القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون الجزء الأول كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


 رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

"علاج نفسي"

.....................

تنفس رامي بحدة وهو ينظر لباب مكتب الطبيب ينتظر أن تنتهي الساعات سريعًا كي يرى تحسن والدته..يتمنى لو ذهابهم يأتي بثمارة وتبدأ والدته بالعلاج والتخلص من رُعبها المُسمى "بدر"


تنهد وهو يتذكر الحال الذي أوصله في هذه اللحظة بجلوسه داخل عيادة علاج وتقويم نفسي


تذكر زيارة زوجة عمه رُقية عندما أتت لهم بناءا على طلبه

ودخلت للغرفة لوالدته وتركته مع أفكارة

نظر للباب الموصد بعد دخول خالته رقية..لم يملك خيارًا أخر عندما سمع بكاء والدتة ليتصل بخالته روفيدة شقيقة والدته وامه بالرضاعة يخبرها بتدهور حالة أمنية لتُغمغم آسفة بأنها خارج المدينة


فكر لثوان قبل أن يتصل برقية ويطلب عونها

والدته بحاجة للحديث والتنفيث عن حزنها وغضبها

وخاصه انها لا تضع عيناها بعينه أبدًا لم تُشيح وجهها وتكتفي بالصمت والبكاء


تنهد بثقل وتهدلت أكتافه بتعب حقيقي..تعب من الوضع المحيط بهم..مُتعب من حزن والدته وحياته التي انقلبت رأسًا على عقب بسبب ظهور تلك المرأة التي تدعي بأنها والدته


بينما كانت امنية في الغرفة تسند ظهرها الى الحائط وعيناها شاخصة في رُقية الجالسة أمامها تتكلم بلا توقف

لتزفر رُقية بضيق قائلة..

-أمنية بلاش الضعف والهوان دا


لم ترد أمنية وتابعت البكاء دون صوت لتقول رُقية..

-رامي حكالي الي حصل..ازاي تحبسي نفسك ومتخرجيش تعرفيها مقامها ازاي سيبتيها تلف في بيتك وانتي هنا بتعيطي..انتي لسه بتخافي من بدر !


شحب وجه أمنية وأشاحت عيناها سريعًا ليصلها صوت رُقية وهي تحاول إقناعها..

-ياأمنية افهمي..بدر بتتغذى على خوفك منها زمان ودلوقتي..بتكسب ثقتها في نفسها من ضعفك

متضيعيش جوزك ورامي منك بسبب سلبيتك دي


زاد بكاء أمنية وبدأ بالإرتفاع لتقول رُقية برفق..

-متخافيش منها ياأمنية ودافعي عن حقك في جوزك وابنك..رامي ابنك حتى لو مش انتي الي مخلفاه

انتي الي سهرتي عليه ليالي وكبرتيه وبدر راحت اتسرمحت واتجوزت وشافت حياتها..فوقي عشان ناجي يفوق


تحدثت أمنية بصوت متهدج..

-سيبيني لوحدي..انا عايزة أنام


تهدلت أكتاف رُقية بأمل خائب لتقف قائلة..

-هسيبك ياأمنية بس اتمنى تفوقي قبل ماتخسري نفسك

انتي لو حصلك حاجة ناجي هيكمل حياته عادي

ورامي هيحزن شوية ويكمل شبابه..انتي بس الي هتخسري

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

ثم تركتها وخرجت من الغرفة وأغلقتها لتدفن أمنية وجهها في الوسادة وتبكي بقوة وجسدها يرتعش بلا توقف

كيف لها ألا تخاف من بدر..كيف !


كيف تنسى ما ذاقته على يداها منذ الطفولة وحتى الآن

بدر بالنسبة لها هي الغرفة المُظلمة المليئة بالفئران

مصدر الخوف والإزعاج وشعورها الدائم بالنقص

نتظروا أن تخرج لها وتقف أمامها وجهًا لوجه!

