![]() |
نعيمي وجحيمها
الفصل الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
بقلم أمل نصر بنت الجنوب
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
الفصل الثالث عشر
أنا عايز اتجوزك يازهرة.
فور سماعها الجملة، ارتد ظهرها للخلف بصدمة تحدق به مبهوتة، مجفلة، نحو الرجل الجالس أمامها بهيبته المعتادة، صامتًا يراقب بتفحص وقع الجملة عليها، أردف لها :
- عارف انك مصدومة، بس انا راجل دوغري وماليش في اللف والدوران، انا عايز أتجوزك بجد .
رددت بشفتيها هامسة بعدم استيعاب :
- ازاي يعني ؟
أجابها مرددًا ببساطة:
- زي اي اتنين بيتجوزا يازهرة ، ماتعرفيش الناس بتتجوز ازاي ؟
رفعت عيناها اليه بنظرة غاضبة ، قابلها بابتسامة متلاعبة اثارت بداخلها الغيظ ، اردف ملطفًا :
- بلاش تفهميني غلط ، انا لو مش بحترمك ماكنتش دخلتلك من سكة الحلال، كنت جربت معاكي أساليب تانية، ما انا برضوا جاسر الريان .
تذكيرها بهويته أعادتها لنفس النقطة لعدم التصديق، أسبلت عيناها عنه وبداخلها تنتظر تفسيرًا ، تابع هو :
- أظن ان يعني في الفترة البسيطة اللي انتِ قضيتيها في الشغل معايا ، خدتِ فكرة عني تعرفك بأخلاقي .
رددت بعدم تركيز :
- بس انت متجوز.
- اعتبريني مش متجوز، ودا حقيقي على فكرة، كل اللي بين وبين ميري مسألة وقت مش أكتر، ثم انت هاتفرق معاكي في إيه؟
قطبت ناظرة إليه بعدم فهم، أكمل هو:
- وافقي يازهرة وانا موافق على كل اللي تطلبيه.
- كل اللي اطلبه !
رددت خلفه الجملة وهي تعيد تكرارها داخل رأسها بتشتت، ثم ما لبثت أن تسأله بفطنتها:
- عامر بيه عارف بالكلام ده حضرتك؟
- لأ مش عارف، وانا مش هاعرفه دلوقتِ وهو بيتعالج بعيد عني، ولا والدتي هاتعرف كمان عشان بنت اختها.
أومأت برأسها وقد صدق تخمينها تردد :
- يعني حضرتك عايز تتجوزني في السر؟
- بس دا وضع مؤقت يازهرة ، على ما تستقر أموري .
التوى فمها المطبق بابتسامة غريبة لم يفهما، قبل أن تتناول مشربها ترتشف منه صامتة عن الرد اليه بإجابة مفيدة تريحه .
...............................
خرجت غادة من الباب الرئيسي للشركة وهي تغمغم بالكلمات الحانقة ، بعد أن علمت من ساعي المكتب بمغادرة زهرة للشركة تقريبًا منذ ساعة .
- ماشي يازهرة ، بقيتي تخرجي وتمشي على كيفك دلوقتِ ، بعد ماكنتِ بتخافي ماتعدي الشارع من غيري ، طبعًا ماهي الترقية قوة قلبك، ماشي .
- انت بتكلمي نفسك يااَنسة ؟
شقهت مرتدة باقدامها للخلف ، حينما فاجئها هذه الثقيل بها وظهوره أمامها من العدم .
- يخربيتك هو انت متسلط عليا ياجدع انت؟ ناقصاك انا ولا ناقصة خفة دمك دي دلوقتِ .
تفوهت بها اليه ساخطة، فكان رده ضحكة سمجة وهو يردف :
- هههه عجبتني خفة دمك دي، اصلها حقيقة على فكرة .
جزت على أسنانها تود لو امتلكت المقدرة لضربه فقالت وهي تتحرك لتتخطاه :
- طيب ياخويا ، أسيبك انا بخفة دمك دي واستظرافك، مش فاضيالك .
غمغم من خلفها :
- الحق عليا اللي استنيت لميعاد انصرافك عشان اونسك بدل ما تمشي لوحدك بعد صاحبتك ماخرجت مع جاسر بيه وسابتك .
ابتسم بعرض وجهه وهو يرى تأثير كلماته الخبيثة، حينما استدارات اليه بأعين تقدح شررًا تسأله :
- انت قصدك ان صاحبتي انا، اللي هي زهرة.... خرجت مع جاسر الريان؟.
اجابها رافعًا حاجبه بتسلية :
- اَه امال ايه، دي حتى ركبت معاه في عربيته كمان ، وجاسر بيه الله يستره، استغنى عني في مشواره معاهم النهاردة ، باينه كدة عايز يريحني شوية .
اصبح جسدها يهتز من فرط انفعالها وهي تسأله مرددة:
- يعني كمان خرجت معاه لوحدها، وهي ازاي قبلت ؟
ردد هو بمكر :
- لا ياغادة مش لوحدهم ، عبده السواق كان معاهم .
- مش فارقة، تغور ماتغورش انا ايه هايهمني اساسًا، ايه اللي ها يهمني؟
بصقت كلماتها والتفت مغادرة بغضبها ونيران صدرها تحرق الأخصر واليابسة، قهقه هو من خلفها على هيئتها مرددًا لنفسه بمرح :
- الله يخرب عقلك ياواد ياإمام ، فتنت الاصدكاء في بعضيهم .
..........................
بداخل سيارته وهي جالسة بجواره في الخلف ملتصقة في الباب، مسبلة عيناها ولا تنطق ببنت شفاه ، من وقت أن اخبرها بعرضه وعرفت نيته، وهي على هذه الحالة ، كم مرة سألها وهي تجيبه بكلماتٍ مبهمة مقتضبة، أصابت رأسه الحيرة من جمودها وغموض موقفها، يريد استشعار رد فعل واحدة تؤنبه بشئ ولا يجد الطريقة.
- ااا كفاية لحد هنا وقف ياا.
قالت زهرة فجأة تخرج عن جمودها ، انتهزها فرصة ليخاطبها:
- يستنى ليه؟ هو انت بيتك هنا؟
سألها يقصد أحد الأبنية الكبيرة في الميدان ، أجابته على مضض:
- لا حضرتك احنا بيتنا في الحارة اللي ورا الميدان ، وقف هنا يااخ اا.
- اوقف ياباشا؟
قال السائق مخاطبًا جاسر الذي تفهم موقفها ، وأومأ له بالموافقة ، وفور أن توقفت السيارة قبض على مقبض الباب بجوارها مع ترك مسافة اَمنة بينهم قبل أن تترجل منها ، هامسًا :
- زهرة ، حاولي تفكري كويس في الكلام اللي قولته، انا مش مستعجل على الرد، خُدي وقتك .
اومأت برأسها دون أن ترفع انظارها اليه حتى تركها تترجل ، فخرجت مسرعة دون ان تلتفت ولا حتى تلقي السلام مع مغادرتها .
.........................
تسير مسرعة بخطواتها وقد تنفست اَخيرًا الهواء الطبيعي بعيدًا عن محيط هذا الرجل ، مازالت حتى الاَن لا تصدق ماسمعته منه ، اَخر ما كانت تتصوره ان تلقى عرض الزواج من جاسر الريان نفسه، ذلك المتجبر والذي لطالما أخافها بتجهمه وجموده يطلب منها الاَن الزواج وفي السر ؟!
- زهرة ، زهرة .
التفت برأسها نحو مصدر الصوت وجدت أباها أمام مدخل ورشته يشير اليها بيده ليوقفها .
حركت رأسها أليه باستفسار، فأشار بيده لتذهب اليه ، اذعنت مغيرة اتجاه عودتها لترى مالذي يريده منها .
بعد قليل وبعد أن استمعت منه وهي جالسة أمامه بجمود متكتفة الذارعين، عاقدة حاجبيها، تنظر اليه بصمت .
- ها يازهرة ماسمعتش ردك يعني ؟
رددت خلفه :
- ردي في إيه بالظبط ؟
- ردك في اللي بحكي فيه بقالي ساعة ، في المصيبة اللي ورطتوني فيها انتِ وخالك وخطيبته واخوها الظابط، فهمي حالف ليطين عيشيتي بسببكم .
- بسببنا !!
تفوهت بها زهرة وهي على وشك الإنفجار ردًا على كلمات والدها ، وتابعت تجاهد ببعض التماسك .
- يعني انت تشرب وتاخد فلوس من واحد زي فهمي ، عارفه كويس ، وعارف نيته الوس...... ناحية بنتك ، واما خالي يتحرك عشان يدافع عني مع خطيبته المحترمة واخوها اللي بينفذ القانون مع واحد لبس العيال الصغيرين في السجن وخرج هو منها زي الشعرة من العجين عشان يحاسبك على غلطك معاه ، تقوم تحط غلبك فينا احنا !
وقف محروس قبالها مشددًا على كلماته :
- ماهو انتِ السبب ، لو كنتِ وافقتي من الأول مكانش دا كله حصل ، الراجل عايز يتاقلك بالدهب بس انتِ ترضي، هاتلاقي فين في حارتك الفقرية دي واحد زيه؟ واحدة غيرك كانت خدتها فرصة وخدت منه اللي هي عايزاه ، بس انتِ فقرية....
قاطعته صارخة :
- إييييييه؟ هي بيعة وعايز تكسب فيها ؟ ولا انا متحرم عليا اعيش اللي بتعيشه أي بنت في جوازة طبيعية مع واحد مناسب لها، بتحبه ويحبها ؟ ولا........
توقفت بحلقها الكلمات تبتلع الغصة ، لاتدى ان كانت موجهة كلماتها له ام لهذا الذي سبقه منذ قليل، فذهبت من أمامه مغادرة قبل أن تنفجر به مخرجة ماتراكم مافي قلبها نحوه منذ سنوات
ولجت لداخل بنايتها الذي أتت اليه مهرولة ، فتوقفت على أول درجات السلم تلهث بتعب من كل ما مر بيومها ، أخرجت هاتفها من حقيبتها الذي كان على وضع الصامت، فتفاجئت بكم الاتصالات الهائلة من غادة ، تجاهلتها واتصلت بمن تستطيع مساعدتها بالفعل،
- الوو... ايوة ياكاميليا ، تعالي والنبي اللحقيني بسرعة، انا حاسة نفسي في مصيبة.
................................
- يابت اهمدي بقى خايلتيني ، يخربينك
قالت إحسان مخاطبة ابنتها التي تقطع الغرفة أمامها ذهايابًا وإيابًا وهي تتاَكل من الغيظ، ردت غادة وهي تشير اليها بالهاتف :
- تعالي وشوفي بنفسك كام مرة اتصل بيها والست هانم مابترودش، طبعًا ماهي شافت نفسها عليا، بعد ما بقت تركب عربيات مع رجالة غريبة.
هتفت إحسان لتوقفها:
- يابت اعقلي بقى وبلاش كلامك ده اللي يودي في داهية، انتِ عايزة تأذيها وتأذي نفسك معاها؟
- وأذي نفسي معاها ليه بقى ها؟ كنت ركبت معاهم مثلًا وانا مش دريانة؟
تفوهت بها غادة وهي تمد برقبتها نحو والدتها الجالسة على طرف التخت أمامها، زفرت إحسان قبل أن تجذبها وتُجلسها عنوة بجوارها لتخاطبها :
- طب اقعدي بس واسمعي مني، كلام الجنان ده ماتهلفتيش بيه قدام حد ، عشان مايوصلش للبيه بتاعكم ويكدرك يابت الخايبة، او يطردك من شركته، دا انت ماصدقتِ تلاقيها .
ردت غادة وهي تضرب بكفيها على ركبتيها من الغيظ:
- طب اعمل ايه بس يامٌا؟ انا قاعدة محلك سر ، والهانم اللي طول عمري بقول عليها خايبة، شكلها كدة اتعلمت تلعب من ورا ضهري، بعد مااتقدمت عليا، هي والمحروسة كاميليا.
مطت شفتيها إحسان قائلة باستخفاف :
- ولا أي حاجة ياعين امك، عشان زهرة دي اللي انتِ خايفة منها ، ابوها مورط نفسه في مصيبة مع فهمي بسببها ، واخد منه فلوس بالهبل مهرها والبت رافضة، وفهمي حالف لخالك ياينفذ ويتجوزها ، يايجيبلوا الفلوس على داير مليم خلال اسبوع ، وانت طبعًا عارفة خالك ، ايده والأرض.
- يعني خالي لو غُلب في أمره ، هايجوزوا زهرة ؟
تسائلت غادة بابتسامة ترتسم على محياها ، ردت إحسان:
- أمال تفتكري يعني، خااالك هايقدر يسد ويدفع الفلوس في اسبوع .
