نعيمي وجحيمها
الفصل الحادي عشر والثاني عشر
بقلم أمل نصر بنت الجنوب
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
تشعر برأسها على وشك الإنفجار؛ رغم ارتشافها لفنجانها المفضل القهوة باللبن والذي أتى به عامل الكافتيريا بلال؛ نجدة لها في اَخر لحظة قبل بدء الأجتماع ، تجاهد في التركيز على مناقشات العذاب وهي جالسة على يمينه ، تعمل بربع طاقتها في تدوين محضر الاجتماعات وملاحظاته التي لا تنتهي ، تزفر بداخلها كل ما وقعت عيناها على ساعة يدها، الشئ الوحيد الذي كان يبعث بالطاقة داخلها ويحثها على الإستمرار، هو رؤية صديقتها وهي تعمل بينهم كفرد منهم، تناقش وتجادل برأيها الحر دائمًا بثقة وقوة، ما أجملها بهية الصورة وعزيزة النفس كاميليا .
- طب انا بقول كفاية بقى، ونأجل الباقي على المرة الجاية.
انتبهت لمقولته التي ألجمت الجميع عن مواصلة النقاش وجعلتهم يضبون أغراضهم للمغادرة، كادت ان تصرخ مهللة بالنصر فرحة بانتهاء الإجتماع على الثامنة وليس التاسعة كما توقعت ، تتمنى الهرولة بحرية أمامهم حتى تصل الى باب الشركة ومنه تطير الى جدتها وحصن الأمان منزلهم.
- إنتِ يااا
قطبت زهرة وهي تنظر الى ناحية الصوت لتجد امرأة ثلاثنية بشعر اصفر وبشرة برونزية على عينان باللون العسلي تخاطبها :
- حضرتك بتكلميني؟
اومأت لها زهرة بسبابتها نحو نفسها تسألها ، أشارت المرأة الصفراء بعنجهية :
- هاتيلي منديل من العلبة اللي قدامك دي .
- العلبة مش بعيد عنك يامرفت، طلعيلك منديل لوحدك.
تفاجأت زهرة بصوته الخشن ورده السريع من قبل حتى ان تفتح هي فاهاها، مما احرج المرأة فجعلها تفعل على الفور دون مجادلة .
- طب انا كدة بقى خلصت ، عايز مني حاجة تاني يافندم؟
سألت زهرة بلهفة، أجابها صامتًا بنظرة مسيطرة كالعادة وهو يتناول دفترها وينظر به ، زفرت داخلها وهي جالسة في انتظار قرار افراجه عنها قبل إن تتنقل بأنظارها نحو صديقتها التي كانت تخاطبها بعيناها من قريب، فانشق ثغرها لها بابتسامة كادت ان تطيح بعقله بجوارها ، وقد غفل عن المدون بالدفتر وتركزت عيناه على وجهها المضئ بإشراق، مع هذه الغمزة الموجودة أسفل ذقنها والتي زادتها روعة ، لأول مرة يراها هكذا عن قرب لفترة طويلة من الزمن، كان بامكانه مدها أكثر ولكنه أشفاقًا عليها أنهى الأجتماع قبل موعده .
من تتبعه لنظراتها انتبه على صديقه الذي أتى يقترب منه بصحبة كاميليا التي ذهبت تلاقئيًا اليها من الناحية الأخرى .
- ايه ياعم ؟ مش الإجتماع خلص برضوا ولا انا ييتهيألي .
قال طارق بمرح كعادته ، استجاب جاسر مرددًا له :
- خلص ياسيدي ، بس انا لازم كدة اديها نظرة اخيرة ولا انت مش عارفني .
- عارفك طبعًا ياكبير ياجامد انت، لكن قولي مرفت دي تبقى صاحبة مراتك صح ؟
سأل طارق الاَخيرة بصوتٍ خفيض وهو يشير بعيناه نحو المرأة وهي تخرج أمامهم مغادرة من غرفة الإجتماعات
أجابه جاسر بنظرة غير مبالية تفهمها الاَخر فتابع قائلًا :
- طب مش كفاية شغل بقى، الساعة ٨ دلوقتي ، يعني يدوب تروح وتاخدلك شاور تريح بيه جسمك شوية.
اومأ له جاسر وقبل ان يرد تفاجأ بهتافها بإسمه :
- جاسر باشا.
- نعم في ايه؟
قال بجديه عكس ما يشعر به من دغدغة جميلة بأذنه فور سماع اسمه بصوتها لأول مرة ، اردفت له بلهفة :
- انا خلاص مروحة مع كاميليا ، يعني خلاص مش عايزة السواق ولا الحارس يوصلوني .
- ليه ؟ هي كاميليا في طريقك ؟
سأل قاطبًا باستفسار ، أجابته كاميليا :
- لا طبعًا يافندم، بس انا فرحانة بعربيتي الجديدة بقى وقولت اوصل زهرة معايا، ما انا كدة كدة رايحة الحارة النهارة على فرح واحدة كانت جارتنا زمان .
اومأ لها قائلًا بصوته الأجش:
- الف مبروك ياستي عالعربية وفرح قريبتك ، بس برضوا زهرة مش هاتروح معاكي.
- ليه بقى؟
هتفت معترضة ، أجابها بتفكه غريب عنه:
- إيه نسيتي العيال اللي بتشرب في الحارة ؟ ولا انتِ عايزة خالك خالد يزعل منك؟
أخفضت زهرة عيناها عنه بخجل وقد اكتسى وجهها بالحمرة ، اما كاميليا فانفغر فاهاها بدهشة مما تراه من تغير بجاسر الريان لأول مرة، كما فعل طارق بالظبط .
............................
بعد قليل وبداخل سيارة جاسر الريان كانت جالسة في الخلف مع غادة التي كانت لا تصدق نفسها وهي تتأمل كل ركن وكل تفصيلة بالسيارة الفارهة .
- يالهوي يابت يازهرة ، دا انا حاسة قلبي هايوقف من الفرحة والنعمة.
قالت غادة هامسة بصوت خفيض لزهرة التي كانت تنظر لها بجمود مكتفة ذراعيها ، وتابعت :
- رغم اني كنت هاموت النهاردة واركب مع كاميليا في عربيتها الجديدة بس تتعوض بقى، هو كل يوم الواحد هايلاقي توصيلة بعربية جاسر الريان .
حينما ظلت زهرة على صمتها هتفت غادة :
- ماتردي يابت مبلمة ليه كدة ؟ ولا يكون مش قادرة تستوعبي انتِ كمان زيي ، لا عندك حق بصراحة .
جذبتها فجأة زهرة من ذراعها تهمس بغيظ في أذنها:
- اهدي بقى الله يخرب بيتك وبطلي فرك ، الرجالة اللي قاعدين قدام دول مراقبين وشايفين كل حاجة ، ماتخليهمش يضحكوا علينا .
شهت رافعة شفتها باستنكار :
- يضحكوا على مين ياما؟ هو احنا قرود قدامهم ، طب خلي واحد فيهم يعملها كدة عشان كنت اعرفه مقامه صح.
- منورين يااَنسات .
انتفضت الفتيات على الصيحة التي أتت من صوتٍ جهوري في الأمام .
فهتفت غادة نحو الرجل وهي واضعة يدها على قلبها :
- يخرب بيتك فزعتني ، مش تدي اشارة الأول بدل ماتوقف قلبنا بصوتك الغريب ده .
- ههههههه
ضحك الرجل بسماجة اثارت حنق غادة ودهشة زهرة ، تدخل السائق عابس الوجه دائمًا :
- بطل غلاستك دي ياإمام ، خلينا نخلص في يومنا .
