و لكنه لم يجد فـ نظر إليها و قال بـ جدية 


-مينفعش أقعد و أنا فـ الشُغل، كُنت حابب أطمن عليكِ مش أكتر

-أنا كويسة متقلقش… 


كان سعيدًا جدًا لأنه رآها بعد مرور أكثر من شهر دون حديث أو رؤيتها، و كذلك بسبب ما حدث و تناقله الجميع هما فعله عُميّر كان من الصعب رؤيتها أو الحديث معها، كان يُريد رؤيتها بـ شدة و يُريد أن يوقف هذا الإحساس قبل أن يتفاقم و يأخذه إلى طريق سيجعله تائهًا، إلا أنه لا يستطيع، إنه مُتعطش إلى تلك المشاعر الرقيقة التي غادرته ما أن غادر بلده


عاد إلى أرض الواقع عندما مدت حوراء يدها بـ هاتفها و قالت بـ نبرةٍ ناعمة 


-أكتب رقمك عشان نبقى نتكلم، لو فرضًا حصل حاجة و معرفناش نتقابل… 


نبض قلبه سريعًا و تثلجت أطرافه و لكنه أومأ و أخذ الهاتف، و سَجَلَ رقمه بـ اسم "نوح سويدان" لتقطب حوراء جبينها و تسائلت بـ شك 


-أنت مش مصري صح! 

-قهقه نوح و قد توقع ذلك:عشان الاسم! لأ يا ستي أنا مصري 

-زادت عُقدة حاجبيها و قالت:بس اسمك غريب، حتى ملامحك 

-تنهد و قال بـ الإبتسامة ذاتها:والدتي أصلها تُركي، و كُنت عايش فـ تُركيا و جيت مصر من فترة… 


وجد النجوم تتلألأ في عينيها لسماع قصته فـ قهقه من جديد و لكنه قال وهو يبتعد 


-هناديلك الأستاذ عُميّر 

-هتفت بـ إحباط:بس أنا عاوزة أعرف أكتر عنك…


على الرغم من بساطة العبارة إلا أنه أصبح سعيدًا لذلك الفضول أو ربُما الإهتمام لسماع قصته فـ هتف بـ إبتسامة أكثر من رائعة 


-عشان يبقى فيه سبب نتقابل المرة الجاية، و هحيلك… 


كان وعد لنفسه قبل أن يكون لها، لتتنهد حوراء بـ قلة حيلة و أومأت مُبتسمة ثم رحل نوح و ظلت هي جالسة، نظرت إلى الطريق و المارة الجميع يمتلك قصة عاداها، هي لا تملك الكثير من الأساس، فقط قصة تافهة عن حُبها الأول في الصف الأول الابتدائي و باءت بـ الفشل في أول إعترافٍ لها 


بينما تشعر أن كيان و قُتيبة يمتلكان الكثير من القصص و الحكايات التي تتوق لسماعها، بعد خطبتها لم تخرج أبدًا و عُميّر جعلها تُقسم ألا تتواصل مع قُتيبة و كذلك منعها من الخروج إلا في أضيق الحدود، و هذا منطقي نظرًا لما يحدث و لا أحد يعرف كيف يُفكر قُتيبة 


و لكن الهدوء الذي إستمر شهر لن يستمر إلى الأبد، و هي تعرف تلك جيدًا


سمعت صوت مقعد يُسحب و أحدهم يجلس أمامها فـ أول ما رأته كان وجه عُميّر المُتجهم و سؤال خرج بـ نبرةٍ غليظة رُغمًا عنه


-خرجتِ ليه؟ 

-مطت شفتيها و قالت بـ قنوط:دا بدل ما ترحب بيا

-هتف عُميّر بـ إجهاد:حوراء عشان خاطري مش قادر

-زاد عبوسها و لكنها أجابت:كُنت بجيب دوايا خُلص… 


نظر إلى العلبة التي تتلاعب بها بين يديها ثم إليها و غمغم بـ خشونة و تجهمه زاد


-طب و مقولتليش ليه أجيب و أنا راجع! 

-قالت بـ نفاذ صبر:يا سيدي عايزة أغير جو، أنا مش محبوسة يا عُميّر… 


فتح عُميّر فمه ليقول شيئًا ما و لكن حوراء منعته قائلة و هي تُكمل 


-لو خايف إني أروح لقُتيبة و أكلمه من وراك، فـ متقلقش و متشكش أنا وعدتك و مش هرجع فـ وعدي، كُنت عملتها قبل شهر… 


أحس عُميّر بـ الحرج قليلًا و فرك أنفه ثم قال بـ توضيح و كأنه ينفي عنه تُهمةً شديدة الخطورة 


-مقصدش على فكرة، أنا واثق فيكِ، بس هو اللي مش واثق فيه و مش ضامن مُمكن يهددك بـ إيه

-تضايقت لإتهامه فـ قالت:على فكرة قُتيبة مش كدا، هو يمكن همجي حبتين بس لا يُمكن يعمل حاجة تأذيني أو تأذي كيان… 


و أصابه الضيق هو أيضًا لدفاعها عنه و أراد أن يصرخ بـ وجهها و لكنه في المقهى، لذلك إستعاد هدوءه الداخلي و قال بـ نبرةٍ صلبة و ساخرة جدًا


-و اللي عمله عشان يُخطب كيان! 

-دافعت مُجيبة:عشان بيحبها، و مكنش فـ نيته الأذية… 


كان ينوي ضربها، صدقًا كان ينوي رفع كفه و ضرب رأسها علها تفيق مما تقول و لكنه أمسك ساقه حتى لا يفقد أعصابه، ثم نهض فجأة ز قال بـ إقتضاب قاسي


-من رأيي تروحي أحسن، أنا مش فاضي… 


شهقت لطرده لها و أصابها الحُزن و الغضب معًا، لتنهض قائلة بـ حدة ساحبة عُلبة دواءها


-أنا اللي غلطانة عشان جاية أطمن عليك، سلام… 


راقب عُميّر رحيلها بـ غضب و ضيق ليرفع رأسه واضعًا يده بـ خصره و أخرج تنهيدة مُتعبة ثم إستدار و رحل و لم يعِ لعيني آخر زرقاء تُتابع ما يحدث بـ تعابير مُبهمة


********************


-أنا اللي أستاهل ضرب الجزمة عشان فكرت أطمن عليه… 


في أثناء طريق عودتها الغاضبة، كانت تُؤنب نفسها على ذهابها إليه، من الأساس لم يكن عليها ذلك و لكنها غبية و حمقاء، فـ أكملت تبرمها و هي تركل الحصى


-يعني حبسني فـ البيت زي القُطة و هو ملوش سُلطة عليا، لأ و كمان بيطردني البجح… 


كانت عبارتها الأخيرة الشرارة الأقوى لإطلاق حنقها فـ صرخت بـ صوتٍ مكتوم و لم تأبه لنظرات العمارة حولها التي تنظر إليها بـ تعجب أو أنها فقدت عقلها، ثم ركلت حصى أكبر فـ إصطدمت بـ ساق رجلٍ من الخلف، لتشهق حوراء و إرتبكت


حاولت الإختباء و لكن الرجل كان إستدار بـ الفعل ثم نظر إليها بـ غضبٍ لتتسع عينيها قائلة بـ توتر


-والله آسفة مكنش قصدي… 


إقترب الرجل منها فـ تراجعت إلا أنه هدر بـ صوتٍ تجمع على إثره المارة 


-أعمل إيه بـ أسفك يا بت أنتِ! 

-هربت الدماء من وجهها و قالت:كُنت متعصبة و مخدتش بالي

-هدر الرجل:و أنا مالي… 


تراجعت حوراء خطوة و قالت بـ قلق واضعة يدها على صدرها الخافق بـ عُنف تخشى هروب قلبها من شدة نبضاته


-طب، طب قولي اعوضك إزاي!... 


أمسك الرجل بـ يد حوراء فـ شهقت صارخة بـ ألم و سقطت العُلبة من يدها، طفرت العبرات من عينيها و حاولت نزع يده قائلة 


-سيب إيدي لو سمحت

-هتف الرجل بـ صوتٍ عال:مش أنتِ عايزة تعوضيني! أنا هقولك إزاي… 


كاد أن يسحبها خلفه و لكنه وجد قوة جبارة تمنعه، و كأن تلك الفتاة الهشة أُستبدلت بـ صخرة صلبة، إستدار ينوي الصراخ و لكنه تفاجأ بـ صوتٍ رجولي شرس، مُخيف بـ غلظة تخرج في تلك المواقف 


-طب ما أقولك أنا أعوضك إزاي… 


تفاجأ الرجل بـ ذلك الضخم الذي يبدو من هيئته أنه مُجرم سابق على الرغم من ثيابهِ الشبه مُنمقة، و لكن ملامحه كان سوداء خطيرة فـ تراجع الرجل و هرب دوم حديث 


كان قُتيبة عائدًا من لقاءهِ مع أرسلان الهاشمي و في طريقه، وجد ذلك التجمع كان ينوي التجاهل و لكنه رأي من بينهم حوراء و التي كانت مركز التجمع، فـ إقترب ليرى ما حدث و وجد ذلك الرجل و نيته تضح على وجههِ، و للغرابة لم ينطلق أحد من بينهم للمساعدة 


أمسك بـ يد حوراء التي كانت شبه ميتة و ما أن رأته حتى إستعادت أنفاسها، ثم حدق قُتيبة في إثره قبل أن ينحني و يلتقط عُلبة الدواء و يمدها إليها قائلًا بـ نبرةٍ خالية من المشاعر 


-علبة دواكِ… 


إلتقطها حوراء بـ إرتباك ثم إحتضنت بها نفسها و كأنها تحميها ثم قالت بـ تلعثم


-شُـ شُكرًا… 


نظر إلى معصمها الذي تُرك عليه أثر قبضة الرجل فـ أطلق سبة بذيئة جعلت حوراء تصدم و تسأله بـ براءة 


-يعني إيه! إيه اللي قولته دا!... 


نظر إليه و كأنه نسى هويتها، إنها بسكويتة عاشت في أكثر المُجتمعات رُقيًا و بـ الطبع كيف لها أن تسمع هذه النوعية من الألفاظ النابية و السباب البذئ؟ 


مسح على وجههِ ثم أشار لها لتتحرك قائلًا بـ نبرةٍ جوفاء، قاسية 


-قُدامي 

-همست بـ إرتباك:هـ هعرف أروح 

-هدر من بين أسنانهِ:يلا

-حاضر… 


لم تستطع الإعتراض فـ سارت أمامه و هو خلفها، شعرت بـ نظراته الحارقة تحرق ظهرها فـ توقفت و توقف هو قبل أن تستدير و تقول دون أي مُقدمات


-والله خلاني أحلف مكلمش… 


نظر إليها بـ نظرات مُبهمة و فارغة تمامًا قبل أن يضع يديه في جيبي بِنطاله الجينز ثم هتف و هو يرفع كتفيه بـ بساطة 


-مسألتش أصلًا

-تفاجأت من رد فعله فـ غمغمت:حبيت أوضحلك بس… 


عاودت السير و هو كذلك و تباطئت خطواتها حتى لحق بها و سارت جواره في صمت أشبه بـ طريقة سريعة لسحب الهواء الصالح للتنفس و التسبب بـ الإختناق


-مضربتيهوش ليه بـ رجلك!... 