كيف بحق الله..كيف وهي ترتعب من مجرد تخيل هيئتها

تُجزم أنها لو رأتها ستخر أرضًا تحت أقدام بدر..وبوقتها لن تتحمل نظرة النصر بعيناها لن تتحمل ابدا

شهقت بعنف حتى على صوتها لتكتمه في الوسادة من جديد..يكفيها عار خوفها أمام نفسها..يكفيها

بينما تحدث رُقية الى رامي قائلة...

-اقعد اتكلم معاها يارامي..فهمها انك بتحبها وانها امك الأولى..فهمها ان بدر مش هتبعدك عنها..امنية محتاجة الي يطمنها دلوقتي ..خليك معاها كفايه بُعد أبوك عنها

هز رأسه بإيجاب لتصمت رُقية بتردد قبل أن تحسم أمرها وتقول..

-انا شايفة انها تروح لدكتور نفسي يارامي

يمكن دا يساعدها تخرج من إنتكاستها دي

ردد رامي بإنتباه..

-إنتكاستها !!

تنهدت قبل أن تقول بإيجاب..

-انا وأمنية اصحاب من صغرنا وولاد حي واحد

يعني شوفت حياتها كانت عاملة ازاي..امنية جاتلها الحالة دي لما ابوك اتجوز بدر حزنت واكتئبت

قاطعها رامي بتشتت..

-بس هي اتخطت الحزن والإكتئاب..بقت اسوء

بقيت حاسس انها دايما خايفة وبتعيط حتى في نومها..وبعد زيارة الست دي خوفها زاد

عضت رقية باطن فمها لتقول..

-بعد جواز ابوك ..بدر زارت أمنية في بيت أهلها

ومكانش حد موجود..معرفش عملتلها ايه خلتها ضعيفة كدا..بدر من صغرها متسلطة وبتتنمر على أمنية وكانت بتخاف منها..بس خوفها زاد أكتر بعد الزيارة دي

إزدات حدته ليقول..

-عملتلها ايه وصلتها لكدا !

هزت رُقية رأسها نافية..

-لحد دلوقتي محدش عرف عملتلها ايه

أمنية خافت تقول وسكتت..بس بعدها نفستها بقت متدمرة..ويمكن متحسنتش إلا بعد طلاق ابوك وبدر..واتقدملها يتجوزها

صمت رامي واشتد فمه لتُتابع..

-وديها لدكتور نفسي يارامي..أمنية محتاجة تتعالج نفسيا..لو فضلت كدا هتموت..وفي نفس الوقت انا عارفة ردة فعلها على الموضوع دا هتكون ايه

وكما توقعت رُقية تمامًا حينما جلس رامي أمام أمنية وأمسك يدها قائلا برفق...

-هو انا كل ماهشوفك هلاقيكي بتعيطي يامُنمن

فين ضحكتك الحلوة الي كانت بنحلي ايامي

زادت حُزنًا بعد حديثه ليقول..

-اتكلمي ياأمي..فضفضي عن حزنك محدش هيحب يسمعك قدي

أشاحت وجهها بضعف ليقول..

-مش عايزة تحكيلي ياماما !

نفت برأسها ليقول بعد ثوان..

-طب تحكي لطنط رُقية !

همست بصوت مبحوح..

-مفيش حاجة احكيها اصلا..سيبني لوحدي

-ماما تيجي نروح لدكتورة او دكتور تتكلمي وتقولي كل الي جواكي ! طالما مش عايزة تحكيلنا

نظرت له دون فهم ليقول موضحًا بتوتر..

-تروحي لدكتور نفسي هتحكي براحتك و..

قاطعته أمنية صارخة ببكاء..

-انا مش محنونة عشان توديني لدكتور..انا كويسه وهقوم دلوقتي وهنضف الشقة واعمل الأكل..وهغسل الهدوم وهكويها..وجهز لناجي هدومه و

قاطعها رامي باكيًا وهو يصر على أسنانه..

-امي ارجوكِ بلاش تعملي كدا..كفاية تعذيب في نفسك وفيا متوجعيش قلبي ياامي

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

زاد إنهيارها لتهمس وهي تُمسك يده..

-انا متجننتش عشان اروح لدكتور مجانين...انا تعبانة شوية وهكون كويسة


هتف رامي وهو يمسح دموعها..

