أخر الاخبار

أغلال_لعنتهُ الفصل_السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم إسراء علي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 

أغلال_لعنتهُ

الفصل_السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر 

 بقلم إسراء علي 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

لا تُزهري لغيري وأنا ربيعك… 


قفزت عن الفراش لنتهض واقفة على قدميها المُرتعشتين ثم هدرت بـ صوتٍ قوي ولكنه خفيض


-أنت إتجننت يا قُتيبة؟ 

-أجابها بـ بساطة و هدوء:لأ لسه شوية… 


كادت كيان أن تخرج من غُرفتها إلا أنها أحجمت جماح غضبها، لتتحرك بـ الغُرفة ذهابًا وإيابًا قائلة بـ غضب 


-أنت بتعمل إيه قُدام العمارة؟ عاوز تفرج الجيران عليا!… 


تنهد وأجاب بـ بساطة مُغيظة ونبرةٍ هادئة أكثر إغاظة 


-لأ مش واقف قُدام العُمارة، أنا واقف قُدام بابك

-همست بـ عدم فهم:أنت إيه!! 

-رد هو بـ نفاذ صبر:أُقسم بالله لو مخرجتيش دلوقتي يا كيان لأكسر الباب و أسحبك زي البقرة من وسطهم و أحُضنك و اللي يحصل يحصل… 


فغرت فمُها بـ ذهول و دهشة لذلك التهديد وهي تعلم أنه قادر على فعلها، وضعت يدها على وجهها و همست بـ نبرةٍ حادة 


-أنت غبي و حيوان 

-قهقه قُتيبة وقال:أنتِ لسه عارفة حالًا! إفتحي يا كياني 

-ردت هي بـ صوتٍ أكثر حدة:بلاش هزار تقيل شبه دمك و إمشي يا قُتيبة 

-أردف هو بـ عناد:أنا حلفت خلاص، مش همشي يا كياني و لا أنتِ عوزاني أصوم تلات أيام!… 


زفرت بـ غضب قبل أن تتوجه إلى خزانتها تسحب وشاحًا تضعه فوق منامتها الضيقة وهي تُتمتم بـ قنوط


-أنت غبي و أنا أغبى منك… 


فتحت باب غُرفتها بـ هدوء وحدقت بـ الظلام المُحيط بها تبحث عن أحدهم ولكن السكون هو ما كان يُحيط بها لتزفر بـ راحة ثم سارت على أطراف أصابعها حتى وصلت إلى باب الشقة


سحبت أحد المفاتيح المعلقة بـ جوار الباب ثم فتحته بـ حذر و خرجت لتجد قُتيبة يجلس فوق درجات السُلم ما يُضيئ الظلام حوله هو وهج لُفافة التبغ، مُنكس الرأس و تشعر بـ إنحناء ظهره 


إنقبض قلبها شفقةً عليه، لا يزال هذا الشخص يؤثر بها بـ زاوية عميقة من قلبها حتى وإن كانت تكرهه، أهي حقًا تكرهه أم هذا ما تُحاول به إقناع قلبها؟ لولاه لما كانت قابعة أمامه تنعته بـ القاتل 


تنهدت بـ حرارة ثم توجهت إليه و هبطت درجتين حتى تقف أمامه وإنتظرت حتى يتحدث ولكن لا شئ لتتأفف هي بـ ضيق ثم هدرت بـ صوتٍ مكتوم


-أنا هنا أهو يا سيدي… 


رفع رأسه بـ تكاسل ثم إبتسم بـ بُطء وأردف 


-عارف، عارف إنك واقفة هنا من أول ما خرجتِ

-رفعت حاجبها و تساءلت:طيب، حضرتك عاوز إيه بقى؟ 

-فاجأها بـ ردهِ:أنتِ بتولعي النار فـ قلبي زي ما نار الحرب بتولع و أكتر… 


إرتجف بدنها و توقف قلبها لعدة ثوان، ولم تشعر بـ وهج عينيها الذي أضاء العتمة حولها، شعرت بـ البرودة حولها لتُشدد الوشاح حول جسدها و تحتضنه بـ قوة، ليُكمل هو راميًا اللُفافة أسفل قدمها 


-ديمًا كُنت عايز أقولك كدا طول الفترة اللي كُنت فيها فـ السجن، و لما خرجت كُنتِ هربتِ، فـ مرتضش ألحقك و أدور عليكِ عشان عارف كويس أوي إنك هترجعي عشاني

-همست بـ تحشرج:بس أنا مرجعتش عشانك

-رد بـ بساطة تقريرية:لأ رجعتِ عشاني، أنتِ بس اللي بتحاولي تقنعي نفسك بٓ العكس… 


صدمها رده ليس لسُرعته ولكن لأنه حقيقة حديثه، تلون وجهها بـ الأحمر القاني ولكنها حمدت ربها على الظلام المُحيط بهما، تلعثمت بـ الحديث لتصمت ثم عاودت الكلام بـ موضوعٍ آخر 


-لسه مبطلتش تدخن! التدخين مُضر على فكرة… 


ثم دهست اللُفافة لتسمع قهقته الخافتة، إبتسمت كيان دون إرادة منها وتساءلت بـ جدية 


-جيت هنا ليه يا قُتيبة!... 


خفتت قهقهته وتلاشت إبتسامته لينظر إلى الأعلى ثم هتف بـ صوتٍ قاتم 


-زرت قبره… 


الصوت الذي أطبق على المكان كان خانق، و مُقزز.. تنتابها قُشعريرة مؤلمة حينما تتذكر ذلك اليوم أو حينما يأتي بـ سيرة والده ليُكمل حديثه متغاضيًا عن العاصفة التي ضربتها بـ مقتل 


-مقدرتش أقرأ له الفاتحة، مقدرتش أسامحه، و مش بس بسببك لأ دا كمان بسببي… 


لا تعرف هل خرج صوت أنينها المذبوح أم صدى صوته المُدوي بـ قلبها إلا أنها هتفت بـ إرتعاش


-يـنفع، ينفع تمشي! عشان خاطري… 


نهض قُتيبة على حين غُرة وأمسك بـ ذراعيها دافعًا إياها إلى الحائط ثم هدر بـ نبرةٍ قاتلة على الرغم من الألم المُحيط بهما


-عشان خاطري أنتِ حرريني من ذنبي، حرريني بيكِ يمكن ألاقي الراحة… 


تفاجأت بـ هجومه ولكنها ضربت صدره وهتفت بـ نبرةٍ مُتألمة 


-و مين اللي يحررني من اليوم دا! أنا مدبوحة يا قُتيبة، أنا عاوزة أكتر منك أتحرر من اللي فات

-وضع جبينه فوق جبينها وهتف:أنا و أنتِ هنحرر بعض، و أنتِ عارفة دا كويس أوي

-حاولت التملص منه قائلة:فوق يا قُتيبة، أنا معتش البنت المُراهقة اللي كُنت تعرفها، ولا أنت لسه الشاب الطايش اللي كُنت أعرفه، إحنا إتغيرنا تمامًا، إحنا الأتنين مقيدين بعض بـ ماضي بيقتلنا و بس

-هتف صارخًا:بس أنا متغيرتش، لسه زي ما أنا، و أنتِ لسه جوايا زي ما أنتِ… 


صمت فجأة و هي نظرت إليه بـ صدمة صامتة، و فجأة قهقه قُتيبة بـ شر ثم هدر وقبضته تشتد حول ذراعيها حتى تألمت 


-أنتِ طلعتِ أنانية أوي يا كياني، عاوزة تهربِ و تسبيني لوحدي!… 


همت بـ الحديث ولكنه لم يسمح بها حين تحولت نظرته إلى شيطانية و نبرته إشتدت بـ عُنف قاتل


-بس لأ، أقسم بالله العظيم ما هيحصل، حتى لو إضطريت إني أخدك بـ أكتر طريقة ***، تتخيلها… 


تقافز الخوف من عينيها مُرعبًا و تصاعدت ضربات قلبها بـ قساوة مُؤلمة ليُكمل هو بـ ذات النبرة 


-و أنتِ عارفة إني أعرف أعملها و أعمل أكتر من كدا، و أنا مش هصبر كتير يا كيان، مش هسيبك لغيري طالما فـيا نفس 

-صرخت بـ رُعب:كفاية تهديد، مش هتعرف تعمل حاجة 

-لأ أعرف، أقسم بالله أقتلك قبل ما حد ياخدك مني، أُقسم بـ ربي لأقتل أي حد يفكر يقرب من حقي… 


لم تستطع الرد ليودع جبينها قُبلة أوشكت على قتلها من شدة حرارة المشاعر الموضوعة بها ثم أكمل بـ همسٍ ناعم كـ الحرير ولكنه يحمل الشر بين طيات نعومته


-مش هسيبك يا كيان، مبقاش قُتيبة لو مخلتكيش ملكي، هتبقي فـ حُضني غصبن عن عينك، هسرق نفسك اللي بتتنفسيه لو فكرتِ فـ حاجة غير كدا… 


إبتعد تاركًا إياها تسقط جالسة فوق الدرجات القديمة باكية بـ عُنف 


********************


في صباح اليوم التالي


-فيه إيه يا نوح؟ أنت يا بني مش مركز بقالك يومين… 


سأل زميله وهو ينحني ليجمع أشلاء الطبق الثالث عشر، مُنذ اليوم الذي قابل به حوراء وهو يفقد عقله.. يخرج أثناء مُناوبته عله يلمحها، كثيرًا ما يتهور و يتجه إلى منزل رب عمله ولكنه يتراجع بـ آخر اللحظات.. يُريد أن يراها و بـ شدة، لقد إحتلت الكثير من تفكيرهِ


تنهد نوح غيرُ مُجيبًا على صديقهِ الذي إبتسم بـ خُبث وأردف


-طب قول مين هي؟ 

-قطب نوح جبينه وتساءل بـ حذر:مين إيه؟ 

-اللي سارقة قلبك و تفكيرك! 

-غمغم نوح بـ خشونة:مفيش حد سارق مني حاجة… 


نهض نوح و تبعه زميله بـ العمل ليُلقيا الأشلاء بـ سلة المُهملات ثم أمسك ذراعه حينما همّ بـ الإبتعاد ليتوقف بـ تأفف وتساءل 


-عاوز إيه يا مازن! مش واخد بالك إني بشتغل؟ 

-قول مين هي الأول! 

-ذم شفتيه وقال:قولت مفيش، و ياريت تبطل بقى بدل أما أكسر مناخيرك اللي بتحشرها دي، متسمعش عن حاجة اسمها خصوصية!! 

-ضحك مازن وأردف:طيب طيب خلاص متزعلش، كُنت حابب أساعدك مش أكتر… 


إبتعد نوح عن مازن و جلس على إحدى الطاولات يتلاعب بـ مئزر زيه الرسمي، يتذكر تفاصيل الأعوام الماضية، كيف ترك بلده الأم وأتى إلى مصر مع والده المريض ليرعاه، ترك عائلته وأتى إلى هُنا هاربًا من قيود فُرضت عليه للمحافظة على أعمال العائلة 


عاهدت نفسه أن يعمل بـ جِد حتى يستطيع أن يكفل والده و تكاليف علاج والده بـ عمله البسيط و الذي لا يتطلب شهادة جامعية حتى يُنهي دراسته


حتى ظهرت الجنية الصغيرة بـ حياتهِ لُعبة صغيرة ولكنها فاتنة،تملك أعين لامعة بـ شقاوة تسلب القلوب، أرادها وأراد أن يعرفها أكثر، كُل ما يعرفه أنها حوراء و فقط


نظر من الزُجاج المُطل على الخارج ليفقد قلبه صوابه حينما رآها تسير بـ شرود تنظر إلى الأرض، نهض سريعًا و بـ دون تفكير ليتطلع حوله فـ لم يجد مازن


إندفع إلى الخارج. ولحق بها حتى وقف خلفها وناداها بـ إشتياق لعن نفسه لـ خروج نبرته بـ ذلك الإشتياق 


-حوراء!!!... 


رفعت حوراء نظرها سريعًا تبحث عمن يُناديها حتى وجدته خلفها، جعدت جبينها بـ تذكر حتى أشرقت إبتسامتها فـ سرقت دقاته ثم أردفت 


-نوح!! إزيك عامل إيه؟ 

-أجاب مُبتسمًا:كويس، بقيت كويس جدًا، إزيك أنتِ؟ 

-أنا كمان كويسة… 


تأرجحت بـ وقفتها لا تجد ما تقوله ليضع هو يديه بـ جيبي بِنطاله الخلفيين ثم تساءلت وعيناه تدور فوق ملامحها بـ لهفة 


-على فين كدا الصُبح بدري؟… 


أشارت إلى الشاطئ ثم قالت وهي تنظر إلى نوح


-هروح الشط شوية

-ينفع أجي معاكِ؟ 

-نظرت إلى المقهى وقالت:عُميّر مش هيضايق! 

-رد وهو يحك رأسه:هقول لصاحبي ياخد الشيفت بتاعي… 


أومأت مُبتسمة لـ يلوح لها مُبتعدًا وقال بـ إبتسامة مُتحمسة 


-إستنيني هنا، مش هتأخر عليكِ

-أوكيه براحتك… 


ركض نوح إلى داخل المقهى لينزع مئزره الأسود ثم ربت على كتف صديقه الذي تفاجئ به وقال


-خُد الشيفت بتاعي و أنا هاخد بتاعك بالليل… 


لم يدعه ليرد بل ركض مُسرعًا إلى الخارج تاركًا مازن مذهولًا 


عاد إلى حيث تقف حوراء وأردف 


-يلا بينا… 


أومأت حوراء و سارت جواره في صمت.، كانت هي تنظر أمامها أما هو فـ ينظر إليها بين الحين و الآخر حتى إستدارت فجأة وسألته


-أنت مش مصري صح؟… 


رفع نوح حاجبيه بـ دهشة قبل أن يبتسم و يُجيبها بـ لباقة 


-لأ مصري، بس والدتي من أصل تركي

-قولتلك… 


إتسعت إبتسامته و تغضنت ملامحه بـ سعادة لم يذقها مُنذ سنوات ثم همهم بـ صوتٍ مُنخفض


-أه صح قولتيلي… 


وصلا إلى الشاطئ لتجلس حوراء فوق الرمال و جاورها نوح ثم سألها


-أنا حاسس إنك زعلانة شوية! مكنتيش كدا أول مرة شوفتك فيها

-سألته بـ عفوية:ينفع تكون صاحبي!... 


لم يستطع السيطرة على الذهول الذي أصابه ولكنه أردف بـ رزانة لا يمتلكها 


-أكيد طبعًا 

-تنهدت وقالت:أنا عملت غلطة، بس مش مقصودة

-رد عليها بـ هدوء:طيب مكنش مقصود ليه زعلانة بقى! 

-نظرت إليه وقالت:مكنتش عاوزة أعمل مشاكل، أنا عارفة إنهم متضايقين مني بس مش عاوزين يبينوا دا… 


وضعت وجنتها فوق قبضتها ثم نظرت إلى المياه، ليردف نوح وهو يُحدق بـ خُصلاتهِا المُتطايرة 


-عشان هُما عارفين إنه مكنش قصدك… 


رفعت رأسها فجأة وإلتفتت إليه ثم تساءلت بـ تفاجؤ و أمل


-بجد! ... 


خفق قلبه لتلك النظرة القططية التي ترمقه بها ثم أجاب وهو يُحاول إخفاء إنفعالاته 


-بجد يا حوراء، أنتِ صغيرة و بريئة و كمان عفوية، و أكيد الكُل كان عارف إنه مكنش قصدك

-هتفت هي بـ إمتنان:شُكرًا جدًا يا نوح… 


"يا ويل قلب نوح منكِ" 


تفوه بها مرة أُخرى وهو يقر بـ داخلهِ أن تلك الفتاة ستُغير مجرى حياته بـ الكامل


أخرجته حوراء من تفكيره و هي تتساءل بـ فضول 


-أنت عارف مين هو قُتيبة! و تعرف إيه اللي حصل بينه وبين كيان أُخت عُميّر؟ 

-أجابها بـ تفاجؤ:معرفش أنا لسه جاي من تلات  سنين بس، بس سمعت من أهل الحي إن قُتيبة دا كان فـ السجن و خرج 

-همست بـ قنوط:دا بس!! 

-أومأ قائلًا بـ مرح:حاولي متكونيش فضولية، لو محدش قالك حاجة يبقى محدش عاوز يقولك، دي حياتهم الشخصية و الناس بتحب تحافظ على خصوصيتهم… 


********************


طرقت والدته باب الغُرفة ثم دلفت لتجدها غارقة بـ الظلام.. لتتأفف بـ ضيق ثم دلفت و فتحت الستائر و النافذة ليهدر قُتيبة بـ إنزعاج


-إقفلي الشباك، النهاردة إجازة… 


ثم رفع الغطاء فوق رأسهِ لتسحبه عنه ثم أردفت بـ قوة 


-فيه حد مستنيك بره

-فتح عينه اليُسرى و تساءل:مين؟ 

-ردت بـ برود:معرفش، بيقول أنه يعرفك من أيام السجن… 


رفع قُتيبة حاجبه بـ ذهول ثم نهض بـ تفكير عله يتذكر ذلك الشخص ولكنه لم يستطع التركيز، لذلك تنهد ونهض يرتدي كنزته الداخلية و فوقها دس كنزة شبه ثقيلة و خرج


توجه إلى الصالة ليجد ظهر هذا الشخص يواجهه.. مسح قُتيبة على خُصلاتهِ و توجه إليه مُتساءلًا بـ خشونة 


-أنت مين!؟… 


لم يرد الشخص على الفور بل أخذ وقته ثم نهض و إستدار قائلًا بـ سُخرية 


-متمدنتش شوية يا بلطجي… 


إتسعت عينا قُتيبة قليلًا بـ إنشداه ثم إبتسم و قال بـ محبة 


-أرسلان الهاشمي؟!!... 


تقدم قُتيبة و صافحه بـ حرارة و كذلك أرسلان الذي تساءل 


-إيه الأخبار! و خرجت من السجن إمتى؟ 

-من فترة مش طويلة… 


أومأ أرسلان بـ خفوت ثم جلس و كذلك قُتيبة، وساد الصمت و كِلاهما يُحدق بـ الآخر حتى دلفت والدته تضع الشاي و بعض الكعك وخرجت دون حديث


إلتقط أرسلان كوب شايه بـ صمت فـ تأفف قُتيبة وأردف بـ نفاذ صبر 


-أنا مش عايز أكون قليل الذوق، بس إيه اللي جابك هنا؟ 

-إبتسم أرسلان شبه إبتسامة وقال:من يوم ما عرفتك و أنت وقح و قليل الذوق، بس ما علينا، عاوزك في موضوع مهم 

-تساءل قُتيبة بـ جدية:و إيه هو الموضوع دا؟… 


وضع أرسلان كوب الشاي ثم نظر إلى قُتيبة بـ إهتمام و قال بـ تمهل قاتل 


-شُغل، عشانك… 


الرد الأوحد الذي حصل عليه أرسلان كان رفعة حاجب قُتيبة دون أن تتغير ملامح وجهه فـ أكمل بـ هدوء دون أن يأبه 


-قولتلي فـ مرة إنك خريج كُلية هندسة، مش كدا؟ 

-أجابه قُتيبة بـ جمود: أه، المرة اللي أنت مردتش عليا فيها، و أه متخرج من كُلية هندسة قبل ما أدخل السجن على طول

-يعني!! 

-صر قُتيبة على أسنانهِ وهتف:يعني إيه مش فاهم؟ 

-أجاب أرسلان بـ بساطة:عاوزك تشتغل معايا… 


الآن رفع قُتيبة حاجبه الآخر و بدأت ملامح وجهه يُحلق حولها علامات الإستفهام بـ كثرة ثم هتف بـ عدم فهم


-أنا تخرجت من قسم الميكانيكا ، هفيدك بـ إيه؟ 

-أجاب أرسلان مُجددًا بـ بساطة مُغيظة:بـ مجال قسمك

-تساءل قُتيبة بـ نفاذ صبر:خليك واضح أكتر معايا؟!... 


أخرج أرسلان ملفًا صغير ثم وضعه أمام قُتيبة الذي كاد أن يفتحه ولكنه منعه قائلًا بـ جدية 


-تقدر تقرأه بعدين، بس حاليًا أنا عاوزك تساعدني، هبدأ في بُنا مصنع لماركة عربيات… 


إعتلت الدهشة ملامح قُتيبة أكثر و تساءل


-جبت التصريح منين؟ 

-مش شُغلك، المُهم إني جبت التصريح و دلوقتي عاوز مساعدتك، هتقدر و لا أشوف غيرك؟!... 


تلكأ قُتيبة بـ الرد فـ حثه أرسلان ليتحدث و أردف بـ قوة 


-إديني إجابة و اضحة حالًا

-تنهد قُتيبة وقال:تمام، إتفقنا… 


أومأ أرسلان بـ رضا ثم نهض ليرحل و لكنه توقف و تساءل بـ نبرةٍ غريبة 


-أنت عارف مين كبش الفدا بدالي! 

-عقد قُتيبة حاجبيه وتساءل:مين! 

-همس أرسلان بـ قسوة:اللي حطوه و إنتحل شخصيتي… 


فغر قُتيبة فمه و بـ عفوية وضع يده فوق الجرح الغائر الذي أصاب فخذه ليلفت ذلك أنظار أرسلان الذي غامت عيناه بـ تعبير قاتم قبل أن يُجيبه الأول


-مفضلش كتير، قتلوه على طول 

-إتكلم عنه شوية… 


جلس قُتيبة فوق الأريكة و نظر أمامه بـ شرود ثم هتف بـ صوتٍ بعيد و لكنه يحمل نغمة قاسية بعض الشئ


-بعد هروبك من السجن، معداش ليلة و لاقوا بديل، فـ حبس جديد بعيد عن أي حد يعرف مين هو أرسلان الهاشمي، و لما إتخانقت مع حد فـ الحبس القديم نقلوني للجديد معاه… 


جلس أرسلان أمامه فـ أكمل قُتيبة و هو يتنهد بـ حرارة


-مكنش حد عارف إني أعرف مين هو أرسلان، و إختصارًا لكلام كتير، الشاب كان فـ سنك و إعترف إنهم هددوه عشان ينتحل شخصيتك 

-أشار أرسلان إلى إصابتهِ وتساءل:و أنت إيه اللي حصلك؟ 

-أجاب بـ لامُبالاة:لما حاولت أقول الحقيقة، هددوني و إضربت بـ الجرح دا كـ تحذير يعني، و لما رجعت من مُستشفى السجن عرفت إن أرسلان الهاشمي مات و إتشوه بـ آآ 


أشار إليه أرسلان بـ ألا يُكمل فـ صمت قُتيبة هو أيضًا لا يُريد التذكر 


نهض أرسلان ثم هتف بـ جمود قبل أن يرحل 


-اللي حصلك بسببي، و أنا كدا بحاول أعوضك… 


أومأ قُتيبة دون حديث و بعد رحيل أرسلان ظل يُحدق بـ تلك الأوراق دون أن يجد القُدرة على فتحها


********************


فتح أرسلان باب المنزل و حدق بـ الهدوء ليهدر بـ قلق


-سديم؟؟… 


كان صوته هادرًا، الماضي لا يزال يُشكل هاجس قوي، يخشى أن يخسر تلك السعادة الوليدة، لا يجب أن يخسرها إنها مُكافأة القدر له 


أتته سديم و على وجهها إمارات الفزع ثم تساءلت بـ خوف


-إيه في إيه يا أرسلان؟ صوتك كان عالي… 


إقترب أرسلان منها ثم حاوطها بـ قوة و همس بـ صوتٍ حاد


-متعمليش كدا تاني

-ربتت على ظهرهِ و هتفت بـ غرابة:أنا كُنت فوق، أنت غريب، ليه بتعمل كدا؟… 


قَبّل أرسلان جبينها و هتف بـ صوتٍ هادئ


-متاخدش فـ بالك، فين أرسلان؟ 

-متعاقب

-رفع أرسلان حاجبه و تساءل:نعم؟! 