إنتفضت على حديثهِ الذي خرج من العدم بـ صوتٍ قاسي و تعابير أكثر قسوة دون النظر إليها، فـ قالت بـ تردد


-خوفت، و مكنتش عارفة أتصرف 

-تنهد و قال:المرة الجاية صوتي، الناس هتعرف إنه هيعمل فيكِ حاجة إنما سكوتك عرفهم إنك غلطانة 

-ردت بـ براءة:بس انت كُنت فعلًا غلطانة… 


نظر إليها قُتيبة نظرة كادت تُرديها قتيلة فـ حمحمت و نظرت إلى الأمام و أكملت سيرها في صمت، حتى قررت الحديث بعد تردد دام لحظات 


-كيان مش كويسة يا قُتيبة، و غصب عنها إنها مش بتكلمك… 


شعرت به يتوقف لتتوقف هي الأُخرى ثم نظرت إليه لتجد عضلات فكه مُتشنجة، حتى أنها سمعت صوت صرير أسنانه، لتُكمل و هي تقترب منه 


-جدها و عُميّر مانعينها من كُل حاجة، و أنا مش بدخلها كتير عشان مفكرين إني تخليها تكلمك… 


ظل قُتيبة صامتًا فـ تنهدت حوراء بـ إحباط و بدأت في سيرها و لكن فجأة قبض قُتيبة على يدها و جذبها إلى زُقاق بعيدًا عن أعين الناس، لتشهق بـ فزع و لكنه كمم فمها 


دفعها إلى الحائط و إقترب منها، كانت عينيها مُتسعتين بـ شكل مُرعب أحست كما لو أنها لم تعرف قُتيبة في هذه اللحظة، و صوت سقوط العُلبة من جديد هو الذي يصدح مُتغلبًا على الصمت المُخيف


وجدت قُتيبة ينحني و أغمضت عينيها ظنًا أنه سيفعل شيئًا و لكنه وضع جبهته على الحائط الصلب ورائها و يديه حول رأسها تتكئ على الحائط تحمل جسده بـ ألا يسقط عليها أو يلمسها و همس بـ إجهاد كبير 


-عايز أشوفها… 


صوت ضربات قلبها الذي كان يصُم أُذنيها هدأ و تحول الصمت المُخيف إلى آخر مُعبق بـ الشفقة و هي تسمع نبرته تلك فـ همست و هي تتكئ بـ رأسها إلى الحائط من الخلف


-أنا صاحبة مرض مش حمل خضات من دي… 


لم يبدُ بـ أنه سمعها و لكنها إبتسمت و قالت بـ رقة و حنو و كأنها تُحادث طفل صغير 


-حاضر، هساعدك تشوفها، بس موعدكش… 


رفع بصره و نظر إليها بـ لهفة، كانت نظرة تائه في صحراء، يشعر بـ العطش الشديد و أخيرًا وجد قطرة ماء، قطرة فقط تُجدد الأمل داخله و تُخبره أنه سيعثر على واحته قريبًا، فـ إبتسمت حوراء بـ إتساع و أردفت مُكملة 


-و هخلف وعدي معاه

-حورااااااء!!!...

#الفصل_الرابع_عشر

#أغلال_لعنتهُ 


أخبرتها ذات ليلة أنها البداية والنهاية 

أنها مُفترق الطرق و جمعيها تؤدي إليها

أخبرتها مرارًا و تكرارًا إنها رشفة ماء بعد الظمأ

أنها سراب تكون في الصحراء و رغم ذلك أحببتُ الخدعة

أخبرتها أنني يائس و أنها الأمل 

أنها الشمس في ليلة حالكة السواد مدت لي يدها فـ أشرق ظلامي… 


إلتفتا الإثنين على ذلك الصوت الجهوري و الغضب الذي جعل الهواء خانقًا، لتتسع عيني حوراء بـ صدمة لماذا جاء إلى هُنا بعد طردها له من المقهى؟ و الأهم من ذلك ما الذي سيفهمه من وضعهما ذلك! 


حاولت حوراء دفع قُتيبة و لكنه كان كـ الجُثة الهامدة، ثقيل الوزن بـ شدة و كأنه تم إضافة صخور إلى وزنهِ، أخذت نفسًا عميق و هدأت جنون ضربات قلبها و قالت 


-نعم يا أُستاذ عُميّر!... 


البرود كان يقتله، هو بعدما أحس بـ الذنب لِما فعله لها، ركض وراءها ليُصالحها فـ وجدها يتم سحبها منه فجأة دون أن يفهم ماذا حدث ليركض خلفهما و وجدهما في هذا الوضع المُخل! 


تقدم عُميّر ينوي إنتشال حوراء بـ قسوة و الغضب قد أعمى بصيرته فـ توقعت هي أنه سيؤذيها، إلا أن قُتيبة قد قطع عليه الطريق و وقف أمامها ثم هدر بـ صوتٍ صخري، مُحذر


-متقربش منها، و إهدى… 


توسعت عيني عُميّر بـ جنون و الغضب يشتعل أكثر و أكثر فـ جأر بـ حدة و هو يقترب منهما


-و ليك عين تتكلم يا…. 

-قاطعته حوراء صارخة:متشتمش يا عُميّر، قُتيبة كان دايخ و تعب فـ آآ… 


لم تستطع حوراء وصف ما حدث أو كيف تصيغه و تُخرج نفسها و قُتيبة من هذا الموقف المُحرج إلا أن قُتيبة هتف بـ إستنكار و برود


-بس أنا مش تعبان… 


دهست حوراء قدمه بـ قدمها و نظرت إليه بـ تحذير و شددت قائلة 


-لأ كُنت تعبان

-زفر قُتيبة و قال:هي بتقول إني كُنت تعبان

-صرخ عُميّر بـ حدة:كفاية هبل و لعب عيال، و إوعى تفكر إني مُمكن أسلمك أُختي تحت أي ظرف… 


صرخت حوراء صرخة داخلية ثم ضربت رأسها بـ يديها الإثنتين ثم تقدمت تمنع شجار يوشك على البدء و هتفت بـ صوتٍ شبه حازم


-مُمكن بلاش فضايح! مش معقول كُل يوم فضيحة شكل كدا ربنا يهديكوا… 


دفعت قُتيبة و تقدمت تدفع عُميّر الذي أمسك يدها إلا أنها هدأته و هي تنظر إلى عينيه


-مفيش حاجة حصلت و قولتلك قُتيبة كان تعبان… 


قبض عُميّر على معصمها و جرها خلفه دون حديث و بعد أن رمق قُتيبة نظرة سوداوية، مُستحقرة، إلا أن صوته من خلفهما أوقفهما 


-حوراء!... 


إستدارت حوراء و عُميّر له فـ قذف بـ عُلبة الدواء لتلتقطها قائلة بـ إبتسامة سخيفة


-العلبة الدوا اللي اتمرمطت معايا… 


صرخت بـ ألم حينما سحبها عُميّر بـ شدة خلفه، و قررت الهدوء رغم الغضب و الثوران بـ داخلها حتى لا تُثير ضجة و سارت خلفه بـ صوتٍ، ليس سير بل شبه ركض لتواكب سُرعة خطواته بـ ساقيهِ الطويلة 


حتى وصلا إلى المنزل و في الفناء، سحبها لتقف أمامه و قبل أن يتحدث عُميّر إنفجرت هي غيرُ عابئة لصوتها العال 


-أنا مش بقرة و لا كلب عشان تُجره وراك بـ الطريقة الغبية دي… 


تقدم منها عُميّر خطوات حتى أصبح يُشرف عليها بـ طولهِ ثم هسهس بـ صوتٍ مُخيف


-صوتك ميعلاش، و ملكيش عين تتكلمِ بتاتًا… 


جفلت حوراء من إقترابهِ المُفاجئ و الخطير قبل أن تضربها كلماته فـ ضربت صدره و قالت هائجة


-مين اللي ملوش عين يتكلم! مش أنت طردتني! و بعدين مين إدالك. الحق تتصرف معايا كدا

-لن يرضخ لكلماتها المُحقة و قال:أنتِ هنا أمانة فـ بيتنا، و يحقلي أعاملك زي ما بعامل كيان… 


زاد جنونها و ضربت الأرض بـ قدمها ثم صرخت و هي تلكز صدره


-لأ ميحقلكش، و فيه فرق بـ إني أمانة و إنك بتكره قُتيبة فـ عاوز تطلع كُرهك و غضبك عليا… 


لجمته بـ حديثها و بـ عينيها الجميلتين اللتين تلمعان بـ عبرات تُهدد بـ الهطول و قبل أن يتحدث أكملت هي دفاعها 


-و على فكرة قُتيبة أنقذني من واحد كان هيمد إيده عليا، يعني أنا و أنت مديونين له يا بتاع الأمانة… 


قطب جبينه و إشتعلت عيناه بـ خطورة و سألها ينحني أكثر فـ بات الفراغ بين وجهيهما يكاد يكون معدوم


-مين دا! و إيه اللي حصل

-توترت حوراء و أدارت رأسها ثم أجابت:معرفش، بس قُتيبة جه و طلعني… 


لم يرضَ بـ هذه الكلمات كـ إجابة بل قبض على ذقنها و أدار رأسها إليه فـ إتسعت عينيها بـ ذُعر و تعالت أنفاسها قبل أن يُهسهس غاضبًا


-حوراء متلعبيش بـ أعصابي

-إرتجفت شفتيها الحلوة و قالت:والله العظيم معرفش، و إبعد شوية… 


لم يكن بـ حال يسمح له إستيعاب الموقف الذي هما به الآن، بل أكثر ما يشغل همه أنها كادت أن تتعرض لأذى بـ سببهِ و بـ سبب طردته لها و رحيلها دون مُرافقتها، و الأنكى أنه يعلم ما نوع الأذى الذي كان سيطالها، و الفضل يعود إلى الحقير الذي يكرهه أكثر من تعرضها للأذى


و لم يستفق إلا على صوت أنفاسها المُتوترة و التي تضرب مُعظم وجهه، و حينها قد وعيَّ تمامًا لِما هما بـ صددهِ، و خاصةً عندما وقعت عينيه على شفتيها المُرتجفة بـ إغراء لرجل لم يقرب نساء مُنذ زمنٍ


و الشيطان يُوسوس لا ضرر من إقتراب بسيط ستخجل هي منه، و تخجل من ذكرهِ أمام عائلته أو حتى بينها و بين نفسها، الموقف بات أكثر خطورة و الحرارة إشتعلت أكثر و كِلاهما مُكبلين بـ قيودٍ وهمية سيجعلهما يخسران و بـ شدة


و فجأة سمعا صوت أحدهما يهبط الدرج و كانت الإشارة الخضراء ليبتعد عن حوراء و لكن قبل أن تبتعد، كانت دفعته بـ قوة شديدة لم يكن يعرف أنها تمتلكها و سقطت عُلبة الدواء من جديد، لتصعد الدرج راكضة دون أن تلتفت


تعثرت و سقطت و كاد أن يركض ليُساعدها قلقًا إلا أنها نهضت سريعًا و أكملت طريقها إلى أعلى


مسح عُميّر على وجههِ و أعاد خُصلاتهِ إلى الخلف و إنحنى يلتقط عُلبة الدواء التي علقت بها رائحتها ثم همس دون أن يلتفت لـ أؤلئك الذين ينظرون إليه بـ تعجب


-الخطر زاد يا عُميّر و أنت ضعيف و هتتسحب فـ الدوامة… 


********************


زفر قُتيبة بـ قتامة و مسح على خُصلاتهِ ثم رحل و في طريقهِ إلى الشاطئ رفع أكمام قميصه و فتح أول زرين منه، لقد كان يشعر بـ إختناق كبير مُذ لقاءه مع أرسلان


ياللهي لم يكن يعرف أنه يحمل كُل تلك الغيرة و الحقد لـ أؤلئك الذين يمتلكون عائلة، و اليوم أعاد فتح جراح قد ظن أنها إندملت و لكن ذلك لم يكن سواء هباءًا منثورا