-ياحبيبتي الدكتور النفسي بيسمع الناس وبيلاقي حل لمشاكلهم واي حاجة بتحكيها بتبقا سر بينك وبينه..طب اقولك حاجة !


هزت رأسها بإيجاب وهي تنظر له بعيون ذابلة...

ليُتابع بجدية...

-واحد صاحبي اخوه اتوفى..عارفة من كتر حزنه دخل في حالة وحشة وإكتئاب ومش راضي يكلم حد عارفة ايه خلاه كويس..الدكتور النفسي


هزت رأسها بضعف وبكت لتقول..

-لا يارامي هتوديني هناك وتسيبني


فهم تفكيرها أنه سيتركها داخل مشفى نفسي ليتحدث سريعًا...

-لالالا الموضوع مش كدا..بصي الدكتور دا بيبقا في عيادة وبنروح زيارات..وبتقعدي تتكلمي معاه شوية وبعدها بنمشي انا مش هسيبك في مكان لوحدك ابدًا


نظرت له وعيناها التائهة أخبرته ان هناك أمل للموافقة لتهمس بصوت مبحوح باكي..

-هتقول لناجي !


-لو مش عايزة حد يعرف مفيش مخلوق هيعرف

المهم تكوني كويسة ياامي


وبعد الكثير من القسم والوعود وافقت واصطحبها الى عيادة طبيبة نفسية معروفة بذكائها وقدرتها على  مُعالجة بعض الحالات المُستعصية


نظر لساعة معصمة ليرى انه قد مضى ما يقارب الساعة والربع...لازال هناك وقت إضافي وتخرج والدته..ولكن في تلك اللحظة وصله صوت بُكائها

ليقف سريعًا مُتجهًا للغرفة ولكن منعته المُمرضة قائلة...

-بعد اذنك يااستاذ مش هينفع تدخل طول وقت الكشف..اتفضل اقعد دا أمر طبيعي


رجع الي المقعد وجلس وقلبه يعتصر حزنًا على بكائها ذاك لدرجة انه تمنى لو يقتلع حزنها ويضعه بقلبه إن كان هذا سيجعلها بخير

                              ***

يُتابع عمله بوجه مُمتعض وعقل مشغول..هكذا أصبح حاله مؤخرًا واجم الوجه غليظ اللسان..تائه القلب

حتى بات صالح لا يعرف نفسه حتى


سمع طرقات على باب مكتبه ليقول بضيق..

-اتفضل


دخلت جودي باسمة بإتساع لتقول

-صباح الخير


إبتسم صالح ليرد تحيتها برفق..

-صباح النور..تعالى ياجودي اتفضلي


جلست على أحد المقاعد أمامه لتقول..

-اممم عطلتك عن شغلك !


تمتم بإبتسامة مُتكلفة..

-لا ابدا هكمله بعدين..في حاجه ولا ايه !


تحدثت بسعادة غامرة..

-لا خالص حبيت اقولك بس ان كتب كتاب شَريف انهاردة..بلاش الشغل ياخدك اوي وتنسى..لازم تكون موجود بدري


-اكيد طبعا..هحاول أخلص شغل بدري وأكون موجود قبل الكل بإذن الله


إبتسمت جودي برقة لتقول بخجل..

-ايه رأيك نروح نتعشى انهاردة بعد الحفلة..ممكن !


همهم بإيجاب ليقول..

-طبعا ممكن هقول لعمي ونروح على طول


إتسعت بسمتها لتقول...

-تمام جدا..متنساش تقول لطنط تيجي معاك هي وحشتني جدا بردو


هز رأسه بإيجاب ليقول بثقل..

-حاضر ياجودي هجيبها معايا..انتي هتكملي شغلك ولا هتستأذني تروحي

هزت كتفها بشقاوة لتقول..

-كلك نظر بقا أكيد جايه استئذن..بس أجازة بمرتب

خليني استغل منصبك شوية بقا


إبتسم لها ليقول..

-الي تؤمر بيه جودي هانم

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

ضحكت خجلة لتُشير مودعة..