-هتفت سديم:متعاقب يا أرسلان و مش هيروح تمرين السباحة بتاعه… 


نزع أرسلان قميصه و ألقى به فوق الأريكة ثم تساءل 


-و ليه كُل دا؟ 

-هتفت سديم بـ غضب حقيقي:الأُستاذ الصُغير قرر يعاقب المستر بتاعه و يضربه بـ السكينة اللي بتفتح بيها رسايلك، و تعرف ليه؟ بيدافع عن مراته المُستقبلية…  


ثوان مرت حتى تلقت أُذنا أرسلان حديث سديم و يُترجمه عقله لينفجر بعدها ضاحكًا بـ قوة غير قادرًا على التوقف، بينما سديم أمامه تفغر فمها بـ دهشة وهى تراه يضحك بـ تلك القوة 


ماذا قالت ليضحك هكذا؟ جعدت جبينها بـ شراسة ثم هدرت من بين أسنانها


-أرسلان أنت بتضحك على إيه! دي مش حاجة تضحك على فكرة… 


إستمر أرسلان بـ الضحك فـ تأففت سديم بـ غضب و تخطته متوجهة إلى المطبخ بينما هو يتبعها ثم أردف وهو ينزع قميصه


-بالعكس دي حاجة مُضحكة جدًا 

-إستدارت سديم بـ شراسة وهتفت:لأ دي حاجة خطيرة و خطيرة جدًا كمان، أنت مسمعتش اللي قولته؟!... 


كانا قد دلفا المطبخ و وقفت أمام الخزانة تستمع إلى نبرتهِ العابثة من خلفها 


-سمعتك كويس جدًا، تحبِ أعيده تاني!...


رفعت سديم حاجبها بـ إمتعاض فـ أردف بـ نبرةٍ ساخرة 


-أرسلان خد السكينة بتاعتي عشان يضرب الأُستاذ بتاعه اللي ضري البت اللي ماشي معاها، اللي هو هيتجوزها…   


عقدت سديم ذراعيها أمام صدرها و لا تزال رافعة حاجبها بـ إمتعاض ثم هتفت بـ نبرةٍ خطيرة 


-و دي حاجة تضحك يعني! 

-أجاب أرسلان بـ هدوءٍ جاد:هو لسه طفل يا سديم، متقلقيش مش هيبقى زيي… 


أجفلت سديم بـ صدمة فـ هي لم تكن تعني ذلك وهو يعي أنها كذلك، ولكن أراد طمأنتها إلا أنه أحزنها، لذلك تنهدت بـ حرارة و إستدارت تُحاول إخراج بعض الأطباق من الرف العلوي الخزنة ولكنها لم تنجح


شهقت بـ فزع وهي تجد نفسها تُرفع من خصرها و صوت أرسلان يهتف بـ هدوءٍ مُزعج


-هاتِ اللي أنتِ عاوزاه… 


رُغمًا عنها إبتسمت لتلك الذكرى التي مرت بـ عقلها في الكوخ الخشبي، الشاهد الوحيد على ميلاد عشقهم، جلبت ما تود ثم هتفت بـ إبتسامة 


-خلاص خلصت… 


لم يُنزلها أرسلان على الفور بل قَبّل الجزء الظاهر من خصرها ثم أنزلها، لم يسمح لها بـ الإستدارة حيثُ حاصرها بين أحضانهِ و إتكئ بـ ذقنهِ على كتفها ثم هتف بـ صوتٍ خشن


-كُنت عاوز أعملها فـ أول مرة كُنا بـ الكوخ، فاكرة!... 


شابكت سديم أصابعها مع خاصته و إبتسمت بـ حنين ثم هتفت وهي تميل بـ رأسها إلى رأسهِ 


-وإزاي أقدر أنسى؟ دا اللي فكرت فيه لما شلتني دلوقتي… 


قَبّل أرسلان تجويف عُنقها و تنهد بـ حرارة قاتلة جعل سديم تعقد حاجبيها و تسدير إليه واضعة يدها على وجههِ وهتفت بـ إهتمام


-مالك؟ فيك حاجة متغيرة… 


حملق أرسلان بها طويلًا بـ صمتٍ حتى كادت أن تُعيد سؤالها ولكنه أجاب بـ نبرةٍ غريبة 


-قابلت واحد من اللي كُنت أعرفهم فـ السجن 

-همهمت بـ إهتمام:و بعدين؟ 

-قست عيناه فجأة وأردف بـ صوتٍ غليظ:حكالي كُل حاجة عن اللي حطوه بدالي، ولاد الـ ***… 


سافرت قُشعريرة مُخيفة على طول جسدها و لكنها لم تتحدث بل تركته يُكمل 


-و اللي قابلته برضو هو كمان إتأذى بسببي، كل اللي دخل حياتي صابته اللعنة… 


ربتت سديم على وجنتهِ وقالت بـ نبرةٍ هادئة ولكنها تبث الإطمئنان


-كل دا ماضي و أنت ليك حق تعيش، و بالنسبة للشخص اللي قابلته مظنش إنه بيحمل ذنبه، هو مش بيلومك 

-مش محتاج يقولها

-هتفت سديم بـ جدية:كفاية تتوقع الأسوء يا أرسلان، كُل دا إنتهى دلوقتي… 


إبتسمت وهي تجده قد زفر بـ عُنف ثم تساءلت


-طب و أنت روحت له دا ليه! 

-أجاب:محتاج أعوضه، دا دين ليه فـ رقبتي

-قطبت جبينها و سألته:و دا إزاي! 

-قبل ما أهرب كان بيحاول يهون عليا، الكلام و حاجات تانية، إفتكرته و قولت أساعده، أساعده و أسدد دينه… 


لم ترد سديم بل إبتسمت و فقط، أرسلان وإن لم يُظهر مشاعره إلا أنه يتغير بـ بُطء، لا يزال قاسي و غامض ولكن يكفي أنها تعلم أنه يُحبها و أنه يُحاول لأجلها 


فـ من أجلها تغير الشيطان… 


********************


في مساء اليوم 


كانت كيان تجلس بـ فراشها تستمع إلى الاُغنيات مع دندنة خفيفة و قد قررت المُضي و الحديث مع رشاد ولكن تلك الحوراء لا تسمح بـ ذلك و عبارة واحدة تنخر أُذنيها حتى الآن


-أنتِ مش بتحبِ رشاد، و لو إتجوزيته يبقى أنتِ بتخوني الأتنين… 


تلك الصغيرة لم تكن تعلم أنها تمتلك ذلك القدر من الحكمة و لكن حديثها صحيح فـ تعود وتتراجع عن قرارها و تُقرر أنها ستتصل به لتعتذر 


هي لن تعود إلى قُتيبة ولكنها لن تخون من تتزوجه، حينما تتخطاه ستبدأ حياتها حتى و إن تقدمت بـ العُمر، قُتيبة جُزء لا يتجزأ من ماضيها، الأسود


وعند ذكر الشيطان، إنتفضت على صوت هاتفها حنيما صدح بـ نغمتهِ الصاخبة لترفعه وتنظر إلى رقم هاتفه الذي تحفظه عن ظهر قلب


تسارعت دقات قلبها و تركت الهاتف دون أن تجرؤ على الرد ليعود و يصدح من جديد ليصمت بعد مُدة و يعود ويصدح دون ملل، تعلم إصراره و عنده، لن يصمت حتى ترد


لذلك رفعت هاتفها و أجابت بـ تردد ليأتيها رده الساخر 


-أقسمت بيني و بين نفسي لو مرتديش، هجيلك، بس نجدتِ نفسم

-سألته بـ نبرةٍ مُرتجفة:بتتصل ليه؟ 

-أتاها صوته:عايز أتكلم معاكِ

-هتفت بـ ملل:و أنا مش عاوزة أتكلم معاك… 


ساد الصمت قبل أن تسمع صوت ضحكاته العميقة ثم سمعت صوته وهو يهتف 


-طب إطلعي من البلكونة نشوف بعض من غير كلام… 


إنتفضت عن فراشها و إتجهت إلى الشُرفة تفتحها ثم هدرت و هي تخرج تنظر إلى الشارع الخاوي من المارة عاداه!! 


-أنت بتعمل إيه هنا تاني يا قُتيبة؟… 


وضع يده بـ جيب بِنطاله ثم أجاب بـ إريحية وهو ينظر إليها 


-اللي بعمله ديمًا، جيت عشان أشوفك… 


صمتت و هي تُبادله التحديق غير قادرة على الإشاحة بعيدًا و كيف ذلك وهي تشعر أن نظراته تخترقها كـ سهم مُسمم فـ يُدمي روحها و يُذكرها بـ مشاهد قديمة لهما معًا 


قُتيبة كان ولا يزال بـ روحها يقبض عليها بـ أفرع خضراء ولكنها ذات أشواك، تعتصرها فـ ينزف قلبها قبل جسدها، ذلك الأخرق أضاع من عُمرهِ ثلاثة أعوام من أجلها و هي كذبت لأجلهِ، إن كانا لا يزالان عاشقين فـ الماضي سيظل حائل بينهما مُخلفًا طعم مُر كـ العلقم 


-مبترديش ليه يا كياني؟ 

-تنهدت بـ تعب وقالت:عايزني أرد عليك بـ إيه يا قُتيبة! طُرقنا أنا و انت معتش فيه بينهم مجال يتقابلوا… 


إهتز بدنها و إرتعش لإجابته والتي وصلها عبر موجات الهاتف هدير أنفاسه و الذي بدى كـ عاصفة أحرقت جسدها بـ حرارة كلماتهِ


-يبقى هكسر أي حاجة تمنع طُرقنا تتلاقى و لو مفيش طُرق، يبقى هخلق طُرق جديدة و هجبرها تتلاقى يا كيان… 


تمسكت بـ حاجز الشُرفة و تعالت أنفاسها ليُكمل وهو يُشير إليها 


-أنتِ ليا لوحدي، أنتِ كُنتِ ملكي زمان و مش ناوي أتخلى عنك، مش هتخلي عن جُزء مني… 


إرتعشت و سارت رجفة بـ جسدها لحديثهِ ثم قالت بـ صوتٍ مُرتعش


-كفاية، أرجوك كفاية أنت عارف إنه مُستحيل نرجع زي ما كُنا… 


هدر بـ صوتٍ قوي خشت أن يسمعه جميع من في الحي فـ نظرت حولها تتأكد من خلو الشارع و الشُرف من أهل الحي


-لأ أنتِ اللي كفاية يا كيان، أنتِ عارفة كويس أوي إني مش هستسلم عنك 

-صرخت هي بـ صوتٍ خفيض:لأ إستسلم و ريحني، إستسلم و خلاص

-صرخ هو بـ المُقابل:و ليه المفروض أستسلم! ليه عايزاني أستسلم!... 


أردفت بعدما تجمدت ملامحها بـ نبرةٍ ناحرة تعلم أنها ستقتله بما ستقول و لكنها تُريده أن يستسلم هي و قُتيبة لا حاضر و لا مُستقبل لهما معًا


-أنت قتلت أبوك قُدام عيني، يبقى إزاي عايزني أثق فـ  قاتل؟…

#الفصل_السابع 

#أغلال_لعنتهُ


من هنا بدأت الأحداث الجديدة 


وهل الخيانة و الهروب من لغة القلوب؟! 


ظلت تُحدق بـ شاشة حاسوبها الشخصي حتى بعد إنتهاء المقطع التصويري و إظلام الشاشة تماماً 


مصدومة! أجل وكيف لا وهي تجد الدليل القاطع على جريمة السرقة، إما أن ترضخ له أو تقضي فترة عقوبة لا تعلم متى ستنتهي 


تنهدت بـ ذُعر مع عنين مُتسعتين ثم إرتمت إلى الفراش خلفها مُحدقة بـ سقف غُرفتها و همست بـ حيرة 


-هعمل إيه دلوقتي؟ أنت ناوي على إيه يا مُتحرش أنت!… 


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


-يلا يا كِنانة بسرعة، أهم شريك ليا هيجي النهاردة… 


صرت كِنانة على أسنانها ثم بـ إبتسامة مُتكلفة


-و هو مفيش حد غيري يعمل الحاجات دي!... 


إقترب هيثم منها ثم وضع يديه على كتفها فـ إنتفصت مُبتعدة إلا أنه أردف دون أن يلتفت لغضبها


-أنتِ أكتر واحدة مُتميزة و شاطرة عندي 

-لأ أنت كدا بتستغلني

-ضحك هيثم وقال:إستحملي يا كِنانة دا شُغلك، ماذا وإلا… 


ترك عبارته مُعلقة فـ ضيقت عيناها بـ نفاذ صبر ثم هتفت وهي ترحل بـ خطوات غاضبة 


-دلوع بابي معقول!!… 


دلفت كِنانة إلى غُرفة الإجتماعات و هي تتبرم قاطنة على رئيسها ليهتف هيثم بـ تحذير


-سمعتك يا كِنانة، سمعتك و بطلي تشتميني، أنتِ بتشتغلي عندي ولا ناسية!… 


أشارت له بـ يدها ثم همست بـ إستنكار


-كدا المفروض أنت اللي تشتغل عندي، لأ و كمان بعمل الشُغل من غير مُساعدة دكتاتوري ظالم... 


جلست فوق المقعد المُخصص لها بـ إرهاق كبير، بعد أن أوكل لها رئيس عملها المُدلل مُهمة إعداد قاعة الإجتماعات دون مُساعدة ها هي تُنهيها أخيرًا 


القاعة فارغة تمامًا فـ قد أنهت الإعداد في وقتٍ قياسي، لذلك إبتسمت بـ فخر ثم أرجعت رأسها إلى الخلف وتأرجحت قليلًا


همست كِنانة لنفسها وهي تنظر من أسفل جفنيها إلى زُجاجة المياه الموضوعة أمامها


-أنا عطشانة من زمان و بسبب الشُغل نسيت أشرب… 


إعتدلت بـ جلستها ثم إلتقطت الزُجاجة ورفعتها إلى فمها، وما أن رفعت رأسها لتشرب حتى علقت المياه بـ حنجرتها ومنها تسللت إلى القصبة الهوائية وهي ترى ذلك الوجه الرجولي يتكئ بـ مرفقيهِ إلى ظهر المقعد ويُحدق بها من علو بـ إبتسامة لعوبة


سعلت كِنانة الماء باصقة إياها كما خرجت الماء من أنفها، إحمر وجهها وهي تستمر بـ السُعال حتى طفرت العبرات من عينيها


أما هو سريعًا مد يده إلى عبوة المناديل الورقية وإلتقط بضعةً منها يمسح أنفها وقال بـ قلق


-أنا كان قصدي أفاجئك، مش أقتلك، أنا آسف … 


أمسكت كِنانة يده وهدرت بـ سُعال


-أنت بتعمل إيه بالله عليك؟ في المواقف اللي زي دي المفروض تمسح دموعي مش مناخيري، كدا اسمه قرف… 


هدأ قلقه وهو يرى لسانها لا يكف عن إطلاق السهام، لديها القُدرة على الهجوم حتى وإن كانت بـ حالٍ مزرية كما هي الآن، ليُجيب ضاحكًا وهو يضع يديه بـ جيبي بِنطاله جملي اللون


-بتقرأي روايات رومانسية كتير و كدا هتتجنني، غلط عليكِ

-زمت شفتيها بـ إمتعاض:ملكش دعوة بـ إيه اللي هيجنني، ملكش دعوة… 


نهضت كِنانة وأكملت مسح وجهها ثم تساءلت وهي تُحدق به بـ إزدراء 


-بتعمل إيه هنا فـ الشركة!! بتراقبني! ولا ناوي تفضحني فـ مكان شُغلي!... 


لم يرد وقاص بل ظل صامتًا يُحدق في تفاصيلها التي لم يُساعده ظلام المكتب تلك الليلة في التشرب منه، ولكنه إكتفى بـ ذلك التلامس الجسدي والذي لم يقصده أبدًا ولكنه أسعده تمامًا


أما الآن فـ ملامحها الشقية تظهر أمامه بـ وضوح يجعلها شهية فـ أعين رجل لم تأسره أُنثى هكذا من قبل، سنواته التي قاربت على مُنتصف الثلاثين بـ سنتين لم يرَ خلالها فتاة آثرة كـ تلك، حقًا هو مُلتزم ولكن كِنانة بها من السحر ما يجعله يُبدي أفعال لا تتناسب مع شخصيته 


إتسعت إبتسامته وهو يرى عيناها تضيق بـ شر ثم سألته بـ حنق


-بـتفكر فـ إيه؟ و لا مفيش داعي أسأل أكيد بتفكر فـ أول مُقابل لينا يا مُتحرش 

-مط شفتيه ورد بـ بساطة:هو مش المُقابلة كلها بس لو هتقولي عليا مُتحرش فـ نفتكر أول لحظة فيه بس، و أكتر لحظة حرجة و مُهمة تليق على لفظ مُتحرش… 


مال وقاص إليها بـ جزعهِ العلوي فـ لم تستطع التراجع بسبب الطاولة خلفها ليهمس هو بـ مكر قُرب وجهها


-يا حرامية صاحبة الأخلاق الحميدة و النوايا السليمة 

-دفعته صارخة بـ إنفعال:أنت مين قولي؟! بتطاردني ليه! ثم إن الفلوس تُخص مُديرك مش تخصك أنت  

-رفع كتفاه وقال:فـ الواقع هي فلوسي أنا مش فلوس مُديري لأن أصلًا مليش مُدير، و أحب أعرفك بـ نفسي… 


وضع يده على صدرهِ ثم أردف بـ نبرةٍ ماكرة ونظرة مُتسلية


-اسمي وقاص مُحي الدين، صاحب الشركة و صاحب الفلوس اللي سرقتيها… 


أسقطت يداها و فغرت فمها بـ ذهول جعل الدماء تفر من وجهها لتتراجع بـ صدمة قائلة


-أنت كذاب، أنت بتكدب عليا… 


إقترب وقاص منها ثم أخرج بطاقته الشخصية و هتف بـ تسلية 


-دي بطاقتي الشخصية، إتأكدي بـ نفسك لو حابة… 


إنتشلت من بين يديه البطاقة و قرأت اسمه و جميع البيانات لتضرب وجهها قائلة بـ فزع


-ياربي، لأ قول إنك بتهزر! 

-أخذ بطاقته وأردف:معنديش وقت للهزار يا آنسة حرامية… 


إبتلعت ريقها الذي جف من الأساس ثم تساءلت بـ إهتزاز


-عـ عاوز إيه!… 


صمت وقاص ثم إقترب منها حتى حاوطها من الأمام و المنضدة من الخلف، يضع يديه حولها متكأ إلى زجاج الطاولة و إدّعى التفكير هامسًا بـ تسلية


-يا ترى هعوز إيه من حرامية مُغفلة زيك! 

-أجابت بـ حدة مُرتعبة:بطّل تقول عليا كدا و إنجز قول عايز إيه مني؟!... 


حدق وقاص بـ ملامحها الشهية و بدأ يفقد سيطرته تدريجيًا إلا أنه تمالك نفسه و قال بـ إتزان يُحسد عليه 


-أوكيه بما إنك مُصممة فـ هفهمك، هتشتغلي عندي لحد أما تسددي دينك

-صاحت بـ إنفعال:نعم؟ بتقول إيه؟… 


وضع إصبعه على شفتيها يمنعها من الإنفعال ثم همس بـ مكر


-اللي سمعتيه، و بعدين وطي صوتك، أنتِ مش عايزة حد يعرف هنا إنك حرامية ولا إيه!!... 


