أخر الاخبار

أغلال لعنته المقدمة الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم إسراء علي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

أغلال لعنته

المقدمة

الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس

بقلم إسراء علي

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

لعنتهُ دواء والشفاء منها سقم… 

لعنتهُ كـ السُم يجري بـ عروقي حتى أدمت روحي… 

لعنتهُ من الصعب التحرر منها فـ قُيّدتُ بها بـ كامل إرادتي…

الفصل_الأول

أغلال_لعنتهُ 

ما الحب إلا خيال وجنون، وإنّي لأنبئك بأنّ المحبّ يستحق أن يُلقى به في غرفة مظلمة ويجلد بالسوط شأن المجانين، 

وأمّا السبب في أن المحبين لا يعاقبون على هذا النحو ولا يشفون من علتهم،

 فهو أن الجنون أصبح شيئا مألوفا حتى ليبتلي به الضاربون بالسياط أنفسهم


طرقت الباب بـ خفة ثم دلفت ليُقابلها رئيسها بـ العمل بـ إبتسامتهِ المُعتادة والمُخيفة ليس لشئٍ سوى رغبته المجهولة خلفها والغير مُريحة أبدًا


إبتسمت كيان بـ تكلف ثم تقدمت من مكتبهِ وقالت بـ عملية شبه مرحة


-حضرتك طلبتني، أقدر أساعدك بـ حاجة يا فندم؟!... 


أشار إليها بـ الجلوس فـ إمتثلت لأمرهِ الصامت ثم إنتظرت حديثه بـ أعصاب تحترق ليُشابك هو يده فوق المكتب وقال بـ رزانة


-تعرفِ إني بعتبرك زي بنتي… 


رفعت حاجبها بـ ريبة ثم قالت وهي تنظر لإبتسامتهِ التي لا يزال مُحتفظ بها 


-البداية مش عجباني مستر رفعت

-ضحك رفعت وقال بـ مرح:ليه بس! هو مينفعش أتكلم معاكِ بـ راحة بعيدًا عن الشغل!! 

-أجابت سريعًا:و دا لأنك بتخبي وراك كلامك دا خفايا بتخوفني شخصيًا

-عبس بـ لُطفٍ وقال:أنتِ قاسية شوية عليا… 


حكت كيان جبينها بـ تعب ثم رفعت عيناها السوداء إليه لتردف بـ إبتسامة مُمتعضة


-تمام، حضرتك تأمرني بـ إيه!... 


إتسعت إبتسامته فـ تأكدت شكوكها لنيتهِ الخفية ولكنها لم تتحدث بل تركته يبدأ حديثه بـ نبرةٍ راجية


-حوراء؟!

-قطبت جبينها وتساءلت بـ غرابة:خير! مالها حوراء؟! 

-تنهد بـ تعب وقال:والدتها و أنا هنسافر فترة علاجية عشان مرضها… 


بهت وجهها ثم تساءلت وهي تشعر بـ شئٍ حاد يُغرز بـ قلبها


-هي حوراء متعرفش لسه!! 

-نفى رفعت قائلًا:لأ متعرفش و لا هتعرف أبدًا، مش هتتحمل يا كيان، هتروح فيها و أنا مش هستحمل اللي هيحصلها… 


مدت يدها لتضعها فوق يده المُجعدة وهتفت بـ لُطفٍ 


-متقلقش إن شاء الله هتخف و ترجع أحسن من الأول

-و دا أكتر حاجة بتمناها… 


ساد الصمت لعدة ثوان قبل أن تقطعه كيان بـ سؤالها 


-طيب و إيه دخلي أنا بـ حوراء؟ 

-أخذ نفسًا عميق وأجاب:هتاخديها معاكِ فـ الأجازة اللي طلبتيها، هتقضيها معاكِ مش هقدر أأمن عليها مع حد غيرك

-أشارت إلى نفسها وتساءلت:غيري أنا! 

-أومأ بـ تأكيد وأردف:أيوة أنتِ و بس، عارف إني هقدر أعتمد عليكِ و مش هتخذليني أبدًا يا كيان


إتسعت عيناها بـ صدمة قليلًا قبل أن تقول بـ حرج


-دا شرف ليا و أكيد حضرتك عارف بس آآآ

-قاطعها رفعت بـ توسل:أرجوكِ يا كيان، قرايبها هيكلوها حية… 


صمتت لا تجد ما تقوله.. تذكرت هي ما قَصْهُ عليها سابقًا عن عائلته وما يُريدونه منه، الشركة و أملاكه فقط إذًا تزوجت حوراء من أحد أبناء أعمامها، لذلك لم تستطع الرفض لتلك الفتاة الصغيرة التي لم تتخطى حاجز العشرون فـ إبتسمت وقالت 


-تمام أصلًا كدا كدا هحتاج حوراء معايا فـ حفلة الخطوبة ، أنا معنديش إخوات بنات… 


إرتسم الإمتنان على وجه رفعت ثم أردف بـ بشاشة 


-مبروك بـ المُناسبة، رشاد شاب رائع و مُكافح أحسد أي بنت هتتجوزه

-غمغمت بـ خجل فطري:شكرًا جدًا… 


نهضت كيان لتُصافح رفعت قائلة بـ هدوء 


-ألف سلامة على حرم حضرتك، أتمنى ترجعلكوا بـ السلامة 

-شكرًا يا كيان، بتمنالك ديمًا الأفضل، لأنك تستحقيه… 


********************


نظر خلفه إلى الباب الذي أُغلق خلفه لتو ثم إبتسم بـ شراسة إكتسبها أثناء طوال تلك الثلاث سنوات رابتًا على كتف صديقه الذي خرج مُنذ قليل وأردف بـ صوتهِ القوي


-مبروك الخروج يا وحش… 


إبتسم صديقه، ذلك الذي خاض مع شجارات ومعارك طاحنة، فـ بـ الداخل البقاء للأقوى ثم هتف بـ سعادة وهو يتنفس بـ قوة 


-أخيرًا دُقت طعم الحرية، ياااه الواحد مكنش عايش يا جدع جوه

-رد هو بـ شرود:عندك حق، بس بتبقى مُرة جدًا لما متلاقيش اللي مستنيه، مستنيك 


نظر إليه صديقهِ مطولًا ثم تساءل بينما هو يسير بـ إتجاه دراجة البخارية الواقف خلفه 


-هي مكنتش مستنياك! .. هي إتجوزت ولا إيه!! 

-ضحك ساخرًا:لأ هربت، هربت وكُل اللي سابته نظرتها المرعوبة اللي بصتلي بيها قبل لقاءنا الأخير

-عدا أد إيه على الحادثة دي يا قُتيبة!... 


تقدم قُتيبة ليأخذ من صديقهِ آدم حقيبته ثم ثبتها فوق المقعد الخلفي و أجاب بـ نبرةٍ لا تنم عن شئ


-ست سنين، تلاتة قضيتهم أنا مُجبر بعيد عنها فـ السجن و التلاتة التانين إختارتهم هي بـ رضاها… 


صعد قُتيبة الدراجة و تبعه آدم لينطلق قبل أن يسأله


-و ليه مرجعتهاش ليك! 

-معرفش هي فين و محدش بيقولي هي فين، و كأنهم أما صدقوا يفرقونا

-طب و ليه أنت مدورتش عليها بـ نفسك؟!... 


قابله الصمت ليبتسم آدم بـ إشفاق ثم أردف بـ تقرير


-أنت خايف مش كدا!... 


ساد الصمت لعدة لحظاتٍ أُخرى قبل أن يُجيب قُتيبة بـ صوتٍ غريب، مُتباعد


-خايف! أه خايف، خايف ألاقيها و ألاقي نفس النظرة، نفس نظرة الرُعب… 


توقفا أمام الشاطئ ليترجل قُتيبة تبعه آدم وخلعا نعليهما ثم سارا فوق الرمال الصفراء ليُكمل الأول 


-نظرة دي بتطاردني فـ كُل لحظة، حتى فـ كوابيسي، خايف وقت أما أقابلها تقولي إنها بطلت تحبني، إنها إختارت تتخلى عني بـ إرادتها… 


جلس آدم فوق الرمال وجذب قُتيبة ثم أردف وهو ينظر أمامه إلى المياه الزرقاء


-بس هي كذبت عشانك، شهادتها الزور هي اللي خلتك بره السجن دلوقتي، أنت بره بسبب كذبتها… 


تلاعب آدم بـ الرمال ثم نظر إلى صديقهِ وأكمل بـ نبرةٍ ذات مغزى 


-واللي تعمل كدا تفتكر مش هتستمر بـ حُبك؟ 

-رد بـ شك:كانت صغيرة، مشاعرها هتتغير من غير شك

-هز آدم كتفيه وقال بـ بساطة:و ممكن لأ، هي إتربت على إيدك يا قُتيبة، فـ مُستحيل مشاعرها تتغير بـ سهولة، ولو شكيت فـ كدا يبقى أنت معندكش ثقة فيها من الأساس و قبلها ثقة فـ اللي زرعته فيها… 


لم يصله إجابة سوى تنهيدة عميقة مُحملة بـ الكثير، آدم يعرف الكثير عن قُتيبة كِلاهما خاضا الكثير معًا من أجل البقاء على قيد الحياة وماضيه كان الأكثر قسوة على الإطلاق و بـ الوقتِ ذاته الأجمل على الإطلاق


نظر إلى قُتيبة الذي ربت على رُكبتهِ ثم أردف


-يلا مراتك مستنياك، أنا أقنعتها بـ صعوبة متجيش عشان تستقبلك

-طيب، يلا… 


********************


سارت بـ رواق الشركة ورأسها يعمل دون هوادة، الآن وبعد غياب دام ست سنوات ستعود إلى نقطة البداية.. المكان الذي هربت منه سابقًا ولكن الذكريات ظلت تُطاردها بـ شراسة مُقسمة ألا تدعها تنسى مُطلقًا، مُقسمة ألا تنساه 


-كيان؟… 


إنتفضت على الصوت الرجولي الآتي خلفها لتلتفت إليه فـ وجدته رشاد، شاب يسبق سنواتها الثلاث وعشرون بـ ثلاث سنوات، وجهه بشوش مبتسم، جسده نحيل مُقارنة به


هزت رأسها بـ قوة تنفض صورته التي لا تنفك تتجسد أمامها ثم إبتسمت ونظرت إليه قائلة بـ لُطف


-إزيك رشاد؟ 

-إبتسم وقال بـ راحة:بخير، بقيت أحسن لما شوفتك

-شكرًا… 


حكت جبينها بـ توتر قبل أن ترفع رأسها مُجددًا حينما سألها بـ شك


-المُدير وافق على إجازتك! 

-أومأت قائلة:أه، بس بعد عناء طويل

-ضحك هو وأردف:هو يُحبك

-ضحكت هي الأُخرى وهتفت:عارفة، بس هو ساعات كتير بيخرجني عن شعوري 

-بس أنتِ عارفة معزتك عنده، عشان كدا الموضوع يستحق شوية تعب… 


أومأت ثم ساد الصمت المتوتر مرةً أُخرى حتى أردف هو بـ صوتٍ أجش، خافت


-هاجي بكرة مع والدتي، عشان أطلبك… 


لا تعلم لِمَ أصابتها تلك القبضة الثلجية وجثمت فوق صدرها، لا تشعر بـ السعادة كأي فتاة يرغبها شاب كـ رشاد، وسيم يتسم بـ الرجولة و يمتلك أخلاق عالية تتمناها أي فتاة إلا أنها لم تشعر بـ السعادة مُطلقًا، يبدو أنها تنتظره


أخفضت وجهها فـ تناثرت خُصلاتهِا تُخفي وجهها الجامد والذي فسره رشاد كـ خجل ليبتسم ثم أردف مُحمحمًا


-تمام مش هكسفك أكتر، أنا همشي دلوقتي، و هبقى أتصل بيكِ نتفق على معاد عشان أقدر أجي

 -أجابت بـ خفوت ميت:تمام، هسـ هستناك… 


سمعت غمغمة لم تتوضح ما هي ثم صوت خطواته تبتعد لتزفر هي بـ راحة كبيرة والثقل بدأ يزداد بـ شراسة مُقلقة إلا أنها قررت التخطي، لن تستطيع المُضي قدمًا إلا بـ تلك الطريقة 


أجبرت ساقها على التحرك لتعود إلى منزلها وحزم حقائبها


********************


في اليوم التالي


-متخافيش يا ماما منستش الدوا

-و متنسيش تحطي هدوم تقيلة، الجو برد جدًا يا حوراء… 


تنهدت حوراء بـ تعب وهي تنظر إلى والدتها التي تحزم حقيبتها هي الأُخرى معها، لا تفهم سر إبعادها مع كيان، أجل مُسافران من أجل أمور العائلة والتي تكرهها كثيرًا فـ هي تعلم نوايا أقرباءها ولكنهم لم يتركوها قبلًا


وضعت آخر قطعة ثياب ثم أغلقت الحقيبة لتردف بـ إبتسامة ضعيفة


-أنا معرفش أنتوا بتفكروا فـ إيه، بس هثق فيكوا… 


إقتربت والدتها منها وربتت على وجنتيها ثم قبلتها وقالت بـ حنو


-لازم تثقِ يا روحب… 


عانقتها حوراء بـ شدة وكذلك فعلت والدتها ليقطع لحظتهما صوت رفعت والدها


-متعمليش مشاكلل يا حوراء.. كيان عندها أمور شخصية و عندها حاجات مهمة و أنتِ عارفة، فـ خليكِ عاقلة…

 -رفعت حوراء حاجبها وأردفت بـ غيظ:وهي دي كلماتك الأخيرة و أنت بتودع بنتك! 

-أجابها هو بـ نبرةٍ ذات مغزى:و دا لأني عارفك أكتر من صوابع يدي… 


إبتعدت حوراء عن والدتها لتتجه إليه ثم وقفت أمامها هاتفة بـ شقاوة


-تمام يا صاحب المنزل.. يلا هات بوسة عشان كيان زمانها على وصول… 


إبتسم رفعت رُغمًا عنه لترتفع حوراء على أطراف أصابعها ثم أودعت وجنة أبيها قُبلة رقيقة كـ شفتيها الصغيرتين وقالت


-بحبك يا بابا، متتأخروش عشان هتوحشوني أكتر مما بحبكوا… 


كان دور رفعت ليودع جبينها الأبيض قُبلة ثم قال وهو يُحاوط وجنتيها بـ كفيهِ المجعدين


-متقلقيش يا حبيبتي، أنتِ عارفة مقدرش أعيش من غيرك… 


إبتسمت حوراء بـ إتساع وقبل أن ترد كان بوق سيارة يصدح أسفل الشرفة، ليسحب رفعت نفسًا عميق ثم هتف بـ جدية 


-تمام يلا عشان كيان وصلت، و إفتكرِ يا حوراء، إبعدي عن المشاكل 

-فهمت سيدي… 


جذبت حقيبتها وتحركت إلى الخارج يتبعها رفعت و زوجته المريضة بـ صمتٍ مُتألم


بـ الأسفل وقفت كيان تتكئ إلى سيارة الأُجرة تنتظر خروج حوراء والسيد رفعت، تلك الليلة المُؤرقة التي قضتها ما بين الصحوة والغفوة، كابوسها الذي لم تتغير أحداثه ولو لمرةٍ واحدة، بل يُعاد بـ تفاصيله المُؤلمة والنهاية الشنيعة التي تتمنى أن يعود الزمن لتُغيرها 


رسمت على شفتيها إبتسامة عملية وهي ترى حوراء تقترب منها بـ إبتسامة مُشرقة عكس خاصتها لتُعانقها ثم أردفت الأخيرة


- هتقل عليكِ بس معلش أنتِ قلبك طيب و هتستحملي… 


ربتت كيان على ظهر حوراء والتي تصل فقط إلى كتفها ثم قالت بـ نبرةٍ هادئة 


-أنتِ زي أختي متخافيش 

-رفعت حوراء رأسها وقالت:صحيح سمعت إنك هتتخطبي، ألف مبروك يا كيان، هنقضِ أوقات حلوة و إحنا بنجهزك يا عروسة… 


ضربتها كيان على جبينها ثم هتفت بـ غيظ


-بطلي يا حوراء، أنا عارفة دماغك و بتفكرِ فـ إيه… 


ضحكت حوراء بـ خُبث فـ أجبرت كيان لتضحك هي الأُخرى حتى إلتفتا على صوت رفعت وهو يردف بـ جدية و صرامة


-لما توصلوا محطة القطر كلميني يا كيان عشان عارف إن بنتي مش هتتصل، و لما يتحرك و لما توصلوا وآآآ

-قاطعته كيان قائلة بـ ضحك:متقلقش يا مستر رفعت أنا مش عيلة عندها عشر سنين، أقدر أتصرف كويس 

-أُعذري قلقي و خوفي 

-إبتسمت بـ تعاطف قائلة:فاهمة متقلقش… 


نظرت إلى ساعتها ثم قالت وهى تنظر إلى السيدة فـ حيتها بـ رأسها لتردف وهي تنظر إلى رفعت


-لازم نتحرك عشان نقدر نلحق القطر… 


عانقت حوراء والديها مُجددًا ثم صعدت السيارة مع كيان وقبل أن تتحرك سيارة الأُجرة أردف رفعت بـ قلق


-خدوا بالكوا من نفسكوا، و متنسوش تتصلوا بيا… 


أومأت كيان وهي تبتسم بـ إطمئنان لتنطلق السيارة.. ظل رفعت يُتابع رحيلها حتى إختفت ثم توجه إلى زوجته وهتف بـ نبرةٍ مهمومة وكأن قطعة قد أُنتزعت لتوها من قلبه 


-يلا نحضر شُنطنا، الطيارة  معادها بعد كام ساعة، لازم نستعد… 


********************


إتسعت عيناها بـ فزع مُؤلم وهي تجد تلك الجُثة تسقط جوارها بعدما تلطخ وجهها بـ بعض الدماء


إنتقلت تلك النظرة المُرتعبة إلى ذلك الذي يقف أمامها يحمل السكين بـ يدهِ،سكينه المُلطخ بـ دماء غزيرة حتى أنها بدأت تتساقط أرضًا مُحدثة دويًا قاتل، قاتل و مُرعب


هو يُحدق بها، هيئتها الرثة، الكدمات التي تُغطي وجهها، الخدوش على ساقيها العاريتين،والعبرات الحارقة التي تُلهب وجنتيها الورديتين، نظرته كانت قاسية لا حياة بها، لا تحمل ذرة من المشاعر الإنسانية


ثم صرخة مدوية مزقت أُذنيه، لينتفض فزعًا وهو يفتح مديته ويلوح بها أمامه 


قابله الفراغ، الدماء إختفت وهي تبخرت وصرختها أُستبدلت بـ صوت آلات ضخمة و بعض المُحركات


مسح حبات العرق الباردة التي تعلو جبينه و أخذ يتنفس بسرعة ثم أغلق مديته وأعاد وضعها بـ جيب بنطاله الخلفي، أتاه صوت أحد زُملائه بـ العمل وهو يردف مازحًا


-نايم تاني فـ الشُغل، لو عرف صاحب الشغل، هيطردك ومش هيرجعك تاني… 


نظر إليه قُتيبة بـ أعين قاتلة قبل أن يهتف بـ صوتٍ صخري


-ملكش دعوة و إطلع من دماغي

-هتف زميله بـ غيظ:المرة الجاية هعرف صاحب الشُغل و هفتن عليك… 


نهض قُتيبة بـ جسدهِ الضخم وقد بدأت عضلات فكه تتشنج بـ قوة ليس لِمَ قاله الشاب ولكن لذلك الكابوس المُرعب الذي عاود الظهور بعدما قد بدأ بـ الإختفاء تدريجيًا ثم قال بـ جمود قاتل 


-لو باقي على حياتك.. فـ أمشي من وشي الساعة دي سعيد… 


توتر المدعو سعيد ولكن صرخ بـ تردد نابع من خوفهِ


-آآ.. بتهددني يا قُتيبة؟… 


لم يُكلف قُتيبة نفسه عناء الرد بل أخرج مديته من جديد ولوح بها أمام وجه الآخر والذي فَقَدَ ألوانه ثم هسهس بـ فحيح


-شايفني بهزر؟ 

-حد يساعدني… 


تدخل آدم وهو يسحب قُتيبة بعيدًا عنه ليركض سعيد و لكنه هتف قبل أن يخرج من تلك الغُرفة الضيقة 


-أنت مجنون، السجن أثر على مُخك

-هدر آدم بـ صرامة:إمشي حالًا يا سعيد وإلا أُقسم بالله هسيبه يقتلك… 


هرول سعيد مُبتعدًا ليدفع قُتيبة صديقه الذي أردف بـ غضب حقيقي قلما تملكه


-أنت غبي؟.. ولا أنت لسه متخلصتش من العادات دي؟ أنت معتش موجود فـ السجن تاني، إهدى يا قُتيبة… 


لم يرد عليه بل جذب المديّة من يد آدم الذي إنتزعها منه على حين غفلة و عاود الجلوس فوق الأريكة، ليقترب آدم منه ثم زفر مُستغفرًا وهتف بـ خفوت


-نفس الكابوس تاني!...


