القائمة الرئيسية

الصفحات

حدث بالخطأ سلسلة "حينما يتمرد القدر بقلم "دينا العدوي البارت الرابع عشر والخامس عشر كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 بسم الله الرحمن الرحيم 

حدث بالخطأ 

سلسلة "حينما يتمرد القدر 

بقلم "دينا العدوي 

البارت الرابع عشر والخامس عشر

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

🌺🌺 

الرابع عشر 

سطر القلم ونثر كلماته وبتنا بأحكام القدر مقيدين، 

ولا من فرار ولو ودوت منه الهروب، القدر نافذ 

فلا تحرد ولا تحنق، وأرضي بما بات لك مقسوم 

وثق ان ما اجتباه ربك ليس إلا بخيرً عظيم   

فاًحذر أن تزلق في هوة الشيطان الرجيم، ويضيق صدرك وتبيت من الناقمين، وتضل سبيلك وتهلك مع الضالين... 

***** 

سار عائدًا ألي منزله بخطوات وئيده ووجه متجهم، مكظوم وقلبًا صلد، ناقم على حياته، غير راضًا بها، فطالما رغب بذكرًا من صلبه، لكنه لم ينال ما اراد، تزوج مرة واثنان ورزق بالفتيات فقط، حتى ان زوجته الثانية توفيت اثناء ولادتها للذكر الذي أراده وتمناه، فقد اختنق برحمها ومات كليهما،...                     

فقد كان حذره الطبيب بخطورة حملها ولكنه تشبث بالحمل واختار الولد، فُحرم من كليهما، أما الأولى فلا تنجب غير فتيات، وقد أضحت عجوز ، نال منها الزمن ولن تصلح للأنجاب، لذا اتخذ قرار الزواج مره أخرى، لكن تلك المرة سوف يتزوج من فتاة شابة صغيره بالعمر...                    

وقد كان وفعل ما أراد، فما أن وقعت عيناه على زوجته الثالثة تلك الصغيرة الفاتنة، كانت حينها طفلة في السابعة عشر من عمرها، في آخر مرحلة من دراستها الثانوية، وكان يعلم بفقر والدها، فأستغل احتياجه للمال لعلاج زوجته المريضة ومده به، ظلا يعطيه الكثير ويزيد من دينه وكل دين بأمضاءه على وصل جديد بفوائده، حتى نال غايته وكبر حجم المال، لكنه لم يعبأ له كثيرًا، فبالنهاية الظفر بها  يستحق، فهي فاتنه في ريعان شبابها، ستتمكن من أنجاب الكثير من الذكور له...                     

لذا ما أن وصل لغايته وادرك ان والدها لن يستطيع السداد 

طالب بدينه وعندما أخبره بقلة حيلته، وفقر يده، وعدم تمكنه من السداد الأن، حينها عرض عليه ترك المال له، 

مقابل تزويجه من أبنته الكبرى "بوسة"  والتي تعد من عمر ابنتهُ الكبرى، لكن والدها رفض بشدة                     

وحينما خيره بين ذلك والسجن، اصطفا السجن ولا ان تُهلك صغيرته بدون ذنب، ويلقيها بجحيم زوج يكبرها بسنون عدة وتبيت له زوجة ثانيه مجرد آلة للأنجاب، لكنه لم يحتمل ومرض بشدة وبات عاجزًا، تاركا اياها فريسه سهلة الصيد، وما من سند يتصدى له، فأستغل هو الأمر، وفاز بها، 

حينما خيرها هي بين سجن والدها المريض وتركه للموت او الزواج منه وعلاجه بماله، فما كان أمامها غير الأذعان له  وأصبحت زوجته ولو كانت تكره وتشمئز منه...                   

وكم سعد بذلك وانتظر حملها بطفله، حتى ولو جبرًا،  

لكن لم يحدث، كانت تعافر وتحاول بشتى الطرق ان لا يحدث، حتى أنه علم بتسريب مانع للحمل لها من قبل والدتها في الشهر التالي من زوجهما، وكم غضب حينها وعاقبها بشدة ومنعها من رؤية عائلتها، وها هي تسعة اشهر كامله مرت عليها ولا من حمل بعد حتى كاد أن يفقد الامل بها، لتاتي والدته وتخبره عن تلك الشيخة القادمة والتي تعالج النساء ويصبحن حوامل،  ليأخذها جبرًا إليها، وكم فرح حينما علم بحملها لطفله، طغت السعادة حينها على قلبه، لكن تبخرت سعادته وتلاشت...                                                             

وكم تعاظم غضبه لتلك المصيبة التي علم بها، لكنه سيجد الحل مؤكدًا، سوف يجعلها تجهض هذا الزنيم وتحمل بطفله هو كما اراد ... 

لذا اقتحم منزله ما أن وصل إليه، وولج واندفع صوب غرفتها وهو محمل بعواصف الغضب، رفث بابها بقسوة وولجها.. 


انتفضت هي برعب وقد تداركت من ملامح وجهه التي تنذر بالشر فحوى الأمر، لتحتضن جنينها بحماية،... 


لاحظ هو تلك الحركة، فاشتدت تعابير وجهه قاتمه وهو يتقدم نحوها، جاذبًا إياها من خصلاتها هادرًا بها:- 

- كل الشهور دي معايا وبطنك ما تشلش الا ابن الحرام دا . 

ثم تابع وانامله تشدد على خصلاتها مستطردًا:- 

  - بس ملحوقه ابن الحرام اللي ببطنك دا لازم نخلص منه الليلة قبل بكره... 

  ثم جهر بصياح على زوجته الاولى قائلًا:- 

  - يا حسيبة.. 

  أسرعت حسيبة التي كانت تتنصت بتشفي على ما يحدث بينهما الى الداخل، وما ان رأها حتى هدر قائلًا:- 

  - تندلي لعند الداية اللي في اواخر البلد وتجيبيها في سواد الليل عشان تخلصنا من ولد الحرام دا، من غير ما حد يحس... 


امأت له بملامح لا مباليه، نقيضه للفرحة التي تنشب بداخلها قائلة:- 

  - تؤمر يا حج هندل طوالي. 

  ثم تحركت مسرعة تلبي اوامره، وقلبها تتراقص نبضاته سعادة... 


بينما هي رمقته بنظرات أعين صارخه بالتوسل وقد خدش الدمع وجنتيها، فكان بكاءها حاد وهي تحتضن رحمها، شاعرة بكلماته كالنصل البارد المدبب الأطراف الذي غرس بقلبها فيقطر دمًا، صارخه به ان يرحم صغيرها قائلة من بين دموعها:- 

  - طيب هو ذنبه إيه عشان تأذيه، أنت السبب، انت اللي أخدتني بأيدك لعندها عشان احمل،  وأديني حملت،  دلوقت عايز تتخلص منه بعد ما تعلقت بيه، مش هسمحلك، مين ما كان ابوه أنا هحتفظ بيه، وانت طلقني واتركني لحالي.. 


لطم وجهها بقسوة، ثم امسك فكها بأنامله بشراسه وهو يهتف بها بغضبًا جلّ:- 

  - لا مش هطلقك وهتنزليه وبطنك هتشيل ابني اني مفهوم، ومش هستنى لما الداية تيجي انا هسقطك بمعرفتي... 


قال ما قال، وهو يدفعها بشراسه على الفراش، ثم يبتعد مغلق الباب بقوة بالمفتاح ويعود اليها بينما ينزع عنه جلبابه.. 


ارتعد جسدها بعنفوان، وشعرت بالذعر ما أن أدركت ما ينتوي فعله معها مجددًا، ذات الألم وذات الانتهاك الذي لم ينتهي منذ زواجها منه، لكن تلك المرة هناك صغيرها، وعليها ان تقاوم وتحميه، لذا صاحت متوسله:- 

  - ارجوك لا بلاش، ارجوك ارحمه وأرحمني 


إلا أنه تقدم منها بخطوات وئيده ووجه صلد، فأدركت انه لن يتوانى عن فعل ما اراد، فحاولت الهرب والابتعاد عن براثنه، الا انه جذبها من قدميها وأدارها إليه بقسوة، والقى بثقل جسده فوقها يقيدها وهو يلطم وجهها عدة مرات، لتستسلم هي بعد صراع لعنفوانه، وتخور قواها امام شراسته وعنفه الغير آدمي، واخر ما رأته يداه التي شقت جلبابها، قبل أن تبتلعها تلك الغيمة السوداء وهي تتمنى ألا تفيق وتنتزع روحها من جسدها، حتى ترتاح من تلك الحياة الجسورة بالألم... 