نفت تحرك رأسها بارتياح وهي تعتدل بجلستها واضعة قدم فوق الأخرى تردد:
- ساعتها بقى اَخد انا مكانها عند جاسر بيه ، ماانا مش هافوت دي عند كاميليا ، مش هي وعدتني انها تتوسطلي بترقية، وساعتها بقى يبتدي الشغل الصح .
...................................
- معقووول ؟ انتِ بتتكلمي جد؟
سألتها كاميليا فاغرة فاهاها، وهي تهز برأسها وترمش بعيناها بعدم تصديق لما سمعته منها ، ردت زهرة بغضب :
- أمال يعني هاكون بهزر انتِ كمان؟ دي مصيبة واتحطت فوق راسي، قال وانا اللي كنت بسأل نفسي على عاميله الغريبة معايا ، اتاري البيه كان حاططني في دماغه وانا مش دريانة.
اومأت لها كاميليا بتفكير :
- عندك حق، انا عن نفسي في مرة من المرات شكيت ، بس استبعدت الفكرة من دماغي فورًا ، عشان معرفتي البسيطة بجاسر ، مخلتنيش اتوقع منه أبدًا حاجة زي ، بس انتِ هاتردي تقولي إيه؟
- ودي فيها رد ؟ انا مش معتبة الشركة دي تاني نهائي، وخلي الباشا يدورلوا على واحدة غيري بقى.
قالت زهرة بانفعال ردًا على سؤال كاميليا التي اعترضت :
- لا طبعاً ماينفعش الكلام اللي انتِ بتقوليه ده ؟ هو محل ملابس، دي وظيفة في شركة محترمة يابنتي ، يعني في أصول قبل ما تتصرفي بأي تصرف
هتفت زهرة بانهيار :
- اصول ايه بس ياكاميليا ؟ دا انا كنت بخاف منه من غير سبب، دلوقتِ بقى عايزاني اشتغل معاه وانا عارفة بنيته ناحيتي، دا ايه المرار ده بس ياربي.
زحفت كاميليا لنتحشر بجوارها تحت الفراش كي تضمها اليها، مربتة على ذراعيها تخاطبها بتهوين :
- على فكرة اللي انتِ شايفاه مرار ده ، في غيرك هايموت عليه، جاسر الريان ده مش راجل هين ، كون انه يبصلك دي حاجة كبيرة قوي تديكي ثقة في نفسك، تعرفك انك جميلة ومرغوبة بجد .
ردت زهرة ورأسها مستريحة على كتف كاميليا :
- كل ده ملوش قيمة عندي ياكاميليا ، انا عمري ماحلمت بواحد زي جاسر ده يبصلي، طول عمري بحلم بالعش اللي يضمني مع واحد يحبني واحبه، يكون مُتعلم ومتوظف في الحكومة أو شركة كويسة عشان ماتبهدلش في العيشة معاه، وانا اساعده بمرتبي، نعمل فرح الشارع كله يشهد عليه و نربي ولادنا بلقمة حلال، انا نفسي في عيشة عادية زي بقية البنات ياكاميليا ، حرام اعيش عيشة عادية؟
قالت كاميليا بحنان وهي تزيد بضمها :
- لا ياحبيبتي مش حرام أبدًا طبعًا ، أكيد ربنا هايديكي اللي بتحلمي بيه واكتر كمان ، بس تبقي قوية وماتخافيش من حد، ولو عايزة ترفضيه ، ارفضيه بقلب قوي كمان، ولو عالوظيفة تغور الوظيفة وان شاء الله ربنا يعوض باللي أحسن منها .
رفعت زهرة رأسها ناظرة إليها لتخاطبها برجاء :
- صح ياكاميليا، يعني انا ممكن اقول له لأ ،
واسيبلوا شركته واغور من وشه ؟
- ممكن طبعًا.
- طب ازاي ؟
- هاقولك ، بس قومي تعالي معايا الاول طمني رقية ، دي هاتموت من القلق عليكي .
قالت كاميليا وهي تسحبها لتنهض معها عن التخت ، استجابت زهرة لتخرج من الغرفة التي لازمتها من وقت أن عادت الى المنزل، لتذهب الى رقية التي كانت جالسة على دكتها بوسط الصالة، تسبح على مسبحتها بقلق على حفيدتها، وفور أن رأتها تهلل وجهها فهتفت بسخرية متصنعة الغضب:
- هل هلالك شهر مبارك ، اَخيرًا ياحلوة اتهز بيكي السرير وقومتي عشان نشوف وشك ؟
ردت بابتسامة زهرة قبل أن ترتمي تدخل في أحضان جدتها التي شددت عليها بذراعيها تنهرها بعتب :
- برضوا دي عمايل يازهرة ، تسبيني كدة على ناري بقعدتي هنا من غير ماتطمنيني عليكِ وانا هاموت واعرف اللي صابك .
ردت بصوت مكتوم داخل حضن جدتها :
- بعد الشر عليكِ ياستي، سمحيني مش هاتكرر تاني .
- لا كرريها ياختي عشان ادخل فيكِ السجن المرة الجاية .
قالت رقية بمزاح كعادتها استجابت له زهرة ضاحكة ، وردت كاميليا مضيقة عيناها.
- ياشرس انت، ماكنتِ زي القطة من شوية بس .
لوحت لها رقية بقبضة يدها مهدد بحزم مصنع :
- بس يابت انتِ، عشان ماحطش غلبي فيكِ دلوقتِ وانا على اَخري أساسًا وايدي بتاكلني .
هتفت كاميليا وهي ترتمي بجوارهم :
- ياااولد ياجااامد ، طب انا نفسي اجرب ايدك بجد بقى ياللا يارقية.
لكزتها رقية بخفة قبل أن تجذبها هي الأخرى داخل أحضانها مع زهرة، فخاطبت الاثنتان سائلة"
- عايزة اعرف منكم بقى ، ايه السبب اللي خلى زهرة تزعل كدة؟
- ضغط شغل ياستي .
خرجت من فاه الاثنتين ، قبل ان تلكزهم بقبضتها غير مصدقة :
- ضغط شغل برضوا ياولاد الجزمة...... فاكريني عبيطة؟
...........................
في اليوم التالي
كانت جالسة على مكتبها تردد في الأدعية والسور الحافظة ، واطرافها ترتشعش من الخوف في انتظاره، تشعر بجفاف حلقها كل دقيقة ، لترتشف من زجاجة المياه الموجودة على سطح المكتب، ثم تعود لترديد الأدعية مرة أخرى ، أجفلت حينما ولج فجأة اليها داخل الغرفة الواسعة بخطواته السريعة، قبل أن يبطئها وهو يقترب منها ، وقفت هي احترامًا له.
- صباح الخير
القى التحية وعيناه تتفحص وجهها بدون تحفظ كعادته، خرج صوتها برد التحية بصعوبة وعيناها لا ترفعها اليه:
- صباح الخير يافندم .
- عاملة إيه ؟
أجفلها بسؤاله فارتفعت عيناها اليه دون إردتها تومئ برأسها :
- تمام يافندم والحمد لله، ااا انا كنت عايزة اقولك اي....
- تعالي المكتب جوا وقولي اللي انتِ عايزاه ، انا مستنيكِ.
قال كلماته وخطى ذاهبًا نحو مكتبه على الفور، ارتفعت شفتها العليا وهي تنظر في اثره مرددة بدهشة :
- هو فاكرني هاقوله إيه ده ؟
.................................
بعد قليل وبعد ان قرأت الاَيات المنجيات على باب مكتبه ، وفعلت تمارين الشهيق والزفير عدة مرات قبل أن تطرق ويسمح لها بالدخول ، وصلت لتقف أمامه ودون أن تنطق ببنت شفاه وضعت الورقة التي بيدها على سطح المكتب.
- إيه دي ؟
سألها قاطبًا وهو يرمق الورقة التي أمامه بنظرة سريعة، ظلت هي على صمتها ، مطرقة راسها للأسفل، تناول الورقة ليقرأها، فارتفع حاجبيه يردد بدهشة:
- دا طلب استقالة ، افهم من كدة ان دا ردك على عرضي ؟
ابتلعت ريقها وهي تجاهد للسيطرة على ضربات قلبها السريعة لتجيبه بتماسك :
- لا طبعًا حضرتك بس دا منعًا للحرج .
- مش فاهم يازهرة وضحي أكتر، موافقة على عرضي ولا لأ.
قال بحدة ويده تطرق بالقلم على سطح المكتب ، استجمعت شجاعتها وهي تتذكر توصيات كاميليا لها بالأمس، فنفت برأسها المتشنجة تردد:
- لا حضرتك ، وارجو منك تتقبل أستقالتي .
صمت قليلًا وظل صوت قلمه الذي يطرق به على سطح المكتب هو سيد الموقف ، وظلت هي على وضعها لاتستطيع أن تواجه عيناه التي تشعر بسهامها المسلطة عليها تكاد أن تُرديها قتيلة ، ثم مالبث أن يرد بهدوء مريب أدهشها:
- تمام يازهرة، دا كان عرض مني وانتِ رفضتيه براحتك طبعًا.
رفعت اليه عيناها تسأله :
- طب والإستقالة حضرتك هاتمضيلي عليها طبعًا مش كدة؟ .
حرك رأسه بالرفض قائلًا باقتضاب :
- لأ .
- لأ ليه حضرتك ؟
سألته تريد تفسيرًا ، أجاب بلهجة مسيطرة :
- عشان مش انا الراجل اللي يغصب واحدة ست على جوازه منها، ولا انا الرئيس اللي يضيق على موظفته عشان رفضت عرضه، انا قولتلك براحتك يعني مافيش داعي لمخاوفك دي كلها .
تنفست قليلًا وقد أدخلت كلماته بعض الإرتياح بقلبها ، فقالت مستغلة طيبته الجديدة عليها :
- طب مدام كدة يافندم ، يبقى رجعني تاني لمكتب الأستاذ مرتضى ، احسن برضوا .
- اخرجي دلوقتي يازهرة.
- نعم !
اردفت بها مندهشة لتجد ملامح وجهه تحولت فجأة وعاد الى تجهمه المعتاد مع انقلاب حاجبيه وهو يهدر عليها:
- الموضوع وخلاص اتقفل، يبفى قفلي على كدة انتِ كمان وارجعي شغلك حالاً ، دلوقتِ يازهرة .
مع صيحته الاَخيرة انتفضت ترتد بأقدامها لتخرج مغادرة من أمامه على الفور .
خارج مكتبه تنفست الصعداء اخيرًا واضعة يدها على قلبها الذي هدأت سرعاته قليلًا ، زفرت وهي تسقط على كرسي مكتبها ، تمسح بكفيها على وجهها حامدة ربها على مرور هذه اللحظة العصيبة وانتهاءها على خير ، وجدت هاتفها يصدح بدوي صدور مكالمة ، التقطته سريعًا لتجيبها على الفور :
- الوو...... ايوة ياكاميليا .
- عملتي ايه يازهرة طمنيني ؟
زفرت مرة ثانية مع سؤال صديقتها الذي أتى سريعًا قبل أن تجيبها وعيناها على باب مكتبه، بصوت خفيض وحذر :
- هو قالي براحتك انك ترفضي أو توافقي وانا مبغصبش واحدة ست على جوازها مني ولاهاضيق عليكِ عشان رفضتيني .
ردت كاميليا :
- طب كويس والله راجل محترم .
هتفت زهرة جازة على أسنانها :
- أيوة ياختي بس مرديش يمضيلي عالإستقالة او حتى يرجعني عند الأستاذ مرتضى ، يعني مشكلتي معاه مستمرة ، انا بخاف منه بجد ياكاميليا، ونفسي بقي الاقي حل لمشكلتي دي.
ردت كاميليا بحزم من جهتها :
- بس يابت اعقلي كدة وخليكِ جامدة ، تخافي منه ليه ان شاء الله هو هاياكلك؟ مدام طمنك من جهته يبقى خلاص بقى ، شوفي شغلك تمام عشان ماتديهوش فرصة يضيق عليكِ زي ماقال ، وعلى فكرة بقى ، جاسر الريان محترم بجد يعني مابيقولش كلام في الهوا، فاطمني بقى.
ردت زهرة وهي تستوعب كلمات صديقتها
- يارب ياكاميليا يطلع كدة زي ماقولتي ، عالعموم انا ححاول اللتزم زي ماقولتِ واما اشوف اَخرتها إيه.
- اَخرتها خير ان شاء الله .
- طب بقولك إيه؟ ماتنسيش بقى ميعادنا، عايزة اللحق البنك قبل مايقفل.