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


كان قد وصل قبل الموعد بـ دقائق في المكان الكي طلب منه أرسلان اللقاء به و ظل ينتظره مُحدقًا في أطراف المكان، مكان شبه مُنعزل به عدد من المصانع كـ الذي ينتظر أمامه و لكنه قديم و رث بعض الشئ، و إستطاع قُتيبة إلى حدٍ ما إستنباط ما يود أرسلان الهاشمي فعله


دقائق مرت حتى أتت سيارة سوداء و توقفت ثم ترجل منها، أرسلان الهاشمي الغامض المتوحش، لن يُبالغ إذ قال أنه كان شيطانًا، في وقتٍ سابق حينما كانا فـ السجن كان يرى به المادة الخام للظلام و الشر، و القصة وراءه كانت تستحق كُل تلك الظُلمة و الشر


و لن يستثني نفسه من الظلام فـ هو أيضًا في مرحلة من حياتهِ كان قاتل و تدنست يده بـ دمٍ لن يندم على إراقته


و لكن أرسلان الذي أمامه الآن كان كمن وجد السلام بعد حروبٍ دامت سنوات أهكلته و أكلت من روحه، أرسلان عاد إنسانًا فـ متى سيعود هو أيضًا؟ 


و ما جعل قلبه ينقبض و يحل الظلام به فـ إنعكس على وجههِ، حينما رآه يحمل طفلًا صغير يكاد يبلغ الخمس سنوات يبتسم إبتسامة طفولية مُشرقة و أرسلان ينظر إليه، رغم أنه لا يبتسم إلا أن نظرته كان أبوية خالصة، شديدة الحنو و هذا ما لم يحصل و لن يحصل عليه أبدًا 


حاول قُتيبة إبتلاع مرارة العلقم التي تجرح حنجرته و إقترب من أرسلان ثم صافحه بـ تجهم و قال 


-لو كُنت هتتأخر كُنت قول نأخر المعاد! 

-رفع أرسلان حاجبه و قال ساخرًا:أنت اللي جاي بدري، تسع دقايق!... 


زفر قُتيبة و أخرج لُفافة تبغ يُدخنها إلا أن أرسلان هتف بـ صوتٍ شبه حاد


-بلاش سجاير، مش شايف الولد!... 


ضيق قُتيبة عينيه، ثم زفر و أعاد اللُفافة إلى مكانها و أشار إلى أرسلان ليتقدمه و هو خلفه، الطفل كان يحتضن عُنق والده و نظر إلى قُتيبة ثم إبتسم الطفل، إبتسامة جعلت من قلبه الحجري يذوب فـ إبتسم


مدّ أرسلان الصغير يده إلى قُتيبة و كأنه يُصافحه فـ مدّ هو الآخر يده و صافحه ثم همس قائلًا 


-أزيك يا بطل!... 


ضحك. الطفل بـ خجل الذي تمسك بـ أرسلان ليأتي معه و وضع رأسه في كتف والده، إنهما ضدان، عكس والده تمامًا لا يبتسم و لا يخجل، و هذا جعل قُتيبة يبتسم، يومًا ما ستكون له أُسرة و أطفال كُثر من كيان، سيُعامل أطفاله و كأنهم كائنات خيالية تستحق ذلك الحُب و العطف الذين حُرم منهما


إلتفت أرسلان إلى قُتيبة الهائم في خيالاته ثم هتف و هو يقطب جبينه


-أنت سامع! 

-رفع قُتيبة رأسه و قال بـ عدم تركيز:بتقول إيه!... 


صمت أرسلان لعدة ثوان قبل أن يزفر بـ نفاذ صبر و قال من جديد


-بقول أكيد أنت عارف محتاجك ليه! 

-ليه!... 


سأل بـ تلاعب عبثي جعل أرسلان يغضب و لكن قُتيبة لم يهتم و سبقه إلى المصنع يفتحه ثم أردف بـ هدوء رن صداه في أرجاء المصنع الفارغ


-مظنش فهمت أوي، بس اكيد ليه علاقة بـ إنك تسأل عن شهادتي! 

-حدق أرسلان بـ الأرجاء و قال:المصنع دا واخد توكيل لماركة عربيات، فـ طبعًا ن

محتاجك معايا… 


وضع قُتيبة يديه في جيبي بِنطاله و وقف قبالة أرسلان، الإثنين يرتديان الألوان الداكنة عكس أشعة الشمس الساطعة فـ جعل منهما شخصين غيرِ مُلائمين للإشراق حولهما ثم هتف هادئًا و كأنه لا شيء يخجل منه


-بس أنا محلتيش غير ستر ربنا

-ربت أرسلان على رأس طفله و قال:مش عاوز منك غير خبرتك

-ياريت تكون واضح 

-سخر أرسلان:أكتر من كدا! 

-رد على سُخريته بـ أُخرى:معلش حاول تتعامل مع غبائي… 


إنحنى أرسلان ليضع طفله أرضًا و ركض في الأرجاء، ثم قال وهو يُتابع بـ عينيهِ صغيره بـ برود


-أنا الفلوس و أنت المجهود، أظن مش محتاج توضيح أكتر من كدا

-مط قُتيبة شفتيه و قال:مش عدل، مجهودي ميجيش حاجة قُصاد الفلوس اللي هتحطها فـ مشروع زي دا 

-رد أرسلان بـ هدوء و غرور:مبستثمرش فـ حاجة مُمكن أطلع منها خسران… 


ضحك قُتيبة بـ سُخرية على ثقة أرسلان و لكنه ليس بـ شخصٍ حقًا يعقد صفقة قد يكون بها خاسرًا و إن كانت خسارة لا تُلحظ، وضع يده بـ خصرهِ و بدأ يُفكر هل هذه حقًا فُرصة أُتيحت له من ذهب؟ بـ النهاية هو لن يخسر بـ كِلا الأحوال فـ هو عاطلًا و لن يخسر إذا ما حاول


قاطع تفكيره أرسلان و هو يقول بـ مكر 


-دي فُرصة مش هتتعوض، و هتبدأ بيها حياتك بعد السجن، و جايز تبني حياتك معاها… 


حدق به قُتيبة بـ نظرةٍ شبه غاضبة فـ إبتسم أرسلان بـ سُخرية و قال 


-اللي يدخل السجن عشان واحدة، مُستعد يستغل فُرصة زي دي حتى لو كانت ضحك عليه عشان يوصلها بس، متفكرش كتير… 


لا يفهم سر إصرار أرسلان عليه، لماذا هو دون الجميع، هُناك مَنْ يمتلك خلفية تؤهله لذلك العمل أكثر منه، و كأن أرسلان قرأ أفكاره فـ أجاب على سؤالهِ الصامت


-عشان إحنا الأتنين زي بعض… 


نظر إليه قُتيبة بـ تشويش حقًا ما وجه الشبه بينهما؟ و لكن أرسلان تركه حائرًا و نادى صغيره ليرحلا و قبل ذلك هتف و هو يخرج


-هستناك بعد يومين، و تعالى أوصلك فـ طريقي… 


"عودة إلى الوقت الحالي" 


لم يشغل باله طوال هذا اللقاء إلا عبارتيه عن تشابههما، رُبما يعني الظلام الذي تعرض له قُتيبة في طفولته ذاقه أرسلان في شبابهِ، أم أنهما كِلاهما يبحثان عن طوق النجاة الذي تمثل لهما في شخص! 


و الثاني الغيرة التي إكتنفته حينما رأى عائلة أرسلان و ذلك الجو الدافء بينهم، لقد إكتشف اليوم أنه كان يغار من كيان و بـ شدة، لأنها تمتلك ما لم يمتلكه


كُل ذلك جعله مُترنحًا و فَقَدَ عقله، لذلك لم يعِ ما فعله مع حوراء غير الآن، فـ ضرب وجهه بـ غضب و سب سباب بذئ قبل أن يعود إلى المنزل غاضبًا


********************


الغضب ثم الغضب و الكثير من الغضب


جلست كِنانة في مكتبها غاضبة بـ شدة، من هو ليحق له فعل ذلك؟ ذلك الحقير المُتحرش إنه يستفزها فقط لتُخطئ، إنه يستمتع بـ سادية مُقززة في إثارة غيظها


و الحق إنه ينجح في كُل مرة، و هي أيضًا في كُل مرة تُخبر نفسها أنها لن تنساق و تجعله يربح و لكن صدقًا إنه يتخطى توقعاتها، سابقًا كان يغضب و يجأر و ذلك أسعدها بعض الشيء و أخبرها أن سلامها قادم


و لكن لا سلام مع ذلك المُتحرش، لن تستطيع مُجابهة أفعاله و سعة صدره الغريبة، هي أحيانًا تشعر بـ الغضب من نفسها و تود أن تعتذر عما بدر منها و لكنها تتراجع حينما تراه


أخرجها من أفكارها التي بدأت تتخذ مجرى الجريمة فـ تتحول من سارقة إلى قاتلة، صوت الهاتف و التي تتأكد أن تلك المُكالمة منه، فـ تأخرت في الرد - عن عمد- ثم أخيرًا أجابت، ليخترق صوته أُذنها و كان أول ما قابلها هو سُخريته 


-أنا فكرتك مُتِ من غيظك عشان تتأخري فـ رد كدا… 


صرت كِنانة على أسنانها بـ غلٍ و غضب، لترد عليه بـ نبرةٍ حادة


-لأ كُنت بخطط لجريمة قتل

-أتاها صوته المُتعجب بـ سُخرية:يااااه، طب إبقي إديني خبر بقى عشان أضيفها على جريمة السرقة

-صرخت بـ صوتٍ مكتوم قائلة:يا أخي حسبي الله ونعم الوكيل، أنت مين مسلطك عليا! 

-أجاب ضاحكًا:جريمة السرقة بتاعتك… 


إنتفخت أوداجها غضبًا و إحمر وجهها، لتركل كِنانة المكتب بـ حذاءها ثم قالت بـ فتور واهي فـ هي لا تُريد رابحًا


-هتقول عايز إيه و لا أقفل فـ وشك!... 


صمت و ظنت أنها ربحت، و كادت تشق إبتسامة وجهها و لكنها ماتت في مهدِها حينما هتف بـ صوتٍ خبيث


-قلة الأدب مش هتجيب معايا سكة يا كِنانة، فـ ياريت تحترمي مُديرك شوية عشان أنتِ شوفتِ مُمكن أعمل إيه… 


عليها أن تهدأ، يجب أن تهدأ و إلا ستقود نفسها إلى الهلاك، فـ أخذت نفسًا عميق و سألته بـ هدوء غاضب


-تحت أمرك يا فندم

-هتف بـ رضا:شاطرة، هاتيلي كُوباية شاي أخضر 

-هتفت بـ غيظ:أنا مش شغالة خدامـ…. 


قاطعها وقاص بـ برود و هي تسمعه يأمر بـ صلف


-متتأخريش… 


ثم قُطع الخط فجأة، لتُغلق الهاتف بـ هدوء، ثم وضعت رأسها على المكتب و ذراعها أسفل فمها و صرخت صرخة مكتومة و سبت هذه المرة بـ صوتٍ ظاهر قليلًا


-يا حيوان يا اللي معندكش ريحة الدم يا مُتحرش… 


و بعد قليل من الوقت نهضت بـ قلة حيلة و جلبت ما طلبه، شاي أخضر ودت لو تسكبه في وجههِ و لكنها ستُضيف جريمة أُخرى لا طاقة لها به، تحركت في حذر حتى لا ينسكب


و هذه المرة طرقت كِنانة الباب و دلفت ثم وقفت أمامه، لتجده يجلس بـ إريحية فوق المقعد و ينظر إليها بـ تحدي، قارئًا نواياها بـ تحدي أن تفعل ما تُفكر به، و قال ساخرًا 


-وريني بقى هتحدفيه إزاي!... 


