القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أمواج قاتلة الجزء الأول للكاتبة نداء علي الفصل الحادي عشر حتي الفصل الخامس عشر كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


 رواية أمواج قاتلة الجزء الأول

 للكاتبة نداء علي 

الفصل الحادي عشر حتي الفصل الخامس عشر

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

الفصل الحادي عشر


مستوحاة من احداث حقيقيه

ايلاف النعم يهلكها ويبعدها وايلاف الألم والمحن يميتنا فنصبح ارواحا معلقة بالمنتصف يتساوى لدينا الحزن والفرح، نعتاد الألم ويعتادنا، نصاحبه ويصادقنا ويصبح وجوده أساسيا.


اعتادت هي أن تكن فرحتها ناقصه واعتادت ان تحرم ممن تحب، لذا عندما فقدت حليمة لم تبد ردة فعل بل اختارت الهروب وعندما علمت بهروب ميادة كان هدوئها هو الجواب الوحيد لديها، ظلت صامته صامدة تنظر الى الفراغ وكأنها تبحث عن راحة قد سلبت منها وقد تأتيها مرة أخرى...

بينما كان فهد يهفو الى صراخها الى انهيارها ينبغي عليها ان تعاتبه تخاطبه تلومه والأفضل ان تقتله بيدها فتريحه من عذابه وتريح قلبها.


اقترب منها فنظرت اليه بعيون غارقة وسط أمواج الغدر وكأنها تسأله كيف تذبح بيديك من تدعي حبه، كان يرجوها بعينيه ان ترحمه من صمتها الذي يجلده لكنها أبت ان تعطيه رحمة لا يستحقها، استدار هاربا لكنها تحدثت بثبات قائلة

هتجول ايه لسلمان يافهد، هتجوله ايه عن أمانته..؟

تعرف اني مزعلناش على ميادة، هيصيبها ايه اكتر من اللي صاب اختها، هيجتلوها كيه حليمة يمكن الموت هيكون أهون لما ياچي على يد الغريب...


لاحظت الممرضة التي دلفت إلى الغرفة ملامح نوارة المتألمة فاقتربت منها بحذر لتهتف قائلة، دي شكلها ولادة اتفضل يا استاذ اخرج واحنا هنتصرف.


بعض الذنوب لا يغفرها البشر مهما طالت السنوات ومهما تغيرت النفوس وفهد كان على يقين ان نوارة لم ولن تسامحه، علم انها وضعت ولدا أخر واسمته سلمان ولم يعترض بل اعتبره نوع من العقاب سيظل اسم سلمان مقترنا باسمه يذكره بخيانته لذكرى شقيقه يذكره انه قد نسى وسط الزحام ابنتيه اللتان دفعتا حياتهما ثمنا لجموحه وتملكه الأعمى، سيبقى اسم سلمان ليذكره أن القلب لا يسمح بالدخول الا لمن يستحق ومن المؤكد ان قلب نوارة كان على يقين بذلك...


تذكر بثينه، أحس بالندم من أجلها ربما تلك اللعنة التي أصابته كانت بسبب ظلمه لها، أخذ عهدا على نفسه أن يعوضها علها تسامحه سوف يذهب اليها معتذرا سيخيرها بين البقاء او اطلاق سراحها

لم يتردد كثيرا بل أسرع اليها عله يفعل خيرا بعد تلك الفوضى التي سببها للجميع

تجمدت قدماه أمام باب غرفتها عندما استمع اليها تعاتب شقيقتها وتلومها قائلة:.


لو خابرة ان فهد بعد اللي عملته هيفضل يحبها لا كنت سحرتلها ولا عملت حاچة واصل

اني كان جصدي بس يهملها ويحبني كيه ما بحبه، دلوك لا هيحبني ولا هيحب حد واصل بعد ما اتسبب في موت بت سلمان، واني حاسه بالذنب جوي نوارة مهتتحملش اللي حوصل لبناتها

رضا: وااه واحنا عملنا ايه؟


بثينه: يا رضا فهد ماعملش اكده غير لما لجى نوارة كرهاه ومطيجاش تشوفه وكله من تحت راسك جولتلك اعمل لفهد بالمحبة جولتي لاه نعملوا العمل لنوارة بالكره...

ورغم انه احس بالندم يتوغل إلى قلبه اكثر واكثر الا انه احس بسعادة طفل صغير تاه عن دربه وسط الظلام ثم عاد إلى النور ووجد ضالته مجددا..


نوارة لم تكن كارهه له لم تنفر من قربه لم تكن تدعى الحب بل بدأت بالفعل تتقبله وتحبه وهو لم يصبر لم يقدر بل اتخذ قراره بإعدامها ونفذ قراره بعنجهية وتكبر، وآن الأوان ان يدفع الثمن..

فتح باب الغرفة فأصاب بثينه الهلع وكذا شقيقتها، كانت نظراته اليها كارهه حاقدة، لكنه لم يتحدث سوى بكلمة واحدة..


طالج، طلقها الى الأبد اراحها واراح نفسه من علاقة طفيلية بدأت بنوارة وانتهت بها، تزوجها كي يقهر نوارة فقهرته هي وانتهت المعركة بخسارة الجميع...

تناولت سهيلة طعامها وهي تتمتم بكلمات مبهمة تعبر عن غيظها من مصطفي ويزيد اللذان توقفا عن تناول الطعام واكتفيا بالضحك بصخب على ملامح سهيلة الغاضبة

نظرت سهيلة الى مصطفى قائلة:

انت اصلا غلس ومش هخرج معاكم تاني

يزيد بحب: طب وانا ذنبي ايه.


سهيلة: ذنبك انك بتضحك عليا معاه

يزيد بصدق: انا بقالي سنين محروم من الضحك، من الفرحة محروم من اي حاجة تحببني في الدنيا. بس زي ما كنتي سبب في حرماني من شغفي بالحياة وجودك رجعلي كل اللي فات...

احمرت وجنتاها خجلا واعترض قلبها رفضا لما يقول وتحدث عقلها اليها محذرا لكنك عندما تجد من يعشقك دون شروط ودون أسباب تتناسي ما يقوله عقلك وما يطالب به قلبك بل تصبح مسلوب الارادة راغبا بسماع المزيد.


تحدث مصطفي بدلا منها قائلا:

لم نفسك يابني قاعد معاك انا خيال مآته ولا ايه؟

يزيد: وانت هتعترض على ايه، ده انت عارف اني بحبها من قبل ما أعرف انا...

مصطفي بابتسامه كسيرة على حاله وحال سهيلة:

عارف وكل شئ نصيب، المهم دلوقتي هتسافري معانا ونصفي كل حاجة هنا ولا هتفضلي منتظرة الروح الشريرة اللي ربطاكي بالصعيد؟

لم تجبه سهيلة بعدما استوقفها رنين هاتفها.


استمعت بهدوء إلى ما يقوله الطرف الأخر بينما نظر اليها يزيد ومصطفي بترقب

سهيلة: انا لازم اسافر الصعيد دلوقتي

مصطفي: بلاش تهريج يا سهيلة واسمعي الكلام خلينا نسافر ونبعد عن هنا

نظرت اليه بعيون دامعه وتحدثت برجاء اليهما:

علشان خاطري نسافر دلوقتي وبعد كده هعمل اللي يعجبكم

توجهت جميلة بخطوات خجلة متخاذلة نحو بيت ابراهيم والد نوارة تسعى إلى رؤية نوارة وحفيديها لكنها تعلم ان المواجهة لن تكن هينه.


استقبلتها بهية بحزن واشاح ابراهيم بوجهه بعيدا عنها

تحدثت هي:

مرايدش تشوفني يا حاچ ابراهيم، ابخاطرك، وعذراك ياخوي بس اني مكنش بيدي حاچة اعملها..

ابراهيم: لاه كان بيدك كتير يام سلمان كان بيدك تهملي بتي تربي بناتها وتعيش بعيد عن حجدكم وكرهكم بس نجول ايه؟ اني كمان غصبتها لاچل الناس متجولش عايشة عازبه واها ضيعت بناتها التنين وبتي هتضيع هي التانية..

جميلة: ربنا عالم بحالي وعالم ان نيتي كانت خير.


بهية: اجعدي يام سلمان شكلك تعبانه

جميلة: بستسمحك اطل على نوارة وسلمان

ابتسمت بهية بحزن:

نوارة نايمة ومرضياش تجوم واصل كان اللي راحوا هيرچعوا في المنام وسلمان في جاعتي اني وچده بينام چارنا يمكن نجدروا نحميه من الدنيا وغدرها..

التفت ثلاثتهم على خطوات فهد الذي بدا وكأنه عائد من حرب ضارية، ملابسه وهيأته مهلهلة، نظرات ضائعة يبحث عنها ولم يجدها.


نظرت اليه والدته وكأنه تسأله كيف يجرؤ إلى القدوم إلى هنا بينما ضربت بهية فوق صدرها بخوف قائلة:

چاي ليه اهنيه يافهد، رايد ايه تاني؟

فهد: رايد مرتي، كيف تخرج من المستشفي من غير ما اعرف؟

ابراهيم: ملكش صالح ببتي تاني يابن السياف، ولا رايد تخلص عليها كيه بناتها

ابتلع فهد ريقه بخجل وندم قائلا:.


اني عارف اني ظلمتها وظلمت بنات خوي بس غصب عني، بثينه عملت سحر لنوارة تكرهها فيا واني متحملتش، مجدرتش اتحمل والله ما كان في نيتي ولا عمري أذيت حليمة وميادة، اني كنت بخاف عليهم من الهوا بس..

ابراهيم: بس ايه، كنت بتنتجم من بتي بتأدبها، رايد تكسر ضهرها، منك لله، منك لله ده انت لو غريب مكانش هيهون عليك تعمل اكده..!

فهد بانكسار: بزياداك ياعم ابراهيم اني خابر زين اني غلطان.


اجابته نواره بهدوء اصابهم جميعا بالصدمة:

لاه انت جاتل يافهد، جاتل

جتلتني وضيعت بناتي، حرمتني من ريحة سلمان، في الاول بعدتني عن البيت اللي اتچوزته فيه وجولت حجك راچل وغيران، كنت هتلومني على حبي ليه واني صدجتك وجولت اكيد اني غلطانه ومحجوجة لچوزي ومهما كان ميصوحش اخونك وافكر في اللي راح، كنت مفكراك هتحبني اتاريك بتحب حالك ورايد سلمان يختفي..


كيف سلمان يتحب وانت لاه، كيف نوارة تعيش وفيه لحبيبها وترفضك لازمن تحبك ولو بالغصب لازمن تخلص من حليمة بت ابوها بصحيح، عفريته اللي كان بيطاردك ولازمن تبعده صح ولا لاه!

مرتك سحرتلي لاچل اكرهك، كيف واني كرهاك من الاول، كرهاك يافهد وعمري ما حبيت ولا هحب غير سلمان وبس، خابر ليه؟

لأنه كان راچل، راچل صعب واحد زيك ياخد مكانه.


فهد: نوارة اني خابر انك كرهاني دلوك بس والله العظيم كلامك ديه مهواش حجيجه اني كنت بعند معاكي و...

نوارة: طلجني واطلع من اهنه مريداش اشوفك تاني

فهد: لاه، طلاج لاه، اني طلجت بثينه وزعطتها على دارهم

نوارة: واني الموت عندي اهون من چوازي منك

فهد: اني هعملك كل اللي تطلبيه الا الطلاج

نوارة وكأنها استعدت مسبقا لرفضه.


بشوجك، بس لو مطلجتنيش هعيش اهنه في دار ابوي مع ولادي وملكش صالح بينا واصل لو جربت مني او من ولادي هروح المحكمة وارفع عليك جضية وافضحك في النچع كلياتها ياولد السياف...

فهد بترجي: خليكي اهنه بس متحرمنيش من ولادي

نوارة: كيه ما حرمتني من بناتي هحرمك منيهم..


ابتعد فهد وكأن كلماتها أمر واجب النفاذ لم يتحدث ولم يعترض بل سيتقبل عقابها، ربما هي محقة فيما قالته ان كان حقا يحبها لما أذاها وربما هي مخطئة فهو لم يحبها مطلقا بل صار مهووسا متيما أنانيا ارادها له وحده فأضاعها وضيع ارواح عدة..


حماد لم يكن القاتل لحليمة بل كان مجرد أداة استخدمها هو لتنفيذ المهمه، شهيرة ليست مخطئة بل هو المخطئ الأساسي، كان يعلم مسبقا ان غيرتها وحقدها على نوارة ماهي إلى رمال ناعمة بأسفلها بحور من نيران حارقة ومع ذلك القى بنفسه اليها فاحترق قلبه قبل الجميع

لن يقرب نوارة مرة ثانيه، لن تسامحه مهما فعل، ستحرمه منها إلى الأبد وسيحرم من ولديه..

عليه الأن ان يبحث عن ميادة مهما كلفه الأمر، ينبغي ان يجد حماد..