قالت زهرة وردت كاميليا بسؤال :
- تمام انا معاكِ ، بس انتِ ميعاد انصرافك على تلاتة العصر ، جاسر الريان هايسمحلك بقى بالانصراف بدري .
خبطت زهرة بكفها على جبهتها بإحباط مرددة:
- مش عارفة .
.................................
مر اليوم بعملها بروتيتية عادية دون تغير تشعر به ، سوى تجاهله لها كلما دلفت اليه بمستند او ملف ضروري ، يومئ لها بيده على سطح المكتب لتضعه أمامه، دون أن يرفع رأسه اليها، ومن جهتها كانت تعمل بجدية وتركيز حتى لا تعطيه فرصة للتضيق عليها كما ذكرت كاميليا، ولكن ارتباطها مع كاميليا للحاق بميعاد البنك قبل ان يغلق ، جعلها على صفيحٍ ساخن من القلق ، حتى أجمعت أمرها للدلولف اليه بشجاعة وطلب الإنصراف مبكرًا عن موعدها
............................
- نعم يا اَنسة وعايزة تخرجي بدري ليه ان شاء الله؟
كان رده بسؤاله السريع على طلبها ، أجفلت من عودة فضوله الغريب نحوها ، وحاولت الرد بزوق وعدم الخطأ :
- عادي يافندم ، عايزة اخرج بدري في أمر ضروري يخصني.
ترك مابيده واعتدل بظهره للخلف بالمقعد يسألها بسماجة وتصميم :
- وانا بقى يازهرة ماينفعش اسمحلك بالانصراف، غير لما اعرف السبب واشوفه يستاهل ولا لأ.
- من فضلك ياجاسر بيه ، انت قولت بنفسك انك مش هاتضيق عليا ، وانا دلوقتِ بترجاك في أمر ضروري .
أجفلته بجرأتها على تذكيره بوعده اليوم لها ، ضيق عيناه واصبح يصك على فكه غيظًا منها ومن رأسها العنيدة ، ثم رد على مضض وهو يزفر من أنفه دخانًا:
- ماشي يازهرة هاسمحلك بالانصراف ، عشان مابقاش المدير الظالم اللي بيضيق على الموظفة اللي عنده.
انتشت داخلها وهي تحاول جاهدة كبت ابتسامة النصر ، فتحركت لتخرج مستنئذنة بلطف :
- الف شكر ليك يافندم ، عن اذنك بقى .
أوقفها هادرًا فور أن التفت تنوي الخروج من مكتبه :
- بس بقى مافيش بريك النهاردة يازهرة.
استدرات بكليتها اليه وعلى وجهها ابتسامة جميلة ، أنسته موقفها العنيد ورفضها له اليوم بل أنسته نفسه ، وهي تقول بأدب :
- تحت أمرك يافندم .
وخرجت من أمامه متهادية بخطواتها رغم شعورها بعدائيته نحوها وصوت أنفاسه الهادرة خلفها تكاد أن تصل لأذنها .
................................
فور خروجها تفاجأت بغادة الواقفة أمامها بجوار المكتب .
- غادة انتِ هنا من إمتى ؟
سألتها زهرة وهي تتوجه ناحية الجلوس خلف مكتبها ، ردت غادة وهي متكتفة الذراعين :
- انا هنا من زمان ياحبيبتي ، انتِ اللي اتأخرتي جوا ، كل ده بتشتغلوا ؟
أجابتها زهرة بحسن نية وعدم تركيز :
- أمال يعني هاكون بلعب انتِ كمان ؟ المهم بقى انت ليه جيتي الشغل بدري النهاردة ومااستنتنيش اَجي معاكي زي كل يوم ؟
- عادي يعني ، ماانت كمان بقيتي تروحي عالبيت من غير ماتقوليلي .
قالت غادة بتلميح عن الأمس فهمته زهرة فردت تجيبها :
- يابنتي امبارح كنت في ميعاد شغل مع جاسر بيه ، معلش ملحقتش اقولك وحتى من تعبي بعد ماجيت، نمت زي القتيلة ومارديتش على اي حد في التليفون .
- امممم
صدرت منها مبهمة ثم تابعت وهي تلعب بخصلة من شعرها :
- طب وعلى كدة بقى انت هاتروحي معايا النهاردة ولا برضوا معاكي مشوار مع الباشا؟
أسبلت عيناها زهرة وقد انتبهت اَخيرًا على تلميحاتها ، فقالت مصححة ومشددة على كل حرف :
- ماسموش ميعاد مغ الباشا، اسمه ميعاد شغل ، الراجل اللي جوا ده يبقى مديري وانا السكرتيرة بتاعته، مش رفيقته ولا صاحبته ، وردًا على سؤالك ، لا ياستي مش ماشية معاكي النهاردة ، عشان عندي مشوار مهم مع كاميليا ، هاتاخدني بعربيتها توديني البنك عشان اوفر عليكِ السؤال كمان .
قالت غادة بعكس مايدور بنفسها :
- يعم وانا مالي ، تاخدك بعربيتها ولا تجيبك حتى ، انتِ فاكراني هابصلكم كمان ولا إيه ؟
همت لترد زهرة ولكن دوى صوت هاتف المكتب الداخلي ، فتناولته لترد ، فتفاجأت بصياحه :
- فين ملف مناقصة الحديد يازهرة ، انا مش منبه عليكِ تجيبيه .
- يافندم ماهو عندك مع بقية الملفات اللي دخلت بيها من شوية .
صرخ هادرًا حتى كاد أن يصم أذنها :
- هو انا لو شوفته ولا لقيته ، كنت هاتصل بيكِ وازعجك ياست زهرة، اخلصي يالا اتصرفي واجيببه .
- ططيب ثواني هادخل واشوفوا .
قالت بتلعثم ثم تحركت سريعًا نحو مكتبه ، تاركة غادة التي تتلاعب بشعرها بعدم اكتراث .
دلفت اليه تشير بيدها أمامه نحو سطح المكتب :
- انا جيبته مع مجموعة الملفات اللي دخلت بيها من نص ساعة ، ممكن تكون اللي قدامك دي .
- اتفضلي طلعيه انتِ بنفسك ، انا مش مدور على حاجة .
هتف غاضبًا وهو يضرب بقبضته على سطح المكتب أمامها ، تحركت باَلية نحو خلف المكتب بجواره، تبحث عن الملف بتركيز وسط المجموعة المذكورة وبعض الملفات المتناثرة بفوضوية امامه.
ورغم المسافة الاَمنة بينهم إلا انه ارتبك فجأة مع حضورها بجواره، أسكرته رائحتها المسكية، والتي لا يعرف ان كانت هذا عطرًا ام أنه شئ اَخر لا يعلمه، توقف عقله عن العمل وتوقف الزمان والمكان وهو يشعر بحضورها قد ملأ المحيط من حوله .
استقامت فجأة ملوحة له بالملف :
- أهو يافندم ، الملف اللي انت طالبه .
اشار بيده اليها لتضعه أمامه ، فاقدًا القدرة عن الكلام أو تصنع الجديدة ، أذعنت تنفذ أمره باستغراب وتخرج بناءًا على إشارة سبابته لها للخروج .
بعد مغادرتها ظل لبعض اللحظات يجاهد لاستعادة ذهنه جيدًا وهو يفرك بكفه على صفحة وجهه، حتى فاض بهِ ، فدفع بقلمه الذهبي نحو الحائط بقوة ليقع منكسرًا على الأرض ، وبسرعة تناول هاتفه يتصل بيده اليمنى كارم والذي ما ان أجاب ، خاطبه جاسر بأمر :
- اسمع ياكارم ، سيب اللي في إيدك وتعالالي حالًا دلوقتي ، عايزك ضروري
الفصل الرابع عشر
تقود سيارتها وصوت ضحكاتها التي لا تتوقف تكاد تصل للمارة في الشارع ، حتى انها كانت تضرب بكفيها على عجلة القيادة من فرط مرحها ، مما اضطر زهرة التي كانت تشاركها الضحك للكزها بمرفقها على خصرها حتى تنتبه للطريق :
- يابت بس الله يخربيتك هاتودينا في داهية .
- مش قادرة والنعمة ماقادرة ههههههه.
لكزتها مرة أخرى قبل ان تيأس منها وتوجه نظراتها نحو النافذة ، وبعد أن هدأت كاميليا قليلًا خاطبتها :
- ماتزعليش مني لو كنت غلست عليكِ ، بس بجد انا مش قادرة، جيبتي منين الجرأة دي يازهرة ؟ ومع مين ؟ مع جاسر الريان ؟
أجابتها زهرة بابتسامة شقية:
- والله مااعرف اهي جات كدة بقى ، بس كمان هو خنقني بإصراره انه يعرف رايحة فين ؟ وانا بقى دبيت الجملة وانا بايعة بصراحة، يطردني بقى يقعدني ، براحته .
ردت كاميليا وهي تضحك بمكر :
- بعد اللي قولتيه دا ياحبي ، لايمكن اتوقع انه يطردك، بقى جاسر الريان ياناس، يسمح لموظفته انه تتحداه كدة، دي حاجة ولا في الخيال .
خبئت ابتسامة زهرة وهي تسألها بارتياب:
- تقصدي ايه ياكاميليا بكلامك ده ؟
أجابتها كاميليا بابتسامة :
- بصراحة مش عارفة، بس انا اسمع يعني عن المثل اللي بيقول ، حبيبك يبلعلك الزلط .
- حب ايه وكلام فارغ ايه انتِ كمان؟ قفلي عالسيرة دي ياكاميليا قفلي .
قالت زهرة وقد تغير لون وجهها وشحب، ردت كاميليا التي انتبهت لها :
- خلاص ياستي هاقفل ولا تزعلي .
زهرة بتردد :
- مش حكاية ازعل، بس انا مصدقت اني خلصت من الموضوع ده ، مش عايزة افتح فيه تاني .
ابتعلت كاميليا كلماتها حتى لاتزعجها، وفضلت تغير مجرى الحديث :
- طب ايه ؟ احنا وصلنا المنطقة اللي انتِ قولتي عليها ، مكتب الراجل السمسار دا فين بقى؟
أجابتها زهرة وهي تشدد بذراعيها على حقيبة النقودة الموضوعة بحجرها:
- اخر الشارع ياكاميليا ، هتلاقي يافطة كبيرة اوي مكتوب عليها باللون الأخضر اسم السمسار ماهر بركات.
قادت قليلًا كاميليا حتى وصلت للعنوان المذكور، فوقفت بسيارتها امام البناية التي معلق عليها اليافطة ، ترجلت هي وزهرة التي كانت تحتضن في حقيبة النقود بتخوف ، حينما دلفن الى داخل المكتب وجدن الساعي فقط أمامهم ينظف أرضية المكتب، سألته زهرة :
- السلام عليكم، استاذ ماهر بركات موجود؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، لا حضرتك، ماهر بيه خرج مع زبون من شوية .
كان رد الساعي ، سألته زهرة بتوجس :
- طب وهايرجع امتى، انا عايزاه ضروري .
- والله حضرتك معرفش هايرجع امتي ، بس هو مدام اتأخر كدة يبقى أكيد بيفرج الزبون على اماكن تانية وممكن يستنى مايرجعش المكتب تاني النهاردة .
- يعني مافيش فرصة انه يرجع النهاردة؟
سألته كاميليا فكان رد الرجل بضحك :
- والله حضرتك لو عايزة انتِ والاَنسة تستنوا براحتكم ، بس انا مضمنش بقى انه يجي مدام اتأخر كدة.
تبادلت الفتاتين النظرات بإحباط ، قبل أن يغادرن بيأس .
في طريقهم للعودة للمنزل خاطبتها كاميليا :
- خلاص يازهرة ، النهاردة بكرة واحدة يعني مفرقتش .
ردت زهرة بحزن :
- لأ فرقت ، عشان انا كنت عايزة افش غلي دلوقتِ وارميهم في وشه ابن الورمة ده ، بعد ما هددني اَخر مرة انه هايفسخ عقد الشقة لو اتأخرنا أكتر من كدة .
عادت كاميليا للضحك مرة أخرى مرددة لها :
- بقيتي شرسة أوي انتِ يازهرة ومعندكيش صبر ، طب ما احنا نيجي بكرة ان شاء وبرضوا نرميهم في وشه ، زعلانة ليه بقى ؟
- زعلانة عشان هاستغلك واتعبك معايا تاني ، ماهو انا بصراحة ماينفعش انزل بالشيلة دي في الموصلات ، الواحد مايضمنش .
قالت زهرة ببعض الحرج ، وردت كاميليا بترحاب :
- ياستي استغلي براحتك وانا موافقة، هو انا جايبة العربية وبدفع اقساطها اللي بالشئ الفلاني دي كل شهر ليه بقى ؟ عشان ابات فيها مثلًا؟
- طب والمصيبة اللي على رجلي دي هاعمل فيها إيه من هنا لبكرة وانا عندي شغل بكرة الصبح .