اردف إمام بمشاكسة وهو يغمز لها بالمرأة :
- بلاها غلاسة عشان القمرات، انت تؤمر ياعُبد ، اه ياني ياما، ياما نفسي اتجوز
مالت زهرة بوجهها تخبئ بكفها ابتسامة متسلية وقد فهمت مقصد الرجل من وجه غادة الذي تميز غيظًا حتى اصبح شكلها كالشخصيات الكرتونية
................................
والى جاسر الذي استقل سيارة صديقه وجلس بجواره في الأمام ، ينظر بعيناه الى الخارج من نافذة السيارة، غير منتبه لحديث طارق ولا بغناءه خلف مذياع السيارة، فقد فشرد عقله بصاحبة الإبتسامة الرائعة بندرتها ، يستعيد بذهنه كل احداث يومه معها ، رقتها ، خوفها منه طوال الوقت ، خفة ظلها وعفويتها في إلقاء الجُمل بدون تفكير ، تذكر حديثه معها منذ لحظات حينما خرجت معه من باب الشركة تتوجه نحو سيارته لكي تستقلها مع حارسه الشخصي والسائق فوجد هذه الفتاة ثقيلة الظل قريبتها منتظرة بجوار السيارة:
- زهرة .
هتف بحزم فالتفت عائدة اليه تجيبه بطاعة :
- نعم يافندم، عايز حاجة قبل ما امشي ؟
اومأ بعيناه نحو غادة يسألها:
- البنت دي مستنية هناك ليه؟ وايه اللي أخرها اصلًا عن ميعاد انصرافها .
أجابته زهرة.
- يافندم البنت دي تبقى بنت عمتى وانا اللي طلبت منها تستنى عشان تروح معايا .
- ياسلااام .
اردف بها ساخرًا وتابع :
- وانتِ بقى بتعزمي عليها من قلبك تركب عربيتي من غير ماتقوليلي ؟
احتدت عيناها فقالت باعتزاز :
- انا معزمتش فسحة يافندم ، لا حضرتك، انا طلبت منها ترافقني عشان مااقعدتش مع اتنين رجالة في عربية لوحدي، وانا ايش ضمني؟
كتم ابتسامته حتى لا يحرجها فتابعت :
- وعلى العموم لو انت مش موافق ، ناخدها من قصرها وحمد لله عربية كاميليا موجودة أهي مامشيتش.....
- امشي يازهرة .
- نعم حضرتك
تابع مرددُا بصرامة وهدوء:
- بقولك امشي يازهرة على العربية بسرعة وخدي قريبتك معاك ، الوقت اتأخر
همت لتجادل معترضة ولكنه أوقفها بنظرته الحادة والمسيطرة ، فاستدارت نحو السيارة مذعنة لأمره ، ابتسم خلفها بتسلية قبل ان يذهب الى سيارة صديقه.
- ااه ، ايه دا الله يخرب عقلك هببت ايه ؟
تفوه بها جاسر بفزع يستفيق من شروده بعد ان اندفعت رأسه بقوة للأمام وارتدت في نفس الثانيه بفضل حزام الأمان ، رد طارق وهو يسرع بمحرك السيارة :
- اعملك ايه بس ياصاحبي كان لازم افوقك ؟ اصلك سرحان ومش معايا خالص .
- تفوق مين يابني ادم انت ؟ ماكنت اعمل بينا حادثة احسن بهزارك السخيف ده .
قال جاسر بغضب قابله طارق بابتسامة باردة يردد:
- اسف ياروحي، بس انا بغير لما الاقيك تنشغل عني ولا تفكر في حد غيري .
- ياربي عليك يااخي لما تطلب معاك غتاتة، ياساااتر.
أردف جاسر مغمضًا عيناه باشمئزاز اثار ضحك الاَخر :
- حبيبي ياجاسر والله ، واحشتني قعاداتك وهزارك ياجدع، ماتيجي تسهر معايا النهاردة .
- وانت هاتسهر فين بقى ؟
- ايه دا ؟ هو انت هتوافق بجد تسهر معايا؟
سأله طارق بعدم تصديق، أومأ له جاسر بعيناه فهلل الاَخر بترحيب :
- ايوة بقى ياجسورة ، واحشتني بجد ليالك.
.................................
حينما وصلت السيارة الفارهة ذات الماركة العالمية في المنطقة الشعبية الفقيرة ، واخترقت قلب الحارة، كل الرؤس التفت حولها ، حتى ان بعض البشر تركت الفرح ، كي تتبع وجهة السيارة الغريبة بحارتهم .
هتفت غادة بلهفة :
- شايفة يازهرة ، الناس في الحارة كلهم هايتجننوا على العربية .
أومأت لها زهرة بصمت وقد نفذت طاقتها حتى عن الكلام .
- اوقف هنا يااًنسات قدام العمارة القديمة دي ؟
، سألها السائق ، وأجابته زهرة :
- ايوة ياحضرت ولو على اول الشارع تمام برضوا.
- لا تمام ايه ؟ انتِ لازم تنزلي من العربية على باب البيت عدل ، دي تعليمات جاسر بيه .
قال الحارس، وأومأت له زهرة برأسها فالتمعت اعين غادة بالحماس حتى اذا توقفت السيارة وترجلت زهرة منها ، خاطبت غادة السائق :
- كمل بقى طريقك ، عمارة بيتنا في الشارع اللي جاي ده.
- لحد كدة وخلصت ، انا الباشا أمرني بتوصيل الاَنسة بس ، ماحدش جاب سيرتك انتِ
اجفلها السائق برفضه بصلف وقلة زوق فهتفت عليه غاضبة :
- جرا ايه ياجدع انت؟ هما الخطوتين دول هايتعبوك ولا يبوظوا العربية لو كملتهم
اردف السائق بحدة وهو ينظر لها في مراَة السيارة:
- ماليش فيه الكلام دا انا، اتفضلي يااَنسة عشان عايز اللف واخرج بالعربية من حارتكم .
- وحد قالك ان احنا اللي ماسكين فيك بلاخيبة ، روح ياخويا في ستين داهية تاخدك بلاقرف .
بصقت بكلماتها وهي تترجل من السيارة ، صافقة الباب بعنف لم يؤثر في السائق الذي خاطبه الحارس بتصنع الغضب وهو يترجل من السيارة خلفها:
- اما انت قليل زوق صح ياعبده ، هي دي برضوا معاملة الاَنسات؟
هرولت تطقطق بكعب حذائها على الأرض امام نظرات الجيران الفضولية ، وتتبعها هو حتى صار يسير معها :
- ماتزعليش ياقمر ، هو كدة الواد عبده ، جلف وما يعرفش يعامل النسوان الحلوة.
لفت نظرها بتشديده على حروف كلمته الاَخيرة ، فتوقفت في اقرب شرع مختصر ترمقه بنظرة نارية وهي تجز على أسنانها تردف:
- هو في إيه بالظبط يا أخينا انت؟ كل ما تشوفني تغمزلي بعيونك ، يااما تلقح قدامي بالكلام ، اعرفك منين انا عشان تاخد عليا بالشكل ده؟
أجابها يبتسم ببرود وهو يتلاعب بحاجبه :
- وهو لازم يبقى تعارف شخصي ياعسل، دي حاجة كدة اسمها تااَلُف ارواح .
اشارت بسبابتها مرددة بازدراء :
- تااَلُف ارواح! وانت تقصد بزكاءك الخارق، ان روحي انا ممكن تاخد على روحك انت ؟ دا على كدة بقى تلقيحك قي العربية كان بقصد ؟
برقت عيناه الواسعة وهو يردف لها بتفكه :
- أييييوة، خدتِ بالك انتِ لما طلعت من قلبي بحرقة كدة وانا بقول اَااه يامٌا، ياما نفسي اتجوز ؟ هاموت عالحلال والنعمة.