ضربت يده فـ قهقه وقاص و صمت بينما هتفت هي من بين أسنانها


-بطّل تضغط عليا بـ كلامك دا، و بعدين مش هقدر أسيب شُغلي، المُدير مش هيسمحلي أصلًا… 


إبتعد عنها ثم وضع يديه في جيبي بِنطاله و قال بـ نبرةٍ واثقة


-سيبي الموضوع دا عليا… 


كادت أن تعترض ولكنه أوقف حديثها و أكمل مُخرجًا مظروف صغير 


-قبل ما تعترضي، إتفرجي على الفيديو دا فـ البيت و قرري بعدين بلغيني قرارك… 


تركها و سحب مقعد ليجلس عليه ثم هتف وهو يتأرجح بـ مقعدهِ


-و دلوقتي نادي لهيثم مُديرك نبدأ الميتنج… 


"عودة إلى الوقت الحالي" 


-همست بـ قلة حيلة:يعني يا أوافق يا هيرميني فـ السجن، معتش فيه نخوة… 


********************


-تمام يا ماما، كونوا بخير بس و أنا مش عايزة أكتر من كدا… 


إنتظرت حوراء قليلًا تستمع لحديث والدتها ثم هتفت وهي تضحك


-متقلقيش مش بعمل مشاكل خاالص، أنا عايشة معاهم نسمة محدش حاسس بيا 

-ضحكت والدتها وقالت:حاسة إنك بتكدبِ… 


عاودت والدتها الحديث بصرامة حنونة قبل أن تتحدث حوراء 


-متنسيش دواكِ يا حوراء، عايزة أبقى مطمنة

-إبتسمت حوراء و ردت:متقلقيش يا ماما، في. حد كدا مش بيخليني أنسى أبدًا 

-قطبت والدتها جبينها وسألت:مين؟ كيان؟… 


حمحمت حوراء و هي تتذكر تلك الرسائل التي تُرسل من رقم قُتيبة المُسجل يُذكرها بـ دواءها كل نصف ساعة فـ أخبرته أنها تأخده مرتين فقط قبل تناول وجباتها ولكنه لم يتوقف أبدًا.. يتصرف كما لو أنه والدها و هي تسمح له عله يعوضها عن إبتعادهم عنها 


إستفاقت حوراء على صوت والدها لترد هي بـ صوتٍ متوتر 


-جد كيان،حبيبتي مش عايزاكِ تقلقي نفسك خالص، هنا كُلهم واخدين بالهم مني كويس أوي، خصوصًا كيان… 


دار حديث طفيف بينما حتى أغلقت حوراء و قررت الوقوف قليلًا بـ الشُرفة


وضعت فوق كتفيها كنزة صوفية خفيفة و خرجت من غُرفتها و بـ طريقها تذكرت حديث نوح وأنها ذهبت للإعتذار، فـ تفاجئت براحبة صدرهم و أنهم لا يُحِملونها أي ذنب


خرجت إلى الشُرفة و حدقت بـ السكون حولها حتى وقعت عيناها على قُتيبة الذي يقف أسفل شُرفة كيان، ينظر إلى أعلى و من طريقة وقوفه يبدو وكأنه يتحفز للإنقضاض على فريسة 


وضعت يدها على شفتيها تمنع شهقة قد تخرج و يستفيق على إثرها عُميّر والذي تقع غُرفته قريبًا من الشُرفة 


بحثت حوراء عن هاتفها ولكنها تذكرت أنها تركته بـ الغُرفة، لذلك توجهت إلى غُرفة كيان تطلب منها أن تجعل قُتيبة يرحل إلا أنها وهي تستدير وجدت عُميّر خلفها يسألها بـ إبتسامة 


-بتعملي إيه فـ الوقت المتأخر دا؟ الجو بارد… 


وقفت حوراء أمامه كـ الصنم عيناها مُتسعتان من الصدمة و تسارعت نبضات قلبها، من طارف عيناها نظرت إلى حيث يقف قُتيبة فـ وجدته لا يزال كما هو بل و صوته قد بدأ يصلها


شهقت فـ رفع عُميّر حاجبه و تساءل بـ حيرة 


-إيه في إيه مالك؟… 


تلعثمت بـ البداية إلا أنها أحاطت نفسها وهتفت بـ توتر قد بلغ منها مبلغه 


-حسيت بـ البرد دلوقتي، ممكن ندخل!… 


خطوة واحدة و عُميّر سيرى قُتيبة و قبل أن يقترب دفعت حوراء بـ نفسها عليه ليختل توازنه فـ سقط وهي فوقه


تأوه عُميّر بـ خفوت بينما حوراء كانت مُتجمدة من الصدمة، فعلتها و إرتماءها فوقه و يده المُلتفة حول خصرها بـ عفوية جعلت منها لوحة مُلهمة لتعابير الصدمة المُرتسمة بـ أبهى طلةٍ لها


و عُميّر يضع يده الأُخرى على جبينه يُدلكه ثم بعدها نظر إلى حوراء، لأول مرة يراها بـ هذا القُرب، بشرتها البيضاء الصافية و جسدها الذي يُلامس جسدها بـ أكملهِ عليه  و خُصلاتهِا الكستنائية المموجة شيئًا آخر


إنها طفلة صغيرة مُقارنة بـ إيزيل، لا تمتلك المقومات التي تجعلها مُغرية كما طليقته ولكن بها ما يجذب أي أحد إليها، إنها و فقط بسكويتة هشة و شهية 


-أنت كويس؟… 


أجفل من شرودهِ على سؤالها المُتهز كما حدقتيها الكبيرتين تمامًا والذي ميز لونها، قهوة وكأنها مُمتزجة بـ الشيكولاه الذائبة فـ أنتج ذلك المزيج المُهلك


أجلى عُمير حلقه ثم أجاب وهو يُبعد نظراته العابثة بـ الفطرة عنها


-أه كويس، أنتِ كويسة؟ 

-أجابت بـ خفوت:أنا اللي وقعت فوقك فوقك… 


ضحك عُميّر و عاود النظر إليها ثم هتف بـ مكر وهو يضع يده أسفل رأسهِ


-و بـ مُناسبة إنك أنتِ اللي وقعتِ فوقي، مش المفروض تقومِ عشان المنظر كدا مش لطيف أبدًا… 


توردت وجنتيها بـ خجل و إرتفعت نبضاتها الهادرة قبل أن تُجيب بـ تلعثم 


-بس أنا، مش مـ مش عارفة أقوم

-سأل بـ غرابة:نعم؟؟… 


توًا إنتبه ليدهِ التي حاولت حوراء إبعادها عن خصرها فـ أبعد يده بـ ذهول عنها لتنهض هي سريعًا مُبتعدة عنه قدر المستطاع.. وكذلك هو نهض يحك عنقه من الخلف و تمتم بـ صوتٍ هادئ 


-آسف

-تلاعبت أصابها بـ خجل وهي تُجيب:محصلش حاجة… 


أومأ وهي عدلت ثيابها ثم أردف بـ إبتسامة عله يُزيل ذلك التوتر 


-إيه رأيك. تشربِ معايا كوباية الأعشاب؟ 

-إبتسمت بـ خجل و قالت:بس أنت اللي هتحضره

-إتفقنا… 


أشار بـ يدهِ كي تتقدمه فـ تقدمت بـ خطواتٍ متوترة و هو خلفها يُحدق بها بـ ذهول مُبتسم ثم هتف بـ صوتٍ خفيض


-مش معقول، دي بتشتتك يا عُميّر؟!… 


********************


ساد الصمت بينهما عدا صوت أنفاسها المُتسارعة، يدها مُنقبضة على الهاتف تأبى تركها وعيناها وكأنها تحت سيطرة نظراته الحارقة فلا تجد القُدرة على إشاحتهما بعيدًا عنه 


كاد الصمت أن يقتلها خوفًا لا منه بل عليه و هي تضربه بـ قسوة، بـ سوطٍ من الذكريات القاتلة لتهمس بعدها بـ صوتٍ ميت 


-إمشي يا قُتيبة، معنديش طاقة للجدال أو للخناق معاك… 


لم يرد و لم يُشح بـ نظراتهِ عنها بل صمت و ظل يُحدق بها بـ نظراتهِ المُظلمة لتزدرد ريقها بـ صعوبة بالغة و هي تستمع لنبضات قلبها المُتزايدة وكأنها تعدو بـ سباق 


إنتفضت كيان على صوت قُتيبة والذي كان جامدًا كـ جمود الصخر، صلب كـ صلابة الحديد ولكنها تعلم أن ذلك الجمود و الصلابة يُخفيان غضب و خوف


-أنتِ حقيرة… 


إتسعت عيناها بـ صدمة و أجفلت لتلك الإهانة والتي لأول مرة ينعتها بـ ذلك همت تتحدث بـ صوتٍ متوتر من الغضب


-إخرس، أنت اللي هـ آآآ

-هدر قُتيبة بـ حدة:إخرسي، إخرسي خالص متخلنيش أقول حاجة أندم عليها... 


قبض قُتيبة على هاتفهِ يُخفف غضبه حتى لا يخرج عليها و حينها حقًا سيندم لأنه بـ بساطة سيخسرها، فـ أكمل هاتفًا بـ صوتٍ أكثر قسوة من الصخر


-لأول مرة تخليني أندم على اليوم دا، لأول مرة تخليني أندم إني كُنت هناك عشانك، و لأول مرة يا كيان أحس إني عايز أكرهك… 


تمسكت بـ حاجز الشُرفة بـ قوة ناشبة أظافرها بها فـ أكمل قُتيبة حديثه بـ جمود قاتل 


-مكنتيش بـ القسوة و الجحود دا، ليه مُصرة توجعيني! 

-همست بـ إهتزاز:أنت قتلت أبوك بسببي… 


أجفلت كيان على صوت ضحكته المُرعبة و أقربها إلى السُخرية.. وهذا ما يجعلها مُرعبة.. إنتظرته حتى هدأ ثم إستمعت لحديثهِ


-يبقى دا وهم لازم تفوقي منه… 


تجمدت مكانها وهي تفغر فاها بـ صدمة ثم همست بـ عدم تصديق 


-قصدك إيه؟ 

-وصلها صوته هادئ:اللي سمعته، مكنتيش غير آخر قشة قضمت ضهري فـ خلتني أتحرك يا كياني… 


الآن تعلم ما معنى التناقض، جزء منها يشعر بـ الراحة لأنها لم تكن سبب رئيسي في موت والده و جزء آخر يشعر بـ الإحباط لعدم كونها بـ هذه الأهمية بـ النسبةِ له فلم يقتل والده لأجلها


عاود قُتيبة الضحك ثم هتف بـ سُخرية مقيتة


-إيه خير! ليه حاسة بـ الإحباط؟ يمكن عشان فكرتِ إني قتلته من الأول بسببك بس!!… 


قهقه بـ سوداوية و أردف مُكملًا بـ نبرةٍ سوادء


-أنتِ فاكرة إني بقتل لأي سبب! و لا قتلت لأني حابب أقتل! هي دي فكرتك عني! مجرد حيوان بقتل عشان مجنون! 


تداركت كيان نفسها لقد ساقها خيالها إلى ما هو أبعد من حد المعقول، فـ إعتدلت ثم قالت بـ صلابة وهي تتجه إلى الداخل 


-إمشي يا قُتيبة، معتش فيه حاجة أسمعها… 


توقفت ثم إستدارت وعادت إلى الشُرفة لتردف وهي تضع عيناها عليه وتدعو الله بـ داخلها ألا تخذلها قوتها


-أنت شيلت ذنب كبير عن كتفي، ذنب كان بيقتلني كُل يوم بس دا خلاص إنتهى هنا، و دا الحاجة الوحيدة اللي هشكرك عليها و بس… 


أغلقت الهاتف و رمقته بـ نظرةٍ أخيرة قبل أن تدلف مُغلقة الشُرفة خلفها ثم إرتمت على الفراش تبكي بـ قوة 


بينما بـ الأسفل حدق قُتيبة بـ الهاتف بـ نظرات ساخطة، سوداء و هو يستعيد جُزء من الماضي بـ عقلهِ


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


بعد عودته إلى الحي بحث بـ عينيه عنها بـ المكان الذي إعتادا اللقاء به ولكنه لم يجدها، فـ ركل الحصى بـ غضب و همس بـ صوتٍ ساخط 


-بتضحكِ عليا يا كيان! بتخلفي معادنا! تمام. متلوميش غير نفسك بقى… 


مر أمامه طفل يعرفه جيدًا فـ أوقفه و تساءل


-أنت شوفت كيان يا مُعاذ؟ 

-أجاب مُعاذ وهو يُشير إلى البعيد:أيوة شوفتها، كانت مع عمو شاهين ركبت عربيته معاه و طلعوا برة المنطقة بس معرفش راحوا فين… 


قطب قُتيبة جبينه قبل أن تتسع عيناه بـ هلع ليترك الطفل و يركض سريعًا لقد وقعت بـ يد والده الذي حذره مُسبقًا بـ الإبتعاد عنها قبل أن يُبعدها عنه قسرًا، تُرى هل نَفذَ تهديده! 


ركض وهو يعرف وجهته جيدًا دون أن يتوقف حتى تخدرتا ساقيه إلا أنه لم يتوقف، كان يلهث بـ صوتٍ عال جعل المارين ينظرون إليه بتعجب حتى وصل إلى البناية التي بها أحد الشقق الخاصة بـ ملكية والده


صعد الدرج كل درجتين معًا حتى وصل إلى الشقة، لم ينتظر إخراج المفتاح بل دفع الباب بـ كتفهِ عدة مرات حتى كُسر ثم هدر بـ صوتٍ قوي


-كيااااان!!... 


سمع صُراخها يأتي من أحد الغُرف و كأنها بين فكي أسد 


-حد يساعدني… 


كانت عروقه نافرة بـ درجة مُرعبة وعيناه بها جحيم أسود مُستعر فـ ركض ولكنه توقف حينما صادف سكين 


لم يُفكر مرتبن بل إلتقط السكين و ركض يدفع باب الغُرف بـ ساقهِ و ليته لم يرَ ما رآه 


"عودة إلى الوقت الحالي" 


عاد من ذاكرته على صوت هاتفه يفيد بـ وصول رسالة على أحد التطبيقات الخاصة بـ المُراسلة ليجدها حوراء تقول بها بـ وضوح


"إمشي من هنا يا قُتيبة، عُميّر لو شافك. مش هيسيبك غير و هو قاتلك يا قُتيبة" 


إبتسم قُتيبة رُغمًا عنه ثم بعث هو الآخر بـ رسالتهِ المُعتادة 


" متنسيش الدوا يا بسكوتة" 


وضع قُتيبة الهاتف بـ جيب بِنطاله ثم نظر إلى شُرفتها مُجددًا ليهمس بـ إنفعال 


-ياريتك مرجعتيش يا كيان، ياريتك ما رجعتِ و ألاقي كُل الكُره و القرف منك دا من نصيبي… 


ركل حصى صغير ثم تابع طريقه و بـ داخلهِ يهمس 


-أنا مش عايز أكرهك… 


********************


-سايب شُغلك و بتتفرج على إيه؟… 


سأل نوح صديقه وهو يضع كوب فارغ على الطاولة الخاصة بـ موظفين المقهى والذي بدى وكأنه مُهتم بـ شئٍ بالغ الخطورة 


لم يرد عليه صديقه ليعود و يسأله نوح ملوحًا بـ يدهِ أمام وجههِ عله يلفت أنظاره إليه 


-يا بني آدم أنا بكلمك

-زفر الآخر بـ غيظٍ وقال:بس أسكت يا نوح، خليني أشوف إيه اللي هيحصل… 


تساءل نوح وهو ينظر في إتجاه نظر صديقه لعله يرى ما الشئ المُهم الذي يسترعى إنتباهه لهذه الدرجة 


-و هو إيه اللي بيحصل؟… 


توقفت أنظاره عند تلك الطاولة، مشهد مُعتاد بين شابٍ و فتاة يجلسان بـ كُل رُقي وحتى الشجار المُعتاد راقي جدًا حتى كاد يشك أنه شجار من الأساس، الفتاة تجلس تُعطيه ظهرها وكأنها تأبى أن يراها أحد الآن بـ إنها تبكي


ذم نوح شفتيه وقال بـ سُخرية و لا تزال أنظاره عالقة بـ تلك الطاولة 


-بلاش اللي بتعمله دا، كدا اسمه شُغل بنات و بعدين دي مش أول مرة تحصل 

-هتف صديقه بـ إمتعاض:طالما مش مُتهم روح شوف شُغلك و سيبني أنا أكمل فُرجة… 


حرك نوح رأسه بـ يأس ثم هَمّ بـ الرحيل إلا أن صوت أنثوي أستوقفه ليستدير فـ يجد أنها تلك الفتاة بـ الطاولة المُراقبة من قِبل صديقه 


إتسعت عيناه بـ دهشة وهو يرى فتاة بـ الكاد تمت الواحد و العشرين من العُمر، بيضاء البشرة، و سمراء العينين بـ شكل مُبهر وكأنك تُحدق بـ السماء ليلًا تملأها النجوم اللامعة، حاجبان معقودان بـ أناقة و بـ نبرةٍ تفيض قوة و رقة بـ الوقت ذاته


-جرسون، بعد إذنك… 


إقترب نوح بـ سكونٍ تام ثم رسم إبتسامة مُهذبة على شفتيهِ وأردف 


-إتفضلي يا هانم، تؤمري بـ إيه؟… 


رفعت الفتاة فنجان قهوتها إلى نوح فـ إلتقطه منها ثم قالت 


-فنجان قهوتي برد، ينفع تبدله بـ واحد تاني سُخن؟ 

-أكيد طبعًا يا فندم، لحظة بس

-إبتسمت الفتاة وقالت:لو سمحت متتأخرش… 


أومأ نوح ثم سُرعان ما إنسحب و بدأ في إعادة تحضير فنجان القهوة، ضربه صديقه بـ كتفهِ و هتف بـ خُبث 


-جميلة مش كدا! ياريت كُنت أنا، حظك فـ رجلك مع البنات كُل واحدة أجمل من التانية… 


لم يرد نوح وآثر الصمت ليتأفف الآخر ثم قال بـ ضيق 


-يا صاحبي إتعلم الهزار شوية، متبقاش قفل كدا تمام!! 

-و دا لأني غريب فـ بلد مش بلدي و مش سهل ألاقي شُغل، عشان كدا حاول تتعلم تفصل ما بين الشُغل و الهزار يا صاحبي…  


إلتقط نوح فنجان القهوة ثم عاد إلى الطاولة ولكن قبل أن يقترب سمع صوت الرجل يهتف بـ صوتٍ عال و نبرةٍ وقحة


-أنتِ عارفة أصلًا أنا وافقت أخطب واحدة زيك ليه! بس عشان جميلة لا أكتر و لا أقل و بالمرة أستمتع شوية…  


تردد نوح في التقدم لذلك وقف قليلًا من الوقت عل ذلك الوقح يتوقف عن إهانة خطيبته إلا أنه لم يتوقف بل قال بـ فظاظة


-أنتِ متعرفيش خاتم خطوبتك كلفني أد إيه، على الرغم إنك. متستحقيهوش…  


رفعت الفتاة حاجبها صامتة دون أن تتحدث فـ أكمل بـ برود 


-و بعدين مين أنتِ عشان تحاسبيني سواء خُنتك أو لأ! أنتِ فاكرة إن ليكِ الحق أصلًا تدخلي! أنتِ مجرد واحدة مقبلش بيها حد فـ شفقت عليها و خطبتها… 


إمتعضت ملامح نوح بـ إشمئزاز و تقزز من تلك الشخصية وكيف يُمكن لفتاة أن تتحمل كُل تلك الإهانة في سبيل الحُب؟ إن كانت هي ستتحمل فـ إنه لن يفعل لذلك تقدم و كان على وشك الرد إلا أن الفتاة أخذت فنجان القهوة و قالت بـ هدوء لا يتناسب مع ما يحدث 


-شكرًا… 


قربت الفنجان من فمها تتحسس حرارته فـ إبتسمت ثم رفعت أنظارها إلى الذي يجلس أمامها وسألت بـ برود صقيعي 


-خلاص كدا خلصت كلامك؟ 

-أجاب بـ نزق:أيوة… 


أومأت بـ رأسها ثم دون أي مُقدمات سكبت محتوى الفنجان بـ وجههِ ليصرخ بسبب الحرارة ناهضًا بـ فزع، أما نوح تراجع بـ دهشة أصابته كما أصابت جميع من بـ المقهى 


وهى، إلتقطت حقيبتها الأنيقة و وضعتها فوق كتفها ثم هدرت بـ صوتٍ على الرغم من هدوءهِ إلا أنه جعل القُشعريرة تُصيبه و تُصيب نوح


-أنا مين؟ هتعرف لما نتقابل المرة الجاية فـ المحكمة، بـ النسبة للخاتم!!...  


نزعته من إصبعها ثم ألقت به بـ سلة المُهملات بـ دون أن يرف لها جفن و قالت بـ سُخرية 


-بنصحك تبيعه عشان تعرف تعيش بعد كدا و أنت عارف ليه، و من اللحظة دي متفكرش إنك بتمن عليا بـ خطوبتك بيا فـ أنا خلاص معتش بحبك يا حيوان، مكنتش أول مرة خيانة و لا هتكون الأخيرة و بصراحة مليت… 


ثم رحلت و صوت حذاءها يضرب الأرض بـ أنوثة فتاكة و بـ قوة مُخيفة لأُنثى قررت الإنتفاضة


ملامح وجه نوح كانت تشي بـ سعادة كبيرة وهو يرى تلك. الصفعات التي نالها أثجلت قلبه قبل قلبها


إلتفت على صوت الرجل و هو يركض وراء الفتاة و يُناديها 


-ايفا!!..ايفا إستني هنا متمشيش، أنا لسه مخلصتش كلامي… 


اسم غريب، أتى صوت صديقه من خلفهِ وهو يحتضن نوح ثم قال بـ مُشاكسة


-واو عجبتني بصراحة، مفكرتش إنها مُمكن تعمل كدا، اسمها غريب ممكن متكنش مصرية! 

- و أنت مالك يا أخي؟ 

-رفع صديقه كتفاه وقال:لا مفيش حاجة، بس اسمها مش مصري و مش لايق على حجابها… 

ايفا!! إنها حواء

#الفصل_الثامن 

#أغلال_لعنتهُ 


قضيت الكثير من وقتي، بل وقتي كله في مُحاولة ترميمها 

و لكنها هي من هدمتني… 


وضع الأوراق فوق المكتب بعدما إنتهى من قراءتها ثم وقعها هاتفًا 


-وصليهم لمستر وقاص، خليه يبص عليهم بصة أخيرة و تعالي تاني… 


أومأت الفتاة ثم رحلت بـ هدوء ليضع عُبيدة يده خلف رأسه و تراجع مُتأوهًا يتأرجح بـ مقعدهِ


مُذ أن تسلم منصبه الجديد و بدأ العمل يتزايد و يتراكم بـ طريقة مُخيفة.. ليبتسم وهو ينظر إلى أنحاء مكتبه الواسع


-هو دا اللي كُنت عاوز أوصله! طلعت غلطان كُل ما بتترقى كُل ما الشغل يزيد على دماغك… 


سمع طرقات ليعتدل بـ جلستهِ ثم حمحم يُجلي حنجرته قائلًا 


-إتفضل… 


دلفت المُساعدة الشخصية ثم وقفت بـ تهذيب و هتفت 


-الآنسة ايفا هنا يا مستر عُبيدة 

-قطب جبينه و تساءل:إيه اللي جابها هنا؟… 


أشار إلى المُساعدة و هتف بـ صرامة 


-دخليها بسرعة… 


خرجت المُساعدة لثوان ثم أتت ايفا لينهض عُبيدة بـ قلق مُمسكًا بـ ذراعيها هاتفًا 


-حصلك حاجة أنتِ أو ماما؟ 

-حركت رأسها نافية:متقلقش محدش فينا حصله حاجة، إحنا كويسين 

-أومال مالك؟ وشك عامل كدا ليه؟!... 