سألتها زهرة بحيرة، أجابتها كاميليا بلهجة مطمئنة :
- يابنتي سيبيها في البيت وانا هعدي عليكي بعربيتي أخدك من الشغل على بيتكم ، تسحبي الشنطة وبعدها نروح عالسمسار على طول نخلص .
تنهدت زهرة قائلة بامتنان :
- ريحتي قلبي بكلامك ده، ربنا يريح قلبك ياكوكو وتتجوزي اللي انتِ بتحلمي بيه؟
رددت خلفها كاميليا وهي تتنهد بابتسامة حالمة :
- يارب يااختي يارب
........................
طلبتها للجواز كدة على طول من غير مقدمات ؟ طب كنت جرب الأول الطرق الودية، يمكن كانت لانت معاك من غير جواز أصلًا .
سأله طارق بدهشة وهو جالس معه أمام بار المشروبات في الملهي الليلي، رد جاسر بنزق وهو يرتشف من كأس المشروب الذي بيده :
- زهرة محترمة ماينفعش معاها أي طريق تاني غير الحلال.
- ياسلام طب أهي رفضتك ياناصح ، دي تلاقيها خدتها فرصة وقالت تطمع فيك.
ردد جاسر ردًا على كلمات صديقه.
- تطمع في إيه ؟ دي قدمت طلب استقالة وكانت عايزة تسيب الشغل .
- كمااان!
اردف بها قبل أن يرتشف من مشروبه هو الاَخر ، ثم قال بتفكير وهو يستوعب كلماته :
- دي جريئة أوي بقى انها ترفض جاسر الريان ذات نفسه ، هي تطول واحد زيك أساسًا يبصلها ؟
رمقه جاسر بنظرة حانقة قبل يرد بابتسامة جانبية ساخرة :
- زهرة مش جريئة أساسًا على فكرة ، بالعكس بقى دي بتخاف من خيالها ، بس بقى هي دماغها ناشفة حبتين وتفكيرها مختلف شوية .
- طب وانت تتعب نفسك معاها ليه؟ اقبل استقالتها وريح دماغك .
تنهد بثقل وهو ينظر لكأسه صامتًا لعدة لحظات وانتبه عليه طارق الذي كان يحدق بهِ بتفكير، ثم قال باقتضاب :
- مش قادر ياطارق ، مش قاااادر.
هم ليرد طارق ولكن أوقفه ظهور إحدى الفتيات من عاملات الملهى وهي تتقرب منهم بملابسها العارية وابتسامة لعوب على شفتيها توقفت فجأة من نظرة مخيفة رمقها بها جاسر ، قبل أن يشير لها بسبابته فارتدت هاربة من أمامهم.
ردد طارق الذي تابع ذهاب الفتاة بأسى:
- يخرررب عقلك حرام عليك طفشت الرزق ، إيه ياأخي؟ هي البت لحقت تتكلم حتى ؟ طب نديها فرصتها، يمكن تطلع كويسة وتنسيك البت اللي شاغلة تفكيرك دي.
اومأ بذقنه جاسر قائلًا بازدراء :
- انتِ عايزة دي..... تنسيني زهرة ؟
قطب طارق يقول بابتسامة مندهشًا :
- غريب أوي انت ياصاحبي، مرة تبقى زير نسوان ، كل يوم مع واحدة شكل ، ومرة تكرهم مرة واحدة وبعدها ترجع مصمم على واحدة بس ، وكأن متخلقش غيرها؟
رد جاسر بجدية:
- اولًا انا عمري ما كنت بتاع نسوان وانت عارف كدة كويس ، دي كانت فترة وعدت بعد ماخفيت ورجعت للحياة بعد الحادثة، اما بخصوص زهرة ....
صمت قليلًا بتفكير ثم استطرد :
- مش عارف بصراحة الاَقي تفسير للي بيحصلي بمجرد مااشوفها، عندي رغبة قوية إني امتلكها ومتبقاش لراجل غيري، أي همسة منها بتقتلني من جوا .
قطب طارق مرة اخرى يتفحصه باندهاش والاَخر تابع بشرود :
- عليها ابتسامة بتحرق قلبي لما اشوفها بتوجها لحد غيري ، ضحكتها من يوم ماسمعتها وانا بعيد تكرارها في عقلي ليل ونهار من روعتها ، كل حاجة فيها بت.....
قطع كلمته يتوقف عن استرساله وقد استفاق اَخيرًا ، ليجد صديقه يحدق بهِ مضيقًا عيناه بتركيز ويخاطبه :
- كمل ياجاسر ، وايه تاني؟
- أكمل ايه تاني انت كمان؟ هي حكاية ؟
قال جاسر بدفاعية مرتبكًا ، أجفله طارق يسأله :
- انت متأكد ان اللي حاسس بيه تجاه البنت دي مجرد رغبة ؟
ارتبك أكثر فنهض عن كرسيه فجأة قائلًا بتوتر :
- انت باينك متقل في الشرب وبتخرف وانا معنديش وقت ليك ياعم، سلام .
تفوه بكلماته وذهب على الفور أمام نظرات صديقه الذي ظل صامتًا يتتبع أثره حتى خرج من الملهى .
............................
وعند محروس الذي اللتزم مكانه بداخل المنزل ولم يعد يخرج سوى للعمل، بعد تهديد فهمي له وعصيان ابنته الذي يعلم تمام العلم ، أنه لو ضغط عليها سوف تتجه لخالها حامي الحمى دومًا لها، بالإضافة لخطيبته المحامية أو شقيقها رجل الأمن، ضرب جبهته بيأس وحيرة، وصداع رأسه يكاد يفتك بها ، لا يعلم ما الحل القريب لهذه المعضلة، كان يجب عليه أن يتروى قبل أخذه المال، ولكن كيف كان سيفعلها ورؤيته للمال الذي وضعه فهمي أمامه ليضغط على نقطة ضعفه وحاجته اليه ، شلت عقله عن التفكير، كيف يرفض واحتياجات رأسه من المكيفات أصبحت متوفرة فجأة وبكثرة ، كيف سيرد لفهمي مبلغه الاَن والذي تحصل عليه من الزبائن وتداين به لأصدقائه لا يكمل العشرة الاف؟ كيف سيقنع ابنته لترحمه من هذا الذل بموافقتها على فهمي؟ هو يعلمها جيدًا ، على قدر رقتها وهشاشتها فإنها تملك رأسٍ عنيدة كالثور، ولكنها طيبة فليعمل على هذه النقطة ويحاول معها من جديد..
في صباح اليوم التالي تفاجأت به زهرة وهي تهبط الدرج كي تذهب الى عملها ، واقفًا أمام باب شقته وعيناه للأعلى، كأنه في انتظارها، القت عليه التحية بتردد كي تتخطاه وتذهب :
- صباح الخير.
- صباح النور ، هاتمشي وتسيبي ابوكي في المصيبة اللي واقع فيها يازهرة .
ردد بتعجل كي يوقفها، فالتفت اليه ترد من تحت أسنانها :
- ياصباح ياعليم يارزاق ياكريم، يعني عايزني اعملك ايه بقى؟ هو انا اللي كنت وقعتك في المصيبة اللي انت بتقول عليها دي ؟
قال بمسكنة:
- لأ ماوقعتنيش، بس انا لما وافقت على فهمي كان غرضي انك تتستري مع واحد غني، يريحك من الشقا، وقبلت بفلوسه مهر عشان اجهزهك، بعد ما اسدد ديوني واشغل ورشتي من تاني .
ردت زهرة وهي تجاهد لضبط النفس:
- برضوا مش فاهمة ، انا ايه دخلي بوقعتك مع فهمي ؟ انت عارف من الأول اني مابطيقهوش ولا اطيق سيرته ، تقبل ليه تاخد فلوسه؟
- مالكيش دخل وانا غلطت ياستي ، بس اهو دلوقتِ ماسكني من إيدي اللي بتوجعني، دا ممكن يخلص على ابوكي واخواتك يتشردوا يازهرة ، يرضيكِ يابنتي؟
التمعت عيناها وهي تحدق به صامتة بحزن ، فقد استطاع ان يجد مدخله أليها ، ثم ما لبثت ان ترد قائلة بأسى :
- كان نفسي اساعدك والله ، بس بصراحة مقدرش ، سامحني يابويا.
القت بكلمتها الاَخيرة وتحركت تهبط بقية الدرجات مسرعة من أمامه ، تخفي عنه سيل دمعاتها على وجنتيها بحزن يعصر قلبها.
تابعها بعيناه وهي تغادر، يجز على اسنانه من الغيظ.
- حتى حياتي هانت عليكِ يابت ال....... ماشى يازهرة ، ماشي.
ارتد ليعود داخل منزله يتناول وجبة فطوره قبل الذهاب للورشة ولكن استوقفه هذا الحديث الدائر بين صفية ووالدتها داخل غرفتها :
- والله ياماما زي مابقولك كدة ، الشنطة كانت متعبية بالفلوس اللي سحبتها زهرة من البنك امبارح ، دا انا اول مرة اشوف رزم الورق الجديدة وريحتها اللي تشرح القلب، ميات كلهم والورقة فيهم تجرح الطير زي ما بيقولوا .
- والله يابنتِ مافيش حاجة بعيدة عن ربنا ، خالد تعب وكبر قوي على ماقال ياجواز ، ربنا يقرب البعيد ويتجوز زميلته المحامية دي قريب بقى، قادر ياكريم .
قالت سمية ، ورددت من خلفها ابنتها بلهفة :
- ان شاء الله ياماما السنة دي يخلص اقساط الشقة، زهرة بعد ماترجع من شغلها النهاردة هاتسدد اقساط خمس اشهر يعني خمسين الف جنيه ، يبقى كدة سدد نص تمن الشقة والنص التاني هايبقى حاجة هينة ان شاء الله ، ياما نفسي احضر فرحه في قاعة زي اللي بنشوفها في التليفزيونات كدة ياماما ، دا هايبقى حلو قوي جمب مراته اللي زي القمر دي .
اكتفى بهذا القدر محروس وخرج على الفور بخفة كما دلف بخفة، يسوقه شيطانه ، غير عابئ بشئ سوى نجاة نفسه!
...................... .
ينظر الى سيده الذي يقلب في اوراق الملف الذي أمامه ويقرأ فيها بتركيز ، وعدد من الأسئلة الملحة داخل رأسه ، يريد إجابتها .
- هي دي كل المعلومات اللي عندك ؟
سأله جاسر باهتمام ، اجاب كارم :
- حضرتك دي معلومات سريعة جمعتها بعد ماطلبت حضرتك مني امبارح .
- ابوها شغال منجد ! يعني إيه؟
اجاب كارم على سؤال سيده بابتسامة:
- منجد حضرتك، دا يبقى الصناعي اللي بيعمل مراتب القطن وكنب الصالون وحاجات شبهم .
- يعني راجل كويس ؟
ردد كارم بابتسامة متوسعة:
- كويس دا ايه بس ياباشا؟ دا راجل برشامجي وبيمشي بس بكيفه ، بنته اساسًا متربية مع خالها وستها بعد ما والدتها ما اتوفت واتجوز غيرها .
اومأ برأسه يستوعب الكلمات واستطرد كارم :
- انا شوفت البيت اللي ساكنينه ، حاجة بجد مؤسفة ، قديم قوي واَيل للسقوط ، تقريبًا المباني اللي في الحارة كلها اَيلة للسقوط، بس هو انت يعني شاكك في حاجة ياباشا؟.
- حاجة إيه اللي اشك فيها؟
سأله جاسر بعدم فهم ، رد كارم باضطراب :
- قصدي يعني في سلوك البنت أو سيرتها.......
- ماتكملش ياكارم احسنلك .
اجفله بمقاطعته الحادة مما اثار الريبة بداخله، أكمل جاسر باعين تقدح شررًا :
- انا لو شاكك فيها مش هاشغلها عندي أساسًا ، ثم دي حاجة تخصني، و انت من امتى بتسأل ولا تتدخل في أي حاجة بطلبها منك ؟
- اَسف ياباشا.
اعتذر بأدب ، تقبله جاسر واستطرد بأمر سلطوي:
- عايز معلومات تانية أكتر من كدة ، وطبعًا مش عايز أنبهك عالسرية .
................................
خرج كارم من مكتبه وتوجهت عيناه على زهرة يخاطبها بزوق وهو يخطو بتمهل :
- عاملة ايه يازهرة النهاردة؟
اجابته رغم دهشتها :
- الحمد لله كويسة، متشكرة يااستاذ كارم عالسؤال .