فردت ظهرها ومدت بذقنها اليه بتعالي تردف :
- الحلال بتاعك ده ياشاطر تدور عليه مع واحدة من مستواك، مش انا اللي يناسبها حلالك ده يابابا.
- بلاش الحلال ، طب يناسبك الحرام ؟
أجفلها بوقاحته في الرد ، مما جعلها بدون تفكير ترفع يدها اليه كي تصفعه، متناسية فرق الطول الهائل بينهم ، مما جعله يتلقف كفها ببساطة ، فضغط عليها حتى كاد ان يسحق عظامها بين قبضته القوية وقال :
- طب مش تخلي بالك ياحلوة وانتِ بتطلقي إيدك كدة في الهوا ، لا تروح منك وماترجعش تاني.
صرخت بألم مكتوم :
- سيب إيدي يابني أدم انت ، بدل ما اصرخ والم عليك الحارة كلها ، والبسك فضيحة تضيعك شغلك .
ضغط على شفته المنفرجة بابتسامة وهو ينظر إليها باستمتاع ثم تركها فجأة تركض هاربة منه نحو منزلها بخوف ، تابعها مضيقًا عيناه بتفكير وهو يحٌك بطرف ابهامه على وجنته الخشنة قبل ان يستدير مغادرًا وهو يتمتم بتسلية .
- شرسة شرسة يعني ، وانا انسان مريض بتستهويني جدًا الأنواع دي .
................................
والى زهرة التي انتظرت قليلًا بمدخل العمارة ، حتى أتت اليها كاميليا بعد ان تتبعتهم بسيارتها .
- اتأخرتي ليه ؟
هتف بها زهرة فور رؤيتها ، ردت كاميليا وهي تخطو اليها بسرعة :
- مش على ما قدرت الاقي مكان اركن فيه العربية ياقلبي .
- ايوة ياعم عربيتي والكلام الفاضي ده ، اتقنعري علينا ياختى اتقنعري
قالت متصنعة الحقد ، جذبتها كاميليا بمزاح ثقيل من ذراعها وهي تسحبها نحو الدرج قائلة :
- يخرب عقلك، هي غادة بهتت عليكي يابت ولا ايه ؟ قولي يابت وطلعي السواد اللي جواكي ناحيتي قولي .
ضحكت زهرة مقهقهه وهي تصعد معها الدرج ، اردفت كاميليا :
- بس الفرح برة ايه؟ يجننن ، صحيح انا شوفت عربية نوال في المكان اللي ركنت فيه عربيتي .
- نوال خطيبة خالي ، معقول !
قالت زهرة قاطبة جبهتها بدهشة .
..............................
حينما دلفن الفتيات لداخل المنزل هللن بمرح ترحيبًا بنوال الجالسة على الأرض تتناول مع رقية وجبة عشاءها .
- ياهلا ياهلا ، الأستاذة نوال بحالها في بيتنا وبتاكل عالأرض كمان .
قالت زهرة ورددت خلفها كاميليا بمزاح :
- لأ وكمان قاعدالك ياختي بالبيجاية والنص كوم في بيت خطيبها ، فين الحياء ولا التربية ، ايه قلة الأدب دي ؟
- لا ما احنا خلاص قلعنا برقع الحيا ولغينا التربية فاضل بس نبقى قلالاة الأدب .
ردت نوال وهي تنهض عن الطعام بضحك مستجيبة لمزاحهم قبل ان تعانقهم الاثنتان باشتياق ، ترحب بهن ويرحبن بها .
- بس غريبة يعني مااتصلتيش بيا ولا قولتي ان جاية .
سألتها زهرة فجاوبتها نوال :
- لا ماهي الزيارة النهاردة كانت بسبب مفاجأة ليكِ ياقمر .
- مفجأة ليا انا ؟
سألت زهرة بدهشة فرددت شقيقتها صفية :
- يالهوي ياابلة دا اللي حصل النهاردة في الحارة ولا افلام السيما ؟
سألت كاميليا من ناحيتها هي الأخرى :
- ايه اللي حصل ؟
- حصلش ولا محصلش ، اتنيلي انتِ وهي اطفحوا اتعشوا الأول وبعدين احكوا براحتكم .
- صدقتي يا ستي ، والنعمة دا انا هاموت من الجوع .
قالت زهرة وهي تجلس بجانبهم تتناول الطعام ، وهتفت كاميليا وهي ترتمي على رقية تحضنها.
- ستي حبيبتي ، وحشتيني ياقلبي .
- وحشك عفريت، توك ما افتكرتي يابت الجز.......، اقطعلك شعرك اللي انتِ فرحانة بيه ده ها؟
قالت رقية وهي تلكزها بقبضتها والأخرى مقهقه تتقابل تعنيفها المحبب .
.............................
والى جاسر الذي دلف مع صديقه طارق لداخل الملهى الليلى ، يتلقى الترحيب من رواده والعاملين به بحرارة بعد فترة انقطاع كبيرة .
- عملت ثورة انت النهاردة في المكان ياكبير بمجيتك .
قال طارق وهو يجلس على طاولة خصصت لهم، جلس امامه جاسر قائلًا باتزان:
- طبعًا يابني هو انا أي حد ؟
- لا ياعم مش أي حد دا انت جاسر باشا، بقولك ايه بقى احنا عايزاين السهرة النهاردة تبقى صباحي ، نسوان ومشروب و......
- حيلك حيلك بس اوقف عندك على كدة .
اردف جاسر مقاطعًا صديقه، وأكمل
- من اولها كدة، انا اَخري مشروب معاك وبس ، لاعندي دماغ لنسوان ولا الكلام الفاضي ، لو انت عايز اسيبلك انا الطرابيزة ؟
هتف طارق على مضض:
- خلاص ياعم بلاها ، هو انت بتيجي كل يوم يعني؟
قال جاسر بابتسامة مشاكسة :
- طب افرد وشك طيلب ، عشان بس ماحسش اني تقيل عليك ولا حاجة .
رد طارق بابتسامة صفراء ، قابلها جاسر بضحكة مجلجلة اثارت دهشة الاَخر فقال مداعبًا :
- هل هلالك ، الضحكة دي بقالي سنين ماسمعتهاش منك ياعم ياجاسر ، ايه جرا في الدنيا ؟
لم يجيبه جاسر فتابع بجدية :
- طب معلش بجد بقى ماتزعلش مني ، هو انت فعلًا قاطعت النسوان وزهدت فيهم .
- مين قال كدة ؟
سأله جاسر باقتضاب ، وأجاب الاَخر :
- أنت ، بتصرفاتك وفعلك ، مراتك وكأنها عدوتك، اني اشوفك في علاقات عابرة او حب حقيقي ، مافيش خالص ، يبقى ايه بقى ؟
- حب حقيقي !
سأله جاسر بتفكير وهو يتلاعب بأطراف أصابعه على على شعر ذقنه النابت حديثًا ، رد طارق بتأكيد:
- اه حب حقيقي ياسيدي ، مدام مش عايش الحب مع مراتك اللي بالأسم دي ؟ يبقى تدور انت بنفسك على اللي تسعدك .
سأله جاسر :
- طب انت جربت الحب الحقيقي؟
اجابه طارق وهو يهز برأسه :
- مش عارف والله ياصاحبي ، انا بنجذب لستات كتير اوي ، اللي من لون عنيها ، اللي من شعرها ، واللي من .....
توقف عن الكلام يصف معبرًا بكفيه ، فنهره جاسر بقرف :
- دا مااسموش حب ، دا اسمه حاجة تانية .