مُحق، إذا فعلت ذلك سينتهي بها المطاف بـ ذنبٍ آخر و ستكون مُذنبة أمام الجميع، و رُبما يفشي سرها مُستغلًا الموقف، لذلك تقدمت منه بـ حذر و سكون مُقلق ثم وضعت الكوب فوق المكتب و قالت بـ إبتسامة بغيضة


-بالهنا يا فندم

-إلتقطه وقاص و قال ضاحكًا:قصدك بـ السم مش كدا! 

-أجابت بـ الإبتسامة ذاتها:كُل لبيبُ بـ الإشارةِ يفهمُ… 


بصق وقاص ما إرتشفه و ضحك ساعلًا حتى هي أجفلت و قطبت جبينها أمام هذا المشهد، ليقول بعدما إنتهى من ضحكهِ و مسح فمه 


-دمك خفيف يا كِنانة، بس هيوديكِ فـ داهية خُدي بالك… 


لم تجد كِنانة القُدرة على الرد أمام تلك الضحكة الرجولية الجميلة، وقاص يمتلك أجمل إبتسامة رأتها، إبتسامة رجل وقور يحمل الشبابية في جمالها و عبثها المُستتر، كانت تُحدق به بـ بلاهة و كأنها نست كيف تتحدث أمام هذا المشهد الفاتن الذي لن تراه مع قاطني منطقتها 


مال وقاص بـ رأسهِ حينما وجدها تُحدق به هكذا و قرر الصمت، يتأملها هو الآخر، سيكذب إن قال أنه لم ينجذب لها من أول مرة و لكنها تجذبه بـ شدة في كُل حديث و كُل نظرة منها، كأنها مُثلث برمودة في مُحيط لا سبيل للنجاة سوى الإنجذاب لها


حتى عرض زواجه المُفاجئ، تفاجأ أنه خرج من أعماق رغبته بها، أنها أول إمرأة لامست قلبه بـ هذه الطريقة شديدة الخطورة


سمع صوتها أخيرًا حينما إستفاقت و توردت خجلًا، و كانت هذه أجمل مرة يراها بها تقول بـ تردد


-هو، هو أنت ليه إديت لبابا مُكافأة نهاية الخدمة بتاعته تاني! و أنت عارف إني سرقتها… 


إبتسم إبتسامة أسرت قلبها لثاني مرة على التوالي و قال بـ بساطة و كأنها لم ترتكب خطأ جلل


-عشان عُمرك ما هتقولي لوالدك إنك سرقتِ

-همست بـ تعلثم و غرابة:بس أنت كدا بتحملني ذنب أكبر!... 


إكتفى وقاص بـ إبتسامة وقورة في باطنها الكثير خشت أن تستنبطه فـ إكتفت بـ شهقة و ركضت قائلة بـ خوفٍ


-شُـ شُكرًا…


أعقب إبتسامته نظرة طويلة تُظهر أكثر مما تُخفي ثم إلتفت و إرتشف من الشاي الأخضر، مُنذ متى و تحولت تلك المرارة إلى الحلاوة التي تُشبه لذة غزل البنات؟ 


أما كِنانة فـ لهثت جالسة فوق مكتبها و لطمت قائلة بـ فزع حقيقي و كأنها قتلته بـ الداخل 


-أنتِ هتخيبِ يا كِنانة و لا إيه! نهارك إسود… 


********************


كان يعلم أنه يخطو إلى المنطقة المحظورة عليه بـ كامل إرادته، و أنه يعي مقدار الخطورة التي ستأتي عقب ذلك، مشاعره المُشتتة و تفكيره الطويل أخبراه 


"يا صديقي ستُخطئ و تتحملان كِلاكما نتاج خطئك" 


لم يعد عُميّر يعلم نفسه، لقد كان شابًا طائشًا في صغرهِ و إرتكب الكثير من الحماقات و عندما ظن أن الحُب قد طرق بابه و أنها المنشودة، قرر تزوجها


و قُوبل قراره بـ الرفض التام، تمرد و غضب و ترك المنزل و عاد حينما وافق الجميع على قرارهِ، ضغط عليهم بـ كُل جوارحه ليتزوج إيزيل في سنٍ مُبكر


ثم ماذا بعد؟ زواج لم يدُم سوى ثلاث سنوات، لقد كان صغيرًا و فوجئ بـ ذلك العبء الكبير عليه، و خرج من هذا الزواج خاسرًا نفسه و حُبه و نتج طفلة تشتت بين أبوين ظنت ذات يوم أن الحُب فقط هو كُل ما يحتاجاه لبناء البيت


لينهار ذلك البيت عندما واجها الحياة بـ شكلها الشرس و مصاعبها التي لا تنتهي، و هو لم يستطع تخطي كُل ذلك، تسبب ذلك بـ صدع كبير داخله و ثقته إنهارت و حاول النضوج من أجل إبنته و إنقاذ ما يُمكن إنقاذه


لا يجب هدم ذلك الآن، عليه أن يتحكم في عبثيته و طيشه فقط أسيل إبنته لا تستحق والد مثله، لا تستحق أبدًا أ يسحبها في إعصار سيُهلك الجميع و، هي أولهم -حوراء-


البسكويتة الناعمة التي تُهلك الجميع و تأسرهم بـ نعومتها الخلابة، لم يُخطئ حينما أخبرها أنها لا تُشبه مُجتمعهم، حتى إيزيل كانت شرسة، عشوائية، طبيعة نشأتها في منطقة شبه شعبية جعلت منها إمرأة خطيرة، عكسها هي، التي تجعل نزعة الحماية تُجبرك على الخوف من مُجرد خدشها


لم يعُد إلى المقهى، لقد خاف أن يظهر ما يشعر به للعيان فـ يستحقره الجميع، أو ربُما يُريهم حقيقته التي عَمِلَ جاهدًا على إخفاءها، فـ ظل جالسًا على الدرج يُلملم شتات نفسه ثم قرر السير قليلًا ليسترخي و يُنقي أفكاره


و لكن قبلًا قد مر مرور الكرام على المقهى و أعطى أحد العاملين المفتاح ليغلقه و من ثم رحل، بـ الأحرى هرب إلى الشاطئ و رائحة اليود تخترق رئتيه فـ تُنقيهما


و لكنه صُدم عندما رأى حوراء سبقته إلى هُناك، متى رحلت و أتت دون أن يراها؟ و لكن الأهم الآن من هذا الذي تقف أمامه؟ هي لا تعرف أحدًا هُنا بـ إستثناء عائلته و هو


تذكر عُميّر فجأة ما قصته عليه مُنذ ساعات ليُثار القلق داخله و يهرع إليها صارخًا، مُمسكًا بـ يدها خٍشية خِشيةٍ أن يؤذيها هذا المجهول


-حوراء!... 


شهقت حوراء بـ صدمة و نظرت إلى عُميّر بـ عدم إستيعاب و كذلك الذي يقف معها، لتدارك إمساكه القوي بـ يدها فـ حاولت التملص قائلة بـ تألم


-عُميّر إيدي!... 


لم يبدُ أنها سمعها فـ قد كان يتحقق من سلامتها، ثم هتف بـ صوتٍ متهدج و هو يترك يدها بعدما إستعاب قوة قبضته


-أنتِ كويسة! 

-تمتمت بـ حيرة:أيوة كويسة! مش عارفة مالك!... 


إلتفت عُميّر على ذلك الصوت المألوف و كأنه تذكر أن هُناك أحدًا آخر يقف معهما و إتسعت عيناه بـ صدمة 


-أُستاذ عُميّر في حاجة! 

-هتف بـ صوتٍ مشدوه:نوح! بتعمل إيه هنا! 

-تولت حوراء الرد:نوح أعرفه، في حاجة؟… 


حَوَلَ عُميّر نظراته إلى حوراء التي كانت تقف بً. تحدي رافعة حاجبها تستعد للإطاحة به إذا هاجمها


-تعرفيه منين! ثم خرجتِ إمتى و إزاي أصلًا! 

-عقدت ذراعيها أمام صدرها و قالت:مش من حقك يا أُستاذ عُميّر تسأل سؤال زي دا، ثم أخرج وقت ما أنا عايزة طالما جدو حلمي سمحلي… 


لم يجد ما يرد به عليها، بل نظر إلى نوح الصامت و قال بـ نبرةٍ حادة


-و انت سايب شُغلك و واقف معاها ليه! 

-أجاب بـ هدوء:شيفتي خلص من ساعة… 


كأن إجابة نوح ألجمته فـ لم يجد ما يقوله، بل نظر إلى حوراء و قال بـ خشونة


-يلا نروح، الوقت إتأخر

-أنا مش فاهمة أنت بتأمر على أساس إيه! 

-ضيق عُميّر عينيه و قال:مش لطيف إنك تقفِ مع حد غريب لوحدك يا حوراء

-أنت مش من حـ… 


و لكنها صمتت حينما قاطعها نوح بـ لُطفٍ و هو يبتسم 


-أُستاذ عُميّر عنده حق يا حوراء، آسف إني كلمتك و نزلتك 

-كُنت عايز منها إيه!... 


هم نوح أن يتحدث هذه المرة و لكن قاطعته حوراء قائلة بـ نبرةٍ جافة، هي لم تنسَ ما حدث 


-مش من حقك تعرف، مع السلامة يا نوح… 


و إلتفتت ترحل تحت نظراته المصدومة ثم إلتفت إلى نوح الذي لوح بـ يدهِ و تمتم لها بـ كلماتٍ مودعة و رحل خلفها بـ صمتٍ، ثم عاد ينظر إلى الخلف ليتجعد جبينه حينما رأى نوح ينظر إلى حوراء نظراتٍ كان هو ينظر بها إلى إيزيل سابقًا


سُحقًا ماذا يحدث؟ 


********************


ليلًا


مُرهقة و مُتعبة، و قلبها يحترق، مشاعر كثيرة تُداهما من حين لآخر و السبب هو


قُتيبة سر سعادتها و تعاستها

راحتها و شقاءها

عشقها و كُراهيتها


قُتيبة يُشكل كُل أركان حياتها و عكسها، التضاد اللذيذ و الناتج عن مشاعر لن يستطيع أحد وصفها، هو فقط من عرفت الحُب به، هو رجُلها الأوحد، يُعذبها و تتلذذ هي بـ عذابهِو ذلك العذاب ما هو إلا راحة تتشكل مع غيره و هى لا تُريدها


لقد كانت حوراء مُحقة إن كانت لغيره فـ ستخونه و تخون ذلك الرجل و تخون نفسها، ذلك القلب يأبى الإعتراف بـ حبيب آخر غيره، قُتيبة شاهين الجامح و المُشتعل لأجلها فقط


تنهد كيان بـ تعب، مُذ خطبتهما و قد منعها عُميّر و جديها من الحديث معه بل و أخذها هاتفها ليمنعا أي تواصل بينهما، حتى حوراء فقدت الإتصال به و ظلت هي هائمة في مشاعرها


بين الحين و الآخر تنظر إلى حلقتها الذهبية، تتضارب المشاعر ما بين الخوف لِما هو آتٍ و السعادة أنها أصبحت له و عدم التصديق أنها تتطلع إليه، دفنت وجهها في الوسادة و سألت حائرة


-أنا بكرهه و لا بحبه!... 