- لا شكر على واجب ياستي ، الباشا جوا طالب الملفات اللي قالك عليها من شوية .
قال كارم بابتسامة وهو يومى بسبابته للخلف، ردت وهي تنتفض من جلستها تتناول الملفات المطلوبة :
- تمام ياكارم وانا جهزتهم ، حالًا داخلة بيهم .
- ربنا يعينك .
تفوه بها وخرج على الفور ، مما جعل زهرة تنظر في اثره لعدة لحظات بدهشة
بعد قليل وحينما دلفت اليه بداخل المكتب وبيدها عدد من الملفات لتضعها أمامه بعملية ، كان بجلسته على كرسيه لا يفعل شئ سوا النظر اليها ، ويده تتلاعب بالقلم الجديد .
- عايز حاجة تاني يافندم ؟
صمت قليلًا وعيناه لا تُحيد عنها ثم رد بتمهل:
- عدلتي الملف اللي قولتلك عليه من شوية؟
قالت وهي تشير بسبابتها نحو المجموعة التي أمامه :
- طبعًا يافندم وحتى شوف بنفسك .
- طلعيه وخليني اشوفه.
قال بلهجة مسيطرة وهو يومئ لها بعيناه نحوهم ، أذعنت لأمرها رغم دهشتها واقتربت من أمام المكتب تخرج له الملف المطلوب دون الألتفاف من ناحيته ، عيناها لا ترفعها اليه كالعادة ولكنها تشعر بتحديقه الفج بها دون حياء .
- اهو يافندم .
وضعت الملف أمامه واستقامت لترتد باقدامها للخلف تخاطبه:
- عايز حاجة تاني يافندم ؟
رمق الملف بنظرة سريعة ثم ارتفعت عيناه اليها بصمت ونفى برأسه .
ارتدت تخرج بعملية رغم استغرابها من حالته، اغمض عيناه هو بعد خروجها يتنهد بثقل ، ويدها تطرق بالقلم على سطح مكتبه بتفكير.
.....................................
ايه دا بقى ؟ جبتهم منين دول ؟
سأله فهمي رافعًا حاحبه المقطوع في المنتصف وهو يتفحص في رزم النقود داخل الحقيبة التي أمامه على الطاولة، أجاب محروس بثقة وهو يجلس على مقعده مقابله:
- وانتِ مالك بقى جبتهم من انه داهية ؟ انت ليك فلوسك واتردتلك على داير المليم ، ليك حاجة تاني عندي ياباشا؟
ضيق عيناه فهمي صامتًا يحدق به بتفكير وهو ينفث دخان الشيشة من أنفه ، كرر محروس بثقة:
- ماردتيش يعني ياباشا، ليك حاجة تاني ؟
- حسك طلع يامحروس وشوفت نفسك ، شكلك كدة معبي ايدك ، مش ناوي تريحني وتقولي جبت الفلوس منين ؟
- يوووه هي شغلانة بقى؟ ماقولنا فلوسك واتردتلك ، انت هاتعملي فيها تحقيق ؟
بصق كلمته الاَخيرة ونهض يغادر من أمام فهمي دون استئذان ، والاَخر يتبعه بنظرة متشككة ، حتى جلس امامه أحد صبيانه ، يهمس له بجوار اذنه وكفه تشير نحو الحقيبة، استمع له فهمي ثم ردد بتساؤل :
- يعني الشنطة بتاعة زهرة! ودي جابت الفلوس منين؟
....................................
بعد أنتهاء يومها في العمل وتوجهها للمغادرة مع غادة ، كانت كاميليا في انتظارها بجوار الشركة على الإتفاق .
- ودي إيه اللي جابها دي بعربيتها دلوقتِ؟
ردت زهرة على سؤال غادة وهي تخرج معها من الباب الرئيسي:
- جايا معايا هاتوصلني البيت ياستي ، فيها حاجة دي ؟
رمقتها غادة وحاجبها المرفوع بشر تردد:
- جايه توصلك انتِ لوحدك ، وانا إيه بقى؟ ماليش لازمة مابينكم ؟
- في إيه ياغادة ؟ هو انا معرفش اهزر معاكِ أبدًا، كل حاجة تاخديها كدة بنية وحشة، هاتوصلك طبعًا، وبعدها توصلني مشواري .
قالت زهرة وتمتمت الاَخيرة بصوتِ خفيض ، اثار فضول غادة لتسألها :
- انتِ بتقولي حاجة ؟
نفت زهرة برأسها تجيبها بابتسامة مصطنعة :
- لا حبيبتي هاكون بقول إيه بس؟ ماتخديش في بالكِ انتِ .
لوت غادة فمها قبل أن تهتف بنزق :
- ياختي اهو الغتت كمان وصل عندها عشان تكمل.
تنهدت زهرة بغضب من كلمات غادة التي وجهتها نحو عماد الذي وصل بالقرب من سيارة كاميليا وخرجت اليه هي تتحدث بمودة كعادتها، حينما وصلن الفتيات استقبلهم عماد بقوله ضاحكًا :
- طبعًا ياعم حقكم تدلعوا وتتأخروا براحتكم ، مدام معاكم اللي يوصلكم ويغنيكم عن مواصلات الحكومة ووجع القلب .
ردت كاميليا بمشاكسة:
- بطل قر بقى يخربيتك ، ايه يابني ؟ خف الحقد الطبقي دا شوية بقى .
- حقد طبقي !
هتفت بها عماد واستطرد ضاحكًا :
- خلاص اتخليتِ عن طبقة الشعب وانضميتي لطبقة البشوات عشان جيببتِ عربية نص عمر ، امال لو جبتيها اَخر موديل ، هاتعملي ايه ياكاميليا ؟
- ههاجر ههههه.
اردفت بها تلوح بكفها في الهواء ضاحكة ، وانطلقت معها ضحكاته مع ضحكات الفتايات التي رحب بهن عماد بعد ذلك ، فأصرت كاميليا على توصيله معهم ، كاد أن يرفض ، ولكن بنظرة واحدة منها تراجع لينضم إليهم ، زهرة في المقعد الأمامي بجوار كاميليا، وعماد في الكنبة الخلفية مع غادة التي التفت كي تفتح باب السيارة من الناحية الأخرى تجاوره على مضص، فتفاجأت بهذا الحارس الثقيل يغمز لها بعيناه من الناحية الأخرى بمشاكسة كعادته قبل أن ينتبه على خروج سيده من باب الشركة ليستقيم باحترام في انتظاره ، والذي انتبه هو الاَخر على السيارة الصغيرة وهي تلتف مغادرة، وتجمع بداخلها الفتيات ومعهم هذا المتحذلق عمااد.
اكمل هبوط الدرجات الباقية قبل أن يعتلي سيارته وشياطين غضبه تتراقص أمام عيناه ، جسده يهتز من فرط غضبه .
- نروح البيت على طول ياباشا ولا في مشاوير تانية ؟
سأله السائق بأدب، وكانت إجابته :
- غور على أي مصيبة ؟
ابتلع السائق كلماته ومعه إمام الحارس، رغم الإجابة المبهمة والغريبة من سيدهم الغاضب ، تحركت السيارة نحو وجهة المنزل مؤقتًا، في انتظار تعليماتٍ أخرى منه.
...................................
توقفت كاميليا بالسيارة امام البنابة التي تقطنها زهرة ، بعد أن أوصلت عماد الى وجهة عمله الاَخرى؛ التي يعمل بها مساءًا، ثم تخلصت من غادة بتوصيلها الى منزلها هي اولًا قبل زهرة التي ترجلت الاَن تاركة حقيبتها اليدوية بداخل السيارة ، كي تصعد وتأتي بحقيبة النقود وكاميليا في انتظارها، ولكنها توقفت فجأة على هذا الصوت القبيح الذي هتف بإسمها :
- اهلًا أهلًا بسنيورة الحتة ... زهرة .
كان مستندًا بظهره على المبنى المجاور ثم تقدم بخطواته نحوها ، توقفت هي أمامه بتحدي في انتظاره، حتى اذا وقف أمامها خاطبته بازدراء :
- بنتده بإسمي في نص الشارع ليه؟ عايزة ايه يافهمي ؟
- كنت عايز اشكرك رغم زعلي من رفضك لطلبي .
قال بسماجة زادت من الغضب بداخلها فقالت بحنق :
- لا شكر على واجب ياسيدي ، وسع بقى خليني امشي ،
- طب مش هاتسأليني بشكرك على إيه قبل ماتمشي ؟
تكتفت ناظرة اليه بصمت متأففة ، اردف هو:
- كنت عايز اشكرك على الفلوس اللي ردتيهالي مع والدك النهاردة ، اصلي كنت محتاجهم قوي ، لكن انتِ جبتيهم منين ياأبلة ؟
- فلوس إيه ؟
سألته بعدم فهم ، أجابها بتأكيد :
- الفلوس اللي بعتيهم النهاردة مع ابوكي ، رزم الاَلفات الجديدة .
- انا بعتلك مع ابويا فلوس جديدة ورزم كمان ؟
ابتسم داخله فهمي وهو يرى وجه زهرة الذي شحب وانسحبت منه الدماء، فقد تأكد الاَن بصدق تخمينه ، وهو سرقة محروس للنقود الجديدة والمعروف وجهتها أكيد من البنك .
أتت اليهم كاميليا تسأل زهرة بتحفز وهي تومئ بذقنها نحوه:
- في ايه يازهرة ؟ الجدع ده بيتصدرلك ليه ؟ هو لسة مترباش .
ابتسم فهمي بزواية فمه رغم تلميح كاميليا الصريح بسجنه ولم يرد، فقد اكتفى بمشاهدة زهرة التي نظرت لها برعب تغمغم بكلمات غير مفهومة قبل ان تهرول لداخل المبنى وهرولت من خلفها كاميليا تتبعها .
...............................
- يانهار اسود يانهار اسود ، الشنطة مش موجودة ياكاميليا، الشنطة اختفت.
كانت تهذي بها بانهيار وهي تبحث بخزانة ملابسها وتقلبها رأسًا على عقب، هتفت كاميليا وهي تبحث معها بأرجاء الغرفة :
- إنت متأكدة انك حطتيها هنا ؟ مش يمكن تكوني سبتيها في أؤضة ستك وانت ناسية؟
- والله حطيتها في الدولاب بتاعي وفي الضرفة الوسطانية كمان، أنسى ازاي بس ياناس أمانة كبيرة زي دي ؟ أنسى إزااااي؟
انضمت كاميليا معها رغم يأسها تخاطبها:
- طب يعني هاتكون راحت فين بس ؟ دي حتى شنطة كبيرة وتقيلة مش حاجة هينة.
توقفت زهرة فجأة وقد بدأت تستوعب الكارثة ترد ووجهها مغرق بالدموع :
- فهمي مكنش بيهزر يا كاميليا ، ابويا فعلًا خد الفلوس ، بس ازاي وانا مكتمة من امبارح وحتى غادة مجبتش قدامها سيرة ؟ ياستي ياستي .
هتفت الاَخيرة وهي تخرج مسرعة نحو جدتها الذي منعها المرض من مشاركة البحث مع حفيدتها .
- ماشوفتيش اي حد غريب دخل النهاردة ؟ او حتى قريب ، أي حد ؟
رددت رقية بصوتِ مرتعش :
- والله ياحبيبتي ماشوفت ، انتِ من ساعة ماخرجتي وسبتيني في البلكونة وانا فضلت مكاني لحد اما جات صفية على الساعة عشرة جابتني هنا ، وانت عارفاني على حطة ايدك ياحبيبتي .
خرجت كلمات زهرة بنشبج مع بكائها :
- ياستي والله مااقصد اجرحك ، انا بس عايزة اعرف لو كنت حسيتي او لمحتي أي حد في البيت هنا بعد انا ماخرجت؟
صمتت قليلًا تعصر ذاكرتها رقية ثم أجابت :
- هو انا اللي فاكرها يعني ااا بعد انتِ ماخرجتي يجي بنص ساعة كدة ، حسيت بكركبة خفيفة ، بس خمنت تكون صفية رجعت بعد ما نسيت حاجة، حتى ندهت عليها وماردتش .
التفتت زهرة نحو صديقتها تردد بتأكيد :
- يبقى هو فعلًا ياكاميليا، ودخل خدهم بعد مااتخانقت انا معاه ومشيت على شغلي ، بس عرف ازاي ؟ .... هو انا لسة هاسأل نفسي ؟ انا رايحالوا .
قالت الاَخيرة وهرولت راكضة نحو ورشته التي لمحته فيها منذ قليل قبل ان تصل لمنزلها ، ركضت كاميليا خلفها ولكنها توقفت قبل دخول الورشة ، وقد شعرت بالحرج من حضور موقف مخزي كهذا بين فتاة وابيها ، فوقفت تنتظرها في الخارج وتراقب.