كان نعمان واقفا امام شقيقته لا يصدق ما تقول، رفع يده عاليا وصفعها بقسوة قائلا:

خربت بيتك يا ملكومة، فهد من تحت راسك خسر مرته وولاده وبنات سلمان الله يرحمه كمان..

الله ينتجم منك ياشيخه حريم عاوزة الحرج بصحيح

وجهه نظراته إلى شهيرة قائلا:.


جومي انتي التانيه، لمي خلچاتك وعلى دار ابوكي اني خلاص مرايدش اشوف خلجتك اهنه الله يجطعك كانت چوازتك شوم من الاول وانتي اللي لعبتي في راسي وجولتيلي نچوزوا بثينه لفهد، بس اني مهستناش لامن تخربي الدار اهنه كمان..

شهيرة بغضب: وااه، هتطردني من الچنة اياك، فيتهالك مخضرة بس هاخد بتي معاي

نعمان: خدك عزرائيل، بتي مهتطلعش من داري

شهيرة: ومين هيربيها مرتك الحرباية اياك.


نعمان: اهي ارحم منك ومن جلبك الاسود يلا غوري من اهنه متخلنيش اكسر دماغك جبل ما تطلعي...


لم تهتم شهيرة لما قاله بل نظرت بكره وتوعد ناحية ضرتها واقتربت منها تنوي الفتك بها الا ان نعمان باغتها بعدة صفعات تعبر عن ضيقه منها ومن حقدها ولم يتركها بل امسكها من خصلات شعرها ملقيا بها امام المنزل مغلقا خلفها الباب متمنيا لو تغلق من حياته تلك الصفحة نهائيا فيبدو أن تجبره على زوجاته اللاتي سبقن شهيرة لم يذهب هباءا بل رزقه الله بها لكي تكفر سيئاته وتجعله يندم على ما فعل من قبل.


بخطوات راكضة دلفت سهيلة إلى تلك الغرفة التي وضعت بها ميادة بعدما وصلت إلى مقر الدار وما ان دقت على الباب بيدها الصغيرة المتعبة حتى وقعت مغشيا عليها، حمل المسؤول عن ادارة المكان وفحصها الطبيب لكن احدا لم يستطع التحدث اليها فهي منذ أن افاقت لم تتوقف عن البكاء، بكاءا قويا ينفطر له القلب ويجعلك تبكى معها وعليها، لم يجد فهمي، ذلك الرجل الستيني الذي تثق به سهيلة إلى حد بعيد حلا سوى الاتصال بها واخبارها بما حدث..


نظرت سهيلة الى وجه ميادة بسعادة تشبه الجنون، تشعر ان ما عاشته بالسنوات الماضية كان كابوسا مرعبا وآن أوانه أن ينتهي، فها هي ترى أمامها ابنتها المتوفاة بهيئتها الجميلة، لم يتغير بها شيئا سوى ملابسها، نظرت اليها مرة وأخرى ثم هتفت بصوت يملؤه اليقين قائلة. :

كنت عارفة ياقلب مامي انك عايشة، كنت عارفه انك هترجعيلي.


نظرت اليها ميادة ولا تدري عما تتحدث تلك السيدة الواقفة أمامها وقبل أن تتحدث كانت سهيلة تختطفها بأحضانها المشتاقة اليها تقبلها بحب ورعب من فقدها ثانية..

بينما مصطفي يبكي خوفا على سهيلة فالشبه بين تلك الفتاة وجودي ابنة سهيلة لا يمكن تصديقه، فصور جودي التي تحتفظ بها سهيلة بكل مكان في بيتها ماهي الا تطابق لتلك الواقفة امامهم.

رواية أمواج قاتلة الجزء الأول للكاتبة نداء علي الفصل الثاني عشر


وعندما يشتد الظلام ويتوغل بأنفسنا نبحث عن شعاع نور ولو كان ضئيلا يكاد لا يرى لكننا نتمسك به باستماته وكأنه الخيط الذي يربطنا بالحياة، نحاول مرة وأخري لكي نصل اليه، واحيانا ما يكون ذاك النور سرابا خلقناه نحن كي نستمر بالهروب من تلك العتمة المهلكة التي تأبى الانتهاء.


ظلت سهيلة محتضنه لميادة بقوة تتشبث به كطفل أذاه الجميع واشبعوه ظلما وقهرا وبعد يأسه التقى بأمه فألقى بجسده المتألم بين يديها صارخا بأنفاس متلاحقة، احتضنيني امي وابعديني عن الجميع

ولم ترفض ميادة ذلك الدفء الذي استشعرته من سهيلة بل تمسكت بها هي الأخرى ولما لا وقد ضاقت بها الدنيا ولم تجد من يجيرها.


كانت سهيلة تئن وتتمتم بكلمات موجعة تشتكي إلى ميادة أو من تظن أنها ابنتها بكل ما قاسته بعد غيابها تخبرها عن غدر يوسف وابتعاده تصف له مرارة الفقد ونيران الخيانة ورغم أن ميادة لم تفهم ما تقوله الا أنها أخذت تملس بيديها الصغيرة فوق جسدها تحاول ان تطمئنها

نظرت سهيلة باستنكار ناحية مصطفي الذي صرخ بها قائلا:

ابعدي يا سهيلة عن البنت، دي مش جودي.


اقتربت منه سهيلة بخطى مسرعه تود اسكاته عن قول حقيقة تعلمها وعلى يقين منها، فمن مات لا يعود، من دفن تحت التراب انتهى دوره في تلك الحياة لكننا نأبى التصديق، هي تعلم أن ميادة ليست جودي ولكن لما لا يتركها تحيا بين جنبات صرحها الذي شيدته منذ قليل ربما هو صرح من خيال لكنه أقوى وأجمل من ذلك الواقع الأليم.


احتدت نبرة صوته عندما وجدها شارده وامسك بيدها جاذبا اياها كي يفيقها لكنه تفاجأ بميادة تنتزع سهيلة من بين يديه بقوة اجفلته فجسدها وسنها الحديث لا يوحي بأنها قادرة على ذلك

تحدثت ميادة بلهجتها الصعيدية التي جعلت سهيلة تبكي مبتسمة بيأس عندما ايقنت تمام اليقين أن الحلم لن يطول..

قائلة:.


بعد عنيها، ملكش صالح بيها انت التاني، رايد ايه رايد تأذيها كيه ما الكل بيأذينا، إوعاك تفكر انها ست وضعيفة لاه آني همنعك تمد يدك عليها..

اختنقت ميادة بدموع مريرة ثم استكملت:

حرام عليك دي شكلها ست طيبة بس جلبها موچوع.

ابتسمت سهيلة بحب يبدو انه قد زرع بقلبها ناحية ميادة واومأت برأسها قائلة:

عندك حق ياقلبي فعلا قلبي موجوع اوي وكان ميت بس لما شفتك دلوقتي رجع يدق من تاني...


امسكت سهيلة يدها وجلست بجوارها وسألتها بهدوء:

انتي اسمك ايه وطلعتيلي منين؟


وأحيانا كثيرة يتخذ البعض قرارات مصيرية بدافع الواجب ولا يهم ان كانت صائبة أم لا، رابطة الدم وخاصة الأخوة صلة غير مفهومة ففي مرحلة الطفولة يكن شقيقك محور الكون والدنيا تدور من حوله وخاصه ان كان شقيقك الاكبر، تتبعه أينما توجه كظله، يصبح المترجم لأولي كلمات تتفوه بها ولا يستطيع والديك فك شفراتها لكنه يفعل فهو الشقيق اي انه نصفك الآخر..


ونكبر تدريجيا ويصبح حديثنا همسا لا يفهمه سوانا ويصبح الارتباط أقوي ونظرتي اليك لا تختلف الا اذا غيرتها انت، ورغم أن حماد كان مستهترا فجا في بعض الأحيان الا أن نوح ومنذ نعومة اظافره كان يرى به شقيقا وأبا وسندا وبمرور السنوات لم ييأس منه بل انقلبت الأدوار واصبح ينظر اليه نظرة أب لابنه لذا عندما ارتكب حماد ما ارتكبه لم يستطع نوح التخلي عنه وتسليمه إلى فهد أو إلى الشرطة بل ساعده على الهرب دون تفكير اأو تردد، نعم يعلم انه مخطئ ولكنه لن يستطيع تركه فقط لا يستطيع.


نظر إلى تلك الدبلة الموضوعة بإصبعه وتذكر ميادة الضحية الأخرى لعائلته وربما له هو الآخر فعلي الرغم من مستواه التعليمي الذي يؤهله للإعتراض على الإرتباط بطفلة بسن ميادة الا انه لم يرفض بل كان مرحبا وان لم يبد ذلك، عندما خيره جده بين ميادة وحليمة اختار ميادة دون تفكير ولا يدري لما فعل، هل لعلمه أن حماد يميل إلى حليمة أم انه كان يتعلل بتلك الحجة حتى يختار ميادة.


اقترب فهد وملامحه غاضبة متعبة يبدو انه لم ينم منذ الأزل قائلا:

اخوك مخفي فين يانوح؟

نوح بهدوء: هتسأل ليه ياعمي؟

فهد: منتاش خابر اياك..

نوح: لاه مخابرش، رايد تحبسه هتسلمه للحكومة.

فهد: مچرم ولازم ياخد عجابه

نوح: كلنا مچرمين مهواش لحاله اللي جتل حليمة الكل شارك، يعني مفروض الكل يتحاسب

فهد بغضب: واد انت آني اللي فيا مكفيني وزيادة اخوك راح فين اكيد انت خابر مكانه.

نوح: اكيد خابر واكيد مهجولش لحد واصل.


فهد: يبجى تطلج ميادة، واخوك آني هعرف اوصله

نوح: لما تبجى انت تطلج مرتك هبجي آني اطلج مرتي.

فهد بصدمة: بتجول ايه يا ملكوم انت شكلك انخبطت في نافوخك.

نوح: إسمعني زين ياعمي، ميادة مرتي كيه ما خاله نواره مرتك وانت عمرك ما هتطلجها وآني مستحيل اطلج مرتي غير لما تظهر هي وتطلبها مني، وجتها يحلها الحلال...


لم تتوقف ميادة عن البكاء مطلقا وهي تقص على مسامعهم ما حدث لها ولوالدتها وشقيقتها، نصفها الأخر التي اغتيلت براءتها دون ذنب، كانت تبكي بحرقة وتبكيها سهيلة بينما مصطفي يستمع اليها بتعاطف وخوف وحذر فهو على دراية بتفكير أهل الصعيد وعاداتهم ربما قد اخطأوا بتزويجها هي وشقيقتها بتلك السن لكنهم لا يتخلون مطلقا عن نسائهم، لن يكلوا من البحث عن ميادة وتعلق سهيلة الواضح بها يشكل خطرا عليهم جميعا..


نظر إلى سهيلة قائلا بجدية:

لازم نتأكد الأول من الكلام ده وبعدين نشوف هنعمل ايه؟

سهيلة بغضب: يعني ايه نشوف دي انا مش هتخلي عنها مستحيل اسيبها للناس دي يقتلوها هي كمان انت فاهم

مصطفي بحب: فاهم يا سهيلة بس خلينا نفكر بالعقل

نظرت ميادة اليهما تشعر بالرعب خوفا ان تستمع سهيلة إلى كلمات ذلك الرجل وتتخلى عنها فاقتربت منها مسرعه...


انحنت ميادة تريد تقبيل يد سهيلة فأبعدت يدها بدهشة لتفاجئها ميادة ببكائها المرير قائلة:

بستسمحك تخليني إهنه، وآني هبجي خدامتك بس مترچعنيش بلدنا تاني هيموتوني كيه ما أختي ماتت.

احتضنتها سهيلة بقوة قائلة:

متخافيش ياحبيبتي إنتي ربنا بعتك ليا بعد ما اتحرمت منك سنين انا عمري ما هسيبك تاني

نظرت اليها ميادة بتعجب فابتسمت اليها سهيلة قائلة:

كل يوم كنت بدعي ربنا يعوضني والحمد لله إنتي هتكوني عوض ربنا يا ديدا..


نظر اليها مصطفي بيأس لكنه عزم على التأكد بنفسه...


أرضعت وليدها بعد الحاح من والدتها فهي تخشى الاقتراب منه، ترفض التعلق به، لا تدري أهو خوف من الفقد أم رفضا لوالده، لكنها وبالنهاية أم، لم تتحمل بكائه وكأنه يرجوها ان تحتضنه، حملته بحرص واخذت تشتم رائحته بقوة ومن منا لا يعشق رائحة طفل في مهده لم تلوثه الأيام ولا الأحقاد، انتحبت بتألم وكأنها ادركت توا ما آلت إليه حياتها وحياة طفلتيها، أتلوم فهد أم أنها الملامة، لماذا ضعفت وتزوجت به؟ لم لم تحتفظ بذكرياتها مع من ملك فؤادها..؟ هل كانت مسالمة ام استسلمت..؟


بكاؤها كان أشبه ببركان ثائر يعلو في عنان السماء نيرانه قد تهلك ما يقابلها، نظرت إلى رضيعها بغضب وكأنها تعاتبه تحدثت اليه قائلة:

ولما أنا أخدك في حضني وأحميك من الدنيا وغدرها مين هياخد باله من بتي، اختك يا سلمان، ميادة، بتي معرفاش هي فين عايشة ولا ميته، ولو ميته ليه آني عايشة لحد دلوك، ليه؟

تفتكر هشوفها تاني ولا خلاص انكتب عليا الفراج والجهر طول العمر..