أومأ قُتيبة دون أن يفتح فمه.. ليومئ آدم ثم أكمل بـ غرابة


-الكابوس دا مجاش ليك من فترة كبيرة، أنا مشوفتكش بتعاني من الحوار دا غير أول الشهور اللي شوفتك بيها

-معرفش… 


فتح أزرار قميصه المُهترئ لتظهر ثيابه الداخلية الضيقة مُظهرة عضلاته المُتناسقة ثم حك مؤخرة عُنقهِ وقال بـ صوتٍ مُتباعد


-أنا معرفش إيه اللي حصل و اللي بيحصل الفترة دي 

-ربت آدم على كتفهِ وقال:ممكن يكون بسبب كلامنا إمبارح… 


نهض قُتيبة وجذب حقيبته ثم أردف وهو يفتح باب الغُرفة


-يلا نرجع شُغلنا، مش لازم نتأخر… 


********************


ضربت بـ قدميها أرض مدينتها الساحلية بعد غياب دام طويلًا، كان قلبها يكاد يقفز بين أضلعها تاركًا إياها، تُرى هل خرج وعاد إلى حيهم الصغير؟، هل ستراه الآن؟!، أم بعد تلك الحادثة قد ترك المكان بعد ما تناقله أهالي الحي! 


-هو إحنا وقفنا ليه؟… 


تساءلت حوراء وهي تجذب حقيبتها خلفها ناظرة إلى كيان المُتجمدة أرضًا، شاحبة الوجه وكأنها رأت شبحًا لتو


نظرت كيان إلى حوراء ثم إبتسمت بـ إهتزاز وقالت بـ خفوت هادئ


-تعالي فيه مكان لازم نروحه الأول قبل ما نروح البيت… 


تبعتها حوراء بـ فضول ثم تساءلت بـ تعجب


-هو مش المفروض نروح البيت الأول؟!! 

-أجابت كيان بعد مدة:لأ، المكان دا مُهم، و هتحبيه… 


رفعت حوراء كتفيها بـ بساطة وهي تمط شفتيها ثم تبعت كيان والتي بدت وكأنها بـ عالم آخر، عالم لا يوجد به سواها و سواه


ركضت حوراء تحلق بها واضعة يدها فوق قُبعتها حتى لا تطير مع الرياح ثم تساءلت بـ فضول غير قادرة على قمعه


-رايحين فين يا كيان؟ مش هتجاوبيني!... 


نظرت إليها كيان مُبتسمة إبتسامة لم ترها حوراء قبلًا جعلت فمها يفغر بـ إنبهار


- هنروح شط البحر… 


بعد دقائق قليلة كانتا تقفا فوق الرمال أمام البحر الأزرق الشاسع أمامها، المياه الدافئة تُداعب أقدامهم العارية فـ تُدغدغهما بـ لُطف يُجبرهما على الضحك 


لاعبت حوراء الماء بـ قدمها ثم قالت بـ سعادة 


-المكان هنا جميل جدًا وقت الغروب، كان هيفوتك المنظر دا… 


أومأت كيان مُبتسمة والرياح تُداعبها بـ رقة و ثوبها الأبيض يتطاير حولها فـ أكسبها هيئة حورية البحر الهاربة ولكنها تحمل بـ داخلها قصة حزينة، لا أن تبحث عن أميرها


إلتفتت على صوت الأطفال القادمة خلفها وهما يتضاحكون بـ صوتٍ عال وما أن لمحها أحدهم حتى صرخ بـ سعادة وهتف 


-رجعت.. كيان رجعت يا صحابي… 


ضحكت كيان والأطفال يلتفون حولها بـ سعادة بينما حوراء تقف مُبتعدة تُحدق بهم بـ إنبهار سعيد 


-مين البنت الجميلة؟!... 


سألت فتاة صغيرة وهي تُشير إلى حوراء لتُجيب كيان مُبتسمة 


-دي صاحبتي… 


حياها الأطفال ثم عاود آخر سؤالها


-هتفضلي هنا! 

-أيوة، شوية 

-عبست طفلة وقالت:ليه؟ أنتِ وحشتينا… 


تنهدت كيان بـ حرارة كيف تشرح لهم ما يختلج داخل قلبها المُمزق، كيف تُخبرهم أنها تُحب هذا المكان و تمقته بـ الوقت ذاته!، كيف لها المجئ من الأساس؟، هذا المكان بـ خواءهِ وصوت الرياح القوي يُرعبها كما لم يفعل من قبل، من قبل كان هذا المكان ملجأ وجنة بـ النسبةِ لها ولكن كل هذا تهدم ذات يوم


أخرجها من شرودها يد طفلة تسحب ثوبها لتتساءل كيان بـ إبتسامة واسعة 


-في إيه يا حبيبتي! 

-تعالي نلعب

-رفعت حاجبها وتساءلت:دلوقتي؟ مش الوقت إتأخر! 

-حركت رأسها نافية وقالت:لأ، إتبقى لينا نص ساعة عما نرجع البيت… 


تقدمت حوراء منها وهي تضحك بـ إشراق و شقاوة ثم قالت


-رغم إني تعبانة، بس هعلب معاكوا

-هتفت طفلة بـ صوتها الرفيع:بس عاوزة أخد بوسة الأول وحشتني، كيان وحشتني أوي

-وأنا

-وأنا كمان

-و أنا كمان مش هاخد ولا إيه!... 


ضحكت كيان بـ قوة.. كانت أفتقدت ذلك الدفئ والبراءة.. كيف لها أن تكره ذلك المكان وأؤلئك الأطفال؟ 


لذلك نهضت و قذفت نعليها ثم ركضت وهي ترفه ثوبها الطويل، حافي القدمين، تضحك بـ قوة رادفة وهي تنظر إلى الأطفال من خلفها 


-اللي هيعرف يمسكني الأول، فـ هياخد جايزته… 


و الجائزة كانت قُبلة، قالتها و هي تُشير إلى وجنتها علامةٍ على إعطاء قُبلة، وحين إستدارت إصطدمت بـ جدار صلب، قوي و كِلابيّن حديدين يُحيطان خصرها و صوتًا لم تسمعه مُنذ سنوات يردف بـ صوتهِ العميق بـ مكر 

-دلوقتي أنا مسكتك، ينفع آخد جايزتي؟!...

#الفصل_الثاني

#أغلال_لعنتهُ


مواعيد الفصول إن شاء الله الجمعة و الثلاثاء الساعة 9 بتوقيت مصر ❤️


فاتنٌ وجهك لكن في الهوى ليس تكفي فتنة الوجه الجميل… 


توسعت عيناها بـ قوة أوشكت على الإستدارة بينما جسدها كله تجمد كما تجمدت الدماء بـ عروقها كأن قلبها عجز عن ضخ الدماء بل و توقف عن النبض، ليعود وينبض بـ سُرعةٍ مجنونة وهي تراه أمامها بـ كل طلته وعبثيته اللتين أوقعاها يومًا


همجيته وجسده الضخم بـ ضراوة يحتوي جسدها الضخم دون مُلامسته ولكن كفه الدافئ يتخرق ثيابها ويصل إلى جسدها فً يتسلل الدفئ إلى قلبها مُذيبًا الثلوج التي عملت جاهدة على تكوينها حوله، ليأتي هو و بـ لحظة يُلقي كل هذا بـ عرض الحائط


نظرت إلى عيناه الحبيبتين لتجدها تلمع بـ إشتعال، إشتعال تعرفه جيدًا ولكنها الآن غيرُ قادرة على تحمله، لذلك رفت بـ جفنيها ثم جمعت أقسى ما تحمله من غضب وإشمئزاز لتهدر


-أبعد إيدك القذرة دي عني… 


لم يُجب قُتيبة بل ظل يُحدق بها بـ ذات الإشتعال حتى إقترب منها وهمس بـ نبرةٍ ذات مغزى 


-إيديا بقت قذرة عشانك يا روحي… 


صرت على أسنانها ثم حاولت التملص منه ولكن وجدت يديه تعتصر خصرها بـ قوة حتى أوشكت على فصله عن جسدها لتعلم أنه في أقصى حالات ضبط النفس وأنها أصابت وترًا حساسًا لديه و مُؤلم بـ شكل شنيع


عاودت الحديث من بين أسنانها وهي ترمقه بـ شراسة


-قولت أبعد إيدك عني

-إبتسم قُتيبة وقال بـ تسلية:رجعتِ تاني بعد هروبك من سنين

-أكيد مردتش عشانك يعني، و يلا إبعد عني… 


عيناه اللاتي نظرت إليها بـ نظرات لم ينظر بها إلى غيرها أربكتها و جعلت القُشعريرة تغزو جميع أنحاء جسدها 


تنحنت وأدارت وجهها ليلمح قُتيبة حوراء الواقفة تُحدق بهما بـ غرابة ليبتسم بـ عبث وأردف بـ صوتٍ عال


-من الواضح إنك جبتِ ضيوف معاكِ… 


إلتفتت إليه سريعًا لتجده يُحدق بـ حوراء بـ تدقيق أصابها بـ الغضب لتهدر


-كفاية بص عليها… 


أبعد عيناه عن حوراء لينظر إلى سوداويها و أردف غامزًا إياها


-بتغيرِ؟! 

-رفعت حاجبيها بـ دهشة ثم أجابت:أنت بتحلم

-ليهتف هو دون تردد:وأنتِ كدابة… 


مع إرتفاع حاجبيها صاحبه توسع عيناها بـ تعجب لثقته لترد عليه بـ عناد


-مش كدابة

-هتف مرةً أُخرى بـ قوة:لأ كدابة، لسانك مبيقولش حاجة غير الكذب ديمًا

-جأرت بـ حدة:مبكدبش، و كفاية بقى وقاحتك دي، كمان مش بس لساني هي اللي بيكدب، لأ دي كمان عيني بتكدب، عشان كدا مش مصدق نظرة الكُره اللي ببصلك بيها دي… 


كان يعلم مقصدها ويعلم  بـ عُمق لن يصل إليه سواه أنها تنظر إليه بـ إشتياق حاد كاد يُمزقهما معًا لذلك هتف بـ صوتٍ عذب


-لأ، عينيكِ متعرفش الكدب أبدًا، هي بتعكس اللي جواكِ يا كيان، حتى روحك بقدر أشوفها من عينيكِ، حتى لو جسمك اللي بيرتجف بين إيديا، عينيكِ مش هتقدر تعملها أبدًا…


إقترب منها وهمس بـ صوتٍ خفيض ولكنه مُحمل بـ عاطفة


-أنا اللي علمتك إزاي تبصلي، فـ مش هتقدري أبدًا تضحكِ عليا بـ الكلام الأهبل دا… 


حديثه صحيح و مؤلم، يلسع كـ سوط يهبط على جروحها فـ يُلهبها، لتُخفض وجهها وهي تهمس بـ جمود حتى لا يرى تعابير وجهها المكدومة


-بلاش النرجسية اللي فيك دي، أنا نسيتك من زمان، معتش فـ ذكرياتي يا قُتيبة، أنا خرجتك من قلبي زي ما خرجتك من عقلي… 


لم يتأثر بمَ تقول بل إبتسم إبتسامته الجميلة وأردف بـ ثقة ونرجسية كما تدعي


-أنا سِبت فـ روحك أثر مسبتوش فـ جسمك، عشان كدا عمرك ما هتقدري تنسينِ يا كيان، عُمري ما هطلع لا من قلبك و لا من عقلك… 


همت تفتح فمها للحديث ولكنه أكمل بـ قوة


-أنا دمغت روحك قبل جسمك فـ كدبك دا هو أكبر كدبة سمعتها منك… 


ألهب غضبها بـ لحظةٍ واحدة لتصرخ بـ غضب وهي تضرب كتفه


-أنت هتكدب! أنت عُمرك ما لمستني، متعملش فضيحة عشان توصل لحاجة فـ دماغك

-رد هو بـ هدوء:و مين قال إني بكدب؟ مين اللي مسك إيدك و خدك للمدرسة أول يوم؟ مين اللي مسكتِ فيه و مرتضيش تدخليها من الخوف عشان هتكونِ لوحدك و أنا مش معاكِ؟ مين هو اللي حضنك؟مين اللي قعد وراكِ فـ الفصل عشان يخفف عنك خوف أول يوم مدرسة؟ مين اللي شافك لحظة بـ لحظة و أنتِ بتكبري قُدامه و بـ تنضجِ كـ بنت من غير أما يجرؤ حتى إنه يلمسك؟ الفاكهة المُحرمة زي ما بيقولوا، الفاكهة اللي ياما زارتني فـ أحلام، أحلام بس و أنا مستني إنها تتحقق، أحلام عُمرك ما هتفكرِ كُنتِ بتعملي إيه فيها أحلـ آآآ…


وضعت كيان يديها على فمهِ لتشعر بـ إرتعاش شفتيه أسفل كفها لتُبعدهما سريعًا قبل أن تردف بـ توتر


-بس كفاية، أرجوك يا قُتيبة كفاية

-قال قُتيبة بـ حرارة:أنتِ بقيتِ ملكي، دمغتك كُل شبر فيكِ، أنتِ بقيتِ ملكي فـ بقيتِ متحرمة على غيري… 


تنفست بـ سُرعة عالية وأحداث ذلك اليوم المُرعب تُعاد تفاصيله، وذكرى صُراخ والدته وهي تنعتها بـ الفاجرة عاودت النشوب بـ قلبها كـ حريق


ثوان كل ما إستغرقته ثوان لتشتعل سوداويها بـ لهيب زاد من سواد عيناها و بـ قوة حلت حصار أصابعه عنها وهدرت بـ قسوة 


-مش صح أبدًا يا قُتيبة، أنا هكون لغيرك، بكرة زميلي فـ الشُغل هيتقدم ليا، و هوافق، واحد غيرك هيديني الآمان اللي أنت حرمتنِ منه… 


تجاهلت مطارق قلبها لذلك السواد المُخيف المُنبعث من عيناه إليها و إلتفتت إلى حوراء تهدر بـ صوتٍ مبحوح


-يلا بينا نرجع يا حوراء، بلاش نعمل فضايح أول يوم، أو كفاية فضايح لحد كدا… 


كان قُتيبة جامد الحركة، عاجز عن الحديث ولكن عيناه والجحيم المُنبعث منها جعلاه في هيئة خطرة لشيطان فار من الجحيم ليقصف صوته الجهوري بـ غلظة سوداء، مُميتة


-أُقسم بـ اللي خلقني وخلقك لأقتله و أقتلك قبل ما ياخد حقي، هتندمِ يا كيان… 


كان صوته يقصف من خلفها ليجعل جسدها ينتفض خوفًا، إنها تُعلن الحرب وتعلم أنها خاسرة 


********************


-حوراء أنا مش هجاوب على أس سؤال تسأليه، فـ عشان خاطري متسأليش عن حاجة أنتِ عارفة إني مش هجاوبك عليها… 


إبتلعت حوراء لسانها صامتة، لا تُنكر أن ذلك الضخم أثار بها الرُعب أيضًا، كيف لعصفور مثل كيان أن تكون يومًا ما حبيبة هذا الـ… التنين 


ضحكت حوراء لوصفها لقُتيبة بـ التنين فـ نظرت كيان إليها رافعة حاجبها ثم تساءلت بـ شك


-بتضحكِ ليه؟!... 


إرتفعت ضحكات حوراء قبل أن تردف وهي تجر حقيبتها خلفها


-كُنت بسأل نفسي، إزاي عصفورة زيك تحب تنين زي قُتيبة دا كدا… 


إبتسمت كيان لحديث حوراء ولكنها عادت تُكشر عن أنيابها وقالت بـ حدة طفيفة


-متقوليش عنه تنين، و إيه حبيته دي! أنا محبتش حد و لا بحب حد

-سارت على نهج قُتيبة وهي ترد:كدابة، حقيقي أنتِ أكتر كدابة فاشلة شوفتها فـ حياتي… 


حكت كيان جبينها وقالت بـ تعب مُتجهة إلى مقهى راقي بـ القُرب من حيهم 


-طيب مُمكن تبطلي كلام! أنا معنديش حيل للمُناقشة معاكِ

-أوكيه، زي ما أنتِ عاوزه… 


حدقت بها كيان بـ نظرات ضيقة ولكنها لم تتحدث بل دلفت إلى المقهى لتتساءل حوراء بـ فضول


-هو إحنا رايحين فين؟؟ 

-أجابت كيان بـ بساطة:هندخل جوه… 


دلفت و تبعتها حوراء لتتجمد واقفة،مذهولة بل مأخوذة بمَ تراه، بـ مُنتصف المقهى و بين الطاولات و على أنغام الموسيقى الغربية وجدت ذلك الرجل ذو الشعر البُني يُراقص فتاة صغيرة تُشبه ملامحه من حيث لون الشعر والإبتسامة المُرتسمة على وجهيهما


تُشبه قصة الأميرة "سندريلا" حيث تراقص أميرها بـ الحفل ولكن هذه المرة بطلة القصة طفلته على الأرجح.. تضع قدميها فوق خاصتهِ و تتحرك معه في خطواتٍ بطيئة و مدروسة 


توقفت الألحان و توقف معها الزمان لحظات وهي تُصفق بـ حرارة وكأنه مشهد نادر صعب التمثيل كما فعل الجميع


نظرت إلى كيان التي إبتسمت بـ حنو بالغ ثم هتفت بـ صوتٍ عال وهي تتجه إليهما


-عُميّر؟؟!... 


نظر عُميّر بـ إتجاه الصوت لتتسع إبتسامته أكثر وهو يرى شقيقته تركض بـ إتجاهه، ليُقابلها بـ المُنتصف ثم رفعها ودار بها عدة مرات قائلًا بـ إشتياق


-قردتي الصُغيرة، وحشتيني أوي يا كيان… 


عانقته كيان بـ قوة دافنة وجهها بـ صدرهِ وهتفت بـ حشرجة


-و أنت كمان يا حبيبي، و أنت أكتر… 


أبعدها قليلًا عن صدرهِ ثم حاوط وجهها وأردف بـ مُشاكسة


-من وقت أما تيتة عرفت إنك جاية لأ و فيه عريس، و هي ماشية توزع شربات على أهل المنطقة كُلها، مسابتش حد، و مش بس كدا دي قالت لهم فتحي النجار على لون الأوضة اللي هي عاوزاه 

-ردت كيان بـ يأس:هي كانت فاقدة الأمل فيا لـ الدرجة دي؟ عمومًا أنا متوقعتش أقل من كدا 

-عمتو مش هتسلمِ عليا أنا كمان و لا إيه!... 


إنحنت كيان إلى الصوت الطفولي و حملتها ثم قَبّلتها عدة قُبلات وهتفت بـ إبتسامة واسعة


-و دا معقول يعني؟ دا أنتِ وحشتيني كتير كتير، أكتر كمان من بابا حتى… 


عانقتها الصغيرة بـ قوة ليهتف عُميّر وهو يتنزعها من كيان


-يلا يا أسيل كملِ واجبك، الإستراحة خلصت

-أومأت بـ حماس وقالت:هخلصه كُله و أقعد مع عمتو كيان، و حتى كمان هنام معاها فـ الأوضة النهاردة 

-تمام يا ستي، بس دلوقتي يلا حلِ واجبك… 


إلتفت عُميّر فجأة جهة وقوف حوراء لترتبك الأخيرة و تُسقط ما بـ يدها فـ عاود النظر إلى شقيقتهِ وهتف


-جبتيها معاكِ! 