**** 

انتهت ميار من ارتداء ثيابها وخرجت من الغرفة، لتجد ظافر جالسًا على احد المقاعد الجانبية بهندام مشعث،  ينحني برأسه ويسندها على مرفقيه،  رفع وجهه ذات الملامح المبتئسه ما أن شعر بها، يطالعها بنظرات سكن الحزن احداقها، تطالب بغفرانها،  لوهلة شفق القلب على حاله،  إلا انه سرعان ما قسى حينما داهمته تلك الذكريات المؤلمة له والحارقة لروحها،  لتحيد ببصرها عنه للجهة الاخرى، التي وجدت ركان بها،  يتجه بخطوات شاردة صوبها، الا يكفيها فؤادها المثخن بما فيه الكفاية، ليعتب ضميرها عليها من اجله، وهي ترى مشاعره اللا محدودة لها،  وعمره الضائع بعشقها، قد كاد أن يتمم الثامنة والعشرون من عمره ولم يتجوز ويستقر بعد، وهو من سرد لهما دومًا عن حلمه بعائلة كبيرة خاصه به، زوجه محبه وأطفال كثر،  

ليتناهى عن ذلك من اجلها هي، ظلّ يتلظى بعشقها سنون عده، بأمل أن تكون له،  لكن الزمن غدر به وألمه بقسوة حينما أقحم عشق ظافر بقلبها وليس عشقه هو.. 


            


              

                    


ليت بأمكانها انتقاء من حب، لاختارت ركان بلا شك،  اختارت عشقه وحنانه وتفهمه، لكن لا من سلطان لنا على القلوب، فهي تقع بالعشق اجتباءً، وليس عليها إلا الخنوع التام.. 


هكذا حدثت ذاتها قبل ان تنتشل من شرودها،  حينما لمستها أنامل ظافر، ارتجف جسدها أثرها، لطالما كان لديها ذات التأثير عليها، يآسرها ويغر بها بلا أدنى مجهود، تسلم حصونها له، وتعلن هيامها به،... 

لكنها انتفضت مبتعدة نفورًا من ذاتها حينما داهمتها ذات المشاعر، وقد شعرت بالبخس حينها، ورمقته بنظرة غاضبه كانت من ذاتها قبل ان تكون له... 


تألم قلبه من فعلتها تلك،  ألهذا الحد بغضته ونفرت منه، ولا ترغب بلمساته، من كانت تذوب بين يديه كقطعة الشوكولا،  الأن تنفر منه،  هل حقًا تأخر بأدراك عشقه لها، هل كان على نادين ان تقتحم حياته مجددًا حتى تنجلي له مشاعره اتجاهها،  وهل خسرها بعدما تبين له كم يعشقها، لا لن يرضى بهذا فقد  علم انها هي الصواب الوحيد بين بحور اخطأه .. 


آه ملتاع تأوه بها وهو يطالعها بنظرات تمني  لو بأمكانه أن يمارس حزنه على زوايا أضلاعها ويشكي لها ما فعلته فكرة غيابها الأبدي عنه وهو يهتف بنبرة مغلفة بالألم والندم قائلًا:- 

  - ميار اسمعني، ارجوكِ اديني فرصة افهمك،  أنا بحــــــــــ 


ألا انها قطعت حديثه وهي تجهر بنبرة شجية قائلة:- 

  - كفاية يا ظافر ارجوك كفاية، قولتلك اننا انتهينا،  كل اللي بيني وبينك دلوقت ابننا، ارجوك بلاش نخسر احترامنا لبعض عشانه وطلقني.. 


ثم تركته وكادت ان تبتعد، الا أنه جذب كفها وتشبث به 

كطفلًا صغير، يخشى فراق أمه، يتوسلها بنظرات صارخه بالتوسل ان لا تفلت يديه وتبتعد... 


ألا أنه لا يدرك أن من كانت أضعف النساء في الحب  هي اكثرهم قوة حينما تتأذي وتتعرض للخيانة، فكل مشاعرها لك ستنقلب عليك وتحاربك بعدما كانت تحارب لأجلك، ستنتزعك من دواخلها وتنهيك من قلبها، فتبيت لا شيء إلا ذكرى مريرة، فأياك ان تستهين بضعفها بين يديك وتظن انك ملكتها يومًا، فتبيح لذاتك جرحها،  فيبيت ضعفها قوة  ستكون هلاكًا لك...  

وها هو يعيش هلاكه، فلم تسمح له و نزعتها بقسوة من بين يديه وابتعدت دون أن تلتفت نحوه ولو لمرة واحده، متوجهه حيث ركان الذي تيبس موقعه يطالعهما، تاركًا لهما حرية الحديث،  حتى وصلت أمامه وتوقفت قائلة:- 

  - يلا نمشي يا ركان... 

وهي تجاهد حتى لا ينجلي حزنها وجرحها له، لكن كيف يخفي يومًا عليه ما تشعر به، فهي دومًا ككتاب مفتوح له... 


  أماء لها وتحرك بعدما رمق ظافر بنظرات خيبه وشفقه على حاله وما أضعهُ وتركه ينسل من بين يديه... 

ثم توجهوا خارج المشفى،  مستقلين السيارة،  عائدين ألي البلدة، ليتولى زمام الأمور لحين عودة أدم الذي اخبره أنه لن يستطيع العودة قبل اسبوعين كاملين،  فقد اخبره بحقيقة وجوده هنا،  فأجابه متفهمًا انه سيتولى الأمر وان لا يقلق، داعيًا لهما بالتوفيق،.. 

**** 

انتفض مبتعدًا عنها ما أن انتهى منها، ليقع بصرها على تلك القطرات من الدماء التي لوثت شرشف الفراش،  وابتسامة انتصار ترتسم على محياه، فها هي رغبته اوشكت على الأتمام وستجهض ذاك الزنيم، وتلفظه من رحمها، وسوف يتأكد من زرع بذرته هو عقبها، وسينجب الذكر الذي طالما تمنى.. 

ارتدى جلبابه وغادر الغرفة، منتظر  مجيء تلك الداية التي سوف تقضي عليه نهائيًا وتنتزعه من رحمها... 

*** 

اوشك قرص الشمس ان يختفي في احضان السماء، نازفًا، متأثرًا بأوجاع اليوم، بعدما شهد انتهاك تلك الصغيرة، تاركًا أياها لعتمة الليل تحيط بها وتدثرها، إلا أن الليل أبى ان يتستر على ما حل بها، فاكتفى، مقررًا ان ظلام ايامها عليه ان ينتهي اليوم، فلن يسود الظلام قبل ان تنجو من براثنه.. 


            


              

                    


وقبل ان تغرب الشمس كليا ويسود الليل ناشرًا الظلام 

تململت "بوسة" بالفراش، شاعرة بالألم يعتصرها، نصفها السفلي تكاد تشعر به يتمزق، حاولت النهوض لكنها لا تستطع من فرط الألم، اعتدلت بجسدها واخيرًا وهي تلملم بقايا جلبابها حول جسدها، شهقة عالية اندلعت من قلبها قدفتها بكفها ما ان وقع بصرها على قطرات الدماء على فراشها، انسابت دمعه من عينيها،  تالها اخرى حتى تحولت لشلالات هادرة، وبكاؤها الناعم تحول لنشيج هستيري، وهي تراقب خسارتها لجنينها، والتي ستجهز عليه تلك الداية التي اسرع في استدعائها، لذا عليها الهروب من براثنهم وانقاذ جنينها.. 

فهذا الجنين هو فرصتها للخلاص منه هو آتى ليكون منقذ لها ولن تتخلى عنه، لذا نهضت من على الفراش بخطوات كسيح تسير، حتى وصلت آلي الخزانة وجذبت أول جلباب أسو طالته يداها، ثم جذبت وشاحًا اخر بذات اللون وارتدتهما، وهي تخبئ وجهها بأطراف الوشاح واتجهت صوب بالباب بخطوات متسلله، تجاهد رغم الالم الذي يداهمها ويكاد ان يفتك بها، فتحت الباب واطلت براسها منه بحذر، تجول حدقتيها حولها تتأكد من خلو طريقها،  لتزفر براحة وتحركت بخطوات راكضه وبداخلها تصيح من الألم، وليسر الله لها كان الطريق خالي، فقد دلف جوزها لأخذ حمام وزوجته لم تأت بعد، وبناته اخرجهم من البيت مع جدتهم، حتى لا يعلمن بما يحدث 

لذا فتحت باب المنزل وهرولت مبتعدة، كحبيس يفر هربًا من محبسه بعد أمد طويل من وجوده به تهرول رغم اعيائها الظاهر، ولم تنتبه لمن وقع بصرها عليها وادرك هروبها 

** 

فقد كانت حسيبة عائدة برفقة الداية الذي طلب زوجها حضورها، والتي كانت تتحادث مع الداية الفضولية التي ما ان علمت منها سر استدعائها وهو اجهاض زوجة زوجها، حتى قامت بربط الاحداث معًا وسألتها قائلة:- 

  - بس ليه حج محسن عاوز يسقط مراته، يكونش الموضوع ليه علاقه بالشيخة الاونطه اللي بالبلدة واللي حملت الستات من الرجل الن** اللي معاها... 

  اسرعت حسيبة بنفي الحديث قائلة:- 

  - اخرسي يا حزينة، ايه االي انتِ بتقوليه دا!،  لو الحج سمعك هيدفنك مطرحك، وإياكِ تجيبي سيرة لحد باللي هيحصل جوا... 

