![]() |
نوڤيلا "عَشَقَ الثَّعلَبُ"
(( الفَصْلُ الأَوَّلُ والتاني والتالت والرابع والخامس والسادس والاخير))
بقلم أميره مدحت
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
أسدل الليل ستائرهُ السوداء، وكان البدرُ قد طلع كاملاً في السماء، ونشر ألوَّانهُ على الفضاءِ، لتبدأ ليلة رومانسية لن تُنسى تحت ضوء البدر، ليلة ستُغير حياة كُلاً منهما.
وقف بشموخ أمام المرآة ليعدل ياقة قميصهُ، رمق ذاتهُ بفخر وهو يرى نفسهُ جذاباً، حيثُ أرتدي حلة سوداء "ميتالك "، وقميص باللوَّنُ الأسودُ، ورابطة عنق بذات اللوَّنُ فزادتهُ وسامة وهيبة، حيثُ بدى مفتول العضلات.. ممشوق القوام.. ساحراً للأعين، مدّ يدهُ للأمام ليقبض على زُجاجة عطّرهُ الفاخر والمُفضل إليهِ، وبدأ يقوم بإشباع ملابسهُ بها، عقب إنتهائهُ من تلك المُهمة كان يعود بوضع الزُجاجة في مكانها، وهو يشعُر بالحماس على ما سيحدُث الليلة.
سار صوب الباب، ثُم أمسك بالمقبض ليديرهُ بحركة سريعة، فأنفتح الباب وولج للخارج، بخُطوات ثابتة واثقة لا تخشى.
قابل في طريقهُ إمرأة، سيدة أنيقة المظهر، في مُنتصف الخمسينات من عُمرها، جسدها مُمتلئ قليلاً، شعر رأسها أسود تتخلهُ خصلات بيضاء حولتهُ إلى لوَّنُ رُمادي، جعل ملامحها وقورة راقية مع آثار جمال وجذابية مازالت تحتفظ بهما.
وقف أمامها بإحترام، وبدأ بفتح الحديث معها، حيثُ سألها بجدية كعادتهُ :
_ها يا أُمي جهزتي ولا لسّه وراكي حاجة؟!
إبتسمت إبتسامة واسعة قائلة:
_لأ يا حبيبي أنا خلصت خلاص.
أبتسم إبتسامة صغيرة وهو يسألها مرّة أُخرى :
_بس إيه الجمال والشياكة دي؟
مدّت "إيمان" يدها نحو ذراعهُ لتربت عليهِ قائلة بسعادة كبيرة :
_طبعاً لازم أبقى كده، ده النهاردة كتب كتابك، اليوم إللي أستنيتهُ من زمان.
أتسعت إبتسامتهُ أكثر حتى برزت أسنانهُ، لمعت عينيه بوميض العشق حينما تذكرها، شعر بدقات قلبهُ التي تدُق كالطبول، شعر أن والدتهُ تسمع دقات قلبهُ من كثره قوة وعُنف الدق، شعورهُ اليوم أنها ستُصبح ملكهُ لهُ فقط شعور سعادة حقيقة لم يتذوقها مُنذ عدة أعوام بسبب طبيعة عملهُ، رغم أنهُ عُرف عنهُ بالثعلب بسبب أفكارهُ الماكرة وكذلك نظراتهُ، وغير ذلك أصبح تعاملهُ مع المرء تعامل به بعضٍ من الشدة وفي بعض الأحيان يُصبح التعامل به نوعٍ من القسوة، إلا أنها هي الفتاة الوحيدة التي سرقت قلبهُ بدون سابق إنذار.
خرج من شرودهُ على صوت والدتهُ القائل:
_إيه يا حبيبي مش يالا ننزل؟؟
أومأ برأسهُ عدة مرات وهو يقول بصوتهُ الرخيم:
_عندك حق، يالا بينا.
************
تلألأت النجوم في السماء بصورة واضحة رائعة حينما وصل صاحب تلك الليلة، صف سيارتهُ أمام مدخل البناية وترجل منها وهو يوجه أنظارهُ على البناية التي تُقطن فيها معشوقتهُ، وصلت سيارات أُخرى وبدأوا يصفونها خلف سيارتهُ، أستدار ليرى أقاربهُ ورفيقهُ الوحيد قد وصلوا، أول شخص ترجل من السيارة كان رفيقهُ الوحيد، حيثُ كان قد عاد من إحدى الدول الأوروبية من أجل حضور تلك اللحظة التي سيتزوج بها صديقهُ، ركض الرفيق الذي يدعى "طارق" نحو صديقهُ وهو يصرُخ بإسمهُ بسعادة، ففتح الأخير ذراعيه ليحتضنهُ بقوة، أخذ يربت "طارق" على ظهر رفيقهُ بقوة دليلاً على سعادتهُ وشوقهُ كثيراً لرؤيتهُ، لحظاتٍ وكان يتراجع للخلف وهو يردد بفرحة :
_ألف مبروك يا مُهاب، ألف ألف مبروك يا صاحبي.
ردّ عليه "مُهاب" بإبتسامة واسعة :
_الله يبارك فيك يا طارق، معقولة ترجع من السفر عشان تحضر كتب كتابي؟؟!
أجابهُ وهو يرفع حاجبيه :
_إذا مكُنتش أحضر كتب كتابك، هحضر لمين؟.. المُهم إنتوا ليه معملتوش فرح؟؟؟
سحب نفساً عميقاً للحظاتٍ قبل أن يحررهُ قائلاً بجدية:
_مش هنعمل دلوقتي، لأننا عندنا مُهمة هنطلعها بعد بُكرا مع بعض، أول ما المُهمة دي ما نخلص منها وننجح فيها هنحدد المعاد الفرح على طول، أنا قولت نعمل كتب كتاب عشان أقدر أحميها وغير كده مكُنتش قادر أصُبر أكتر من كده.
هز رأسهُ بإندهاش هاتفاً :
_مين يصدق واحد سموه الثعلب في المُخابرات المصرية يعشق بالطريقة دي؟؟!
ردّ عليه بعيونٍ ماكرة :
_توقع غير المتوقع يا صاحبي، يالا نطلع.
_يالا يا عريس.