عادت شهيرة إلى بيت والدها محملة بكافة المشاعر الا الندم، فهناك بعض الشخصيات لا تعرفه، ترتكب ما ترتكبه ولا يورقها هاجس ولا يزورها ندما ولا تهرع الى توبة بل تتمادى وكأنها لم تفعل شيئا

بحثت عن نوح إلى أن وجدته تحدثت اليه بحدة قائلة:

جاعد اهنه ومهمل الدنيا تضرب تجلب..

نظر اليها ثم اشاح بوجهه عنها قائلا:

خير ان شالله، حد تاني مات اإياك بسببك يامه!

شهيرة بغضب: موته لما تاخدك، ومين كان مات أولاني؟


نوح: آني واخوي اول اتنين. وبعد اكده حليمة بت اخوكي اللي ابنك جتلها من تحت راسك ولا ناسية كلامك معاه ليل نهار...؟

توترت وحاولت الثبات لتصمت قليلا ثم تتحدث بنبرة اقل حدة قائلة:

آني مليش صالح، البت كانت صغيرة وعمرها خلص الله يرحمها وأخوك مكانش يجصد يأذيها.

نوح: وايه كمان؟

شهيرة: ريداك تروح لعمك المنكوب تچيبلي رباب اختك منيه

نوح: واچيبها ليه، بته وهيراعيها؟


شهيرة: يا واد انت إيه، مهتحسش، جبلة، كيف أهمل بتي لمرت نعمان تربيها

نوح: اسمعيني زين يام حماد. آني معنديش وجت لشغل الحريم ديه چوزك وهو حر معاكي مليش صالح وبتك هنا ولا هناك هتتربى والأحسن تتربى بعيد عنك بزياداكي إكده آني دلوك كل اللي يهمني أخوي ومرتي

اقترب فهد على صياحهما لينظر إلى شهيرة بغيظ ثم تساءل بإقتضاب:

چاية ليه يا شهيرة؟


شهيرة: نعمان زعطني برة داره رماني جدام مرته واخته ومعملش حساب لأبوك الله يرحمه ولا لحد واصل..

فهد: ياريته عمل اكده من الاول، ياريته كان طلجك من أول يوم إنتي السبب منك لله، إنتي اللي مليتي راسي من ناحية نوارة والبنات وآني كيه الأعمى مشيت وراكي

شهيرة بحدة: نوارة إيه دلوك الله يجطعها بجولك نعمان خد مني بتي..


لم يدر فهد بنفسه بل انقض عليها يضربها بقسوة يعنفها منتقما لنفسه ومن نفسه، صراخها وسبها للجميع لم يوقفه بل استوقفه نوح مبعدا اياه عنها قائلا:

بزيداك يا خال، بتضربها بعد ما الدنيا خربت..

فهد: بعد يا نوح، بعد خليني أربيها من أول وچديد

نوح بغضب: جولتلك أمي مغلطتش لحالها ولا حماد ولا أنت كلكم غلطانين انت وجفت تتفرج عليهم وهما بيخططوا وسكت، سكت لأن تخطيطهم كان چاي على هواك..


سبتهم يولعوا النار وكان بيدك تطفيها بس سكت لحد ما النار حرجت الكل، إرحموني وارحموا نفسكم. وإنتي چاية تدوري على بتك دلوك، مدورتيش عليا آني وأخوي جبل إكده ليه..؟ من يوم ما أبوي مات وهملنا وإنتي رميانا كيه ما نكون حمل تجيل رايدة تخلصي منيه، بتك هتاچي اطمني. هچيبهالك يمكن تشغلك عني وتهمليني في حالي...


وإنت يا خال اعذرني في كلامي بس بكفياكم إكده آني تعبت وبدل ما ترمي اللوم على أمي ساعدني ندوروا على مرتي، ميادة بت اخوك يا خالي...

شهيرة: وإنت مفكر إن بت نوارة هترچعلك اكده بالساهل، هتجبل تعيش معاك بعد أختها ما ماتت، ولا وجتها هتبلغ عن اخوك لاچل ترضى عنيك.

نوح بجدية: أخوي محدش هيجربله طول مافيا نفس ومرتي لما الاجيها هتصرف معاها، المهم عندي تكون بخير.


توجه فهمي إلى النجع بخطوات هادئة لعله يصل إلى إجابة تريح الجميع، طلب اليه مصطفي أن يتبين صدق حديث ميادة من عدمه ويأتيه بالخبر اليقين

اقترب من إحدى السيدات المسنات جالسة أمام منزلها تشاهد المارة، تحدث اليها قائلا:

السلام عليكم يا حجة

السيدة: وعليكم السلام والرحمة يا وليدي، اتفضل يابني

جلس فهمي بجانبها قائلا:

في هنا في النچع عيلة اسمها عيلة السياف يا حجة؟

السيدة: وااه، اومال إيه دول أصل النچع.


فهمي: انا من المديرية كنت جاي بخصوص بنتهم اللي ضاعت

السيدة: ياجلب أمها، بت سلمان بيجولوا هربت بعد أختها ما ماتت، ربنا يرحمها ويرحم امها وابوها..

صمت فهمي معتقدا ان نوارة قد ماتت بالفعل والا لما طلبت لها تلك السيدة الرحمة، بينما هي كانت تدعي لها بالرحمة من هول ما قاسته وهل هناك مصاب أشد واعظم من فقد الولد...

استأذن فهمي مغادرا وظلت تلك المرأة تدعو بالرحمة لنوارة فهي الأكثر تضررا بما حدث...


عاد فهمي وأخبر مصطفي بما سمعه، أحس مصطفي بالإرتياح نسبيا وأخبر سهيلة التي حزمت أمرها وعزمت على أخذ ميادة والسفر وبدأ حياة جديدة...

جلس نوح بثقة امام ضابط الشرطة يمليه البيانات الخاصة بميادة..

تحدث إليه الضابط قائلا:

طيب يا باشمهندس حضرتك بتقول إنها بنت خالك ومن سنها كده دي مرحلة مراهقة يعني ممكن تكون إرتبطت بشاب ولا حاجة وهربت معاه..

امسكه نوح من تلابيبه ورغم تدخل المحامي وفهد الا انه صاح قائلا:.


هي مين اللي هربت مع واحد ديه، چنيت إياك، دي بت سلمان السياف..

نظر إليه الضابط بغضب قائلا:

على فكرة يافهد بيه لولا خاطرك أنا كنت رميته في الحبس.

فهد: حضرتك إنت بتجول كلام يكفر العابد، وكلامك يضيع فيه رجاب، البت كانت متخانجة معانا وأختها التؤام ماتت ومجدرتش تتحمل خدت بعضها ومشيت وإحنا معندناش خبر راحت فين..

الضابط: طيب فيه صور ليها؟


أخرج نوح صورة خاصة بها. إلتقطها لهما حماد قبل أن تنتهي فرحة الجميع، نظر الضابط إلى الصورة قائلا:

بسم الله ماشاء الله ودي 13 سنه ازاي؟

ازاح فهد بيده نوح الذي كاد ان يجن مرة ثانية ليتحدث المحامي محاولا إنهاء الازمة:

يا فندم مش موضوعنا دلوك، إحنا رايدين نطمنوا على البنت

الضابط: تمام، أنا هعمل الإجراءات اللازمة ولو حصل اي جديد هبلغكم...


استطاعت سهيلة بعد عناء اقناع يزيد بمساعدتها وقاموا بتجهيز اوراق خاصة بميادة تمكنها من مغادرة البلاد دون أن ينتبه اليها أحد

وغادروا جميعا وكل يمني نفسه بحياة جديدة.


سهيلة تطمح بالعيش مرة أخري بعد أن فقدت حياتها بوفاة ابنتها، ويزيد يهفو إلى وصال سهيلة الذي بات ممكنا ومصطفي سيحظى بدفء عائلته ربما ينسى ما مضي، وميادة تشعر بتبلد حواسها وكأنها قطعة تلج ترنو إلى الإنصهار وسط براكين الإنتقام وأخذ الثأر ممن أخذوا منها حياتها وحياة أحبتها.


ابتعد نوح عن فهد والمحامي المصاحب لهما وظل شاردا يفكر فيما قاله الضابط تملكته غيرة لم يذقها قبلا عندما رأي ذلك الضابط صورتها، هو بالفعل يتمنى رؤيتها والاطمئنان عليها لكنه يخشى مواجهتها، يعلم أن استعادتها صعب بل ربما مستحيلا لكنه لن ييأس فمهما فعلت او قالت هي محقة.


خطى خطواته بحيرة وتردد ولا يعلم أن لقائه بميادة سيأتي لا محالة ولكن يا ترى هل سيظل متذكرا أنها لديها كل الحق فيما ستفعل أم أن جرحه منها سوف يصبح قاتلا!

رواية أمواج قاتلة الجزء الأول للكاتبة نداء علي الفصل الثالث عشر


وتنقضي الأيام والسنوات رغما عنا فمن يرجوها أن تتمهل وتنتظره تخادعه وتعطيه وعودا كاذبه إلى أن يصدقها ويغمض عينيه يود التقاط انفاسه ليفتح عينيه ثانية وقبل أن يدرك حقيقة ما حدث يجد أيامه قد ولت وأتي اليه عهد جديد لا يعلم من أين أتى، نظل نتعجب ونتساءل كيف ومتي وأين أيامنا التي نطمح إلى عيشها، لم خدعتنا هكذا؟، لقد انتهي العمر بين سوف ويا ليت، انتهى ولن يعود.


استيقظت نوارة من غفوتها تتلفت حولها علها تستمتع إلى صوت جاد أو سلمان لكنها لم تجد شيئا، هرولت خارج غرفتها باحثه عنهما ولم تر سوى والدتها نظرت اليها قائلة بلهفة: چاد وسلمان فين يامه؟

بهية بتلعثم: انتي صحيتي ليه دلوك..؟ مش جولتي هتعنسي يابتي؟

نوارة بشك: العيال راحوا فين يامه، فهد خدهم اياك؟

بهية: يابتي أبوهم وحجه يشوفهم ويشوفوه.


لم تستمع نوارة إلى باقي حديث والدتها بل اتجهت إلى بيت فهد ذاك البيت الذي يحوي بين جدرانه أجمل وأقسى الذكريات

هتفت بصوتها:

فههههد، فههههههههههد فهد يا سياف..

خرج اليها فهد وفي اعقابه شهيرة وجميلة التي فزعت إثر سماعها لصياح نوارة..

اقتربت جميلة قائلة:

مالك يابتي كفالله الشر!

نوارة: وهو في شر شوفته اكتر من اكده..!


فهد: نوارة، اجفلي خاشمك ديه ووطي صوتك، آني معملتش چريمة آني خدت ولادي أشوفهم ساعة وكنت هرچعهم.

نوارة: بعينك يا فهد، فاهم بعينك تاخد ولادي، مفكرني هآمن على عيالي مرة تانية مع واحد جاتل زيك ولا أختك الحرباية اللي واجفة ديه!؟


ورحمة بتي اللي دمها هيفضل بيني وبينك ليوم الدين لو حوصل وخدت العيال تاني لكون رايحة المركز ومجدمة بلاغ فيكم كلياتكم، آني اللي منعني أبلغ عن موت بتي هو سلمان، عز عليا سيرة أهله تبجى لبانه في خشم أهل النچع واللي ما يشتري يتفرچ عليكم والحكومة داخل الدار تدور على ابن شهيرة الكلب..

شهيرة: وااه، بتهددينا يابت بهية، عشنا وشفنا

امسكتها نوارة بعنف من ملابسها تجرها اليها لحظات وأوقعتها أرضا تحت قدميها.


كانت نوارة نظراتها مختلفة، قاسية حاقدة، كارهه لوجودهم ورؤيتهم

داست بقدمها فوق رأس شهيرة تحت نظرات جميلة الرافضة لما يحدث وذهول فهد من تغير نوارة..

جثت نوارة أمام شهيرة ثم رفعت وجهها اليها قائلة:

مفروض اليوم اللي كسرتي فيه يد ميادة كنت أكسرلك رجبتك واريح الناس من شرك، خابرة وجتها مكانش بناتي هيحصلهم حاچة، بس آني كنت ضعيفة، خفت ازعل أمك.