  أماءت المرأة بذعر، وهي تنتبه لتلك التي تتسلل من الدار،  فأولت بوجهها ل حسيبة قائلة:- 

  - مين دي اللي بتتسحب من بيتكم يا حسيبة، اشاحت حسيبة وجهها وتطلعت بالمنزل لتدرك هروب ضرتها الصغيرة، ابتسمت بشر وتهللت اساريرها، من افعال تلك الصغيرة التي سوف تزيد من غضبه عليها، لثوانٍ وشعرت بالحيرة والتردد، ما أن تخبره وتسرع بلفت انتباهه أو تتركها تبتعد ويفضح جزائًا له،، لكن الفضيحة التي ستلحق بزوجها، ستصيب ابنتيها ايضًا، ابنتيها اللتان على وشك الزواج، لذا هرولت للمنزل وهي تجهر؛- 

  -يا حج... يا حج.. 

خرج من المرحاض متجهم الوجه، منزعج من حديثها وجهر:- 

  - خبر إيه يا حزينة، مالك مسروعه وبتعلي حسك ليه 

  تشدقت بسخرية قائلة:- 

  - مراتك الصغيرة لمحتها وهي بتهرب من البيت وقولت اقولك تلحقها قبل ما نتفضح... 

تجهمت ملامحه وانتفض ملقيًا للمنشفة التي بين يديه وهو يجهر قائلً وهو يتحرك اتجاه الغرفة: - 

  -- إيه اللي انت بتقوليه دا، أنا سيبها ملقحه جوا وقطعه النفس.. 

لكنه صعق بصدمة عدم وجودها بالداخل 

اجابته قائلة وهي تطالع خلو الغرفة بابتسامة نصر :- 

  - غفلتك وهربت، وأنت لسه هنا.. 

ما أن تدارك ذاته حتى القى اللوم غليها قائلًا:- 

  -ليلتك طين يا حسيبة شفتيها بتهرب وسبتيها.. 

  - كنت عايزني اجري انا وراها.. 

  هكذا القت كلماتها المتهكمة عليه، ثم تابعت قائلة:ـ 

- روح الحقها بسرعه قبل ما حد يلمحها ونتفضح، انا شفتها مشيت من الطريق الغربي 

  انتفض مسرعًا يخرج من البيت يهرول اتجاه ما اخبرته زوجته وهو يتوعد لها بالعذاب الاليم والعقاب المرير،  فألى اين ستذهب منه!، بالنهاية ليس لها من أحد تلجا له 

ستعود الى منزل والدها، وسيجلبها ويعود بها الى هنا،  وحينها لكل حادث حديث،  إلا انه غفل عن تمرد القدر، الذي قرر اعادة الامور ألي نصابها وانقاذ تلك الصغيرة وانتشالها من براثنه... 


            


              

                    


فقد كانت تسرع بخطواتها، حتى باتت تهرول راكضه وهي تحتضن رحمها ولم تنتبه لسيارة ركان التي كانت عابرة واوشكت على أن تصيبها،  لولا ان ركان تدارك ظهورها من العدم، لكانت جثه هامده الأن، لقد توقف ضاغطً على فرامل سيارته وقد كاد ان يسحق جسدها، لتتجهم ملامحه وهو يرمقها بنظرات غضب جلّ، ثم سرعان ما حاد ببصره عنها وقد تبدلت نظراته الى اخرى حانيه وقلقه اتجاه ميار المرتعبة بجانبه، ولم ينتبه لتلك التي تصنمت موضعها من الصدمة، وقد اوشكت على خسارة حياتها هي وطفلها.... 


بينما هو ترجل من السيارة بعدما اطمأن على ميار، وبصره معلق بتلك التي تتوارى خلف السواد بوجه متجهم، وهو يصيح بها قائلًا:- 

- أنتِ متخلفة 

الا أنا وصل أليه وسمعها تردد بنبرة مرتجفة وقد بدى عليها الصدمة:- 

  - كنت هتموتنا.. كنت هتموتنا 

أجابها بنبرة متهكمه غاضبه ولم ينتبه لمقصدها ويديها التي تحتضن رحمها بحماية قائلًا:- 

  - انتِ اللي غبيه وكنت هتأذي نفسك وتأذينا، في حد يجري كده... 

  ثم ضيق عينيه بتفحص لهيئتها تلك بشك، جسدها ووجهها المتواري خلف السواد ولم يظهر منها غير عينيها متابعًا:- 

  - إلا لو كان هربان من حد، ايوة شكلك عاملة عمله ولا سارقه سريقة وهربانه، وإلا ليه مخبيه وشك كده، انطقي  مهببه أيه.. 


توسعت عيناها وقد أخرجتها كلمته من صدمتها، وانجلت طبيعتها المتمردة التي لم ينجح احد بترويضها وارتسم الغضب على محياها واردفت قائلة وهي تجاهد لتحتمل الألم:- 

  - حيلك حيلك أنت بتقول إيه!، دا بدل ما تعتذر تتهمني بأية عشان تداري على إنك كنت هتخبطني  !.. 


خرجت ميار حينها من السيارة وتوجهت نحوهما، لتستمع لها ولركان الذي تحدث قائلًا بغيظ منها قد تملكه:- 

  - أنا اللي اعتذر منك، ليه انا اللي ظهرت زي العفريت فجأه قدام العربية وبعدين مظهرك هو اللي بيقول .. 


غضبت منه بشده، لكن داهمها الألم مرة أخرى واعتصرت رحمها بيديها وهي تتأوه مما اثار انتابه ميار وريبته منها ومن هيئتها، فتقدمت نحوها ميار قائلة بقلق:- 

  - انتِ كويسه، تأذيتِ!.. 

  هتف ركان بنبره متهكمه وهو يبعدها عنها بقلق عليها:- 

  - تأذت ايه هي العربية لمستها اصلًا!، دي اكيد بتعمل حوار عشان تهرب، أنا متأكد انها عامله عمله... 


رمقته بنظرة غاضبه وهي لا تزال تحتضن رحمها بألم واطلقت تأوه صارخ مجددًا، لفت انتباه ذاك الذي يبحث عنها، فاسرع اتجاه الصوت، ليلمحه ركان وهو يهرول اتجاه من بعيد، فأردف قائلًا:- 

  - مش قولتلك شكلها عامله حاجه وهربانه منها اهو حد جاي وراها أهو.. 

  تملكها الذعر وهي ترفع وجهها وتطالع مقصده، ليرتعد جسدها بعنفوان ويتضاعف آلامها وهي تراه من مسافة بعيده يتقدم نحوها وهتفت بنبرة مغلفة بالتوسل قائلة لميار: - 

  - ارجوكِ خديني للمستشفى قبل ما يوصل، هيموته لو لقانا ووصلنا.. 

  تداركت ميار مقصدها من خلال يديها المشتده حور رحمها واردفت بتساؤل:- 

  - انتِ حامل!.. 

  أمات لها وهتفت بنبرة مغلفة بالألم ومرارة الفقد:- 

  - وبنزف بسببه.. 

  كلماتها اثارت انتباه ركان الذي تطلع إلي جسدها الصغير المتواري خلف هذا السواد بدهشه وشعر بوخزه بداخله،  وهو يراقب الذعر الذي تجلى له في نظرات عينيها وارتجافه جسدها وذراعيها المشتده حول خصرها، وبخبرة ضابط وانسان ترك الحنق منها لتصرفها الارعن منذ قليل وتدارك أن تلك التي أمامها، تعرضت للأذى الشديد وتدارك مغزى ظهورها فجأه وهو الهروب من براثن ذاك الذي يتقدم نحوهم وهي تتراجع للخلف والالم يشتد بقوة لم تحتملها، بجانب الذعر الذي اعتراها ما اذا أعادها الى المنزل وشعرت بقدميها لا تحملانها وقد فقدت قدرتها على التحمل والوهن هو كل ما شعرت به، فقد اشتد النزيف لتستلم كليًا للضعف الذي تملكها وما كادت أن تسقط بعدما اصطدم ظهرها بصدر ركان والذي تلقفتها يداه بدعم لها من السقوط، لينزاح واخيرًا الحجاب الذي حجب وجهها، ليظهر له وجهها المتورم من شدة الضرب الذي تعرضت له منذ قليل، لتزداد ملامحه تجهمًا، وهو ينصت لهمسها قبل ان تفقد وعيها:- 

  - ارجوك انقذ ابني منه.. 

قبض قلبه من هيئتها تلك وقد تدارك صغر عمرها حقًا  الذي قد تداركه سابقًا من نبرة صوتها، فقام برفع يداه الاخرى لحملها، إلا أنه ما أن لمسها، حتى شعر بالسائل اللزج الذي لوث ثيابها، ليزيح يده بتفحص، فيدرك انها تنزف حقًا، فأسرع بحملها واتجه لسيارته وميار التي تحركت لتفتح بابها له، وقام بوضعها بالداخل تحركت ميار بالصعود هي الاخرى وهي يعتريها الشعور بالألم لأجلها،  فهي تدرك جيدًا مشاعرها الأن... 