إبتعدت ايفا عن مرمى ذراعيه ثم توجهت إلى الأريكة تجلس عليها و هو تبعها صامتًا ثم هتفت بـ نبرةٍ مُهتزة على الرغم من طاقتها المُضنية ليخرج صوتها عاديًا، غيرُ مُتأثرًا بما حدث


-أنا إنفصلت عنه

-قطب عُبيدة جبينه و سأل بـ عدم تركيز:عن مين! 

-شدت قبضتها و قالت:هيكون مين! خطيبي… 


ثانية مرا قبل أن تنحل تقطيبة عُبيدة و يحلُ محلها إبتسامة واسعة مع إنفراج أساريره التي أنبأتها مدى سعادته ليقول مُهللًا


-ألف مبروك والله، يا حبيبي ألف مبروك، ربنا نجاكِ منه… 


وجد أن عينيها تلمع أنذرته بـ بُكاء سيحدث فـ صمت و إنتظرها تنفجر و لكن لا شئ، كانت صامتة تبكي في صمت مُنتظرة أن يلومها شقيقها على إختيارها الذي لطالما أبدى رفضه الصريح له، إلا أن عُبيدة خيب آمالها حينما هتف بـ هدوء رزين غرضه مُؤازرة شقيقته


-زعلانة ليه يا ايفا! يا حبيبتي راح قرد يجي غزال، و بصراحة اللي راح كان قرد قرد، كان عاجبك فيه إيه! 

-رفعت رأسها إليه سريعًا ثم سألته بـ ذهول باكي:مش هتلومني! مش هتقولي دا نتيجة إختيارك!... 


إبتسم عُبيدة إبتسامة خفيفة تملؤها عطف كبير، ليضع يده على كتفها جاذبً إياها إليه ثم هتف بـ صوتٍ خفيض مُحبب النبرة 


-مقدرش ألوم بنت ماشية ورا قلبها، كُنتِ صريحة معايا و مرتضيش تُقعي فـ الغلط فـ جيتيلي و إختارتِ إنك متمشيش فـ الغلط و جه يتقدم، رغم رفضي الصريح ليه بس مقدرتش أزعلك… 


تنهد بـ صوتٍ لم يصلها و هو يتذكر ما أن رآه، شاب طائش غير جدي بالمرة، يعلم أن شقيقته ستُعاني منه و لكن كُلما نظر إليها وجد عينيها تتلألأ فـ خشى كسرها و الأخطر أن يتركها لذلك الشاب، فـ إتخذ قراره أنه سيُراقبه و يتصيد له الأخطاء و لن يدع ايفا له أبدًا، و سيتركها تعلم من هو الذي. أمامها


بعد مُدة أردف مُكملًا


-و رغم كدا مكنتش هسيبك تتجوزيه نهائي، هو كان طمعان يا ايفا و أنتِ قلبك عماكِ عن الحقيقة دي، بس أبوكِ الله يرحمه وصاني عليكِ فـ واجبي أدعمك فـ كُل خطوة و أحميكِ حتى لو دا عكس رغبتي، بس عُمري ما كُنت هسيبك ليه أبدًا و لا هزعلك… 


أمسك ذقنها و رفع رأسها إليه ماسحًا عبراتها ثم أكمل مُبتسمًا


-و كويس إنها جت منك أنتِ، أنتِ الكسبانة يا حبيبتي أوعي تزعلي عليه

-مسحت وجنتها بـ ظهر يدها و قالت:مش زعلانة عليه ، أنا زعلانة على نفسي، إزاي كُنت غبية و معمية كدا 

-هتف عُبيدة موضحًا:ما قولنا الحُب بيعمي عن العيوب، و أنتِ زيك زي أي ست ماشية بـ فطرة الحُب و المشاعر عكس الراجل… 


تنهدت ايفا صامتة تنظر إلى الأمام، بينما هو في داخله يحمد الله أنها تركته، لقد كان ذلك الحِمل يجثم على قلبهِ، و بعد قليل قال عُبيدة مُداعبًا


-أنا خلصت شُغل، تيجي نعدي على أمك و نروح ناكل بره و نتفسح! بقالنا زمان معملنهاش! 

-قالت ايفا بـ تعب:مش قادرة والله بلاش النهاردة… 


نهض عُبيدة و جذب. يدها قائلًا بـ نبرةٍ مُشاغبة و إبتسامة جميلة تُزين ملامح وجهه التي تُشبه والدهم إلى حدٍ كبير


-محدش قالك إني أنا الكبير و هتسمعي كلامي! يلا بلاش دلع… 


ضحكت ايفا بـ خفوت و أومأت ليجذبها إليه أكثر، و حينما كانا على وشك الخروج، سمعا طرق و بعدها دلوف، تلك العدوة التي يكرهها عُبيدة كثيرًا، تمشي في ثقة و تكبر واضحين يجعلاه يُريد ضرب رأسها بـ الحائط، إلا أنه آثر تمالك أعصابه


حولت إيزيل أنظارها بين عُبيدة و ايفا بـ رفعة حاجب تدل على الإستنكار ثم قالت بـ برود صقيعي


-سوري، مكنتش أعرف إني بقاطع وقت خاص

-رد عليها عُبيدة بـ تهكم مُغيظ:و أديكِ عرفتِ، يلا إتفضلي بعد إذنك

-و لكنها لم تهتز حينما أردفت بٓ نفس برودها:مش جاية حُب تطفل، بس مستر وقاص طلب مني موافقتك أنت على الميزانية دي… 


ثم مدت يدها بـ الأوراق، ليلتقطها هو حادجًا إيزيل بـ نظرات ضيق ثم إلى الأوراق و رفع حاجبه، تلك الأمور لا تستدعي موافقته من الأساس فـ يكفي أن يوافق وقاص عليها، و لكنه يفهم خطته جيدًا، وقاص يُريد إصلاح سوء الفهم بينهما عن طريق تلك الأمور و لكن صديقه لا يعلم أنه يكرهها هي لشخصها و ليس لأنها أخذت منصب كان يستحقه


إلا أنه لم يُظهر ذلك بل ترك ايفا و أخذ القلم و وقع ثم أعطاها الأوراق قائلًا مُتقمصًا برودها 


-كان مُمكن تبعتِ أي حد، مش لازم أنتِ 

-هتفت بـ نبرةٍ عادية:كُنت مع وقاص فـ المكتب و طلب مني كـ مُدير مش كـ حد قريبي… 


تعمدت رفع الألقاب التي كانت تضعها حينما تواقح عُبيدة معها مُستخدمًا "أنتِ" لذلك أرادت ردها بـ هدوء و هو فهم ما ترمي إليه فـ إبتسم و عاود مُحاوطة شقيقته و قال بـ نزق


-بعد إذنك عشان عطلتينا… 


إبتسمت ايفا بـ توتر لتلك الأجواء الباردة التي جعلت جسدها يقشعر و لكن إيزيل لم تُبادلها الإبتسامة فـ أدارت وجهها بعيد تكتم ضحكتها حينما أردف عُبيدة بـ وقاحة 


-متنسيش تقفلي باب المكتب وراكِ و أنتِ خارجة… 


كان يُريد إستفزازها تلك الوقحة و لكن إيزيل كانت هادئة إلى حدٍ، يُثير الغضب، فـ تبعت خروجه دون أن تغلق الباب قائلة و هي تمر جوارهما 


-شُغل أطفال فـ الشركة! مكنتش متوقعة إن وقاص بيختار بيبهات مش ناس ناضجة… 


و عُبيدة لم يرد إلا أنها قد إستفزت ايفا التي كادت أن ترد و لكن شقيقها منعها قائلًا بـ نبرةٍ جامدة 


-سيبك منها، دي عندها مرض غريب اسمه الوقاحة ملوش علاج

-هتفت ايفا:مُستفزة، مستحملها إزاي! 

-إبتسم عُبيدة من زاوية فمه وقال:نفسي طويل… 


الحرب ليست على أشُدها، والمُمتع بها أنها حرب باردة

فـ هو يُجيد الربح فـ تلك المعارك و يبدو الخسارة من نصيبها 


********************


أنهت حوراء من صُنع شطائر خفيفة و إتجهت إلى غُرفة كيان التي رفضت تناول الإفطار بل و رفضت الخروج من غُرفتها و ظن الجميع أنها مريضة، عاداها فـ هي تعلم ما حدث أمس و بـ الطبع الأمر له علاقة وثيقة بـ قدوم قُتيبة أسفل شُرفتها


طرقت الباب و إنتظرت حتى آتى صوت كيان تقول بـ صوتٍ مبحوح يدل على مُدةٍ طويلةٍ قضتها في البُكاء 


-قولت مش جعانة 

-أجابتها حوراء:مش جاية عشان تاكلي، عاوزة أطمن عليكِ

-أتاها صوت كيان:أنا كويسة يا حوراء أمشي… 


تنهدت حوراء و أعادت في رأسها ما أعدته قبلًا لكي لا تُخطئ فـ قالت بـ أول جُملة 


-مش همشي إلا لما تفتحي، يا إما هروح لجدو و أعرفه كُل حاجة… 


كانت حوراء تستعد لرد كيان عليها و تُعِد إجابتها مُسبقًا إلا أنها ذُهلت حينما فتحت الباب و سألتها بـ نفس النبرة المبحوحة و أنفِ أحمر ناهيك عن تورم جفنيها 


-تقوليله على إيه! و بعدين أنتِ قولتِ مش جاية عشان الأكل!... 


دفعتها حوراء بـ مرفقها لتدخل ثم قالت و هي تضع الشطائر فوق الفراش و جلست جوار الطعام 


-الأكل عشاني مش عشانك، و دلوقتي تعالي نتكلم… 


تأففت كيان ثم أغلقت الباب و إقتربت تجلس جوار حوراء، تضم رُكبتيها إلى صدرها، فـ تسائلت حوراء و هي تلتقط شطيرة دون أن تأكل منها 


-قوليلي بقى، قُتيبة كان هنا إمبارح ليه! و إيه اللي حصل خلاكِ تعيطي كدا؟! 

-نظرت إليها كيان مذهولة و سألت:عرفتِ منين!!... 


أكلت من الشطيرة ثم قالت بـ فخر و هي تبتلع ما في فمها 


-شوفتوا تحت أوضتك و أنقذتك من عُميّر 

-نعم!!... 


أومأت حوراء بـ رأسها ثم مدت يدها بـ الشطيرة لكيان التي أخذتها دون وعي و قالت 


-كان معدي صُدفة و أنا واقفة فـ بلكونة الصالة، و أنا اللي منعته يشوفك… 


أومأت كيان هذه المرة ثم قضمت الشطيرة دون وعي أيضًا فـ إبتسمت حوراء التي ضربت كتف الجالسة جوارها و هتفت مُتسائلة 


-ها إيه اللي حصل! 

-تنهدت كيان و قالت بـ شرود:زي كُل مرة، إتخانقنا… 


تنهدت حوراء بـ حُزن كِلاهما يجرحان الآخر و لكنهما لا يستطيعان التخلي عن بعضهما، تستطيع كيان التخلي عنه و تركه نهائيًا و لكنها تأبى تركهُ، إنها تُحبه و بـ شدة و رشاد لم يكن سوى سبيل ضعيف لتوهم نفسها أن قُتيبة قد كان ماضٍ و ولى


تلك الحمقاء لا تعلم أنه ماضيها و حاضرها و مُستقبلها، أو رُبما تعرف و تأبى الإعتراف و في كِلتا الحالتين هُناك ما يمنعها من التقدم نحوه و فضولها! ستستمع إلى نصيحة نوح و لا تسأل فـ إنتظرت كيان لتبوح بما يجيش داخلها 


تركت كيان الشطيرة ثم مالت بـ رأسها و وضعتها فوق رُكبتيها و هتفت بـ نبرةٍ بائسة 


-بس أنا جرحته المرة دي، قولت حاجة مكنش ينفع أقولها 

-سألتها حوراء بـ هدوء:كان قصدك و لا غصب عنك! 

-هبطت عبرة خائنة:مكنش قصدي، كُنت عاوزاه ييئس مني، مش عاوزاه يُحط أمل على وهم… 


ربتت حوراء على ظهرها و صمتت تنتظر كيان لتُكمل و لكنها آثرت البُكاء في صمت لتقول هي 


-و هو فعلًا وهم يا كيان ولا أنتِ بتحاولي تقنعي نفسك! 

-هتفت شاردة بـ حديث أمس:مش عارفة، بس اللي أعرفه… 


رفعت رأسها و مسحت وجهها المُتورم ثم هتفت مُكملة 


-إني بكرهه، بس مش عايزاه يكرهني

-رفعت حوراء حاجبها و قالت بـ إستنكار:بس دي أنانية

-ردت كيان مؤكدة:عارفة، بس مش عارفة أعمل غير كدا… 


حدقت بها حوراء مذهولة و لكنها لم تُعقب بل خطر على بالها سؤالًا كان يجب أن تسأله لها من قبل 


-و أنتِ فعلًا بتكرهيه!... 


و كأن سؤال حوراء صدمها فـ جعلها تفغر فمها و الصدمة ترتسم على وجهها، و سؤالها يطوف داخل ثنايا عقلها، هل تكره قُتيبة حقًا؟ أم تكره ما حدث ذلك اليوم؟ 


تكره أن يكون هو قاتل أبيه، مشاعرها في فوضى تامة تارة تكره نفسها لِمَ أصابه بسببها و تارة تكرهه لأنه لطخ يده بـ الدماء، و تارة لا تكره أحدهما بل تكره الظروف التي وضعتهما في خانة الكُره


أغلقت فمها و لم ترد فقط إكتفت بـ التحديق الفارغ بـ حوراء التي قالت بـ شبه إبتسامة 


-مش محتاجة تجاوبي يا كيان، الإجابة أنتِ عارفاها… 


عاودت وضع رأسها على رُكبتيها و أدارت وجهها بعيدًا عن حوراء و أجابت بـ همسٍ لم يصل حتى إلى أُذنها 


-يمكن… 


مسحت حوراء على ظهرها و وضعت رأسها عليه ثم قالت بـ نبرةٍ هامسة و لكنها جدية 


-بس اللي أعرفه يا كيان إنك متسمحيش لقُتيبة إنه يكرهك… 


لم ترد كيان فـ أكملت حوراء حديثها 


-و لازم تعوضيه على الي قلتيه 

-همست كيان مُتسائلة:تفتكري 

-إبتسمت حوراء:جدًا… 


********************


الخطأ الخامس؟ 


لا رُبما السادس أو السابع لا يدري فـ قد توقف عن العد، و لكن هذا يفوق الحد الذي يتوقعه لذلك ترك آدم ما في يدهِ ثم إتجه إلى حيث قُتيبة و قال بـ هدوء و هو يأخذ ما في يدهِ


-الغلطات دي هتودينا فـ داهية، سيب اللي فـ إيدك و إستريح… 


و لكن قُتيبة لم يمتثل لِمَ يقوله آدم و قبض على الآلة هاتفًا بـ صوتٍ قاتم جعل صديقه يتراجع بـ دهشة 


-متشدش حاجة من إيدي كدا تاني عشان متزعلش… 


تفاجئ آدم من هجومية صديقه فـ قد كان أمس في حالة جيدة، أما اليوم فـ كأن أحدهم قد آذاه بـ شدة، قُتيبة قلما أظهر غضبه و إستياءه على الرغم من أنه سريع الغضب و لكنه كان يستطيع السيطرة عليه 


أما ما يراه الآن فـ ما حدث قد نال منه و بـ شدة لذلك آثر آدم تركه و عاد إلى عملهِ الأول و هو يُراقب قُتيبة عن كثب، و ما توصل إليه أن كيان هي سبب تلك الحالة 


تنهد و بدأ عمله من جديد ثم سأله بغية تغيير الحديث و إبعاد تفكير قُتيبة عما حدث 


-عملت إيه فـ الكلام اللي قالك عليه زميلك فـ السجن دا!... 


تأخر قُتيبة في الرد حتى ظن آدم أنه لن يرد عليه فـ تنهد بـ حرارة و صمت مُكملًا عمله حتى آتاه صوت صديقه بعد مُدة طويلة جعلته ينسى ما سأله من الأساس


-لسه مردتش عليه، يومين و هرد… 


أخذ آدم برهه حتى فهم عمَ يتحدث عنه قُتيبة ثم هتف و هو يتحدث بـ حماسٍ زائفٍ


-كويس، خير يا عم متبقاش تنسانا… 


لم يُجاريه قُتيبة في الحديث بل سبحت أفكاره في ذلك. الوادي الذي يكرهه، أمس و كلمتها له


"قاتل" 


تردد صداها في أُذنيه و كانت كـ وقع سوطٍ عليه، لم يظن أنها ستنطق بما إقترفته يده لأجلها، بل لأجله أولًا ثم لأجلها، لقد سأم و كره حياته و كيف يعيش، والده كان غير سوي النفس، كان كريه قاتم القلب كما كانت ملامحه تمامًا


لم يكن يتحدث معه بل كانت يده هي ما تفعل، لقد عاش طفولةٍ بائسة كره المنزل و كره البقاء فيه، والدته كان يرى به آثار التعنيف كُل يوم و كان ينال هو الآخر نصيبه عند عودته من المدرسة 


حاول والده كثيرًا ليجعله يترك تعلميه و لكنه رفض رفضًا تامًا، فـ كان عقاب والده له أن يعمل و يدر عليه بـ المال عله يزهد و يفشل في تعلميهِ، إلا أن قُتيبة خذله فـ عمل و تعلم و نجح و كان من المُمكن أن يُصبح مُهندسًا ذو شأن إلا أن ذلك اليوم حال بينه و بين مُستقبلٍ باهر كان ينتظره


و المُضحك بـ الأمر أنه لم يندم بل شَعَرَ و كأنه تحرر، و كأنه ذاق الحُرية أخيرًا بعد سنوات من الأذى الجسدي و النفسي، بعد أشياء كثيرة وجد فيه موت والده الخلاص فـ كيف لها أن تنعته بـ القاتل؟ 


لن ينسى ذلك المشهد و هو يقتحم الغُرفة و والده كان يجثم فوقها مُمزقًا ثيابها فـ لم يتمالك نفسه، كان ذلك المشهد القشة التي قصمت ظهر البعير و الفتيل الذي أشعل شياطينه ليقتله


ذلك اليوم أراد إخباره عن تخرجه بـ تقديرٍ عال و سيبحث عن عملٍ يليق به ليستطيع العيش معها و يتزوجها كما خططا من قبل


"عودة إلى وقتٍ سابق" 


جأر قُتيبة بـ صوتٍ عال و لم يدع المجال لشاهين أن يلتف بل إنقض عليه و طعنه طعنة نافذة في ظهرهِ، كانت و كأنها طعنة الخلاص و حينما إلتف والده رأى وجه قُتيبة الأسود بـ نيران إشتعلت و كان هو السبب في إشتعالها 


صدمة ثم بصقة دماء تناثرت على وجه كيان قبل أن يقول بـ صوتٍ مُتهدج


-كُنت عارف إنك هتعملها فـ يوم… 


وقع على الفراش و قُتيبة يُحدق به بـ نظرات سوداء شديدة الظُلمة، فـ ضحك شاهين بـ بُطء و قال ساخرًا


-بس مكنتش أعرف إنك هتعملها عشان خاطر واحدة… 


و إنقطعت أنفاسه و إنقطاعها كان بـ مثابة إشارة إنطلاق ليتحرر قُتيبة، و لكن حينما نظر إلى عيني تلك المُلقاه فوق الفراش تضم كنزتها المُمزقة، كانت تحدجه بـ خوفٍ و كُره، كان مزيج قاتل ما بين الرُعب و عدم التصديق و كأنها رأت قُتيبة آخر عمن كانت تعرفه 


هُنا و عَلِمَ أن تلك الطفلة التي تربت على يدهِ قد كرهته و رأت نفسه المشوهه


و ظل كِلاهما يُحدقان بـ الآخر حتى تجمع الجيران على صوت صرخة قُتيبة و جاءت الشُرطة و إنتهى مُستقبل حَلِمَ بـ بناءهِ معها


"عودة إلى الوقتِ الحالي" 


جُملته التي سمعها فقط هو وحده قبل أن تنقطع أنفاسه 


"لقد جعلت منك مسخ ستتذكرني ما دُمت حيًا، سأُعذب روحك حتى بعد مماتي" 


و قد كان مُحقًا إنه مسخ و لا يزال يتذكره و هذا ما يكرهه


جأر قُتيبة و هو يُلقي آلة حديدية بـ قوة بـ الأرض ثم ركلها بعيدًا و إستحالت ملامحه إلى سوداء قاتمة بـ شدة، و على إثر تلك الصرخة القوية التي برزت لها عروق نحره إلتفت آدم مصعوقًا و إقترب من صديقهِ سريعًا و أمسك به قائلًا بـ صوتٍ جهوري قلق


-مالك يا قُتيبة إهدى هتودي نفسك فـ داهية… 


حاول قُتيبة التملص من آدم و لكنه لم يستطع فـ هو الآخر قد بنى جسدًا قويًا في السجن ليحكم الطوق حوله ثم قام بـ عرقلته ليسقط أرضًا و هو معه ثم هتف بـ نبرةٍ عالية لجعل قُتيبة يفيق


-إهدى يا بني، إهدى و بلاش جنان أنت فـ الشُغل… 


يحمد الله أن آلات المصانع بـ الخارج تعمل بـ صوتٍ عالٍ جدًا فـ لم يسمعه أحد، و ذلك الذي بين يديهِ لا يهدأ رغم أن آدم يُمسكه بـ قوة و لكن قُتيبة كانت به قوة غريبة و كأنه ممسوس


كاد أن يُمسك قطعة حديدية و يضربه بها و لكن خشى أن يقتله بها فـ تركه يُخرج ما به و القلق يعتريه على صديقهِ و خوفًا أن يدخل أحدهم و يراهما على هذه الحالة فـ يتسبب بـ طردهما معًا


بعد أن مضى وقتٍ بدأ قُتيبة يهدأ و حالته تعود فقط لأن قواه قد خارت و آدم لا يزال مُمسكًا به لم يتركه ثم سأله بـ حذر 


-قُتيبة أنت كويس! 

-جاءه صوت قُتيبة أسود، مُخيف على الرغم من خفوته:سبني… 


إلا أن آدم رفض فـ قال وهو يُحرك رأسه نفيًا بـ إصرار


-مش هسيبك غير لما ترد عليا… 


زفر قُتيبة و أومأ على مضض فـ أردف آدم بـ عناد البِغال 


-أسمعك بتقولها

-هتف بـ جمود:هكسر إيدك لو مسبتنيش… 


هُنا و تأكد آدم أن صديقه قد عاد ليتركه بـ بُطء فـ نهض قُتيبة مُنتفضًا و أخذ آلة العمل و عاد إلى عملهِ من جديد، فـ أمسكه آدم من كتفهِ و قال بـ هدوء 


-خُد باقي اليوم أجازة، شكلك تعبان

-دفع قُتيبة يده وقال:لأ و إبعد عني… 


زم آدم فمه و لكنه لم ييأس فـ قرر سؤاله والحذر لم يُبارحه


-الحالة دي بسبب كيان!!...