وأبوكي وسلمان يغضب على. بس اها أخوكي هملني وهمل الدنيا وارتاح، وأبوكي وأمك مجدروش يحموني آني وبناتي، يبجى تكتمي ومسمعش حسك واصل. فاااهمة..!؟

لما اكون هتكلم مع چوزي سبع الرچال ديه متتحدتيش إنتي ولا تتحشري بيناتنا والا هجصلك لسانك

نظرت شهيرة إلى والدتها فاقتربت منهما قائلة:

بزياداكي إكده يانوارة، هتضربي عمتك جدامنا.


نوارة: عمي الدبب ياخدها ونخلصوا، آني إتحملتها كتير بسي خلاص إكده چابت آخرها معاي، ودلوك هات ولادي يا فهد وصدجني لو جربت منيهم تاني هندمك عالجديم جبل الچديد ياواد السياف.

أخذت نوارة طفليها وتحركت خارجا ولم يعقب أحدا على ما حدث لكنها عادت مرة أخري ناظرة إلى فهد قائلة بتحدي:

أرض بناتي اللي أبوك اللي يرحمه كتبهالهم ومصنع الطوب محدش فيكم يجربلهم بعد إكده آني هتولى مالي ومال عيالي من يوم ورايح.


فهد: يعني إيه؟

رايدة تجفي وسط الرچالة تزرعي وتجلعي اياك.

نوارة: ملكش صالح يافهد وإبعد عني احسنلك آني أحب ما على جلبي اطلج منك وارتاح من شوفتك بس آني خيرتك بين الطلاج وبين إنك تبعد عني وإنت اخترت، خليك راچل مرة ونفذ كلمتك ولو عالأرض فمتچيش حاچة چنب الجروشات والأراضي اللي سابها سلمان، شجى عمره اللي جعد سنين متغرب لاچل يچمعه وفي الآخر ملحجش يتهنى بيه.


بواحدة من المصحات العلاجية لمساعدة المرضى على تخطى الادمان وتبعاته كان حماد مقيدا بفراشه الطبي يتأوه بتعب، بندم، بحسرة على ما فاته، يتلذذ بألآمه ويرى بها جزءا من عقابه الذي يستحقه، يرفض أن يأخذ ما يقدمه الطبيب من مسكنات للألم ولا يتحدث سوى بكلمات معدودة

أنا السبب، جاتل، سامحيني!


ولكن هل يكفي الندم، أم إنه عندما يتعلق بأرواح أهلكناها بأفعالنا لا يفيد ندما على ما فات، هل تقبل توبة التائب أم أن رد الحقوق إلى أصحابها شرطا لقبول التوبة، هل بعدما ضاع الجميع من أجل أحقاد ورعونة وطيش قد ينال الفاعل فرصة ثانية...


نظر نوح إلى شهادة تخرجه التي كان ينتظرها وكأنها شهادة حياة بفتور وزهد وكأنها لم تعد ذات قيمة، لما تأخرت في المجيء وهل إحساسه كان سيختلف كثيرا إن حصل عليها قبل غياب ميادة وابتعاد شقيقه وموت حليمة أم أنه بطبعه لا يهفو الا إلى الأشياء البعيدة وعندما تقترب يفقد شغفه بها

ترك ما بيده وتوجه إلى قسم الشرطة، لقد اعتاد القدوم إلى اقسام الشرطة ومراكز الأمن وهو لم يقربها من قبل.


لا يترك مكانا الا ويبحث فيه عن ميادة، ابنة خاله سليطة اللسان كما كان يسميها، كانت امرأة بروح طفلة مشاغبة، كان يختلس النظر اليها أحيانا كثيرة شاعرا انها منه لكنه كان يخشى الاقتراب ربما كان قلبه يدرك أنها ستختفي من أمام ناظريه يوما ما.


بحفل رائع كانت تنظر بامتنان إلى هذا الرجل الذي تعمدت البعد عنه سنوات طوال رغم انه ابن عمها وكان مقربا منها في الماضي الا انها وعقب زواجها من يوسف استشعرت غيرته القوية من يزيد وعندما رفضت موقفه ذلك أعرب لها عن معرفته بحب يزيد لها وأنه لن يسمح بأي تواصل بينهما وبالفعل استجابت لمطلبه ولما لا وقد كان يوسف محور الحياة ومفتاحها، كان وجوده يكفي..


ولكن وبعد ابتعاده وانكسار تلك الهالة التي كانت تحيطهما سويا رأت بيزيد ما لم تر من قبل

يزيد ليس شديد الوسامة كيوسف لكنه يجذبك اليه برجولته، بحضوره القوي، بنظراته التي يخصها بها دون الجميع، عندما ينظر اليها تشعر أن الأمان يحتضنها بيديه، ينتشلها من ماضي قاتم الى حاضر مضيء، ابعدت ناظريها عن يزيد تبحث عن ميادة، تلك العطية التي اهداها الله إياها بعد عناء، تشعر أنها ابنتها وان لم تكن كذلك...


تحدثت الى يزيد بخفوت قائلة:

عملت ايه يا يزيد، قدرت تقدملها في مدرسة مناسبة؟

يزيد بجدية: انا شايف اننا نأجل الخطوة دي سنة عالأقل، ميادة مبتعرفش لغات نهائي، اه هي شاطرة وذكية بس احنا في السويد ولازم تكون عالأقل بتتكلم انجليزي كويس

سهيلة: طيب وبعدين؟

يزيد: هنجبلها مدرسين هنا، ونقدملها في كورسات شاملة وده أفضل ليها لحد ما تتعود وتاخد عالمكان هنا.


سهيلة: عندك حق، أنا هكلمها وأتفاهم معاها، ومتشكرة جدا يا يزيد انك وافقت تغامر معايا وتساعدني أسافر بيها برة مصر

يزيد: مفيش داعي للشكر، أنا علشانك مستعد اعمل اي حاجة تسعدك، وهي كمان ملهاش حد يعني تستحق المساعدة، اومال فين مصطفي؟

سهيلة: مصطفي قاعد في اوضته من امبارح، أوقات بخاف عليه بيضحك وبيهزر طول الوقت بس جواه موجوع

يزيد: وانتي يا سهيلة؟

سهيلة: انا خلاص، ربنا عوضني بميادة وبيك إنت كمان.


لم يصدق يزيد ما قالته ليسألها مجددا

يعني ايه..؟ ممكن يبقي ليا فرصة

ابتعدت عنه سهيلة مبتسمة بسعادة قائلة:

ياريت، لو لسه شايف ان ارتباطك بواحدة زيي وفي ظروفي يبقي ياريت

هرول يزيد باحثا عن مصفطي لكي يخبره بما حدث وابتسمت سهيلة بارتياح:

بينما كانت ميادة كعادتها مؤخرا صامته

اقتربت سهيلة من مجلسها وأخذتها اليها واضعة رأسها فوق صدرها تحاول أن تحثها على الحديث ولكن دون فائدة..

انتظرت قليلا ثم تحدثت اليها قائلة:.


تحبي احكيلك يا ديدا أنا مين وحكايتي إيه ولا مش حابة تسمعيني دلوقتي؟

ميادة بفضول لم تفقده: لاه جولي آني من الاول كان نفسي اسألك بس خوفت تزعلي مني.

احتضنتها سهيلة اكثر قائلة:

لا ياقلبي أي حاجة تيجي في بالك قوليها ومتخافيش ابدا، بس ممكن اطلب منك طلب

ميادة: اتفضلي اطلبي..

سهيلة: حاولي تتكلمي زينا كده تقدري ولا صعب عليكي؟


ميادة بحزن: لاه مهواش صعب، بالعكس آني كرهت لهچتي وأي حاطة تفكرني بالنچع، مفيش حاچة هتفكرني بيهم بعد إكده غير تاري وتار اهلي

سهيلة بخوف: تقصدي ايه، إنتي تنسيهم خالص أنا معنديش إستعداد أخسرك إنتي فاهمة!؟

ميادة بحب: متخافيش، يلا إحكيلي بجى

سهيلة: حاضر، هحكيلك واخد رأيك في موضوع مهم اوي

ميادة بشقاوة: موضوع ايه، استاذ يزيد إياك!

قهقهة سهيلة قائلة: يعني نسخة منها وكمان لمضة زيها...

ميادة: هي مين ديه، بتك؟!


سهيلة: ايوة بنتي، هحكيلك اهو...

وتمضي أعواما تهلكنا بمرارتها وهل هناك ماهو أمر من الانتظار، سنوات قضتها نوارة في انتظار عودتها، رجوع طفلتها، كانت تأمل أن تراها ولو لمرة واحدة ولكن لم يحدث، عاما بعد عام ويأس الجميع في رجوعها الا هي، دعاؤها إلى الله كان مقتصر على طلبها من الله ان يعيد اليها ابنتها، أما الأن فهي ترجوه أن يحفظها أينما كانت وإن لم تعد إليها..


كانت تبكي وتبتسم في آن واحد عندما مر بخيالها يوم شبيه بذاك الذي تحياه عندما اصطحبها سلمان خارجا ومعهما ميادة وحليمة.


دلفوا سويا إلى واحد من المحلات الكبرى بالمدينة واشتري لهم العديد من الاشياء، اخذهم في جولة لم تحظ بواحدة مثلها من قبل وعندما سألته عن السبب أخبرها ان هذا اليوم يوافق ميلاد طفلتيهما، كانت تبتسم بسعادة غير مصدقة، سألته باستنكار وهل عليه أن يدللهما هكذا ويحتفل بمولدهما فتلك سابقة لم تحدث بقريتهم من قبل وأجابها هو أن ابنتيه لابد أن ينعما بحبه طالما كان حيا.


خانتها دموعها ولم تستطع أن توقفها بل تحول بكاؤها إلى عويل حاد ليقترب منها جاد قائلا

مالك يامه، حد زعلك؟

نوارة: خابر يا چاد، ميادة اختك النهاردة كملت عشرين سنة، خابر بجالها كام سنه غايبة عن حضني، سبع سنين، عداهم باليوم والساعة..

عدوا هوا ومرارته لساتها چوة جلبي مريداش تفارجه

احتضن جاد والدته ولا يدري ما يقول الا أوه اخبرها ما يتمناه هو قائلا:

هترچع بأذن الله، مسيرها ترچع.


لم تجبه نوارة فهي لم تعد تعلم هل حقا ستعود أم لا...

ارتدى نوح ملابسه سريعا فقد تأخر في نومه، توجه خارجا قاصدا الذهاب إلى مقر عمله، شركة السياف الهندسية، أسسها هو وفهد وأصبحت واحدة من الشركات القوية بعالم الانشاءات والمقاولات، رغم انه لم يتجاوز الثلاثين بعد الا انه ذو صيت ذائع بين اقرنائه لجديته والتزامه الشديد...

استوقفته شهيرة التي لم ولن تتغير قائلة:.


وبعدهالك ياولد أبوك، مهتسمعش كلامي وتشوف العروسة..

نوح: لاه، متشكر خليها مرة تانية

شهيرة: وااه بتتمتلج علي ياواد إياك

خليك اكده جاعد كيه البيت الوجف رابط حالك بواحدة يا عالم عايشة ولا لاه..!؟

نوح بغضب: وآني كنت اشتكيتلك

شهيرة بهدوء: يابني العمر بيچري وانت اللي باجي بعد اخوك ما هچ وفاتنا، اتچوز وافرح بعيالك

نوح: ان شاء الله لما انوي هجولك، سلام بجى اني آتأخرت جوي.


تركها نوح هاربا منها ومن إلحاحها المستمر ومن نفسه الرافضة للإقتران بأخرى وتوجه إلى عمله الذي يلهيه عما يعانيه.


داخل سيارته بعيدا عن المتطفلين اجرى اتصاله اليومي بشقيقه إلى ان اجابه قائلا:

ايه ياعم حماد، لساك نايم اياك!

حماد: لاه نوم ايه هو اللي عنده عيلة زي دي ينام كيف؟

نوح: ربنا يبارك فيها..

صمت حماد قليلا، فتحدث اليه نوح قائلا:

محتاچ حاچة ياخوي، في حاچة نجصاك

حماد: نفسي اشوفك يانوح، اتوحشتك جوي، خايف اموت ومنتجابلش تاني

نوح: جريب هجيلك بس اخلص الشغل اللي ورايا، واعرف اتحجج بأي حاچة عمك فهد يصدجها.


حماد: لساته بيدور على

نوح: متشغلش بالك انت، المهم عندي تبجي بخير، يلا هسيبك تكمل نوم وسلملي على مرتك

انتهت بينهما تلك المكالمة اليومية التي تساعد كلاهما على الاستمرار فرغم شفائه من الادمان وزواجه وتأسيسه لحياة جديدة الا انه لم ينسى ما حدث بل يطارده شبح ضحيته ليل نهار.