************
"مهاب الألفي، ضابط في المُخابرات المصرية، يبلغ من العُمر ٣٢ عامٍ، عريض المنكبين، يتميز بالبشرة السمراء، وعينيه السوداء كالظلام الدامس، والشعر الأسود الكثيف الناعم كالدُب، قوي العضلات، لقب بالثعلب؛ فهو يأتي بأفكار ماكرة لا يستطيع مرء جلبها، من أهم الضُباط في المُخابرات المصرية؛ فهو يجيد أستخدام جميع أنواع الأسلحة، من المُسدس إلى قاذفة القنابل، ويجيد في بعض الفنون القتالية أهمها المصارعة والتايكوندو، وبراعتهُ الفائقة في قيادة جميع أنواع السيارات والطائرات، بالإضافة أنهُ يجيد التحدث لأربع لُغات، هو شخص لا يعرف في حياتهُ سوى الجدية البالغة وبعضُ من القسوة بسبب طبيعة عملهُ"
************
تعالت الزغاريد والتهنئة عقب أن ولج "مهاب" داخل المنزل الخاص بمعشوقتهُ، نظر لوالدتهُ ليراها تتوجه نحو طليقها ووالده "مُصطفى"، فقد طلقها مُنذ عدة أعوام حيث كان زواجهم زواج تقليدي، فهم لم يحبون بعضهم قط، ولكن تعاهدوا أن تصبح علاقتهم علاقة طيبة، وبعد ثلاثة أعوام من طلاقهم تزوج والدهُ من سيدة أرمله لديها فتاة تعمل في المُخابرات المصرية، لم تغضب "إيمان" بل تمنت سعادة لهُ ولها، ولذلك حينما قرر "مهاب" أن يتزوج بتلك الفتاة لم تمانع أبداً، بل رحبت بها كزوجه إبنها الوحيد.
مدت "إيمان" يدها لتصافح طليقها بابتسامة صافية:
_إزيك يا مُصطفى؟
صافحها "مُصطفى" بذات الإبتسامة وهو يردد :
_الحمدلله، إنتي عاملة إيه؟
_الحمدلله.
هتف بحرجٍ:
_إيمان، أنا بسألك مرة تانية، هو إنتي مضايقة أنا إبننا هيتجوز بنت مراتي؟
هزت رأسها نفياً قائلةً :
_إحنا من يوم ما إتفقنا نبقى أصحاب وأنا بتعامل معاك بنية صافية، وبنتك هتبقى زي بنتي إللي مخلفتهاش.
شعر براحة كبيرة تعتريه بعد أن هتفت بتلك الكلمات، فقال بسعادة :
_ريحتيني بعد كلامك ده.
حركت رأسها بحركة خفيفة وهي تقول :
_طب يالا عشان عايزة أشوف أُم العروسة والعروسة، ونكتب الكتاب.
تحركا معاً نحو غُرفة الصالون حيث يوجد المعازيم، إنطلقت زغاريد قوية عالية حينما ظهرت صاحبة تلك الليلة بفُستانها الذهبي، زاد جمالها حينما وضعت كُحل على عيونها وذلك الأحمر الشفاه الخارق الذي يُخطف الأنظار، أحس بإرتفاع نبضات قلبهُ في صدرهُ، رفع حاجبهُ للأعلى موضحًا إعجابهُ بها، بدأت تصافح المعازيم وتحركت صوب حماتها لتحتضنها فاحتضنتها الأخرى بحنان ثم جلست بجانبها وهي تحاول أن لا تنظر إليه حتى يتم عقد قرآنهم.
*************
" بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في الخير"
عند نطق المأذون بها، صدحت صفارات وصيحات صاخبة، ونهض العقود من مجالسهم مُهنئين في خضم التصفيق الحار، وإتجه الرجال نحو العريس بالمصافحة والاحضان وكذلك العروسة.
**************
" آثار سليمان، ضابطة في المُخابرات المصرية، في أواخر العشرينات، ممشوقة القوام، تتميز بالعيون التي باللون العسلي، وببشرتها البيضاء، و بالشعر الاسود الطويل الكثيف، من أهم الضباط في المُخابرات المصرية، حيث تجيد التحدث لست لُغات مُختلفة، وهي أيضاً تجيد إستخدام بعض الأسلحة أهمها المُسدس والبُندقية، وتجيد أيضاً في قيادة جميع أنواع السيارات والطائرات، عُرف عنها أنها فتاة جدية لا تقبل أي نوع من القسوة او الحدة، وذلك من أهم الأسباب التي جعلت حبيبها يقع في بحر غرامها، توفي والدها مُنذ عدة سنوات، وأثر ذلك على شخصيتها الجدية، فوالدها كان بالنسبه إليها صديق وأخ ليس ليس أب فقط"
*************
بعد فترة قصيرة.. كانت واقفة مع إحدى أصدقائها الفتيات ولكن غادرت لأمرٍ ما، وقفت وعلى وجهها إبتسامه صغيرة، وفجأة.. وجدت من يسحبها الى ركنٍ فارغ، وقبل أن تُشهق بصدمة كان يضع يداه الرجولية على فاهها هامساً بإبتسامة ماكرة :
_إهدي يا حبيبتي، ده أنا!
أبعد يداه وهو يتأمل ملامحها، فقالت وهي تحاول ضبط أنفاسها:
_هو إنت عاوز حاجة؟؟
جذبها من خصرها بحركة مفاجأة أدهشتها ليهمس ملامساً أذنها بطريقة جعلت بدنها يقشعر :
_عاوزك سعيدة زي ما أنا سعيد جداً دلوقتي، لأنك أخيراً بقيتي مراتي حبيبتي.
توترت من إقترابهُ المفاجئ، فهتفت بإستيحاء :
_مهاب أرجوك أبعد شوية، ممكن حد يشوفنا و..
عندها لم يستطع تمالك نفسهُ، قاطع كلماتها بشفتيه ألتهمت شفتاها بشوقٍ بالغ، أبتلع شهقتها بجوفهُ، لا تدري ما الذي حدث، بل شعرت بأنها في عالم جديد، ظل يقبل شفتيها باللهفة وشوق، شعرت أنها ستفقد الوعي من كثرة المشاعر التي أجتاحتها فجأة، ولكن ظل محاوط خصرها بقوة، تحركت أصابعهُ ببُطء عند خصرها وظهرها بطريقة جعلت أعصابها تسترخى، لحظات وكان يبتعد حينما شعر أن أنفاسهم قد بدأت تقل، رفع عينيه لتقع على عيناها التي باللون العسلي، رمقها بعشق وهو يتحسس شفتيها المُنتفخة بإصبعيه قائلاً بهمسٍ مغرٍ:
_ معلش، مقدرتش أمسك نفسي، أنا مش قادر أصدق إنك خلاص بقيتي ملكي.
زاد توترها حيث قالت بهمسٍ :
_مهاب، أناا....
قاطعها قائلاً بهدوءٍ :
_آثار، أنا بحبك فعلاً، عايز أقولك إني طول ما أنا عايش هبقى عايش عشان أقدر أسعدك، أنا إللي هرسم إبتسامتك على وشك إللي حبيتهُ من أول نظرة، لأن لو حد رسمها غيري يبقى، أنا ماليش أي وجود.
مد يدهُ نحو وجهها ليلمسهُ برقة قائلاً بنعومة :
_أنا بوعدك إني هفضل ورا ضهرك، هفضل سندك، وأنا وإنتي هنفضل مع بعض في الحُبَّ وفالقتال.
صمت للحظة وعاد للحديث وهو يقول بصدق:
_وده وعد من واحد عاشق، و طول ما أنا عايش هتفضلي عشقي، عشق الثعلب.