عندما إلتفت إليه قُتيبة شهق آدم من نظرتهِ له، كانت و كأن الشياطين تلبسته فـ جعلت من ملامحهِ أشد سوادًا و رُعبًا فـ تراجع إلا أن الآوان قد فات فـ قبض عليه ثم لكمه بـ قوة طرحته أرضًا ثم جأر بـ صوتٍ أشد سوادًا و قتامة


-إبعد عني السعااادي و متجبش سيرتها… 


لم يدع له المجال حتى ليومئ فـ قد قذف قُتيبة الآلة بـ القُرب منه ثم ترك الغُرفة التي يعملان بها و رحل مُغلفًا وراءه أجواء عكرة، و مُخيفة كـ ملامحهِ مُنذ قليل


********************


بعد يومٍ طويل من العمل عاد إلى المنزل مُرهقًا، و خاصةً حينما فاجأته إيزيل بـ غضبها، إيزيل تغضب؟ و كان سبب الغضب بـ الطبع عُبيدة 


ضحك وقاص كِلاهما لا يطيقان بعضهما البعض و كأنهما عدوان حقًا، تنهد و صعد إلى المنزل و قبل أن يفتح الباب وصلته رسالة نصية من هيثم فـ ترك مفاتيحه و جلس على الدرج و إبتسامته تتسع 


أجرى إتصالًا مع هيثم الذي أجاب عليه دون أن يلقي التحية  مازحًا


-والله لولا معزتك عندي مكنتش وافقت على الطلب دا

-قهقه وقاص و قال:عارف، بس إستحمل بقى… 


سمع صوت ضحكات هيثم من الجانب الآخر و إنتظره حتى هتف مُتسائلًا 


-إشمعنى كِنانة يعني! فيه موظفين أحسن منها 

-أجاب وقاص بـ مراوغة:كِنانة ذكية و سهل أتعامل معاها، و كدا كدا هتاخد المُساعدة بتاعتي

-سأله هيثم:ذكية و سريعة؟ أنت واخد أحسن موظفة عندي 

-هتف بـ خُبثٍ:مش كان فيه موظفين أحسن منها!... 


صمت هيثم قليلًا ثم قال بـ صراحة جعلت وقاص يصمت هو الآخر بعد حديث الآخر 


-كِنانة مش أحسن موظفة من حيث المكانة، بس هي بتعمل شُغلها كويس و بتعمل كُل اللي بينطلب منها، و الأهم من كدا إنها مبتعملش مشاكل و لا ليها علاقات تبوظ الشُغل… 


ساد الصمت من جهة وقاص الذي إبتسم و قال بعد لحظات 


-كويس إنها ملهاش علاقات، مش عاوزها تقولي بعد مُدة هسيب الشُغل عشان هتجوز

-هتف هيثم سريعًا:هي مش كدا أبدًا… 


قطب واص جبينه بـ تعجب ثم سأل بـ شك يتمنى أن يكون ظنه في غير محلهِ


-شكلك تعرفها جدًا صح! 

-ضحك هيثم و قال:كُنت معجب بيها قبل ما أمسك الشركة مكان والدي، بس هي رفضت و قالتلي إنها مانعة العلاقات فـ الشُغل… 


تقطيبة صغيرة تدل على إنزعاج لا يعلم مصدره هي كل ما ظهر عليه، ليصمت و يستمع إلى المُتبقي من حديث هيثم 


-رغم إني حاولت كتير بس كانت بترفض، فـ إستسلمت و بعدين أقلمت مشاعري على كدا، يمكن لما تروح عندك تبقى فُرصة كويسة إنها تغير رأيها… 


صر وقاص على أسنانهِ و لم يرد، بل آثر الصمت على لا يخرج صوته بـ عدائية غير مُبررة كما هي حالته الآن لِمَ الغضب! ليردف بعد قليل بـ إقتضاب


-أنا هقفل عشان مشغول حاليًا، نتكلم بعدين، سلام… 


لم ينتظر وقاص رده بل أغلق الهاتف و نهض ليفتح الباب و يدخل المنزل تاركًا الذي على الجهة الأُخرى ينظر إلى الهاتف بـ تعجب 


حينما دخل وقاص المنزل وجد والدته تجلس في إنتظارهِ، ليبتسم هو مُقتربًا منها على حين غفلة ثم عانقها قائلًا 


-وحشتيني يا ست الحبايب… 


صرخت والدته بـ فزع ثم وضعت يدها على قلبها قائلة بـ لوم 


-بسم الله الرحمن الرحيم، خضتني يا وقاص… 


قهقه و تناسى السؤال الذي يحوم في عقلهِ ليستدير حول الأريكة و جلس جوار والدته و سألها مازحًا 


-اللي واخد عقلك عني! بتفكري فـ مين! 

-ضربت كتفه وقالت:و أنا هفكر فـ مين غيركوا يعني!!... 


رفع وقاص رأسه و قَبّل جبين والدته ثم قال بـ إبتسامة حانية و صادقة 


-ربنا يخليكِ لينا يا ست الكل… 


ربتت على يدهِ و حل الوجوم على وجهها من جديد ليُمسك يدها و يسألها بـ إهتمام 


-قوليلي إيه اللي شاغلك!... 


نظرت إليه والدته و همت بـ الحديث و لكنها لم تجد ما تقوله فـ أغلقته مُجددًا، ليحثها وقاص على الحديث قائلًا بـ صوتٍ جاد 


-متفكريش كتير، خير! 

-عضت شِفاها السُفلى و قالت بـ تردد:الموضوع يُخص أخوك… 


إعتدل وقاص في جلسته و إستدار إليها ثم سأل بـ إهتمام و جدية أكبر 


-خير ماله! حد عمله حاجة؟!... 


تنهدت و بعد صراعٍ طويل مع نفسها قبل مجيئه تُخبره أم لا، فـ حسمت ذلك الصراع بـ إخباره لتقول بـ صوتٍ خفيض 


-هو اللي عمل يا وقاص

-هتف بـ نفاذ صبر:طب ما تقولي بدل التوتر دا… 


أومأت والدته و قصت عليه ما رأته و ما حدث، لتجد وقاص معالمه قد وجمت و صمت ينظر إلى الأمام دون حديث أو رد فعل واضح، لتهتف والدته بـ توتر 


-بالله عليك ما تعمل حاجة يا وقاص، أنا معرفتش أعمل إيه و لو كلمت عمامك بدل أما يتصرفوا هيقطموا فيك و يقتلوا أخوك

-تسائل وقاص بـ نبرةٍ غير مفهومة:و محكتيش من زمان ليه يا أُمي! 

-أجابت بـ تهدج:أنت هتعمل إيه و لا إيه! و خوفت يحصل بينك و بين أخوك حاجة… 


حك وقاص جبينه بـ إعياء ثم هتف قائلًا بـ صوتٍ جاد و ثقيل 


-مين اللي باقي ليكوا بعد بابا الله يرحمه! 

-ردت والدته سريعًا و هي تربت عليه:أنت يا حبيبي طبعًا بعد ربنا، ربنا ما يحرمنا منك

-ليقول بـ صرامة:يبقى أي حاجة تحصل فـ البيت دا مسئولة مني مش من حد تاني، و بالنسبة لـ أسعد أنا هتصرف… 


هم وقاص لينهض لتُمسك والدته بـ يدهِ قائلة بـ رجاءٍ 


-بالله عليك ما تعمله حاجة

-ربت على يدها و قال بـ معالم غير مقروءة:متقلقيش يا ست الكُل، خُشي أوضتك و أنا هتصرف معاه… 


ترددت والدته و فتحت فمها تنوي الحديث إلا أنه قال بـ صرامة دون أن ينظر لها 


-قومي خُشي أوضتك يا ماما و متخافيش يلا… 


أومأت و نهضت تدخل غُرفتها و هو توجه إلى غُرفة شقيقه و قبل أن يدخل، أحنى رأسه و حركها بـ نفيٍ و كأنه خُذل أو رُبما كان التقصير منه إلا أنه فتح الباب على حين غُرة ليجد أسعد يجلس و كأنه في إنتظارهِ و ما أن فتح حتى نهض و على وجههِ ملامح الخوف


********************


هُنا أول مكان إلتقاها به، 

و هُنا أول مرة يعترف بـ حبهِ لها

و هُنا أخبرها أنه ينوي زواجها 

و هُنا تعاهدا معًا


و لكن كُل ذلك أصبح سراب، سراب لا يراه سوى في أحلامهِ، حتى أحلامه تحولت إلى كابوس مُخيف 


لا طفولة و لا صبا و لا شباب، لقد خسر كُل شئ حتى هي خسرها و لكنه لا ينوي التخلي عنها كما لم يتخلَ عن حلمهِ في التعليم لن يتركها تنسل من بين أصابعهِ و تُصبح سراب كـ طفولته 


هُنا كان يهرب حينما يُصاب والده بـ نوبة جنون فـ يُطيح بـ من أمامهِ، في ذات يومٍ كان والده قد تناول تلك العقاقير المُخدرة و فقد السيطرة على نفسهِ فـ ضرب والدته و ضربه، كان طفلًا يبلغ من العُمر ستُ سنوات فقط ضُرب بـ حزام و ترك أثرًا على جسدهِ


و هذه المرة هرب من براثن أبيه و خرج إلى البحر، لن ينسى ذلك اليوم فـ قد كان يبكي بـ شدة و يعتقد أنها آخر مرة بكى بها، هرب إلى الشاطئ و جلس فوق الرمال يبكي بـ قوة كـ طفلٍ تائه لا يجد والديه و لا أحد يعلم أنه يتمنى ألا يجده والده 


حينها إلتقى جد كيان، ذلك الرجل الوحيد الذي يعرف مُعاناته و كم عانى هو و والدته من عُنف لم يجد من ينجدهما منه، جلس جواره و ربت على ظهره في البداية خاف و إبتعد إلا أن ذلك العجوز إبتسم و قال 


-متخافش يا حبيبي، أنت تايه!... 


أومأ الصبي بـ لا فـ رأي العجوز أثار التعنيف على جسدهِ فـ صمت مُشفقًا عليه، ليجلس جواره و حاوره كثيرًا ثم داوى جراحه بما يملك لينهض قُتيبة ماسحًا وجهه قائلًا 


-شُكرًا

-رد العجوز عليه بـ إبتسامة طيبة:العفو، تحب تيجي معايا!... 


ظهرت علامات الخوف و الرفض على وجه قُتيبة و قال نافيًا 


-لأ، هيموتني لو حد عرف

-هو مين! 

-أجاب بـ قنوط:بابا… 


و يندم أنه أطلق عليه والده لك يكره في حياتهِ أحد كما كره ذلك الشخص، لقد عذبه في حياتهِ و أيضًا يُعذبه في موتهِ ألن ينتهي هذا الكابوس! 


يُريد العيش، يُريد أن يخرج من تلك الحلقة المُفرغة، لم يُصبح مثله و لكنه ترك بـ داخله أثر لن يندمل ما حيا أبدًا 


أمسك حصى صغيرة و ألقى بها بـ الماء ثم رمى بـ جسدهِ إلى الخلف ليرتمي فوق الرمال الباردة، الوقت قد بدأ في الغروب و هو ترك العمل دون حرف، يبدو أن اليوم كان آخر يومًا له بـ العمل 


أخرج هاتفه و أجرى إتصالًا بـ رقم قد تُرك له حتى آتاه الصوت من الجهة الأُخرى 


-وصلت لقرار! 

-أجاب قُتيبة بـ وضوح:أه… 


نظر إلى إمتداد البحر حيث تلتقي المياه بـ السماء و قال 


-موافق

-حلو، تعالى بكرة نتفق… 


ثم أغلق الهاتف و نظر مُجددًا إلى حيث ما كان ينظر، إلتقاء السماء بـ البحر متى سيلتقي بها كما يلتقيان هذاين المُستحيلان! 


-مش عايز أكرهك، لأ أنا خايف أكرهك يا كيان… 


مسح على خُصلاتهِ و شدها بـ قوة و أمسك حفنة من الرمال و رفع يده ثم تركها لتسقط و عاود قائلًا و كأنه يُذكر نفسه بـ ألا يكرهها


-خايف أكرهك… 


و هي من بعيد تقف لتراه جالس، كانت تشعر بما يشعر به، صراع و وحدة تستيطع التنبؤ بهما من جلسته، لطالما كان قُتيبة أيسر لُغز تستطيع فهمه و أصعب لُغز لا يستطيع أحد فهمه 


ما بينهما ليس ماضٍ فقط، بل حياة شاركتها معه، عرفتها به، أول من أمسك يدها و عرفت كيف تضحك معه


أول من نطقت اسمه فـ تشعر أنها وحدها من تملكه و لا أحد غيرها، قُتيبة كان الأب و الحبيب، أول حبيب و آخرهم حتى و إن لم تكن معه فـ هو الحقيقة  الوحيدة  في حياتها، الحقيقة الوحيدة التي تعرفها و لا شئ غيره


تقدمت منه تنوي الإعتذار عما قالت، تعلم أنها قد جرحته بـ قوة، لا تعرف ما مدى توتر علاقته مع أبيه و لكن طوال مُدة تواجدهما معًا لم يذكر اسم والده أو يُخبرها بـ شيئٍ عنه و هذا يدل على أن قُتيبة يكره والده 


فركت يدها و تقدمت حتى وقفت خلفه و سمعت عبارته الأخيرة 


-خايف أكرهك… 


كادت أن تشهق من فرط صدمتها هذا أكثر ما تخشاه


لا تُريده أن يكرهها…

#الفصل_التاسع 

#أغلال_لعنتهُ 


و إني والله لو خُيرت بينها و بين العالم 

لأخترتها رُغمًا عن أنف العالم… 


نبضاتها تستطيع سماعها بـ وضوح و كأنها في سباقٍ يقطع الأنفاس، كانت تقف و كأنها على حافة الإنهيار من هاوية شديدة العُمق لا يظهر لها نهاية، ام تكن تعلم أن هذا ما ستشعره حينما تسمع تلك الكلمة أنه يخشى كُرهها، هي فقط من يحق لها الكُره


لذلك وجدت نفسها تتقدم خطوة واحدة منه ثم هتفت بـ قوة و كأنها تردع عقله عن أي فكر يودي بهما معًا


-إوعى تكرهني، مش من حقك تكرهني… 


رأت تصلب عضلات ظهره و التي تحركت أسفل ثيابه الضيقة تشي بـ صدمته لوجودها، أو رُبما صدمة لِمَ سمعه منها و تلك الأنانية التي تُقطر من حروفها


لم يبدُ عليه أنه سيكلف نفسه عناء الرد أو الإستدارة لها فـ تركها تقف خلفه و قلبها يوشك على التوقف عن العمل و ذلك أثار غيظها فـ دون وعي ركلت حفنة من الرمال بـ ظهرهِ صارخة 


-سمعتني! مش من حقك تكرهني… 


إستدار بـ رأسهِ إليها و عينيه تُطلقان الشرر فـ تراجعت بـ خوف ثم بحثت عن أحدهم و لكنها لم تجد أحد في الشاطئ الخالي لتعود بـ نظرها إليه فـ خرجت شهقة حينما وجدته ناهضًا أمامها يقول بـ صوتٍ قاتم دون أن يلمسها 


-بس دي أنانية منك يا كياني… 


لم تجد ما تُجيب به، أنانية! أجل هي أكثر شخص أناني قد تراه إذا ما كان هو المعني بـ الأمر، على الرغم من كُرهها له إلا أنها تعشقه و هذا ما يجعلها تكرهه


لقد قتل، و أمامها و مع ذلك تتلمس له العُذر، تسمح له بـ الدفاع عن نفسهِ و لكنه يأبى الحديث، يأبى إخبارها أي شئ فقط هي الأكثر وضوحًا كما كانت من قبل


تقدم منها قُتيبة و أظلمت ملامحه ثم هتف و هو يضع يديه في خصرهِ بـ نبرةٍ جامدة 


-ليه مسموحلك تكوني أنانية و أنا لأ!... 


رفعت نظرها إلى عينيهِ التي تنظر إليها بـ عتابٍ جاف إلا أنها لا تزال تحتويها و تفيض بـ الحُب ثم قالت بـ صوتٍ خفيض، باهت لا ينتمي إلى تلك الثائرة 


-أنا بس اللي أكرهك… 


إجابة لا تتعلق بـ السؤال أبدًا، فـ خرجت منه قهقه سوداء أجفلتها ليهز رأسه و قام بـ تغيير سؤاله 


-برضو ليه منك حقك تكرهيني و أنا لأ!... 


فتحت فمها تنوي الرد و لكن إن هتفت بـ شئ فـ سيجرحه لذلك أغلقت فمها مرةً أُخرى، و هو فهم ما تختلج به نفسها فـ ضحك ساخرًا و قال هازئًا بـ صوتٍ قاتم، أسود كـ نظراتهِ


-قوليها سكتِ ليه!... 


حركت كيان رأسها بـ رفض ليُمسك قُتيبة ذراعيها و يهزها صارخًا بـ صوتٍ عال


-قوليها 

-حركت رأسها نافية بـ قوة و صرخت هي أيضًا:لأ… 


أدارها في إتجاه البحر و هزها بـ قوة أكبر و جأر بـ حدة جعلتها تُغلق جفنيها بـ شدة خوفًا منه 


-بقولك قوليها… 


و كانت هي مُصرة على الرفض و هو كان إصراره أكبر حينما جأر بـ صوتٍ جمدها أرضًا 


-قوليها يا كياان

-صرخت و هي مُغلقة عينيها:قاتل…


ضحك قُتيبة بـ سوداوية ثم دفعها لتسقط فوق الرمال قبل أن تأتي موجة لتُغرقها ثم إنسحبت على إستحياء لتترك كيان وحدها تبكي، تضرب الرمال صارخة بـ حدة 


-ليه خلتني أقولها ليه!... 


جثى قُتيبة بـ ركبةٍ واحدة و إبتسم إبتسامة مُخيفة من حُزنها و مقتها ثم هتف موضحًا بـ نبرةٍ هادئة إلا أنها كانت تحمل ألمًا زاد من جدة بُكاءها


-عشان دا اللي جواكِ يا كيان، عشان دي النُقطة السودة اللي مش ناوية تنسيها… 


قبض على ذقنها و رفع رأسها له ثم أكمل و نبرة صوته تقتم 


-و دي الحقيقة اللي غصب عنك هترضي بيها… 


دفعت يده بعيدًا عنها و كذلك أبعدت وجهها الدامع عنه، لتأتي من خلفها موجة أُخرى تُغرقهما معًا و صوت تلاطم الأمواج هو ما يكسر السكون بينهما


تنهد قُتيبة و جلس أمامها غير عابئ بـ إتساخ ثيابهِ بـ الرمال و الماء التي تُبلله و ظل صامتًا أمامها، يُحدق بها فقط، كانت تبدو لوحة مصنوعة من الألم و الخوف و الكُره إلا أنه لا يستطيع كُرهها 


-هترضي بيها يا كيان… 


نظرت إليه بـ تعجب ليُكمل مؤكدًا و هو يومئ بـ رأسهِ 


-أنا الحقيقة الوحيدة اللي فـ حياتك و اللي مش هسمحلك تضيعيها 

-سألت بـ توجس:قصدك إيه! 

-إبتسم بـ تهكم و أجاب:قصدي عارفاه كويس و مع ذلك هقولك… 


إقترب قُتيبة منها بـ رأسهِ ثم همس بـ خُبثٍ خطير و كأنه يؤكد لها حقيقة أنها مُلكه و لن تكون لأحدٍ غيره


-إنك هتكوني ليا، إني مش هسمح لحد ياخدك، و لا هسمحلك تنسيني… 


بكت كيان أمام إصرارهِ الرهيب و قالت بـ يأسٍ أكل قلبها 


-بس دا وجع

-أردف مؤكدًا بـ قسوة:و أنا راضي بيه… 


دهشة و صمت حلا عليها، لن يتركها أبدًا ما دامت حية و عليها أن تُسلم رايتها البيضاء له، تعلم يقينًا أن قُتيبة لن يسمح لها بـ الهروب حتى و إن ماتت سيتبعها، ذلك الحُب السام بينهما يقتلها بـ بُطء و هو لا يعلم، بل يعلم و لكنه يأبى الإعتراف 


قُتيبة كان حُلمها في كل وقت رأته به و حُلم كُل فتاةٍ، كان ذلك الشاب صاحب الجاذبية في حيهما، ملامحه الخشنة و وسامته المُخيفة أكثر ما يجذبان الفتيات له، لم يكن بـ تلك العضلات قبلًا و لكن كان جسده مقبولًا 


كان عليها أن تصمت و تُخفي غيرتها و هي ترى الفتيات يتوددن إليه، كان عليها أن تتحمل كُل ذلك من أجلهِ فقط فـ كانت تعرف أنها من إختارها قلبه، لم يُخبرها صراحةً أنه يُحبها فـ قُتيبة لا يعرف معنى تلك الكلمة و لكن يكفي أنه حينما ينظر إليها تجد أنها الأُنثى الوحيدة في عينيهِ


و حتى الآن كيان هي الأُنثى الوحيدة و تعلم أنه لن يكون هُناك غيرها، و هذا ما يجعلها تتمسك بـ ذلك الخيط الضعيف حتى لا تنسى ذلك الحُب، حتى لا تتشوه تلك المشاعر بـ تلك الحادثة 


لم يخرج منها رد فـ هتف هو واقفًا 


-قومي روحي، الوقت هيتأخر… 


كان الليل قد حلَّ بـ الفعل فـ نهضت بـ صمت دون النظر إليه، تنفض ثيابها من الماء و الرمال و تقدمت تنوي الرحيل و لكن قُتيبة أعاق طريقها، فـ رفعت عينيها إليه بـ حدة تنوي الصُراخ


إلا أنها شهقت حينما وجدت نظراته سوداء، ليست كتلك مُنذ قليل و لكن تلك النظرات التي إعتادتها قبلًا، ينظر إليها فقط دون القُدرة على لمسها فـ تراجعت أكثر خوفًا مما قد يُقدم عليه و الشاطيء من حولهما فارغ 


-عـ عايزة أمشي

-هتف بـ جمود:إستني هنا… 


كادت أن تعترض و لكنه قد تركها بـ الفعل و ذهب إلى بائع مر صُدفا ليبتاع منه عباءة غريبة الشكل واسعة بـ شدة، رُسم عليها طاووس بـ ألوان زاهية إستطاعت رؤيتها حتى من ذلك البُعد و لون العباءة كان كارثي


إقترب قُتيبة منها و ناولها العباءة لتقول بـ إشمئزاز


-مش هلبس العباية دي، إيه اللون دا!... 