و الكراهية كلمة لا وجود لها في قاموسها و تعلم ذلك جيدًا، إن كرهته تعلم أنها النهاية بـ النسبةِ لها


رفعت رأسها و نظرت إلى السقف و رفعت يدها تُحدق بـ الحلقة الذهبية و همست بـ عدم تصديق


-يارب عايزة أشوفه، ساعتها هعرف إذا كُنت هقدر أكرهه و لا لأ… 


دُعاؤها أُستجاب حينما سمعت صوت باب غُرفتها يُطرق و بعدها تدخل حوراء، مُغلقة الباب خلفها بـ المُفتاح، لتنهض كيان مُتعجبة و سألتها 


-في إيه يا حوراء؟!... 


إبتسمت حوراء و إقتربت منها ثم أخرجت هاتف غريب و أعطتها إياه، لتسألها بـ دهشة 


-تليفون مين دا! 

-إبتسمت حوراء بـ خُبثٍ وقالت مُتلاعبة:حد معرفة عملي خدمة

-حد مين!... 


كان السبب وراء لقاء نوح بـ حوراء هو إحضار هاتف لها، و كذبت كذبة بيضاء، لا ضرر أليس كذلك؟ إنها تؤلف بين حبيبين إنه هدف نبيل، و إدعاؤه أنه هو من طلبها كان مطلبها الآخر حتى لا يشك بها أحد


و الآن هي تحمل هاتف، به رقم قُتيبة ثم صدح الهاتف بـ إهتزاز فقط لتقول حوراء بـ صوتٍ هامس 


-رُدي بسرعة… 


تسارعت نبضات قلبها و تأكدت أنه قُتيبة فـ لا حمامة سلام بينهما سوى حوراء، و بلا تردد فتحت الهاتف و ما أن وضعته على أُذنها حتى حبست أنفاسها و هي تسمع صوته يُناديها بـ شجن


-كيان!... 


بعد طول شوق سمعت صوته، ثلاثون يومًا لم تسمع صوته أو تلمحه حتى، لم تعتقد كيان أنها تشتاقه لهذه الدرجة، فـ وضعت يدها على فمها تمنع شهقة كادت أن تخرج و إستدارت بعيدًا عن حوراء، و التي خرجت إلى الشُرفة لتُتيح لها بعض الخصوصية


و في الداخل ظلت كيان صامتة تتنفس فقط حتى سمعت صوت قُتيبة يهتف من جديد بـ شراسة 


-متبخليش عليا بـ صوتك، أنا عطشان يا كياني

-همست بـ إرتجاف:قُتيبة!!... 


سمعت صوت تأوهه فـ فغرت شفتيها، ثم قال بعد لحظاتٍ من الصمت القاتل بـ صوتٍ شرس أخافها 


-إزاي أمنع نفسي عنك دلوقتي!... 


زفرت نفسًا مُرتجف و عادت تهمس و كأنها لا تعرف من الحديث سوى اسمه


-قُتيبة!!... 


سمعت ضحكة سوداوية، قاتلة قبل أن يهتف بـ  صوتٍ عنيف، أحست كما لو أنه يُحطم ضلوعها 


-لو مش عايزة فضيحة جديدة، يبقى بطلي تقولي اسمي… 


هبطت عبرة و تلتها أُخرى قبل أن تهمس بـ تشنج و خوف


-كدا عرفت الإجابة

-بتقولي إيه!... 


فضلت كيان الصمت و رفعت رُكبتيها إلى صدرها و لا زال الهاتف على أُذنها ثم سمعته يقول بـ صوتٍ يزداد به العُنف


-بتعاقبيني عشان بحارب؟ بحارب عشانك! 

-هتفت بـ صوتٍ ذاهب:أنا أنا مش عارفة، لأ مش بعاقبك… 


سمعت صوت ضحكته العابثة فـ حلق لها قلبها اليتيم بـ حُبهِ ثم قال بـ نبرةٍ لاهبة


-محتاجك يا كيان، محتاجك فـ حياتي 

-ليه! 

-ضحك بـ شراسة أكبر و قال:بتسألي! و مع ذلك هجاوبك… 


أخافتها ضحكته و بما سيُجيب أكثر، و لكنها إستمعت بـ جسد يرتجف كما أنفاسها


-لأنك الحياة بـ النسبالي، لأني مش هعيش غير بيكِ… 


بكت كيان دون صوت و إنتظرت باقي حديثه، فـ أكمل بـ صوتٍ إخترقها و إهتز كيانها لأجله


-و أنتِ سبب إني بحارب نفسي، اللي لو عرفتِ اللي فيها هتهربِ… 


أرادت النفي، أرادت أن تُخبره أنها لن تهرب، و لكنها لم تستطع الحديث بل ظلت صامتة تستمع إلى فيض مشاعره المُخيفة


إلى ذلك الطوفان القاتل الذي يجرفهما إلى منطقة شديدة العُمق

إلى بُركان أطاح بهما و أضرم النيران في قلبيهما 


و تقبلت هي كُل ذلك بـ صدرٍ رحب و أرادت منه المزيد، و الإعتراف كان خطيئة لا يجب عليها إظهارها


و رغم ذلك لم يتوقف قُتيبة عن الحديث و البوح بـ فيضِ مشاعره، فـ أردف بما أَذهبَ المُتبقي من أنفاسها 


-أنتِ أرض الوطن بعد طول غُربة…

#الفصل_الخامس_عشر

#أغلال_لعنتهُ 


هي قلعة إخترق هو حصونها و في ساحتها الفارغة خاض المعركة 

و خسرت ضده، قيدها بـ لعنة وهمية و في أُذنها همس

"حصونكِ قد بُنيت لحمايتي" 


أغلقت كيان الهاتف و وضعته جوارها ثم بكت بـ قوة غيرِ آبهة بـ صوتها الذي قد يصل خارجًا، بينما حوراء ركضت إلى الداخل حينما سمعت صوت بُكاءها و دون حديث ضمتها تربت عليها بـ غرض تهدئتها


أمسكت كيان ذراع حوراء ثم قالت بـ نبرةٍ صارخةٍ و كأنها لم تعد تحتمل حفظ السر الذي أثقل كاهلها حتى و إن كان مطلب شخصي بل كان توسل أرهق قلبها أن يُدفن هذا السر معهما إلى القبر 


-أنا ظلمته يا حوراء، كُلنا ظالمينه… 


توقفت يد حوراء عن التربيت عليها و عقدت حاجبيها ثم سألت بـ تردد و توجس 


-يعني إيه!... 


قبضت يد كيان بـ قوة أكبر دون حديث حتى تألمت حوراء و لكنها لم تتحدث بل تحملت حتى رفعت كيان نفسها و مسحت وجهها ثم نهضت إلا أن حوراء أمسكتها و سألتها بـ تحيّر


-رايحة فين!!... 


لم ترد كيان بل خرجت و توجهت إلى حيثِ يجلس جدها و جدتها ثم صرخت فجأة أفزعتهم


-هتسمعوني كويس، فين عُميّر!... 


خرج عُميّر من المرحاض على عجالة حينما سمع صوت شقيقته و وقف جوار حوراء التي كانت تركض خلف كيان و نظرا إلى بعضيهما في حيرة و تساؤل و لكن لم يستمر ذلك كثيرًا حيث قالت تلك الصارخة 


-في حاجة مُهمة لازم تعرفوها… 


تهكنت حوراء أنها تخص ماضيها مع قُتيبة و لا تفسير آخر لهذا بعد مُكالمتهما، لذلك تنحنحت حوراء و قالت بـ تراجع


-طب هستأذن، هكلم بابا… 


يد عُميّر منعتها فجأة، فـ شهقتو نظرت بـ توتر إليه، لتجد فكهُ مُتشنج و كأنه يمنع نفسه من فعل أهوج و يُريدها حاضرة حتى يُسيطر على نفسهِ، على الأقل ستستطيع حوراء تهدئة الأجواء من حولها فـ صمتت و سكنت جواره


نظر حلمي إلى كيان التي كانت تهتز من كثرة إرتجاف جسدها، و حينها عَلِمَ أنها ستبوح بـ سرٍ شديد الخطورة، أو ربُما شيء سيقلب كيانهم رأسًا على عقب، سيتغير شيء قوي بينهم 


نهضت جدتها ثم ربتت على ظهرها و جذبتها لتجلس جوارها، ترأف بـ حالتها المُهتزة، تلك الفتاة وصلت إلى مرحلةٍ ميؤوس منها، لقد ظنت أن بـ إبتعادها عن هذا المكان ستنسى و تُمضي قدمًا، و هذا ما ظنته حين عادت و أخبرتها أن ستتزوج لآخر، و لكن كُل هذا هُدم و الآن أمام هذه النظرة و الحالة المُريعة


هتفت بـ نبرةٍ حنونة و هي تقبض على يدها و تنظر إلى حلمي ليترأف هو الآخر بـ حالتها 


-أتكلمي يا حبيبتي… 


نظرت إلى الوجوه حولها و كأنها مُذنبة ما ينتظرها الجميع لتقُص الحقيقة و تنال عقابها المُستحق، ثم فركت يدها الحُرة بـ ساقها و قالت بـ تلعثم و نبرةٍ باهتة 


-كان كان طلب مني إني محكيش لحد، الـ الحقيقة نهائي، بس هو يستاهل يتعرف الحقيقة… 


ظنت أن حديثها غيرُ مفهوم فـ زفرت بـ ثقلٍ و قالت


-أقصد إنه ميستاهلش يتحاسب على حاجة معملهاش

-زأر عُميّر بـ حدة:قتل و كُلنا عارفين ده كويس… 


ضغطت حوراء على يدهِ و زجرته بـ حدة ثم هتفت بـ نزق ليصمت


-سيبها تتكلم، متبقاش عامل زي اللُقمة اللي فـ الزور كدا… 


صمت عُميّر على مضض ليس لعبارة حوراء فقط و لكن لنظرة جده له فـ جلس و صمت ينتظر باقي حديثها، بينما إلتفت السيد حلمي لكيان و قال بـ إهتمام 


-كملي يا كيان سامعينك… 


سرت رجفة عنيفة في جسدها و هي مُجبرة أن تتذكر أحداث ماضية، أحداث كانت تظن أنها ألقت بها في صندوق أسود و من ثم ألقت به في مياه شديدة العُمق، أخذت نفسًا و قررت الحديث و قد فات آوان التراجع و الهروب 


-فـ اليوم دا كُنت راجعة من المدرسة… 


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


كانت شديدة الحماس للعودة و إخبار الجميع بـ النتيجة التي حصلت عليها، كانت أكثر سعادة من ذي قبل، كانت تُريد إخباره بـ شدة، تُريده أن يعلم أنها تقوم بـ قُصارى جهدها و أنها ستسبقه 


تعلم أنه لا يأبه و لكنها تُريده أن يفخر بها، لذلك كان الحماس يعمي عينيها و علقها عما يدور حولها، و فجأة توقفت عندما وجدت شاهين - والد قُتيبة - يقف أمامها و يُحدق بها بـ تدقيق لم تفهم ما به، و تحدث هو أولًا بـ نبرةٍ ناعمة كـ عادتهِ معها 


-رايحة فين يا كيان!... 


إبتسمت بـ براءة إنه والد قُتيبة فـ لا بأس، لتقول بـ ذات حماسها


-جبت درجات حلوة و كُنت هوريها لأهلي 

-سأل بـ خُبثٍ: مش هتوريها لقُتيبة!... 