-هتفت بـ قلة حيلة:أعمل إيه؟ مقدرش أسيبها و بعدين أنا شرحتلك الوضع، باباها اللي هو مُديري طلب مني… 


إبتسم عُميّر وهو ينظر إلى حوراء وأردف بـ عطف


-فعلًا هياكلوها، هي بسكويتة ناعمة… 


تغيرت نظرات عُميّر إلى أُخرى عبثية وهي تمسح على جسدها الصغير فـ ضربته كيان بـ يدها في كتفهِ وهدرت بـ تحذير


-بلاش بصاتك دي عشان خاطري، البنت أمانة عندنا ها! 

-رد عليها بـ براءة:و أنا بس عملت إبه؟ أنا عاوز أتأكد من سلامتها، هو دا اللي يهمني، أو يهمنا عمومًا

-غمغمت بـ إستنكار:ليها حق مراتك متستحملش و تسيبك، والله عندها حق

-بتقولي إيه يا بت أنتِ! 

-أجابت بـ إبتسامة صفراء:ولا حاجة يا حبيبي، و يلا لازم أمشي… 


تحركت كيان ولكن عُميّر لحقها بل سبقها وأردف بـ نعومة ماكرة


-طب و مش واجب أحيي ضيفتنا و لا دي تبقى عيبة فـ حقنا… 


حاولت كيان اللحاق به ولكنه كان قد وصل إلى حوراء والتي كانت تجمع ما سقط منها أرضًا ليُساعدها عُميّر فـ تمتمت بـ خجل مُبتسمة


-شكرًا جدًا يا أُستاذ آآ

-عُميّر، اسمي عُميّر الجيار،الأخ الكبير لكيان الجيار… 


مدّ يده لتنظر إليها حوراء أولًا ثم رفعت نظراتها إليه فـ وجدته يبتسم إبتسامة غير مُريحة ولكنها صافحته قائلة بـ تردد


-حوراء رفعت رسلان

-رد هو بـ صوتٍ عال:مُدير كيان؟ دا شرف كبير لينا إن بنت مُدير كيان هتقعد فـ بيتنا المتواضع

-غمغمت كيان من بين أسنانها:دا على أساس إنك متعرفش يا سي عُمير!... 


توجست حوراء منه لذلك سارعت بـ جذب ما بـ يدهِ وقالت بـ سُرعة 


-شُكرًا، دا بس من ذوق حضرتك… 


ثم حولت أنظارها إلى كيان التي تضع إصبعيها السبابة و الوسطى على جبينها و باقي كفها يُخفي وجهها المُحبط و أردفت 


-هو مش المفروض نمشي و لا إيه؟… 


أومأت كيان إليها و هي تتنهد بـ يأس لتتحرك حوراء بـ سُرعة ثم تبعتها الأولى قبل أن تضرب صدر شقيقها و همست بـ حدة


-مستر رفعت سبهالي عشان قرايبها مياكلوهاش، فـ بليز متاكلهاش أنت، ممكن!!… 


كبح عُميّر ضحكة عابثة و أومأ لها لترحل كيان بعد أن رمقته بـ شر تحذيري


بينما  أردف وهو يتأمل سير حوراء المُرتبك وخُصلاتها التي تتطاير دون مُعيق بعد أن نزعت قُبعتها 


-إزاي بس أمنع نفسي عن النعيم بعد أما واحدة سابتني فـ النار؟!...


********************


-وبعد الوقت دا كله، رجعتِ أخيرًا يا كيان، وحشتيني يا بنتي… 


إحتضنت كيان جدتها بـ قوة ثم هتفت ضاحكة 


-وأنا أكتر، و دلوقتي رجعت خلاص 

-مش هسمحلك تمشِ تاني أبدًا، هتفضلي جنبي على طول… 


تعاطفت لجشرجة صوت جدتها فـ قَبّلت جبينها وأردفت بـ حُب


-متقلقيش يا تيتة أنا هقعد هنا فترة طويلة، و مش هغيب عليكوا كدا مرة تانية… 


جذبتها كيان لتجلس فوق الأريكة لتنظر ثُريا ذات الجسد النحيل و الكهولة تظهر على ملامحها المُجهدة إلى حوراء المُبتسمة بـ سعادة ثم أشارت لها لتتقدم قائلة


-تعالي يا حبيبتي، ما شاء الله جميلة و رقيقة زي البسكويت… 


إبتسمت حوراء بـ خجل ومالت تُعانق ثُريا بينما ضحكت كيان فـ سألتها جدتها وهي تلكزها بـ عصاها


-بتضحكِ على إيه؟ 

-هتفت كيان من بين ضحكاتها:أنتِ وحفيدك مش مُختلفين عن بعض… 


قطبت حوراء جبينها بـ عدم فهم بينما ثُريا ضحكت بـ خُبث لتتساءل 


-قصدك إيه يا بت؟ 

-ردت كيان:و لا أي حاجة يا حبيبتي، هو جدو فين بـ المُناسبة؟ 

-أجابت ثُريا بـ مصمصة:و هيكون فين يعني؟ بيلعب شطرنج مع صحابه فـ القهوة فـ منطقة جنبنا… 


أومأت كيان ولتجذبها ثُريا مُعانقة إياها ثم هتفت بـ حماس ونبرةٍ ذات مغزى


-يلا أوام إحكيلِ عن العريس، والله مكنتش مُصدقة و كُنت هعمل وليمة لأهل المنطقة كُلها، حتى عمامك مصدقوش

-أنتِ بتلفِ و بتدوري حوالين الموضوع دا من الأساس يا تيتة 

-ضربتها ثُريا وقالت:يلا يا بت أنتِ بلاش كلام فاضي، إحكيلِ كُل حاجة… 


إبتسمت كيان بـ سعادة لتضم نفسها إلى ثُريا، تناست مؤقتًا لقائها القاتل مع قُتيبة حتى تختلي بـ نفسها و تُفكر بـ تهديده ثم هتفت بـ صوتٍ مُتباعد 


-مبدأيًا هو زميلي فـ الشُغل، هت كان مُعجب بيا من فترة، و قبل شهرين طلب مني آخد معاد معاكوا عشان يطلبني منكوا، مُؤدب جدًا، طموح، و وسيم جدًا يا تيتة زي ما أنتِ عاوزة و كمان شيك يعني مش زي شباب الأيام دي

-حمستيني يا بت يا كيان، اسمه إيه! 

-رشاد… 


ساد الصمت لتقطب كيان جبينها بـ تساؤل عما قالته خطأ إلا أنها تفاجئت بـ إبعاد ثُريا لها وهتفت بـ عصبية 


-قومِ يا بت، قومِ من وشي مش عاوزة أشوفك يلا

-غمغمت بـ غرابة:إيه اللي حصل بس يا تيتة قوليلي!!... 


ضربت ثُريا الأرض بـ عصاها ثم هدرت بـ حدة 


-بعد كُل الصبر دا هتتجوزي واحد اسمه رشاد!.. والله لو كُنت أعرف إن اسمه رشاد مكنتش وافقت من الأساس… 


أغمضت كيان عيناها بـ نفاذ صبر ثم هتفت من بين أسنانها 


-و هو أنتِ سمعتِ مُميزاته الأولى و لا دي ملفتتش نظرك؟ 

-و بوظها اسمه، اسمه حتى ميشفعش

-ردت كيان بـ نفاذ صبر:بالله عليكِ دا اسمه إيه دا؟ 

-همهمت ثُريا بـ بؤس:كُنت عاوزة اسمه يكون تامر مثلًا… 


إنفجرت حوراء بـ الضحك ولم تستطع كيان منع نفسها ثم أردفت بـ مرح 


-حاضر هقوله يغير اسمه من عنيا 

-ضيقت ثُريا عينيها وقالت:و بتهزري كمان بنت سعيد! يلا قومِ من وشي، مفيش جواز… 


عبست كيان فجأة ثم قالت وهي تعتدل بـ جلستها 


-دا هزار دا و لا بجد؟… 


نهضت ثُريا ثم تحركت وهي تتكئ بـ عصاها لتقول بـ صوتٍ جدي


-لأ بجد، إتصلي بيه و قوليله إننا، لأ أنا بس اللي مش موافقة… 


تابعت كيان تحرك جدتها حتى إختفت داخل أحد الغُرف ثم نظرت إلى حوراء التي تحول وجهها إلى أحمر وقالت وهي تُشير بـ إبهامها إلى مكان إختفاء جدتها


-أنتِ سمعتِ هي قالت إيه؟

-أجابت حوراء ضاحكة:هي مضايقة عشان العريس اسمه رشاد 

-يا ربي، ياربي على المُصيبة الجميلة دي

-تكلمت حوراء بـ صدق:جدتك جميلة أوي يا كيان… 


أومأت كيان بـ شرود وهي تبتسم ثم أردفت وهي تنهض 


-تعالي هاخدك أوريكِ أوضتك، هو البيت مش كبير يعني عشان تتوهي فيه

-أومأت حوراء وتساءلت:طب هتعملي إيه مع جدتك؟ 

-أجابت كيان بـ شقاوة:جدو أحسن جد هيحلها… 


********************


ضرب قُتيبة المرآة التي أمامه مُحطمًا إياها وتسبب بـ جرح قبضته، تأفف آدم و نهض يجذبه بعيدًا عن الحُطام و قبل أن يُحطم باقي الغُرفة ثم قال بـ حدة وهو يدفعه إلى الفراش 


-كفاية عصبية بقى، كفاية يا قُتيبة عشان تعرف تفكر

-هدر قُتيبة بـ إشتعال:الغبية، الغبية دي تتجرأ و تقولي كدا! هتتجوز واحد تاني، أُقسم بـ ديني ما هيحصل… 


جذب آدم منشفة و بللها بـ الماء ثم قذفها بـ وجه قُتيبة ليردف بـ جدية و هو يجلس جواره


-أنت عارف إنها بتكدب عليك، إيه لازمة العصبية و البهدلة دي كُلها!! 

-لأ مكنتش بتكدب، نظرة عنيها كانت بتتحداني، وفي الحالة دي أنا مُتأكد إنها مكنتش بتكدب… 


مسح قُتيبة الدماء عن قبضته و لف المنشفة حول جرحه ليتسائل آدم 


-طب و الحل! هتعمل إيه يا قُتيبة؟… 


أجاب قُتيبة بـ هدوء عكس العاصفة التي إفتعلها مُنذ قليل


-حاليًا مش هعمل أي حاجة

-رفع آدم حاجبه وأردف:دا أنا فكرتك هتخرب الدنيا بـ اللي عملته دا… 


و أشار إلى تلك الفوضى التي عمت، لينظر إليه بـ صمتٍ تام ثم مسح قُتيبة على مؤخرة عُنقه ثم قال وهو ينظر إلى وجهه المُشوه بـ المرآة المُهشمة وكأنه مسخ شوهته الحادثة و ثلاث سنوات خلف القُضبان


-لو عملت كدا هخسرها، سبني أفكر فـ حل

-غمغم آدم:أنت شوفتني مسكتك؟… 


سمعه قُتيبة ليرمقه بـ نظرةٍ ساحقة تفاداها آدم و هو يُجلي حنجرته بـ حرج، ثم بعد وقتٍ قصير سمعا صوت طرقات و تبعها صوت زوجة آدم


-آدم العشا جهز، يلا إطلعوا… 


تمتم آدم بـ الموافقة ثم ربت على رُكبتهِ وأردف


-يلا ناكل دلوقتي و بعدين نفكر… 


أومأ قُتيبة لينهض آدم وهو يتبعه ثم فتح الباب ليجد زوجته تقف أمامهما رافعة حاجبها، تعقد ذراعيها أمام صدرها تضرب بـ قدمها الأرض


توجس آدم ولكنه حين إلتفت ونظر إلى الغُرفة إبتسم بـ ريبة وقبل أن يتحدث فاجئته زوجته قائلة بـ تحذير 


-هتنضفوا الكركبة اللي عملتوها دي بعد الأكل، أنا مش الخدامة بتاعتكوا… 


أومأ آدم بينما قُتيبة هز رأسه ضاحكًا فـ نظر إليه صديقهِ بـ تحذير ليصمت فرفع ذراعيه بـ إستسلام،تحركت زوجة آدم وقالت بـ جدية


-و بلاش حركات السجن دي تعملوها هنا، الهمجية مش هتنفع معايا، المفروض يكونوا أعادوا تأهيلكوا… 


دفع آدم قُتيبة أمامه وهمس بـ غضب


-شوفت! شوفت عملت إيه؟ 

-قطب قُتيبة جبينه وتساءل بـ عبثية:هو إيه اللي حصل بالنسبة لنغمتك إنك مُسيطر فـ البيت!… 


ضحك آدم و وضع يده حول رقبة صديقه وأردف بـ شقاوة


-دا لما أكون مش غلطان، مش زي اللي أنت هببته من شوية… 


غمزه آدم بـ عبث وأكمل و وهو يضع يده على صدرهِ 


-و بعدين في حاجات تانية برضو أنا مسيطر فيها 

-هتقتلك مراتك لو سمعتك… 


ضحكا بـ قوة ثم أكملا طريقهما إلى طاولة العشاء


********************


إتكئت بـ ظهرها إلى الحائط ثم نظرت بـ طرف عينها إلى المُحيط، لتجد الحارسين جالسين يحتسيان الشاي و يتسامران، دون أن ينتبها إلى الحراسة 


ضحكت بـ صوتٍ خفيض ثم تحركت على أطراف أصابعها وهمست


-أنت لازم تغير الأمن بتاعك يا صاحب الشركة… 


كانت تعرف جيدًا أماكن تواجد آلات التصوير المُراقبة، والبُقع التي لا تستطيع الوصول إليها لذلك إستغلت تلك النقط و تسللت إلى داخل الشركة 


كانت الأجواء هادئة تمامًا في ذلك الوقت المُتأخر من الليل ولكنها حقًا تحتاج إلى ذلك الهدوء 


غفلت عن آلةٍ ما فـ إلتقطت صورة غير واضحة لها ولكنها أكملت طريقها حتى وصلت إلى مكتب رب العمل، فتحت الباب و دلفت بـ هدوء


إستخدمت مُصباحها اليدوي لتُنير الغُرفة دون إحداث شُبهات، بحثت عن الخزينة حتى و وجدتها أسفل المكتب 


إنحنت و إستخدمت مُعداتها لتفتح الخزينة بعد ثلاثين دقيقة، مسحت حبات العرق الباردة وقالت بـ حبور


-شُكرًا يا جاري على دروسك المجانية، بقيت مُحترفة… 


فتحت الخزينة لتشهق بـ إنبهار وهي تجد ذلك الكم الكبير من المال لتردف بـ إستنكار


-كل دي فلوس؟ و بتبخل على بابا بـ حقه و معاشه بتاع التقاعد؟… 


فتحت حقيبتها السوداء و بدأت بـ وضع الأموال بها ثم أكملت بـ شماتة


-يبقى فعلًا تستحق السرقة… 


و بـ الأسفل


ترجل هو من سيارتهِ الأنيقة وتوجه إلى مُحيط الشركة وما أن رآه الحارسين حتى إعتدلا بـ جلستهما ثم نهضا ليقوما بـ تحيته 


توقف أمامهما يُحدق بهما مليًا ثم قال بـ صرامة


-مخصوم من مرتبكوا بسبب الإهمال دا و أما أشوف هتشتغلوا صح و لا همشيكوا… 


ثم تركهما و صعد لجلب بعض الأوراق المُهمة والتي نساها صباحًا، بينما بـ الخارج تذمر أحد الحارسين 


-ليه ديمًا بيجي فـ الوقت المتأخر دا؟ دي تالت مرة يعملها

-و كل مرة يمسكنا و إحنا سايبين الحراسة و مبنتعظش… 


صعد درجات السُلم فـ هو يكره المصاعد حتى وصل إلى مكتبه، توقف قليلًا وهو يرى ظل يتحرك خلف ضوءٍ ضعيف، ليضع هاتفه و مفاتيحه بـ جيب بنطاله و فتح الباب بـ بُطء و دلف


تحرك بـ بُطء و حذر وهو يبحث بـ عينه عن ذلك الظل ليجده يركض سريعًا بـ إتجاه باب المرحاض


تحرك هو أسرع و أعاق وصول الظل إليه، حيث أمسك السارق من خصره بـ يد و الأُخرى فوق صدرهِ، ثم هدر بـ صوتٍ جهوري


-أنت مين؟… 


تلوى الجسد بين يديه ليضغط بـ يده على جسدهِ يمنع هروبه.. ولكن هل يملك المُذكر نهدين؟ توسعت عيناه بـ دهشة فاق منها على صوت صراختها 


-إبعد إيدك يا مُتحرش، إبعد إيدك يا حقير، سبنييي… 


تلكأ وكأنه يتأكد من ملمس ما أسفل يده لتركل الفتاة ساقه بـ قدمها ثم هدرت بـ صُراخ حاد


-يا سافل يا مُتحرش بس إوعى إيدك، والله هقتلك لو مسبتنيش… 


تفاجئ وسريعًا أبعد يده عن صدرها وأحاط خصرها حتى لا تهرب ليحملها بـ يدٍ واحدة ثم أشعل ضوء هاتفه وأنار القليل من وجهها فـ ظهرت بعض ملامح وجهها الأنثوية وليهتف بـ تعجب


-أنتِ حرامية مش حرامي!... 


تلوت من بين يديه ولكنه كان يحكم الطوق حولها لتصرخ هي بـ غضب ناري


-هو فيه جنس تالت و أنا معرفش! نزلني يا مُتحرش… 


دفعها إلى الحائط وأمسك يديها واضعًا إياهما فوق رأسها وقيدهما.. ثم كَبّل ساقيها أيضًا وهدر بعدما إستعاد وعيه


-أنتِ غبية و لا بتستعبطِ؟ جيتِ تسرقِ و عوزاني أسيبك! 

-هتفت بـ عصبية:ملكش أنت دعوة، دا بيني و بين صاحب الشركة، و دلوقتي سبني أمشي

-لأ مش هسيبك، و كمان هتصل بـ البوليس يشوفلك حل أنتِ و لسانك… 


إتسعت عيناها بـ خوفٍ حقيقي وهي تراه يُخرج هاتفه و يعبث به، سيضيع مُستقبلها إن فعل

#الفصل_الثالث

#أغلال_لعنتهُ 


لا تفكر أنك تستطيع أن توجه الحب في مساره فالحب إن وجدك جديراً به هو الذي يوجه مسارك… 


نظرت بـ هلع إلى يدهِ التي تتلاعب بـ الهاتف ثم رفعت عيناها إليه و هتفت بـ توتر


-آآ أنـ آآآ أنت بتعمل إيه؟… 


رفع عيناه عن هاتفه إليها ثم أجاب بـ تهكم 


-أنتِ شيفاني بعمل إيه؟… 


صرخت فجأة بـ حدة أذهلته 


-متتصلش، متتصلش بـ البوليس… 


وضع الهاتف بـ جيب بنطاله ثم كمم فاها وإقترب بـ خطورة منها وهمس


-أنتِ واخدة بالك موقفك صعب أد إيه! واعية لخطورة موفقك اللي بيسمحلك تصرخِ فـ وشي كدا؟ و بعدين متصلش ليه!... 


حركت رأسها بـ كِلا الجانبين تنفض يده ثم أردفت بـ توتر عاد يتملكها من جديد


-أنا مش حرامية، على الأقل مسرقتش بغرض دنئ

-إصطنع الذهول وقال:بجد! و أنا مالي و مال نيتك و لا غرضك، أنتِ دخلتِ من غير إستئذان و سرقتِ فلوس متخصكيش، يبقى دي اسمها سرقة

-هدرت بـ غضب:بطّل تقول سرقة و مش سرقة… 


وأخذت تتلوى بين يديهِ بـ شراسة حتى كادت أن تقسط فـ جأر بـ صوتٍ جهوري مُتهكم


-كفاية حركة و لا رقبتك هتتكسر

-ملكش دعوة، أنا عاوزة أكسرها عشان أخلص منك

-بس أنا مش عاوز لسه بينا كلام طويل لأ و لذيذ نتكلم فيه… 


تنفست بـ صوتٍ عال وهي تُحدق به بـ عينين تلمعان كـ القطط لينتظرها هو حتى هدأت ثم أردف


-خلاص خلصتِ فترة جنانك؟… 


ظلت تُحدق به بـ شراسة حتى أومأت بعد قليل على مضض ليُبعد وقاص جسده عنها قليلًا وهتف


-أنا هسيبك دلوقتي، بس لو كان عندك ذرة عقل صغيرة مش هتحاولي تهربِ، أظن إنك مش هتعرفِ تخرجِ من ممر الشركة أصلًا… 


تشنجت عضلات فكها بـ صورة واضحة و مُسلية لتعود و تومئ بـ نزق فـ إبتعد عنها و نظر إلى الحقيبة المفتوحة و المبلغ الكبير الموضوع بها ثم تساءل 


-و دلوقتي سؤالي بقى، ليه بتسرقِ فلوس متخصكيش؟! 