نوڤيلا "عَشَقَ الثَّعلَبُ"
(( الفَصْلُ الثَّانِي))
_في صباح يومٍ جديدٍ..
_بداخل المُخابرات المصرية..
_بداخل مكتب القائد الأعلى للمُخابرات المصرية..
فتح "مُهاب الألفي" باب المكتب وخلفهُ "آثار" عقب وصولهم أمر بأن يأتوا إلى مكتب القائد الأعلى للمُخابرات المصرية بسببُ تلك المُهمة الصعبة، سحب نفس عميق وهو يُلقي السلام على كُلاً من وزير الدفاع ووزير الخارجية والقائد الأعلى، جلس على المقعد الجلدي وبجانبهُ زوجتهُ وهم يتبادلون نظارات مفعمة بالتوتر على ما حدث مُنذ أيام، فقد وصلت معلومات مؤكده عن عصابة تحاول وبقوة هدم الدولة، حيث يريدون قتل السفيرة "ثناء هيثم" ويحاولون نشر الفتن بين المُسلمين والمسيحيين.
تمتم وزير الخارجية بتوتر وبنبرة حادة :
_ إحنا وصلنا معلومات مؤكدة تُخص السفيرة ثناء هيثم عايزين يخلصوا منها بأي شكل عشان السلام إللي بتحاول تُنشروا في بعض الدول معانا.
تابع القائد الأعلى قائلاً بصرامة :
_ وفي نفس الوقت عايزين ينشروا فتن بين المُسلمين والمسيحيين، ما تنسوش أن عيد سيد المسيح قرب، لازم نلحق وفي أسرع وقت مُمكن.
أضاف وزير الدفاع بحدة قائلاً :
_إنتوا هتسافروا بالليل النهاردة، ولما توصلوا هتلاقوا شخص مستنيكُم هيسلمكُم الأسلحة زي البُندقية والمُسدس وهكذا.
هتف "مُهاب" بصوت رجولي خشن :
_ طيب يا فندم، مفيش معلومات أكتر؟؟.. محتاجين توضيح!!..
أجابهُ وزير الخارجية بجدية :
_ ثناء هيثم عايشة في الإسكندرية، المطلوب من نقيب آثار إنها تبقى الحارسة الشخصية بتاعتها، لازم تبقى عايشة معاها.
حدقت "آثار" به بدهشة قائلة :
_إيه!!!!..
ردّ عليها القائد الأعلى بصوتٍ رخيم :
_ أيوة، وإحنا بلغنا الكلام ده للسفيرة وهي وافقت، أحنا اخترناكي عشان إحنا عارفين إنك من أهم ضباط المُخابرات المصرية.
أجابتهُ بثقة :
-ما تقلقش يا فندم، إعتمد عليا وتوكل على ربنا.
إبتسم وزير الخارجية قائلاً :
_أنا واثق فيكي.
أضاف بتحذير وهو يقول :
_خلي بالك السفيرة ثناء مسيحية، واخده شقة في البحر المتوسط هناك، يعني هي هتروح الكنيسة إللي جنبها، وللأسف هي كانت أعلنت ده.
أومأت رأسها قائلة بعملية :
_أنا وصلتلي المعلومات دي فعلاً، السفيرة ثناء معروف عنها بتواضعها الشديد، ودي المُشكلة، بس سؤال هي العصابة دي مكانها فين؟؟..
أجابها القائد الأعلى بتوتر طفيف بسبب ذلك الوضع :
_ عايشين في إسكندرية، في مخزن مهجور في البحر المتوسط.
هتف وزير الدفاع بنبرة رجولية خشنة موجهاً بصرهُ الحاد "لمُهاب" :
_وإنت يا مُهاب.
نظر لهُ بجدية :
أيوة يا فندم.
أشار بإصبعيه قائلاً بصوتٍ جادٍ :
_إسمع إنت بقى، مُهمتك حاجة تانية خالص، مُهمتك هو إنك تنضم داخل عصابة، ودي حاجة محتاجة منك مجهود طبعاً.
نظر لهُ بإستغراب :
_طب وده يتعمل إزاي؟؟...
ردّ القائد الأعلى قائلاً بهدوء :
_هقولك.
*************
_في المساء..
_في منزل "آثار"..
أستمعت إلى طرقات على باب منزلها فهبت واقفة وسارت نحو الباب، فتحتهُ لترى زوج إبنتها الوحيدة واقفاً، رسمت على وجهها إبتسامة واسعة وهي تردد بترحيب:
_أهلاً أهلاً يا مُهاب، إتفضل.
رسم على وجههُ إبتسامة صغيرة وهو يدلف للداخل قائلاً :
_إزيك يا حماتي.
حركت رأسها وهي ترُدّ عليه:
_مش كويسة خالص.
عقد حاجبيه بإستغراب وهو يقول بقلق طفيف :
_ليه بس؟؟..
جلست على الأريكة وقد هبطت عبراتها قائلة بخوف أمومي :
_ بنتي مسافرة، وأنا قلقانة عليها، العملية شكلها صعبة وفيها ناس مُجرمين كتير، وهي لو جرلها حاجة أنا هاموت فيها.
جثى على رُكبتهُ أمامها وقد شعر بنغزة في قلبهُ، رفع يدهُ ليمسح دموعها برفق وهو يقول بملامح جادة :
-قلقانة عليها وهي معايا؟؟.. طب إزاي؟؟.. وبعدين أنا هحميها من أي خطر لأن لو جرالها حاجة أنا كمان هموت، لأنها هي النفس إللي بتنفسهُ، وهي دقات قلبي.
أبتسمت والدة زوجتهُ إبتسامة عذبة على كلماتهُ، ليقبل رأسها ثُم نهض وهو يقول :
_أنا داخل أشوفها خلصت تحضير شنطتها ولا لأ.
أومأت رأسها إيجابياً، فسار نحو غُرفتها ثُم طرق الباب ليسمعها وهي تأذن بالدخول، فتح الباب الغُرفة ليراها واقفة تُغلق حقيبتها فتمتم بجدية :
_خلصتي؟؟..
أجابتهُ بجدية وبقلق طفيف:
_أيوة خلصت.
اقترب منها بهدوء، ثم جذبها من رسغها لتصطدم بصدرهُ العريض، رفعت عيناها لتنظُر على عينيه التي يغلفها الشوق، بدون مُقدمات أحتضنها بقوة مُستنشق عبيرها، لم ترفُض ذلك العناق بل بادلتهُ، هي لن تراه في الفترة القادمة، وذلك يؤلمها بشدة وكذلك هو، همس بجانب أذنيها بخفوت قائلاً بشوق:
_هتوحشيني أوي، مش عارف إزاي أقضي المُدة دي كُلها من غيرك، بس مُضطر لكنّ أوعدك إنك هتفضلي جوا قلبي، أنا بحبك أوي، بحبك أوي يا آثار.