تخضبت وجنتيها بـ خجل و نظرت حولها و كأنها تبحث عنه فـ ضحك و قال


-مش هنا، راح مشوار… 


تغضنت تعابير وجهها بـ إحباط و أنزلت رأسها بـ حُزن، ليقترب منها شاهين بـ خُبثٍ قذر و وضع يده على كتفها بـ طريقةٍ حميمية ظهرت و كأنه يربت على كتف إبنته ثم همس بـ فحيح


-أنا عارف هو فين و كمان مستنيكِ

-رفعت رأسها بـ لهفةٍ:بجد يا عمو! 

-قبض أكثر على كتفها وقال:طبعًا يا روح عمو، تعالي نروحله… 


سارت معه بضع خطوات و لكنها توقفت فجأة و قالت بـ تردد


-بس لازم أروح لجده و تيتة الأول

-متقلقيش مش هنتأخر… 


ساد التردد بـ عينيها و لمحه شاهين فـ قال يضغط على كلماته و يضربها في مقتل لن تستطيع الخروج منه


-قُتيبة مشغول أوي، و لو مروحتيش تشوفيه مش هتعرفي لكام يوم، و بعدين كان مستنيكِ من بدري و هيزعل لو مرحتيش… 


و أمام قُتيبة يختفي كُل المنطق و التردد فـ تبعته دون خوفٍ، فـ هو شاهين والده و الذي لن يؤذيها كما يفعل قُتيبة، لذلك لم ترفع حوائط حذرها و تبعته بـ براءة 


"عودة إلى الوقت الحالي" 


إرتعش جسدها بـ قوة و عانقت نفسها ثم قالت بـ إرتجاف و بدأت تبكي بـ صمتٍ تسترجع طعم الألم داخل فمها


-مكُنتش مفكرة إنه هيعمل حاجة، هو كان أبوه فـ مُستحيل يأذيني، كان بيعاملني كأني بنته فـ روحت معاه من غير تفكير… 


نظرت إلى جدها تتوسله ألا يدعها تُكمل و يفهم ما حدث و لكنه كان أقسى من ذلك، يُريد أن يسمع براءة قُتيبة بـ أُذنيهِ لا مُجرد شعور أحمق، فـ هتف بـ صلابةٍ وسط صمت مُخيف أكل الجميع من الصدمة 


-كملي!... 


إهتز جسدها إلى الأمام و الخلف و هتفت بـ داخلها "لا بأس" كُل هذا مر، و شاهين قد مات و لكن الألم لا زال حاضرًا و كأنه حدث أمس، أخذت نفسًا مُرتجفًا و أكملت، لن تتراجع، فقط لأجلهِ


-قُتيبة محاولش يأذيني زي ما حكى و أبوه أنقذني فـ قُتيبة قتله، اللي حصل العكس… 


و كأن الطير تأكل الخُبز من رؤوسهم فـ ساد صمتٍ مُخيف، الحقائق التي عاش عليها الجميع طيلة هذا الوقت، أصبحت أكذوبة بُنيت على إعتراف ساذج منها، فَضَلَ قُتيبة أن يكون بـ نظرهم قذرًا على ألا يكون والده ذلك، والده الذي يكرهه كثيرًا 


********************


-العشا أذنت يا أسعد قوم نصلي… 


نهض أسعد بعدما نطق عُبيدة بـ عبارتهِ بـ سكون و خجل كبير، بينما ربت عُبيدة على كتفهِ و إبتسم قائلًا بـ نبرةٍ عاقلةٍ، أخوية 


-أنا متكلمتش معاك يا أسعد عشان تحس بـ الكسوف مني، أنا كلمتك عشان أنا أخوك الكبير 

-هتف أسعد و هو يُبعد رأسه عنه:عشان كدا مكسوف منك… 


إبتسم عُبيدة و أكمل سيرهما إلى المسجد ثم قال بـ هدوءٍ


-و مين مغلطش فـ سنك، مين أصلًا مبيغلطش

-جاءه الرد سريعًا:أنت

-رفع عُبيدة حاجبيه و قال بـ دهشة:مين قالك! مش عشان بوريك أحسن صفاتي و تصرفاتي يبقى مبغلطش، كُلنا بنغلط يا أسعد… 


توقفا أمام المسجد و خلعا نعليهما ثم دلفا و توضأ عُبيدة و من ثم أسعد ثم و قبل أن تبدأ الصلاة هتف الأول


-كُلنا بنغلط، بس اللي ربنا بيحبه هو اللي هيلهمه الإستغفار… 


بدأت صلاة العشاء و إنتهت، ليجلسا قليلًا في المسجد و كان أمامه أسعد الذي قال 


-أنا إعتذرت من وقاص و وعدته مش هعمل كدا تاني، مكنتش حابب يقولك 

-رد عُبيدة:وقاص عشان بيحبك لجألي يا أسعد، عشان عارف إني هوجهك صح، عشان عاوزك راجل صح، مش كلمتين تسمعهم منه و من نضاله فـ تسكت شوية و ترجع

-هتف أسعد بـ هجوم:مكنتش هرجع

-و عرفت منين! إيه ثقتك!... 


صمت أسعد و لم يجد ما يقوله فـ ربت على ساقهِ و قال بـ صوتٍ رخيم


-وقاص تعب عشان يربيك لوحده وسط حاجات كتير كان بيواجهها، و مش بقول كدا عشان صاحبه، بس أخوك ميستحقش تغلط و ياريت تبعد عن صُحابك دول، أنت وعدته بس موفتش بـ وعدك… 


أحنى أسعد رأسه بـ خجل، عُبيدة مُحق لقد وعد شقيقه و لكنه كان لا يزال يلتقيهم خلسة مع الإمنتاع بـ الطبع عمل يتعاطوه و لكن كم كان سيستمر موقفه بـ الرفض و الثبات هذا! 


-إسمع يا أسعد، ربنا إداك أخ بيحميك و أداك حد زيي ينصحك، إبعد عنهم هيجروك لطريق وحش، المُهم متقصرش فـ حق ربنا و إطلب يسامحك و هتلاقي وقاص سامحك… 


أومأ أسعد و إبتسم لإبتسامة عُبيدة المُشجعة ثم ربت على ساقهِ و قال


-قوم يلا عشان هيقفلوا الجامع… 


خرجا من المسجد و تبادلا أطراف الحديث حتى توقف عُبيدة على صوتٍ يعرفه جيدًا، صوت مليء بـ الغطرسة و الترفع و في مواجهتها كان يقف رجلًا ما يبدو و كأنها يتشاجران


سمع صوت أسعد يسأله و لكن لم يُزحزح عينيه عنها 


-مين دي؟! 

-خليك هنا…


توجه عُبيدة إلى حيث تقف إيزيل و على مقربة منهما سمع الحديث الدائر 


-دفعت إيزيل يده و قالت بـ صلف:و النهاية من كلامك دا!... 


إقترب ذلك الرجل منها ثم حاول إمساك يدها و قال بـ صوتٍ ماكر شديد النفور 


-يعني إتجوزيني يا إيزيل و هرجعلك حقك

-رفعت إيزيل حاجبها و قالت بـ فتور:حقي! اللي أنتوا كلتوه يا بن عمي! 

-صك أسنانه وقال:و أنا بقولك هرجعه… 


ضربت إيزيل يده التي بدأت تتجرأ أكثر ثم قالت بـ نبرةٍ شبه حادة


-قولتلك مش عايزة حاجة، و حقي هيرجع… 


مسد يده مكان ضربتها الحارقة ثم قال مُقتربًا أكثر و إبتسامة مقيتة ترتسم على وجههِ 


-إوعي تكوني حاطة عينك على وقاص، شكلك كدا بتفكري فيه… 


صفعة غير متوقعة سقطت على وجههِ ثم هدرت هذه المرة و الغضب يعتريها بعد أن تجرأ على قول ما يمس شرفها


-أنا مش زبالة زيكوا، فوق و إعرف أنت بتكلم مين… 


إتسعت عينيه بـ خطورة و تطاير الشرر منها ثم رفع يده ينوي صفعها و قررت هي تلقيها، لن تُظهر خوفها حتى و إن كانت ترتعد داخلها، إلا أن الصفعة لم تهبط و لم تشعر بها بل بدلًا عن ذلك سمعت صوت مألوف يقول بـ صوتٍ جهوري غاضب


-هو محدش قالك راجل لواحدة يبقى اسمه إيه؟! 

-نظر إليه بـ ذهول و هدر:إوعى إيدك يا بني آدم أنت!... 


حاول نزع يده و لكن عُبيدة كان يشد على يدهِ أكثر و الآخر يتأوه و لكنه لم يأبه بل نظر إلى إيزيل و سألها بـ إهتمام 


-أنتِ كويسة!!... 


نظرت إليه إيزيل بـ دهشة ثم أومأت بـ تردد، و كاد الآخر أن يضرب عُبيدة إلا أنه قام بـ لف يده خلف ظهره و رفعها في إتجاه مُعاكس، حركة بسيطة و يقوم بـ كسر يده، ليقترب منه عُبيدة و همس حتى لا تسمع إيزيل 


-عارف لو مكنش فيه واحدة واقفة، كُنت علمتك معنى الرجولة

-هدر الآخر بـ  تألم:أه يا وسـ آآآه… 


ضغط عُبيدة بـ حذر حتى لا يكسر ذراعه ثم هتف بـ تحذير 


-تؤتؤتؤ، مفيناش من شتيمة… 


دفعه عُبيدة بعيدًا عنه ثم جذب يد إيزيل و أخذها راحلًا حتى وصل إلى حيث يقف أسعد، الذي لا يقل دهشة عن إيزيل، ليترك يدها و يقول بـ صوتٍ خشن 


-أنا آسف إني سحبتك كدا، بس مكنش ينفع أسيبك و أمشي… 


أمسكت إيزيل معصمها و فركته ثم قالت بـ إمتنان و خجل يراه لأول مرة


-شكرًا يا عُبيدة… 


نظر إليها عُبيدة مُطولًا، كان لأول مرة يُحدق بـ ملامحها رغم صلفها و عجرفتها، إلا أنها تبدو كأي فتاة تخشى العُنف و يظهر جانبها الضعيف في هذه المواقف، خاصةً و هو كان يستشعر إرتجاف جسدها مُنذ قليل


حينها إبتسم بـ لُطف و حك مُؤخرة عُنقه و قال


-عفوًا، أنا معملتش حاجة كبيرة 

-إبتسمت هي و قالت:بس حقيقي شُكرًا… 


لأول مرة يراها كـ أُنثى، أو أن ينظر إليها من منظور آخر، هي رقيقة و جميلة بـ عجرفة نُقشت حروفها على معالم وجهها الفاتن، و هذه أول مرة يستمع إلى اسمه بـ هذه النبرة الرقيقة و اللطيفة الشبيهة بـ الحلوى القطنية


وضع يده على فمه و عقله يومض بـ تحذير سائلًا إياه ألم تكن تكرهها؟ 


تدخل أسعد و سأل ناظرًا بينهما بـ غرابة 


-أنتوا تعرفوا بعض يا إيزيل! 

-أجابت:مش إحنا شغالين مع بعض فـ نفس الشركة؟ 

-بتشتغلي فـ شركة وقاص! مكنتش أعرف… 


رفع عُبيدة حاجبه و صمت بينما سألها أسعد 


-كُنتِ بتعملي إيه فـ الوقت دا! معرفتكيش من بعيد! 