بينما هو تحرك ليلتف حول السيارة متوجه الى مقعده 

لكن وصل محسن ووقف حائل بينه وبين سيارته وهتف قائلًا بملامح وجه متجهمه بصوتًا صلد، جاف :- 

  - رايح فين وواخد مراتي... 

وكان ذلك قبل ان يتدارك هوية الذي أمامه، فارتعد بقلق منه، بينما ركان ذهول ودهش سيطر عليه وهو يطالع بتفحص، لا يستعب ما قال، وان ذاك العجوز هو زوج تلك الصغيرة... 

لحظه هي كل ما مرت وصمت سحيق ساد حتى أنه لم يدرك كيف سيطر عليه غضبه حينما تردد صدى كلماتها بعقله وهي تترجاه أن ينقذها هي وصغيرها، ويلوح امامه وجهها المتورم، وقام بلكم ذاك الذي أمامه بقوة اسقطته ارضًا وانحنى نحوه بغضب قائلًا:- 

  - أنت اللي عملت فيها كده!. 

ارتعد محسن بذعرًا منه ولم يدرك ماذا يقول له،  حتى أعاد السؤال مرة اخرى، ويداه ارتفعت لتلكمه مرة اخرى 

فلاحت له فكرة بشعه كدواخله، نفذها بسرعه للهرب من بطشه،  واماء له وهو يهتف قائلًا:- 

  - عاوز اموت ابن الحرام اللي ببطنها .. 

  تجمدت يد ركان بالهواء ما ان استمع لهدره، والآخر يتابع قائلًا بمسكنه وزيف:- 

  - مستني مني إيه يا حضرة الضابط لما اعرف أن مراتي حامل بأبن خرام، ما شفتش قدامي، وغضبي عماني... 


            


              

                    


تركه ركان والشك اتجاهه يسيطر عليه، لكن هي بذاتها من قالت أنه يريد قتل الطفل، وما الذي يدفع رجل لقتل زوجته وطفلة الا إذا كانت خائنه، ولكن كيف لتلك الصغيرة ان تكون وكيف تزوجت من ذاك الكهل الذي بكبرها بكل هذا العمر.... 

سحبه من زخم أفكاره، صوت ميار التي تستدعيه ليسرع لأنقاذ تلك الفتاه، فأذعن لها وتحرك صوب سيارته، تاركًا محسن يفترش الارض كما كان، فليذهب بها ألي المشفى الأن، وليترك الامر مؤقتًا، واستقل سيارته الى المشفى القريبة بالبلدة، وهو يتابع ميار عبرات ميار  وحزنها على تلك الصغيرة، التي لا يدرك بعد هل هي حقًا كما ادعى عنها زوجه خائنة، حتى وصل للمشفى واسرع بالترجل من السيارة وحملها متوجه بها الداخل، يستدعي طبيب لفحصها، فجاءت احدى الممرضات بسرير نقال لها وقام بوضعها عليه وتحركت بها وتركته واقف موضعه هو وميار التي لحقت به.... 


*** 

دخل رحيم ألي منزله، شاعرًا بالإرهاق وحدقتيه تجول بأركان المنزل بحثًا عنهما، ليستمع الى صوت يصدح من مطبخه، فتوجه صوبه، ورائحه جميله تتسلل الى انفه، وقف أمامه متيبس وهو يرى سارة واقفه بمطبخ المنزل دون حجاب رأسها، وعمران برفقتها وكليهما وجهه ملطخ بالدقيق، يترقبا الفرن، ثواني وانبعث صوت الميكروويف دلاله على نضج ما بداخله، فأسرعت سارة صوبه وأخرجت قالب من الكيك بالشوكولا وهي تترقبه بفرحه لنجاحه وكذلك عمران الذي صقف بيده سعادة وهي تضعه على رخامة المطبخ، كان مشهد ولا اروع، لم يسبق له رؤيته من قبل، فلم يسبق لنرمين التواجد بالمطبخ، فدومًا هناك من يساعدها، طيلة سنوات زوجهم لم يشهدها مرة بداخله، بالأساس سنين زواجهم قد تصفى غلى عامين او عام فقط، حيث انه عقب زواجهم تم نقله ألي بلدة بسيطة 

وقد رفضت المجيء معه، لذا كان يقضي معها يومين فقط من كل اسبوع، ويكون كل شيء جاهز حينها، فخادمة قصرهم تأتي قبلًا لتنظيف المنزل وتحضير الطعام اللازم والمغادرة، لذا رؤية مثل هذا المنزل اشعرته بجو عائلي افتقده واشتاق له منذ وفاة والديه.. 


ظلا يترقبهما بسعادة انجلت على محياها،  حتى أنه تناسى  

الإرهاق الذي شعر به وسيطرت عليه البهجة... 

حتى انتبهت ساره له وانتفضت مسرعة تبحث عن غطاء رأسها وتضعه عليه، مما جعله يغفل ويستدير حرجًا مغادرًا المطبخ وقد لحق به عمران ألي الخارج مهللًا لعودته الى الصالون وجلس على الأريكة بينما عمران اتبعه وجلس على قدمه وبدأ يقص لها أحداث اليوم، وما فعله ما والدته من رسم ولعب وحتى طبخ واخبره أنها صنعت له ما يفضله من طعام، ثم صنعا الكيك بالشوكولا وانهم تشاجرا بالدقيق والشوكولا سويًا وبالنهاية اخبره انه قضي يوم رائعًا مع والدته ثم قبله شاكرًا لإيجاده لها  .. 

بينما هي توترت للحظات بالداخل، قبل ان تتحرك وتنظف وجهها وتعيد تضبيط حجابها وتتحرك للخارج حيث  هو جالس، واردفت وهي مطأطأه لرأسها قائلة:- 

  - عايزة ارجع البيت اجيب أوراقي وهدومي من هناك.. 

  كبت انفعاله وأردف بنبرة حانيه لعمران قائلة:- 

  -عمران ادخل اوضتك شوية على ما اتكلم مع ماما.. 

انصاع له عمران وتوجه لغرفته، بينما هو نهض من على المقعد وتوجه نحوها حتى بات أمامها، فارتدت هي للخلف لا اراديًا، أزعجه هذا لكنه تفهم واردف قائلًا:- 

  - سارة بالنسبة لأوراقك دي سهل انا هجيبهملك، اما اي شيء تاني من بيت الحقير دا مش هتحتاجيه، انا هجبلك كل اللي انتِ عايزه... 

  تطلعت أليه بشراسة واردفت قائلة:- 

  - وأنا مش عاوزه منك حاجه، وعايزة اروح اجيب اوراقي وهدومي وكل اللي يخصني واشتريته بفلوسي... 

ضغط على قبضتيه بضيق من تصرفاتها، ثم سحب شهيق يليه زفير ثم قال:- 

  - سارة اظن أن قولتلك امبارح إننا لازم نتكلم ونقفل صفحة الماضي، عشان كده لو سمحت ممكن تقعدي وتسمعيني، لازم احكيلك كل شيء ووقتها هيكون ليكِ الحكم في شكل علاقتنا، بس عايزك تعرفي اني معرفتش بوجودك، إلا من شهور بس

بسم الله الرحمن الرحيم


🌺🌺روايه حدث بالخطأ🌺🌺            


              بقلم            ♥ دينا العدوي  ♥ 


البارت الخامس عشر 

🌺🌺

في ملحمة عشقك سأغزو كرجلًا مِحْراب 

راغب بالفوز ونيل الوصال، قلبك غنيمتي 

واتحلى بالأصرار، لنيل عشقً كُبلت به ولم اختار 

قلبي يضرم بصدري كأعصار يُثار وقد اتخذ القرار  

الصراع حتى الانتصار، بين عشقي وحصون سوف تتصدع وتنهار أمام غزو عشقًا آبي وأشواقًا من نار...

لن يكون هناك من خيار ، وسترفعين رايتك البيضاء 

تعلنين الانهزام وأن لي كان الانتصار، فأقتحم قلاع قلبك 

وأُكبله مثلي بالغرام، وانثر بأرضك شغفًا بي سأرويه 

وأراعيه حتى يبيت هوسًا وعشقًا بي، واستمع لأعلان قلبك وتتوجيه أميرًا لي....

**

"انا ما عرفتش بوجودك الا من شهور بس يا سارة، يوم وفاة نرمين"


                      


هكذا القى ما بجوفه دفعه واحده، راغبًا بالبوح بكل خبايا الماضي حتى ينتهي منه ويلقيه خلفه  ..


                      


 بينما صعق خبر موتها سارة التي أترفت عينيها دمعه وارتسمت ملامح وجهها حزنًا وهي تردد كلماته بضيق صدر 

"ماتت"


                      


أماء لها مخرجًا نفسًا مثقلًا  وهو يجذبها برفق ويجلسها على الأريكة ويجلس مقابلها، ثم عاد بذاكرته الى الخلف...