-صرخت بـ حنق:قولتلك مسرقتش… 


حدق بها وقاص بـ نظرات مُدققة، طويلة و غامضة لتُبعد عيناها عنه ثم غمغمت بـ صوتٍ ضعيف


-اممممم، تقدر تقول إني سارقة نبيلة، و بسرق لهدف نبيل مش عشان مرض أو حاجة… 


رفع وقاص حاجبه بـ ذهول لم يستطع السيطرة عليه وإتكئ إلى المكتب خلفه ثم عقد ذراعيه القويين أمام صدرهِ ليستاءل هو بـ تسلية واضحة بـ عينيهِ الماكرين 


-تمام، و إيه هو غرضك يا ست السارقة النبيلة!... 


ضيقت عيناها بـ حنق من سُخريته الواضحة عليها ولكنها لم تهتم بل رفعت أنفها بـ شموخ ذاهل لعينيهِ الداكتين بـ لون العقيق وهتفت بـ ثقة مُطلقة


-بابا كان بيشتغل فـ الشركة هنا، و مُكافأة تقاعده مخدهاش، يعني متصرفتش، لأ و بكل بجاحة بيقولوا إننا ملناش أي مُستحقات، معنى إيه الكلام دا غير إنهم شركة نصابة!… 


إرتفع حاجبه بـ ذهول قبل أن يتحدث بـ بُطء 


-ممكن يكون مُدير الشركة ميعرفش اللي حصل… 


حينها صدرت عنها ضحكة حتى أدمعت عيناها ثم هتفت بعدها بـ هجوم عنيف


-تاخد التقيلة! اللي كان بيتكلم هو المُدير نفسه… 


رفع يده وقال وهو يضع الأُخرى على صدرهِ 


-أُقسملك إنه مكنش يعرف

-إنتفخت أوداجها بـ شراسة هاتفة:و أنت إيه اللي مخليك متأكد كدا!!... 


تجاهل سؤالها وبادلها بـ آخر وهو يرمق المبلغ الطائل أمامه 


-مُستحقات والدك عبارة عن خمسة و عشرين ألف جنيه، طب و المية و خمسين ألف التانين دول لإيه!... 


تلك الإبتسامة والثقة التي تتحدث بها بل وهي ترفع أصابعها الصغيرة تُعدد أمامه جعلته في حالة عدم إستقرار لتلك المخلوقة الصغيرة التي تُحدثه بل وإنبهار غبي لشخصٍ تخطى مرحلة المُراهقة مُنذ زمن بل وغزا الشيب فوديه 


-جارتي بنتها تعبانة و محتاجة فلوس عشان تعالجها و تعمل لها عملية،وجار برضو ليا عليه ديون و لازم يسددها وإلا هيتحبس، و عنده بنات صُغيرة بس مفيش حد ياخد باله منهم، وأخيرًا عندي جارتي صاحبتي أمها غارمة محتاجة بس كام ألف جنيه عشان تخرج… 


إنتهت لترفع كتفيها بـ بساطة ثم أردفت بـ أعين بريئة كـ جروٍ صغير لا حيلة له


-شوفت بقى! أما بس خليت صاحب الشركة يكسب ثواب من غير أما يعرف

-هز رأسه موافقًا وأردف:فعلًا أنتِ سارقة لهدف نبيل…


إعتدلت كِنانة بـ وقفتها ثم قالت بـ تحفز


-شوفت بقى تاني! يلا هات الفلوس و خليني أمشي… 


ضرب وقاص يدًا بـ أُخرى ثم هتف بـ تعجب ذاهل


-أنتِ بتطلبِ مني تاخدي الفلوس و تمشي؟ أنتِ شربتِ حاجة قبل أما تيجي هنا ولا إيه عشان أبقى فاهم؟ 

-تأففت كِنانة وقالت:دي مُستحقات بابا ومُساعدة صغيرة لأهل منطقتي، صدقني الكام ألف دول مش هيأثروا فـ ثروة الغني دا… 


صمت وقاص صمتًا غامضًا قبل أن يُغلق الحقيبة و يمدها إليها لتأخذها هي بـ ذهول ثم أردف بـ نبرةٍ غامضة كـ صمتهِ


-تمام تقدري تمشي، بس هنتقابل تاني عشان تسددي دينك

-قطبت جبينها وقالت:مفهمتش!... 


إبتسم وقاص بـ تسلية ثم تقدم منها لتتراجع حتى فتح الباب خلفها وقال بـ عبث 


-هتعرفِ في الوقت المناسب، و دلوقتي لازم تمشي و اللي هتتمسكِ… 


حدقت به كِنانة بـ عدم إرتياح ولكنها تحركت قبل أن يأتها صوته


-في باب خلفي تقدري تهربِ منه، الحارسين اللي على البوابة الرئيسية فايقين حاليًا… 


غمغمت كِنانة بـ غرابة عن ذلك الرجل الغريب والذي يبدو أنه يكن شيئًا ما لها إلا أنها أسرعت الهروب فـ كيف سيتعرف عليها بـ تلك الإضاءة الضعيفة و تسللها وسط آلات التصوير المُراقبة دون أن تلتقطها! 


-المُهم أني خرجت كويسة، و أكيد معايا الفلوس… 


و بـ الداخل كان وقاص يُحدق بـ كفيهِ اللذين تنعمان بـ ملمس جسدها الطري ليبتسم إبتسامة عابثة لم يكن يظن أنه يمتلك واحدة ثم هتف بـ خُبثٍ وهو ينظر إلى حاسوبه الشخصي


-دلوقتي بقى نشوف مين هي سارقتنا الشابة… 


********************


عادت كِنانة مُنهكة القوى، خائرة العزيمة و الرُعب يتملكها حد النُخاع فـ ذلك السمج قد رآها ولكنها لا تظن أنه تعرف عليها والفضل يعود لوالدها الذي أخبرها عن الشركة وآلات التصوير المُراقبة


أغلقت الباب ونزعت حقيبتها ثم نزعت نعليها بـ الظلام.. كادت أن تتوجه إلى غُرفتها ولكن الأنوار أضاءت لتجد والدها جالس بـ إنتظارها 


إبتلعت كِنانة ريقها بـ صعوبة ثم إبتسمت بـ توتر وقالت بـ غمغمة


-مساء الخير يا بابا… 


لم يُبادلها والدها التحية بل سأل بـ صرامة مُباشرةً


-كُنتِ فين يا كِنانة؟ 

-أجابت سريعًا:و هكون فين يعني يا بابا! فـ الشركة طبعًا… 


نظر والدها إلى ساعة الحائط والتي تدق دلالةً على تجاوزها الثانية عشر بـ خمسٍ عشر دقيقة وأردف 


-فـ الشركة لحد نص الليل! 

-حكت جبينها بـ أصابعها وردت:أنت عارف المُدير بتاعي بيرمي الشُغل عليا و يجري، دي مش أول مرة أتأخر فيها فـ الشُغل 

-بس المرة دي موضوع التأخير دا كان مُبالغ فيه جدًا… 


قبضت على حقيبة الظهر بـ قوة ثم همهمت بـ تعب حقيقي


-بابا، أنا هلكانة من الشُغل، و هقولك على كُل التفاصيل بكرة، و بكرة أصلًا هيكون يوم مزحوم، بعد إذنك بقى 

-تنهد والدها بـ قلة حيلة وأردف:تمام كلامنا مخلصش هنا… 


أومأت كِنانة بـ فتور ثم إنحنت تُقبل وجنة أبيها و قالت بـ صوتٍ عذب


-تصبح على خير يا أحلى أب

-و أنتِ من أهل الخير يا قلب أبوكِ… 


ربت رسلان على يد إبنته لتتركه هي و دلفت تاركة إياه ينظر أمامه بـ شرود و يُغمغم داخله بـ قلق


-يارب متكونيش عملتِ مُصيبة، وشك بيقول إنك عملتِ حاجة كبيرة يا كِنانة… 


********************


في صباح اليوم التالي


توجه أمام غُرفة صديقه ليجد صوته على غير العادة غاضب و جهوري جعل العاملين بـ الشركة ينظرون إلى الباب بـ فضول، فـ نظر إليهم نظرة تحذيرية وهدر بـ صوتٍ عال


-يلا كُل واحد يرجع على شُغله… 


توتر العاملين وعادوا جميعًا إلى أشغالهم بينما هو حدق قليلًا بـ زرقاويهِ إليهم يطمئن على سير العمل ثم طرق الباب و دلف دون أن ينتظر رد صديقهِ 


تفاجأ من ملامحهِ المُنذرة بـ خطر قد لا يستطيع السيطرة عليه و أمامه المُدير المالي لشركة يقف مُنكس لأرسهِ بينما الأول يجأر


-لأ طبعًا سيادتك يا حرامي مُختلس ***، أنا سألتك قبل كدا أنت إديت المُتحالين للمعاش مُستحقاتهم المالية، وأنت بـ كُل بجاحة قولتلي "أكيد يا وقاص باشا" 

-غمغم المُدير المالي قائلًا بـ خفوت:و دا اللي عملته يا فندم… 


قذف وقاص بعض الأوراق بـ وجههِ وهدر بـ صوتٍ غليظ 


-كداب، الدليل على كدبك أهو يا حرامي، بُصله كويس… 


صمت يلهث بينما صديقه يقف جوار الباب يتكئ إليه دون حديث و يُتابع ما يحدث حتى أكمل وقاص حديثه بـ صوتٍ صخري لا يقبل الجدال


-هتسلم عُهدتك لسكرتيرة و هتطرد من مكانك، و من غير قرش واحد من مُستحقاتك، كفاية اللي إختلسته… 


إرتمى وقاص إلى مقعدهِ ثم أشار إلى المُدير بـ يدهِ وغمغم بـ جمود


-و دلوقتي إمشي من وشي قبل ما أرتكب جريمة و أوسخ إيدي بـ دمك القذر… 


تحرك المُدير المالي بـ خطىٍ ثقيلة ثم نظر إلى الواقف جوار الباب وهمس بـ توسل


-عُبيدة باشا، مُمكن تقوله يسامحني المرة دي

-رد عُبيدة بـ لامُبالاة:مقدرش أعملك حاجة، أنت المرة دي إتخطيت حدودك، و دلوقتي غور من هنا… 


إنتظر حتى أغلق الباب خلفه ثم إتجه إلى وقاص وجلس أمامه ليردف وهو يقذف نظارته الشمسية


-إيه اللي حصل؟… 


مسد وقاص مُنحدر أنفه بـ قوة وغمغم بـ صوتٍ ثقيل


-اللي سمعته، البيه مُختلس، بيسرقني و مفكرني مش هعرف

-ضحك عُبيدة وقال:و أنت عرفت منين؟ أنت عُمرك ما إهتميت قبل كدا… 


إرتسمت إبتسامة مُتسلية على وجههِ ونظر إلى شاشة حاسوبه الشخصي، فـ كانت صورة لتلك السارقة غير واضحة قليلًا ولكنها كافية لمعرفة هويتها ثم عاود النظر إلى عُبيدة الذي ينظر إليه بـ حاجب مرفوع بـ ريية وهتف بـ نبرةٍ مُتسلية 


-خلينا نقول فيه عصفور قالي كُل حاجة… 


إزدادت ريبة عُبيدة وهو يرفع حاجبه الآخر ثم هتف بـ تعجب


-عصفور ولا عصفورة؟ 

-مش مُهم، المهم أن العصفورة دي خلتني أكتشف إختلاس المُدير… 


حك عُبيدة ذقنه النامية بـ خفة ثم قال وهو يتلاعب بـ أوراقٍ ما أمامه 


-أنا معرفش أنت بتفكر فـ إيه بس، وقاص يا صاحبي أنت أخيرًا هتقع

-ضحك وقاص وقال:تفتكر؟! 

-لأ أنا مُتأكد… 


حدق وقاص بـ صورتها مرةٍ أُخرى ثم هتف بـ جدية وهو ينظر إلى صديقهِ بـ إهتمام


-عاوز أسماء المُتحالين على المعاش في الفترة الأخيرة

-ضيق عُبيدة عيناه وتساءل:و ليه كدا فجأة من غير مُقدمات!! 

-أجاب وقاص بـ غموض قليل:عاوز ألاقي حد مُعين كدا… 


حدق عُبيدة بـ صديقهِ طويلًا دون تعابير واضحة إلا أن وقاص قابلها بـ برود غير مُبالي، ليتنهد الأول و يومئ بـ صمت، ثم تساءل بعدة عدة دقائق


-مين اللي هيمسك مكان المُدير المالي؟ 

-سيبك منه دلوقتي… 


غامت عيني عُبيدة قليلًا ولكنه لم يُظهر إحباطه بل نهض وأردف بـ غمغمة


-تمام يا صاحبي، أنا همشي دلوقتي، أشوفك بعدين بقى

-أشوفك بعد الشُغل، هنسهر النهاردة عندي… 


شدد وقاص على كلمى صديقي لتصل معناها واضح إلى عُبيدة الذي إبتسم بـ إصفرار ثم رحل


********************


كانت تسير بـ الحي وهي تقرأ عُلبة الدواء الخاصة بها دون أن تنتبه إلى ما حولها لتشهق بـ فزع حقيقي حينما جذبتها يد رجولية خشنة إلى إحدى الطُرقات الضيقة والخالية من المارة


كادت أن تصرخ بـ هلع ولكنه وضع يده على فمها يُكممه ثم همس بـ شراسة مُحذرة 


-متصرخيش و إلا هقطع لسانك، سامعة!!… 


أومأت حوراء بـ هلع وهي تنظر إلى ملامحهِ المُنذرة بـ الشر على الرغم من هدوءها ثم تساءلت بعدما أبعد يده عن فمها


-أنت عاوز إيه مني؟ 

-أجاب بـ إستهجان:مش عاوز منك أنتِ حاجة، أنا عاوز منها هي

-قطبت جبينها وتساءلت بـ غباء:عاوز من مين بالظبط؟ 

-و هتكون مين يعني بـ ذكائك دا؟!... 


أغمضت حوراء عيناها بـ تعب من ذلك الهمجي الذي قابلته قبل يومين بـ الشاطئ، ثم عاودت فتحها لتجده يُناظرها بـ حاجب مرفوع لتقول هي بـ إبتسامة مُتملقة


-أسمعني يا أخ أنت، ملكش دعوة بـ كيان نهائي، هي هتتجوز حد تاني بيحـ… 


إبتلعت حروفها وهي تجد نظرته تشتد قساوة بـ سواد مُرعب ليتحدث قُتيبة بـ فحيح 


-إتجرأي بقى و كملي كلامك يا حلوة

-هتفت سريعًا:مقدرش أتجرأ و أكمله… 


إبتعد قُتيبة عنها ليضع يده بـ خصرهِ ثم هتف بـ تهديد


-قوليلي، الحيوان دا هيجي أمتى؟ 

-دون تردد أخبرته:هيجي بكرة الساعة سبعة بالظبط

-إبتسم إبتسامة شريرة وهمس:طيب تمام يا كيان، هخليه يطلبك من أخوكِ الروحي… 


نظرت إليه حوراء بـ ذعر وإبتلعت ريقها بـ توتر ثم تساءلت بـ براءة


-هو أنت بتحب كيان فعلًا!!… 


نظر إليها بـ تفاجؤ وكأنها باغتته بـ سؤال إجابته ليست صعبة ولكنه لا يجيد قولها، بل لا يُريد قولها فـ يُصبح معناها باهت، لا قيمة له


ورغم ذلك إرتمست نظرة غامضة لم تفهمها وأجاب بـ شرود وكأن حوراء غير موجودة بل يُحدث نفسه 


-بحبها؟؟.. الكلمة دي متجيش حاجة جنب الحق اللي بملكه فـ كيان… 


فغرت حوراء شفتيها بـ إنبهار طفولي بل وإشتعلت النجوم بـ عينيها قبل أن تهمس بـ تساؤل


-و سيبتها ليه كُل الفترة دي! 

-أجاب قُتيبة بـ بساطة:كُنت بقضي فترة عقوبة 

-قطبت جبينها وتساءلت بـ عدم فهم:قصدك إيه؟ 

-رد بـ نفاذ صبر:كُنت فـ السجن خلاص فهمتِ؟!... 


شهقت بـ عدم تصديق ولكنها غمغمت بـ غباء


-كُنت بتعمل إيه هناك؟ 

-رفع حاجبه وأجاب بـ سُخرية:كُنت بحاول أسمّر شوية، أصل المنطقة هنا مبتوفرش حاجات الأغنية دي هنا… 


حمحمت بـ حرج ثم أردفت بـ صوو خفيض، مُتردد


-مش قصدي، أقصد دخلت ليه! 

-هتف بـ قسوة:ملكيش دعوة يا بسكوتة، دي حاجات الكُبار، العيال اللي زيك ميدخلوش فيها… 


ذمت حوراء شفتيها بـ تذمر ولكنها هتفت بـ حماس على الرغم من عبوس ملامحها


-أنا بجد، really يعني كُنت ناوية أساعدك… 


أخفضت وجهها تصطنع البؤس ثم غمغمت بـ نبرةٍ حزينة أتقنت نغمتها


-بس أنت اللي مش عاوز، لأ و كمان بتقولي إني عيلة صغيرة، و طالما أنا عيلة صغيرة فـ أنا مش هدخل ولا هساعدك فـ حاجات الكُبار دي… 


حدق قُتيبة بها بـ شك رافعًا حاجبيه حتى كادا أن يُلامسا منابت شعره، إلا أنه تنهد ثم تساءل وهو يتخلل بـ أصابعهِ بـ خُصلاتهِ 


-يا شيخة!!! و هتعملي كدا إزاي إن شاء الله؟… 


رفعت وجهها إليه وملامحها الطفولية تتحول لأُخرى خبيثة ثم عضت شِفاها السُفلى وأردفت وهي ترفع ذقنها بـ ترفع


-أنت مش قولت دي حاجات كُبار؟!... 


تأفف قُتيبة بـ ضيق ثم هدر بـ نفاذ صبر وهو يضرب الحائط جوارها فـ أطلقت صرخة فزعة 


-بلاش لعب العيال دي يا شاطرة، وإلا دشدشت جسمك الجميل بـ إيدي… 


ضمت حوراء يديها تُخفي صدرها ثم هتفت بـ شراسة 


-مُتحرش

-غمز قُتيبة بـ عبث وقال:مشوفتيش التحرش على أصوله يا بسكوتة… 


تخضبت وجنتي حوراء بـ خجل ثم تأففت تُخرج نفسها من ذلك الموقف المُحرج وهتفت


-دلوقتي نرجع لموضوعنا الأصلي مُمكن، بكرة هكون على تواصل معاك، هات رقم تليفونك

-معاكِ ورقة فاضية؟… 


هزت رأسها نافية ثم رفعت عُلبة الدواء وأجابت بـ براءة


-مش معايا غير العلبة دي… 


حدق بها قُتيبة مليًا لتضيق عيناه بـ شك و دهشة عندما قرأ اسم الدواء والذي تستعمله والدته نفسه 


-هي دي لـ أبوكِ؟ 

-حركت رأسها نافية ثم أجابت تتعجب طريقة حديثه:بابا؟! لأ دي بتاعتي

-غمغم بـ دهشة:إزاي عيلة زيك يكون عندها سُكر! 