كانت تدعي المذاكرة كي لا تنتبه سهيلة إلى ما تخطط له، كانت تفكر وتضع خطوات سوف تتبعها إلى أن تصل إلى مبتغاها، سوف تأخذ حقها وحق غربتها تلك السنوات، منه، من زوجها المزعوم، ابن عمتها..

تلك الحية المؤذية التي كانت سببا في كل ما حدث، لن تشفق على أحد ولن تتراجع مهما حدث...


ومرت السنوات، مضى العمر، صارت ميادة بال28 من العمر قضت خمسة عشر عاما بعيدا عن مصر بأحضان الغربة، تحتضنها سهيلة، كانت خلال تلك السنوات أما حقيقية، لم تبخل عليها بأي شئ وكذلك يزيد الذي جعلها تؤمن ان هناك بعض الرجال الصالحين، صارت تتقن العديد من اللغات، درست الهندسة، مثله، تفوقت بكل شئ، لكنها اتخذت قرارا سوف تحترف الفن فصوته العذب وجمالها الأخاذ سيؤهلانها لشهرة واسعة بمصر، مصر، الأم القاسية التي دفعتها للهروب بعيدا عن امواجها القاتلة، ولكن آن أوان العودة، واسترداد الحقوق المسلوبة

رواية أمواج قاتلة الجزء الأول للكاتبة نداء علي الفصل الرابع عشر


وقد تغفو الأعين علها تستريح ولكن تبقي الارواح معلقة بين ماضي لا يرحم ومستقبل مبهم وكلما حاولنا الفرار تطاردنا تلك الايام التي لا نرغب في تذكرها فتصبح اليقظة مرهقة ويغدو النوم صراعا

اخذت بدور تربط على ظهر سهيلة بضعف لكنه قوي بحنانه واحتوائه الذي لم تضعفه السنوات فرغم تجاوزها سن السبعين الا انها مازالت الركن الذي تلتجئ اليه سهيلة عند الشدائد

تحدثت اليها ومازالت تهددها كطفلة حزينة:.


ياحبيبتي قوليلها متنزلش مصر لو خايفة عليها انتي امها يا سهيلة

سهيلة: ياريتني كنت امها فعلا يا دادة كنت همنعها بالقوة، هو انا ليه مكتوب عليا وجع القلب كل ما اقول خلاص هرتاح ابدأ تاني من الصفر

استمعت ميادة إلى صوتها الباكي بقلب مكسور فهي بالفعل أمها وان لم تكن من انجبتها

دلفت اليها مبتسمة كعادتها لتشيح سهيلة وجهها بعيدا عنها

جلست ميادة بجوارهما موجهه حديثها إلى بدور قائلة:.


قوليلي يا دادة لو حد حاول يأذي ماما سهيلة هتدافعي عنها

بدور بصدق: طبعا ادافع عنها بروحي

ميادة: طيب لو حد أذاها فعلا وأذاني انا وبابا يزيد تعملي فيه ايه؟

بدرية: أكله بسناني

ميادة: ممكن يا ماما تبصيلي علشان خاطري

لم تجبها سهيلة بل استمرت ببكائها، فستأذنت ميادة من بدور أن تأخذ مكانها، احتضنت ميادة سهيلة بخوف قائلة:

انا لازم اسافر يا ماما، ومتخافيش عليا.


سهيلة بحدة: مخافش عليكي وانا عارفه انك نازلة لاهلك برجليكي، رايحة تنتقمي من مين ها، فكراني صدقت كلامك وانك نازلة مصر علشان الفن والكلام ده، طيب انا معاكي خليكي هنا وانا هفتحلك شركة انتاج وغني واعملي اللي يعجبك.


ميادة بدموع تحاول كبتها: عندك حق انا فعلا نازلة أخد حقي وحق اختي وامي، حقي نفسي اللي ضايعة بقالها سنين ومش لقياها، تعرفي يا ماما انا لما بنام بفضل صاحية، عيوني بس بتغمض لكن روحي بتكون في نار، نار بتقتلني كل يوم وانا حاسه اني عاجزة، هربت زي الجبانة وسبتهم عايشين، كان لازم اقتلهم كلهم

سهيلة ببكاء وضعف: طيب وانا، ويزيد مفكرتيش فينا.


ميادة: انتوا أهلي والسبب الوحيد اللي مخليني عايشة، لولا وجودكم كنت مت من زمان

سهيلة: بعد الشر عنك ياقلبي، علشان خاطري بلاش

ميادة: علشان خاطري انتي قويني، ساعديني ارتاح، انا تعبت من المهدئات، مبقتش تقصر فيا انا تعبانه اوي يا ماما

احتضنتها سهيلة وكأنها تخفيها بداخلها عن الألم.


قائلة: سلامتك يا قلب ماما وعنيها انا بس خايفة عليكي وعموما الاول كنت رافضة نزولك مصر بسبب يوسف لاني كنت خايفة ينتبه للاسم ويدور وراكي بس خلاص الله يرحمه يزيد قالي انه اتوفى السنة اللي فاتت ومراته صفت كل حاجة واخدت ولادها وسافرت كندا

ميادة: الله يرحمه..

سهيلة بخوف: هترجعيلي يا ميادة؟

ميادة: انا ديدا مش ميادة، وهرجعلك الشئ الوحيد اللي هيمنعني عنك الموت وبس...


قبلتها سهيلة بيأس ولكنها لن تتركها مهما حدث لذا هتفت بجدية:

انتي هتنزلي قبلنا بشهر وانا ويزيد هنحصلك

ابتسمت اليها ميادة قائلة: خالو مصطفي مسافر معايا، ايه رأيك بقى؟

سهيلة: بجد، طيب ليه مقاليش؟

ميادة: كان عنده أمل اني مسافرش بس لما اتأكد اني مصممة قالي انه هيفضل معايا وهيساعدني كمان

سهيلة: طيب كلمي يزيد تاني وحاولي تقنعيه وبلاش تسافري وهو زعلان منك

قبلت ميادة يدها قائلة:.


مقدرش طبعا هقنعه، في حد يزعل ابوه الحليوة ده

ضربتها سهيلة بخفة وابتسمت بدور داعية الله ان يحفظها والا تتجرع سهيلة مرة ثانية مرارة الفقد..


منذ أن استمع من جدته إلى سر العداوة القائمة بين والدته ووالده وهو عازم على الانتقام سوف يثأر لوالدته وشقيقتيه، لم يعلم من قبل سبب الجفاء البادي بين نوارة وفهد وكلما سأل احدهما يتهرب من الاجابة، مازال يتذكر شقيقتيه رغم صغر سنه وقت غيابهما الا انه يتذكرهما والأن ادرك ما حدث وما عانته والدته..


لابد ان يجعلهم جميعا نادمين، فكر قليلا ثم ابتسم بانتصار فلا يوجد غيرها، رباب الابنة المدللة لدي الجميع، نقطة ضعف والدها والمحببة إلى قلب شهيرة والأقرب إلى نوح، سوف يذيقها ما ذاقته شقيقته...

لم يبذل جاد الكثير من الجهد في استمالتها فهي بالفعل تحبه ولكنها كانت تلاحظ تجاهله لها وعندما تحدث اليها لم تصدق..


طلب اليها لقائه بالمدينة بعيدا عن النجع وعيون الجميع ووافقت، ولما لا، وهو ابن خالها ومشهود له بحسن الخلق

احتضن طفلته بحب وسعادة يملؤها الخوف، فلا يعقل أن تعطيه الحياة تلك السعادة دون مقابل، شفي من الادمان وبدأ عملا جديدا اصبح من خلاله من كبار التجار بتلك البلدة النائية التي اختارها له نوح بمساعدة عمه، عمه نعمان الذي ورغم ابتعاده عنهما الا انه وقت الحادثة لم يبخل عليهما.


بالمساعدة مطلقا بل مكن حماد من الهرب وكان وسيلته في الحصول على مأوى بعيدا عن الأعين..

يزوره على فترات متباعدة كلما سنحت له الفرصة

تنهد حماد بتعب وانزل ابنته بعد ان قبلها بحب هاتفا تعالي يا تقى خلي بالك من جميلة

تقي: انت نازل برده يا حماد، مش قولت هتقضي اليوم معانا

حماد: معلش كلموني وقالوا في مشاكل في الشغل.


تقي بحزن: خلاص براحتك، انا اتعودت على بعدك بس حرام بنتك تفضل طول النهار تستناك ولما ترجع تكون هي نامت..

اغمض حماد عينيه يحاول أن يجيبها بشئ يرضيها لكنه لم يجد، لقد حاول أن يحبها لكنه لم يستطع، هي زوجة مثالية وربما لا يستحقها لكنه يستشعر وجود حاجزا يمنعه عنها، ربما ضميره ليس الا...

تطلعت إلى والدتها بابتسامة جعلت شهيرة تتنازل عن وجهها العابس دائما وتبادلها البسمة قائلة.


مفيش حد بيجدر عليا غيرك يابت نعمان

رباب: وااه واني بته لحاله اياك؟

شهيرة: الله يسهله بجى هو وام صورم اللي متچوزها

قهقة رباب قائلة: والله دي طيبة جوى وهتحبني

شهيرة: على رأي المثل، بت الضرة ضرة يا جلب أمك

ابتسمت رباب بيأس قائلة:

فضيها السيرة دلوك وجوليلي سي نوح وين رايده اشوفه ضروري جوي..

شهيرة: ها رايده منه ايه يا مضروبة انتي

رباب: حاچات بسيطة اكده.


أجابها نوح قائلا: حاچات بسيطة كيف، ده انتي طالبة مني حاچات تكفي النچع كلياته

تعلقت رباب بذراعه متدللة عليه بحب قائلة:

وااه مش حبيبتك اني ولا ايه؟

نوح: حبيبتي طبعا، وحاچتك فوج اطلعي شوفيها

أسرعت متجهه إلى الأعلى ونظرت اليه والدته قائلة:

اخوك عامل ايه يا نوح، بجالي يومين هكلمه ومبيردش والمعدولة مرته بتجول عنديه شغل كتير

نوح: جولتلك متتصليش عليه طوالي مريدينش حد يعرف مكانه.


شهيرة: ليه خايفين من بت بهية لساتكم

نوح: بت بهية ليها حج ولو انتي مطرحها مهتسبيش حجك واصل، وخالي فهد مهواش ساكت بيدور على حماد وعامل حاله مبجاش مهتم بالموضوع

شهيرة بخوف: تجصد ايه، فهد ممكن يوصله ويبلغ عنه لاچل ما يرضي نوارة!

نوح: الله اعلم رايد يرضي نوارة ولا يكفر عن ذنبه، ياريت بقي تسمعى الكلام وبزيداكي أذية لحماد..


ترددت في النزول من الطائرة فالتفكير شئ سهل وبدأ التنفيذ صعب للغاية تشعر بالخوف يتملكها مازالت تتذكر صوت حليمة لم يفارقها وكأنه يدعوها الأن إلى البدء والا تتراجع، نظرت جوارها فوجدت مصطفي ينظر اليه مستفهما فابتسمت اليه هاتفه:

يلا بينا انا بس كنت باخد نفس علشان مش هيبقي في وقت بعد كده

مصطفي: تمام يلا بينا يا أنسة ميادة.


ابتسمت ميادة ساخرة من تلك الكلمة فهي أنسة متزوجة منذ خمسة عشر عاما والعجيب انها تشعر بقيد يربطها بنوح لا تدري اهو قيد القرابة بينهما أم لأنه الأول بحياتها...

توجهت بخطوات ثابته ناحية السيارة الواقفة بانتظارهما وانتقلت بهما نحو بداية الرحلة

تجول نوح بثقة بين جنبات مصنعه الجديد يحاول الالمام بشؤونه، اقترب منه فهد فاسرع هو للقائه قائلا:

ايه رأيك يا خال؟


فهد: زين جوي، وسعره كمان معجول، رايد نتكلموا في المكتب في حاچة مهمه

نوح بانتباه: حاضر، تعالي معاي

جلس فهد يحاول ترتيب افكاره فهو على يقين ان نوح سوف يغضب مما سيسمعه لكنه سيخبره

فهد: امك راحت عشية واتكلمت مع مرت حامد افندي الشرجاوي لاچل ما تخطبلك بته

نظر اليه نوح بغضب ورفض قائلا:

الست دي مبتجدرش تجعد ساكته، مهيعچباش العچب لازمن تنفذ اللي في راسها وبس، اني تعبت منيها...


فهد: ان چيت للحج هي معذورة، انت مبجتش سغير يافهد، انت دلوك عديت ال 35

صمت نوح ولا يدري بما يجيب فهو لا يعلم سبب عزوفه الى الأن عن الزواج لما لم تجذبه واحدة من تلك الفتيات الكثيرات اللاتي يتعامل معهن او احدة من فتيات النجع، هل مازال ينتظهرها وهل ان عادت سوف تتذكره، سوف تعتبره زوجا لها..

لاحظ فهد شروده فنفخ بضيق قائلا:

تعالى نطلعوا عالبيت اني چعان جوي ورايد اريح چتتي من الطريج.