تمتمت وهي مُغمضة العينين :
_وأنا كمان بحبك أوي يا مُهاب.
نوڤيلا "عَشَقَ الثَّعلَبُ"
(( الفَصْلُ الثَّالِثُ))
كانت الساعة العاشرة والنصف من مساء اليوم الخميس حينما وصلت "آثار" مع "مُهاب" إلى البناية التي تقطن فيها السفيرة المصرية "ثناء هيثم"، دخلوا المصعد معاً، ثُم ضغط "مُهاب" على زرّ الطابق بقوة وهو يضغط على شفتيه السُفلى بقوة أشدّ، نظرت لهُ "آثار" لتراهُ في تلك الحالة، فقالت برقة :
_إيه يا مُهاب، متقلقش عليا، أنا هبقى كويسة إن شاء الله، صدقني.
هي تشعُر بالخوف من البداية من تلك المُهمة، ولكن أظهرت لهُ العكس تماماً، هي تُريدُ أم تبعث لهُ الطمأنينة، ولكن علمت أنها فشلت في ذلك حينما قال بخشونة وضجر :
_إزاي يعني مقلقش ؟؟؟.. أنا مرعوب عليكي، المُهمة صعبة جداً، وأنا هاسيبك، وأروح لمُهمة أصعب.
نظرت لهُ وقد لمعت عيناها قائلةً :
_ دي مش أوَّل مُهمة نطلعها مع بعض، ما تقلقش يا مُهاب، ربنا هيُنصرُنا لأننا إحنا الحق، بس قول يا رب، قول دايماً يا رب.
نظر للأعلى بعد أن أغمض عينيه بألمٍ :
_يارب.
وصل المصعد الى الطابق المنشود، فتحركوا نحو منزلها، قرع "مُهاب" الباب بهدوء، لينفتح الباب بهدوء أيضاً، نظر لها "مُهاب" بجدية وقال بخشونة :
_السفيرة ثناء موجودة؟؟..
أومأت الخادمة رأسها قائلةً :
_أيوة يا فندم، وهي مُنتظرة حضرتكُم في غُرفة الضيوف.
تنحت الخدامة للجانب، ليدخلوا بثقة تامة، أرشدت لهم مكان الغُرفة، فسارا معاً حتّى وصلوا، هبت السفيرة واقفة من مكانها، نظرت إليهم لتقول بإبتسامة صغيرة :
_أهلاً أهلاً.
صافحها "مُهاب" بعملية وكذلك "آثار"، فتابعت بذات الإبتسامة :
_ سيادة وزير الخارجية كلمني فهمني كُل حاجة، وفهمني إنهُ عادي أنزل الكنيسة عشان تقدروا تقبضوا على أي حد منهم.
نظرت لها "آثار" قائلة بتفهُم :
_أيوة هو قلنا إنهُ قالك طبعاً حضرتك عارفة مُهمتي معاكي إيه؟..
هزت رأسها بجدية :
_أكيد طبعاً.
هتف "مُهاب" بصوتٍ رخيم :
_طب أنا هستأذن عشان أروح أشوف إللي هعملهُ.
أومأت رأسها لتصيح مُنادية على الخادمة، نظر "مُهاب" على معشوقتهُ، فإبتسمت إبتسامة صغيرة، تشعُر أن قلبها سيقف من شدة الحُزن أتت الخادمة بهرولة لتأمرها السفيرة :
_وصلي مُهاب باشا.
هزت الخادمة رأسها فتحرك الأخير سريعاً وهو يشعُر بأن قلبهُ يعتصرهُ، نظرت لها السفيرة لتقول بإبتسامة :
_ إتفضلي عشان أوريكي أوضتك، وماتقلقيش.. زي ما أنا أتفقت مع الوزير أن البنت إللي بتشتغل هنا هتمشي كمان شوية. عشان نبقى في أمان.
تنهدت "آثار" وهي تقول:
_ تمام، وربنا يُستُر من إللي جاي.
*************
بع مرور يومين، كان هناك مجموعة أشخاص جالسين قرب البحر، وقف أحدهم وتحرك ليري البحر في الأسفل، ضيق عينيه بريبة حينما وجد شخص فاقداً الوعي، غارقاً بين أمواج البحر، صرخ بالأخرين، فهب أثنين منهم بعد أن قرروا أن ينجدوه، فبسُرعة البرق نزع الأثنين قمصانهم ثم قفزا ليسقطا في البحر، أستطاع أحدهم بجذبهُ إليه، وبدأوا يبحثون بابصارهم عن مكان يذهبوا إليه، أما الذين ظلوا واقفين فقرروا أ يهبطوا من الجبل، بعد دقائق، كانوا الشخص المجهول على الأرض وهم يحاولون ضبط أنفاسهم الاهثة، أتوا الأشخاص الذين ظلوا واقفين في الجبل، أقترب كبيرهم نحو ذلك الشخص المجهول الهوية، بدأ يضغط على صدرهُ بيديه بقوة لكي يخرج المياة التي أبتلعها، بعد دقائق أُخرى فاق ذلك الشخص، نظر حولهُ بريبة وهو يشعُر بذلك الألم الحارق بجانب جبينهُ، ضيق كبيرهم حاجبيه وهو يسألهُ بغلظة :
_إنت كويس؟؟..
لم يرُدّ عليهِ بل ظل ينظُر حولهُ بريبة وبعدم فهم، لحظاتٍ وكان يقول :
_هو إيه إللي حصل؟؟..
ردّ أحدهم وهو يتفحصهُ بتوجس :
_إنت كُنت بتغرق، بس إحنا لحقناك.
عاد يسألهُ من جديد :
_هو إنت مين؟؟..
نظره لهم بعدم فهم وبألم وهو يضع يديه على رأسهُ، ليقول بألم وهو يهز رأسهُ بعدم إستيعاب :
_أ.. أنا، آآ.. أنا مش فاكر حاجة، مش فاكر إيه إللي حصلي، مش فاكر حاجة!!.. مش فاكر حتى إسمي؟؟!!...
نظروا بصدمة وهم يتهامسون رفع كبيرهم حاجبيه بصدمة، حاول الإستيعاب ولكن فشل في ذلك، هب واقفاً وهو يقول بأمر لهم :
_هاتوا معانا، مش هينفع نسيبهُ لوحدهُ، ونشوفلهُ دكتور، لو فقد الذاكرة زي ما أنا شايف يبقى هتصرف ومش هسيبهُ أبداً لأنهُ هيبقى واحد مننا، لو بيستعبط، هيشوف الجحيم بحق ربنا.
نظر لهُ الشخص بألم، أخفض رأسهُ وهو يحاول أن يخفي إبتسامتهُ الماكرة وملامحهُ التي أحتاجها الخُبث، شعر "مُهاب" باقترابهم منهُ، فأغمض جفنيه مُدعياً وهنهُ وتعبهُ لكي لا يكتشف أمرهُ.