-رفعت كتفيها بـ بساطة وقالت:ربنا عاوز كدا، هنعترض! و بعدين هو من الدرجة التانية يعني مش خطير أوي، المفروض أحافظ على أنواع الأكل اللي باكله، و أخد الدوا فـ معاده و متأخرش… 


تثاقلت أنفاسه قليلًا و سيطر عليه شعور كئيب إلا أنه طردته و هو يجذب كفها ثم أخرج قلم و دون رقم هاتفه وغمغم بـ خشونة


-متنسيش تكلميني، هكون فـ الشُغل و عاوز تقارير مُفصلة عن كيان، كُل حاجة بتعملها و بتكلم مين يكون عندي أول بـ أول… 


نظرت حوراء إلى يدها وقالت بـ إبتسامة واسعة ثم قبضتها 


-أوكيه مش هنسى، و دلوقتي سبني عشان تأخرت جدًا… 


إبتعد قُتيبة عنها ليفسح لها المجال لترحل وما أن إبتعدت حتى ناداها وهتف بـ خشونة 


-متنسيش الدوا بتاعك يا بسكوتة… 


إبتسمت حوراء بـ خجل ثم أومأت ولوحت إليه لتركض إلى الطريق العام من جديد


********************


وضعت رجاء آخر طبق فوق الطاولة و من ثم توجهت إلى غُرفتهِ لتدعوه إلى الطعام، لتفتح الباب فـ وجدته مُستلقي فوق الفراش يُحدق بـ أسورة جلدية قديمة، ساكنًا لا يعي دلوف والدته


ظلت صامتة بعض الوقت و هي تعلم لـ مَنْ تلك الأسورة إنها تخصه بـ الطبع و لكن من إشترتها لم تكن سوى كيان، تلك العلقة التي ظهرت بـ حياتهِ و أبت الإختفاء فـ ظلت خلفهُ حتى فقدت هي زوجها و إبنها و هو فَقَدَ روحه و مُستقبله


ضربت الباب بـ خفة عله ينتبه لوجودها ثم قالت بـ نزق


-مالك مسهم فـ البتاعة اللي فـ إيدك كدا ليه و لا كأنها دهب!... 


قبض قُتيبة على الإسوارة ثم إعتدل بـ جلستهِ قائلًا من بين إسنانهِ


-ولا دهب و لا حاجة، بس ليها ذكرى

-هتفت صارخة:ذكرى زي الزفت، مش ناوي تطلع البت دي من دماغك!... 


فتح قبضته و نظر إلى الإسوارة ثم وضعها بـ الدرج المُجاور لفراشهِ، كانت هدية بسيطة من فتاة إعتاد الإعتناء بها حتى باتت كـ نبض ثانٍ له لا يقوى على الحياة من دونهِ، هي تعلم كم كان مولعًا بـ تلك الأشياء الشبابية في فترة مُراهقته رغم أنها تكره تلك الأشياء إلا أنها أحضرتها لأجله 


و ذلك يكفيه، أنها فعلت و تفعل كُل ذلك لأجلهِ


نهض قُتيبة من إستلقاءه ثم جلس و فرك فروة رأسه قائلًا بـ تنهيدة ملل


-لأ مش ناوي أطلعها من دماغي

-إستشاطت رجاء غضبًا و هدرت:مش ناوي! ليه يا خويا مفيش إلا هي ولا إيه! 

-و بـ هدوء مُغيظ أجاب:أه مفيش إلا هي

-ضربت رجاء فخذيها و هتفت بـ حدة:البت دي عملالك عمل ربطاك بيه… 


ذم قُتيبة فمه بـ نفاذ صبر ثم هتف بـ إستياء ناهضًا و هو يقترب منها 


-هي رابطة جاموسة! إيه الكلام اللي يحرق الدم دا! 

-أشاحت بـ يدها و قالت:مفيش تفسير تاني غير كدا، لما تبقى واكلة عقلك لدرجادي يبقى عاملة عمل و لا مش عاملة؟!... 


نزع قُتيبة كنزته البيتية و إرتدى قميص أسود ثم هدر هو الآخر و قد بدأ صبره بـ النفاذ


-أنا بقالي كم سنة طالع من السجن و كل يوم بسمع الزفت دا، أنتِ مبتزهقيش يا ست رجاء! إرحميني شوية… 


إقتربت هي خطوة منه ثم قبضت على ساعده تُديره إليها هاتفة بـ جنون هي الأُخرى 


-لأ مبزهقش، و مش هزهق لحد أما تطلعها من نفوخك… 


أبعد قُتيبة يدها عنه بـ رفق و أكمل إغلاق قميصه ثم هسهس بـ خفوت خطير 


-و هي مش هتطلع، و لا ناوي أطلعها نهائي 

-صرخت بـ صوتٍ عال:هتخسر إيه تاني بسببها! ، خسرت مُستقبلك و أبوك بسببها و هتخسرني بسببها 

-مط قُتيبة شفتيه و قال بـ برود مُفاجئ:لو عندك حل طلعيها، بس أنتِ اللي هتخليني أخسرك مش هي، إبعدي عنها و عني و فكري فـ حاجة أفيد… 


إلتقط حاجياته الشخصية و خرج من الغُرفة تتبعه تتساءل بـ غضب 


-رايح فين و سايب البيت! 

-غمغم بـ قنوط:سايبلك البيت و نازل الشُغل جايز تعرفِ تفكري

-و الأكل! 

-نظر إلى الطعام قبل أن يخرج:مش طافح… 


أغلق الباب خلفه تاركًا رجاء تُحدق في إثرهِ بـ جمود أسود نابع من ذكريات أكثر سوادًا و سببها هي، إنها أغلال تُقيد عنقه فـ تجعله عاجزًا عن التنفس و هو يسعد بـ ذلك الإختناق 


بينما هبط قُتيبة الدرج يكاد يلتهم طريقه قبل أن يقف أمام البوابة القديمة راكلًا حصوة سببت هروب هرة جعلته يُحدق في هروبها بعيدًا عنه و تذكر هروب كيان منه، بل هروبها منه و منها و من ماضٍ سيجعل من حياتهما بصمة لا تُنسى 


كيان، إنها تعوق كُل تفكير يقوده بعيدًا عنها، يُريدها و بـ شدة إنها مُلكه، له و فقط كما أنها لن تصلح لغيره، لن يدع آخر يسلبها منه حتى و إن إضطر إلى إختطافها بعيدًا و حبسها في قفص حتى تستسلم و تعترف بـ أنها لا تزال تُحبه


مرض صعب يُشفى منه، و ألم لذيذ يسعد كُلما نبض قلبه به، كُلما لسعه بـ سياط الإشتياق، كُلما أراد أن يراها فـ يجدها تتجسد بـ أحلامهِ فيتنعم بما حرمته منه 


فـ أخبريني بـ ربك كيف أهرب منكِ، و أنتِ هي كُل الطُرق

#الفصل_الرابع

#أغلال_لعنتهُ 


ألا ليت لي قلبين 

 قلبٌ بحبه، مريضٌ وقلبٌ بعد ذاك طبيبي ،

 فواللهِ إن الحبّ خير محاسـني 

 وواللهِ إن الحبّ شـرّ عيوبـي… 


رفعت نظارتها السوداء فوق خُصلاتهِا النُحاسية ثم وقفت قليلًا تتأمل المقهى، لم يتغير مُذ إلتقته به أول مرة، ذلك المكان الذي شهد ولادة عشقهما وشهد أيضًا إنفصالهما 


تنهدت بـ ثقل ثم أخذت نفسًا عميق وقررت الدلوف بـ ثقة مُهتزة، لتُقابلها عدد لا بأس به من الناس في هذا الوقت من الصباح ثم بحثت بـ عينيها عنه فـ وجدته بـ أحد الطاولات البعيدة عن المدخل 


إبتسمت إيزيل بـ حنين وهي تُحدق به، جالسًا يدون المُلاحظات و خُصلاتهِا البنية تُعانده فـ تقع فـ يرفعها بـ أصابعه بـ ملل، ضحكت هي وهمهمت بـ شجن


-عِد كام مرة قولتلك تحلق شعرك؟ هو جميل وجذاب بـ شكل بشع الحقيقة… 


تقدمت تجاه طاولته تقرع بـ حذاءها الأرضية المُثقلة حتى وقفت أمامه دون حديث تترك لعينيها مُتعة باتت مُحرمة عليها من النظر إليه وبـ داخلها رغبة عنيفة في مُداعبة خُصلاته التي تُضايقه وكم هي عشقتها! 


بينما هو مُنهمك بـ تدوين بعض المُلاحظات والحسابات الخاصة بـ المقهى حتى داهمه عطرًا مألوف يعرفه كما يعرف صاحبته، مُمتزج بـ كبرياءها وعجرفتها اللامحدودة، وذلك المزيج يكفي لإشعال روحهِ بـ ذكريات صعب أن تُمحى


فورًا رفع أنظاره لتمتلئ عيناه بـ رؤياها وإمتزجت عاطفة الإشتياق بـ شعور مُريب من النفور يتعجب وجوده من الأساس، ذلك الإحساس الذي جعلهما في لحظة واحدة أن يُمزقا كل ما يجمعهما معًا


قابلته هى بـ إبتسامتها الخلابة، الباردة كـ عادتها وبدأت هي الحديث بـ مُزاح رقيق


-طالما مضايقك إحلقه، سايبه ليه!… 


إبتسم عُميّر و مرر يده من بين خُصلاتهِ ثم أردف بـ نبرةٍ عابثة


-مُستحيل، دا عامل جذب. خطير للبنات

-غمغمت إيزيل بـ ضيق:بلاش مُراهقة يا عُميّر، أنت أب لبنت

-ضحك عُميّر وقال:متقلقيش أنا مبتخطاش الحدود، عارف حدودي كويس… 


مال عُميّر تجاهها ثم رمقها بـ نظرةٍ ذات مغزى وهتف بـ تلاعب 


-و لا أنتِ لسه بتغيري؟!... 


لم تجفل إيزيل ولم تتراجع بل طالعته بـ برود صقيعي يُثير الغيظ


-بغير! و هغير ليه! بلاش الثقة دي، أنت مش محور الكون… 


أخفى عُميّر إنفعالاته وصمت ينتظرها تُكمل فـ أكملت بـ نفاذ صبر وهي تضرب الأرض بـ حذاءها 


-فين أسيل؟… 


وضع عُميّر يديه في جيبي بِنطاله ثم أردف وهو يُشير بـ رأسهِ إلى غُرفةٍ ما


-نايمة

-إتسعت عيناها وهدرت بـ تعجب حاد:هي مراحتش المدرسة النهاردة!! هي مراحتش النهاردة ليه؟ و ليه أصلًا تسيبها هنا!... 


لم تدع له مجال ليُجيب بل تحركت بـ خطوات غاضبة إلى الغُرفة قبل أن يلحق بها عُميّر وأمسك ذراعها ثم سحبها إلى ممر جانبي بعيد عن الأعين وهدر هو هذة المرة بـ غضب


-أسكتِ، مترفعيش صوتك هنا تاني يا إيزيل، مش هتبطلي تعملي الحركات دي! 

-هتفت هي بـ وجههِ بـ عناد:لأ هرفع صوتي زي ما أنا عاوزة،  معتش موجود الرابط اللي كان بيجبرني على إحترامك… 


تحولت خضراويه إلى أُخرى خطيرة وهو يرمقها بـ تلك النظرة النارية ثم هتف وهو يتقرب منها بـ خطورة أكبر من خطورة عينيه


-مش الرابط هو اللي بيخليكِ تحترمي الشخص يا إيزيل، بالعكس أنا بفكر إن دا سببه أخلاقك المعدومة… 


دفعت إيزيل صدره تمنعه عن التقدم أكثر ثم هتفت من بين أسنانها 


-إبعد يا عُميّر و متتخطاش حدودك معايا… 


تجاهل أمرها القوي وإقترب أكثر حتى إلتصق بها ثم رفع يده و بـ طارف إصبعه تلاعب بـ خُصلاتهِا القريبة من عينيها وشفتيها ليهمس وعيناه ترسمان ملامحها بـ قوة 


-إحنا وصلنا للحال دا إزاي؟ ليه كُل ما نتقابل نتخانق!... 


ألصق عُميّر جبينه بـ جبينها فـ أصبحت أنفاسها المُتسارعة مأسورة بـ أنفاسه ثم أكمل بـ ذات الهمس 


-جاوبيني، رُدي عليا و قوليلي بعدنا عن بعض ليه!!... 


عضت إيزيل شِفاها السُفلى هي أيضًا لا تدري لِمَ إنفصلا، إنفصالهما كان غريب و بـ موعد أغرب، الجميع يشهد على قصة حبهما الملحمية لذا طلاقهما كان صدمة كبيرة 


أخرجت نفسًا حار لفح وجهه ثم إبتسمت وهمست بـ حرارة 


-قول أنت يا عُميّر، جاوبني أنت المرة دي!... 


********************


توقفت أمام المقهى الخاص بـ عُميّر وتردد كثيرًا بـ الدخول، تُريد أن تراه و بـ شدة تلك الإنتفاضة التي تُصاحبها ما أن تقع عيناها عليه مُنذ أمس فقط؟!! إنها تعيش مُراهقتها ولا شئ غير ذلك، تنجذب إلى ذلك الثلاثيني الرائع عليها أن تتوقف عن المُراهقة فـ هو يكبرها بـ الكثير


تنهدت بـ ثقل ثم قررت العودة ولكن لجسدها رأيٍ آخر إذ أخذتها ساقيها إلى الداخل بـ إستسلام و دون مقاومة تُذكر.. توسعت عيناها بـ دهشة عندما وجدت نفسها بـ الداخل لتتوقف بـ المُنتصف هامسة بـ صدمة 


-هو أنا بعمل إيه هنا؟ كُنت عاوزة أرجع البيت، فـ ليه واقفة قُدام الكافيه؟؟… 


بحثت عنه بـ عينيها علها تجده ولكنها لم تفعل، أصابها الإحباط لعدم رؤيته و الراحة لأنها لم تره، وحين قررت الإلتفات و العودة وجدت نادلًا ما يتحدث بـ بشاشة وإبتسامة لبقة


-أقدر أساعدك بـ حاجة يا آنسة!!... 


تسمرت حوراء قليلًا أمامه، كان طويلًا يُقاربها بـ العُمر، وسيم إلى حدٍ مُذهل بـ عينين غريبتين بـ وهج أكثر غرابة، عاود الشاب سؤاله بـ إبتسامة أكثر إتساعًا عن ذي قبل وهو يجدها تُحدق به بـ ذهول


-في حاجة يا آنسة؟ 

-خرج السؤال من فمِها دون إرادة:أنت اسمك إيه؟!... 


خرجت قهقهة صغيرة من بين شفتيهِ قبل أن يُجيبها بـ إحترام 


-نوح، اسمي نوح يا آنسة

-هزت رأسها بـ تفهم وقالت:لايق عليك فعلًا… 


عاود نوح القهقهة وهو ينظر إليها بـ نظرات مُدققة دون أن تكون جارحة ثم هتف بـ لباقة 


-مُجاملة حلوة من آنسة جميلة زيك

-ردت مندفعة:لأ بجد، أنت فعلًا اسمك لايق عليك… 


ضحك نوح بـ جاذبية غير مُتعمدة ثم أومأ وكأنه يُحدث طفلة


-تمام و أنا مصدقك، أنتِ كمان جميلة 

-توردت وجنتيها وردت بـ خجل:مرسيه… 


ساد الصمت و نوح يُحدق بها بـ إستمتاع غريب لم يصحبه بعدما ترك بلده وجاء إلى مصر والآن يقف أمام تلك الـ.. البسكويتة الهشة لا بجد لها وصف سوى ذلك، قصيرة جدًا أو ربما هو الطويل جدًا ولكن بـ كِلتا الحالتين لا تصل قمة رأسها سوى إلى بداية كتفه 


حمحم بـ صوتٍ يكاد يكون عاليًا ثم تساءل وهو يُشير إلى أحد زُملائهِ من أجل خدمة الزبائن


-لحد دلوقتي أنا معرفش الآنسة عاوزة إيه!... 


تفاجئت بـ عبارته و قطبت جبينها تُعاود تفسير السؤال ثم أجابت


-كُنت عاوزة أشوف الأُستاذ عُميّر، هو فين أنا مش لاقياه؟ 

-أشار إلى ممر وأردف:شوفته دخل الطُرقة اللي هناك دي

-أومأت قائلة:مرسيه، تاني… 


كادت أن تتجه إلى حيث أشار ولكن يد نوح أوقفتها ثم تساءل بـ فضول


-بس هو سؤال، أنتِ مين!!... 


نظرت حوراء إلى يدهِ ثم إلى عينيهِ ذي الألوان الغريبة وأجابت بـ تفاجؤ 


-أنا حوراء… 


تفاجئ هو الآخر بـ إجابتها البسيطة ولكنه إبتسم بـ هدوء وأكمل


-اسم جميل جدًا و لايق عليكِ، بس أنا بسألك عن صلتك بـ الأُستاذ عُميّر لأنه مش مسموح لحد من زوار الكافيه يتحركوا بـ حُرية

-إستدركت قائلة:معاك حق، أنا صاحبة أخته وكُنت عاوزاه في موضوع خاص… 


ما هذا الذي تهذي به؟ هي لا تُريد شئ سوى أن تراه ولكن ما الذي يُجبرها على وضع نفسها بـ هذا الموقف المُحرج.. بـ التأكيد ذلك الشاب يظن بها ظن سئ إلا أنه لدهشتها أتاها صوته جادًا


-آسف مكنتش أعرف، تحبِ أوصلك؟ 

-نفت سريعًا و بـ تلعثم:لأ لأ، أنا هقدر أروح لوحدي… 


أومأ نوح وإبتعد عن طريقها لتبتسم حوراء إليه إبتسامة حلوة ثم رحلت إلا أنها توقفت وإستدارت إليه تشكره بـ ذات الإبتسامة و نبرتها الرقيقة


-شكرًا يا نوح… 


ثم إستدارت راكضة إلى الممر بينما وقف نوح بـ مكانهِ مُتسع العينين، فاغر الفم بينما قلبه ينبض بـ غرابة وكأنه يتعجب صاحبه، ليضحك وهو يحك مُؤخرة رأسه ثم همس بـ نبرةٍ آسفة بـ لغتهِ الأم


-يا ويل نوح من تلك الإبتسامة الشقية، متى سأراك مُجددًا يا بسكويتة!!... 


********************


أغلق الباب خلفه بـ هدوء ودلف إلى الداخل ثم إلى الممر المُؤدي إلى غُرفتهِ قبل أن يوقفه صوت والدته الهادر


-إفتكرت إن ليك بيت ترجعه! بعد أما مشيت و أنا بتكلم و لا عملت إحترام لأُمك... 


رمقها قُتيبة بـ نظرةٍ يائسة بـ سخط رغم ما فعلته صباحًا، قبل أن يعود إليها و يُقبل رأسها رادفًا بـ فتور


-إزيك يا حاجة رجاء؟ مشوفتكيش بعد أما نكدتِ عليا من كام ساعة… 


أخرجت والدته صوتًا مُستنكرًا من بين شفتيها ثم قالت وهي تُدير رأسها بعيدًا عنه


-كويسة يا حبيبي، كويسة، و يارب كلامي يكون جاب نتيجة… 


نفخ قُتيبة بـ نفاذ صبر ثم إستقام هاتفًا وهو يبتعد عنها


-أنا داخل أريح ساعة  قبل ما أنزل الشُغل تاني

-مش هتاكل !! 

-أجاب بـ هدوء:مليش نفس، إتسدت من الصُبح… 


لم يسمع همهمتها المُعترضة ليُكمل طريقه إلى الداخل قبل أن يقصف صوتها من خلفهِ بـ حقد لم تستطع التغلب عليه حتى بعد مرور تلك السنوات 


-سمعت إن البت الـ *** رجعت، مقولتش يعني… 


إستدار إليها قُتيبة سريعًا بـ ملامح خطيرة ليعود بـ خُطىٍ بطيئة ثم سأل بـ فحيح وهو يُحدق بها بـ نظرةٍ قاتلة


-أنتِ قولتِ على مين *****؟!... 


رفعت حاجبها دون أن تتأثر لملامحهِ الخطيرة أو نظرته التي كادت أن تُرديها حية ثم أردفت بـ نبرةٍ مُستحقرة 


-ومين غيرها اللي قتلت أبوك بنت الـ.. ؟!... 


رفع قُتيبة إصبعه مُحذرًا ثم دنى منها وهدر بـ صوتٍ مكتوم


-بنت الـ.. ؟!! اسمها كيان، وأنصحك إنك تبدأي تتقبليها عشان هتكون مراتي قُريب جدًا… 


إتسعت عيناها بـ جنون ثم صرخت بـ حدة وهي تضرب ذراع الأريكة


-الكلام دا مش هيحصل إلا على جُثتي يا قُتيبة، فاهم؟! 