هب نوح واقفا دون رد وتحركا إلى وجهتهما.


مرت الأيام والشهور وكانت ميادة تعدو بقوة وكأنها في سباق اوشك على الانتهاء وعليها ان تصل إلى خط النهاية وكان مصطفي بجانبها خطوة بخطوة، بدأ نجمها يسطع سريعا ولما لا وهي ذات صوت عذت وطلة ساحرة وحضور طاغي بالاضافة إلى ذكائها وما تمتلكه من اموال

ومع انشغالها الشديد لم تكن تغفل عن متابعة نوح واحواله ومع كل نجاح تحققه في مجال الفن كانت تشعر باقترابها منه

لاحظ مصطفي صمتها فتحدث اليه قائلا:.


عاملك مفاجأة هتعجبك اوي

ميادة: بجد، مفاجأة ايه؟

مصطفي: هنروح نشتريلك عربية جديدة

ميادة بهدوء: عربيتي لسه جديدة يا خالو

مصطفي: عربيتك جديدة، بس عربيات السياف ممتازة دول واخدين توكيل مهم

استمعت إلى اسم عائلتها بقلب منقبض وكأنها على وشك الموت، نظرت اليه بعيون دامعة فتحدث اليها بجدية قائلا:

انتي مش ضعيفة متخافيش من حد، احنا لازم نتحرك وننفذ اللي قولتي عليه.


ميادة: وانا هستفيد ايه لما اروح اشتري عربية من عندهم ما انا ممكن مقابلش نوح

مصطفي: عيب عليكي انا سألت وعرفت الايام اللي بيكون موجود فيها قومي يلا غيري هدومك عاوزة ينبهر لما يشوفك، اوك

ميادة: حاضر، هخليه يتجنن ابن شهيرة.


اقترب سلمان من باب غرفته يتحرك بخفة كي لا تسمعه والدته لكنه وجدها واقفة امامه تنظر اليه بعتاب وغضب طفيف متسائلة

كنت فين لحد دلوك يا سلمان؟

سلمان بتردد: كنت سهران مع چماعة اعرفهم

جذبته اليها تشتم رائحة ملابسه لتنظر اليه بحزن قائلة: والچماعة دول بيدخنوا ياواد فهد

نظر اليها بخجل فهي نادرا ما تدعوه بذاك الاسم فاشاح ببصره محاولا ادعاء القوة ليهتف بعد قليل..

اني مبجتش سغير وبسببك زمايلي بيتنجوروا علي.


بهدوء عكس ما تداريه قالت:

لم خلچاتك وروح على دار ابوك ومشوفش وشك اهنه واصل، اني بعدتك عنيهم انت واخوك على أمل اني اربيكم زين وميجولوش تربية مرة، بس اها زي ما بيجولوا العرج دساس، الاسم لوحده مهيكفيش يا سلمان، كنت مفكرة انك هتكون اسم على مسمى

نظر اليها سلمان بغضب وخوف مما قالته لكنه استمر على عناده قائلا:

أهه، سلمان چوزك الاولاني اللي بسببه كارهه ابوي ومبعدانا عنيه.


أحست نوارة بدوار قوي ولم تعد قادرة على الحديث فقد اكتفت من الجدال، وقعت امامه فاصابه الهلع ولم ير نفسه الا وهو يصيح باسم والده بعدما فشل في الوصول لشقيقه

استقبلته شهيرة قبل ان يأتي اليه فهد مهرولا فتحدث سلمان برعب: الحجني يابوي، امي وجعت جدامي ومرضياش تجوم

شهيرة بفضول: ماتت اياك!؟

سلمان بحدة: موته تاخد عدوينها انشالله..

شهيرة: وااه شوف الواد جليل الرباية بتدعي على عمتك.


سلمان: انا جولت عدوينها، لو انتي منيهم يبجي بكيفك

تركهما فهد وانطلق اليها لصدم من رؤيتها هكذا ضعيفة صامته، لم يعتد منها هذا السكوت، جلس ارضا ورفعها اليه محاولا افاقتها دون فائدة فتحدث الى سلمان بخوف:

شيل امك معاي خلونا نطلعوا على مستشفي نشوف مالها

بعد ساعات من الانتظار اسرع فهد وسلمان باتجاه الطبيب ونظراتهما تعبر عن خوفهما وشعورهما بالذنب

تحدث الطبيب بلطف اليهما:.


الحمد لله المدام احسن دلوك، هي تجريبا في حاچة مزعلاها وضغطها ارتفع جدا وللأسف كان هيتسبب بچلطة، ياريت تلتزم بالأدوية وتبعد عن اي انفعال

فهد: ممكن اشوفها ياداكتور

الطبيب: اتفضل حضرتك هي فاجت وحاليا بخير

دلف اليها بخطوات نادمة فهو السبب فيما ألت اليه حياتها وحياتهم جميعا ولكن هيهات أن يعود الزمان بنا إلى الوراء ليته كان ممكنا.


جلس جوارها ونظرت اليه بنظرات لم يفهما لكنها تحدثت اليه وكأنها تحادث نفسها تلومه دون أن توجه اليه اتهام تبكي بصمت لكنه يشعر بها سألته بخفوت

كيف سيدنا يعجوب اتحمل يبعد عن يوسف 40 سنة يافهد، كيف جدر يصبر السنين ديه كلياتها وميأسش!؟

حاول الرد لكنه لم يستطع فاستكملت:.


اني حاولت اكره ولادك ومجدرتش واصل يا فهد كنت حاسه ان حبي ليهم خيانه لبناتي، بس مفيش أم هتكره عيالها، ولا فيه واني اللي ضعيفة وحتى الكره مهجدرش عليه

نظرت اليه فوجدت يائسا ربما يفوقها بؤسا فصمتت قليلا ثم سألته:

انت چيت اهنه ليه وسلمان وچاد وينهم؟

فهد: چاد تجريبا في شغل، وسلمان هو اللي جالي وچبناكي على المستشفي

نوارة: كتر خيرك، رايده منك طلب ممكن؟

فهد: انتي تؤمري.


نوارة: خد سلمان يعيش معاك، اني خلاص كبرته وبجى راچل اها، بس دلوك محتاچلك انت

فهد بشك: ليه عمل ايه سلمان، انتي اتعاركتي معاه يانوارة؟

نوارة بتعب: اسأله وسيبني ارتاح دلوك، تعبانه ورايده انام..

دثرها بعناية وغادر الغرفة متوجهها إلى ولده الذي يبدو انه قد ورث عناده

سحبه من يده وتوجها الى داخل سيارته وتحدث اليه بجدية:

عملت ايه يا سلمان وجولت ايه لامك خلاها تتعب اكده..؟!

دي رايداني اخدك تعيش معاي.


قص عليه سلمان ماحدث بينهما فما كان من فهد الا ان صفعه بقسوة ناظرا اليه بغضب قائلا:

العيب مهواش من نوارة، العيب مني آني فكرت ان ربنا هملني اكده يبجى هيسامحني واللي فات هيموت بس اها ابني هو اللي بيفتح في الجديم تعرف ايه انت ياكلب عن امك وعني لاچل ما تتهمها اكده؟!


اني اتسببت في موت حليمة وهروب ميادة اخواتك وبنات عمك سلمان، خابر اني اتچوزت على امك وجهرتها وياما مديت يدي عليها واني رايد اكسرها واچبرها تحبني، وربنا المعبود يا سلمان لو أمك صابها شي بسببك ما هرحمك سامعني!

بكي سلمان بقوة فنوارة لم تضربه مطلقا ولا شقيقه وتلك المرة الأولى التي يقسو عليه أحد هكذا...

رق فهد لحاله فتحدث اليه بحنان وهدوء قائلا:.


امك عمرها ما ظلمت حد ولا ظلمتني، اني اللي جسيت عليها ياما، خليك انت واخوك سندها وكفاية اللي راحوا منيها

بينما كان غارقا بافكاره وتردده بين ما يفرضه المنطق وما يطلبه القلب، هل زواجه الأن هو الصواب أم ان الصواب مرهون بعودتها، الا ينبغي أن يشتاق إلى بدأ حياة جديدة، ان يحظى باطفال أم انه يخشى أن يسعد بحياته فيزداد شعوره بالذنب لذنب لم يرتكبه...


استمع الى صوت أحد مساعديه يخبره بقدوم أحد العملاء لشراء سيارة جديدة فاستعد للقائه

دلف مصطفي اولا بابتسامة عملية ومد يده مصافحا لنوح وبادله الاخر التحية وطلب منه الجلوس معتقدا انه بمفرده لكنه تفاجأ بدخولها، اربكته طلتها وكأنه لم ير نساءا من قبل، شعر ناحيتها بحنين لم يفهمه..


بينما كانت هي تتواري خلف نظارتها الشمسية تحاول أن تنظر اليه دون أن يلحظ، ترجو دقات قلبها المتلاحقة أن تهدأ قليلا قبل أن يسمعها هو، تود أن تقترب منه حد الالتصاق وتخشى الاقتراب منه وكأن قربه هلاك لروحه، بينما كان هو يكذب نفسه مستنكرا أن يصدق ان الواقفة امامه هي ميادة، زوجته الهاربة، اعتقد انه صار مهووسا بعودتها فاصبح يخيل اليه أنها الواقفة امامه الان، هي تشبهها إلى حد بعيد ليس الا...


قاطع صمتهما مصطفي الذي تحدث إلى ميادة بحنان قائلا:

اقعدي ياقلبي، نوح بيه شكله هيسبنا واقفين كتير

ابتسم نوح بحرج قائلا باعتذار:

اسفة، انا مقصدش والله، اتفضلي يا أنسة، ولا حضرتك المدام؟

مصطفي ممازحا: لأ أنسة، بنت أختي وتربيتي

نوح وقد تيقن انها لسيت من يسعى الى لقياها

حضرتك شرفتنا، تشربوا ايه الأول!؟

كان يتحدث نوح إلى مصطفي ويرجوها بداخله أن تتحدث، يتمني أن يرى عينيها ولو للحظات ولا يعلم أهو فضول أم ماذا.


لاحظت هي ما يدور بخلده فتحدثت بهدوء قائلة:

ملوش لزوم، انا محتاجة سيارة جديدة تكون عملية وسريعة

نوح بهدوء: فيه حضرتك كل انواع السيارت الحديثة اتفضلوا معايا اتفرجوا واختاري اللي يعجبك

اجاب مصطفي: مش قولتي قبل كده عاوزة فيراري بورتوفينو!؟

ابتسم نوح قائلا:

موجودة يافندم مع انها صعب تنزل مصر.


حاولت ميادة أن تبدو طبيعية أو تبادله الحديث لكنها كانت تنظر إلى يده وتلك الدبلة التي مازال يرتديها، أيتذكرها إلى الأن أم أن غروره يمنعه من التخلى عن استرجاعها

اقترب منها مصطفي وتحدث اليها بقلق: حبيبتي انتي كويسة؟

ميادة: اه يا خالو، بس أسفة منمتش كويس وكان عندي تصوير متأخر

نوح بفضول: حضرتك مذيعة؟

ميادة بغيظ: لأ، مطربة حضرتك اكيد مش مهتم بالفن؟

نوح: يعني مهتم بس مش اوي.


ميادة: اوك، حضرتك خلينا نشوف السيارة واضح انك مشغول

نوح: لالا، انا مش مشغول ولا حاجة

ابتسم مصطفي وقد ايقن ان نوح قد اعجب بها وتعجب هو من نظراته اليها

بعد أن اختارت ميادة ما تريد وتم توقيع العقود أحس هو بالحزن فقد اوشكت على الذهاب ود لو تظل امامه ولو قليلا بينما كانت هي تشعر بالاختناق تود البكاء وتمنع نفسها بصعوبة فرؤيته الأن تذكرها بما فات بحلوه ومره الذي لن يحلو يوما ما...


اتجهت للمغادرة خلف مصطفي لكن نوح استوقفها فالتفت اليه لتجده ماددا يده اليها راغبا في مصافحتها

ترددت لكنها مدت يدها اليه، احتضن كفها برفق بين يديه ونظرت اليه ثم غادرت واختفت من امامه...

رواية أمواج قاتلة الجزء الأول للكاتبة نداء علي الفصل الخامس عشر


ودائما يخذلنا القلب بضعفه حتى وان أبينا القول، فمن يحب يكابر ولا يود الاعتراف ومن يكره يدعي العكس، وفي نهاية الأمر نواجه أنفسنا ولكن أسوأ ما في الأمر أن المواجهة تأتي غالبا متأخرة.


قضى نوح ليلته تلك هائما في عالم اعتاد العيش به وحيدا منذ سنوات الا أنها تحدته اليوم وشاركته تلك الوحدة رغما عنه يتقلب يمينا ويسارا ولا يرى سواها، لا يعلم احقا اوقعته احداهن أم ان ما يشعر به مجرد سراب، يرغب بالقرب ويخشى عليها من السواد الذي غلف حياته وسنواته الماضية بأكملها، فحياته بالفعل مليئة بالعتمة ليس الا.