وعند محروس الذي انتفض على صرختها وهي تلج مندفعة داخل ورشته .
- سرقت الفلوس يابا ، سرقت فلوس خالي واديتها لفهمي .
استدرك نفسه فهتف على صبيه ليخرج من الورشة :
- اطلع انت دلوقتِ ياعامري وتعالى بعد شوية ، بسرعة ياض .
انتظر خروج الفتي ثم رد عليها مستنكرًا :
- مش تنقي الفاظك يابت ، داخلة كدة هاجمة زي البهيمة وبتتهميني ظلم حد قالك ابوكي حرامي ؟
هتفت بسخرية مريرة
- اه تصدق انه حصل فعلًا ، وانا اتأكدت بنفسي دلوقتِ
ان انت سرقت فلوس خالي ياحرامي .
- لمي نفسك يابت فهمية .
هدر بها ويده توقفت في الهواء قبل ان تنزل على وجنتها ، استطرد مهددًا :
- انا مش عايز امد ايدي عليكِ ، لكن لو طولتِ لسانك اكتر من كدة لكون دافنك وانتِ حية مكانك هنا .
- ادفني ، قطع من جتتي حتى ، بس هات الفلوس ابوس ايدك ، فهمي أكدلي ان انت اللي خدت الفلوس وادتهالوا رد الدين بتاعك النهاردة ، بأمارة كمان انها ورق جديد من البنك .
قالت برجاء ، فاأخرج هو سبة بذيئة من فمه نحو فهمي وهو يبتعد قليلًا عنها قبل ان يعود اليها متبجحًا :
- ماشي يازهرة انا اللي خدتهم ، وانتِ قولتيها بنفسك عشان اسد ديني؛ بعد انتِ ما اتخليتي عني ونشفتي راسك .
- انا نشفت راسي ، لكن هو ذنبه ايه ؟
صاحت بها وتابعت :
- حرام عليك، انا لو مسددتش الشهر ده السمسار هايفسخ العقد وتروح الشقة من خالي ، وتروح الجوازة كلها كمان ، دا ابوها المستشار بيتلكك وحالف بعد السنة مافيش جواز ، مش كفاية ضيع نص شبابه على بنتك اليتيمة كمان عايز تحرمه من حب عمره ؟
اصدر من فمه صوت ساخر قبل أن يرد :
- وماله ياحلوة، مش عاملي فيها البطل وحامي الحمى ، خليه يضحي شوية كمان .
- يضحي ايه تاني ؟ يعني يموت بالحيا بقى عشان يرضيك ؟
قالت صارخة قبل أن تنتبه على ضحكة ساخرة وصاحبها على مدخل الورشة يتقدم نحوهم ويردد:
- ههههههه عليا النعمة عرفت لوحدي ، دا انا استاهل اوسكار بقى في الزكاء والمفهومية ياجدعان.
رد محروس من تحت أسنانه:
- انت جيت ياوش الفقر ، مش كفاية فتنت الأهل في بعضيهم ؟
التفت على جملته بنظرة حانقة قبل ان تنتبه الى هذا الكريه الذي تجاهل أباها ليقترب منها مرددًا:
- مستعد ارجعلك فلوس خالك دلوقتي حالًا وعليهم خمسين كمان مهرك ، بس انتِ قولي اه.
الفصل الخامس عشر
على أقدام جدتها كانت مستريحة برأسها، بعد أن أنهكها البكاء والجدال دون فائدة معه، نفذت طاقتها ولم تعد لديها قدرة على شئ ، سوى الإستكانة بحجر جدتها التي كانت تلمس على شعرها بحنان ، وبجوارها كانت جالسة كاميليا التي لم تقوى على المغادرة وترك صديقتها بهذه الهيئة الغير مطمئنة، خيم الصمت ولم تعد سوى اصوات انفاسها الهادرة بالقهر مما حدث .
- مساء الخير.
هتفت صفية بالتحية بعد أن ولجت فجأة اليهم بداخل الشقة المفتوح بابها كالعادة، فاستطردت بقلق حينما لم يرد أحد وقد انتبهت لهيئتهم الغير مطمئنة:
- في إيه ياجماعة مالكم؟ حصل حاجة؟
تنهدت زهرة ترفع أنظارها إليها كما فعل الجميع وتجيبها بصوت متحشرج من أثر البكاء :
- إيه ياصفية؟ هو انتِ ماحدش قالك ؟
- قالي إيه بالظبط ؟ انا واصلة من درس الأحياء حالًا ، دا انا حتى معدتش على بيتنا عشان قولت اجي اذاكر عندك هنا على طول .
قالت صفية وهي تجلس على أقرب مقعد وجدته أمامها:
- أمممم
صدرت من زهرة بتهكم وكان الرد من رقية :
- ابوكي سرق الفلوس اللي بعتها خالد امبارح من سفره ياصفية واداها لفهمي، سداد لدينه .
- يانهار اسود ، دا حصل امتى وازاي ؟ وعرف منين أساسًا ؟
هتفت صفية وهي تضرب بكفها على صدرها بجزع ، ردت كاميليا من ناحيتها :
-اهو دا اللي حصل بقى يا صفية، والدك عرف مكان الفلوس واتسحب أخدهم من الشقة بعد زهرة ما مشيت على شغلها ؟
تسائلت مرة أخرى بعدم تركيز:
- أيوة بس عرف ازاي ؟ دي زهرة امبارح كانت متبتة على الشنطة ونبهت ان محدش يجيب سيرة خالص و..
قطعت صفية جملتها وقد وعت اَخيرًا لموقفها ، انتبهت عليها زهرة فاعتدلت بجذعها تسألها بتوجس:
- انتِ اللي قولتِ قدام ابوكي ياصفية؟
نفت على الفور:
- لا والله ياابلة انا بس ....
- بس إيه؟ كملي يااختي واتحفيني ، ماانا كان لازم اعرف من البداية ان انتِ الوحيدة اللي ممكن تطلع السر مابينا .
هتفت بها زهرة غاضبة وهي تشير بيدها على أربعتهم، ردت صفية بدمعة ساخنة :
- والله ياابلة ماقولت قدام حد تاني غير أمي ودي انتوا عارفينها كويس، دي بتتمنالكم كل خير وبتحبكم.
أكملت رقية على قولها بتأكيد:
- سمية بنت حلال، لا يمكن تعمل حاجة زي دي .
سألتها زهرة بحدة :
- انتِ قولتي لامك امتى يابت.؟
أجابت صفية وهي تمسح بظهر يدها الدموع المتساقطة على وجنتيها:
- الصبح كدة قبل ما اروح على مدرستي، بعد هو ماخرج وراح على ورشته، كنت معاها في الأوضة لوحدنا رغينا مع بعض شوية وهي بتطبق الهدوم، دا حتى البيت كان فاضي علينا واخواتي الصغيرين كانوا سبقوني على مدرستهم .
اغمضت زهرة عيناها بتعب وردت كاميليا من ناحيتها :
- كدة اتفهمت ياصفية، يبقى والدك بعد ما اتخانق مع زهرة عالسلم دخل وسمعكم ، ونفذ بوقتها على طول.
أجهشت صفية بالبكاء تردد بندم:
- ياريت كان اتقطع لساني قبل ما انطق ولا اقول كلمة حتى .
- بس الله يخليكي انا مش ناقصة، انا فيا اللي مكفيني.
هدرت بها زهرة بعدم تحمل، فردت كاميليا ملطفة:
- خلاص ياجماعة اللي حصل حصل ، خلينا في اللي جاي دلوقتِ، عايزين نشوف صرفة نسدد بيها اقساط الشقة .
قال زهرة بيأس:
- هانلحق امتى بس نجمع ولا نسدد ياكاميليا ؟ دا احنا داخلين عالشهر السادس، يعني المطلوب هايبقى ٦٠ الف دا اذا صاحبنا مافسخش العقد زي مابيهدد على طول .
اردفت كاميليا:
- ماهي المشكلة بقى اننا في اَخر الشهر ، يعني لو في أوله كنت جمعت انا أي مبلغ معاكم ونكملهم حتى لو قسط واحد نسكت بيه الراجل صاحب البيت أو السمسار دا كمان .
هتفت رقية ردًا على حديث الفتاتين :
- ولا تجمعوا ولا تزفتوا ، خالد راجل ويتحمل يعني لو.....
قاطعتها زهرة بحدة صائحة بتهديد:
- والنعمة لو عملتيها يارقية وقولتيله لكون سايبالك البيت وهاجة واحلف ما اخليكِ تشوفي وشي تاني .
تخصرت لها رقية تهتف :
- نعم ياعين ياستك؟ امال عايزاني اشوفك يابت في الوحلة دي وافضل ساكتة؟ ولتكونيش ياختي هاتنطسي في عقلك وتوافقي على هباب البرك فهمي عشان تردي فلوس خالك؟ دا انا ادفنك مكانك يابت.
هزت برأسها لتنفي بتعب ولكنها أجفلت على سؤال كاميليا:
- صحيح يازهرة انت مقولتليش رديتي عليه بأيه الراجل ده بعد ماعرض عليكِ العرض اللي زي وشه ده.
هزت كتفيها تجيبها بابتسامة مريرة ساخرة :
- يعني كنت هاقوله إيه ؟ اذا كان ابويا نفسه هو اللي غدر بيا، مشيت طبعًا من غير كلام .
ابتلعت رقية كلماتها الحادة بعد أن اللجمتها حفيدتها بالحقيقة المرة ، هتفت صفية من جهتها تسألها:
- هو ابن ال...... عرض عليكِ إيه بالظبط؟
اجابتها كاميليا على الفور:
- عرض عليها ياستي انه يرجع لها الفلوس وعليهم كمان خمسين الف زيادة في مقابل انه يبقى مهرها من جوازه بيها .
جزت صفية على أسنانها تردد بسبة :
- يا ابن الكل...........
- مافيش منها فايدة الشتيمة ياصفية .
تفوهت بها زهرة وهي تعود لتلقي برأسها التي ثقلت من الصداع على حجر جدتها فخاطبتها كاميليا :
- طب احنا مش هانشتم يازهرة ، لكن الحل ايه بقى؟
تنهدت بثقل تجيبها :
- ربنا يحلها من عنده بقى ؟ ومن هنا لبكرة ماحدش عارف ربنا كاتب إيه؟
.....................................
- ايه دا يازهرة ؟ طلب سلفة !
قال جاسر وهو يتمعن النظر في الورقة التي دستها بين الملفات أمامه، تعرقت زهرة وخرج صوتها بصعوبة من الحرج :
- ايوة حضرتك، انا كنت عايزاك تمضيلي عليها النهاردة لو تسمح ؟
- مش حكاية اسمح، بس دا مبلغ كبير بالنسبة لموظفة جديدة زيك .
عضت على شفتيها وهي تجاهد للتماسك أمامه في قولها :
- عارفة يافندم ، بس انا محتاجة المبلغ ضروري .
- ليه ؟
- نعم !
اعتدل بظهره يواجها بنظراته جيدًا وهو يعيد على أسماعها بسؤاله :
- بسألك عايزة المبلغ في إيه ؟
اذردقت ريقها وهي مطرقة رأسها أمامه وردت بصوت خفيض:
- يعني وهو انا لازم اقول واحكي يافندم ؟
- طبعًا لازم اعرف السبب قبل ما امضي، ان كنتِ طلباها بسبب أزمة مالية ، أو تجهيز لجواز مثلًا.
خرجت الاَخيرة من تحت أسنانه قبل أن يستطرد :
- ثم متنيسش كمان انك موظفة يدوب من شهور قليلة وعلى قوانين الشركة ماينفعش السلفة غير على الأقل لما تكملي سنة .
اومأت برأسها بخيبة أمل متمتمة تستأذن للذهاب:
- تمام يافندم، عايز حاجة مني قبل ما اخرج؟
تنهد قانطًا وهو يعود لعمله ويتناول أحد المستندات :
- خدي الملف دا راجعيه واعمليلوا ملخص.
همت تتناوله ولكنها تفاجأت بعدم سماحه لمرور الملف من يده اليها بتشديده على إمساكه ، رفعت عيناها اليه بتفسير، فأعطته الفرصة بدون قصد؛ للنظر جيدًا إلى وجهها الحزين وعيناها التي كان بها أثر احمرار من فرط بكاءها أمس مع بعض الهالات الصغيرة حولها نتيجة لسهرها طوال الليل بالتفكير في الكارثة التي حلت عليها، فسألها:
- إنتِ كنتِ معيطة؟
نفت برأسها وهي تحاول سحب الملف من جديد ولكنه فاجئها بترك الملف، ليقف فجأة مقابلها يحدق بها من مستوى طوله ويُعيد إليها السؤال بقلق:
- في إيه يازهرة بالظبط ؟ وايه اللي مزعلك قوي كده؟
أجابت بإنكار وقد أصابها التوتر من هذا القرب المفاجئ له ورائحة عطره غطت على الهواء حولها :
- لا حضرتك مافيش حاجة ، ماتشغلش بالك انت.