-رفع قُتيبة كتفاه ثم رد بـ بساطة:ربنا يطول فـ عُمرك يا أُمي، بس حابب أعرفك إني هتجوزها سواء رضيتِ و لأ مرتضيش

-ردت هي بـ عدم تصديق:بتتحداني يا قُتيبة!! 

-مط شفتاه وقال بـ سُخرية:معاذ الله يا ست رجاء، أنا بقولك أنا هعمل إيه، مش طالب منك تحبيها، أنا طالب منك تقبليها، و تقبلي وجودها الحتمي فـ حياتي… 


دفعته رجاء بـ يديها ثم نهضت بـ جسدها الضعيف تواجه جسده الضخم لتهدر بـ صوتٍ قاسي 


-قسمًا بالله  لو عملتها يا قُتيبة لـ هخليها تكره اليوم اللي دخلت فيه البيت دا 

-وضع يداه بـ جيبي بِنطاله وهتف بـ هدوء:ساعتها أنا اللي هقفلك… 


نظرت إليه مصعوقة إلا أنها لم تفقد نبرتها القاسية وهي تقف في مواجهتهِ


-سرها إيه البت دي؟ ماسكة عليك إيه مخلياك كدا! فيها إيه مخليك مُتمسك بيها كدا؟؟ مش هي دي اللي قتلت آآآ… 


ضربة قوية على الجدار حتى أنها تسببت بـ تساقط الطلاء جعلتها تصمت ثم هدر بـ صوتٍ جامد ولكنه مُرعب يُقر واقع


-مش هي اللي قتلته، أنا اللي قتلته و أنتِ عارفة دا كويس أكتر من أي حد، زي ما كُنتِ عارفة إنها كانت مسألة وقت مش أكتر… 


كانت تنظر إليه بـ ذهول و رُعب لتلك النظرة المُميتة بـ عينه ولكنها تعلم تمام العلم أنه هو من فعلها إلا أنها ترفض الإعتراف بل صرخت بـ جنون 


-هي اللي غَوته، وهي اللي غوتك عشان تتحمل ذنبها، و تاخد العقاب بدالها… 


ضحك قُتيبة بـ قساوة رغم إنخفاض صوته إلا أنها كانت هادرة لأُذنيها ثم أردف بـ صوتٍ صخري 


-بسببها كان زماني لسه مرمي فـ السجن مستني حُكم الإعدام، أنا واقف قُدامك بكلمك دلوقتي بـ سببها، عشان كدا بطلي كُرهك و حقدك عليها اللي مالوش لازمة 

-هتفت بـ إهتزاز: هي آآآآ… 


يعلم جيدًا ما ستتفوه به ليُصمتها بـ إشارةٍ من يدهِ وأكمل بـ نبرةٍ مُتبلدة


-أنتِ عارفة إنه *** و هي ملهاش ذنب، أنتِ عارفة إنه شيطان و بسببه أنتِ فـ الحالة دي، شبح ست و لحد دلوقتي بسببه… 


رفع قُتيبة كفها و قَبّله بـ هدوء ثم أردف بـ إبتسامةٍ ساخرة


-عشان كدا إحمدي ربنا إنه غار فـ داهية و مات، وأنها شهدت زور… 


ثم تركها ورحل عائدًا إلى غُرفتهِ تاركًا إياها تُعاني من ذلك الشعور الحارق الذي يكوي صدرها و قد داهمها ألم بـ مُنتصف ظهرها، ألم جسدي و نفسي لم يستطع الزمان مُداواته


********************


تحركت إلى الممر الذي أشار إليه نوح تعض على أناملها توترًا، لِمَ أتت إلى هُنا من الأساس؟ زفرت بـ إحباط و قنوط ثم توقفت في مُقدمة الممر الشِبه مُظلم وحدقت بـ ذهول إلى الجسدين المُتقاربين وعلى وشك تقبيل بعضهما البعض، لتتسع عينيها إلى ذلك المشهد الذي لا تراه سوى بـ التلفاز فـ سقط الهاتف من يديها مُحدثًا دويًا عال في ذلك الصمت 


إلتفت إليها زوجين من الأعين ينظران إليها ما بين الدهشة و الإرتباك لتُغمغم حوراء بـ إرتباك وهي ترف بـ جفنيها بـ خجل 


-آآ آسفة مكنتش أعرف إنكوا آآ، إنكوا فـ وقت خاص، و إني جيت فـ وقت غلط، آسفة… 


جثت سريعًا تلتقط هاتفها وإلتفتت تهرب إلا أن صوت خطوات عُميّر و نبرته أوقفاها وهو يردف بـ شئٍ من الهدوء 


-تعالي يا حوراء، مفيش حاجة خاصة بتحصل هنا… 


أشار إلى إيزيل التي ترفع حاجبها بـ صلف تُخفي خلفه إرتباك أن يتم إلتقاطها في مثل ذلك الموقف ثم هتف بـ لباقة 


-حوراء دي إيزيل والدة أسيل

-فغرت فمها بـ ذهول وردت دون تفكير:طليقتك!!... 


صُدم عُميّر قليلًا لرد حوراء وقبل أن يرد سبقته إيزيل بـ نبرتها المُتعجرفة وهي تُحدق بـ حوراء بـ إزدراء طفيف 


-أيوة يا روحي طليقته، الموضوع دا مزعلك فـ حاجة! 

-رفت حوراء بـ جفنيها وأجابت:لا أبدًا مش قصدي، آسفة… 


قيمتها إيزيل بـ نظرةٍ مُتحفظة لا تخلو من العجرفة المُعتادة ثم أردفت 


-مفيش مُشكلة يا حبيبتي، بس خلي بالك من لسانك بيقول إيه، فـ في كتير من الأوقات بيحطنا فـ مواقف مُحرجة نوعًا ما… 


ربتت إيزيل على كتفها و هي تتحرك جوارها، بينما عُميّر كان يقف وهو يضع يده على وجههِ يتحاشى الموقف كله 


-أنا جاية بكرة يا عُميّر عشان آخد أسيل، بعد إذنكوا لازم أمشي… 


أمسكت إيزيل نظارتها الشمسية و نزعتها لتُمسك بها حادجة حوراء بـ نظرةٍ مُتعالية و رحلت، أما هو وضع يده على فمهِ ينظر إلى تلك الراحلة بـ تسلية ثم عاود النظر إلى الواقفة بـ ذهول وأردف


-نورتِ المكان يا حوراء… 


نظرت إليه حوراء مُجفلة ثم هتفت وهي تضم الهاتف إلى صدرها بـ توتر و تلعثم 


-والله العظيم مكنتش أعرف إنكوا مع بعص

-ضحك عُميّر وقال:خلاص يا حوراء، الحقيقة كويس إنك جيتِ، لولاكِ كُنت عملت عملة غبية… 


لم تغفل عن نظرتهِ الشاردة بـ مكان وقوفه مع إيزيل فـ تساءلت دون تفكير كـ عادتها 


-لسه بتحبها!... 


لم يجفل عُميّر لسؤالها بل أجاب وهو ينظر إلى عينيها البريئتين


-معرفش، ساعات بتجيلي أوقات و أبقى عاوز أروحلها و أرجعها ليا حتى لو كان غصب عنها 

-و دا معناه إنك لسه بتحبها 

-رفع كتفاه وقال بـ قلة حيلة:يمكن… 


نظرت إليه حوراء بـ غرابة ليتنهد هو بـ حرارة ثم تساءل وهو يُعيد خُصلاته إلى الخلف


-تمام، فيه بقى مُشكلة! 

-نفت سريعًا بـ تردد:لأ خالص، حبيت أعدي على الكافيه و آآآ… 


عضت لسانها وهي لا تقدر على المُتابعة ليُخفص عُميّر رأسه إليها ويحثها على المُتابعة بـ إبتسامة 


-و إيه؟! 

-همست وهي على وشك البُكاء خجلًا:و لا أي حاجة، أنا عاوزة أروح… 


قهقه عُميّر و أومأ موافقًا حتى لا يُسبب لها الخجل أكثر 


-طيب يلا نروح… 


رفعت يدها إليه تمنعه عن القدوم معها ثم قالت بـ تلعثم 


-لـ لأ خليك، هعرف أروح البيت لوحدي… 


تبسم عُميّر بـ تعاطف معها ثم وضع يده على ظهرها و دفعها بـ رفق رادفًا


-أنا كُنت عاوز أرجع البيت عمومًا، فـيه حاجة مُهمة نسيتها… 


أردفت بـ خجل وإنتفضت مُبتعدة عن يدهِ التي على ظهرها، ليتفهم هو و تراجع خطوتين يسمح لها بـ التحرك، أما هي لم تكن تُهرول بل تركض حرفيًا فـ إبتسم بـ تسلية و تبعها


********************


طرق عُبيدة الباب و دلف ليجد وقاص يتحدث بـ الهاتف فـ أشار إليه هاتفًا بـ همسٍ


-هاجي تاني لما تخلص… 


إلا أن وقاص أشار إليه ليدخل فـ دلف بـ صمت وإتتظر حتى يُنهي صديقه الحديث


-يا سيد هيثم يشرفني طبعًا الشُغل معاك… 


تلاعب وقاص أمامه بـ ملف به بعض الأوراق يستمع إلى رد الآخر ثم أردف هو بـ إبتسامة جدية 


-تمام هكلمك فـ وقت تاني النهاردة، و هبلغك بـ التفاصيل بعد أما أتناقش مع شريكي

-أتاه صوت الآخر:هستناك طبعًا يا وقاص باشا، هيكون تعاون مُربح لينا إحنا الإتنين أكيد 

-إتسعت إبتسامة وقاص الخبيثة:بـ أكيد، و هيكون مُربح بـ شكل خاص ليا… 


همهم بـ إنهاء المُكالمة ثم قذف الهاتف بـ إهمال لينظر إليه عُبيدة رافعًا حاجبه بـ تعجب و هتف بـ عدم تصديق 


-مش دا هيثم اللي بتكرهه أوي! و دلوقتي هتشاركه! 

-أدار وقاص قلم رصاص وقال بـ نبرةٍ مُبهمة:عنده حاجة تخصني

-قطب عُبيدة جبينه وتساءل:عنده إيه يُخصك؟… 


قذف وقاص مِلفًا ما ليلتقطه عُبيدة و بدأ يقرأه بـ تدقيق لتتسع عيناه مع كل كلمة ثم هتف وهو يُغلق الملف بـ هدوء عكس الصدمة البادية على ملامحهِ


-يعني دا اللي كُنت ناويه أصلًا

-و هيكون إيه غيره؟ 

-خرجت نبرة عُبيدة حائرة:أنا معتش فاهمم يا وقاص، قبل دا جبت المُتكبرة دي عشان تكون المُدير المالي الجديد من شوية و دلوقتي عاوز تشارك هيثم! هيثم ابن أمه دا؟… 


تذكر عُبيدة لقاؤه الكارثي مع تلك المُتعجرفة والتي أثارت غضبه بـ شدة، لم يُصدق حينما أخبروه أن المُدير المالي الجديد قد وصل صباح اليوم بل والأنكى أنها سيدة


شعور مُؤلم من الإحباط والخُذلان حاصره ولكن الأكثر كان الغضب، الغضب لأن تأخذ مكانه سيدة ليتجه إلى المُساعدة الشخصية لوقاص وطلب منها بيانات المُدير الجديد 


قرأه بـ ذهول وهو يُحدق بـ كل معلومة تزيد من غيظه ثم تمتم بـ صوتٍ حاقد


-مشتغلتش فـ أي شركة و لا عندها خبرة و تقوم تحطها المُدير المالي؟؟… 


تنفس بـ غضب و سُرعة وعاود يقرأ الاسم مُجددًا والذي لم يكن سوى أحد أقرباء وقاص والذي يعلمهم جميعًا ليُغمغم بـ غضب حارق


-عاوز توصل لإيه يا وقاص؟… 


جعد عُبيدة الملف وقذفه أسفل قدمه يدهسه بـ قوة ثم خطى بـ إتجاه المكتب 


بينما إيزيل بـ مكتبها تتطلع حولها بـ إبتسامة ساخرة، حقها المسلوب من أعمامها يعود إليها من إبن خالها، يال سُخرية القدر 


إلتقطت اسمها وحدقت به بـ شئٍ من البلادة ثم هتفت بـ سُخرية 


-أنت طيب أوي يا وقاص، مرتضش بـ اللي عمامي عملوه و عوضتني أنت… 


عادت تضع اسمها فوق المكتب قبل لان تنتدفع زوبعة تدفع الباب بـ قوة كادت أن تُحطمه ثم صوت خطوات غاضبة تقترب و يدين رجولية تضرب بـ قسوة على مكتبها


رفعت وجهها بـ صلف وتمهل بعدما تأملت اليدين الخشنتين اللتين حطتا بـ وقاحة على مكتبها تضربه بـ عُنف قبل أن تقول بـ تمهل بارد 


-مفتكرش إني سمحت إنك تدخل… 


إقترب عُبيدة منها وعلى ملامحهِ نذير شر ثم أردف بـ نبرةٍ عنيفة


-و دا لأني مخبطتش من أساسه

-مطت شفتيها بـ بساطة وقالت:و دي بيسموها وقاحة… 


قبض عُبيدة يده ثم هدر وهو يُلقي بـ القطعة الرُخامية المُدون عليها اسمها المغرور كـ شخصيتها تمامًا


-اسمعِ يا هانم، المنصب دا أنا أحق بيه منك

-ردت عليه دون أن تجفل:بالعكس أنت مكنتش تستحقه… 


إتسعت عيناه بـ شراسة لوقاحة ردها المُتعجرف قبل أن يقول بـ تهكم 


-ومن الواضح برضو إنك متستحقهوش أنتِ كمان يا مدام إيزيل… 


أمسكت مُقلم أظارفها وراحت تعبث به قبل أن تسأله بـ إبتسامة باردة كـ الجليد وهي تتأرجح بـ مقعدها


-و أنت عرفت منين؟ دا أول يوم شُغل ليا… 


إعتدل بـ وقفتهِ و وضع يديه بـ جيبي بِنطاله ثم هتف بـ خُبث وهو يرمق خُصلاتهِا النُحاسية 


-دا لأني عارف إن وقاص بـ نفسه هو اللي وصى بيكِ مش شطارة منك، خاصةً أني هشتغل مع واحدة نرجسية زيك 

-ردت مُصححة:عندي

-قطب جبينه وتساءل:نعم!… 


رفعت عيناها العسليتين بـ بُطء ثم إتكئت بـ مرفقها فوق المكتب و راحة يدها راحت تدعم وجنتها الناعمة ثم إبتسمت بـ لُطفِ بارد وهي تقول


-أنت هنشتغل عندب… 


أنتفخت أوداجه غيظًا وتجمعت الشُعيرات الحمراء حول حدقيته الزرقاوين إلا أنه هدأ نفسه وأردف بـ إبتسامة تُماثل برودة إبتسامتها


-أنتِ وقحة

-أومأت بـ رأسها وهي لا تزال على وضعيتها وقالت:عارفة… 


إنها تُشبه دُمية الباربي ولكنها باردة ومقيتة، كان يكرها مُذ أن عَلِمَ أنها ستُصبح مُديرة المالية الجديدة بل ورئيسته بـ العمل والآن بعد أن حظى بـ شرف مُقابلتها أصبح يمقتها


إنحنى عُبيدة يلتقط اسمها ثم وضعه بـ أناقة فوق مكتبها تحت أنظار إيزيل الهزلية ثم قال وهو يبتسم إبتسامة قاتلة


-هرميكِ برة الشركة دي قُريب، لأن المكتب دا حقي يا معدومة الروح… 


إستدار عنها يرمقها بـ نظرات تحقيرية نجحت في إغاظتها ثم رحل و هو يصفق الباب بـ عُنف لتهدر هي من خلفه


-يا وقح يا قليل الأدب، أنا هدفعك التمن… 


عاد عُبيدة من شروده وأردف بـ هدوء لا يملكه بعد ذلك اللقاء العنيف مع تلك الباربي 


-مش هناقشك كتير يا وقاص لأن حقيقي بقيت بتعمل حاجات ملهاش تفسير 

-إبتسم وقاص ثم قال وهو يمد يده بـ ورقة:زي عملتي د مثلًا!...


تناول منه عُبيدة الورقة و حدق بها بـ أعين على وشك الإستدارة و بشرة إختفى لونها قبل إن يصرخ وهو يضرب بـ الورقة فوق سطح المكتب 


-اللي بتعمله دا اسمه جنان… 


********************


في مساء اليوم التالي 


الجميع يجلس بـ غُرفة الإستقبال يتحدثون بـ جميع الأمور  بينما كيان تجلس بـ مكانٍ بعيد نسبيًا عن رشاد و والدته والتي أظهرت حبور كبير بـ رؤيتها تُفكر فيما تفعله 


ظهور قُتيبة السريع بعد عودتها أثقل كاهلها و إضطربت جميع حواسها و قراراتها، والآن تعترف أنها على وشك إرتكاب جريمة شنيعة بـ حق نفسها و حق رشاد وأخيرًا بـ حق ذلك الذي ملك قلبها 


إنتفضت مُجفلة على صوت والدة رشاد وهي تبتسم 


-روحتِ فين يا عروسة؟ 

-إبتسمت كيان بـ مجاملة وأردفت:مروحتش فـ حتة، بس سرحت شوية

-تولت جدتها الحديث:يظهر إنها بتفكر فـ رشاد إبننا، شاب ما شاء الله عليه مكنتش متوقعة يكون بـ الجمال و الأخلاق دي… 


إبتسم رشاد ثم نظر إلى كيان التي تقابلت نظراتها معه وفي تلك اللحظة أيقنت أنها لن تقدر على المُضي قدمًا بـ ذلك الزواج، ولكن بـ الوقت ذاته تُريد التخلص من لعنتهِ القاتلة 


أما حوراء كانت جالسة جوار كيان ولكنها أمسكت هاتفها و أرسلت رسالة على تطبيق رسائل "الواتس آب" إلى قُتيبة 


"إلحق عروستك، رشاد سرق قلب جدتها و شكلهم هيوافقوا" 


وأتبعت عبارتها وجه تعبيري يدل على الفزع، ثوان قليلة مرت وهي تجد الرسالة قد تم قراءتها ثم ظهر أنه يكتب، لحظات و وصلها رده


"إياكِ تسيبهم يتكلموا مع بعض، أنا جاب حالًا" 


أرسلت هي وجه تعبيري غامز يدل على أنها ستعتمد خطة تمنع خلوتهما معًا 


لم تكد تمر دقائق والحديث قد بدأ يتجه إلى الجدية و الذي يخص أمور الخطبة وغيره.. فـ وضعت حوراء يدها على صدرها تهمس بـ فزع 


-أنت فين يا قُتيبة حبيبتك هتتسرق منك قُدام عينيك… 


لم تكد تُنهي عبارتها حتى سمعوا فجأة صوت طرقات عنيف على الباب لتنتفض هي بـ فزع، لقد أتى، كانت تعلم أنه سيأتي ولكن ليس بـ تلك السرعة، ليس اليوم على التحديد


نهض شقيقها وعلى وجههِ إمارات الغضب والضيق، يبدو أنه هو الآخر يعلم هوية الطارق، إلا أن صوت الجدة أوقفته وهي تقول بـ إبتسامة 


-خليك أنت يا عُميّر، سيب بنت خالتك تشوف مين الضيف الرذل دا… 


نهضت الفتاة الصغيرة و فتحت الباب لتشهق بـ صدمة وهي ترى ذلك الحائط البشري يقف أمامها بـ عضلاتهِ المُتحفزة و ملامحه المُتجهمة بـ غضب مُريب، ولكن الفتاة تشجعت وقالت بـ تردد


-آسفة، مش هنعرف نستضيفك، دي مُناسبة عائلية 

-إبتسم بـ ريبة:منا هنا عشان كدا… 


أبعدها بـ خفة ودلف بـ برود جمد الدماء بـ عروقها  كانت عينيه الصقريتين تأسر خاصتها في تواصل بدى أبدي بـ النسبةِ لها


إزدردت لُعابها بـ توتر بليغ حتى أصدر صوتًا وهي تُنفي بـ رأسها كي يبتعد ولكن إبتسامته كانت تتسع شيئًا فـ شئٍ حتى وصل وجلس جوارها ثم هتف بـ نبرةٍ خبيثة وهو ينظر إلى الضيف


-إيه دا معقول أختي هتتخطب من غير أما أتعزم! ، لأ زعلت يا كيان، .. 