                      


فلاش باك 

كان جالسًا بمكتبه بإحدى البلدات بمحافظة الشرقية كما اوصى نقله، يتابع عمله بشرود، حيث هناك قضية قتل تشغل رأسه وترهقه منذ عدة ايام،  وكم يرغب ان ينتهي منها قبل يوم الجمعة موعد اجازته وعودته لزوجته وصغيره،  حتى قطع عمله رنين هاتفه النقال، وكان رقم والد زوجته فأجاب عليه مسرعًا بقلقًا لمهاتفته له النادرة 

وهو يهتف قائلًا:-

  - رحيم سارة عملت حادثه بالعربية ، تعالى بسرعه

تجهمت ملامحه واتسعت حدقتيه صدمه وهو يتهدج قائلًا بنبرة مغلفة بالوجل والارتياب من الاجابة وهو ينهض ملتقط اشياءه ويخرج مسرعًا: -

- بتقول إيه حادثة إيه!، طيب وهي بخير وعمران.. 

اجابة الاخر بصوتًا مرتجف:-

  - عمران كويس يا رحيم، بس سارة اللي حالتها خطيرة،  هي كانت لوحدها بالعربية...  

  اجابه وقد كان وصل إلى سيارته قائلًا:-

  - طيب انا جاية في الطريق حالاً، بس قولي انتم بمستشفى ايه..


  لقنه عنوان المشفى واغلق، بينما هو اسرع بقيادة سيارته ألي العنوان وهو يشعر بالقلق عليها يتسلل بين جنباته، حتى وصل الى المشفى بعد مرور ساعتين وكان قطع الطريق بنصف الوقت لشدة سرعته وهو يتابع مع حماه الذي اخبره بخروجها من الجراحة وبقاءها بالعناية المركزة ..


                      


وصل رحيم الى المشفى وولج مسرعًا وهو هدج سألًا موظفة الاستقبال عن مكانها، ما أن اجابته حتى هرول صاعدًا اليها دون ان ينتظر المصعد الشاغل، حتى وصل إلى الدور المعني ولمح حماه يقف متهدل الاكتاف، مطأطأ الرأس، أتجه نحوه بخطوات وئيده حتى وصل إليه واردف بنبرة وجلة قائلًا:-

  - نرمين عاملة إيه دلوقت يا عمي، الدكتور قالك إيه!..

  رفع حماه عيناه شديدة الاحمرار من كثرة البكاء وتلعثم قائلًا:-

  - بنتي بتضيع مني يا رحيم، نرمين حالتها متأخرة أوي، وأملها انها تعيش صعب، الدكتور عندها جوا...


  صعق رحيم من هذا الكلمات الاشبه بالسيط الذي رجم به قلبه بقوة حتى ادمى وكسى الحزن ملامحه وصمت ولم يستطع التفوة بكلمه مواسيًا وأتكأ بظهره على الحائط بأسى، ورن الصمت بينهما للحظات...


                                  


              

                    


كلًا منهما يشعر بألم غائر، منتظرين خروج الطبيب إليهما، الذي خرج بعد دقائق معدودة، فانتفضوا متجهين صوبوا فأردف قائلًا بتساؤل:-

  - مين رحيم.. 

هتف رحيم معرفًا عن ذاته، فأردف الطبيب قائلًا:-

-المريضة بتردد اسمك ومصره تشوفك، رغم حذرناها ورفضت تخدير تاني، عشان كده هيجهزوك تدخلها وبلاش تتعبها..

أماء له رحيم بالموافقة، والطبيب يشير للممرضة لتأخذه وتجهزه للدلوف ألي العناية، بعد لحظات كان رحيم قد ارتدى الثياب المناسبة وولج ألي العناية، وبصره معلق بها وكم المه رؤية كل تلك الاسلاك موصولة بها، وصل اليها وهمس بأسمها، فأفرجت عينيها له، تطالعه بألم فاردف قائلًا:-

  - الف سلامه عليكِ يا نرمين ان شاء الله هتخفي وتقومي بخير وسلامه...

  أماءت له براسها نافيه والعبرات تنساب من مقآيها وتلعثمت قائلة:-

  - لا يا رحيم دي النهاية، عشان كده طلبت اشوفك قبل ما اموت، لازم اقولك الحقيقة، يمكن ربنا يغفر لي..


  طالعها بعدم استيعاب ولكنه لاحظ شحوب وجهها وارهاقها الزائد فأردف قائلًا:-

  - مش وقته يا نرمين، مش مهم، بلاش تتكلمي دلوقت عشان ما تتعبي..

  أماءت له بالرفض متممه لحديثها قائلة:-

  -- لا لازم اتكلم..

ثم اخذت تتنفس بصورة ملاحقه باختناق، لكنها تابعت بأصرار مستطرده:-

  - عمران مش ابني يا رحيم..

  صدمه ألجمته، كلمه كانت ولكن حروفها كالجمرات التي هوت على قلبه فأحرقته وتهدج قائلًا باستنكار ورفض:-

  - إيه بتقولي إيه يا نرمين!،

  تابعت قائلة:-

  - دي الحقيقة عمران مش ابني، هو ابنك أنت وسارة..

  ثم عادت للتنفس بقوة وهي تسعل قائلة:-

  - سارة أمه ولازم يرجع لها، قولها تسامحني يا رحيم وانت كمان سامحني، انا عملت كدا عشان بحبك صدقني..


  بينما هو كان يطالعها بنظرات سائغه، ووعي مشتت، وملامح تائهة، مرددًا بعدم استيعاب:-

  - سارة مين دي يا ترمين!، انتِ بتقولي أيه!..

  لم تجيب سوا طلبًا بالمغفرة حتى اختنقت وسعلت بقوة  وتعالي صفارة جهاز رسم القلب بجانبها الذي هلعه وانتزعه من صدمته، ليهرع الاطباء ألي الداخل  يصطدمون به ويزيحونه وهو كورقه في مهب الريح،  فأبتعد بأحدي اركان الغرفة ونظره مثبته عليها،  هو يرى توقف قلبها ومحاولتهم انعاشها لكن عقلة  كان ضائع، هناك عاصفه هوجاء تطيح بتعقله، حتى وجهته الممرضة ألي الخارج، لكنه لمح توقف الطبيب وأعلن وفاتها.

**

 مرت الساعات وحان موعد دفن الجثمان، لم يتحدث رحيم عما اخبرته إياه زوجته الراحلة مستنكرًا له ولا يستعبه، لأول مره يشعر بالضياع والجميع من حوله مبتئس، منهار...


كان يحمل النعش ويسير به حتى المقابر، وبدأوا بدفن الجثمان وسط جمع من الناس، يقرؤون الفاتحة ويدعون لها، حتى انتهوا من دفنه وأحكام غلق المدفن، وكم هو متبع وكما أوصانا الرسول بالدعاء للميت عقب دفنه فهو يُسال، بدأ الشيخ بالدعاء والجمع يردد خلفه، حتى انتهوا وبدأ الجمع في التفرق والذهاب لرؤية حياتهم، تاركين الميت وحيد، يتلقى الحساب، وعمله وحده هو الباقي له، فأما الهلاك او الخلاص.... وأما راحه ابدية او عذاب سرمدي...


            


              

                    


بينما هو وقف يتلقى العزاء بها، بعدما انتهوا من دفن جثمانها، يواسيه الجميع ويشفقون عليه بفارقها، لا يدري احدًا بتلك الأعاصير بداخله، والتحطم الذي لحق به، هناك غضب كامن بداخله، لو ثار لكان بركان هائج يطال الجميع من حوله ويهلك به... 

يراه البعض صلد، جاف، لا يبالي والبعض يظن أن الدمع قد نضب بمآقيه من شدة حزنه، بينما هو منصدم، تتراقص الحسرات والخيبات أمام وجهه فتزيد من غضبه وتجهمه..

لقد انهزم وهو من لم ينهزم قبلًا، كيف كانت حياته وكيف باتت لينهار عالمه بلحظه!..

حاد ببصره عنهم وثبته على قبرها، يطالعها بنظرات لوم وعتاب، ربما صامت لكنه صارخ لو استمع لصم الأذن وألم القلوب، كيف لها أن تفعل ما فعلت!، ثم غادرته بعدما القته بتلك الهوة السحيقة، كل مشاعره نحوها تبدلت، بات ناقمًا عليها لا يشعر إلا بالغضب والبغض والكر ه اتجاهها..


مشاعر لم يظن ان يشعر بها يومًا، لكنها سكنته بسببها..