أخذ يقلب بهاتفه ودون أن يدري كان يبحث عن صفحتها الشخصية ينظر إلى صور مختلفة تجمعها ببعض المعجبين والبعض الأخر لعائلتها، والديها وخالها، غيرة تملكت منه ولا يدري هل أصابته بسحر ما أم انه يهفو إلى روح حرم منها سابقا ووجدها بصورة أخرى فيسعى إلى امتلاكها.


اغلق صفحتها وكأنه يهرب من نظراتها الواثقة التي توتره وبدأ في قراءة بعض ابيات الشعر التي يهواها وخاصة ما يكتبه فاروق جويدة ليبتسم وكأنه يسخر من حاله عندما وقعت عينيه على تلك الكلمات التي تصفه بوضوح..

‏الشوق نحوك سر لست أحكيه

إلا إلى الليل إن الليل يخفيه

من أجل قلبك أخشى أن أعذبه

عاتبت قلبي حتى كدت أبكيه.


كعادته عندما يراها يتناسى ما حدث لا يتذكر شيئا سواها ينظر اليها باشتياق وتمني وكأنه لم يفارقها سنوات وكعادتها هي منذ تلك الليلة المشؤومة تطالعه بتيه لا تعلم اتكرهه حقا أم تشفق عليه هل أوشكت في وقت ما أن تسمح له بالقرب من قلبها بل انها بالفعل قد احبته لكنه أتي وبكل قوة ودهس ذاك الحب في مهده فاهلكه بابشع الطرق ولم يبقي منه سوى رماد...


اقتحم جاد غرفة والدته بعد ان عادت إلى البيت وعلم هو بمرضها المفاجئ لتزداد دهشته عندما وجد والده جالسا بجانبها

تحدث جاد بقسوة لم يعتادها احد منه من قبل هاتفا:

انت ايه اللي چابك اهنه، اكيد انت السبب في تعبها ووجوعها من طولها اكده؟

نظرت اليه نوارة بغضب قائلة:

چنيت انت التاني اياك ياواد نوارة بتعلي صوتك على ابوك يا جليل الحيا، رايدهم يجولوا مربتش رچالة، ولا مكتوب عليا اشوف بعيني خيبتي فيك انت واخوك؟


جاد بشك: سلمان ماله؟ هو اللي زعلك اياك!

نوارة بحزم: ملكش صالح مين مزعلني حب على يد ابوك واطلع برة

جاد محاولا الهدوء: حاضر، بس ارتاحي انتي

اقترب من والده مقبلا يده مثلما أمرته هي بينما فهد كانت نظراته معلقة بها...

غادر جاد ووقف فهد مستعدا للخروج لكنه التفت اليها قائلا:

مخابرش يا نوارة انتي هتكرهيني ولا لاه، بسي اني رايدك تطمني سلمان مهيكررش غلطه مرة تانية..


نوارة: ياريت يا فهد، ياريت ميكررش غلط بدايته سهلة ونهايته موت

لم يستوعب ما تقوله فاستكملت:

مريداش ولدي يبجى نسخة من حماد، حماد مكانش عفش انتوا اللي هملتوه لحاله واول ما افترى جتل بتي، مريداش سلمان يبجى ضحية لذنوبنا...

اكتفي بما قالته وغادر مبتسما بانكسار فرغم ضعفها مازالت قوية، وكلما مرت السنوات تزداد جمالا ويزداد حاله بؤسا بما فعل.


استمعت ميادة الى دقات مصطفي القوية ببابها قائلا بحدة: افتحي الباب يا ديدا بدل ما اكسره على دماغك

ميادة بصوت منهك: ارجوك تسيبني لوحدي

مصطفي: علشان خاطري افتحي الباب، سهيلة هتتجنن عليكي ويزيد مصمم يجي بكرة وانتي عارفه انه صعب ينزلوا فجأة كده

اقتربت بخطوات متباطئة ونظرت اليه قائلة:

انا تعبانه اوي

مسح على رأسها بحب قائلا:

عارف ياحبيبتي بس احنا لسه في البداية.


ميادة: تخيل لما هربت منهم لو كنت وقعت في ايد حد غيركم كان هيبقي مصيري ايه، كان ممكن ابقي بنت ليل او واقفة اشحت في الشوارع، في الوقت اللي نوح بيه بقي مليونير بفلوس ابويا، ليه، ليه عملوا فينا كل ده، ليه يدمرونا كده!

امسك بيدها واجلسها امامه وتحدث بهدوء قائلا:

علشان نلاقيكي احنا وترجعينا نعيش من تاني.


سهيلة كانت روح مدبوحة عايشة على أمل انها تموت وتقابل بنتها، ويزيد كان مستحيل يتجوزها برغم عشقه ليها لأنها كانت رافضة تديله فرصة

وانا، كنت هفضل عايش في دور المظلوم اللي اتخان من احب انسانه لقلبه، تعرفي اني بسببها بعدت عن كل اصحابي وقرايبي، حتى سهيلة لما حذرتني من الارتباط بيها بعدت عنها، قاطعت سهيلة لمدة سنتين، كنت معمي عن الدنيا بحالها ومبشوفش غيرها.


انتي انقذتينا كلنا يا ميادة صدقيني كل شئ في الدنيا له اسباب..

نظرت اليه بغضب قائلة:

البيه عاملي خصم، ابن شهيرة عاملي خصم من فلوسي وعاملي فيها جنتلمان وبيسلم عليا وهو لابس دبلتي طيب يعملي احترام

قهقه مصطفي بقوة قائلا: انتي غيرانه انه سلم عليكي، غيرانه من نفسك

ميادة: وهو يعرف اني ميادة؟ لا يبقي خاين وحقير

ازداد مصطفي تعجبا من رد فعلها ونظر اليها مطولا ليتحدث بهدوء:.


على فكرة الولد سمعته كويسة وملوش علاقات نهائي، بس واضح انك لفتي نظره وفي نفس الوقت واضح انه مش سهل وشخصية حذرة جدا فلازم تتعاملي معاه بهدوء اكتر من كده...

ميادة: انا بكررررهه، بكرهه ومش عاوزة اشوفه لما شفته كان نفسي اقتله، شكله متغيرش ابدا زي ماهو، طول عمري بحس ناحيته بمشاعر غريبة بخاف اقرب منه وبحب قربه..

مصطفي: طيب ممكن تهدي وتبطل تعيطي بقيتي شبه الطماطم.


ميادة: انا بجد مش قادرة اشرحلك اللي حاسة بيه موجوعه لدرجة صعب تتوصف

صمت قليلا واستجمعت هي بعض قوتها فما قاله مصطفي هو الصواب، تلك مجرد بداية ينبغي أن تصبح اقوى من ذلك

نظرت إلى مصطفي قائلة:

حضرتك مفروض تخف شوية على هيام، البنت شاطرة في شغلها جدا ومؤدبة ليه بتعاملها بالشكل ده!؟

مصطفي بغضب: اعاملها ازاي يعني اقوم اضربلها تعظيم سلام، دي مجرد موظفه عندك مديرة اعمال يعني لازم تفتح عنيها وتركز معاكي.


ميادة: وهي فعلا مركزة وشايفة شغلها وحضرتك عارف الكلام ده ياريت تدي نفسك فرصة ومتخدهاش بذنب غيرها، مش كل الناس شبه بعضها

مصطفي: انتي تقصدي ايه؟

ميادة0: اقصد انك لسه صغير وقمر ومفروض تعيش وتحب وتعوض اللي فاتك

مصطفي: قومي يابت اغسلي وشك وكلمي سهيلة وابعدي عني مش ناقصك انا..

ميادة: على فكرة انا بحبك اوي

مصطفي: وانا بحبك اكتر يا ديدا ونفسي اشوفك اسعد بنت في الدنيا كلها، وبلاش دموع تاني مفهوم.


ميادة: حاضر، هروح اكلم ماما وارجعلك تعيشيني برة، اوك

مصطفي: ماشي ياستي مقدرش اعترض سهيلة تدبحني

ابتسم جاد بوجهه الجذاب إلى تلك الجالسة بانتظاره، اقترل منها قائلا بود مصطنع:

اتوحشتك جوي يا رباب

رباب بخجل: وانا كمان اتوحشتك بسي انت خابر ان خروچي صعب لحالي

جاد: مهواش صعب ولا حاچة انت كلها كام اسبوع وتدخلي الچامعة ووجتها نتقابلوا بكيفنا

رباب: بس اني خايفة ان ابويا يعرف يا چاد.


جاد بثقة: حتى لو عرف اني جولتلك مستعد اروح دلوك اطلب يدك منه بس انتي خابرة ان امك مهترضاش واصل..

رباب بدموع: خابرة ومعرفاش السبب، يعني انت ممكن تزهج وتبعد عني؟

جاد: لاه طبعا، بس افرضي چوزوكي لحد غيري

رباب: لاه اني مستحيل اوافج

جاد: ولو غصبوكي يا رباب، هتهمليني بعد ما بجيتي حياتي وحلم عمري

نظرت اليه بعشق ولا تصدق ما يقوله لتهتف قائلة

مستحيل، اني مستحيل اكون لغيرك حتى لو اضطريت اهرب واتچوزك غصب عنهم.


ابتسم برضا لما قالته فتلك اولى خطواته لقهر شهيرة ونوح وفهد معهما...

استعدت ميادة لخطوتها القادمة، تجاهلت نوح ورؤيتها له، انشغلت بعملها بينما كان هو يتحرق لرؤيتها ولا يدري كيف الوصول اليها

كان مصطفي وهيام يجتهدان في تحقيق مزيد من الانتشار والشهرة لميادة ويسعيان لحضور نوح لواحدة من تلك الحفلات التي تحييها ميادة حتى يتم لقائهما مرة ثانية...


علم مصطفي من مصادرها الخاصة ان هناك حفل خاص برجال الاعمال ومن بين الحضور سيكون نوح السياف، فاقتنص تلك الفرصة واستطاع جعل ميادة هي نجم تلك الحفلة

تفاجأت ميادة بوجوده بين الحضور فهي لم تتوقع رؤيته الأن، استجمعت شتات نفسها سريعا واستكملت تأدية فقرتها الغنائية ببراعة كالمعتاد

لاحظت ميادة نظرات نوح المسلطة عليها فابتسمت اليه:

انتهى الحفل وتأهبت ميادة للمغادرة ولحق بها الحرس المسؤولين عن تأمينها.


انتظر نوح خارجا يبحث عن سبب يتحجج به كي يستوقفها..

وتوقفت هي عندما لمحته واقفا بانتظارها

اقترب منها فعلمت انه ينوي التحدث اليها

نوح: مساء الخير يا فنانة..

ميادة: مساء النور...

نوح: محتاج من حضرتك خدمة، ممكن

ميادة بتعجب: اتفضل اكيد لو بايدي مش هتأخر

نوح: كتب كتاب اختي كمان اسبوعين ونفسها تغنيلها في الحفلة، هي بنت خالتي بس بعتبرها أختي.


تغيرت ملامحها كليا وكانها بوسط محيط مظلم غارقة وسط امواجه القاسية تصارعها حتى تنجو بحياتها..

عادت اليها تلك الذكريات البائسة بكلمة منه، يريدها أن تغني بحفل لعائلته، هل اقتربت المواجهة بتلك السرعة.


تعجب نوح من هيأتها وكان على وشك الحديث الا انها شهقت بفزع عندما لاحظت شعاع من النور الأحمر مسلط فوق صدر نوح لتنظر ناحية ذاك الضوء فتجد أحد الرجال مصوبا سلاحه باتجاه نوح ودون تفكير منها احتضنته بجسدها لتتلقى بدلا منه تلك الرصاصة فهو لن يموت الآن مستحيل ان يتركها دون ان تأخذ بثأرها منه ومنهم جميعا وينظر هو اليها بصدمة كادت ان تجمده فقد أنقذته من موت محقق وافتدته بروحها...


حملها مسرعا وانطلقت سيارته ومن خلفها سيارة مصطفي والعديد من الصحافيين الذين أثارهم الفضول لمعرفة سر تلك الحادثة

تركها مرغما بعدما تولاها الفريق الطبي الذي اسرع إلى ادخالها لغرفة العمليات، وبعد قليل وصل مصطفي وهيام

اقترب مصطفي بغضب قاتل جاذبا نوح من ملابسه يسأله. بحدة:

جودي حصلها ايه، ومين اللي ضرب عليها نار وليه؟

نوح بخوف من فقدانها: انا اللي كنت مقصود مش هي، جودي فدتني بنفسها.