- ياعم عارف بس بهزر معاك .
رد طارق وتابع بجدية :
- واصلني والله اللي تقصده وحاسوا اوي كمان ، خصوصًا اليومين دول .
سأله جاسر باستفسار :
- اه، ليه بقى خصوصًا اليومين دول ؟
صمتت قليلًا طارق محدقًا به، ثم أجابه بتردد:
- بصراحة بقى انا منجذب ومشدود أوي لكاميليا معرفش.......
قطع جملته متأثرًا بنظرة محذرة من جاسر الذي رفع له سبابته بتهديد :
- ايااك ياطارق ، انا بحذرك عشان مقلبش عليك .
- ياعم يكفينا شر قلبتك ، انا مقصدش حاجة وحشة والله ، انا بس بقول مشدود ليها ، لكن مش بغرض وحش .
اكمل طارق بتبريره وجاسر يحذره بتهديد حتى انتبه على مدخل الملهى خلف طارق وتسأئل:
- دي ايه اللي جابها دي ؟
- هي مين ؟
سأل طارق قبل ان يستدير بجذعه فعاد اليه هامسًا :
- يانهار ابيض دي مراتك !
..................................
- ايوة ياخالي ، ربنا يخليك يارب ومايحرمني منك .
قالت زهرة وهي تحادث خالها في الهاتف ، بعد ان علمت من نوال الخطة التي رسمها ونفذتها هي بحرفية بالإتفاق مع شقيقها ، ظابط المباحث ، في القبض على فهمي واعوانه.
وصلها صوته المحبب :
- بس يابت، بطلي شغل الشحاتين ده؟ هو انا عملت ايه يعني ؟ بس لو حابة تعملي الواجب اشكري الأستاذة نوال عندك .
- الأستاذة نوال اه ، دي بترسم يابابا عشان تتبت رجلها عندك .
قالت زهرة بمشاكسة في نوال الجالسة أمامها على الكنبة الخشبية تبتسم بسعادة وبجوارها كاميليا ورقية وصفية يتابعن باهتمام، وصلها رد خالد عبر مكبر الهاتف:
- هي لسة هاتبت ، ماهي تبتت ياختي وانتخت من زمان ، هو انا لسة هاقولك يابن اختي ، ادهاني ادهاني .
انطلقت الضحكات من الجميع ونهضت نوال تلوح لها بيداها كي تتناول الهاتف ، هتفت زهرة بغضب مصطنع :
- اخص عليك بعت بنت اختك وحبك القديم اخص .
جذبت الهاتف نوال مرددة لها :
- انت بنفسك قولتي حبه القديم، يبقى الجديد هو اللي يكسب ، ايوة ياخالد اخبارك ايه ؟
سألته بنعومة وهي تغلق المكبر مخرجة لسانها لهم قبل ان تتابع وتتحرك تاركتهم .
- الصوت هنا مش كويس باينه من الشبكة ، ثواني هاكلمك من اؤضة ستي، دقيقة واحدة .
هتفت كامليا من خلفها :
- كمان هاتكلميه من الاؤضة ؟ دي احتلت البيت بقى .
- عقبالك انتِ كمان لما تحتلي بيت جوزك .
خاطبتها رقية بمداعبة استجابت لها كاميليا بابتسامة ، فقال زهرة بحالمية :
- بحب قوي قصة حبهم الغريبة دي ، رغم التعب والصبر اللي فيها ، لكنهم مازالوا متمسكين ببعض وماحدش فيهم خان العهد .
تابعت خلفها كاميليا :
- سبحان الله عندك حق ، شوف قعدوا كان سنة بنفس المكتب شغالين مع بعض ، وماحدش فيهم عنده الجرأة يعترف ، ولما حصل طلعت معاهم مشكلة ابوها اللي عايزلها شقة برا الحارة .
- عنده حق ياكاميليا برضوا ، اي حد في الدنيا بيبقى نفسه يربح بنته ، واحنا العمارة هنا زي ما انتِ شايفة ،ايلة للسقوط .
- بس انت خالك حلو ويتحب .
قالت كاميليا بشقاوة فلكزتها رقية بقبضتها جعلتها تتأوه ضاحكة :
- اه ياستي خلاص كفاية والنبي، هو انتِ النهارة مستلماني ولا ايه ؟
- اه ياختي مستلماكي وعايزاكي تقري النهاردة ، مدام جيتلي برجلك .
ردت رقية مصطنعة العزم ، وهتفت كاميليا :
- يانهار ابيض ياانا وقعت في الفخ بقى؟ انا ايه اللي خلاني النهاردة بس ، والغي مشوار الفرح .
قالت صفية :
- القعدة الحلوة ياابلة هي اللي خلتلك تلغي مشوار الفرح ، زي انا كدة ما سايبة المذاكرة وقاعدة جمبكم .
- اه ياناصحة وخلي القعدة تنفعك في اَخر السنة .
قالت زهرة فهتفت رقية :
- بت ياصفية قومي من هنا وروحي زاكري .
- بس ياستي .
- اخلصي يابت .
نهضت صفية مغادرة الجلسة على مضص بعد اصرار رقية التي خاطبت كاميليا :
- قوليلي بقى ياحلوة واعترفي ، ايه اللي مخليكي بترفضي في العرسان ومش عايزة تتجوزي .
- ازاي بس ياستي ؟ والنعمة عايزة بس النصيب .
- نصيب في عينك، برضوا بتلفي وتدوري ومش تقري .
- اه
تأوهت صارخة من قبضة أخرى على ذراعها فهتفت باستسلام :
- هاقر والله وهاقول .
قالت وصمتت قليلًا معهم قبل ان تتابع امام نظراتهم المتفحصة .
- بصراحة بقى انا مقدرش اسلم واحد قلبي وجسمي غير وانا متأكدة مية في المية اني بحبه ، وانه هايصوني ومايخونيش مع اي واحدة غيري .
- ودا هاتجيبيه منين بقى؟ هاتفصليه ؟
قالت رقية بسخرية ضحك على اثرها الفتيات ، قبل ان تردف كاميليا .
- خلاص بقى يبقى ماتلموش البنت لما تتأخر ولا ماتتجوزش خالص ، مدام المسألة صعبة قوي كدة .
- يخرببتك .
تفوهت بها رقية بعد أن ألجمتها كاميليا بردها.
.............................
- جاسر، ياجاسر ، استنى ياعم .
هتف طارق من خلفه وهو يلاحق خطواته االسريعة في البحث عن سيارته في موضع السيارات، توقف الاَخر يرد بغصب :
- بتنده ليه؟ مش خلاص السهرة انفضت وانا قولتلك ماشي؟
اقترب طارق يرد عليه بلهاث :
- يابني مش عايزك تفهمني غلط ، والله ما اعرف انها بتيجي هنا، انا اصلًا بقالي فترة مابجيش هنا.
تنهد جاسر يردف له :
- خلاص ياطارق، اللي حصل حصل ، مافيش داعي للاعتذار وانا مسامحك خلصنا .
أومأ طارق ببعض الإرتياح ثم مالبث ان يتحدث بجدية :
- بس الصراحة ، انت كسفتها ياطارق ، كون انك تخرج من المحل بمجرد ماهي دخلت ، اي حد هايفهمها دوغري .
- خلي اللي يفهم يفهم بقى وياريت هي تحس على دمها لحد كدة .
قال جاسر بعدم اكتراث ، حدق به طارق قليلًا يتمتم :
- دا انت بقيت بتكرها فعلًا ياجاسر .
- اكرها ولا احبها حتى ، خلاص بقى خليني اروح .