انتشله من زخم افكاره ولهيبها الحارق، صوت رفيقه ركان الذي آتى ليواسيه بعدما علم بمصيبته وهو يهتف بأسمه مناديًا:-

-رحيم 


استدار له وقد أنتبه لوجوده من بين العديد من اصدقاء دفعته الضباط المنتشرين بالمحافظات، والذين يحرصن على الوصال بينهم والالتقاء معًا، مخططين معًا للتكاتف وانتزاع الجريمة، وهذا الوصال بينهم ما جعلهم يكتشفون عدد قضايا وعدد متهمين هاربين من محافظة لأخرى، فما أن يدرك احدهم عن وجود هارب ما او مجرم بمنطقة الاخر حتى يُعله، وتعاونهم هذا نتج عنه حل العديد من القضية 

وأمن مستتب نوعًا ما في محافظتيهم، وهذا ما جعله أيضًا يسرع في اكتشاف تلك الدجالة، والذي علم من احد اصدقاء دفعته وكان ضابط بمركز اخر، تمت فيه تلك الحادثة، وتم اكتشافها، حيث كان هناك زوج لا ينجب وحملت زوجته، حينها ظن بأنها قد خانته، فلم يحتمل هذا وقام بقتلها والانتحار، ومع التحقيقات مع ذويهم تم كشف امر تلك الدجالة وملاحقتها في سرية تامه، حتى علموا بوجودها بتلك البلدة التي يخدم بها كلًا من رحيم وركان، فتمكنوا من انقاذ عدد وفير من النساء التي قد يقعن ضحيه لها بالمستقبل، فهكذا يثمر التعاون  ....


بعد مرور وقت غادر الجميع وتبقى هو وحيد شارد، فما أن انتهي من العزاء واندمل قرص الشمس في احضان السماء 

حتى ولج رحيم الى مكتب حماه متجهم الوجه والغضب بدى كدخان يتبخر من كل انشًا به، فمنذ الصباح وهو يشتعل على مراجل الحيرة وعدم الاستيعاب وقد فاض به، عليه أن يعرف كيف خدع وانجب من اخرى مجهولة عنه 

فجهر قائلًا:-

  - انا عايز أعرف اللي نرمين قالته دا!، يعني إيه عمران ابني مش ابنها، عايز افهم انتم عملتوا إيه، وازاي ابني أمه واحدة تانية  وانا معرفش!، إزاى خدعتوني!..


كان هو بحاله يرثى لها، الحزن على فراق ابنته قد فتك به، الان ادرك عظمة ذنبه وأنه ينال عاقبة افعاله لقد حرم من طفلته كما حرمها من صغيرها، تنهد بأسى وأجابه وهو يرتمي بجسده على مقعده قائلًا:-

  - العينة اللي خدنها منك على اساس هيتم زراعتها برحم نرمين زرعناها في سارة،  انت عارف ان نرمين وصلت للمشفى قبلك، على ما انت ترجع من شغلك، في الوقت دا كانت سارة معاها، جاية تساندها، وخدرناها والعملية تمت ليها هي بدل نرمين، وبعدها تظاهرنا ان كله تمام كان الامر سهل لغيابك الدايم، انت ما كنت بتيجي الا يوم بالأسبوع واوقات تضطر تكنسل اجازتك...


  دهشه اعترت محياه ممتزجه بالمقت منهم، لا يستعب سقوطه بالفخ الذي نصبه له بسهولة، ولكن كيف لقد ذهب معها للطبيب رأى جنينه برحمها واستمع لنبضه، كيف كان هذا خدعه، فتحدث بما يختلجه، ينتظر اجابه على سؤاله، فأجابه قائلًا:-

  - كان تسجيل لعمران بس في رحم سارة أمه..


  انتابه شعور بالغثيان والقرف منهم ومن تلك ام صغيره التي تركته خلفه ولم تهتم، فأردف قائلًا باحتقار:-

  -- وازاي في ست تقبل كده على نفسها، تحمل بأبن رجل غريب عنها وترمي ابنها ولا تهتم ليه ولا تسأل عنه..


            


              

                    


اجابه بصوتًا مهزوز وألم يداهمه وشعور بالندم يعتمره:-

  - لأنه بالنسبة له ميت، اول ما تولد قولنا لها انه اتولد ميت!..

 فغر رحيم فاهه بدهشه، ولم يحتاج الآخر لسؤاله ولم ينتظره واستطرد يسرد له كل شئ قائلًا:-

  - من البداية وهي انخدعت،  شوية عصير مضاف ليه دوا، اتسببلها بمغص وبعدين تم تخديرها أول ما وصلت المشفى وتمت العملية وفهمناها انه كانت غلطه، خطأ...

  اردف رحيم بتهكم قائلًا:-

  - وصدقت، في حد غبي يصدق الكلام دا..

  لكن اصمته صدمته بكلماته عندما قال:-

  - انت بتتكلم عن بنت عمرها تمانتشر سنه، وحيدة ابوها وتربية راجل، جاهله عن كل شيء....

 كلمات تلك ام احجار صلبه يقذف بها وهو يستمع لها، نفور اجتاحه اتجاههم، شعر به شيطان يستحق الرجم وابنته مثله، وبلحظة رجمه عقله بخاطرة حطمت ثابته بعدما استوعب حديثه واخبره بعمرها، فتحدث لسانه عم يجول بعقله قائلًا:-

  - دي صغيرة، ازاي تعملوا فيها كده وتحطموها..

 ثم اتسعت عيناه بذعر واهتاج النبض بصدره وهو يتسأل  بنبرة صوت مرتجف:-

  - كانت بنت!..

  أماء له بعذاب ضمير يكاد يفتك به وهو يستغفر ذنبه وذنب ابنته، بينما جحظت عين رحيم كليًا والمه قلبه على تلك الصغيرة وما تعرضت له وكان مشاركًا به دون علمه..

فاهتاج واستعرت نيران الغضب بداخله، حتى تجهمت ملامحه بشراسه واجرام، يود لو يفتك بذاك الجالس امامه 

شرار الحنق يتناثر منه والغضب بات كدخان يتبخر من كل انشًا منه وذكريات الماضي تضرب راسه بقسوة وتذكره كم كان غبيًا جهرًا به:-

  - انتم إيه!، اكيد مش بني أدمين، ازاي تعملوا كده وازاي كنت غبي عشان اصدق بعدها وغيابها وتوترها اول ما تمت شهور الحمل الاولى واللي كان تمثلها فيه فوق الممتاز، غثيان وتجري على الحمام في الايام اللي بكون فيها هنا، وأول ما دخلت في الشهور اللي المفروض يظهر الحمل، تعمل مشكله كبيرة بنا من العدم وتزعل وبعدها أنت تقولي أنه بسبب الحمل وان الدكتور قالك حالتها خطيرة، فقررتم تسافروا امريكا عند عمتها تولد هناك، وطبعا انا مش هينفع اسافر عشان شغلي، ووافقت عشانها، وسبتها تسافر 

 بس المكالمات الفيديو اللي كانت بنا وبطنها اللي كنت بشوفها بتكبر كانت كذب وخداع هي كمان، شغل افلام انطلى على الضابط رحيم اللي ادرك انه غبي، فعلا غبي وفجأة تتصلوا وتقولوا الطلق داهمها وولدت مبروك يا رحيم تعالى شوف ابنك ويصدق رحيم ويسافر بسرعه عشان يشوف ابنه ويرجعه هو ومراته، مراته اللي كملت تمثليتها  بجدارة وان حصلها مضاعفات لخطورة حملها وسبب لها صعوبة في الحمل مرة تانية، ورحيم يصدق ويواسي، ويقولها كفاية انتِ وعمران في حياته ما كان مستحيل يتوقع يكون في خبث وكذب وخداع بالشكل دا، 

 لا وتكمل بحزنها أن ابنها رفض الرضاعة الطبيعية وفضل البابرونه، معقول كنت غبي بالشكل دا، وما شكيت فيها..


كان صدره يعلو ويدنو من فرط انفعاله وهو يتحدث دون انقطاع، ثم ضرب المكتب بقبضتيه باهتياج وهجر قائلًا:-

  - عايز اعرف كل حاجة عن ام ابني،  هي فين!.. 

  أجابه دون ان يفشي سر زواجها من احد رجاله فقد اكتفى بما اخبره به ولن يزيد عليه:-

  - اسمها سارة حفظي وتجوزت وعايشه في البلد اللي فيها العزبة بتاعتنا مع جوزها... 


جوازها كان صدمه أخرى له،  لا يدري لما شعر بهذا الغضب حينها، هل شعر بالشفقة عليها!،  ام لأنه رغب تعويضها عما عاشته وأراد جمعها بصغيرها، ولم يدرك أن قلبه الذي اوشك ان يهدر نبضاته لها وهو من انقبض من تلك الأيجابه ونفرها.... 

حينها خرج من الغرفة متوعدًا، وتوجه الى غرفة صغيره بهذا القصر وحمله وغادر هذا المكان الملعون هو وساكنيه،  ووضع صغيره بالسيارة وصعد هو الاخر وقادها وهو يهاتف ركان قائلًا:-

  - عايز كل المعلومات عن وحده اسمها سارة حفظي عندك بالبلد وبأسرع وقت يا ركان...


            


              

                    


 وهكذا سعى ركان لمعرفة مكان سارة واخبره به ليأتي رحيم لرؤيتها بعدما سرد له كل شيء وكيف كان غبيًا وكانت هي ضحية ساهمه في نحرها دون أدرك،....