كان اللون "فسفوري" يؤلم العين، بغيض الشكل، يُشبه تلك العباءات التي ترتديها فتيات الحي، أما قُتيبة قد ألقى العباءة بـ وجهها و قال بـ صوتٍ ساحق رغم أن نبرته خرجت عابثة


-هتلبسيها لو مش عايزاني أغتصبك هنا

-أمسكت بها قبل أن تقع و قالت بـ حدة:حيوان

-إبتسم مُتهكمًا من زاوية فمه و قال:عشانك بس، أنتِ اللي بتحركِ غرايزي… 


يجب أن ترتدي تلك العباءة و ترحل من هُنا، ما يحدث الآن خطير و الأكثر خطورة إن ظلت معه فـ إرتدت العباءة و قالت بـ توتر 


-أنا همشي… 


تركها تسبقه بـ عدة خطوات ثم وضع يديه في جيبي بِنطاله و إبتسم ثم تبعها و قال بـ صوتٍ عال ليصلها بـ وضوح


-لما نتجوز هاتي عبايات من دي، عايزك تزغللي عيني كدا… 


و ردها كان ركضًا سريعًا أوشكت على الوقوع بسبب الرمال و هو من خلفها يُتابعها، و إستنتج أنه لا يستطيع أن يكرهها، قد يكره العالم و لن يكرهها هي


******************* 


وقف أسعد مُنتصبًا أمام شقيقهِ الذي دلف صامتًا ينظر إليه و عينيه يعلم أنها تسبر أغواره فـ أحنى رأسه في خجل، تنهد وقاص و جذب مقعد خشبي يجلس عليه في وضع مُعاكس و قال بـ جمود صخري 


-طبعًا عارف أنا جايلك ليه!... 


لم يرد أسعد عليه و الخجل بل الخزي جعل لسانه معقود و لكنه أومئ في إيماءة بسيطة، إلا أن وقاص هدر 


-سمعني صوتك 

-رد أسعد بـ صوتٍ خفيض:عارف 

-تمتم وقاص:عملت إيه؟… 


تلجم أسعد و لم يستطع الرد على شقيقهِ الأكبر رغم سنواته العشرين و لكن وقاص كان هو الأب بعدما توفى والده في سنٍ مُبكر، ليقول بـ خفوت و خجل 


-أنت عارف

-أومأ و قال:بس حابب أسمع منك… 


رفع أسعد وجهه إلى أخيهِ و في عينيه نظرة توسل لكي لا يُجبره على البوح بما فعل إلا أن وقاص كان من القسوة، رفض أن يُظهر حنانه في مثل هذا الموقف و إنتظره ليقول


-مش هقدر 

-حينها صرخ وقاص:و لما أنت مش قادر تعترف بـ القرف اللي عملته، بتعمله ليه من الأول!... 


لم يرد أسعد، لم يجد ما يرد به على شقيقهِ الذي أكمل و هو يضرب المقعد الجالس عليه 


-قصرت معاك فـ إيه عشان تعمل كدا! قصرت فـ إيه فـ تربيتك! بقى دا جزاتي إني وثقت فيك… 


ضرب وقاص المقعد من جديد و هتف بـ خيبةِ أملٍ واضحة 


-مكنش لازم أديك الثقة دي من الأول

-هتف أسعد مُدافعًا:ما كل صُحابي بيعملوا كدا… 


حينها فَقَدَ وقاص أعصابه لينهض ضاربًا المقعد ثم إقترب من شقيقهِ و هدر بـ حدة أفزعت أسعد 


-أنت غبي! مالك و مال صُحابك! هُما عشان بيعملوا الحرام فـ تستحله أنت! يعني بقى عادي تعمله عشان الكُل بيعمله

-إنتفض أسعد قائلًا:ما أنت مانعني من كُل حاجة و مانعني أرتبط حتى و مش عارف أمشي مع أي بنت بسببك… 


لكزه وقاص في كتفهِ و هدر بـ صوتٍ جهوري يُخفي خلفه صدمة 


-و أنا مانعك ليه! تحكم مثلًا و لا عشان أفرض سيطرتي عليك! مش دا عشان أطلعك راجل يا أُستاذ و جاي تلومني دلوقتي!... 


صمت أسعد أمام صراخ أخيه المُحق، لطالما كان وقاص في ظهرهِ و معه يُسانده في كُل خطوة، كان يُريده رجلًا لأجل والدته و لأجل نفسه و لكنه حاد عن الطريق و إتجه إلى ذلك المنحدر فـ أثم بـ مُحرمات


أصدقاءه يفعلون ما يحلوا لهم أما هو فـ كان ينأى عنهم حتى سخروا منه فـ أراد تحديهم أنه يستطيع فِعل ما يفعلونه فـ بدأ بـ مُشاهدة الأفلام الإباحية ثم تناول السجائر التي قطعًا تحمل المُخدر


و اليوم إكتشفته والدته و هو يُشاهد إحدى هذه الأفلام مُستعينًا بـ سجائر إستعارها من أحد أصدقاءه و حينها فقط عَلِمَ فداحة ما فعل، إنتفض على صوتِ أخيه الذي كاد أن يصم الآذان و لكنه يعلم أن تلك الحدة كانت من فرط صدمته 


-كُل اللي أنت فيه دا بسببي، أنا اللي خليتك بني آدم و جاي تقولي صُحابي! 

-قبض أسعد على يدهِ و قال:أنا آسف، والله غلطة و مش هكررها… 


تنهد وقاص و ضغط على مُنحدر أنفهِ يُهدئ إنفعالاته ثم قال بـ نبرةٍ إنخفضت حدتها 


-دا مش غلط دا ذنب، وإبعد عن صُحابك، الصاحب اللي يشد صاحبه للحرام و الغلط ميبقاش صاحب، دا شيطان، الصاحب هو اللي يشد صاحبه للطريق الصح

-همهم أسعد:أنت مش فاهمني، أنت مش فـ سني عشان تعرف، أنا مليش غيرهم صُحاب… 


ذم وقاص فمه بـ عدم رضا و جلس ثم جذب أسعد يجلس جواره فوق الفراش و قال بـ هدوء 


-أنا متولدتش كبير و بشعر أبيض كُنت فـ سنك يا أسعد شاب زيك و عدى عليا صُحاب زيك صُحابك و مريت بـ نفس اللي مريت بيه، بس الفرق اللي بيني و بينك إني إخترت أخاف من ربنا و أخاف على أهلي، أه مليش أخوات بنات بس فكرك مش مُمكن تترد بعدين!... 


إستمع أسعد بـ حرص فـ أكمل وقاص حديثه 


-كان مُمكن أشرب سجاير زي باقي الشباب اللي فـ سني بس عارف إن طريق السجاير هيوديني لحاجة أبعد منها، عشان كدا كُنت ببعد عن أي حاجة مُمكن تخليني فـ يوم أروح فـ سكة مرجعش منها

-همهم أسعد و قد فهم ما يرمي إليه وقاص:أنت كبير و مش فاهم طيش الشباب

-رد وقاص مُستنكرًا :أنت ليه محسسني إني مواليد كُفار قُريش، الفرق بينا ستاشر سنة بس… 


إبتسم أسعد و لكن سُرعان ما أخفى إلا أن وقاص قد لمحه فـ أردف مُكملًا ليصل إليه ما يقصده 


-أنا تعبت فـ تربيتك يا أسعد عشان أطلعك راجل وقت مكنش موجود تخلي بالك من أُمك، مسبتكش ترتبط مش عشان أنا مُعقد بس عشان أعلمك تحافظ على بنات الناس اللي مش لعبة و ربنا يباركلك فـ اللي هتبقى مراتك و بناتك، الغلط و الحرام مبيتجملش… 


عانقه أسعد بـ قوة و قال بـ صدقٍ لمس وقاص بـ شدة 


-آسف والله يا وقاص، مش هعمل كدا تاني و هدعي ربنا يغفرلي، بس متزعلش مني أنت أبويا

-ربت وقاص على ظهرهِ و قال:لما تحس بـ ندمك تجاه ربنا هبقى أقولك مش زعلان… 


نهض أسعد و فتح أحد أدراج مكتبه و أخرج سجائر و أعطاها لوقاص قائلًا بـ خجل


-أحم دي سجاير الحشيش، إتصرف فيها و أوعدك والله مش هعمل كدا تاني… 


أخذها وقاص و إحساسين يطوفان داخله ما بين الحُزن لفعلة شقيقه و الفخر لتلك المبادئ التي وضعها فيه فـ تراجع فورًا عن أخطاءه، ليضعها في جيبه ثم مدّ يده وقال بـ صرامة 


-هات مفاتيح الموتوسيكل بتاعك

-فزع أسعد وقال:لأ ليه! أنت عارف بحب الموتوسيكل دا أد إيه

-هتف وقاص:دا عقابك و لما أحس إني رجعت أثق فيك هرجعه… 


توسله أسعد كثيرًا و لكن رفض وقاص أن يرضخ له فـ أعطاه المفتاح ليقول قبل أن يخرج 


-أنا عارف إنك مكسوف من أُمك، بس روح راضيها و إتأسفلها، أُمك متستحقش منك كدا… 


قرأ وقاص الخجل على ملامح شقيقه و خزيه الواضح، يستحق ذلك، يستحق ذلك الخزي حتى يتعلم كيف يعود إلى الله، تركه و خرج ليأته رسالة نصية على هاتفهِ جعلته يتعجب بـ إبتسامة 


"لازم نتقابل" 


ليخرج بعدما أرسل يرد بـ مكان اللقاء، سيستمتع كثيرًا بـ لقاءهِ مع السارقة النبيلة 


********************


ترجل وقاص من سيارتهِ عند مكان الإلتقاء الذي حددته هي بعدما إعترضت على ما حدده هو، ليضحك و هو يقول باحثًا عنها بـ عينيهِ في الأرجاء 


-مُشكلتها إنها مُسلية جدًا… 


وجدها تجلس على إستراحة صغيرة أمام البحر في مكانٍ بعيدًا عن أعين البشر فـ إقترب منها و من خلفها همس بـ خُبثٍ 


-لو حد شافنا فـ المكان المقطوع دا هيفكر غلط… 


صرخت كِنانة بـ فزع و تراجعت لتسقط عن المقعد و لكنه امسكها ليقول ضاحكًا 


-المشاهد دي بتتكرر كتير… 


دفعته كِنانة و إعتدلت بعدما إستعادت توازنها ثم قالت بـ قنوط 


-دا عشان أنت مُتحرش و بتصطاد فـ الماية العكرة 

-إلتف وقاص و جلس جوارها قائلًا:أنتِ اللي طلبتِ نتقابل مش أنا

-همهمت بـ قرف:عشان ربنا إبتلاني بيك مش أكتر… 


حرك وقاص رأسه يائسًا منها و من شخصيتها الغريبة و لكنه ضحك و قال مُعتدلًا 


-مش أنا اللي قولتلك إسرقي يا حرامية… 


نظرت له كِنانة بـ إشمئزاز و أدارت رأسها بعيدًا ليُخرج تنهيدة و بعدها سأل 


-طلبتِ نتقابل ليه! قررتِ يعني!... 


عقدت ذراعيها أمام صدرها و كل هجومها طار مع الرياح حينما سألته بـ توتر و أعين زائغة 


-لو عملت عكس اللي أنت عايزه هتسلم الفيديو للبوليس! 

-مط شفتيه وقال بـ بساطة:دا بديهي

-زفرت و قالت بـ رجاءٍ يائس:طب مفيش حل وسط!... 


حرك وقاص رأسه نافيًا بـ صمت لتُخرج زفيرًا أشبه بـ النشيج و إنتظرها حتى قالت بـ قلة حيلة 


-إعتبرني أختك و أُستر عليا

-رفع حاجبه و قال بـ إستنكار:أستر عليكِ!... 


أومأت كِنانة بـ تأكيد ليرد وقاص مذهولًا بـ مُزاح 


-أستر عليكِ لما يكون بينا حاجة، بس دا دين عليكِ

-يا سيدي في أكتر من طريقة لدفع، بلاش دي

-ضرب كفًا بـ آخر و قال:يا بنتي هو أنا همشي معاكِ فـ الحرام! دا أنتِ هتشتغلي عندي… 


إلتفتت إليه كِنانة بـ جسدها كُله ثم هدرت بـ شراسة و هي تُشيح بـ يدها في كُل الإتجاهات


-ما دي المُشكلة

-قطب جبينه و تسائل:طب معلش فهميني إزاي! 

-أجابت و شراستها تشتد:سكرتيرة و مُدير مُتحرش مش محتاجة فقاقة… 


صمت، و صمت ثم الصمت، الدهشة جعلت لسانه معقود و كأن عقله قد عجز عن ترجمة ما تقول حتى تسنى له الرد بعد عدة لحظات تحت نظراتها التي ترميه بها و كأنه نيران حية 


-معلش عيدي تاني كدا اللي قولتيه! 

-نهضت كِنانة و قالت:اللي فهمته، و لعلمك أنا عارفة إنك بترسم على علاقة حرام و تخليني عشيقة المُدير السرية… 


حقًا لقد أكلت الروايات عقلها فـ لم يبقَ بها عقل لتُفكر هذا التفكير الأحمق، لذلك مال وقاص إلى الأمام و ضرب على رُكبيتهِ ضاحكًا بـ قوة، لتعقد كِنانة حاجبيها بـ غضب شرس ثم هدرت سائلة 


-بتضحك على إيه!... 


أشار إليها وقاص في إشارة لتنتظر حتى يفُرغ من ضحكه ثم قال ساخرًا بـ مُزاحٍ


-أؤكدلك إنها هتكون علاقة حلال 

-أشارت بـ يدها و قالت:شوفت،شوفت غرضتك الزبالة زيك بان… 


زفر وقاص و قد بدأ الغضب ينتابه ثم نهض على حين غُرة جعلها تتراجع خوفًا و إنكمشت كـ قِطةٍ ضالة، ليقول بـ تحذير و نبرةٍ خرجت شديدة الصرامة و القوة 


-أول حاجة أتعلمِ تعدلي لسانك و تحترمي اللي هيكون مُديرك، لأني مش هسمح بـ طولة لسانك دي كتير

-إستعادت شراستها و قالت:متسمحش، و عشان تتقي شر لساني، إبعد عني… 


وضع وقاص يديه في جيبي بِنطاله و قال بـ ثقة واضحة و لكنها خبيثةٍ في دواخلها 


-معنديش مانع أبعد عنك

-إنفرجت أساريرها و قالت:ما طلعت ابن حلال أهو! مخوفني ليه، سلام عليكم… 


كادت أن ترحل و لكن وقاص قبض على رسغها يجذبها إليه ثم أكمل مُتخابثًا و كأنه لم يسمع ما تقول 


-بس على شرط، هتسددي دينك بـ طريقتي فـ ليلة واحدة

-شهقت و هتفت صارخة:يا حيوان يا مُتحرش و ديني لأفضحك

-ضحك و قال:حقك، و حقي إني أحبك يا حرامية… 


ضيقت عينيها بـ شر و ذمت شفتيها ذلك الحقير لن يتركها و شأنها و من الأفضل لها أن تُسايره حتى تجد مخرجًا من ذلك المأزق الذي وضعت نفسها به 


-بذمتين، يعني اللي يرضيك إني إشتغل عندك

-أومأ قائلًا:أيوة 

-لمدة أد إيه! 

-مط شفتيه و أجاب:لحد أما تسددي اللي عليكِ… 


لم تجد ما ترد به فـ أكمل هو مُستغلًا صمتها بـ عبثية مُتأخرة 


-و عشان أثبت حُسن نيتي، هنسى أي إساءة و نبدأ من جديد… 


ترك يدها لتُقربها من صدرها و أكمل هو مازحًا


-شوفتِ حظ زي حظك دا! مُدير ينسى إهانة موظفة

-هتفت بـ إشمئزاز مُستنكر:قليل البخت يلاقي العضم فـ الكرشة

-سألها بـ غرابة مُتعجبة:يعني إيه اللي قولتيه دا! 

-هتفت:يعني حظي زفت… 


ضحك وقاص، إنها عشوائية و مُمتعة، إبتعدت كِنانة قائلة من بين أسنانها 


-بكرة هقولك هشتغل إمتى

-نفى قائلًا:بكرة هتيجي تستلمي الشُغل

-ردت بـ عناد:مش بـ مزاجك سلام… 


إستدارت ترحل فـ هتف وقاص من خلفها و هو يعاود وضع يده في جيبي بِنطاله


-هنشوف بكرة بـ مزاج مين… 


و لـ غدٍ حديثٍ آخر 


*********************


أغلق قُتيبة باب الشقة خلفه و ما إن إستدار حتى وجد والدته تقف خلفه ليرفع حاجبه بـ إنزعاج و قرر عدم الحديث فـ لا طاقة له للجدال معها، إلا أنها لم تدعه فـ هتفت بـ حدة 


-كُنت فين يا باشا كُل دا، الساعة داخلة على واحدة

-رد قُتيبة دون أن يستدير:و أنتِ إيه اللي مسهرك للوقت المتأخر دا!... 


تقدمت منه رجاء تقبض على ساعده و تُديره إليها قائلا بـ صوتٍ شبه عال 


-مستنية البيه إبني يرجع، اللي مفكر البيت لوكاندة

-تمتم قُتيبة بـ جفاء:صوتك عالي و الناس نايمة، الصُبح نتكلم… 


إستدار قُتيبة ينوي الرحيل و لكنها منعته صارخة بـ حدة 


-مفيش صُبح، هنتكلم دلوقتي عن صرمحة كُل يوم ورا الصايعة دي، و كُل من هب و دي يتكلم 

-ضرب الحائط المُتشقق جواره و هدر:الدنيا ليل و مش عايز وجع دماغ، طلعيها من دماغك عشان ترتاحي… 


تحرك قُتيبة خطوتين و لكن رجاء تحركت و وقفت أمامه تُعيق رحيله و بـ صوتٍ أعلى من صوتهِ هدرت 


-لأ مش هرتاح غير لما تطلعها أنت، خدت إيه منها غير وجع الدماغ! خدت إيه غير السجن و القرف و مُستقبلك اللي ضاع!... 


حينها إنفجر قُتيبة بـ جنون فـ هدر بـ صوتٍ جهوري يُقطر حقدًا لم يستطع التخلص منه 


-مُستقبل إيه اللي بتتكلمي عنه! و سجن إيه دا! دا كان حُرية بالنسبالي أنا مش زيك

-شهقت صارخة بـ حدة:بعد ما تعبت عشانك و إستحملت ذُل و قرف جاي تقولي مش زيي! 

-ضحك قُتيبة بـ سوداوية و قال:ياريتك ما إستحملتِ، ياريتك مشيتِ و سبتيه مكنتش بقيت كدا، مكنتش قتلته و دخلت السجن… 


ضرب قُتيبة طاولة خشبية ليسقط ما عليها و جأر بـ نبرةٍ يائسة بـ قتامة مُخيفة تحمل بـ داخلها ألم طفل و شاب 


-متحاسبيهاش، حاسبيه هو و أنتِ قبلهم

-وضعت يدها على صدرها و سألت بـ تهدج مشدوه:أنا! 