قال وهو يلوح بكفه ذاهبًا من امام صديقه ، حتى اذا وصل الى سيارته وجلس فيها ، اخرج هاتفه على الفور يطلب رقمها بدون تفكير.
- الووو..... ايوة يازهرة .
وصله صوتها المتردد بقلق :
- الووو .. ايوة يافندم ، هو في حاجة حصلت ؟
اربكه سؤالها له على الفور ، فقال متحججًا :
- لااا انا بس كنت بطمن عليكِ بعد ماوصلتِ .
شعر بغباء قوله من صمتها فغير بفكرة اتته على الفور.
- زهرة هو انت معاكي حساب على الفيس بوك ؟
قطبت تجيب عن سؤاله الغريب .
- لا طبعًا ، انا معنديش حساب في أي حتة ، انت بتسأل ليه ؟
ردد بمكر .
- لا يعني ، اصل في واحدة دخلتلي على الخاص بنفس الأسم ، افتكرتها انتِ
هتفت غاضبة بتشنج:
- لا طبعًا حضرتك ، مش انا اللي اعمل كدة ولا انا بالأخلاق اللي تسمحلي اعمل حاجة قليلة الأدب زي دي .
صمتت بعد ان وصل الى أسماعها، اصوات غريبة مكتومة ، فتابعت تسأله بقلق.
- حضرتك هو في إيه عندك ؟ وانت مابتتكلمش ليه ؟ هو انت حصلتلك حاجة.؟
بسؤالها الاَخير ابعد السماعة ولم يستطيع الأكمال، حتى لا يصل اليه اصوت ضحكه الذي لم يقدر على كبحه ولا توقفه .
الفصل الثاني عشر
على الكرسي الجلدي الذي كانت جالسة عليه، تهزهز بأقدامها بعصبية، تنفخ دخان سيجارها الذي يخرج وكأنه حريق نابع من داخلها ، تهذي بالكلمات الساخطة بعدم تصديق :
- انا يامرفت ، انا مرفت يعمل فيا كدة ويخلي شكلي زبالة قدام صحابي ، بقى مريهاااان يتعمل فيها كدة يامرفت؟
لوت ثغرها الاَخرى وهي تجيبها :
- بصراحة انا مش عارفة اقولك ايه ؟ الموقف اللي حكتيه يثبت فعلًا انه موقف زبالة ، بس انا اللي مستغرباه هو بيعمل معاكي كدة ليه ؟ هو مش عارف ان انتوا مشهورين وموقف زي دي الناس ماهتصدق تحكي فيه، دا غير انه كدة بيحرجك فعلًا قدام صحابك .
ردت ميري من تحت أسنانها :
- إلا يحرجني ! دا الأوباش أخدوها فرصة عشان يتريقوا ويهزروا بسخافة عليا اناااا، الحيوانات .
- أديكي قولتي بنفسك ، أوباش وحيوانات كمان ، ايه بقى اللي مخليكي مستمرة معاهم ؟ ماتسبيهوم وافضي لجوزك دا اللي هايروح منك وكفاية بقى.
قالت مرفت بغضب ، قابلته الأخرى بضحكة ساخرة تردد :
- افضى لمين ياقلبي ؟ هههه ياحبيبتي جاسر الريان دا لو حتى عملتلوا أمينة وبقى هو سي السيد ، برضوا مش هايحن ، انا عارفاه هو بيعمل كدة قصد عشان أطلب الطلاق.
تسائلت الأخرى وهي تمط شفتاها بدهشة :
- معقوول؟! هي لدرجادي الأمور اتعقدت مابينكم ؟
- واكتر كمان من الدرجادي ياروحي .
اردفت ميري وهي تشعل سيجارة أخرى وتابعت :
- جاسر قلبه أسود ، من يوم الحادثة وهو مش راضي ينسالي اللي حصل.
- لما سبيته يتعالج في أوروبا لوحده ؟
قالت مرفت بتخمين ، ردت ميري بتشدق :
- وافرض يعني سيبته؟ ماهو كان معاه والدته ، بصراحة انا كمان متحملتش عصبيته وجو الخنقة بتاع المستشفيات والقرف ، وانتِ عارفاني يامرفت بحب الحرية والأنطلاق ، ماليش بقى في الجو البلدي ده .
زفرت مرفت بملامح ممتعضة قبل أن ترد عليها:
- اهو الجو البلدي دا ياناصحة هو اللي خلاه قلب عليكي لما موفقتيش جمبه في شدته ، بس انا مازلت فاكرة يا ميري ، انتِ مش بس رجعتي مصر وسبتيه ، لا دي انتِ كنتِ عايزة تطلقي كمان .
ردت ميريهان بتوتر :
- مماهو بصراحة انا خوفت قوي لما الدكاترة خمنوا عدم وقوفه على رجله من تاتي ، دا غير كمان لما قالوا ان احتمال مايخلفش .
خرجت الاَخيرة بخزي وصوت خفيض ، اومأت مرفت برأسها وقد وصلها المعنى :
- اااه يبقى عشان كدة بقى ، ياخسارة ياميري ، كان لازم تصبري شوية وتفهمي من الأول ؛ ان واحد زي جاسر الريان ده لا يمكن هايتقبل الهزيمة ولا الضعف ، جاسر عنده ارادة حديدية مكنته انه يتخطى ويرجع أحسن من الأول كمان .
زفرت ميري تشيح بوجهها عنها لعدم تحملها الحقيقة قبل ان تردف :
- اهو اللي حصل بقى ، طلبت الطلاق ووالدي مرديش وبعدها صاحبنا دا رجع على رجله ، حاولت كتير اتقرب وهو رفض، صبرت عليه وحطيت في بُقي جزمة قديمة لما خاني مع اشكال زبالة وانا مكانش بيقربلي وبرضوا لا حن ولا قدر حتى ، بس المدة طالت قوي ، وهو بيزيد في غباءه وعِنده معايا ، وانا هاموت والمسه وهو حرمني من قربه، بس زهقت بقى وقرفت .
- ميري ، بصيلي هنا وحطي في عينك في عيني .
اردفت مرفت وهي تمسك بأطراف أعصابها على ذقن ميري لتنظر اليها جيدًا وتابعت :
- انتِ عارفة كويس انه كان بيخونك عشان يردلك القلم ويثبت لنفسه انه تمام ، وانتِ اللي جبتيه لنفسك يبقى تصبري كمان وتحاولي تغيري من نفسك .
نزعت يدها عن ذقنها بعنف هاتفة :
- تاني انتِ كمان اغير من نفسي ، ابوس على ايده مثلًا عشان يرضى عني؟ دا قافل في وشي بالضبة والمفتاح، عالعموم انا بلغت والده عشان يشوفلي صرفة معاه ، ماهو الإهانة دي لا يمكن اعديها على خير .
برقت لها مرفت بعدم تصديق:
- يانهار ابيض، انتِ اشتكيتي لوالده ياميري وهو في المستشفى بيتعالج برا؟
اردفت الأخرى بعدم اكتراث :
- امال يعني عايزاني اسكت على كرامتي اللي اتهانت ؟ مش كفاية والدي اللي مرديش يسمعني اصلًا بحجة انه مشغول بأمور الوزارة والكلام الفارغ ده !
........................................
- بتقول إيه؟
هتف بها جاسر وهو يترجل من سيارته الى محدثه في الهاتف وأردف .
- هي البت دي معندهاش دم ولا إحساس ، بتتصل بيك وانت راجل تعبان بتتعالج في اَخر الدنيا على حاجة تافهة زي دي؟
وصل اليه صوت أبيه بضعف :
- يابني مهياش حاجة تافهة ، ثم كمان هي ماقلتس لحد غريب ، امال يعني عايزها تشتكي لوالدها بقى عشان يكبر الموضوع وتبقى حكاية .