*************
بعد مرور أكثر من ساعة، خرج الطبيب من الغُرفة، أتوجه الزعيم نحوهُ وهو يرمقهُ بحدة، سألهُ بجدية قائلاً :
_ها يا دكتور، هو عندهُ إيه؟؟..
نظر لهُ بأسفٍ :
_للأسف عندهُ فقدان الذاكرة، وآآ..
صمت ليقول الأخير بقلق طفيف ولكن بنبرة حادة:
_وإيه؟!!.. ما تتكلم؟؟..
نظر لهُ الطبيب بتوتر :
_وكمان فقدان ذاكرتهُ مش مُجرد مؤقت، ده أبدي!!..
نظر لهُ بذهول :
_يعني إيه؟؟..
أجابهُ وهو يحرك كفيه :
_يعني ذاكرتهُ مش هترجعلهُ تاني للأسف.
ظل الذهول على تعابير وجههُ، ظل صامتاً يُفكر كيف يستغل ذلك الموقف لصالحهُ، بعد فترة من الصمت المُخيف، هتف للطبيب بوجهٍ واجم :
_تقدر تتفضل يا دكتور.
أومأ الطبيب رأسهُ ثُم سار متوجهاً صوب باب المنزل الصَّغير ليخرُج من المكان بأكملهُ، عقب خروجهُ مباشراً، هتف الطبيب بإبتسامة إنتصار وهو ينزع نظارتهُ الطبية :
_تمام، أول خطوة نجحنا فيها، ربنا معاك يا مُهاب.
************
دخل الغُرفة التي يرقد فيها ذلك الرجل المجهول بالنسبة إليه، سألهُ بجدية :
_طبعاً إنت عرفت أن إنت فقدت الذاكرة وللأبد!؟؟..
أومأ "مُهاب" رأسهُ بأسفٍ قائلاً :
_للأسف.
أقترب منهُ الزعيم أكثر وهو سألهُ :
_هتعمل إيه دلوقتي؟؟..
ردّ عليه بأسى:
_مش عارف.
نظر لهُ لفترة طويلة قبل أن يقول بغموض :
_إنت ممكن تشتغل معانا.
نظر لهُ بعدم فهم قائلاً :
_مش فاهم.
أجابهُ بجدية:
_إنت كجسم قوي ممكن تشتغل معانا، إنت هتختار حاجة من الأتنين، يا تموت، يا تقتل أو تساعدنا في القتل.
حدق به بصدمة وهو يقول :
_هااا ؟؟..
نظر لهُ بشر دفين :
_قولت إيه؟؟..
توتر وهو يقول :
_ماشي أنا هختار الإختيار التاني، بس مقتلش لكن أساعد.
نظر لهُ بسُخرية :
_معقول توافق بسُرعة كده؟؟..
نظر لهُ بضجر :
_أنا عاوز أعيش.
نظر لهُ الأخير وهو يقول :
_الأيام هتورينا.
ثُم سار صوب الخارج وهو يفكر في أمرهُ، أما "مُهاب" فنظر لهُ وهو ينصرف بمكر ليقول بإنتصار :
_أول وتاني خطوة نجحوا، أما نشوف أنا هعمل إيه فيكوا إيه يا ولاد****.
نوڤيلا "عَشَقَ الثَّعلَبُ"
((الفَصْلُ الرَّابِعُ))
بعد مرور أسبوع كامل من تلك المُهمة البوليسية، في تلك الفترة خضع "مُهاب" لأختبارات مُفاجئة كثيرة من قبل تلك الجماعة الإرهابية ليتأكدوا من صدقهُ، بدأ يثق به الزعيم؛ بسبب تفوقهُ ونجاحهُ في الأختبارات التي أختبرها لهُ، وخاصةً حينما كان يجلس معهُ بمُفردهم، يحاول أن يلاعبهُ في الحديث لكي يدخُل أغوار عقلهُ، ولكن الأخير لم يستسلم قط، فهو قد تدرب كثيراً وهو أيضاً ذو خبرة في ذاك المجال، أستشعر نجاحهُ عندما أصبح الزعيم يثق به بدرجة متوسطة، نجحت "آثار" في تكوين صداقة مع السفيرة ولكن في بعض الأحيان ينقبض قلبها خوفاً على زوجها وعلى ذات نفسها، ولكن تعود بخير حينما تقنع نفسها أن كُل شيء سيُصبح بخير وجيد لأنهُم الحق، والله دائماً ينصُر الحق.
بعد مرور يومين، جلس "مُهاب" مع الزعيم والجماعة يتحدثون بشأن العملية الإرهابية التي يُريدون أن يرتكبوها في حق الدولة، أخبر أحدهم بشأن السفيرة وأنهُم علموا أن هُناك فتاة تجلس معاها بمُفردهم، بدأوا بتخمين أنها من تكون، ليهتف الزعيم بتفكير عميق :
_ياترى تكون مين البنت دي؟؟..
توتر" مُهاب" بداخلهُ كثيراً؛ خوفاً على زوجتهُ، هتف فجأة أحدهم وهو يضيق عينيه:
_مش يمكن تكون ضابطة، يمكن قلقانين عليها فجابوها تقعد معاها، وأنا عموماً ليا حبايب كتير، هسأل وهقولك يا باشا.
خفق قلبهُ بقوة حينما وجد أنهم قد كشفوا أمر زوجتهُ، بلع ريقهُ بصعوبة بالغة وهو يُفكر كيف ينجدها2من براثن الإرهابيين، هتف الزعيم وعينيه تلمع بشر دفين :
_لو طلعت زي ما بتقول، يبقى نخلص عليها عشان دي هتبقى الضربة القاضية، بس نقتلها وهي خارجة من العمارة، وحاول تجيب صورتها.
بدأ يصبب عرق من فرط الخوف والذُعر الذي بداخل قلبهُ، نظر له الزعيم وهو يقطب حاجبيه :
_مالك؟؟..
وضع "مُهاب" يديه على رأسهُ وهو يقول :
_مش عارف، دماغي وجعاني أوي وجعاني جداً، آآآآآآآآآآآآه!!!!
صرخ بألم شديد زائف؛ لكي يطلبوا لهُ الطبيب الذي يعيش مع زوجتهُ وطفلهُ الوحيد، في إحدى الشوارع الجانبية، والذي فحصهُ من قبل، فهو ليس بطبيب بل هو ضابط في المُخابرات المصرية، وزميلهُ في العمل، ولكن لا أحد يعلم ذلك حتى زوجتهُ، وهو يأخُذ مهنة الطب لكي يُداري على عملهُ الحقيقي، ويُمثل هذا الدور مع زميلهُ "مهاب" بسبب عندما يُريدُ أن يبُلغ أي شيء من المعلومات الطارئة، فيجب أن يقولها لهُ، لكي يُرسل تلك المعلومات لجهاز المُخابرات المصرية عن طريق رسائل نصية من هاتف لا أحد يعرفهُ حتى زوجتهُ.