-أكمل بـ نفس النبرة:أيوة أنتِ، كُل يوم ضرب و إهانة و عليا أتفرج و أسمع ألفاظ بقت جُزء مني، كُل تعذيب شكل و ذُل عشان راحته و مزاجه… 


تراجعت رجاء بـ صدمة، لم ينسَ قُتيبة الطفل ما حدث مُنذ. سنوات عديدة، فـ أكمل و نبرته تزداد حدة و سواد


-إتربيت على الحشيش و البيرة و قرف و كان لازم أستحمل لما يكون شارب، و أنزل أشتغل عشان يصرفه على قرفه، و أنتِ رضيتِ بالذُل، كُنتِ إمشي و خُديني على الأقل كُنت هلاقي سبب بجد أشتغل عشانه… 


أشار إليها بـ سبابتهِ ثم أكمل و كأنه يتهمها بـ كُل شئ حدث له 


-لو كُنتِ مشيتِ مكنتش قتلته، مكنتش هلومك والله ما كنت هلومك، على الأقل كان مُمكن يجي يوم أقدر أسامحه

-همست رجاء باكية:إستحملت عشانك، فكرتك نسيت

-ضحك بـ سواد مُرعب و قال:للأسف أحب أقولك إن كُل ضربة و كُل شتيمة محفورة فـ دماغي مش قادر أنساها، كُنت بكره رجوعه للبيت و أدعي ربنا ميشوفنيش، كُل دا إتحفر و مش راضي يطلع… 


تركها قُتيبة و إستدار يرتدي حذاءه ثم ألقى قُنبلته الأخيرة قبل أن يرحل تاركًا رجاء في بئر الصدمة 


-قتلته عشان كان لازم يموت، و اللي بتلوميها دي كان عاوز يغتصبها قبل ما أقتله… 


قبل أن يُغلق الباب إلتفت إليها و هتف بـ نبرةٍ جامدة بها من الألم ما جعلها تنهار باكية بعد رحيلهِ


-و أحب أقولك إنها كرهتني عشان قتلته… 


و أغلق الباب ليدوي صوته في المنزل و الذي تحول إلى صحراءٍ قاحلة بعدما كانت ساحة معركة تُديره حرب الذكريات القاتمة 


********************


كان عليه أن يهرب إلى ملاذهِ و كانت دائمًا و أبدًا هي ملاذه 


أخرج هاتفه و أجرى إتصالًا بها، ليأته ردًا منها بعد مرتين و صوتها خرج مبحوح إثر النوم 


-صدقني مش هطلعلك المرة دي… 


سمع صوت الفراش يهتز بـ عُنف حينما هتف بـ صوتٍ لم يتعرف عليه بـ نفسهِ


-أنا محتاجلك بجد يا كيان

-أتاه صوتها مُرتعش:إمشي يا قُتيبة، مش هقدر أعملك حاجة

-هتف بـ توسل:وجودك كفاية… 


صوته كان غريب يُقطع نيّاط القلب، هل هذا قُتيبة؟ العابث المجنون؟ 


هل هو ذلك الشخص الذي كانت تركن إليه حينما تضيق بها الأيام؟ 


قبضت على الهاتف بـ قوةٍ و قالت بـ نبرةٍ مُرتعشة و حصونها تتهدم أمام توسله


-وجودي مش هيعمل حاجة

-هتف:بالعكس، وجودك كُل حاجة… 


إنه يُربكها و يهدم حصونها، قُتيبة لا يصل إلى تلك الحالة سوى في الغضب الشديد أو اليأس و بُؤرة لا تعلم كيف سقط فيها و كيف تُخرجه منها، و الآن هو في مزيج منهما 


تنهدت و صمتت ليقول هو بـ صوتٍ خفيض، جاف


-هستناكِ فـ المكان اللي كُنا بنتقابل فيه لما أجيلك… 


و أغلق الهاتف دون أن يدع لها فُرصة، قد يظهر ذلك و كأنه أمر و لكنه طلب أشبه بـ التوسل، لم تستطع كيان الإفاقة مما حدث على الشاطئ ها هو يعود لها طالبًا وجودها


فـ خرجت مذعنة بعد إلحاحه الطويل و العنيد و كذلك المُعتاد بـ إثارة ضجة أو رُبما فضيحة ثم صعدت الدرج بـ خفة حتى لا يسمعها أحد من الجيران حتى وصلت إلى آخر الدرج المؤدي إلى عِلية البناية، لتجده يجلس بـ إهمال فوق أحد الدرجات يُدخن لُفافة تبغ ضوئها الوحيد الذي يشع وسط هذه العتمة و هيئته همجيه بـ قميص أسود مفتوح أزراره و أكمامه مرفوعة تبرز بعض الجروح التي حصل عليها بـ سجنهِ، لتهدر كيان بـ غضب رغم خفوت صوتها 


-إسمع يا قُتيبة مش كُل مرة تهددني عشان تقولي إخرجِ عاوز أشوفك… 


تنهد قُتيبة ناظرًا لها من خلف سحابة ثم زفر أنفاسه المُعبقة بـ دُخان التبغ ثم هتف بـ هدوء غريب 


-إقعدي

-أنت مجنون… 


كان مُنهك إلى حد يصعب عليه الحديث و مُشاكستها فـ جذب يدها يُجلسها جواره لتشهق كيان بـ تفاجؤ و لكن قبل أن تتحدث وجدته يضع رأسه فوق كتفها، و للغرابة شعرت بـ ثقل ما يحمله و كأنها كما يقول قطعةٍ منه فـ تشعر بما يمر به، و تتألم لما يُؤلمه، ألم. يتخللها بـ القدر الكافي ليجعلها تشعر هكذا؟ لتكون قطعة منه! كـ ضلع تحديدًا يربت على قلبهِ! ندبة لن يمحوها الزمان و لن يستطيع هو تخطيها 


صمتت و إنتظرت حديثه و لكنه كان صامتًا و إحتراق اللُفافة يزداد حتى كاد أن يصل إلى إصبعيهِ فـ يحرقها، لتجذبها كيان سريعًا و أطفئتها قائلة بـ. عتاب قاسي


-هتتحرق

-و كان صوته خاوي حين قال:إتحرقت من زمان… 


تجمد جسدها و تجمدت معها الكلمات ليرفع قُتيبة رأسه ثم نظر إليها و أكمل بـ ذي النبرة الخاوية 


-إتحرقت اليوم دا، و دوستِ على الحرق لما مشيتِ و إتخليتِ عني 

-همست بـ إهتزاز:ليه بتفتح الموضوع دا دلوقتي؟ 

-ضحك قُتيبة بـ قساوة و قال:هو متقفلش عشان يتفتح… 


أدار رأسها إليه بـ إصبعيهِ نفسهما اللذين كانا يُمسكان اللُفافة ثم أكمل و إبتسامة خشنة، حادة وهو ينظر إلى عينيها


-الحرق وجعه بيروح بس بيسيب ندبة إثرها بيوجع أكتر من الحرق… 


لن تنسى وهو لن يدعها تنسى، كُلما حاولت يأتي و يُذكرها، ذكرى ليلة مُظلمة يحوم في الأرجاء، و الذنب يقتلها كما قتل والده أمامها، كان قاسي، و وحش، وحش فُك أسره فـ أول من قتله هو سجانه


إرتعش جسدها و شحب وجهها إلا أنها لم تُبعد عينيها عنه بل ظلت مُحدقة به، تُعاتبه، تتوسله، تُخبره النجاة فـ أجابها وهو يقترب منها 


-داويني يا كيان، فـ إيدك خلاصي

-همست و هي تمنع بُكاءها:مش هقدر يا قُتيبة، معنديش حاجة أقدمها ليك

-لأ فيه… 


قالها و إبتسامته تنحني بـ ألم و بـ يدهِ الأُخرى وضعها على صدرها، موضع قلبها الذي. ينبض بـ جنون ثم قال 


-دي، قدميلي قلبك

-همست بـ ألم يُماثل ألمه:قُتيبة… 


إقترب و قَبّلها كما يأمل و كما أراد و لكن ليست كما أرادت هي، قُبلتها التي أرادتها طفولية و ذات رومانسية حمقاء أما قُبلته فـ كانت جائعة، مُتعطشة لها، تتوق إلى المزيد و هو لن يتوقف فـ قد أطلقت سراح الوحوش داخله 


بـ يدهِ الأُخرى حاوط وجهها و تعمق أكثر، و هي لم تمنعه بل وضعت كفها الصغير فوق ساعده العضلي و هبطت دمعة حائرة، أكثر ألمًا و حُزنًا لقد تعبت و ملت الهروب 


و كان مذاق أول قُبلة لهما مالحًا بـ طعم الألم 


دفعته كيان ماسحة شفتيها بـ صدمة و كادت أن ترحل و لكنه قبض على ذراعيها و هدر بـ خفوت أخافها 


-مش هقدر أسيبك بعد أما دوقت اللي إتحرمت منه

-ضربته و حاولت الفرار منه:قُتيبة بلاش جنان وسبني… 


وضع جبينه فوق جبينها بـ القوة و قال بـ نبرةٍ مُخيفة 


-الجنان إني أسيبك يا كياني… 


كان يُريد عناقها

كان يُريد تكرار ما فعله

كان يُريد أخذها و الهرب

كان يُريد أن يُقبلها من جديد


و لكنه يعلم إن فعل لن يستطيع إيقاف شرهه و طمعه تجاهها، فـ أبعدها عنه دون أن يتركها ثم هتف بـ تهدج واضح يشي بـما يحدث داخله من حروب و براكين يمنع ثورانها


-هنتجوز يا كيان، و هتكوني كياني لوحدي، و بـ رضاكِ أو غصب عنك هترضي بيا… 


نهض و أنهضها معه ثم أكمل و هو يُمسك ذراعيها يمنع فرارها و عينيه تُحدق في عينيها الخائفة 


-أنتِ عارفة إنك مش هتعرفِ تكوني لغيري، و اللي فـ قلبك مش هتعرفِ تديه لغيري… 


إقترب منها و همس بـ خُبثٍ يحمل مشاعر تعلمها جيدًا، قُتيبة قد نفذ صبره و سيحين موعد، موعدهما و في داخلها تعلم أن تلك النهاية الطبيعية لهما 


-أنا سيبت زمان جواكِ أثر معرفتيش تمحيه، و سيبت دلوقتي جُزء مني فـ روحك مش هيطلع غير بـ طلوع روحك…

#الفصل_العاشر 

(الجزء الأول) 

#أغلال_لعنتهُ 

بعتذر عن نصف الفصل دا بس حصلتلي ظروف صحية منعتني أكمله فـ إحتمال أكمله بكرة ❤️


إن الجشع في العشق 

هو أقصى درجات القناعة… 


دفعته كيان بـ قوة و هدرت باكية لا تُصدق ما حدث مُنذ لحظات 


-أنا بكرهك يا قُتيبة، ولو فكرت إنك كدا هتضعفني آ

-قاطعها ضاحكًا بـ خُبثٍ:فـ أنا عندي حق

-ضربته في صدرهِ و قالت:أنت حيوان… 


إلتفتت كيان تنوي الرحيل و لكن حين إستدارت كادت أن تُغادر روحها جسدها و هي تجد عُميّر يقف خلفهما بـ صمتٍ تام و، و على الرغم من الظُلمة الحالكة و لكنها إستطاعت أن ترى ظلام عينيه الدامس


تراجعت كيان خطوة ثم حاولت الحديث بـ توتر و جسدها يرتجف بـ قوة 


-عُـ عُميّر، متفهمش غلط… 


إقترب عُميّر و وجهه يُنذر بـ شر لن يسلم أيٍ مُنهما، و رفع يده كاد أن يصفعها فـ أغلقت عينيها بـ شدة تنتظر الصفعة، إلا أن قُتيبة نهض و حال بينهما مُمسكًا بـ يده ثم قال بـ خشونة 


-متمدش إيدك عليها، ملهاش ذنب… 


لكمه عُميّر بـ يدهِ الأُخرى ثم هدر صارخًا بـ صوتٍ قاتل 


-المرادي هقتلك فعلًا

-ضحك قُتيبة ساخرًا و قال:صوتك عالي و الجيران هتسمعه، و أنت مش عايز فضايح… 


إقترب منه قُتيبة و همس بـ خُبثٍ يحمل إغاظة لعُميّر 


-و لو إني حابب أعمل فضيحة عشان أخدها

-سبه عُميّر بـ بذاءة:يا *** يا ***

-هتف قُتيبة ساخرًا:الراقي صاحب الكافيه بيشتم شتايم زي دي!... 


كانت كيان تقف خلفهما و تضم يدها إلى صدرها بـ خوفٍ كبير، تلوم نفسها على حُمقها و قلبها الذي قادها إلى ذلك الموقف الذي لن ينتهي إلا بـ شجار أو فضيحة ستُلازمهم طوال العُمر خاصةً و صوتهما مُرتفع و ما هي إلا مسألة وقت حتي يخرج الجيران


تقدمت منهما و حاولت إبعادهما عن بعض قائلة لـ عُميّر بـ رجاء 


-عُميّر عشان خاطري بلاش فضايح

-هدر بها شقيقها:إخرسي، مبتتعلميش أبدًا… 


بكت كيان بـ شدة و نظرت إلى قُتيبة بـ توسل ليرحل، سيحدث ما لا يُحمد عُقباه فـ تنهد و أبعد يده عن عُميّر و قال بـ قتامة 


-عشانك بس همشي… 


دفع عُميّر و كاد أن يرحل إلا أن الأول فاجأه بـ ركلة ليسقط أرضًا هادرًا بـ عُنفٍ


-لسه حسابنا مخلصش… 


إلتفت إليه قُتيبة بـ أعين تتقد شررًا ثم قبض على تلابيب الآخر و هسهس قبل أن يضربه بـ رأسهِ في جبهتهِ


-أنت اللي إبتديت… 


دارت معركة بينهما على إثرها صرخت كيان و هبطت الدرج إلى شقة جدها لتطلب المُساعدة و بـ الفعل صعد السيد حلمي و جميع من بـ المنزل ليُحاول فض ذلك العراك بينهما فـ هدر بـ حدة 


-بس منك ليه، أنتوا عاوزين تفضحونا!... 


لم يبدُ أن أيً منهما يستمع فـ أكملت شجارًا ليضرب حلمي بـ العصا فوق الأرضية و هدر بـ صوتٍ صارم 


-قولت بس… 


نظر قُتيبة إلى السيد حلمي و نهض عن عُميّر ثم قال و هو يمسح أنفه 


-حفيدك اللي بدأ، و أنا كُنت برد… 


إقترب منه السيد حلمي ثم هتف بـ صوتٍ مُخيف على الرغم من خروجه خفيضًا و رغم سنواته العديدة 


-هنسى أي حاجة يا قُتيبة بس تبعد عننا و عن حفيدتي، و المرادي مش تهديد بس تحذير ليك

-ليرد قُتيبة بـ عناد:و أنا مش هبعد عنها… 


أشار إلى الجميع بـ من فيهم كيان ثم أصر قائلًا بـ قوة لا تقبل الشك أو الإستسلام 


-حطوا دا فـ دماغكم كويس أوي، كيان مش هتكون لحد غيري، مش هتكون غير على موتي… 


شهقت كيان، ذلك الغبي لا يعرف بـ أي وضع هو، لا يعرف بـ ماذا يُقحمها و يُقحم نفسه، خاصةً و الجيران قد بدأت في التجمع، أو رُبما كان مُتقصدًا لكي يستمع الجميع بـ حقيقة أنها لن تكون لغيره


لكي لا يتجرأ أحد و يقترب منها 

أنها حقه الذي لن يُفرط فيه ما دام حيًا


و في ظل دهشة الجميع، نهض عُميّر عن الأرض المُتسخة و في يده مدّية قُتيبة التي سقطت أثناء العراك الدامي، ثم مسح أنفه و هدر مُناديًا


-قُتيبة!!!...


إستدار قُتيبة إليه و ملامحه قاتمة و هو يقول ساخرًا


-إيه! تحب أسمعك تاني! 

-نفى قائلًا بـ صوتٍ مُخيف:لأ هنولك موتك… 


لم يسمعه أحد سوى حوراء التي كانت ركضت قبلًا إليه تُساعده و قبل أن تصرخ و تمنعه كان قد طعن عُميّر قُتيبة الذي عقد حاجبيه بـ تعجب و غرابة ثم نظر إلى أسفل ليجد مديّته غُرست في جسدهِ


لم يُخرج قُتيبة آهة ألم بل رفع نظره من جديد إلى عُميّر الذي كانت ملامحه مزيج من الدهشة و التعجب لِمَ أقدم عليه ثم ترك المدّية تسقط بعدما سحبها من جسد الذي أمامه 


وضع قُتيبة يده مكان الطعنة التي لم يرها سوى حوراء المذعورة ثم سقط أرضًا، حينها فقط خرجت صرخة مدوية من حوراء


فقط الجميع إستعاب ما حدث، عُميّر طعن قُتيبة 


********************


في صباح اليوم التالي 


كانت حوراء تتمسك بـ يد أسيل جيدًا و هن تجلسان في سيارة الأجرة، تستمد منها القوة و أحداث أمس تتوالى عليها، صرختها و سقوط قُتيبة، الدماء التي إنسلت منه و الوعي الذي فقده


صرخات بعد صرختها عمت المكان و همهمات إخترقت أُذنها جعلتها تسقط جالسة جواره و الجميع يُحدق فقط، حتى كيان التي دخلت في صدمة لم تخرج منها حتى الآن


حينها فقط كانت أول من صرخت بـ الجميع و هي تضع يدها فوق يده قُتيبة تضغط على الجرح 


-حد يتصل بـ الإسعاف بسرعة… 


و بـ الفعل أخرج جارٍ شابٍ لهم الهاتف و إستدعى الإسعاف الذي أخذ قُتيبة و رحل وحده دون أن يذهب أحد معه و بعدها بـ قليل إرتدى السيد حلمي ثيابه و هرع خلفهم قائلًا بـ صرامة لزوجته 


-لا كيان و لا عُميّر يطلعوا من البيت عما أرجع… 


و مضت الليلة و كأنها سنوات حتى أتى الصباح سريعًا حينها سمعت طرق باب غُرفتها و نهضت بـ أعين مُتورمة من كثرة البُكاء، لم يطرق النوم لها بابًا، فـ وجدت عُميّر يقف بـ ملامح مُتجهمة، غير مقروءة ثم هتف بـ نبرةٍ مُنهكة 


-حوراء، هطلب منك طلب

-عقدت ذراعيها و قالت:طلب إيه! 

-ضغط على مُنحدر أنفه و قال:خُدي أسيل لمامتها الشُغل، مش عايزها تشوف و تعيش التوتر دا… 


أومأت بـلا نقاش فـ أكمل عُميّر حديثه 


-هكتبلك عنوان الشركة و إرجعي على هنا على طول

-تسائلت قبل أن يرحل:طب، طب أنت هتعمل إيه!... 


مط عُميّر شفتيه و أجاب بـ بساطة و كأنه لا يأبه لما سيحدث بل كُل ما يجول بـ رأسهِ ألا يستغل قُتيبة هذا الموقف لصالحه


-مش هعمل يا هستناه يشتكي و يقبض عليا، يا إما شوية من نخوته مش هيخليه يعملها… 


إستند بـ مرفقهِ إلى حلق الباب و قال بـ رجاءٍ يائس لم تسمعه منه قبلًا


-و عشان كدا مش عايز بنتي تشوفني و البوليس بياخدني، مش هتنسى الموقف دا 

-أومأت و قالت:حاضر، هلبس و أخدها

-هتف بـ إمتنان:شُكرًا يا حوراء… 


ثم تركها و رحل لتستعد و ها هي تترجل الآن من السيارة أمام الشركة و أسيل معها تسألها 


-هو إحنا جينا ليه هنا و مروحناش المدرسة! و فين بابا؟! 

-أجبرت حوراء نفسها على الإبتسام وقالت:عشان تشوفِ ماما، و بابا عنده شغل كتير فـ قالي أوصلك… 


أوقفتها حوراء و عدلت ثيابها التي تجعدت من جلستها ثم قالت بـ شقاوة أجبرتها أيضًا حتى لا تشعر الطفلة بـ أي شئ 


-ولا مش حابة تيجي معايا فـ حتة! 

-نفت أسيل مُبتسمة بـ خجل:لأ طبعًا، أنتِ بتلعبِ معايا لما بابا يكون مش فاضي

-طب يلا نروح نشوف ماما… 


أمسكت أسيل يد حوراء ثم تقدمت من الحارس الأمن الجديد و قالت بـ نبرةٍ مُتسائلة 


-لو سمحت، محتاجة أطلع لمكتب مدام إيزيل الجراح

-تسائل الحارس:معاكِ معاد قبل كدا! 

-نفت:لأ للأسف 

-ليرد الحارس بـ أسف:آسف يا فندم مقدرش أطلعك… 


توقعت حوراء ذلك فـ في شركة والدها يحدث ذلك أيضًا، لتتنهد قائلة و هي تُمسك يد أسيل بـ قوة طفيفة 


-قولها إني اسمي حوراء و معايا أسيل بنتها، و لازم أشوفها ضروري… 


نظر إلى الطفلة التي تُؤرجح يد حوراء ثم أومأ و إتصل داخليًا بـ إيزيل التي قالت بـ دهشة 


-أسيل! وإيه اللي جابها، أنت قولت مين اللي معاها! 

-أجاب الحارس بـ إحترام:بتقول اسمها حوراء… 


قطبت إيزيل جبينها و هي تتذكر من حوراء حتى تذكرت تلك الفتاة التي قابلتها بـ مقهى عُميّر و أخبرها أنها تُقيم بـ منزلهم لفترة، فـ هتفت قائلة 


-تمام خليها تطلع و أنا هستناها 

-حاضر يا فندم… 


أغلق الحارس مع إيزيل ثم إلتفت إلى حوراء و قال بـ إحترام و هو يُشير إلى الداخل لتدلف


-إتفضلي، مدام إيزيل مُنتظرة حضرتك، هيدلوكِ جوه على المكتب

-إبتسمت قائلة:شُكرًا… 


********************


القلق إعترى إيزيل أكثر، تنتظر مُنذ مُدة و تلك الفتاة لم تحضر بعد، يكفي قلقًا أن عُميّر لم يأتِ بـ نفسهِ و هذا يعني إن هُناك ما يحدث دون علمها، لذلك نهضت من مكتبها و خرجت مُقررة البحث عن حوراء 


لتُصادف في طريقها عُبيدة الذي نظرت إليه تومئ بـ رأسها في تحيةٍ مُقتضبة و أكملت سيرها و لكنه أوقفها قائلًا 


-عايزك فـ شُغل يا مدام إيزيل… 


توقفت إيزيل و إلتفتت إليه قائلة بـ جدية و سُرعة


-معلش مُمكن نأجلها عشر دقايق

-رفع حاجبه بـ تعجب و قال ساخرًا:دا شُغل مش لعب يا مدام

-تأففت إيزيل و قالت بـ عصبية:و أنا قولت نأجله مش نلغيه 

-إعترض هاتفًا:حتى لـ… 


توقف عن الحديث عندما إستدارت و رحلت حينما رأت فتاة و معها طفلها قادمتين تجاههما و هي أسرعت نحو أسيل تسألها بـ لهفة 


-حبيبتي أنتِ كويسة! 

-أومأت أسيل مؤكدة:أيوة كويسة، بس بابا قال لطنط دي أجي لماما هنا… 


نظرت إيزيل إلى حوراء الذي بدى وجهها مُرهقًا و ضعيف ثم سألتها بـ إهتمام


-عُميّر فين و إيه اللي بيحصل!! 

-أجابت حوراء:هجاوبك بس مش هنا

-أمسكت يد إبنتها و قالت:تعالي عندي فـ المكتب… 


أومأت حوراء، لتستدير إيزيل إلى عُبيدة الذي يقف صامتًا و قبل أن تتحدث سبقها راحلًا


-خلصي اللي وراكِ و تعالي

-هتفت:شُكرًا… 


تركهم عُبيدة و رحل كان يبدو الموضوع جدي و عائلي بحت نظرًا لوجه الفتاة المُرهق، لتتدلف إيزيل بعدها حوراء جالسة فوق الأريكة


أمسكت إيزيل يدي طفلتها ثم قالت بـ حنو و هي تربت على خُصلاتهِا 


-حبيبتي الآيباد بتاعك هناك، روحي إلعبِ شوية و أنا هجيلك نلعب مع بعض 

-ماشي… 


ثم ركضت أسيل إلى حيث أشارت والدتها و إتجهت إيزيل إلى حوراء قائلة 


-شكلك مُرهق، أجبلك عصير أو أي حاجة! 

-نفت حوراء قائلة:لأ مش هقدر أقعد كتير أصلًا… 


بدأ القلق ينخر قلب إيزيل فـ سألتها و قد بدأت ملامح وجهها تتعقد أكثر 


-طب فهميني! إيه اللي حصل يخلي عُميّر ميجيش بـ نفسه و يبعتك أنتِ؟!... 


أخذت حوراء نفسًا عميقًا ثم قالت بـ نبرةٍ متوترة، خائفة تسترجع أحداث أمس 


-حصل خلاف بين عُميّر و حد فـ إنتهى بـ إن عُميّر ضرب التاني و دخل المُستشفى… 


شهقت إيزيل بـ صدمة و وضعت يديها فوق فمها ثم نظرت إلى أسيل لتجدها مُنهكة في عالمها، لتعود إلى حوراء التي تمنع نفسها من البُكاء بـ صعوبة و سألتها 


-و عُميّر فين! إوعي تقولي فـ القسم؟! 