صمت قليلًا ليزيد بداخلها الشعور بعدم الراحة قبل يردف بصوته الأجش:
- انا مستعد اديكِ اللي انتِ عايزاه ، بس انتِ تقولي السبب .
- سبب إيه ؟
سألته وهي ترفع عيناها اليه، أجابها يومئ بذقنه نحوها :
- السبب اللي مخليكِ بالشكل ده؟
ارتدت قليلًا بتوتر ثم قالت تواجهه بشجاعة :
- حضرتك قولت من ثواني بس مافيش سلفة لموظفة جديدة زيي غير لما اكمل سنة ، يبقى الفلوس اللي هاتدهاني، دي هاتبقى ازاي بقى ؟
أجفلته بردها كالعادة فقال بهدوء مع ابتسامة جانبية:
- انا مستعد اعملك استثناء يازهرة ، بس انتِ قوليلي مشكلتك .
صمتت قليلًا وعيناها الجميلتان تقابل عيناه الصقرية دون الخجل الذي يعتريها كالعادة تفكر بكلماته بتأني قبل أن تجيبه بردٍ مناسب :
- متشكرة جدًا يافندم على اهتمامك ، بس انا ماافضلش ابدًا اني اعالج مشكلتي بإنك تستثنيني عن بقية الموظفين .
حينما لم يتحرك وظل على جموده أمامها تحركت بخطواتها تستأذنه للخروج وقد اصبح الملف في يدها :
- طب انا ماشية يافندم ، عايز مني حاجة تاني ؟
بهزة بسيطة من رأسه أجابها بالنفي لتخرج وتتركه على وضعه ، تبعها بعيناه حتى أغلقت الباب خلفها ، ليسقط على طرف مكتبه جالسًا يمسح بكفه على شعر رأسه ووجهه بتفكير
.............................
بعد خروجها من مكتبه وجدت غادة جالسة أمام مكتبها
تتأمل بأظافرها التي طلتها منذ قليل في وقت انشغال زهرة بالداخل مديرها :
- صباح الخير انتِ جيتي ياغادة، ماشوفتكيش يعني من الصبح ؟
قالت زهرة وهي تجلس على مقعدها خلف المكتب ، اجابتها غادة :
- جيت من زمان ياحبيبتي، بس انتِ اتأخرتي قوي جوا ، قولت اسلي نفسي .
- غااادة خلي بالك من كلامك .
خاطبتها زهرة بتحذير، التفت اليه الأخرى برأسها تقول بمكر:
- الله بقى هو انا قولت أيه يعني؟ ولا انتِ كل كلمة مني لازم تاخديها بضمير وحش ؟
ردت زهرة بشبه ابتسامة ساخرة:
- يعني المشكلة بقت فيا انا دلوقت ان ضميري بقى وحش؟ ماشي ياستي ، المهم بقى انا كنت عايزاكي في حاجة ضروري .
رددت غادة وهي تعتدل بجلستها نحوها باهتمام :
- حاجة ايه دي اللي انتِ عايزاني فيها ضروري ؟
سألتها زهرة بتردد:
- انا عرفت ان والدك سوى معاشه بعد ما كمل مدته في شغل الحكومة
- ايوة ياختي سوى معاشه وقعد لنا في البيت زي الست المطلقة، دي امي هاتطق من جنابها منه.
قالت غادة وهي تلوح بيدها في الهواء بنزق ، اردفت اليها زهرة :
- دا انا سمعت كمان انه مكافأت الشغل في المصلحة بتاعتهم بتبقى مبالغ حلوة .
- ايوة هي المكافأة كانت كويسة يعني بس طبعًا قبض المعاش قل كتير قوي على مرتب الشغل اللي كان بيقبضه كل شهر........
توقفت فجأة عن استرسالها فسألت زهرة بدهشة :
- بس عجيبة يعني، دي اول مرة تسأليني !
ردت زهرة بسؤالها مباشرةً :
- غادة هو انتِ ابوكي يرضى يسلفني مبلغ كدة احل بيه مشكلتي؟ وانا والله هاعمل جمعية واردلوا المبلغ كامل في أقرب وقت.
اربكتها المفاجأة في البداية ثم تداركت تردد بتبرير :
- ياريت ياحبيبتي كنت اقدر اكلمه ولا اقولوا حتى، اصل ابويا دا بمية حال ومحدش يعرف ابدًا بيفكر في إيه؟
- بس عمتي تعرف، ابوكي مش بيمشي خطوة من غير شورتها ، كلميها ياغادة ولا اَجاي انا اكلمها بنفسي ، ابويا خد الفلوس اللي بعتها خالي لاقساط شقته وراح سد بيها دين فهمي، خليها توقف معايا والنبي، شقة خالي هاتروح مني .
قالت زهرة كلماتها برجاء وكان رد الأخرى مصمصمة بشفتيها تدعي الحزن قبل أن تجيبها باصطناع :
- ياعيني عليكِ يابنت خالي ، دا انت واقعة في مصيبة على كدة ، بس ياريت والنبي كنا نقدر نساعدك ، ما انا نسيت اقولك، ابويا بعد ما سحب الفلوس من شغله راح بيهم دوغري واداهم لواحد صاحبه هايعمل معاه مشروع ، اهو يشغل نفسه بدل مايناكف في أمي ويقرفها.
- يناكف في امك ويقرفها!
رددت زهرة بعدم تصديق وهي تتمتم بداخلها :
- دا يتعملوا تمثال اساسًا في التناحة والجلد التخين من كتر التهزيق اللي بياخده منها ، على العموم انا كنت عارفة من الأول ان مافيش رجا منك ولا من امك ، قال يا مستني السمنة من بطن النملة!.
.................................
وفي عملها كاميليا وبعد انتهائها من اجتماع مهم بانصراف الوفد الضيف والقادم من شركة على وشك التعاون معهم . زفرت بتعب وهي تلقي نظارتها على سطح الطاولة الجالسة عليها ، تفرك بأطراف أصابعها على جبهتها من الإرهاق .
- ايه مالك ؟ هو انت تعبتي ولا ايه؟.
سألها طارق بعد أن عاد للجلوس أمامها ، أجابته وهي تريح رأسها على كف يدها المستندة على الطاولة امامها :
- بصراحة هاموت ، انا كان هاين عليا اسيب الإجتماع واهرب واسيبكم .
- مدام تعبانة كنت عملتيها بجد ، تيجي على نفسك ليه يعني؟
ردت وهي تفتح عيناها اليه جيدًا :
- دا بجد بقى ولا هزار .
- لا والله ما هزار انا بتكلم جد ، هو البني ادم يملك ايه تاني غير صحته عشان يضحي بيها يعني؟
قال بصدق وصل اليها فاأجابته بابتسامة مشرقة :
- مرسي ياسيدي متشكرين على زوقك .
راقه ابتسامتها الصافية على وجهها الجميل ولون القهوة بعيناها وهو يتحقق من لونهم لأول مرة عن قرب ، فقال ليجلي رأسه من الأفكار التي طرأت فجأة بها:
- هو انا ممكن أسألك عن سبب تعبك والأرهاق الشديد اللي باين على وشك ؟ اصل دي مش عوايدك بصراحة؟
وعلى عكس المتوقع أجابته :
- بصراحة هي مش مشكلتي انا ، هي مشكلة واحدة صاحبتي، أو بالأصح هي مصيبة مش مشكلة.
- ياه لدرجادي ؟
- وأكتر من الدرجادي كمان، الخيانة لما تيجي من اقرب الناس إليك بتقسم الضهر ، خصوصًا لما يكون الشخص ده المفروض يكون هو السند او الركن الحنين اللي ممكن ترمي حملك عليه بقلب مليان، يطبطب عليك وقت جرحك ويقويك .
قالت كلماتها الاَخيرة بشرود لفت انتابهه، فسألها بفراسة :
- هو انتِ تقصدي راجل ولا ست؟ اصل انا حاسك بتتكلمي عن الاتنين .
اجفلت تتدارك نفسها وتعتدل بجلستها وهي تتناول نظارتها مرة اخرى جعلته يصيح بداخله معترصًا كارهًا إخفاءها للون القهوة، فقالت بجدية :
- كنت عايزة أسألك يعني لو تعرف ، عربيتي دي لو حبيت ابيعها تجيب كام ، اصل انا اشتريتها تقسيط ومعرفش التمن الأصلي .
قطب يسألها بدهشة:
- ولما انتِ اشترتيها تقسيط ، عايزة تبيعها ازاي بقى قبل ما تخلصي اقساطها ؟
أجابته بابتسامة مرتبكة:
- يعني انا بسألك عشان لو حبيت ابيعها عشان اجيب غيرها ، هاتعرف تقدرها؟
مط بشفتيه مرددًا بتفكير:
- مش عارف بصراحة، لأني مجربتش النوع بتاعها ، بس ممكن اسأل ناس اصحابي واشوف واقولك .
.............................
في وقت استراحة الموظفين، خرجت زهرة لتجلس بداخل كافتيريا الشركة بركن وحدها بجوار النافذة الزجاجية الكبيرة ، تتأمل الأشجار الخضراء أمامها وعقلها يسبح في العديد من الأفكار لحل لهذه المعضلة :
- مش بعادة يعني تقعدي لوحدك من غير غادة .
ارتفعت عيناها اليه وقد علمته من صوته ، ردت بابتسامة:
- لا ما احنا حبينا نغير بقى ،اقعد ياعماد انت محتاج عزومة ؟
جلس على الفور وسألها :
- شكلك متغير ، هو انتِ في حاجة مزعلاكي يازهرة؟
رددت بابتسامة متوسعة رغم الحزن الذي سكن داخلها:
- هو باين عليا اوي كدة؟
- باين جدًا يازهرة ، حتى لو خبيتي وداريتي بابتسامتك .
اومأت برأسها قبل أن ترتشف من فنجانها ، فتابع :
- فكي يابنتي وسيبي حمولك على الله، قادر ربنا يحلها.
قالت بابتسامة مشرقة:
- انت طيب قوي ياعماد .
ردد خلفها :
- مش أطيب منك يازهرة ، انتِ ربنا ميزك بالاتنين ، حلوة من جوا ومن برا .
حاولت تخفي ابتسامة خجلة فضحها تورد وجهها، وهي تتهرب من نظراته بارتشافها من القهوة باللبن، طلبها الدائم .
................................
نهض فهمي من جلسته على القهوة التابعة له، بعد أن نبهه احد صبيانه عن وجود من يسأل عليه بزاوية قريبة من القهوة ، تمخطر بخطواته وهو يتحقق من الجسد الصغير والتي كانت تتلفت يمينًا ويسارًا بتوتر قبل ان تنتبه لوجوده فانتفضت تلاقئ من ضخامة جسده وهيئته الإجرامية قبل ان تتدارك نفسها أمامه وقالت:
- انا اللي كنت عايزاك ياعم فهمي .
رد فهمي بابتسامة ساخرة:
- نعم يابيضة ، وكنتِ عايزة عمك فهمي في ايه بقى؟
ابتعلت ريقها تشجع نفسها وهي تحاول تذكر الكلمات التي ظلت تحفظها طوال الليل عسى أن يرق قلب الحجر.
- طبعًا انت عارفني ياعمي ، ماانت ياما جيت بيتنا قبل كدة ، والنبي وحياة غلاوة اغلى حاجة عندم ، رجع الفلوس اللي بعتها خالد لاختي ، دي الشقة هاتضيع منه والله .
ضحك بدون صوت وهو يحدق بها بنظراته الوقحة يجيبها :
- طب ما انا عايز ارجعها ياعسل ، بس اختك هي اللي مش راضية ، ماتقنعيها ياقمر مدام انتِ كدة عاقلة وشاطرة ، ولا اقولك ... ماتيجي انت ياصغنن ، حكم عمك يحب يرم جسمه برضوا بالبدارة.
تسمرت صفية تنظر بصدمة من وقاحة الرجل التي تعدت الحدود، حتى أجفلت على صيحة من خلفها باسمها ، التفت الى شقيقتها التي كانت واقفة بوسط الشارع بوجهها الغاضب ، تشير اليها بكفها ، هرولت على الفور اليها تترك هذا البغيض الذي ردد من خلفهم بصوته العالي :
- ااه ياني ياما ، طب اختار مين فيهم ياجدعان دلوقتِ ، الوظوظ الصغنن ، ولا الوحش اللي مطير النوم من عيني ليلاتي ؟
........................