ولم يدري ان عند رؤياها سوف يقع القلب لها،  حتى أصبح يأتي لرؤيتها خصيصًا من بعيد ولم يجرأ على الحديث معها 

 ليتخذ القرار ويستخدم نفواذ عائلته لأول مرة في طلب نقله الى تلك البلدة، ليكون هو وصغيره بجانبها، وظلا هكذا،  لشهرين كاملين يريد البوح ويخشي،  في البدء لم يشك بزوجها ابدًا،  حتى حركته الغيرة لمراقبته،  ليدرك تلك الثروة المخبأة الذي يمتلكها ومع بحث وتحقيق دقيق ومساعدة رفقاء له، استطاع الوصول الى اوراق حسابه البنكي والتي تيقن منها انه احد رجال حماه السابق، وتزوج بها مقابل المال،  وهذا ما سرده له حماه عندما ذهب اليه ليتأكد فلم ينكر،  بل اضحى يسرد له عن تهديده الدائم وطلبه للمال... 


حينها قرر البوح واخدها منه عنوه وتحطيمه على فعلته بها،  لكن للقدر خطط اخرى، فقد حدث ما حدث واجتمعوا سويًا..


هكذا انهى سرده لها عن كل ما حدث معه دون ان يغفل تفصيلًا واحد أو لعله غفل!...

بينما هي كانت تنصت له بمشاعر متضاربة، تشعر وكأنها تائهة، كيف لها ان تصدق حديثه وعدم علمه بها، وهم من اخبروها برفضه لها وبغضه منها ومن الزواج بها، كيف لها ان لا تصدق حقيقة عدم علمة بكونها الام الحقيقية لصغيره!، هل ضابط مثله يسهل خداعه!، لكن كل شيء مخطط له بجدارة، واي أحد كان يستطيع خداعه، وربما لأنه زوجته وعائلته لم ينتابه الشك نحوها..

غاصت بصمتًا طويل والحيرة التي تعتملها، نشبت صراعًا قويًا بين قلبها وعقلها، وخوفها من تصديقه، وكانت ملامح وجهها تعبر عما تشعر  به، بينما هو  ظلا يراقب تعابيرها بانتظار بوحها بكلمات من شيمها ان تهلكه أو تسعده

فآه لو تدرك كم غرق فيها وكساه العشق لها من رأسه لكاحله، كم يود غمرها بين ثناياه ويتوقها بذراعيه ويبوح بعشقها الكامن بأعماق قلبه وروحه، يخبرها أنها من فتنته ولقنته الحب دون جهدًا مضني منها، فقد يكفي النظر الى عينيها ليفتن بها، ألي متى سينتظر وصالًا يجمعه بها ينتهي بحضنًا دافئ لها... 


، هكذا ساد الصمت السحيق بينهما، حتى ضاق صدره  واختلج النبض بقلب رحيم من رؤية نظرات عينيها التي يقرأ بها تكذيبها له، ورغم أنه تألم الا انه تفهمها وأدرك صعوبة الأمر،  فهو لم يصدق كيف خدع، لذا حرص على جلب دليل لها يثبت صحة اقواله، لذا تنهد قائلًا:-

  - عارف إنك لسه مش مصدقاني وأنه صعب تثقي فيا يا سارة، عشان كده عملت حسابي  وجبتلك دليل براءتي وأدانت عمر وبصوته هو..


  وأسرع بأخراج هاتفه وهو بضغط أزراره حتى صدح صوت رحيم وعمر في نازع حاد...

**

فلاش باك اخر

بعدما انتهى رحيم من محادثة ركان واغلق هاتفه، حتى وضعه بأرهاق على مكتبه ونهض وارتمى بثقل جسده على أريكة مكتبه مستندًا براسه على مرافقيه وهو يثني ركبتيه محملق بالسقف لدقائق حتى زفر متنهدًا بضيق صدر، يفكر في لحظة البوح ووجوب وجود معه، لتلوح تلك الفكرة له، فيسرع بالنهوض وجلس على مقعده وهو يستدعي الحارس من الخارج قائلًا:-

- هاتلي يا بني السجين عمر اللي حبسته امبارح  

اماء له العسكري وذهب ليلبي طلبه،  

بينما هو جذب هاتفه وحدق به للحظات وابتسامه جانبيه ارتسمت على محياه ما لبست دقيقه واختفت، حتى طرق باب المكتب  فضغط زر التسجيل به وأعاده كما كان، وأذن للطارق بالدخول...


            


              

                    


دخل الضابط ممسكًا بعمر المتجهم الملامح، يرمقها بنظرات غضب دافين وبغض، يتمنى لو ينقض عليه وينتزع روحه، بينما بادله رحيم ببسمه ساخرة، ليجهر عمر بغضب قائلًا:-

  - ممكن افهم انا هنا ليه وهخرج امتى!..

  هتف رحيم امرًا العسكري بالانسحاب، فاذعن له وغادر، بينما ظل رحيم وعمر على وضعهم للحظات، حتى جهر عمر مجددًا قائلًا:-

  - انت حبسني هنا ليه!، اوعك تفكر إنك بكده بتخضعني وهتقدر تأثر عليا وتجبرني اطلق مراتي...

  لم يجيبه رحيم بل نهض من على مقعده يهز رأسه وبسمه شيطانيه ترتسم على محياه، وهو يتوجه نحوه، وبلحظه لم يدرك عمر كيف جذب رحيم رأسه واطرقها بطرف المكتب.  بغضب وهمجيه نزف انفه بقوة منها، وهو يهدر قائلًا:-

  - مراتك اللي  تجوزتها بالكذب والخداع، بعد ما قبضت اتمن، تفتكر بعد ما أحكيلها حقيقتك الوس** هتعيش معاك ثانية وحدة...

 لم يبالي عمر بتلك النزيف وذاك الألم بل صاح بشراسه قائلًا باستهجان وقد وقع بالفخ:-

  - وتفتكر انها هتصدقك، وانت بالنسبة لها الشرير الاعظم اللي دمرها، واللي كان على علم بمخططهم ورفض يتجوزها، دا أنت اكثر واحد بتكرهه رغم انها ماشفتوش..


ها قد اوشك على الوصول لمبتغاه، فتابع بمكر مأردفًا:-

  - هحكيلها الحقيقة واقولها اني ما كنت اعرف واني انخدعت زيها وانك انت الشرير بالقصة مش انا...

 قهقههه عمر بسخرية قائلًا:-

  - لا وهي هتصدقك وتكذبني، مستحيل تصدق انك انخدعت، انا عن نفسي استغربت ان ضابط زيك يتخدع منهم بسهولة كده وما يكشف اللي حصل، إيه دا يا جدع، ازاي مسمي نفسك ضابط،  وتتخدع بالشكل المهين دا..

 ثم راح يتبجح ولم ينتبه لأشراقة ملامح رحيم لنيله ما يريد وصمته ليجعله يتابع قائلًا:-

ـ بس الصراحة كانت خطتهم محكمه من كل النواحي، لولا اننا ابن ابلسه وقدرت اكشفهم وكل دا عشان افوز بيها بالخورية الجميلة سارة،  الجوهرة اللي كانت بتكبر قدام عيني وعارف اني مش هطلها،  كنت بستني لحظة ما ارجع البلد واروع مع الباشا المزرعة عشان املي عيني منها، كنت شايفها مستحيلة،  والدها عمره ما كان هيوافق عليا،  وشاء القدر تسافر وتوصل للقصر وتكون تحت عيني وفي لحظة اكتشفت اللي بيخططوا له،  وعرفت انها فرصتي الوحيدة لتكون ليا وملكي وسومتهم واضطروا يوافقوا وطبعًا الامر ما خلا من مبلغ حلو نأسس بيه حياتنا،  وتعويض ليها عن الطفل اللي خدوا منها... 


ثم أضاف ببسمة هوس، تدل على اضطراب شخصيته:-


-وقدرت اكسب ثقتها وبقيت الفارس اللي انقذها في نظرها وخصوصًا لما تركتها تكمل تعليمها وتحقق حلمها، كنت بدعمها عشان تحبني، وبفرض عليها حبي، لحد ما سلمت ليا وحققت هدفي وجوزنا اصبح حقيقي بمعنى الكلمة،  كنت في قمة سعادتي وحلمي يكمل بطفل منها يعوضها اللي خسارته ويربطنا... 

ليتابع بنبره شرسة وملامح اجراميه:-

  - وهيكون ومحدش هيقدر يفرقنا ابدًا، هخرج من هنا واخدها ونبعد وهنعمل العملية اللي الدكتور قالي عليها وسارة هتحمل مني ونعيش مبسوطين لأخر العمر، وانت هتبعد وتنسانا فاهم....


  هنا وانفرجت شفتاه ببسمه وهو يطالعه بسخرية وانتصار قائلًا:-

  - ساره انساها يا عمر، وأنت اللي هتبعد عنا وهطلقها 

ثم استطرد وهو يتابع تجهم ملامح الآخر قائلًا:-

  - ما فكرتش ان ربنا عاقبك أنت انه جعلك عاقر ما بتخلفش،  وسترها معاها عشان ما تتربط بيك نهائيًا، عشان لم اعرف الحقيقة أجي وانقذها منك ومن وسا**ك..