أردفت الوالدة بـ حُسن نية وهي تُدقق مليًا في هيئته الضخمة بـ همجية تليق بـ تلك الحارات القديمة 


-بجد؟! كيان مقالتش إن ليها أخ تاني!... 


نظر إليها لتنتفض بـ خوفٍ ثم عاود النظر إلى السيدة البسيطة أمامه وأردف بـ جمود


-شكل كيان بتنسى كتير الأيام دي، مُدة  بُعدها عن بيتها هنا خلاها تنسى أخوها الروحي… 


تنفست كيان بـ سُرعة قبل أن تنهض قائلة بـ تلعثم


-أنا حاسة إني داخية، هروح الحمام، عن إذنكوا… 


إختفت كيان بـ داخل الممر المؤدي إلى المرحاض لتضع يدها فوق المقبض وقبل أن تُحركها كانت يد غليظة تمنع خاصتها من فتح الباب وصوتًا هامس جوار أُذنها يهمس بـ مكر


-بنتي حبيبتي غلطت، لازم تتعاقب صح و لا إيه؟!... 


لا وقت للخوف عليها مواجهته والآن، لذلك إستدارت بـ قوة تداركها بـ إبتسامة لعوبة ثم هدرت كيان بـ غيظ


-أُستاذ قُتيبة أنا مش بنتك، مكنتش خلفتني و نستني… 


إتسعت إبتسامته الشريرة وهو يقترب أكثر ثم هتف بـ نبرةٍ هادئة ولكنها عميقة وهو يتلاعب بـ خُصلاتهِا الناعمة


-هي صحيح أُمك اللي خلفتك الله يرحمها، بس أنا… 


صمت عن قصد ليودع جبينها قُبلة تحمل مشاعر أبوية أكثر منها حميمية ثم أكمل بـ صوتٍ هامس


-أنا اللي ربيتك، فـ مش من حق حد ياخدك مني من غير إذني، اللي مش هتطوليه فـ حياتك يا كياني… 


إنه مُحق هو من قام بـ تربيتها ولا يحق لأحد أخذها منه، حتى هي غير مسموح لها، على الرغم من راحتها لتواجده إلا أن ذلك الجُزء النافر والكاره له تغلب عليها لتردف بـ عدائية


-إمشي أنت ملكش مكان هنا، هتخطب لحد غيرك و هكون لحد غيرك، و هقول كمان بحبك لغيرك يا قُتيبة … 


لم يسمح لها لتُكمل بل كمم شفتيها الطرية ثم هتف بـ تهديد مُخيف على الرغم من نعومة نبرته


-همحي شفايفك اللي مدوقتش طعم النوم بسببهم لمدة طويلة قبل ما حد يلمسهم، هُما حقي


ضغط بـ يدهِ فوق شفتيها ودنى بـ خطورة دون أن يلمسها حقًا ثم هسهس بـ حرارة 


-زي التُفاحة المُحرمة بالظبط، قُدامي و مش عارف ألمسك، فـ قوليلي كدا إزاي هسمح لحد غيري ياخدهم و ياخدك مني… 


تنفست بـ سُرعة وأنفاسها الساخنة تضرب كفه فـ تنقبض على شفتيها يتحكم في تلك الوحوش الجائعة والتي تُريد أن تنقض عليها و تدمغها بـ اسمك


إلتفتا على صوت حمحمة أنثوية رقيقة فـ وجدا حوراء تقف على مسافةٍ وقالت بـ تردد


-قُتيبة أنت لازم تمشي حالًا، عُميّر غير قابل لسيطرة عليه و ممكن يجي هنا، جدته هي اللي منعاه يجي هنا عشان متحصلش فضيحة قُدام الضيوف… 


رفع قُتيبة حاجبه ثم أردف وهو يُحدق بـ حوراء و بـ ثوبها الأزرق اللامع وكأنها تأنقت هي الأُخرى إستقبالًا لذلك السمج بـ الخارج 


-مش دي اسمها خيانة برضو؟ إتشيكتِ أنتِ كمان! هو مش أحنا فـ نفس الفريق؟!... 


تطلعت حوراء إلى كيان التي تُناظرها بـ ذهول بـ توتر ثم أردفت بـ تلعثم بعدما أيقنت أن كيان عَلِمت ما خططا له


-آآآ،دا اسمه  تمويه يا أُستاذ قُتيبة… 


قهقه قُتيبة بـ صوتٍ عميق ثم أكمل تحديقه بها وقال بـ تلاعب


-بس لايق عليكِ يا بسكوتة

-تمتمت حوراء بـ خجل:مرسيه… 


إتسعت عيني كيان بـ ذهول قوي وهي ترى حديثهما الحميمي وتباسطهما معًا بل وثناءه على ثوبها و تحديقه المُدقق بها مما أثار غضب كيان فـ دفعته بـ صدرهِ هادرة بـ صوتٍ حاد


-كفاية عن نظراتك اللي بتعريها دي 

-غمزها بـ عبث ثم أردف بـ نبرةٍ ماكرة:نظراتي مبتعريش غيرك يا حبيبتي… 


صمتت بـ خجل وهي لا تجد ما ترد به فـ دنى قُتيبة وهمس بـ صوتٍ أجش


-ياريت أعرف أخزق عينه الـ… اللي شافك و شاف حقي، اللي هاخده منك فـ بيتي… 


إبتعد عنها و حدق بـ ملامحها المشدوهة و عيناها المهتزة بـ عدم تركيز فـ إبتسم لتأثيره الذي لا يزال فعال عليها 


-أُقسم بالله دي نهايتك يا ***… 


صرخت حوراء وهي ترى عُميّر قادم بـ ملامح قاتمة، ملامح لم ترها من قبل و يُمسك بـ يدهِ سكين و هو ينوي قتل قُتيبة، لقد رأت رغبته بـ عينيه، اليوم أيقنت أن هُناك دماء ستُراق

#الفصل_الخامس

#أغلال_لعنتهُ 


أما بعد، فـ لن أُحب أحدًا بعدك… 

أما قبل، فـ أنا لم أعرف الحُب إلا بك… 


إلتفت إليه قُتيبة بـ تكاسل ثم نظر إلى السكين بـ يدهِ و إبتسم قائلًا 


-إيه التطور الرهيب دا! صاحب الكافيه الراقي المُحترم ماسك سكينة لـ *** زيي!... 


تقدم عُميّر منه وهدر بـ صوتٍ ساحق 


-هقتلك يا عديم الشرف… 


رفع عُميّر السكين إلى أقصى إرتفاع مُتجاهلًا صُراخ كيان وهَمّ أن يطعن قُتيبة إلا أن حوراء إعترضت طريقه صارخة بـ فزع 


-بلاش يا أُستاذ عُميّر كدا غلط و جنان

-حدق بها بـ أعين قاتلة ثم هسهس بـ فحيح:إبعدي عن طريقي وإلا أُقسم بالله هقتلك معاه… 


إتسعت عيني حوراء بـ رهبة وعدم تصديق ولكنها لم تتحرك من مكانها، وقبل أن يُعيد حديثه صوت ضربة قوية على الأرض و و صوت رجولي ضعيف يهدر بـ عنفوان بما يسمح له سنه


-إحترم نفسك يا عُميّر، إحنا مبنمسكش سكاكين لضيوفنا… 


ثم حدق ذلك الكهل بـ قُتيبة الذي إعتدل بـ وقفتهِ وبادله التحديق فـ أكمل بـ إزداء


-حتى لو كان حقير، أو قذر زي اللي واقف وراك… 


أخفض عُميّر السكين لتتنفس حوراء و كيان الصعداء ثم غمغم بـ صوتٍ قاس


-حاضر يا جدي… 


صوت ضحكة إنفلتت من بين شفتي قُتيبة لتلتفت إليه كيان بـ جنون صارخة بـ حدة 


-يا غبي بتضحك على إيه! يلا إمشي من هنا… 


لم يلتفت إليها قُتيبة بل أكمل تحديقه بـ الرجل ثم أردف ساخرًا


-الدُنيا دي عجيبة، الراجل اللي رباني هو اللي ناداني بـ الحقير، و القذر… 


تحفز عُميّر لضربه ولكن نظرة واحدة من جدهِ أسكتته ليُكمل قُتيبة وهو يتوجه إليه مُتخطيًا الجميع بـ نبرةٍ صخرية، لا حياة بها


-رغم أنه عارف نوع القرف اللي تربيت فيه و رغم ده مطلعتش زيه… 


إبتلع الرجل ريقه والذي بدا مُر كـ العلقم فـ قُتيبة مُحق و لِمَ لا وهو من كان يُحاول إنتشاله من تلك القذارة 


-أُقسم بالله هيجي يوم و أقتله

-هتف جده بـ صوتٍ مُنهك:بس يا عُميّر  كفاية، كفاية إنه يبعد عن حياتنا مش عاوزين أكتر من كدا 

-جأر عُميّر بـ إعتراض:بس آآآ 

-قاطعه جده قائلًا بـ نبرةٍ باترة:قُلت كفاية، دلوقتي لازم نفكر فـ عُذر نقوله للناس اللي مشت دي… 


حكت كيان جبينها بـ إعياء وقالت بـ فتور 


-مفيش مُشكلة يا جدو، هحاول أفكر فـ خل … 


أومأ السيد حلمي و رحل بينما ظل ثلاثتهم واقفين بـ الممر قبل أن يستدير عُميّر بـ أعين نارية يُحدق بـ حوراء وهمس بـ صوتٍ مُرعب 


-و دلوقتي يا آنسة حوراء، الكلب دا يعرفك منين و إزاي!… 


تراجعت حوراء بـ رُعب وهي تُحدق حولها علها تجد مخرج ولكن عُميّر كان قد حاصرها فـ هتفت كيان بـ قوة 


-إبعد عنها يا عُميّر ملكش دعوة بيها… 


إلا أنه كان كـ الأصم لم يستمع لها بل كانت عيناه مُثبتة على حوراء والتي أردفت وهي تُمسك طرفي ثوبها


-هددني لما روحت الصيدلية أجيب الدوا بتاعي، ثم إني مكنتش أعرف إنه هيعمل حاجة مجنونة زي دي

-صر على أسنانهِ وأردف بـ صوتٍ مكتوم:و ليه مقولتليش يا غبية!... 


أخفضت رأسها لتدلى خُصلاتهِا مُخفية تعبيراتها الواجمة فـ تدخلت كيان ساحبة حوراء خلفها ثم قالت بـ قوة 


-كفاية يا عُميّر، هي ملهاش ذنب، و يلا حُط السكينة دي مكانها بلاش شُغل شوارع فـ البيت… 


رمق عُميّر حوراء بـ نظرةٍ أخيرة قبل أن يستدير و يرحل، بينما كيان تنهدت وقالت بـ عتاب


-أنا معرفش أنتِ عملتِ كدا ليه، بس أنا مش هعرف أعمل حاجة أصلح بيها اللي حصل

-همهمت حوراء بـ كئابة:آسفة… 


أحست كيان بـ الذنب لتبتسم رُغمًا عنها ثم قالت وهي تربت على ذراعها 


-متعتذريش حبيبتي، دي مشاكل ملكيش دعوة بيها… 


أومأت بـ تفهم لتضع كيان يدها على كتفها ثم أرشدتها إلى غُرفتها وقالت 


-تعالي هتنامي معايا النهاردة فـ الأوضة… 


********************


تفاجئ بـ تلك اليد التي أغلقت باب السيارة قبل أن يصعدها فـ إلتفت ليجد ذلك الجسد الضخم يقف مُحاصرًا إياه، رفع بصره ليجد قُتيبة وعيناه القاتمة تنظر إليه بـ عُنف مُقِلق ثم تساءل بـ غرابة 


-أفندم! فيه مُشكلة يا أُستاذ ؟… 


وضع قُتيبة يديه بـ خصره دافعًا بـ سُترته الثقيلة إلى الخلف و حدق به مُطولًا دون أن يُجيب فـ تعجبت والدة رشاد إلا أنه أجاب بـ النهاية بـ هدوء مُخيف


-أه و كبيرة كمان، متجيش هنا تاني

-رفع رشاد حاجبه وتعجب قائلًا:نعم!!… 


ربت قُتيبة على صدرهِ ثم عَدّل ياقة سُترته و هتف بـ إبتسامة سمجة


-اللي سمعته يا حبيب أُمك، مش عايز أشوف خلقتك دي هنا تاني… 


إرتفع حاجب رشاد الآخر وأردف بـ نبرةٍ قوية 


-و أنت بقى مين عشان تأمرني مجيش؟ 

-أجاب قُتيبة بـ بساطة:مش حد مُهم، بس دي نصيحة أخوية، أصلي خايف رجلك تتكسر و متعرفش تمشي عليها تاني

-كشر رشاد عن أنيابهِ وهدر بـ حدة:أنت بتهددني؟!... 


قهقه قُتيبة وهو يضم قبضته أمام فمهِ ثم هتف بـ مُزاحٍ قاتم 


-معاذ الله يا أُستاذ، دي نصيحة أخوية مش أكتر، متخدهاش على صدرك أوي كدا… 


تقدمت والدة رشاد من قُتيبة ثم سحبت إبنها بعيدًا عنه وهدرت موجه حديثها إلى الأول


-اسمع يا بلطجي أنت، إحنا عدينا دخولك البيت من غير إستئذان، بس إنك تهدد إبني! أهو دا اللي مش هعديه

-رد قُتيبة بـ دهشة:من غير إستئذان! إزاي بس و أنا خبطت الباب و فتحتلي أمورة صغيرة كدا؟… 


كتم رشاد غضبه فـ أكمل قُتيبة حديثه وهو يلوح لهما مُبتعدًا


-وأنصحك تاخد تاكسي، أصل عيال المنطقة أشقية أوي و بيحبوا يفرقعوا كوتشات أي عربية غريبة، شقاوة عيال بقى… 


فغرت والدة رشاد فمِها بـ إنشداه ثم نظرت إلى الإطارات المُفرغة و هتفت بـ عدم تصديق 


-الراجل دا يا مجنون يا مجنون، ما هو مفيش حد طبيعي يعمل كدا… 


بينما رشاد كانت عيناه مُثبتة على ظهر قُتيبة بـ جمود ثم غمغم بـ شك


-أكتر من أخ ها؟ تمام يا كيان بينا كلام طويل… 


********************


-عُبيدة، مُديرك وقاص بره مستنيك فـ الصالون… 


ذم عُبيدة شفتيه بـ عدم رضا لكلمات والدته التي إلقتها الآن، كيف له أن يأتي عقب ما حدث أمس صباحًا بـ الشركة 


ضرب على فخذهِ بـ غيظ ثم نهض بـ تكاسل إلا أن صوت وقاص سمره مكانه حيث أردف بـ مُزاح


-إحنا مش عايزين نرهق السيد عُميّر، دا بقى ليه هيبة أكبر مني فـ الشركة… 


فُتح الباب و دلف منه وقاص ولكن قبل أن يدلف، قَبّل جبين والدة عُبيدة و أكمل حديثه بـ ذات النبرة المازحة 


-وأنا وقاص بس من غير مُدير يا ست الكل، ولا نسيتِ! 

-ردت مندفعة بـ إستنكار:مش وقاص بس و أنت مزعل إبني كدا 

-ضحك وقاص وأردف:مكدبتش لما قولتلك إنك إبن أُمك، أهي بتكرهني أهي عشان إبنها حبيب قلبها زعلان مني و كأنه خطيبتي مثلًا… 


زفر عُبيدة بـ نفاذ صبر و إتجه جاذبًا وقاص إلى الداخل ثم قال لوالدته بـ عبوس 


-مُمكن كُوبايتين شاي من إيدك الحلوة دي… 


وضع وقاص يداه بـ جيبي بِنطاله ثم هتف بـ شقاوة لبِقة


-يا ريت يكون عشا يا ست أُم عُبيدة، فـ بسبب زعله مني مكلتش من إمبارح

-ردت عليه والدة عُبيدة وهي تغلق الباب بـ قنوط:هسممك ياض أنت… 


ضحك وقاص ثم إلتفت إلى صديقهِ و أردف بـ مرح


-والدتك بتتصرف و كأنها حماتي

-تساءل عُبيدة بـ جدية:جاي هنا ليه؟… 


وضع وقاص يده على صدرهِ ثم قال وهو يتصنع التأثر و الحُزن لما قاله 


-و دي طريقة تكلم بيها حد جاي يصالحك! صحيح جاي إيدي فاضية بس قلبي مليان حنان… 


رفع عُبيدة حاجبه و لم يُجارِ وقاص في مزحته، ليردف بـ نبرةٍ جادة


-وقاص، أنا مبهزرش… 


تنهد وقاص ثم جلس فوق المقعد الذي كان يجلس عُبيدة فوقه و حدق بـ ورق العمل الذي كان بين يدي صديقه ثم هتف 


-حتى وأنت زعلان بتشتغل! مبتصعبش عليك نفسك!! 

-هدر عُبيدة بـ تحذير:وقااااص!!! 

-رفع وقاص يداه بـ إستسلام وقال:طيب طيب متتعصبش و تزعق كدا… 


ربت وقاص على المقعد جواره ثم أردف بـ جدية هذه المرة 


-تعالى إقعد

-رد عليه بـ جمود:مليش مزاج

-إقعد يا عُبيدة و متبقاش عيب عنده خمس سنين… 


زفر عُبيدة بـ ضيق ثم توجه جالسًا راميًا بـ ثقلهِ كله حتى تحرك المقعد لذلك الجسد الضخم، ليبتسم وقاص بـ تسلية قبل أن يتنحنح قائلًا 


-إيه بقى اللي زعلك إمبارح، و خلاك تمشي من غير أما تديني فُرصة أشرحلك؟ 

-هدر عُبيدة بـ حدة:و هو الجنان دا ليه تفسير؟ 

-أومأ وقاص مُؤكدًا:المُتهم برئ حتى تثبت إدانته… 


رفع عُبيدة حاجبه بـ عدم إقتناع ليُكمل وقاص حديثه وهو يضع ملفًا ما فوق الطاولة والذي لم يلحظه الأول مُنذ البداية 


-و قبل بس أما توديك لحتة غلط و تستنتج حاجة هبلة، أنا معملتش دا عشان أرضيك بعد أما إديت منصب المُدير المالي لحد تاني

-عقد ذراعيه أمام صدرهِ وتساءل:أومال إيه؟ 

-إبتسم وقاص وقال:دا حقك يا سي عُبيدة… 


إنتفض عُبيدة واقفًا بـ غضب ثم هدر بـ جنون وعيناه تتسعان بـ غضب 


-مش حقي، بالله عليك أنت سامع بوقك بيقول إيه؟… 


نظر إليه وقاص بـ هدوء بالغ، مُثير للإعصاب قبل أن يُعاود الربت على المقعد وأردف بـ ذات الهدوء 


-إقعد بس و هدي جنانك دا، متكسرش بيتك كمان كفاية مكتبي و اللي بـ المُناسبة  وكأن إعصار ضربه بعد نوبة جنانك اللي حبستها كُل السنين دي و جيت تطلعها عنجي… 


حدق به عُبيدة بـ عناد ولكن وقاص لم يتأثر بل هتف هذه المرة بـ تحذير جدي


-إقعد و بلاش تقلق والدتك على الفاضي… 


مسح عُبيدة على وجههِ بـ نفاذ صبر ثم أذعن لِمَ قاله وقاص وجلس، بينما هدر بـ همسٍ غاضب 


- موقفي مش هيتغير يا وقاص… 


ربت وقاص على ظهر صديقهِ المحني و هتف بـ إبتسامة وهو ينظر إلى المكتب البُني داكن اللون القديم 


-المكتب دا يشهد على الأقلام اللي كلتها على قفايا منك بسبب الدراسة… 


حانت من عُبيدة نظرة إلى المكتب ليبتسم هو الآخر بـ حنين ثم أردف بـ قهقهة صغيرة 


-قولي أعمل إيه؟ إستيعابك كان قليل، هو مكنش قُليل بس لأ و كُنت بتبص من الشباك مستني بنت الجيران اللي كُنت بتحبها أيام مراهقتك… 