هب الزعيم واقفاً وهو يهدر بقوة :
_أطلبوا الدكتور محمد إللي كشف عليه قبل كده وإنتوا خدوه على الأوضة بتاعتهُ لحد ما يجي الدكتور، بسُرعــــة!!!
************
بعد فترة وجيزة، خرج الطبيب من الغُرفة التي يرقد فيها "مهاب"، ليخبرهُ أنهُ من الطبيعي يحدُث هذا؛ بسبب الضربة القوية التي حدثت لهُ أثناء غرقهُ،وأن الأمر لا يتعلق إطلاقاً بذاكرتهُ، أطمئن الأخير ثُم دخل الغُرفة بعد أن أوصل الطبيب إلى باب المنزل تحدث معهُ وهو يخبرهُ أنهُ مُطمئن عليه.
بعد مرور أكثر من ساعة ونصف، دخل أحد الرجال إلى الغُرفة وهو مُمسك بصورة فوتوغرافية، نظر لهُ الزعيم قائلاً بحدة :
_عملت إيه؟؟..
ردّ الأخير بجدية :
_أتأكدت أنها ظابطة فعلاً بعد ما شوفت صورتها.
نظر لهُ بإستغراب :
_صورتها؟؟..
أومأ برأسهُ بتوتر :
_وحضرتك تعرفها كويس.
زاد إستغرابهُ ليأمرهُ:
_وريني الصورة وأطلع برا الأوضة .
هز رأسهُ سريعاً ليعطيه الصورة الفوتوغرافية، ثُمَّ خرج من الغُرفة، توسعت عيناه حينما رأى من في الصورة، أحمرت عيناه غضباً، ليهدر بصوتهُ القوي وهو يسب قائلاً :
_يا ***يا بنت ****!!!!
حاول "مُهاب" أن يتمالك أعصابهُ لكي لا ينكشف، أرتدى قناع القلق وهو يسألهُ:
_في إيه؟!!.. إنت تعرفها؟؟..
ردّ بشراسة :
_دي قتلت أخويا الكبير، قتلتهُ!!.. كانت السبب في القبض عليه، ومات معدوم، ده أنا هقتلها، هشرب من دمها، قتلت خالد الشناوي!!!!!
حدق به بصدمة عارمة، أهذا شقيقهُ، فقد كان هو رأس الكبيرة لتُجار السلاح والآثار، وبالفعل أستطاعت بعقلها وبذكائها وبمكرها أن تقبض عليه، وتم إعدامهُ شنقاً.
نظر لهُ بإستغراب قائلًا :
_إزاي وإنت إسمك كريم محمد، وهو خالد الشناوي؟؟..
ردّ بعصبية :
_أخويا من أُم وبس، بس أنا هقتلها وهشرب من دمها.
نظر لهُ بمكر :
_طيب فهمني هتعمل إيه؟؟..
نظر لهُ بشر :
_بعد بُكرا عيد سيد المسيح، هقتل السفيرة، وهي أكيد هتبقى معاها، فهقتلها.
نظر لهُ بخُبث :
_وأنا هساعدك في الإنتقام، بس قولي هتعمل إيه بظبط؟؟؟....
نوڤيلا "عَشَقَ الثَّعلَبُ"
((الفَصْلُ الخَّامِسُ))
_الفصل قبل الأخير_
في صباح يوم السبت، كان المكان مترقب ذلك اليوم وذلك العيد لكي يحتفلون به ولكي يروا السفيرة التي تعاهدت أن تراهم وتحتفل معاهم مهما كلفها الأمر، أتفقت الجماعة الإرهابية على أن يتم خطف السفيرة والضابطة بداخل منزلها كان أمام البناية التي تقطن فيها السفيرة أثنين من الحراس يقفون وهما الذين يحرسون السفيرة، في ذات الوقت حدثت حادثة في الطريق، خرجا أصحاب السيارة ليتجهوا نحو السيارة التي أفتعلت الحادثة، لتحدث مشاجرة كبيرة حتى وصل بها إلى ضرب والسب، تحركا الحارسان نحوهم وهم يحاولون أن يفضوا الأشتباك بينهم، خرج "مُهاب" مع شخصاً ما والذي يُدعى "عماد"، تحركا بسرعة البرق نحو مدخل البناية وركضا صوب الدرج، ثوانٍ، وكانا وصلا إلى المنزل الخاص بالسفيرة، نظر "مُهاب" لـ "عماد" قائلاً بخشونة :
_جاهز؟؟..
هز الأخير رأسهُ وهو يرُدّ :
_جاهز.
أرتدوا قفازات اليد، ثم قرع أحدهم الباب، لحظات وكان الباب ينفتح لتظهر السفيرة، هتفت بريبة :
_إنتوا مين؟؟..
جزبها "مُهاب" بقوة إليها ليغرز إبرة طبية مليئة بالمواد المخدرة في عنقها، بدأت تتراخى بين ذراعيه ليحملها وهو ينظر نحوهُ، أتجه "عماد" إليه وهو يقول بضيق :
_الظابطة مش موجودة.
حدق به بصدمة قائلاً :
_إزاي؟؟.. ده البوص هيغضب.
هز الأخير رأسهُ بحيرة وهو يخرج من الحقيبة ملابس ما، هتف بضجر :
_خد لبسها النقاب ده.
بدأ يلبسها تلك الملابس، ثم حملها عقب إنتهائهُ من تلك المُهمة، خرجا من المنزل وهم يركضون نحو المصعد بعد أن خلعوا قفازات اليد، دقائق وكانا خرجا من البناية، أستقلوا السيارة التي سيقدوها صوب الجبل الصغير الذي بأسفلهُ البحر الأبيض المتوسط، وضع "مُهاب" الهاتف المحمول على أذنه، وعلى وجههُ إبتسامة إنتصار وهو يتمتم :
_تمت المهمة يا بوص، بس ملقيناش الظابطة.
صمت للحظات ليستمع إلى ردهُ الغاضب، فقال بمكر :
_أوعدك إنك هتشوفها النهاردة، هجبها لحد عندك.
************
وقف وزير الخارجية بتوتر ليأتيه إتصال من أحد الحُراس الذين يحرسون السفيرة، أجاب على الهاتف :
_هااا
صمت ليقول الأخير :
_تم يا معالي الوزير، مُهاب بيه وواحد من العصابة خطفوها بعد ما لبسوها النقاب.
إبتسم وزير الخارجية قائلاً :
_تمام، تقدر دلوقتي تنزل وهي مطمنة ومرتاحة، بلغها دلوقتي.
*************
رن جرس الهاتف في المكتب القائد الأعلى للمُخابرات المصرية، سار نحوهُ بجدية ليمسك السماعة ويضعها على أذنهُ قائلاً بخشونة :
_هاا.