-نفت حوراء قائلة:لأ، هو فـ البيت… 


تنفست إيزيل الصعداء فـ أكملت حوراء حديثها و هي تحك جبينها 


-هو قالي أجيب أسيل ليكِ عشان خايف لفعلًا يجي البوليس و ياخده، فـ مش حابب دا يحصل قُدامها

-طب و المفروض إيه اللي هيحصل؟ 

-هزت كتفيها و قالت:مش عارفة، مستنين جدو حلمي هيعمل إيه… 


تعقدت ملامح إيزيل بـ صدمة، عُميّر لم يكن ذلك الشخص الذي يصل إلى مرحلة لضرب أحدهم، كان دائمًا هادئ مُتحكمًا في أعصابهِ، حتى معها كُلما تشاجرا و أثارت المشاكل كان هو هادئ لا يغضب


كانت تظن دائمًا أنه بارد لا يملك مشاعر إلا من حُبها هي، فقط حينما يُعانقها كانت تشعر بـ مشاعر حبه لها، لذا ماذا حدث ليصل عُميّر إلى تلك الدرجة من الغضب و فُقدان السيطرة على النفس؟ 


قاطعت سيل أفكارها حوراء حينما نهضت و قالت 


-أنا لازم أمشي، مينفعش أتأخر على كيان… 


الحقيقة هي تخشى عليها من عُميّر كي لا يفقد سيطرته كما حدث بـ الأمس و يفعل لها كما فعل لـ قُتيبة، لذلك قالت على عجالة دون أن تنظر إلى إيزيل 


-أنا همشي و أسيل هتفضل عندك لحد أما الأمور تتحل…

#الفصل_العاشر

(الجزء الثاني) 

#أغلال_لعنتهُ 


بعد تردد دام عشر دقائق حسم عُميّر أمره و طرق غُرفة شقيقته التي لم يرها مُنذ تلك الحادثة و لم تُحادثه، لا يعلم وقتها أي شيطانٍ تلبسه ليُقدم على فعلٍ أهوج كـ طعنه! 


لم تكن تلك طبيعته و لم يكن هو بـ ذلك الشخص الذي تُحركه مشاعره، لطالما كان باردًا و في أحيانٍ كثيرة يتعجب كيف له بـ هذا البرود إلا أنه يجد فيه الراحة 


إنتظر لحظات و لكن لم يسمع صوتها لذلك طرق من جديد و قال بـ حمحمة و صوتٍ متوتر بعض الشئ 


-كيان أنا هدخل!... 


إنتظر منها إجابة ولكنها لم تُجبه، فـ أطلق تنهيدة و فتح الباب بـ تلكؤ ثم أطل منه بـ رأسهِ ليجدها جالسة فوق فراشها تضم ساقيها إلى صدرها فـ أطلق زفير راحة أنها بخير و في الوقتِ ذاته كان حزين لحالها، إنها تُعاني من الصدمة 


أغلق الباب و إقترب منها جالسًا فوق الفراش و ملس على خُصلاتهِا بـ حنوٍ بالغ و أردف بـ صوتٍ باهت يحمل نبرةٍ شبه آسفة 


-معرفش إيه اللي حصلي عشان أفقد أعصابي كدا… 


لم تُبدِ أي ردة فعل و هو توقع ذلك فـ أكمل و هو يُبعد شعرها الذي. يخفي نصف ملامحها 


-أنا عارف إنك مصدومة يا كيان، أنا نفسي مصدوم… 


أحس بها تتشنج قليلًا فـ وضع يده حولها ثم قال وهو يدفن وجهه في خُصلاتهِا 


-أنا آسف إني خليتك تبقي فـ الموقف دا، و آسف إني خليتك تعيشي الإحساس دا تاني… 


إزداد تشنج جسدها و معه عادت ذكريات سيئة، تعلم إلى ما يُشير، تعلم أنه يقصد ما حدث مُنذ سنوات و حادثة قتل شاهين على يد قُتيبة، و ذكرياته تختلف عن خاصتها فـ في أعينهم قُتيبة هو المُذنب أما في عينها كان هو المظلوم 


الوحيدة التي تعلم الحقيقة و كان هذا رجاءًا منه، ألا تُخبر أحدًا عما حدث و أن يتحمل هو الذنب كُله و كان تفسيرها آنذاك أن الشعور بـ الذنب يُكبله لقتلهِ لأبيه، و لكن الآن تشعر أن قُتيبة يُخفي ما هو أكثر مما تعرفه 


و إمتنانها في ذلك الوقت خرج في شهادةِ زور حينما وقفت أمام الضابط و قالت بـ توتر و جسدها كُله ينتفض بـ فزع جراء ما حدث أمامها 


"مكنش قصده، عمو شاهين كان بيتحرك و غصب عنه وقع على السكينة" 


نظر إليها الضابط بـ تدقيق و قال 


"بس الطعنة كانت من الضهر" 


فركت يدها بـ حدة كأنها تُنظفها من شيئٍ وهميّ و مسحت عبراتها التي تسقط واحدة تلو الأُخرى ثم أجابت 


"ما هو كان راجع بـ ضهرهِ و آآ و قُتيبة كان معاه السكينة و وقتها لما عمو رجع خبط فـ قُتيبة غضب عنه" 


وضع الضابط يده أسفل ذقنه و نظر إلى الكاتب جواره ثم إليها و قال بـ تحذير


"واثقة من كلامك! لو بتكدبِ يبقى بتتستري على مُجرم و هتتعاقبي معاه!!" 


أومأت كيان بـ تردد و من الداخل قلبها يوشك على التوقف من فرط الخوف و لكنها قالت حاسمة لأمرها 


" أيوة واثقة يا حضرة الظابط" 


و الجميع يعلم أنها كاذبة و لكنهم صدقوها و حُكم عليه بـ القتل الخطأ و خرج قُتيبة من سجنهِ أما هي فـ ظلت حبيسة ذلك اليوم، اليوم الذي يُعاد مرارًا و تكرارًا في أحلامها و في صحوها حينما تراه 


إستفاقت من تلك الذكريات المُميتة على يد عُميّر الذي ضمها أكثر و قال 


-مُستعد أتحمل خطأي كامل بس مشوفكيش فـ الحالة دي… 


فقط حينها إستدارت إليه و نظرت إلى عينهِ ثن قالت بـ نبرةٍ ميتة 


-اللي خلاني أشهد زور و أطلعه يخلين أشهدلك زور و أطلعك… 


ذُهل عُميّر بـ الأول و لكنه قهقه و ضم كيان إليه أكثر ثم قال بـ بُبطء مُمازح 


-وقتها مكنش فيه شهود غيرك، دلوقتي أمة لا إله إلا الله إتفرجت، يعني لو شهدتِ عشاني هُما هيشهدوا ضدي… 


بكت كيان بـ قوة ليضمها عُميّر بـ قوة أكبر كادت أن تُحطمها داخله ليسمعها تسأله بـ خوفٍ


-قُتيبة هيموت يا عُميّر! 

-طمأنها رغم عدم يقينه:اللي زي دا مبيموتش بسهولة… 


لفت يدها حول كتفه من أسفل إبطيه و قالت بـ نشيج 


-بس أنت هتدخل السجن، أنت مكنش قصدك… 


قَبّل عُميّر جبينها و قال بـ هدوء رزين 


-غلطت ولازم أتحمل غلطي… 


دفنت كيان وجهها في كتف عُميّر، لقد أخرجت قُتيبة من موتهِ المُحقق في الماضي و كذبها الذي صدقه الجميع لأجلها عليها أن تفعل ما ترد به،عليها أن تنقذ شقيقها هذه المرة 


********************


لقد أفاق مُنذ لحظات فقط و نظر حوله بـ تعجب يسأل نفسه ماذا حدث و أين هو؟ حتى إستعاد عقله ذكريات ما حدث و طعن عُميّر له الذي أودى به إلى المشفى، ليضحك قائلًا بـ سُخرية واضعًا يده موضع الطعنة 


-مين كان يصدق ابن الناس الكويسة يعمل كدا!

-عملها بسبب واحد خسيس زيك… 


إلتفت قُتيبة تجاه الصوت ليجد السيد حلمي يقف أمام الباب يتكئ إلى عصاه، يبدو مُرهقًا و كأنه لم ينم لساعاتٍ طويلة، و غم ذلك لم تختفِ ملامح وجهه القاسية له فقط 


حاول قُتيبة الإعتدال و لكن جرح كان يؤلمه بعد إختفاء أثر المُخدر ليقول ساخرًا 


-الله يسلمك، واضح إنك كُنت قلقان… 


نظر إليه حلمي شزرًا ثم إقترب و هو يُغلق الباب خلفه ثم هدر طارقًا الأرض بـ عصاه


-إسمع يا بن شاهين… 


قبل أن يُكمل قاطعه قُتيبة بـ قسوة و نبرةٍ سوداء، جحيمية تُقطر كُرهًا و حقدًا


-أنا مش ابنه، اسمي قُتيبة يا حاج حلمي ولا نسيت!... 


نظر إليه صامتًا يعلم تمام العلم كم يكره قُتيبة أن يُناديه أحدهم بـ ذلك اللقب و قد فعلها عن قصد ليُريه كم يكرهه هو أيضًا و لكنه إبتلع كُل ذلك لن يتطرق إلى ماضٍ أسود يعلمه ثم قال بـ نفور


-أنا هنا مش عشانك، عشان حفيدي

-إبتسم قُتيبة و قال بـ خبث:عشان أتنازل! 

-هتف السيد حلمي بـ صرامة:مقدمكش حل غير كدا، كفاية فضايح… 


تنهد قُتيبة لقد أتته فُرصة على طبقٍ من ذهب و ليس الفضة فـ لِمَ لا يستغلها لأجلهِ، فـ هتف مُبتسمًا بـ إستفزاز قوي 


-تفتكر الفضايح هتقف لما أتنازل! أنت فـ حارة يعني اللي بيكح فـ بيته اللي فـ آخر الحارة بيسمعها… 


مط شفتيه و أردف مُكملًا و هو يُحدق بـ ملامح السيد حلمي التي تزداد تجهمًا كُلما تحدث قُتيبة 


-تفتكر الناس هتقول إيه لما تلاقيني فـ العمارة فـ نصاص الليالي و عُميّر يضربني بـ سكينة فـ وجود أُخته! أظن الفضايح مش هتنتهي

-رغم ذلك. هتف السيد حلمي بـ إباء:ملكش دعوة، هعرف أتصرف… 


قهقه قُتيبة بـ سُخرية ثم إستراح في جلستهِ واضعًا ذراع فوق عينيه و قال بـ فتورٍ ساخر


-يبقى إتصرف مع حفيدك و خرجه من السجن من غير مُساعدتي

-جأر السيد حلمي و قد فقد أعصابه:أنت عايز إيه!... 


أبعد قُتيبة ذراعه عن عينيهِ و نظر إلى السيد حلمي نظراتٍ نافذة ثم هتف بـ نبرةٍ قوية، ثابتة و كأنها خرجت مع الحياة 


-كيان 

-صرخ السيد حلمي مذهولًا بـ حدة:مفكر إني هسلمك حفيدتي بـ السهولة دي! 

-أجاب قُتيبة بـ جدية:لأ مش بسهولة، أنا تعبت و حاربت كُل حاجة عشانها و هي من حقي لوحدي، أنت بنفسك عارف إنها فُرصتي… 


تراخ السيد حلمي جالسًا فوق مقعد خلفه، هو من بدأ حرب المشاعر بينهما تلك و عليه أن يتحمل فـ هتف بـ تعبٍ واضح 


-مش هتعرف تعيش معاك، هتموت بين إيديك 

-و مُؤكدًا هتف قُتيبة بما لا يقبل الشك:أنت عارف إنها مش هتعرف تعيش من غيري، و عارف إني مش هقدر أكمل من غيرها 

-يا بني متقتلوش بعض، أنت هتقتلها زي ما قتلت أبوك… 


رأى السيد حلمي سوادًا خشى أن يبتلعه و يبتلع المكان معه و كان ذلك السواد مُجحف و مُخيف و كأنه نهاية بلا نهاية، تسحب روحك ثم تُلقي بها في بئرٍ من الألم، ألم يجعلك تشعر و كأنه أحدهم ينتزع روحك بـ يدهِ فـ تموت صارخًا بـ ألمه


ليردف قُتيبة بـ صوتٍ أكثر إخافة من نظراتهِ


-و هي إعترفت إنه مكنش بسببي، و صدق يا حاج حلمي لأن كيان هتبقالي سواء وقف العالم ضدي أو حاربني

-هدر السيد حلمي بـ حدة يائسة:حرر نفسك من الماضي الأسود اللي قاتلك و قاتلنا معاك، حرر نفسك و إرحمها… 


هدر قُتيبة في المُقابل و جسده كله ينتفض لأجلها، هي فقط من سكنت قلبه و روحه و لا سبيل لإخراجها منهما سوى بـ قتلهِ، كانت نبرته تفيض روعنة و تمسك جعلا السيد حلمي يقف مُتسمرًا بـ صدمة أوشكت على فُقدان ثباته 


-هي حُريتي و أنا سجّانها… 


لهث قُتيبة الهواء ثم أكمل بـ صوتٍ جاف و لكن بين طياته يحمل الكثير من العزيمة و أنه لن يتراجع سوى بـ إراقة الدماء 


-هي مش النهاية اللي أستحقها، و مش هسيبها غير و أنا تحت التُراب… 


********************


تحركت في الممر تبحث بـ عينيها عن غُرفتهِ بعدما أحلت كثيرًا على حوراء كي تُخبرها في أي مشفىٍ هو به لتخرج كيان في الخفاء تسرق من الزمن لحظاتٍ لكي تراه و تطمئن أن شقيقها لن يُصيبه مكروه فقط و ليس أكثر من ذلك 


فجأة وجدت جدها يخرج من الغُرفة بـ غضبٍ و يسير في إتجاهها لتشهق و تبتعد مُختبئة حتى يمر هو، أخرجت رأسها قليلًا. لتجده قد رحل فـ تنفست الصعداء ثم خرجت من مكان إختباءها 


ثم توجهت إلى حيث غُرفتهِ، ترددت في الدخول وجلست جوار الغُرفة تُنظم أفكارها هل تتوسله؟ أم تُهدده! صدقًا لا تعرف ماذا أتت لتفعل 


إلا أنها تعلم أنها كاذبة لم تأتِ من أجل شقيقها فقط بل لأجلها أيضًا، مشهد سقوطه أرضًا كان أقسى ما رأته، لم تتخيل قط أن قُتيبة سيسقط أرضًا بـ هذه السهولة لقد عهدته أبيًا، شامخًا مهما كانت الظروف ضده و تكسره 


إنبثاق الدماء منه كان بـ مثابة خروج روحها معه و صدمتها لِمَ حدث جعلها غير قادرة على الإستيعاب أو الإستفاقة من الحالةِ التي تلبستها و الذكريات التي توالت عليها و سؤال راودها 


هل شَعَرَ بـ مثل ما شَعَرَ والده به ذلك اليوم؟ 


بعد مرور نصف ساعة 


قررت أخيرًا النهوض و كادت أن تطرق الباب و لكنها تراجعت فـ قد يكون نائمًا و هي لا تُريده أن يعلم بـ قدومها، و إن لم يكن فـ لا سبيل لها سوى الحديث معه لكي يتراجع و تُنقذ شقيقها 


فتحت الباب و أطلت رأسها منه لتجده مُغمض العينين فـ زفرت و دلفت ثم أغلقت الباب خلفها بـ خفة و تقدمت منه بـ بُطء و حذر حتى لا يستيقظ  لتقف أمام فراشه تُحدق في سكونه الموجع لقلبها


كان مُرهقًا و حاجبيه مُنعقدان من وجهِ نظرها أنه ألم، ساكن بلا حراك و صامت عكس الغوغاء التي كان يصنعها كُما رآها، و هذا أقسى ما تستطيع أن ترى قُتيبة عليه 


نظرت إلى كفهِ و أمسكته بـ خفة، تلك الرعشة التي لطالما شعرت بها حينما يُمسك بها في الماضي، لا تزال حاضرة و مُحببة لنفسها


لتبتسم كيان إبتسامة تحمل الحنين و الإشتياق ثم همست و هي تقترب منه


-قلبي واجعني و أنا شيفاك كدا… 


وضعت يدها على وجنتهِ الدافئة ثم تحركت بها بـ خفة حتى وصلت إلى شفتيهِ و ذكرى تلك القُبلة الرائعة تعود لتخوض معها نفس ما شعرت به، ما بثه لها من عشق أهلكها و إحتياج أوجعها و إشتياق كانت تشعر به أضعاف 


إحمرت وجنتيها خجلًا و سبته داخلها و لكن يدها الخائنة أكملت تحركها على ملامحهِ و خاصةً فكه القوي و شردت بعيدًا، كان يمنعها أن تلمسه قائلًا بـ حرارةٍ شديدة و صوتٍ أجش يشي بما يعتمل داخله من مشاعر تكاد تنفجر من فرط قوتها 


-لو بدأتِ بـ دا مش هتنتهي على خير يا كياني… 


لو إختلفت الأوضاع، لو إختلف الزمان، و لو إختلف ما تشعر به الآن لما كانا على هذه الحال، لما آلت الأمور إلى مُنعطف يصعب العودة منه 


إنتفضت كيان على يدهِ التي قبضت على كفها و همس بـ صوتٍ أجش، خبيث


-زمان حذرتك يا كياني، إنك لو بدأتيها بـ لمسة مش هتنتهي بـ براءة كدا… 


شهقت كيان و حاولت سحب يدها منه و لكنه كان قوي، رغم تعبه الآن إلا أنه قوي لم يكن هكذا سابقًا فـ ماذا حدث ليكون بـ تلك القوة الوحشية؟ 


قهقه قُتيبة مُتلذذًا بـ توترها و لن يرأف بـ حالتها كما لم تفعل مُنذ قليل، يشعر بها مُذ دخلت الغُرفة، صوت خطواتها التي لن يسمعها سواه و، و لمستها التي أشعلت النيران في جسدهِ و جعلته على وشك إرتكاب ما كبح نفسه عن فعلهِ طويلًا 


دفئها الذي يجعله عطِش لها و شره في حُبهِ لها كل ذلك أجبر نفسه على الهدوء ليرى ما ستصل إليه فـ النهاية و حينما وجد أنها تراجعت و رغم إحباطه منها إلا أنه قرر أن يستيقظ لا يسمح لها بـ الهرب كـ عادتها 


-هتف ماكرًا:مش محتاج أخمن سبب وجودك هنا

-قالت بـ شراسة متوترة:سيب إيدي و بلاش لعب عيال

-ضحك و هتف بـ وقاحة:أنت اللي إتحرشتِ بيا الأول… 


إتسعت عينا كيان و صرخت صرخة مكتومة و حاولت سحب يدها و لكنه إعتدل بـ صعوبة و شدد على يدها أكثر قائلًا بـ صلابة 


-مش هسيب إيدك و مش هسمحلك تهربِ

-غمغمت بـ قنوط:مكنتش ههرب، أنا اللي جيت بـ نفسي

-إبتسم بـ إتساع و قال:بقيتِ جريئة

-سخرت هاتفة:أنت أُستاذي… 


ضحك قُتيبة بـ قوة حتى آلمه الجرح و أقلقها ثم. هتف بعد لحظات و هو يُحرك إبهامه على باطن رسغها بـ تلاعب 


-حلو، علمتك حاجة  تنفعنا فـ الجواز 

-تأوهت قائلة:قُتيبة!!... 


خفتت ضحكته لتتبقى إبتسامة صغيرة من زاوية فمه ثم قال بـ نبرةٍ هادئة لا تحمل إعصار وقاحته و مكره 


-سمعيني جيتِ ليه يا كيان! 

-عُميّر 

-أجاب متوقعًا قولها:المطلوب! 

-هتفت سريعًا:متشتكيش، بلاش تبقى واطي… 


رفع قُتيبة حاجبه بـ تعجب ثم قال وهو يحك فكه بـ يدهِ الأُخرى 


-أنا الضحية هنا لو مش واخدة بالك

-نظرت إليه كيان بـ قوة و هتفت:مش معقول هتطلع من هنا خسران يا قُتيبة، هتستغل الموقف لحاجة لصالحك… 


جذبها قُتيبة فجأة لتتعرقل و تسقط على الفراش، يدها الحُرة تتكئ بها على الناحية الأُخرى من جسدهِ و وجهها كان قريب بـ شدة من وجههِ لدرجة أن خُصلاتهِا كانت تتطاير من أنفاسهِ، لتتسع عينيها بـ شدة دون أن تجرؤ على الحديث 


أما يده الأُخرى حاوط بها خصرها و شد عليه قائلًا بـ نبرةٍ هادئة و هادرة في الوقت ذاته 


-مش عايز حاجة غيرك

-تحرك حلقها بـ صعوبة و قالت:قُـ قُتيبة، عشان خاطري بلاش عُميّر 

-هدر من بين أسنانه:مليش دعوة بـ عُميّر، ليا دعوة بيكِ… 


كتمت أنفاسها و لم ترد فـ أراح جبينه على جبينها و قال بـ قوة مُخيفة و كلما إحتدت نبرته، إزدادت أصابعه شدة حول خصرها 


-سبق و قولتلك إن مُستعد أعمل أي حاجة عشان أخدك، حتى لو بـ أكتر طريقة قذرة مُمكن تتخيليها 

-همست باكية:ليه! ليه مش عايز تستسلم عني!... 


ترك يدها و خصرها ثم حاوط وجهها بـ قوة، يرفع وجهها إليه مُجبرًا إياها على النظر له ثم هدر بـ صوتٍ دوى كـ صوت الرعد 


-لأنك بـ بساطة مينفعش تكوني لحد غيري، و أنا مش ناوي أسيبك لحد غيري… 


وضعت يدها على صدرهِ الهادر ثم قالت بـ ألم 


-مش هتنول غير الوجع و أنت عارف… 


حرك إبهامه على وجنتها ثم إبتسم بـ قساوة و أردف 


-و قولتلك راضي بيه، يمكن وجعك هو شفا بـ النسبالي… 


أمسك بـ يدها التي على صدرهِ و حاوطها حتى إختفت ثم أكمل و إبتسامته تزداد قتامة 


-إرضي يا كيان بـ قدرك معايا، لأن هو دا قدرك الوحيد… 


أغمضت عينيها بـ شدة و فجأة دفعها عنه ثم قال و هو يُدير وجهه بعيدًا عنها بـ صوتٍ غمرته العتمة و الجفاء 


-أنتِ مُقابل أخوكِ، متجبرنيش أأذيكِ فيه و كدا كدا هتكوني معايا يا كيان…


تكملة الرواية من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close