صاح بغضب وهو يدلف لداخل منزله الكبير :
- ولا يقدر يعمل حاجة ، يتشطر الأول على بنته اللي داخلة ملهى ليلي الساعة ١٢ بعد نص الليل ، هو ليه عين يكلمني أساسًا !
وصل اليه صوت والدته التي تناولت الهاتف من زوجها وتدخلت بحديثهم :
- يابني ياحبيبي بلاش عصبيتك دي ، انا ميت مرة اقولك اتفاهم معاها ، انت بس اديها ريق حلو دي ماهتصدق ، انا بنت اختي بتحبك وهاتموت عليك .
اردف بضحكة متقطعة ساخرة :
- تاني برضوا ياماما بتحاولي معايا ، بعد ماورطتيني فيها بحجة انها بنت الغالية حبيبة قلبك ، اللي ماتت في عز شبابها واتحرمتي منها، اقنعتيني انها يتيمة ومحتاجة اللي يطبب عليها عشان تتعدل ، وهي ضلع معوج بكتر الدلع وحب النفس والاَنانية ، انا معدتش جاسر بتاع زمان ياست الكل ولا انت نسيتي ؟
- يابني ياحبيبي....
معلش والنبي الله يخليكِ ياأمي ، اقفلي دلوقتي وبكرة الصبح هاتصل انا واطمن عليكم .
- ياجاسر.......
كان قد وصل الى غرفته وهو ينهي المكالمة بعد مقاطعة والدته ، رمى الهاتف وسلسلة المفاتيح على المقعد الوحيد الذي وجده أمامه قبل ان يسقط بظهره على التخت ، يتنفس بثقل ، وكل عضلة بجسده تأن من التعب ، بالإضافة تزاحم الأفكار السيئة بعقله بعد أن عادت اليه مشاهد الحادث القديمة، ومراحل العذاب في العلاج الشاق بعد ذلك حتى يستطيع الوقوف على أقدامه مرة أخرى ، وقد ظن عدم النجاة وانهيار عالمه، أغمض عيناه يستعيد وجهها الجميل بمخيلته ويتذكر مشاكسته لها منذ قليل وردودها العفوية التي تُسعده دائمًا، تنهد من العمق وهو يفتح أجفانه على رؤية الغرفة الكبيرة الخالية من الحياة ، لأول مرة منذ فترة طويلة يكره شعور الوحدة فيها ، بعد أن كييف نفسه عليها بل وكان يجد الراحة بها ، لكن كان هذا قبل أن يراها !
...............................................
بعد أسبوع .
دلف الى الشركة التي جعلها المقر الرئيسي لقيادة المجموعة ، يقضي معظم يومه بها ، يدير كل شئ من داخلها ، عكس ما كان ينتوي سابقًا، قبل أن يراها وتتغير معه كل خططه، خطواته السريعة توقفت فور أن دلف للغرفة الواسعة ، حينما رأى إبتسامتها التي تسلب لب قلبه؛ وهي تتحدث في الهاتف غافلة عنه ، بطء بخطواته حتى اصبح قريبًا منها ويستمع الى محادثتها :
- حبيبي والله زي مابقولك كدة ، رقية حكمت عليها تبات معانا ليلتين وصاحبتك ماصدقت ، دي روحت بالعافية والنعمة بعد ما والدها اتصل وبهدل الدنيا معاها، واقعة اوي بصراحة يعني ؟
صمتت قليلًا تستمع لرده عبر الاثير فانطلقت ضحكة بصوتها كادت أن توقف قلبه من خلفها ، ورأسها تميل للخلف حتى اصطدمت عيناها به فانتفضت تنهض مجفلة أمامه حتى أغلقت المكالمة دون أن تدري :
- جاسر بيه ، اسفة والله مكنتش واخدة بالي .
رغم الإحباط الذي انتابه بتوقف ضحكاتها ، لكنه تمكن من رسم الجمود كالعادة في حديثه:
- مش تخلي بالك يااَنسة من ضحكتك وانتِ في مكان شغلك .
اومأت برأسها وردت وهي مطرقة رأسها:
- عندك حق ، مش هاتكرر تاني يافندم .
صمت قليلًا وانتظرته هي أن ينصرف ولكنه فاجئها بسؤاله الفضولي:
- كنتِ بتكلمي مين ؟
رفعت عيناها اليه باندهاش وردد هو :
- بسألك ، مين دا اللي كنتِ بتناديه ياحبيبي ؟
عضت على وجنتها من الداخل تكبح غضبها ، فقالت متصنعة الإبتسام :
- دا يبقى خالي ياجاسر بيه، انا كل كلامي كدة معاه .
- خالك خالد .
اردف بها قبل ان يتحرك قليلًا ثم استدار قائلًا :
- انا بسألك بس عشان مصلحتك ، مهما كانت معزة خالك عندي ، الكلمة دي مايصحش تتقاله عشان بس ماحدش يسمعك و يفهمك غلط بعد كدة .
اومأت برأسها بعدم اقتناع ، املًا في ذهابه الذي حدث بعد ذلك ولكنها اوقفته قبل أن يدلف لغرفته هاتفة :
- على فكرة ياجاسر باشا، انا خلصت كل الملفات المتكومة ، يعني النهاردة بقى يحقلي اَخد فرصتي زي بقية الموظفين في البريك بتاعي .
التفت برأسه لها بنظرة حانقة قبل ان يدلف لمكتبه صافقًا الباب بقوة أمامها .
....................................
بداخل دكانه الذي كان يعمل به بجهد وقد توفرت معه المواد الخام كي ينهي الأعمال القديمة والتي توقفت من منذ زمن ، بيده احدى الوسادات التي يعمل عليها بتركيز ، وبجواره من الناحية الأخرى العامل الصغير ، المدعو عامري . يعمل هو الاَخر بقطعة أخرى، أرتفعت رأس الأثنان فجأة على صيحة جهورية أجفلتهم:
- صباح الخير عليك ياعم يامحروس .
- فهمي ! هو انت خرجت إمتى من السجن ؟
تمتم بها محرس بعد أن انتفض وسقطت الوسادة منه على الأرض وهو يرى الظل الطويل أمامه بمدخل الدكان ، يخطو ببطء وخطوات متمهلة ، بوجهه الإجرامي وملابسه المتسخة بفعل السجن ، قال مخاطبًا الفتى :
- قوم ياعسل روح هاتلي حاجة ساقعة من البقال اللي في الشارع اللي ورانا .
تسمر عامري بجلسته بعد تركه ماكان يعمل به أيضًا فانتقلت عيناه باستفسار الى معلمه الذي هدر عليه فهمي :
- في ايه ياجدع ؟ ماتقول للواد يتحرك يجيبلي حلاوة خروجي من السجن ولا انت مش فرحان بخروجي من السجن يامحروس؟
استدرك نفسه محروس يستوعب الصدمه فهتف على صبيه :
- روح ياعامري نفذ اللي قالك عليه عمك فهمي ، قوم يابني اتحرك بسرعة ، حمد الله عالسلامة ، كفارة يا فهمي.
أومأ له الفتي وهو ينهض على مضض كي يخرج ويتركهم .
بعد مغادرته تناول فهمي أحد المقاعد ليجلس عليها بالعكس ليصبح مقابل محروس الذي كان يبتلع ريقه بصعوبة من الخوف .