أستمع لردّ الأخير ليقول بجدية :
_طيب مهاب كان قالنا أن المكان في الجبل، خد القوة وإنطلقوا على المكان للقبض عليهم، وكمان إحنا قبضنا على شُحنة الأسلحة حالاً لسه واصلي الخبر، ماشي مع السلامة.
**************
حملها مرة أُخرى بين ذراعيه متجهاً صوب الزعيم الذي كان يجلس منتظراً إياه بفارغ الصبر وضعها على الأرض برفق، ليأتي أحدهم وهو مُمسك بزُجاجة مياة، نزع الغطاء عنها، أوقع المياة عليها لتنتفض من مكانها، تأملها الزعيم بعيون مليئة بالشر، وقفت السفيرة وهي تترنح، كادت أن تنكب على وجهها، ولكن أمسكها من رسغها، وقفت بثبات وهي تتسائل :
_أنا إيه إللي جبني هنا؟؟.. وبعدين إنتوا مين؟؟..
وقف الزعيم ليقترب منها بهدوء مريب، وقف قابلتها وعلى وجههُ إبتسامة ماكرة، هتف بخُبث:
_مش محتاجة تعرفي إجابة السؤال ده، إنتي عارفة كويس الإجابة من فترة، بدليل إن الظابطة كانت عايشة معاكي.
إبتسمت بسُخرية :
_طب كويس إنك عارف كُل حاجة.
أمسك رسغها بقوة وهو يسألها بصوتٍ شيطاني :
_هي راحت فين؟؟.. إنطقي
نظرت لهُ بمكر :
_وإنت عايزها ليه؟؟.. عشان تنتقم للأخوك؟؟.
حدق بها بذهول قائلاً :
_إنتي تعرفي؟؟
تحولت نبرتهُ إلى غضب وهو يقول :
_إنطقي، هي فين؟؟.. عايز أشفي غليلي منها.
نظرت لهُ بتشفي قائلة:
_أنتقم مني أنا، لأنها أنا فعلاً.
نظر لها بغضب :
_بلاش إستعباط وإنطقي أحسنلك.
نظرت لهُ ببرود :
_وأنا قولت إنك تقدر تنتقم مني أنا، كأنها هي.
هزها بعُنف وهو يهدر:
_إنتي هتجنينني!!!
وقبل أن يتخذ أي قرار، كان يستمع إلى رنين هاتفهُ، ضغط على زر الرد ليجيب على الإتصال، بعد ثوان تحول وجههُ إلى غضب وعينيه إلى شراسة وهو يصرخ:
_يا ولاد***يا **، قبضوا على الشُحنة، شقى عُمري راح، يا ولاد**.
حاول "مهاب" أن يداري إبتسامتهُ المنتصرة ولكن أخفاها سريعاً كاد أن يسألهُ على ما حدث، ولكن صمت عندما وجد مكالمة أخرى لهُ، رد وهو يقول بعصبية:
_في إيه تاني؟؟..
_ألحق يا باشا، السفيرة جوا الكنيسة وتتكلم قُدامي أهيه، وبتسلم على الناس.
أتسعت عيناه وهو يقول :
_إنت بتقول إيه؟؟.. إنت واعي للي بتقولهُ؟؟..
_والله يا باشا واقفة قُدامي أهيه!!
أغلق الهاتف وهو يستدير ببُطء، أشار لها بأن تتقدم فتقدمت حتى وقفت أمامهُ، نظر إلى أسفلهُ ليرى البحر، فعاد إلى بصرهُ نحوها قائلاً بتوجس:
_إنتي مين؟؟..
وضعت يدها بجانب أذنها لتخلع ذلك الوجه المزيف، تأملها وهي تظهر وجهها الحقيقي لتحجظ عيناه بصدمة وهو يرى أنها الظابطة، إبتسمت بسُخرية على حال هُما وهي تقول بقوة :
_إيه رأيك في المفاجأة دي؟؟..
_إزاي؟؟.. إزاي؟؟.. ده مش صوتك!!
أتسعت إبتسامتها وهي تبعد تلك الشريحة التي كانت على عنقها، فكانت الشريحة تقع على في منتصف عنقها في الأمام وأخفتها حينما أرتدت أشرباً، أتسعت حدقتاه أكثر وهو يهدر بـ :
_يا بنت ***
كاد أن يصفعها ولكن يد "مُهاب" كانت تقبض على يدهُ بقوة، نظر لهُ بإندهاش قائلاً :
_إنت بتعمل إيه؟..
هتف بقوة:
_مرات الثعلب مينفعش حد يمد إيدهُ عليها، حتى لو أنا ميت.
ثم لكمهُ بقوة ليقع على الأرض، نظر له "مُهاب" قائلاً بإنتصار :
_أنا إللي بلغت عنك، سمعتك بالصُدفة من يومين وإنت بتتفق مع الراجل التاني، أنا إللي مثلت عليك عشان أعرف أسرارك، وإنت مقدرتش تكشفني لإني الثعلب.
نظر لهُ بغل وغضب، في ذات الوقت حاصرهم الضباط والجنود، في أنحاء المكان، تم القبض على الجميع ماعدا الزعيم، تحرك "مهاب" نحو القائد قائلاً :
_تمت المهمة يا باشا ومعايا تسجيلات صوتية تثبت أنهُ كان بيحاول يعرف يقتل السفيرة ده غير التسجيلات إللي كان بيتفق مع الراجل التركي بتاع الأسلحة.
أومأ رأسهُ ليقول للزعيم بأمر :
_إتفضل يا كريم معانا.
نظر لهم بغضب وبشر وهو يقول :
_أنا هسلم نفسي.
ثم قال بشراسة:
_ بس مش قبل ما أنتقم من الظابط ومراتهُ إللي كانت السبب في القبض عليا وعلى موت أخويا.
لم يستوعبوا من حديثهُ إلا حينما جزبها إليه بشراسة لتصرخ بذعر، حاول "مهاب" أن يتحرك نحوهُ ولكن منهُ القائد بذراعهُ، هتف القائد برزانة :
_مفيش داعي للي بتعملهُ ده، سلم نفسك بهدوء.
_أبداً مستحيل.
ثم نظر لهُ بسخرية قائلاً بجنون :
وإنت يا ثعلب مش فخور بلقب ده، وبتقول محدش يقدر يقرب من مراتك حتى لو إنت ميت، أديني قربت ومش بس كده، ده أنا هموتها، هقتلهااااا.
قالها بصراخ وهو يحملها ليلقي بها في الأسفل، يقطت في داخل البحر سقطة عنيفة، ليصرخ "مُهاب" بقوة وقد ظهرت عروق نحرهُ :
_لأااااااااااااا !!!