-هتفت:كُنت آآ

-قاطعها عُبيدة:الوقت إتأخر، تعالي نوصلك فـ طريقنا… 


لا تعرف لماذا فعل هذا و هي كانت من الأساس لن تُخبر أسعد بـ أي شيء و لكنها قررت التماشي معه و قالت


-تمام شُكرًا 

-هتف أسعد مُعترضًا:مش نفهم الأول… 


ضرب عُبيدة رأس أسعد و قال بـ صوتٍ تحذيري


-يلا يا أسعد وراك كُلية الصُبح، و متنساش كلامنا… 


سار ثلاثتهم في نفس الطريق و لكن كانت إيزيل تسير جوار أسعد و تتبادل معه أطراف الحديث، و لكن لماذا يشعر عُبيدة بـ كُل هذا الإحباط؟ 


********************


بعد مرور أسبوع


لا تُصدق، حقًا لا تُصدق، اليوم هو اليوم الموعود، ستُزف إليه، ستُصبح عروسه كما تمنى، بعد مُحادثتها مع جدها مُنذ سبعة أيام كان الصمت حليفهم وقتها نهض جدها دون حديث حتى عُميّر 


شقيقها الذي كره و لا يزال يكره قُتيبة كان صامتًا، و الصدمة ترتسم على ملامحهِ فـ منعته من الحديث، و رغم ذلك لم يوافق أحد عليه بل كان سبب أقوى لفسخ خطبتهما، و كان هذا أكثر من المُستحيل 


حينها قالت كيان قبل أن تعود إلى غُرفتها و تلحق بها حوراء 


-أنا مش هكون لغيره، كدبت و إتحمل ذنب مش ذنبه، قُتيبة كان بيكره أبوه… 


هي حقًا لا تعلم أنه يكره والده و لكنها إستنبطت ذلك، و كان حجة أقوى لها، و مر يومين و جاءت جدتها و أخبرتها أن الزفاف سيتم في غضون خمسةِ أيام و فقط، و هي لم تسأل، حتى حوراء لم تعلم ماذا حدث


و ها هي اليوم ترتدي ثوب الزفاف الذي أحضرته حوراء على عجالة، كان بسيط من الحرير بلا أي نقوش أو زينة، يضيق على جسدها العلوي مع حزام من الزهور البيضاء تُزين خصرها ثم تنسدل الزهور في الخلف حتى نهاية الثوب


و خُصلاتهِا القصيرة جمعتها بـ طوقٍ آخر من الزهور و لكن تداخل معها بعد الغصون، كانت جميلة بـ رقة و بـ إمكانيات قليلة، الزفاف سيتم بـ المنزل يقتصر حضوره على الأقارب فقط و مأذون شرعي ليعقد القران 


و هذا ما تمنته، حوراء من وضعت لها مساحيق التجميل، و وضعت ذلك الطوق، وضعت حوراء أحمر الشفاة كـ لمسةٍ أخيرة ثم قالت بـ حماس


-جميلة أوي يا كيان… 


مزيج من السعادة و الخوف لِما هي مُقدمة عليه، لتنهض و تواجه حوراء التي ترتدي ثوب أزرق اللون ثم قالت 


-أنا خايفة… 


أغلقت حوراء أحمر الشفاة ثم حاوطت ذراعيها و قالت بـ نبرةٍ صادقة، و تحمل طُمأنينة كبيرة 


-تأكدي يا كيان إنك إختارتِ راجل، لو ضر العالم عُمره ما هيضرك، دا حبيبك الأول و الأخير… 


"لو ضر العالم عمره ما هيضرك" تردد صدى العبارة في أُذنها أكثر من مرة، أجل قُتيبة على أتم الإستعداد لقتل نفسه إن كان ذلك سيحميها، قُتيبة ألقى بـ مُستقبل مُشرق ليُنقذها و يُلقى به بـ السجن


إبتسمت كيان بـ تردد و ضمت حوراء هامسة 


-شُكرًا يا حوراء… 


ضمتها حوراء و ربتت عليها تُطمأنها ثم أبعدتها لتخرج و ترى الأجواء، و ياليتها لم تخرج، كانت الأجواء تُشبه المأتم، الجميع صامت بلا حديث، بلا أغاني و هم في إنتظار العريس، و الذي لم يتأخر حقًا


رأته يدلف في حلة سوداء راقية قليلًا و معه صديقه آدم و زوجته، والدته بـ الطبع لن تأتي، كان قُتيبة وسيم بـ خشونة مُفزعة و أضافت تلك الحلة على وسامته وسامة أُخرى، و السعادة ترتسم على ملامحهِ، كانت مُشرقة عكس الأجواء الصامتة تلك، و من خلفهم دخل المأذون الشرعي 


تحمست حوراء و دخلت سريعًا تُخبر كيان قائلة 


-جه، جه، العريس وصل… 


نهضت كيان بـ توتر و تصاعدت ضربات قلبها و كأنها على وشك تحطيم قفصها الصدري، و إزدردت ريقها الجاف ثم وضعت يدها على صدرها، و إقتربت حوراء قائلة 


-إهدي يا كيان… 


و بـ الخارج كان يبحث عنها بـ لهفة لم يستطع إخفاءها عن أعين الجميع، و جواره آدم الذي أمسكه و قال 


-قُتيبة إهدى شوية، أنت شايف المنظر عامل إزاي

-هتف بلا مُبالاة:مش مُهم، أهم حاجة هي… 


زفر آدم بـ يأس و قرر الصمت، لن يربح أمامه، بينما مالت زوجته تجاهه و سألته بـ تردد 


-هو إحنا جينا عنوان غلط و دخلنا عزا بدل الفرح! 

-كتم آدم ضحكة و قال:أنتِ شايفة الظروف بينهم عاملة إزاي… 


أومأت و صمتت تُتابع قُتيبة الذي توجه إلى السيد حلمي و صافحه، رغم تمنع الآخر و تجهم ملامح وجهه و سأله


-فين كيان! إوعى ترجع فـ كلامك يا حج حلمي

-رد السيد حلمي بـ تجهم:أنت خليت فيها تراجع، أنت هددتنا كُلنا… 


قتمت ملامح قُتيبة و تشنجت عضلات فكه ثم ترك يد السيد حلمي قبل أن يضغط عليها أكثر و قال بـ صوتٍ أسود، ثقيل


-أنتوا اللي خلتوني أعمل كدا، خصوصًا إن حفيدتك فتنت السر، ساعتها مكنش ينفع أتراجع عنها

-نظر إليه السيد حلمي و سأله بـ غموض:ليه إتحملت ذنب مش ذنبك!... 


ساد صمتٌ ثقيل و أحس السيد حلمي أنه لم يكن عليه السؤال، قُتيبة لا يزال ذلك الطفل الصغير الذي بحث طويلًا عن حُب العائلة و لكنه لم يجد، فـ وجده مع كيان كان من القسوة ليمنعهما أن يكونا معًا


بعد تلك الحقيقة كانت صدمة و ليست صدمة، توقع و لكنه دحض ذلك التوقع و الظن ثم أكدته كيان، و رُغمًا عنه ثَقُل قلبه من أجلهِ و عاد بـ نظرهِ قُتيبة ذي العشر سنوات الذي تمسك بـ عباءته يومًا و أخبر مُديرة مدرسته أنه والده


لم ينسَ نظرة الطفل و هو يتوسل له ألا يُخجله، فـ لم يفعل و قرر السيد حلمي أن يُعطيه عائلة و لكنه سلبها منه في مُنتصف الطريق، و عاد يظهر الحق و لكنه بـ النهاية قاتل! 


أجاب قُتيبة بـعد الكثير من الصمت و قال بـ نبرةٍ خالية من المشاعر


-مكنش ينفع غير كدا… 


و تكملة عبارته لأجلهِ و أجل والدته، تنهد السيد حلمي ثم قال


-هنده كيان عشان نخلص… 


*******************


طوال الطريق و هي تجلس في سيارة تم إستئجارها ترن عبارة المأذون الشرعي "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير" الآن هي زوجته و تجلس جواره، يُمسك يدها يخشى أن تهرب و هي تركته يفعل ما يشاء و الآن هما في طريقهما إلى 


-مملكتي… 


و هي صامتة لا تُبدي أي رد فعل، مُنذ الصباح و هي تشعر بـ تخبط في المشاعر و لكن الأكيد، تشعر أنها في مكانها الصحيح، توقفت السيارة أمام بناية بعيدة عن الحي الذي يسكنوه، ليهبط و هي معه


ترك آدم دون أن يُحدثه و هي فقط في يدهِ و تبدو أنها الوحيدة التي تدور في عالمهِ الآن، الصمت لم يكن ثقيل و لكنه كان أبلغ من أي حديث بينهما، قُتيبة بعدما إنتهى عقد القران، لم ينتظر بل أخبرهم بـ بساطة أن حفل الزفاف إنتهى و سيأخذ عروسه


تعلم أن الإنتظار قد بلغ مبلغه و لن يستطيع قُتيبة أن يُبدي ما يشعر به أمام الجميع، لذلك أخذها و هرب بها إلى هُنا، صعدت معه حتى وصلا إلى الطابق المطلوب و فؤادها يتخبط داخل صدرها، ينوي الهروب و لكن إلى أين و ذلك الذي يُقيده يحكم قيده حولها كُلها و قلبها الأحمق يُحبُ أسره و يتمناه دومًا


فتح قُتيبة الباب و إبتعد لتدلف، صوت فتح القفل كان بـ مثابة رنة ذات نغمة عذبة سحرت قلبها، و كأنها حقًا قلعة فُتحت أبوابها لتستقبل ملكتها


لا تُصدق أنها أصبحت في مملكته الآن، و إن صح قول عليها مملكة كما يقول، إنها شقة صغيرة فقط تسع شخصين أو ثلاث على الأكثر و لكن الأهم من ذلك أنها كما أرادت، حوائط لونها كما أحبت، مثل ما أخبرته سابقًا و هو لم ينسَ، فـ نظرت حولها بـ إنبهار قبل أن يقترب منها و يضع ذقنه على كتفها و قال بـ صوتٍ أخافها من شدة مشاعره به


-مش ناسي طلبك يا كياني… 


إلتفت يده حولها و كأنها أغلال أحكمت قيدها عليها ثم همس بـ صوتٍ عنيف


-مبنساش أي حاجة تُخصك… 


لم. تجد القُدرة على الحديث، و بدلًا من ذلك. خرجت صرخة قصيرة حينما حملها قُتيبة بين يديهِ و ثوب زفافها يلتف حولها في هالة تُناسبها تمامًا، و توجه بها إلى ممر ثم قال بـ نظرةٍ أسرتها أكثر من أغلاله


-شبه سحابة محاوطة ملاك… 


كان يصفها بـ ثوب زفافها، كانت هالتها رقيقة حقًا رغم قلة الإمكانيات إلى أن حوراء و هي أيضًا حرصتا كُل الحرص على الظهور في أبهى طلةٍ و لم تدخر هي في إظهارها، أرادت أن تكون جميلة جدًا اليوم، تليق بـ حفلِ زفافهما البسيطة الذي كان يدور حولهما فقط


حاوطت كيان عُنقه خوفًا لسقوطها و هذه الحركة جعلت جسده بـ أكملهِ يجفل ثم سألت بـ تردد و لعثمة


-هو إحنا رايحين الحمام ليه!... 


إبتسم قُتيبة و لم يرد فـ تردد صدى ضربات قلبها و إستشعرها هو فـ تحولت إبتسامته إلى ضحكة خشنة و هتف بـ إنفعال غريب جعل جسدها يضربه البرودة


-متقلقيش يا كياني أنتِ بقيتِ مراتي، يعني مش هعمل حاجة أكتر من اللي هعمله… 


لم تفهم و لا تُريد أن تفهم فـ دفنت وجهها بـ صدرهِ، أجبرها أن تتعجل في موعد الزفاف و أجبرها ان تكون معه، و لكنه لم يستطع جبر قلبها الذي يُرفرف الآن بين أضلُعها كـ طائر سعيد بـ حُريته المحدودة في قفصه


إنحنى قليلًا و فتح الباب ثم دلف و وضعها أسفل مصدر المياه فـ سألت بـ تخوف


-قُتيبة هو أنت هتعمل إيه!... 