            


              

                    


ثم غمز له متابعًا بتشفي:-

  - واوعدك اني هعوضها وهنعمل عيله حلوة أوي ويكون عندنا ولاد كتير،  بس دا بعد ما كلقها منك واتجوزها طبعًا... 

هنا وفقد عمر صوابه واهتاج وانقض عليه راغب بلكمه إلا  ان رحيم تصدى له وجهر مستدعي العساكر لأخذه،  ليكبلُه ويجرونه معه إلا  أنه ابى وقاوم وظلا يهدر قائلًا:-

  - مش هطلقها ومش هتكون لغيري أبدًا.... 

 إلا  أن رحيم لم يهتم له،  يدرك جيدًا كيف يتعامل معه ويجبره على للانصياع،  فقط ليعود ركان الى هنا وسيبدأ خطوته،  فيجدر به أن يبعد اي شبهه عنه،  بل ركان هو من سيداهم منزله وأيضًا سوف يستعين بصديقًا اخر بالدائرة التي يقع فيها معرضه،  سيفعل ذاك الأمر الخاطئ من اجلها هي، لا ضرر من الانحطاط بالتعامل مع امثاله...

# انتهاء الفلاش باك


كانت تستمع لذاك التسجيل بفيض وقد لطخ وجهها بمياه عينيها وانطفئ برماد حزنها من قسوة ما استمعت له، لم تكن تظنه حقير هكذا، لقد ضحت بسنون عمره عابثًا وهي تحتمل العيش في منزله لترد له دينًا زائف، بدلًا من معاقبته على نحرها، تتسأل كيف بات الفارس خسيسًا بلحظه واتضح أن من نفرته وظنته خسيسًا اتضح أنه الفارس، الذي انقذها من براثن الخديعة...


ظلت تائهة تشعر بوخز بقلبها ولم تفق إلا على انامله التي امتدت تحاوط كفها بدعم له، لتنتابها قشعريرة حادة انتفضت على اثرها من على مقعدها، تهرب بنظريه عنه 

ليأردف هو بعدما نهض وتقدم نحوها بصوتًا ناعم قائلًا:-

  - تأكدتِ من براءتي يا سارة، صدقيني عمري ما كنت هرضى بالظلم دا، انا اسف اني كنت شريك ليهم في اللي حصلك ولو بدون علمي، بس هعوضك يا سارة، هطلقك منه وهنتجوز ونكون عيلة حلوة..

  ألا انها هدرت به وقد شعرت بضيق صدر وهي ترى الشفقة تندلع من كلماته قائلة:-

  - بس انا مش عايزك تشفق عليا وتتجوزني، أنا هطلق منه واسس حياتي أنا وابني..


  تقدم تلك الخطوة وهو يضغط على نواجذه لجمًا غضبه عنها لما تتفوه به من حماقات، فأي شفقه تلك التي تراها وهو متيم بها، لكنه أردف بنبرة عذبه مغلفة بمشاعره نحوها قائلًا:-

  - انتِ شايفها شفقه يا سارة!، شايفه مشاعري اتجاهك شفقه!، معقول مش قادرة تشوفي وتحسي بحقيقة مشاعري...

 ارتبكت ساره من تصريحه هذا، ولكنها اردفت بخشونة فما يحدث خطأ لا يجوز قائلة:-

  - لو سمحت ما يصحش الكلام دا!، أنا لسه ست متجوزة، 

  - وكمان وجودي معاك في بيت واحد غلط، عشان كده أنا لازم انزل اشوف مكان تاني ليه نبقى فيه انا وعمران..


ثم طلعته بتوجس قائلة:-

-ولا أنت هترجع في كلامك!، وهتبعد ابني عني..


حرك رأسه بيأسًا منها فماتزال تشك به وبحديثه، صمت للحظات يطالعها بنظرات مبهمة اربكته وناظرته بترقب، حتى تنهد بقوة  وهتف قائلًا بابتسامة:-

  - لا يا سارة مش هبعدك عن ابنك 

  ثم صمت لحظه وتابع وهو يحك بانامله شعيرات دقنه الغير حليقه:-

  - ولا انتِ كمان هتبعديني عن ابني..

 ناظرته بعدم فهم للحظات، حتى تابع ببسمه جذابه وهو يتحرك قائلًا:-

  - قصدي اننا اللي هسيب لكم الشقة واشوف لي مكان تاني ابات فيه، بس هبقى اجي ازوركم من وقت للثاني وأتغدى معاكم من تحت ايديك لو تسمحيلي طبعًا..

  - زاد ارتباكها منه ولا تدرك ماذا عليه ان تقول، لكنه تشعر ان هذا خطأ، لا يصح ان تخرجه من بيته فأردفت قائلة:-

  - لا ما ينفعش انك تخرج من بيتك، انا اللي همشي 

  باغتها بقربه منها وهو يميل عليها هاتفًا بنبرة عابثه:-

  - ما هو أنا هخرج من بيتي مؤقتًا بس، على ما اطلقك من الحقير دا وشهور العدة تخلص ووقتها هرجع بيتي واوضتي وأنام في حضن مراتي حبيبتي..

 ثم  استعاد جديته وأردف وهو يتركها مبتعد اتجاه المطبخ قائلًا:-

  - يا ترى ام ابني وزوجتي المستقبلية طبخ لنا إيه النهاردة ورحته جنناني من أول ما دخلت..

  ثم التفت لها وجدها كما هي في حالة جمود، تحاول استيعاب ما هدر به من تراهات، فصاح قائلًا:-

  - يلا يا سارة اغسلي وشك وتعالي حضري الاكل ليا لو سمحتِ على ما احضر شنطتي ...

  انتزاعها صياحه من حالة البلاهة التي تلبستها وكانت قد التقطت مغزى كلماتها، فأردفت بتشتت قائلة:-

  - هو أنت ما بتفهمش!، أنا قولت لك مش هتجوزك لا انت ولا غيرك...


إلا أنه ابتسم بسماجه قائلًا:-

  - أيوا سمعتك كويس يا سروري انك مش هتتجوزي غيري!، اما طولت لسانك المرة دي هعديهلك لأنك لسه ما تعرفيش طباعي  ...

 ثم غير وجهته ألي المرحاض وهو يقول:-

  -- ياريت اطلع الاقي الاكل محطوط لأني مرهق وميت من الجوع...


وترمها على ذهولها من أسلوبه الجديد معاها، حتى خرج عمران من غرفته قائلًا:-

  - مامي مش هنزين الكيك زي ما قولتي وناكله...

  امأت له بشرود وتوجهت معه الى المطبخ وهي تشعر بالارتباك والحيرة ما اذا تعد له الطعام أم لا تفعل...

لكن قلبها الحنون تغلب عليها وهي تتذكر ملامحه المرهقة 

وتقرر ان تعده له، فهتفت قائلة للصغير قائلة:-

  - الاول هحضر الطعام لبابي يا عمران وبعدين نزين الكيك...

  وشرعت بأعداده ووضعه على طاولة المطبخ، لتمر لحظات ويخرج رحيم وقد ابدل ثيابه، ليجد الطعام على الطاولة، وهي بجانب عمران يزنان الكيك فترتسم بسمه على شفتيه يخصها به، لتراها هي فترتبك وترمقه بنظرة حادة لبنما تشيح بوجهها عنه، لتتسع ابتسامته ويحلس على الطاولة وبدأ بتناول الطعام مصدرًا صوت همهمات لذه معبرة عن اعجابه بالطعام الى ان انتهى :-

  -  سمعتِ المثل اللي بيقول "ان أقرب طريق لقلب الراجل معدته."  وانا بصراحه بأكد بصحة المثل دا أوي، حاسس كده من او ما اكلت وقلبي بيدق جامد ..

تصنمت سارة موضعه ما ان تدا ركت مغزى كلماته،  بينما هو نهض من موضعه ومر بجانبها  متوجه الى المغسلة وهو يعيد الاطباق قائلًا:-

  - الأكل يجنن، تسلم ايديكِ حقيقي عليه، ممكن تعلي حسابي في قطعة كيك اكلها قبل ما انزل، اصل بصراحه شكله لذيذ أوي وجاي على بالي ادوقه...

 ثم تحرك مبتعدًا عنها، شاعرًا بالسعادة يشعر وكانه عاد مراهق مجددًا، يسعي لنيل قلب من يحب، بينما هي جذبت عمران وخرجت من المطبخ قائلة بتمرد خرج منها لأول مره معه هو، فطالما كانت خاضعه:-

  - الكيك كله عندك أهو من

ولا تدري انه من يسعى له، ويريد تغير شخصيتها تلك جذريًا، لينشأ امرأه قوية، ليبتسم هو بسعادة وهو يقطع الكيك ويأخذ قطعه بأحد الاطباق وتذوقها قائلًا بصوت جهور يصل لمسامعها بكلمات ذات مغزى:-

  - أنا قولت انه لذيذ ولذيذ أوي كمان....


تكملة الرواية من هنا



تعليقات

التنقل السريع
    close