كان الواقفين يستمعون بفضول وكل منهما يتخيل اسبابا عدة تجعل فتاة في تلك السن وبهذه الشهرة تضحي بحياتها من اجل شخص أخر، لابد انها تحبه ويربطهما علاقة وطيدة، لم يدرك أحدهم ما يحدث سوى مصطفي الذي نظر إلى نوح بكره وتحذير قائلا:

لو حصلها حاجة هخلص عليك بنفسي، سامع؟

امسكت هيام بيد مصطفي وتحركت معه بعيدا عن نوح وتركاه مع افكار المتضاربة

في مساء اليوم التالي انتشر بين الجميع ما حدث.


وعلم فهد بتلك الحادثة فاسرع إلى الاطمئنان على ابن شقيقته لكنها أصرت على الذهاب معه..

بينما كانت سهيلة تكاد تجن ولا تطيق الانتظار حتى تهبط الطائرة، لا تصدق ما حدث هل جاءت ميادة تنتقم منه أم تقتل نفسها بدلا منه، لن تتركها بمصر مرة ثانية سوف تجبرها على العودة، هذا ما كان يشغلها، بينما كان يزيد صامتا يدعو الله ان تنتهي تلك الأزمة على خير.


احتضنت شهيرة نوح بقلق واخذت تتفحصه لتطمئن انه بخير وكذا فعل فهد، طمأنهما نوح بتعب قائلا:

اني زين يامه محصليش حاچة، چودي هي اللي تعبانه جوي

شهيرة باستنكار: وجودي تطلع ايه كمان؟

فهد: وطي صوتك الخلج ملمومين حوالينا

نوح: خد امي وروحوا يا خال، اني جدامك بخير اها، ومش هتحرك من اهنه غير لما اطمن عالبنت..

شهيرة: لاه انت تمشي معانا دلوك وبعدين ابجي ارچع اطمن عالمعدولة.


نوح بعصبية: جولتلك روحي دلوك اني مطيجش حالي، البنت كانت هتموت بسببي

شهيرة: تلاجيها ما صدجت..

نوح: يعني ايه؟

شهيرة: بترسم عليك لاچل ما تحبها، معلوم هما المغنواتيه دول سهلين اياك؟

اسمتعت سهيلة إلى ما تقوله شهيرة فاجابت بثقة وتهديد:

الست دي تخرج برة المستشفي حالا بدل ما اقفلكم المستشفي

شهيرة: وانتي مين ياختي اسمالله؟


سهيلة: انا سهيلة القاضي ياحيوانة، أم جودي اللي بتقولي بترسم على ابنك الجربوع ده، انتي تعرفي ايه عن بنتي، دي بنت يزيد القاضي تشتريكي انتي وابنك وبلدك بفلوسها

نوح: حضرتك ملهوش لزوم الغلط..

سهيلة: اخرص انت خالص كله بسببك

فهد: يامدام ميصحش اكده، الناس دايرة تصور بكفايا فضايح..

سهيلة بتصميم: اتفضلوا امشوا، انا وجوزي هناخد بنتي ونسافر برة مصر متشكرين اوي على خدماتكم..

نوح وقد أحس بتوقف قلبه عن النبض.


كيف يعني تسافروا؟

سهيلة بكره: نسافر زي الناس هتنمعنا ولا ايه؟

نوح: لاه مجصدش، بس حالتها متسمحش

سهيلة بخوف: الحقني يا مصطفي الولد ده بيقول ايه، يعني حالتها خطر وانت بتكدب عليا؟

مصطفي: تعالي بس معايا وانا هفهمك والله كل حاجة...

اصطحب نوح فهد ووالدته التي لم تكف عن سب سهيلة طوال الطريق، اوصلهما إلى مدخل الفيلا ولم ينتظر دخولهما بل استدار مغادرا بسيارته لا يعلم إلى اين يذهب والي من يشتكي.


بينما كانت سهيلة تستمع إلى ما يقوله الطبيب باهتمام يصاحبه دموعها التي تأبى التوقف..

احاطها يزيد بذراعيه قائلا:

ياحبيبتي اطمني خلاص الدكتور طمنا والاصابة الحمد لله بعيد عن قلبها

سهيلة: كانت هتموت يا يزيد كانت هتضيع نفسها علشان واحد زي ده، شفت امه المجنونة بتقول ايه؟

ابتسم يزيد قائلا: ما خلاص سهيلة هانم قامت معاها بالواجب

سهيلة: لأ، انا مفروض كنت ضربتها بس للاسف خوفي على بنتي منعني.


يزيد: اهدي بقي علشان ندخل نطمن عليها بلاش تشوفك منهارة كده

سهيلة موجهه نظراتها ناحية مصطفي:

وانت حسابك معايا بعدين، بقي كل ده يحصل واعرف من الاخبار وانت مش تقولي

مصطفي: الله يكرمك يا يزيد خد مراتك وابعدوا عني انا كنت هموت من القلق ومش ناقص

يزيد: خلاص يا درش، روح انت غير هدومك وارتاح شوية وتعالي

تحدثت سهيلة هي الأخري قائلة: حقك عليا يا حبيبي، روح غير هدومك واحنا معاها اهو.


مصطفي: هروح لاني تعبان جدا وساعتين وارجعلكم بأذن الله

توجه خارج المشفي فوجد هيام بانتظاره

مصطفي: انتي لسه هنا مروحتيش؟

هيام باجهاد: لأ طبعا هروح ازاي واسيبكم

ابتسم مصطفي على براءتها فتحدث اليها

بهدوء قائلا: اركبي خليني اوصلك عالبيت

استمعت إلى ما قاله بصمت فهي بالفعل متعبة وترغب بالعودة إلى بيتها مؤقتا.


ظل نوح مرابطا امام المشفي يود الاطمئنان عليها ويخشى الاقتراب فيصطدم بوالديها، ربما ان رأته سهيلة تصر على أخذها من المشفي وربما تسافر ولا يراها مرة أخرى

بدأت ميادة تفيق تدريجيا وتستعيد عافيتها قليلا لم تعاتبها سهيلة كثيرا فهل لم تزل متعبة...

لاحظ نوح خروج سهيلة ويزيد فأسرع مهرولا إلى داخل المشفي ومنها إلى غرفة ميادة..


وجدها نائمة، اقترب منها ونظر اليها باشتياق وكأنه حرم منها لسنوات لا لأيام معدودة، ابتسم عندما رأها تبتسم بغفوتها، لكنه عبس مرة ثانية عندما تخيل انها تبتسم لرجل غيره، أخذه تفكيره بعيدا فهو لا يعلم عن حياتها شيئا، هل هي مرتبطة بأخر، مخطوبة، متزوجة، نظر سريعا إلى يدها فلم يجد خاتم خطبة فاطمأن قليلا، أحس بالحرج عندما وجدها قد استيقظت وتنظر اليه بتعجب..

نوح: حمد الله على سلامتك، ليه عملتي كده!


ميادة بتعب: ماما فين، وانت هنا ليه؟

نوح: بطمن عليكي

ميادة: الحمد لله انا احسن من انبارح، بس هو ايه اللي حصل مين عمل كده..

نوح: التحقيقات قدرت تفرغ الكاميرات وطلع واحد كان شغال عندنا واختلس مبلغ كبير من الشركة، للأسف اكتفيت برفده ومحبتش اسجنه بس هو بقي مكتفاش كان عاوز يقتلني

نظرت اليه نظرات لم يترجمها عقله فتحدث اليها قائلا:

انا أسف، بسببي كان ممكن يحصلك حاجة

ميادة بمشاكسة: اممم، وكنت هتزعل علشاني.


نظراته اربكتها فهي توقعت ان يجيبها لكنه بعدما نظر اليها أحست بما يرفض الاعتراف به

نوح: انا همشي دلوقتي لان والدتك لو شافتني هتقتلني وهجيلك بكرة

ميادة: ماما طيبة جدا بس اكيد خافت عليا

نوح: لا، حصل سوء تفاهم بينها وبين امي الله يهديها والامور خرجت عن السيطرة

أحست ميادة بغضب لمجرد سماعها ذكر شهيرة لكنها استطاعت اخفاء توترها قائلة:

حصل خير، المهم انك كويس؟

نوح بصدق: دلوقتي بقيت كويس جدا، اشوفك على خير.


تركها وحيدة ولم يتركها طيفه الذي يلازمها منذ سنوات، كم تخيلت تلك اللحظات وذلك اللقاء لكنها لم تتخيل أن يساعدها القدر هكذا، لقد صار مديونا لها بحياته، اصبح قربه منها سهلا بل سيقترب هو، ولن تمانع بل ستجعله عاشقا لها حد الهلاك...


قضت ميادة مدة أخرى داخل المشفي إلى ان استقرت حالتها تماما وتم خروجها

كانت سهيلة تحيطها برعايتها ليل نهار لا تفارقها كانت تدللها كثيرا كما لو كنت طفلة صغيرة، وكذا يزيد الذي برغم هدوءه وكلامه القليل الا أن وجوده وتصرفاته هي كلمة السر لأمان من حوله...


بينما مصطفي كان يجاهد في استغلال ما حدث من اجل توطيد علاقة نوح بميادة، كانت وسائل الاعلام تتحدث ليل نهار عن العلاقة العاطفية الغامضة التي تربط جودي القاضي برجل الاعمال الشاب نوح السياف وتضحيتها بنفسها من اجله

وبين حين أخر كانت تتطور علاقة مصطفي قليلا بهيام التي تقتحم عزلته التي بناها منذ سنوات لكنها بدأت في اختراقها.


استعدت ميادة للقائه كما طلب منها، ارتدت ما يناسب ذلك اللقاء وتوجهت إلى سيارته الواقفة بانتظارها

هبط اليها مبتسما بهدوء، فتح اليها باب السيارة إلى ان استقرت بداخلها وانطلقا سويا

تناول معا الطعام، كان يتحدث عن اعماله ومشوار نجاحه وتستمع هي اليه باهتمام

نوح: انتي مش بتتكلمي ليه؟

ميادة: مش انت صعيدي؟

نوح: اكيد طبعا، أبا عن چد

ابتسمت قائلة: طيب ليه مش بتكلمني صعيدي؟


نوح: يعني، انا بكلم كل الناس بلهجتي الصعيدية وبفتخر بيها، بس يمكن حابب يكون كلامي معاكي مختلف عن كل الناس

اوقف نوح سيارته فجأة بعدما صرخت ميادة بسعادة طفولية قائلة:

بليز وقف العربية يانوح

نوح بعدما استجاب لمطلبها: خير، في حاجة؟

ميادة: yes في عربية تين شوكي ولازم أكل منه تخيل بقالي سنين كتير جدا ماكلتش منه

نوح: بتحبيه للدرجة دي!

ميادة: جدا

نوح: بس كله شوك.


ميادة: الفاكهة اللي كلها اشواك لما بتفتحها بتلاقيها ضعيفة جدا من جواها، الشوك ده مجرد خط دفاع

نوح: امم، وجهة نظر برده، والمطلوب ايه دلوقتي؟

ميادة: تنزل تجيبلي طبعا

نظر اليها نوح بشئ من الدهشة قائلا:

عاوزاني انزل اشتري تين شوكي

ميادة بدلال: وايه المانع؟

نوح: في موانع يا فنانة، اولها ان هيبتي هتضيع وسط المجتمع، التين ده ممنوعات وخطر جوي.


قهقة ميادة تلك المرة من قلبها ولمعة عينيها ببريق سلب نوح عقله لتتحدث من بين ضحكاته قائلة:

هو التين بقي ممنوعات، I am sorry but i will eat it even it was forrbiden

نوح باعجاب: يعني مهتخافيش

ميادة بجدية: من ايه، ومن مين؟

نوح: عادي كل انسان بيخاف من حاجة معينة او من شخص ما..

ميادة: وانت بتخاف من ايه؟

نوح بغموض: مش لازم لما أخاف من حاجة غيري يعرفها

ميادة: امم، تمام هتنزل بقي ولا انزل أنا.


نوح بغضب: هتنزلي وانا معاكي ليه مش مالي عينك اياك؟

ابتسمت ميادة مرة ثانية قائلة:

واضح انك لما بتتعصب بتتكلم صعيدي

نوح: مش متعصب بس ميصحش تشتري حاچة ومعاكي راچل

صمت كلاهما لتسأله:

انت حبيت قبل كده او ارتبطت يا نوح؟

تغيرت ملامحه كليا ليفاجئها بقوله:

كنت متجوز...

ميادة ورغم درايتها بما قاله الا انها بدت شاحبة وكأنها صدمت بما قال لتسأله وكأنها تبغي التأكد مما سمعته

كنت متجوز، وبعدين؟

نوح: هربت ليلة فرحنا..


ميادة: وعملت فيها ايه، معقول بتتكلم جد؟

نوح: لما الاجيها الاول هبجى أعمل، خليني انزل اجيبلك التين الراجل شكله مروح...

امسكت بيده قائلة: انت زعلت من سؤالي

نوح: انتي تقولي اللي يعجبك، صعب ازعل منك.

يتبع


تعليقات

التنقل السريع
    close