همس قُتيبة و هو يقترب منها بـ شدة و خطورة تكاد حدتها تقتُلها ثم فتح المياه خلفها 


-هحققلك أُمنية إتمنتيها زمان… 


شقهت و المياه تنهمر عليهما ثم أحاطها قُتيبة بـ خشونة و ظل يُحدق بـ وجهها الذي تنهمر عليه المياه بدءًا من عينيها التي تلطخت من أثار مُستحضرات التجميل إلى شفتيها اللامعة، و بدا تنفسه يتعالى إنها الآن بين يديهِ لا يمنعه عنها سوى تردد بسيط من تذكر ذلك اليوم


إلا أنه دحض هذا التردد عندما بدأت يده تُزيل الثوب ثم فجأة، قَبّلها، كانت قُبلة حسية جميلة، كـ لمسة فراشة شديدة الرقة و العذبة، كأول قُبلة بين حبيبين مُراهقين أسفل المطر 


أسفل المطر؟! 


ياللهي إنه يتذكر تمنيتها الطفولي الأكثر منه مُراهق، يوم أخبرته أنها تتوق إلى رومانسية لطيفة تبدأ بـ قُبلةٍ حلوة أسفل المطر ثم يُعانقها و يُخبرها أنها كُل شئ


-أنتِ كُل حاجة بالنسبالي، أنتِ الحياة يا كياني… 


همسها بـ صوتٍ أجش، يفيض حرارة من فرط ما حدث الآن، و إتسعت عينيها بـ ذهول قاتل، لقد بعثرها في أول لحظاتٍ لهما معًا في هذا المنزل معًا، وجدته يُعانقها كما أخبرته و دفن وجهه في عُنقها و قَبّلها كثيرًا و كانت هي مُستسلمة بـ غرابة


لمساته كانت جميلة و مُراعية عكس ذكرى ذلك اليوم الذي تخشاه، و كأنه محى ما حدث فـ أصبح ضباب لا تتذكر أنه حدث من الأساس، مُختلفة و كأنها تُخبرها أن لا بأس، هو قُتيبة و فقط، هو ذلك الملاذ الذي أحاطها مُنذ مُدةً طويلة و حتى و إن كان بعيدًا عنها


رفعت رأسها و ضمت شفتيها، مشاعرها مُتضاربة ما بين الخوف و السعادة، تُريد دفعه و في نفس الوقت تخشى أن يرحل إلى الأبد، سمعته يهمس بـ صوتٍ شرس مُخيف و هو يتكئ إلى الحائط خلفها


-حاولت إني أوقف نفسي و أصبر بس مش قادر، موافقة!... 


نظرت إلى عينيه و كأنها شخصًا آخر و كان ردها إيماءة بسيطة، إيماءة واحدة أباحت له لحظاتٍ ربُما ستجعل الكوابيس تُراودها الليلة 


و لكن ألن يكون هو جوارها!! 


********************


طرواة عبراتها يستشعرها على ذراعهِ الذي تدفن فيه وجهها، كان يُعانقها من الخلف بـ قوة و يُخفي جسدهما غطاء، خُصلاتهِا يُمشطها بين الحين و الآخر و كأنه يُهدهدها، و صوت أنفاسه التي تقترب لتطبع قُبلةً خلف أُذنها كانت بـ مثابة تهويدة ما قبل النوم، و إنه ليُحزن قلبه ذلك الألم الذي يشطره نصفين قبلها


كان يُريد أن يسأل هل تتألم جسديًا أم ذكرى ذلك اليوم؟ و لكنه خشى الإجابة فـ كان يختبئ منها في عناق دافئ يضع فيه وجهه بـ عُنقها النابض، و جسده يتحفز لأي رد فعل منها و أولهم النفور، و لكن كيان لم تُبعده بل ظلت تبكي فقط


رفع يده التي يضعها أسفل رأسها و حاوط بها كتفها ثم همس سائلًا بـ صوتٍ أجش، خشن و مُضطرب


-بتتألمي!... 


أحس بـ تشنج جسدها و إرتجافه ليتصلب جسده هو الآخر و أحس بـ تباطؤ نبضات قلبه، و لكن حركة تأكيد بسيطة جعلت نبضاته تتوقف، ثم تجرأ و سأل بـ صوتٍ أكثر صلابة و خالي من المشاعر


-بتكرهيني!... 


ساد الصمت لعدة لحظات حركت رأسها بـ نفي بسيط جعله يتنفس الصعداء، وضع قُتيبة قُبلةً على رأسها ثم كتفها و همس يضمها أكثر إليه 


-نامي يا كيان، هفضل جنبك… 


لقد ظنت أن ذكرى ذلك اليوم لن تعود، ذكراها كان قاسٍ جدًا عليهما و تأسف أنها تؤذيه، حزينة لأجلهِ و لكنها لا تجد ما تستطيع فعله، فـ فعلت كما قال و نامت، نامت مُمسكة ذراعه تتشبث به بـ قوة مُذكرة إياه بما فعلته في أول يوم دراسي لها


كانت تتشبث به هكذا، حركة بسيطة و لكنه أخبرته بـ وضوح أنه مأمنها الذي و إن ضاق للجميع فـ لن يتسع إلا لها


********************


في صباح اليوم التالي


عندما إستيقظت لم تجده جوارها فـ بحثت عنه و لكن لم تجده في أرجاء الغُرفة الضيقة، و لكنها وجدت ثياب لها موضوعة فوق المقعد المجاور لها، من أي حصل عليه؟ 


لم تجد وقتًا للإجابة بل جذبت الثياب و نهضت تلف حولها الغطاء و فتحت الباب و قابلها الصمت، تحركت بـ حذر تبحث عنه و لكنها لم تجده، تنفست الصعداء و ركضت إلى المرحاض خطوات عرجاء


إنطلقت صرخة و هي تجده يجلس أرضًا جوار حوض الإستحمام الصغير و يبدو أنه يُضبط حرارة المياه لتتناسب مع الطقس،يرتدي كنزة و يرفع أكمامها حتى لا تتبلل و يضع سائل الإستحمام، تراجعت و نهض هو مُبتسمًا قائلًا 


-صباحية مباركة يا عروسة 

-أنت بتعمل إيه هنا؟… 


إقترب منها قُتيبة و تراجعت إلا أنه جذبها من خصرها إليه فجأة و قال ضاحكًا


-أنا أعرف العرايس بتصحى مسكوفة، مش غبية… 


نظرت إليه كيان بـ غضب ليُقبل جبينها ثم حملها فـ شهقت و تمسكت به ليُكمل


-أنا جوزك يا ماما، يعني من حقي حتى أكون فـ أكتر الأماكن اللي متتوقعيش أكون فيها

-نزلني يا قُتيبة 

-متخافيش هعمل كدا… 


أنزلها و سحب الغطاء عنها على حين غُرة ثم وضعها في حوض الإستحمام بـ رقة، تأوهت كيان من حرارة المياه التي غمرت جسدها فـ أحست بـ إسترخاء فوري


بينما قُتيبة جلس خلفها و وضع مياه من الحوض على رأسها و بدأ في فرك رأسها و غسله، كادت تبكي لما يفعله و لمساته الرقيقة تُذكرها بـ أمس، و ذكراها كان دربًا من الخيال، لم تعتقد أنه سيكون رقيقًا مُراعيًا لها، كآنية فُخارية هشة، و الحق أنها لم تكره لمشتهو لم تكره ليلة أمس و لكن ذكرى قديمة شوهت حلاوتها 


كان يغسل جسدها و هي تكاد تبكي و الصمت يلفهما عدا صوت المياه قبل أن يسألها بـ صوتٍ سرى له القُشعريرة في جسدها 


-ندمانة يا كيان! قرفانة مني!... 


شهقت و تمسكت بـ حافة الحوض و لكنها نفت قائلة تستجمع شجاعتها الواهية و قلبها يركض في سباق لا نهاية له


-لأ، لأ أنا خايفة… 


سمعت ضحكته الخفيفة و قُبلة يضعها على رأسها المُبلل ثم همس في أُذنها بـ وعدٍ


-هطمنك، هتطمني و أنتِ معايا… 


********************


ذلك المُحتال، دلال الحمام الصباحي و الإفطار الذي جهزه لم يكن سوى رشوة لغداءٍ أنهك خلاياها، أخبرها أنه أحضر محتويات و حاجيات المنزل و يُريد… 


ياللهي القائمة لم تنتهي أبدًا و لكنها أعدته له، عبارة بسيطة قالها جعلت قلبها يلين له فورًا


"نفسي آكل أكل زي العائلات، أكل فيه دفى" 


وجدت نفسها كـ الغبية تقوم بـ تحضير ما لذ و طاب، و ها هي تجني ثمار عطفها عليه، المطبخ كان عبارة عن كارثة و الأطباق كانت كارثة أُخرى، فـ بدأت غسل الأطباق 


و لكثرتها تناثرت الكثير من المياه عليها و أصبحت ثيابها عن كارثة أُخرى، إنتهت من غسل الأطباق، ثم بدأت في تنظيف الفوضى ليظهر جبل آخر من الأطباق، أطلقت كيان صرخة داخلية و هدرت 


-حنية تاني مفيش، مفيش زفت تاني بتيجي على دماغي فـ الآخر… 


المزيد و المزيد من الأواني و الأطباق التي إتسخت، لم يكن غداءًا عاديًا بل كانت معركة، و كأنه يتضور جوعًا مُنذ زمنٍ بعيد و ها هو يحصل على أول وجبة دسمة له


شعرت بـ يديهِ تلتفان حولها، لتتنهد كيان صامتة و أغلقت صنبور المياه ثم إلتفتت إليه و نظرت بـ صمتٍ و هو كذلك قبل أن تنحدر نظراته إلى ثيابها المُبللة، ليقول و هو يميل إليها بـ عبثية مُحببة


-كُنتِ بتحاولي تغرقِ ولا إيه!

-نظرت إليه بـ غيظٍ و قالت بـ نزق:أه...


حاوط خصرها فجأة و جذبها إلى صدرهِ، ثم وضع يده أسفل ذقنها و قال بـ العبث ذاته و لكن هذه المرة حاوطه المكر


-طب مش تقوليلي و أنا أغرقك فـ حُبي!...


ضربت كيان يده و دفعته بعيدًا عنها و قالت 


-متفكرش إنها هتتكرر تاني… 


إبتسم يسخر منها، و يُخبرها أنها ستفعل، لتتركه كيان و تتجه إلى هاتفها الذي يصدح، و لم يكن سوى عُميّر أجابته و هي تنظر إلى قُتيبة الذي ينظر إليها بـ معالم مُظلمة ثم قالت ردًا على شقيقها 


-طبعًا يا عُميّر هتيجوا و بعدين أنا كويسة متقلـ… 


لم تستطع كيان إكمال حديثها فـ قد نزع قُتيبة الهاتف منها تحت أنظارها الذاهلة و قال بـ نبرةٍ قاطعة تحمل المكر أيضًا


-إحنا فـ شهر عسل مش عايزين حد يضايقنا لمدة شهر مُمكن!... 


يسخر منه و يرد بما فعلوه به بـ الماضي، و أغلق قُتيبة الهاتف و إقترب من كيان التي أكلت الهرة لسانها من الصدمة ثم هتف


-مش هسمحلهم يعكروا جونا…


لتكملة الروايه اضغطوا هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close