- عامل ايه يامحروس من غيري ؟ بتعرف تصرف نفسك من الكيف ؟
سأله بنبره غريبة ، أجابه محروس على تخوف :
- لا ماهو الواد شمة اللي كان شغال معاك ، مقصرش معايا بصراحة، كان بيديني اللي بطلبه منه وكله بحسابه.
ردد فهمي بتمهل وهو يتناول سيجارة من جيبه ليشعلها :
- اه صح عندك حق ، كله بحسابه ، بس ياترى بقى دفعت انت حسابه ؟
رد محروس بعدم فهم:
- اه طبعًا ، وحتى اسأله ، انا مافيش مرة سحبت منه حاجة الا وتمنها في إيده الأول .
- والتمن بقى جايبه منين ياغالي ؟
صاح فهمي فجأة وهو يباغت محروس بجذبه من قمصيه، جعل الخوف يزحف بأوردته :
- الله الله يافهمي ، ايه اللي حصل ياجدع ؟ وانت بتعمل معايا كدة ليه ؟.
هدر فهمي وهو يجز على اسنانه بعد أن أوقع السيجارة من فمه ، وأصبحت أنفه تنفث دخانا يلفح بشرة محروس :
- بعمل كدة عشان انت جبان، خيخة ، اعتبرتك راجل لما اديتك الفلوس مهر البت عشان تجوزهاني وفي الاَخر خدت انا على قفايا ، خطيبة المحروس اتفقت مع اخوها الظابط وعملوا عليا رباطية عشان يدخلوني السجن وماخرجش منه تاني ، لكن لا ياحبيبي ، العيال هي اللي شالت الليلة عشان انا صفحتي بيضا والبوليس فتشني وملقاش في هدومي حاجة .
- طططب ماهو دا كويس يافهمي ، مدام ربنا نصرك عليهم وخدت براءة
قال محروس بتلجلج من الخوف ، جز الاَخر على أسنانه أكثر في قوله :
- لا مش كويس ياعنيا ، عشان الزفت اخو المحروسة حطني في دماغه وحلف انه هايسود عيشتي لو قربت من الكونتيسا بنتك ، يعني لبست غضب الحكومة بسببك .
دافع محروس يومئ بكفه نحو صدره :
- أنا يافهمي؟! وانا ذنبي ايه بس في الليلة دي ؟
شدد فهمي من قبضته على تلابيب قميص محروس يهزهزه بعنف هادرًا :
- ماهو انت لو راجل وبتعرف تحكم اهل بيتك ، مكانش أي حاجة من دي حصلت ، اسمع اما اقولك ياض ، قدامك فرصة اسبوع بالكتير ، ياتردلي الفلوس اللي اخدتها على داير مليم، والكيف اللي كنت بتبلبعه على حسابي ، ياتجوزني البت وبرضاها تمنع الرباطية دول عني. فاهم ياخيخة .
صمت محروس بصدمة فدفعه فهمي للخلف بقوة حتى اصطدم ظهره بالحائط حتى اَلمه بشدة
- ومن غير سلام .
اردف بكلماته الاَخيرة وهو ينهض بعنف عن كرسيه الذي ارتمي على الأرض ، تاركًا محروس يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يشتكي من اَلام ظهره ، مصعوقًا مما حدث وما ينتظره من أيام سوداء بعد تهديد فهمي الصريح له.
.................................
في الموقع الجديد لها وهي جالسة على مكتبها تعمل بكل طاقة ونشاط ، سمعت طرق مهذب على باب غرفتها ، رفعت عيناها فتفاجأت بمن يطل برأسه اليها مستئذنًا بدماثة ولطف :
- صباح الخير ، ممكن ادخل ؟
- كارم !! اهلًا بيك اتفضل طبعًا ودا برضوا كلام .
قالت وهي تنهض عن مقعدها لترحب ، تقدم هو ليصافحها قبل أن تشير اليه ليجلس أمامها .
- المكتب نور .
قالت بابتسامة ودودة ، بادلها ابتسامتها مرددًا :
- المكتب منور بصحابه ياستي ، بس ايه الجمال ده ، دا انتِ طورتيه وحطيتي فيه من روحك .
ازداد اتساع ابتسامتها وهي ترد :
- الله يخليك يارب ، اشكرك على زوقك .
أومأ لها برأسه قائلًا بإعجاب :
- حقيقي تستاهلي الترقية ياكاميليا ، انا بباركلك من قلبي فعلًا .
- الله يبارك فيك ، بس انت كنت مختفي يعني طول الفترة اللي فاتت ، دا حتى اجتماع المجموعة محضرتهوش ؟
ابتسم بداخله على ملاحظتها لغيابه ، وأجاب:
- لا ما انا كنت برا البلد بظبط الدنيا للباشا الكبير وحرمه،ولما اطمنت على كل حاجة رجعت .
- واوو دا انت بتسد مع جاسر باشا بقى برا وجوا كمان ، صدق الا قال عليك إيده اليمين.
تبسم بانتشاء وقد أطربه تعبيرها وقال :
- الحمد لله انا ببذل المجهود في الشغل من قلبي وحمد لله ربنا بيوفقني والاَقي التقدير ، متهيألي انك شبهي.
اومأت بسبابتها نحوها تردد:
- انا شبهك انت معقول؟
- مين شبه مين؟
اتت فجأة من هذا الذي دلف اليهم دون استئذان ، نهض كارم يرحب به مصافحًا :
- طارق بيه اهلًا بيك .
بادله المصافحة بأطراف أصابعه مرددًا:
- اهلا بيك ياسيدي ؟ انت جيت من أمتى ؟
اجاب كارم وهو يعاود الجلوس:
- انا وصلت من السفر امبارح، عديت على مكتبك ، قالولي انك تحت مع العمال، قولت اَجي ابارك للزميلة كاميليا على المنصب الجديد ، بس الحمد لله اني شوفتك عشان يدوبك بقى أمشى .
- اومأ له برأسه ليخرج؛ مشمئزًا من أدبه الزيادة كما يصنفه دائمًا ، ولكنه تفاجأ بردها هي من خلفه:
- طب استنى اشرب شاي حتى ، هو انت لحقت تقعد .
- ربنا يحفظك يارب ، ملحوقة ان شاء الله الجيات كتير ، سلام ياطارق باشا .
اردف بكلماته قبل أن يغادر ، فنهض طارق خلفه يغمغم بحنق وصوت خفيض:
- يقولها شبهي والجيات كتير وهي تعزم عليه بالشاي ، اللي ما عملتها في مرة حتى معايا.
-انت بتقول حاجة ياطارق بيه؟
- لا ياستي مافيش ، عن إذنك .
رد على سؤالها وهو يخرج بأناقة رغم غضبه :
................................
في وقت لاحق من اليوم .
حينما أتى وقت استراحة الموظفين ، خرجت سريعًا وكأنها طفلة وهذا موعد خروجها ، فاأخيرًا سمح لها هذا المتجبر لتأخذ فرصتها كالاَخرين ، كانت تهرول بخطواتها وكأنها تخشى منه إيقافها ، لا تعلم أنها مراقبة من شاشته كالعادة ، دوى هاتفها باتصال دولي فبطئت من خطواتها لتجيبه :
- الوو...... ايوة ياخالي بتتصل ليه تاني ؟
- هو انا لحقت اتكلم معاكي أصلًا يابت ال..... نسيتي انك ناهيتي وقفلتي في وشي من غير استئذان .
خبئت بكفها ضحكتها قبل أن ترد على سبته :
- مافيش فايدة فيك ، مهما وصلت ولا اتعلمت ولا حتى سافرت ، برضوا واخد طبع رقية في الشتيمة .
- ايوة ياختي انا واخد طبع امي في الشتيمة خليكي انت المؤدبة فينا.