هتفت زهرة فور ان ادخلتها الى داخل المنزل معها وهي تدفعها بعنف امام نظرات رقية الجالسة بوسط الصالة كعادتها في هذا الوقت.
- انتِ اتجننتِ يابت ؟ واقفة مع فهمي في نص الشارع وبتتكلمي وتتحاكي معاه كمان؟
ردت صفية بتوتر وندم :
- امال اعمل ايه ياعني وانا شايفاه بيشتري ويبيع فينا؟ افضل ساكتة وانا السبب في كل اللي حصل ؟ قولت اكلمه يمكن قلبه يحن .
- ها ياختي وقلبه حن بقى على كلامك ؟
سألتها زهرة ساخرة فردت صفية تنفي برأسها:
- لأ طبعًا دا عاكسني وقالي اتجوزيني كمان .
- قال ايه ياختي ؟
هتفت عليها زهرة وهي ترفع بقبضتيها في الهواء ، تجاهد للتحكم في انفعالها معها ثم ، مالبثت أن تدفعها من أمامها وهي تتجه نحو غرفتها مغمغة بالكلمات :
- انا لازم اشوف صرفة ، لازم اشوف حل النهاردة.
سقطت صفية بجوار رقية التي لكزتها بقبضتها :
- ارسي على حيلك بقى وبطلي عمايل العيال بتاعتك دي ، مش كل الناس عبيطة زيك !
وإلى زهرة التى تسمرت بجوار خزانة ملابسها بعد أن اخرجت سلسال والدتها الحبيبة من الصندوق القديم ، تنظر اليه بحسرة ، وقد اجبرها الظرف المقيت لبيعه ، عسى بالمال الذي سيأتي من خلفه ، ان يساهم بحل جزئي لمشكلتها .
- كان نفسي احافظ عليك عشان من ريحة الغالية لكن اعمل ايه بقى؟ سمحيني ياامي .
تفوهت بها بقهر المغلوب،على أمره
......................................
ترجلت من سيارة الأجرة التي أوقفتها سريعًا فور ان رأت الرجل المقصود أمامها خارج من البناية التي بها مكتبه ، يتحدث مع الحارس قبل أن يتوجه لسيارته .
- أستاذ ماهر ، لو سمحت استنى .
التفت على مصدر الصوت الرجل قبل أن يهم يفتح باب سيارته ، ينتظر قدومها بنظرات متفحصة خلف النظارة الشمسية ، اقتربت زهرة تحدثه بلهاث نتيجة عدوها السريع نحوه :
- الحمد لله اني لحقتك، خوفت لا محصلكش زي امبارح .
- أهلًا يااَنسة زهرة، يارب تكون جيتك على خير المرة دي.
تفوه بها الرجل الأربعيني بلهجة ممتعضة وصلت لزهرة التي ابتعلت ريقها تخاطبه بحرج:
- خير ان شاء الله ياأستاذ ماهر ، انا بس عايزاك تفهمني الأول .
اومأ لها بكفه معترضًا :
- لا عايز اسمع ولا عايز افهم ، هي كلمة وبس، خالك اللي قاعد يتمرمغ في فلوس الخليج ، افتكر العبد الغلبان في الأقساط اللي عليه ولا لأ؟
- والله بعت قسط خمس اتشهر اول امبارح وجيتلك هنا عشان اسددهم حتى اسأل الساعي بتاعك، بس انت بقى مكنتش موجود .
قالت زهرة بلهجة مترجية فعاجلها بطلبه:
- ياستي واديني جيت وقدامك أهو ، فين بقى الفلوس ؟
عضت على شفتيها تردد بهمس :
- للأسف الفلوس اتسرقت .
ردد خلفها بغضب:
- نعم ! ولما هي اتسرقت بقى جايلي ليه اَنسة ؟ ولا دي حجة جديدة للتأخير تاني ؟ لأ بقى بقولك ايه ماتزعليش مني لما افسخ من بكرة ، انا كدة عداني العيب يابنت الناس، عن اذنك بقى .
- استنى والنبي يااستاذ ماهر واسمعني؟
هتفت بها وهي توقفه حتى جذبته من مرفقه بدون قصد، فالتف اليها برأسه بنظرة مذهولة جعلتها تتدارك نفسها لتنزع يدها سريعًا مردد باعتذار:
- انا اَسفة معلش، هما كلمتين بس عايزاك تسمعهم مني .
نزل بعيناه نحو كفها التي تشير بها فسألها بغموض:
- كلمتين ايه بالظبط اللي عايزاني أسمعهم ؟
اجابته ببرائة غافلة عن عيناه المتخفية تحت النظارة التي تغيرت بها النظرة اليها:
- انا جايالك النهاردة عشان اعمل معاك اتفاق يااستاذ ماهر ، وطمعانة في كرمك ان توافق عليه .
تحمح يجلي حلقه ليهتف على حارس البناية وهو يرفع بيديه حزام بنطاله الذي يتساقط دائمًا مع تهدل كرشه في الأمام :
- عبد السميع خلي بالك من العربية على ما اطلع شوية كدة اتفاهم مع الاَنسة في مكتبي .
اومأ له الرجل بالإيجاب وهو يرتشف من كوب الشاي خاصته يجيبه بلهجة غير مفهومة :
- انت تؤمر يابيه .
- هو انا هاطلع معاك المكتب دلوقتِ ؟
سألته باستفسار ، أجابها بانفعال :
- امال عايزانا نتفاهم في الشارع يااَنسة ولا ايه؟ انا مافياش حيل للوقفة كتير.
اومأت برأسها رغم قلقها وسارت خلفه تتبعه للصعود على الدرجات القليلة المؤدية لمكتبه في الطابق الأرضي.
تبعتهم نظرات حارس المبنى الذي كان يمصمص بشفيته بعدم رضا.
...............................
بعد قليل
كانت جالسة أمامه تشرح وهي تضع المبلغ الذي بيدها على سطح المكتب :
- دول سبعة الاف وبعد بكرة ان شاء الله هاجيبلك من القبض ٣ الاف ، كدة يبقى كملنا قسط واحد والباقي ان شاء الله هاتصرف فيهم واجيبهم .
- وانتِ بكدة هايبقى حليتي ايه يااَنسة ؟ ما هو بعد بكرة هانكون دخلنا في الشهر الجديد ، يعني هايبقوا ست اتشهر ، وهايفضلوا برضوا الخمسين الف جنيه.
سألها باسترخاء وهو جالس بأريحية على مقعده خلف المكتب ، أجابته برجاء :
- ماانا بقولك هاحاول اتصرف ان شاء الله ، انا بس مش عايزاك تفسخ العقد وتضيع الشقة من خالي ، دا احنا مصدقنا .
- هو خالك عارف بالكلام ده ؟
هزت برأسه تنفي سريعًا في إجابة عن سؤاله ، فصمت قليلًا ينظر نحوها بوجه مغلف وهي تنتظر إجابته على أحر من الجمر ثم مالبث أن يقول:
- بصراحة يااَنسة انتِ صعبتي عليا قوي بعد كلامك ده ، بس دي فلوس ناس وانا اَخري وكيل عن صاحب العمارة، يعني مش عمارتي انا شخصيًا ، بس ااا.
- بس إيه ؟
سألته بلهفة بعد أن أصابتها كلماته بالأحباط وخيبة الأمل ، نهض عن كرسيه بخطواتٍ متمهلة حتى وصل ليجلس مقابلها امام المكتب، اردف بصوت خفيض :
- بس انا ممكن اتفاهم مع الراجل بأي حجة عشان خاطرك.......
نهضت منتفضة عن مقعدها فور ان امتدت كفه لتربت على ركبتها فسألته بأعين نارية غاضبة:
- في إيه ؟
ردد متصنعًا عدم الفهم وهو ينهض خلفها:
- يعني هايكون في إيه بس يااَنسة ؟ انا بس بحاول اخفف عنك، ثم انتِ قولتِ هانتفاهم ؟
- انا قولت هانتفاهم وقولتلك عاللي في إيدي ، يعني مش قصدي حاجة تانية ليكون فكرك يروح لبعيد .
هتفت بها بحزم لم يؤثر فيه ، فقال ببرود :
- وانا احترمتك يااَنسة زهرة طبعًا ، ومستعد كمان اديكي دلوقتِ حالًا وصل شهرين مش واحد ، وابقى وفرت عليكِ ١٠ الاف جنيه زيادة ، ايه رأيك بقى ؟
فغرت فاهاها ورأسها تتحرك بعدم تصديق وقد تأكد ظنها من هذا الرجل .
- اما صحيح راجل خرفان ومجنون.
هتفت وهي تتحرك بخطواتها نحو باب الغرفة ، ولكنها تفاجأت به يعترض طريقها بجسده البدين يردد
- جرا إيه ياعسل ماتبقيش طماعة، هو انتِ عايزاني اتنازلك عن كام شهر بالظبط ؟
حاولت جاهدة للتماسك وعدم البكاء أمامه وهي تحاول للهروب منه حتى وصلت لباب الغرفة حاولت الفتح بتحريك قبضته ولكن لا فائدة، صرخت بجزع :
- انت قافل الباب بالمفتاح ولا إيه ؟
ضحك بسماجة لا تليق بالموقف :
- لأ طبعًا ياغزال دا عيب في الباب نفسه ، ليكي عليا من بكرة اجيب النجار يصلحه، بس تعالي دلوقتِ والنبي
قال الاَخيرة وهو يندفع بجسده ليهجم عليها فقفزت تبتعد عنه مستغلة خفتها وثقل حركته ، وتناولت أول شئ تطوله يداها من على سطح المكتب، فصاحت مهددة بقلب يقفز بين اضلعها كأرنب مذعور :
- اقسم بالله لو ما اتحركت وفتحت الباب لكون فاتحة دماغك باللي في إيدي دي.
ردد مقهقهًا :
- هاتفتحي دماغي بدباسة الورق يخرب عقلك ياشيخة ، تعالي يابنت الناس وليكي عليا اضحيلك بشهر تالت كمان، بس خلاص بقى ماتتعبيش قلبي .
حينما وجدت انه لافرصة للنجاة مع هذا القبيح تركت مابيدها وتوجهت نحو النافذة ، لتفتحها بنية صادقة تهدده بعد أن صعدت اليها بفضل الكنبة الجلدية أسفلها:
- خطوة تاني هاتتحركها واكون رامية نفسي في الشارع وجيبالك مصيبة وعليا وعلى اعدائي .
- ايه ده ايه ده هو انتِ بتتكلمي جد ولا إيه ؟
اردف بها وهو يتقدم بخطوته فصرخت هي بصوت عالي توقفه:
- بقولك اوقف مكانك وافتحلي الباب لارمي نفسي من الشباك حالًا دلوقتِ .
وقبل ان ينبت ببنت شفاه اندفع الباب فجأة بدفعة كبيرة من الخارج أدت لكسره ، ودلف منه رجل ضخم الجسد يهجم عليه و يقيد حركته وهو يغمغم بالكلمات المنددة والمندهشة:
- انت مين ياجدع انت؟ واذا تقتحم المكتب من غير احم ولا دستور كدة ؟
شهقت زهرة بعدم تصديق وقد علمت بهوية الرجل والذي كان إمام حارس مديرها في العمل رغم تعجبها لحضوره، لتجفل منتفضة على صيحة غاضبة غفلت عن صاحبها الذي كان واقفًا على مدخل الباب في غمرة فرحتها بنجدتها :
- هاتفضلي واقفة عندك كتير؟ اتحركي وابعدي عن الشباك .
تسمرت محلها تنظر اليه باذبهلال ليُفيقها بصيحة أقوى بوجهه الذي توحشت ملامحه :
- اخلصي ياللا وتعالي من عندك .
على الفور تحركت مسرعة تهبط من الكنبة الجلدية حتى اقتربت لتفاجأ به وهو يقبض على كفها ليقربها منه اكثر ويرمقها بنظرة نارية قبل أن يتجه بأنظاره الى حارسه الشخصى الذي سأله :
- اعمل في إيه دا ياباشا ؟
أجابه بقوة :
- اكسرله ايده ، عايز اسمع صوت ايده وهي بتتكسر .
وقبل أن تستفسر عن ماسمعته فوجئت بصرخة عاليه من الرجل مترافقة بصوت كسر العظام الذي سمعته حقًا مما جعل غمامة سوداء تلفها لتسقط مغشيًا عليها وتتلقفها ذراعيه القويتان وهو يهتف باسمها :
- زهرة ، زهرة
.....يتبع
تفتكروا ايه اللي جاي ، تعليقاتكم بقى وتحليلكم
امل_نصر
بنت_الجنوب