نوڤيلا "عَشَقَ الثَّعلَبُ"
(( الفَصْلُ السَّادِسُ))
_الفصل الأخير_
صرخ بإهتياج حينما وقعت في البحر، فهو على علم بأنها لا تجيد السباحة، أندفع تلك المرة بقوتهُ نحوهُ، أمسكهُ من تلابيبه ليلكمهُ بقوة، أخذ يلكمهُ حتى فقد الوعي تماماً، حاولوا أن يمنعوه ولكن قوتهُ كانت غريبة بحق، عقب أن فقد وعيه، ركض نحو البحر لينزع قميصهُ الأسود، وثب مُهاب "إلى البحر، قفز ببراعة ليغوص أسفل المياة، أخذ يغوص وهو يبحث بعينيه عنها بفزع، ثواني وكان وجدها فاقدة الوعي، وصل إليها بعد لحظات، ثم أندفع نحوها ليقبض على خصلة من شعرها الطويل، جذبها إليه في قوة، ثم وضع راحتهُ اليُسرى على أنفها وفمها؛ ليمنعها من أبتلاع المياة، وهو يسبح بكُل قوتهُ للخروج من الممر.
لم تكُن المسافة المتبقية تزيد على مترين، ولكنها بدت لهُ أشبه بألف كيلو متر، وهو يقطعها بأقصى سُرعة مُمكنة حاملاً حبيبتهُ، قبل أن يتجاوز فتحة ممر، دفع جسدهُ إلى أعلى نحو سطح البحر.
كانت الشمس قد غاصت أو كادت في الأفق، عندما أرتفع رأسهما فوق سطح الماء، رفع "مُهاب" يدهُ عن أنف "آثار" وفمها هاتفاً بـها:
_آثار، آثار!!..
لم تستمع إليه قط، فتابع بخوفٍ:
_يالا يا حبيبتي خُدي الهواء النضيف ده.، خُدي نفسك.
تدفق الهواء في آلية إلى رئتيها، و "مُهاب" كان يضغط صدرها بساعديه، ويرخيهما، في محاولة لتنشيط جهازها التنفسي، أنطلقت من صدرهُ زفرة إرتياح، عندما أطلقت شهقة قوية، راح جسدها ينتفض بين ذراعيه، نظر لها ببعض من الخوف، صحيح أنها ألتقطت أنفاسها، ونجت من الموت غرقاً، إلا أنها تزال فاقدة الوعي بين ذراعيه، بدأ يسبح بأقصى سُرعة لكي يخرجوا من البحر، دقائق طويلة وكان وصل وهو مازال يحملها بين ذراعيه، خرج من البحر، ثم نظر إلى وجهها بتمعن ليرى يكسيه الألم، أعتصر قلبهُ بقوة، بسبب ملامحها الباهتة، في ذات الوقت، وجد أثنين من أصدقائهُ وهم الطبيب و"طارق" يترجلون من السيارة، وكأن الله أرسل لهُ النجدة قبل أن يطلب، سار نحوهم ليفتح أحدهم الباب الخلفي فأدخلها برفق، ثم أستقل بجانبها ليجعلها تتمدد في أحضانهُ، لمس جبينها بيد ناعمة وهو يمسح قطرات الندى من على وجهها، نظر لهم بجدية وهو يقول :
_ودونا فُندق ***.
أومأ "طارق" رأسهُ وهو يناولهُ حقيبة بلاستيكية قائلاً بصوتٍ رخيم :
_طب إحنا جبنالك لبس إنت ومراتك.
عقد حواجبه بإستغراب مردداً :
_إنت عرفت منين إللي حصل؟؟..
ردّ الطبيب بجدية :
_أنا كُنت متابع إللي بيحصل من على الطريق البلكونة، وشوفت إللي حصل بالمُنظار، فنزلت جري جبت لبس ليك ولمراتك وفنفس الوقت قابلت طارق بالصُدفة، فقولتلهُ فجه معايا.
أغمض عينيه براحة بعد أن أخذ الحقيبة البلاستيكية قائلاً :
_إنتوا نجدة ليا.
*************
دخل الغُرفة بخطوات شبه راكضة، وضعها برفق على الفراش، قم أتجه نحو الباب ليغلقهُ بالمُفتاح، عاد إليها وهو يخرج ملابسها والمنشفة القُطنية، نزع ملابسها بحذر، ثم بدأ يجفف جسدها بالمنشفة، وبعدها ألبسها الثياب التي أحضرها زميلهُ، بعد ثوانٍ، كان يدثرها جيداً، وجلس بجانبها وهو يمسح على جبينها برفق، وعلى وجهها بإبتسامة صغيرة، أنحنى برأسهُ ليطبع قُبلة صغيرة بهدوء على جبينها، مُنتظراً أن تفيق ليطمئن عليها.
بعد ساعتين فتحت جفنيها بتثاقل، أسرع "مُهاب" نحوها ثم جلس بجانبها وهو يقول بلهفة :
_آثار، إنتي فوقتي؟؟.. حمدلله على السلامة يا حبيبتي.
نظرت لهُ بإبتسامة باهتة قائلةً :
_كُنت خايف عليا فعلاً؟؟!!..
أحتضن وجهها براحة بديهِ قائلاً بعتابٍ :
_إزاي تسألي السؤال ده؟؟.. معقولة لسه مش عارفة إني بحبك أد إيه؟؟.. لو الموت كان خدك مني مكُنتش هستنى دقيقة واحدة.
هتفت بإبتسامة صغيرة :
_إنت وحشتني أوي.
مسح على رأسها برفق قائلاً :
_إنتي أكتر يا قلبي، كُنتي وحشتيني أوي، قلبي وقع النهاردة لما حسيت إني مُمكن أخسرك.
قالت بمزاج :
_إزاي أموت أو يحرالي حاجة وأنا متجوزة الثعلب يا ثعلب.
أنحنى برأسهُ وهو ينظر لشفتيها :
_أنا فعلاً الثعلب، والثعلب المكار آه، لكن إلا مع قلبهُ وكيانهُ وروحهُ وحبيبتهُ.
عقب إنتهاء من كلماتهُ كان يقبل شفتيها وهو يحتضنها بقوة، أستسلمت لهُ وهي تشعر بذلك العشق الذي يسرى في دمائها كما يسرى في دمائهُ، أبتعد ليدفن وجههُ بداخل عنقها، أستنشق عبيرها بقوة وبعشق، غرزت أصابعها بداخل فروة شعرهُ، زاد من ضمهُ لها وهو يقول بهمسٍ :
_إحنا لازم نعمل الفرح في أسرع وقت مُمكن، أنا مش هقدر أتحمل أكتر من كده.
أجابتهُ بهمسٍ أيضاً :
_عندك حق.
تراجع قليلاً ليسند جبينهُ على جبينها وهو مُغمض العينين قائلاً بعشقٍ :
_أنا بعشقك يا آثار.
أجابتهُ بهمسٍ :
أنا أكتر يا ثعلب.
هتف بصدقٍ وعدٍ :
_والثعلب ده عُمرهُ ما هيتخلى عنك، إحنا مع بعض في الحُبَّ والقتال يا عشق الثعلب.
((أنتهاء الفصل الأخير))
تمت
تعليقات
إرسال تعليق