اردف خالد قبل أن يضحكها مرة أخرى ثم أكمل :
- المهم بقى عشان انا مش فاضي دلوقتي ، بكرة ان شاء الله هايوصلك عالبنك بالمصري كدة يجي خمسة وخمسين الف جنيه .
- خمسة وخمسين .
- ايوة يابنتي ، هاتدفعي منهم لسمسار الغبرة قسط خمس اتشهر الشقة على الشهور اللي فاتت والخمسة مصاريف ليكِ انتِ وستك .
رددت زهرة على تخوف من المسؤلية: .
- ربنا يسهل ياخالي ان شاء الله .
شدد خالد بكلماته :
- خلي بالك من نفسك يازهرة وحرسي من الحرامية ياعين خالك ، انا سالف نصهم ، يعني قدامي كام شهر تاني على مااقدر ابعت غيرهم .
- تمام ياخالي ربنا هو المعين .
- ونعم بالله .
...............................
بعد انتهائها من المكالمة مع خالها نزلت بالمصعد سريعًا الى كافتريا الشركة وهي تطلب غادة كي تصاحبها الى هناك ، وقبل أن تصل الى هناك، كادت أن تصطدم به خارجًا من إحدى الغرف ، رفع كفيه يتراجع ضاحكًا بقهقهة حتى اخجلها فابتسمت له بخجل ، ردد بغير تصديق:
- اقسم بالله انا لو حلفتلك اني كنت بفكر فيكِ ، اكيد مش هاتصدقي صح .
تسائلت بابتسامة مستترة تدعي الجدية :
- ليه يعني ؟
- عشان غيبتي كتير قوي المرة دي ، وانا كل يوم ادخل الكافتيريا مخصوص عشان اشوفك وانتِ مابتجيش .
قال مباشرةً بدون مواربة أجفلها حتى انعقد لسانها عن الرد واخفضت عيناها كالعادة ، هم ليتابع هو ولكن ظهور غادة اوقف كل شئ .
- واقفين مكانكم ليه؟ ماتكملوا طريقكم عالكافتيريا .
قالت غادة وهي تقترب منهم ، رد عماد :
- لا وحاجة ، انا بس كنت بحكي لزهرة عن فرح اختي اللي تم امبارح .
- ايه دا ؟ انت اختك اتجوزت صح امبارح ؟
سألته غادة وارتفعت انظار زهرة اليه لتتبين صدقه ، اجاب هو بكل ثقة :
- حمد لله ربنا تم على خير وسترناها ، عشان افضى بقى لنفسي وادور انا كمان على صاحبة النصيب .
قال وعيناه على زهرة التي وصلها تلميحه ، فتابع يخاطبهم :
- تعالوا معايا جوا اجيبلكم حاجة تشربوها ، وبالمرة افرجكم عالصور .
وافقت غادة بحماس حتى سحبت معها زهرة المترددة ، ليجلسن الثلاثة على طاولة وحدهم ، يريهم صور شقيقته والعائلة واجواء الفرح ، وهن يعلقن على مايرونه بتركيز ، غافلين عن أعينٍ تراقبهم من خلف الشاشة بغيظ ، حتى فاض به وخرج من الغرفة نهائيًا .
...................................
حينما قارب انتهاء فترة استراحتها ، ذهبت زهرة الى موقعها على الفور ، حتى لا تترك له فرصة لمعاقبته بتأخرها ، ولكنها اصطدمت به فور عودتها جالسًا على طرف مكتبها ، واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ينظر أمامه في الفراغ ، ظنته شاردًا فتمتت داخلها بقلق :
- استر يارب ، ودا ايه اللي مقعده هنا ؟ دا البريك حتى مخلصش.
التفت اليها فجأة وكأنه شعر بحضورها، فاعتدل بحسده مخاطبًا إياها بأمر :
- البسي شنطتك عشان انتِ خارجة معايا دلوقتِ حالًا ، عندنا ميعاد مع عميل مهم .
رددت بعدم استيعاب :
- اخرج فين حضرتك ؟ ثم ان جدول مواعيدك النهاردة مافيهوش مواعيد مع عملة أساسًا.
أردف لها بحزم :
- دا ميعاد ظهر فجأة ، فبلاش تجادلي معايا واخلصي ياللا انا مستنيكي في العربية تحت ، تحرك ليذهب ولكنها أوقفته هاتفة:
- بس يافندم انا مابخرجش معاك في المواعيد اللي زي دي ، كارم هو اللي بيقوم بالمهمة .
التفت برأسه اليها ناظرًا من طرف عيناه يجيبها بغموض:
- لا ماهو الوضع اتغير ، زي مافي حاجات كتير هاتتغير بعد كدة !
...............................
بعد قليل
بداخل المطعم الفاخر ، والجديد عليها بديكوراته الغريبة ، والوانه الهادئة ، إضائته الخافته وموسيقى بالكاد تسمع ، وزعت الطاولات فيه بشكل متباعد ، يناسب خصوصية زبائنه القلائل والواصخ من ملابسهم ومايرتدونه ، حجم الغناء الفاحش ، عكس ماترى دائمًا في المطاعم التي تعرفها ، أو حتى التي دخلتها مع كاميليا .بدء القلق يسري بداخلها وهي ترى نفسها وكأنها من كوكب اَخر بينهم ، بالإضافة الى نظراته المسلطة عليها مباشرةً والتي تشعرها بعدم الأرتياح ، تتملل في جلستها ، تتهرب بعيناها بالنظر حولها في أرجاء المكان حيث تذهب كل دقيقة نحو المدخل ، مع دخول كل فرد من الرجال وكأنها ستعلم بهوية العميل الذي لا تعرفه .
- إيه مالك متوترة ليه ؟
سألها بصوته الأجش ، قالت هي بارتباك وهي تنظر حولها بطرف عيناها :
- ولا حاجة يافندم، بس حاسة نفسي غريبة بلبسي عن الناس اللي هنا .
- انتِ مش غريبة يازهرة ، بالعكس انتِ أحلى منهم كلهم .
- نعم !
أردفت بها وهي ترفع عيناها اليه ولا تدري ان كانت سمعت جيدًا أم لا، ليجفلها بقوله الاَخر :
- تعرفي تفرقي بين الرغبة والحب الحقيقي يازهرة ؟
سهمت وهي تنظر اليه وقد ارتسم على ملامح وجهها عدم الفهم مع بوادر الغضب، فتابع :
- انا مش بسألك بنية وحشة بالعكس انا عايزك تفهمي اللي عايز أقوله .
- وإيه هو اللي انت عايز تقوله؟
قالت بحدة لم تؤثر فيه، اردف بسؤال:
- قوليلي يازهرة انتِ اتخطبتي قبل كدة ؟
- لا .
نفت بقوة فابتسم بزاوية فمه بارتياح واومأ لها :
- اشربي اللي قدامك يازهرة ، انا طلبتك قهوة باللبن زي مابتحبي ، بس هي مختلفة شوية عشان هنا بيعمولها بشكل يجنن ، انا قاصد اجيبك هنا أساسًا عشان كدة .
نظرت الى الفنجان الذي يقصده فتفاجأت بحجم الرغوة التي تشكلت أمامها وكأنها قلوب ، رفعت رأسها ناظرة اليه بقوة تسأله
- هو انت عايز توصل لإيه بالظبط ساعدتك؟
- أوصلك انتِ
- إيه ؟
خرجت منها بخوف حقيقي وأكمل هو:
- انا عايز اتجوزك يازهرة ،
......يتبع
دخلنا في الجد صح ، توقعاتكم بقى للي جاي عشان اللي جاي كتيييييير وماتنسوش التعليقات
تمام .