ضحك وقاص بـ قوة ثم أردف من بين ضحكاتهِ


-رغم إنها كانت أكبر مني، بيتهيقلي أدك أو قُريب منك و بعدين مكنتش بحبها  أنا كُنت بعمل كدا عشان أضايقك 

-إتسعت إبتسامة عُبيدة وقال:لأ و كُنت مُتأكد أوي إنها بتحبني و هي بتخرج فـ البلكونة بتاعتها عشان تشوفني مش أكتر… 


ضحك وقاص و أكمل مُؤكدًا وهو يضرب على فخذهِ بـ شفقة و كأنه يرثي حالتها 


-ياريتك صدقت وقتها و إتجوزتها، بدل أما تتجوز الخرتيت اللي هي متجوزاه… 


إختنق عُبيدة من كثرة الضحك ليربت وقاص على ظهرهِ و أكمل حديثه 


-أنا كبرت و إتربيت فـ الحتة دي و عارف كُل شارع فيها، و والدك الله يرحمه كان أب تاني ليا لما فقدت بابا و هو اللي رباني… 


خفتت ضحكات عُبيدة ونظر إلى وقاص والذي هتف بـ شرود


-والدك كان بيشتغل عند والدي، و لما بابا مات و حاول عمامي يسرقوا الشركة، والدك هو اللي رجعها و وقف قُدامهم، و أنت كملت طريق والدك و حافظت على الشركة فـ الوقت اللي أنا فشلت فيه… 


تبسم وقاص وتراجع بـ مقعدهِ ثم نظر إلى صديقهِ وأكمل 


-كُل لما أقع بلاقيك جنبي، بتساندني و تقويني عشان أحارب و أحافظ على حقي، و تيجي أنت فـ الآخر و تتنازل عن حقك! لأ مش هسمحلك يا عُبيدة 

-نفى عُبيدة قائلًا:أنت عارف إنه مش حقي

-رد وقاص بـ قوة:لأ دا حقك، إتأخرت و الحمد لله إني إتأخرت، لو كُنت عملتها بدري كُنت فعلًا ضيعت حقك  

-هتف بـ حنق:بطل تقول الكلمة دي كُل شوية… 


مدّ وقاص يده وإلتقط الملف و فتحه ثم وقع بـ آخر الورق و مدّه إلى عُبيدة رادفًا بـ تأكيد قوي 


-عشان هو حقك، و هفضل أقول الكلمة دي لحد أما تسلم بـ الأمر الواقع، وقع على الورقة يا عُبيدة أنا محتاجك… 


نظر عُبيدة إلى الورق و الذي به إقرار بـ أن بعض أسهم الشركة تنتقل إليه بـ اسمه ثم إلى وقاص وهتف بـ يأس


-الأسهم دي هتعمل بينك و بين عمامك و ولاد عمامك حرب و كُره

-مط وقاص شفتيه وقال:رغم إن الشركة دي مش من حقهم، بس أنا واثق إنك هتحارب معايا زي ما حاربت عشاني قبل كدا… 


لم يُحرك ساكنًا فـ وضع وقاص الورق فوق ساقيهِ ثم هتف بـ مرح 


-يا عم إيدي وجعتني، مد إيدك دا و لا كأني بديك مُخدرات… 


لم يبتسم عُبيدة لمزحة صديقه فـ تنهد وقاص وقال بـ صوتٍ هادئ


-مش هجبرك توقع فـ اللحظة دي، بس فكر كويس عشان مش هقبل الرفض… 


أخرج عُبيدة نفسًا حار ليربت وقاص على ساقهِ ثم قال وهو ينهض 


-المُهم دلوقتي أنا جعان و عاوز آكل، طاقتي خلصت و أنا بصالح خطيبتي… 


ثم خرج وقاص و إتجه إلى والدة صديقه التي نظرت إليه بـ نصف عين فـ ضحك وقال 


-متقلقيش يا حماتي هصلح غلطتي و أجيب المأذون حالًا… 


قذفته بـ عبوة الملح ليلتقطها ضاحكًا بـ صوتٍ عال لتهدر بـ قنوط وهي تتجه إلى المطبخ 


-قليل الأدب… 


ولكنها إبتسمت لتلك الصداقة التي دامت لسنوات كانت بدايتها دروس الكيمياء التي كان يأخذها عند عُبيدة تحت توصية من زوجها ودامت إلى الآن 


بينما داخل الغُرفة ظل عُبيدة جالسًا يُحدق بـ الورق بـ غضب قبل أن يهدر بـ نزق وهو يقذف الورق بعيدًا


-هيودي نفسه فـ داهية الحمار دا… 


********************


لم يكن عليها مُسايرته من الأساس الآن الجميع غاضب منها حتى كيان، لم تستطع النوم بـ الغُرفة معها فـ قررت العودة إلى غُرفتها 


وليتها لم تفعل ذلك المنزل قديم، تلك البيوت القديمة الكبيرة حتى النوافذ خشبية من الأرابيسك القديم، على الرغم أنها أحبت المنزل بـ غُرفهِ العديدة ولكنها غيرُ قادرة على العودة إلى غُرفتها بـ تلك الممرات الكثيرة و الظلام الدامس 


زفرت بـ قنوط و أردفت بـ حيرة وهي تلتفت حولها 


- هرجع لباب الشقة يمكن أقدر أوصل للأوضة… 


تحركت إلى الممر الذي به غُرفة كيان ثم بحثت بـ عينيها بـ تدقيق علها تستطيع الرؤية في هذا الظلام حتى وجدت المزهرية التي عرفتها موضع غُرفتها 


توقفت بـ طريق عودتها إلى الغُرفة وهي تُبصر ظل قادم من إتجاه الممر الذاهبة إليه.. تسمرت مكانها حتى تتعرف على صاحب ذلك الظل وقد عرفت من هو حينما إقترب منها و تبينت ملامحه 


إتسعت عيناها بـ صدمة وهي ترى ذلك الضخم أمامها، ما باله ذلك الوقح! ألا يعلم أن غريبة سكنت معه المنزل فـ يحتشم ويتحفظ بـ ثيابهِ ولو قليلًا، حيث كان يرتدي سروال قصير ما قبل الرُكبة من اللون الأخضر الداكن يعلوه مبذل النوم الثقيل، ولكن ما فائدته وهو يتركه مفتوح فـ يُظهر صدره العضلي و معدته المشدودة؟! 


هي لا تتدعي الفضيلة فـ قد شاهدت مُمثلين ذوي جنسية أجنبية بـ ذلك المشهد ولا تخجل إلا أن الحقيقة مُختلفة تمامًا هما كانت تعتقد


مر عُميّر جوارها وهو يبتسم إبتسامة لعوبة وأردف بعدما إرتشف من كوبهِ


-تصبحي على خير يا حوراء… 


ظلت رأسها تستدير معه وهي تسير بـ الإتجاه المُعاكس حتى إصطدمت بـ باب غُرفتها لتصدر عنها شهقة إلتفت على إثرها عُميّر قاطبًا لجبينهِ فـ أردفت بـ حرج وهي تضع أُذنها على الباب تتدارك موقفها المُحرج


-ياربي مش معقول، الباب نبضه ضعيف… 


لم تسمع صوته بل صوت خطواته تقترب حتى وقف خلفها واضعًا أُذنه هو الآخر على الباب.. لتتسع عيني حوراء لأقصى مدى مُستشعرة حرارة صدره تلفح ظهرها ثم سمعته يهمس بـ تسلية


- معاكِ حق، شكل حالته خطيرة جدًا… 


تنفست حوراء بـ سُرعة قوية ليبتعد عُميّر عنها فـ إلتفتت هي إليه تُحدق بـ عينهِ الخضراء ثم هتف هو راسمًا ملامح جدية على وجههِ 


-باب أوضتي من فترة كانت عليه الأعراض دي متقلقيش… 


أمسك يدها لتنتفض هي بـ فزع إلا أنه وضع بها كوبه الذي كان يرتشف منه ولم يكن سوى أعشاب طبيعية ثم هتف وهو يقترب بـ رأسهِ منها


-إهدي دلوقتي، و بكرة هتصل بـ واحد صاحبي هو دكتور أبواب شاطر أوي، هيعرف يعالج الحالة… 


الآن مد يده وعقد رابطة المبذل يُخفي جسده عن عينيها الخائنتين ليُكمل حديثه وهو يبتعد عنها


-إشربِ الأعشاب دي مُفيدة جدًا، بترخي الأعصاب و بعدين نامِ، مش عاوزينهم يتهمونا إننا سارقين النوم من عينيكِ الحلوة دي… 


نظرت إلى الكوب بـ غرابة ثم إليه وهو يبتعد عنها دون إكتراث، لتضع الكوب سريعًا ثم توجهت إليه 


-أُستاذ عُميّر! لحظة لو سمحت… 


توقف عُميّر و إستدار إليها ثم تساءل وهو يُحدق بـ منامتها الزهرية دون خجل 


-عاوزة إيه يا بسكوتة؟ و عُميّر بس بلاش أُستاذ دي

-خرج السؤال من فمِها تلقائيًا:هو ليه أهل الحي محدش بيقولي غير كدا إشمعنى يعني اللقب دا! 

-قهقه عُميّر وقال:آسفين يا برنسيس، بس دي أول مرة تزورنا بنت أجنبية عن المنطقة

-وضعت يدها بـ خصرها و تساءلت بـ فضول مُستنكر:و دا ليه يعني!... 


إنحدرت عيناه رُغمًا عنه إلى خصرها الذي حددته قبضتها الصغيرة وكم أدهشه هشاشته ولينه الفتّاك، لين يجعلك غاضب لعدم لمسه والتحقق منه بـ نفسك 


نفض تلك الأفكار الوضعية عن رأسهِ ثم أجاب سؤالها وهو يحمد الله في سره لذلك الظلام الذي أخفى عنها ملامحه والتي يُقسم أنها كانت مُشتعلة ويشعر بـ حرارتها الآن


-يعني مُختلفة عن بنات المنطقة، طريقة لبسك و كلامك حتى رقتك اللي تغيظ و الأهم، أنتِ فعلًا شبه البسكوتة الناعمة… 


ضرب قلبها قفصها الصدري بـ عُنف و تراجعت بـ خجل تُخفض رأسها ولكن سُرعان ما عاودت رفعه وهمست بـ تلعثم 


-عمومًا، أحم، أنا أنت كُنت عاوزة أعتذر عن اللي حصل قبل كدا… 


نظر إلى كفيها اللذين تفركهما بـ توتر فـ لانت ملامحه و إبتسم إبتسامته اللطيفة واللبقة 


-متتأسفيش دا مش ذنبك… 


وضع يده على مؤخرة عُنقهِ وحركها بـ حرج ثم أردف بـ نبرةٍ مُعتذرة


-أنا اللي لازم أعتذر، مكنش لازم أكون قاسي و أقول الكلام دا

-إبتسمت حوراء وقالت:مفيش مُشكلة كدا كدا أنت معاك حق… 


إبتسم عُميّر لإبتسامتها البريئة ثم نظر إلى يدها التي رفعته بـ نية مُصافحته وقالت بـ طفولية


-صافي يا لبن!... 


تغضنت زوايا عيناه لإتساع إبتسامته ليرفع يده مُصافحًا إياها وأردف بـ مرح مُتسلي


-حليب يا قشطة… 


تراقص الحماس بـ عينيها لتسحب يدها ثم هتفت وهي تُلوح بـ يدها له


-أوكيه، تصبح على خير

-تصبحي على خير يا بسكوتة… 


رفع يده يلوح لها ولكن إتسعت عيناه بـ صدمة و هو يُقرب يده من أنفهِ يتشممها لقد عَلِقَ عطرها الناعم بـ يدهِ!! 


********************


القذارة!! 


ليست بـ مُصطلح غريبٍ عليه فـ قد عاش به عُمرًا طويل لم يُنقى منه إلا قريبًا


لأ يملك من الذكريات التي تُمكنه من العيش كـ إنسان سوي بل تحطمت طفولته وصباه وشبابه أمام عينيه، ولم يكسب شيئًا 


قبل تلك الحادثة كان شاب جامعي أكمل مسيرته الدراسية التي كللها النجاح بـ طريقة مُبهرة وكأنه يُثبت لنفسهِ أنه قادر على تخطي كُل الصعاب، مواجهة كُل من أقسم على فشله وأولهم والده


ذلك الطاغية الذي لم يترك بـ نفس ابنه شئ ليتذكره به حياة سوداء تتخللها بقع دماء شاهدة على عُنف أولد منه شخصية حاول كثيرًا دحضها، إذًا ماذا يفعل أمام قبره الآن؟ 


نظر إلى يده والتي خُيّل إليه أنها لا تزال ملوثة بـ دماءهِ، قد يشعر بـ النفور سابقًا أما الآن فـ هو يشعر بـ فخر يُقيد شعوره بـ الذنب 


لا يزال يتذكر المشهد وكأنه حدث أمس، السكين الحاد الذي حمله بـ يده و عدد من الطعنات أولها إخترقت ظهره فـ تناثرت الدماء عليها 


ونظرة عيناه المُلطخة بـ دماءهِ جعلت منه لوحة شيطانية مُخيفة، و بريق الشر الذي يلمع بها جعلها تبدو وكأنها نيران جحيم مُستعرة


لن ينسى نظرة والده المصعوقة حينما عَلِمَ هوية طاعنه، ولكن بـ زاوية صغيرة كان يعلم أن ذلك اليوم قادم لا محالة.. وعبارته التي إخترقت أُذنه حتى اليوم 


"لقد جعلت منك مسخ ستتذكرني ما دُمت حيًا، سأُعذب روحك حتى بعد مماتي" 


تلك العبارة كانت عبارة عن كابوس يُطارده و بـ الفعل لم يستطع نسيان ما أَلمَ به بـ حياتهِ كلها.. وجعل منه ما هو عليه.. صحيح أنه لم يُصبح مثله ولكن يكفي التشوه الذي ترك أثره بـ داخله فـ أصبح عقيم عن مُداواتهِ


-حاسس بـ إيه و أنت فـ قبر ضلمة لوحدك من غير أي حد حواليك!!… 


أمسك حفنة من تُراب القبر و ضغط عليه ثم هدر بـ صوتٍ قاسي، مُرعب 


-قولي بقى لما إتسألت عن اللي عملته فيا و فـ أُمي جاوبت قولت إيه؟! يا ترى عرفت تجاوب و لا ساكت زي دلوقتي و أنت مش عارف تجاوبني!!… 


رفع يده وترك التُراب الجاف يتناثر تحت تأثير الرياح وجأر بـ صوتٍ بدي كـ فحيح مُرعب


-جاوبني بقى أنت مبسوط و راضي دلوقتي؟ شايفني بقيت إيه! خيبت ظنك مش كدا… 


ضرب الأرض بـ قسوة ثم صرخ بـ صوتٍ ساخر، مُتألم


-مبقتش زيك، كُل اللي شوفته منك مخلنيش زيك جُزء من جبروتك، كُل الفلوس اللي لميتها ضيعتها… 


نهض قُتيبة عن الأرض ونفض ثيابه ثم هتف بـ جمود قاتل 


-الفلوس اللي جبتها من الحرام ضيعتها، يمكن يشفعلك دا قُدام ربنا أنت بين إيديه واقف من غير حاجة… 


نظر مُطولًا إلى الاسم المحفور فوق القطعة الرُخامية ثم أردف بـ تقزز 


- ياريت كُنت قادر أقرألك الفاتحة بس أنت مزرعتش فيا غير الكُره و الحقد و أنت تستاهل أكتر من كدا… 


ثم تركه و خرج من المدفن الخاص بـ عائلتهِ وأغلق البوابة الصدئة ورحل بـ سواد ظن أنه قد ينجلي حينما يُفرغ كراهيته كما إعتاد مُنذ خُروجه من السجن ولكن اليوم لم يحدث 


********************


إنتفضت مذعورة على صوت هاتفها لتنظر إلى ساعة الهاتف فـ وجدتها قد تخطت الثانية بعد مُنتصف الليل


بحثت بـ عينيها عن حوراء فـ لم تجدها لتنهض و تُحدق بـ الهاتف الذي توقف عن الرنين، أضاءت الضوء الخافت جوار فراشها ثم رفعت الهاتف وفتحته لتعلم هوية المُتصل ولكن وجدت رقم غير مُسجل 


كادت أن تحظر الرقم ولكن عاود الإتصال فـ فتحت و إنتظرت دون رد، والصمت كان ما تلقته من الجهة الأُخرى إلا من صوت هدير أنفاس بدى كـ أعاصير جعل قلبها يتقافز هلعًا عندما علمت هوية المُتصل


تسمرت و تصلب جسدها.. لم تكن قادرة على إغلاق الهاتف بل إنتظرت و إنتظرت حتى أتاها صوته الأجش بـ عبث كما عرفته دائمًا 


-لسه زي ما أنتِ يا كياني متغيرتيش، بتستني أبدأ أنا الكلام ديمًا… 


تسارعت أنفاسها بـ شدة و شحب وجهها و فقدت القُدرة على الحديث، لتصلها صوت قهقهته التي زلزلت كيانها ثم صوته المُداعب


-ساكتة ليه يا كياني؟ محتاج أسمع صوتك يمكن أقدر أتغلب على شيطاني

-قُـ.. قُتيبة… 


همست بها بـ تردد لتسمع صوت تأوه حاد و بعدها صوته الهادر 


-تعرفِ! وحشني أسمع اسمي منك أوي، وحشتيني أوي… 


وضعت كيان يدها على صدرها الخافق بـ رُعب ثم تحدثت بـ نبرةٍ جاهدت أن تخرج ثابتة وليست مُتذبذبة


-قُتيبة دا ميصحش، مينفعش تتصل بيا فـ الوقت دا، أنا كمان هتخـ… 


هدر بـ صوتٍ جهوري أخرسها، يمنعها من الحديث صوت أفزعها وجعلها تنتفض مذعورة 


-إخرسي و إلا والله هدبحك، أنتِ مش هتكونِ لغيري أبدًا، طول ما فيه فـ صدري نفس… 


لم تعرف هل خرج صوت تأوها المتوجع أم لا ولكن ما تعرفه أنها شعرت بـ زلزلة عنيفة تضرب جسدها فـ تُثمِل روحها ليُكمل بـ نبرةٍ مُميتة، و مُخيفة 


-أيوة إتوجعي، و هتتوجعي أكتر لما أكسرلك عضمك، عضمة عضمة… 


شهقت كيان وهي تضع يدها على فمها فـ أكمل قُتيبة حديثه بـ صوتٍ مُرعب 


-كُنت عاوز أكسر وشه الأمور دا قُدام عينيكِ و فـ بيتك، بس جدك و جدتك إحترمت وجودهم و إحترمت إنهم ربوني، كفاية إنه مش هيعتب المنطقة دي تاني… 


إختفى كُل الرعب وحل مكانه الغضب لتنهض على ركبتيها فوق الفراش وهدرت بـ حدة 


-عملتله إيه؟! 

-أجابها بـ تسلي مجنون:معملتش، مطوتي هي اللي قامت بـ الواجب

-صرخت بـ حنق و غضب:قولي حالًا يا قُتيبة عملت إيه! 

-إهدي يا كياني، أنا بس فرغت كوتش عربيته مش جريمة كبيرة… 


زفرت بـ راحة فـ أكمل قُتيبة قائلًا بـ صوتٍ غريب 


-أنا معتش قاتل… 


فغرت فمُها بـ ذهول وشحب وجهها أكثر ثم همست بـ تعثر 


-مش مش قصدي

-أجاب بعد صمتٍ طويل:عارف… 


ساد الصمت قليلًا فـ حكت كيان جبينها و تساءلت بـ إعياء 


-عايز يا قُتيبة؟… 


لم يُجيب سريعًا بل صمت و صمت حتى أردف بـ حرارة و نبرةٍ متوسلة 


-عاوز أحضنك و يا حاجة من الأتنين يا أحضنك لحد أما أكسر عضمك، يا إما أدمغك بيا، أدمغ روحك بيا… 


صُدمت كيان و توقف قلبها عن النبض ثم عاود النبض بـ سُرعة مُخيفة حينما أكمل حديثه 


-إفتحي الباب، هحضنك بس و أمشي، دا اللي محتاجه فـ الوقت دا…


تكملة الرواية من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close