-طب سلام بقا ومتنساش نفسك في الشغل


خرجت جودي وأغلقت الباب ليرمي رأسه للخلف ويطلق تنهيدة مُثقلة بالهموم ليهمس دون وعي..

-اااه ياليلة


تأوه خرج من أعماق قلبه المُثقل بذكري عناقه لها

ودفئ جسدها وعيناها المُنصدمة..ثقل غريب يجتاح بدنه كلما تذكرها وتذكر تسربها من بين يداه


آه ياليلتي المُعتمة..ليلة خبيثة تسرقني وتصفعني بذهابها القاسي..ليته من يتعاطف معها  من البداية

ليته لم يقترب منها وتجمعه صداقة مع والدها


ليته كان وقع لجودي من البداية..تلك الرقيقة لا تستحق أن تنكسر..لا تستحق الحزن وقد عاهد نفسه ألا يُحزنها خاصة بعد تلك المكالمة الحاسمة لوضعهم


تذكر عندما اتصلت به منذ أيام قليلة تسألة بكل وضوح هل هو نادم على خطبتهم أو مجبر !

ليجيبها بعدم فهم...

-ايه الكلام دا..ازاي يعني مجبر عليكي


أجابته بإتزان أعجبه..

-علاقتنا مش شكل علاقة إتنين ارتبطوا بكل إرادتهم ياصالح انتا دايما مشغول وبعيد وتقريبا مكالمتنا تقيلة على قلبك


نفى سريعًا..

-لا طبعا..انتي نفسك شايفة ضغط الشغل عليا

وشايفة دوشة الفرع..او انتي لسه مرجعتيش من أجازتك وشوفتي


-ياصالح الموضوع مش على انشغالك وبس


انحسرت انفاسه بقلق ليقول..

-امال ايه ياجودي..قصدك ايه


-مين الي كنت بتحضنها يوم خطوبتنا

وبعدها قولتلها تمشي بسرعة !


أغمض عيناه وقد تأكت أن مريانا تلك أخبرتها بما رأته ليقول بعد صمت..

-الموضوع مش زي ماانتي فاهمة ياجودي


تنهدت جودي لتقول بإختناق..

-يبقا فهمني


تردد ليغمض عيناه وود لو يصفع رأسه في الحائط عوضًا عن كذبه في الوقت الحالي ليقول بعد صمت..

-هيجي وقت وافهمك فيه ..بس الموضوع مش زي فهمك دلوقتي


صمتت جودي ثوان قبل أن تقول ..

-وانا كدا استفدت ايه بردو انتا موقلتليش مين دي ولا كنت حاضنها فعلا ولا لأ !


تنهد ليقول بصوتٍ متعب..

-هيجي وقت ياجودي وهقولك..بس خليكي عارفة انب اختارتك بإرادتي مفيش غصب..مش عايز اكدب عليكي دلوقتي صدقيني


صمتت جودي لتقول وقد هدأت قليلا...

-بس هتحكيلي ياصالح1


تمتم بإختناق..

-هبقا احكيلك


لتُغلق الحديث فورًا وترجع الى طبيعتها العفوية الرقيقة ليعاهد نفسه ألا يحزنها ويحاول من جديد..لإجلها


رواية رد قلبي

الحلقة الخامس والعشرون الجزء الثاني "علاج نفسي"

..............................

تأفأفت غزال من العاملة الجديدة التي لا تُجيد تنظيم ملابسها بطريقة صحيحة..لا تنظيم الملابس ولا كيها ولا تنظيف المنزل كما ينبغي..كما أنها لاحظت إختفاء أشيائها الخاصة لتتنهد بعصبية وهي تلقي فرشاة الشعر وتهتف...

-ام عماد..ام عماد انتي ياست انتي


جائت العاملة إليها تنظر لها بحنق مكتوم..

-نعم ياهانم خير


وقفت غزال تهتف بغيظ..

-هو فين الخير دا..قوليلي فين ايه الي انتي عملتيه دا

بترمي كل حاجة في الدرج كدا ليه..مبتنظميش الحاجة عدل ليه


كادت أم عماد تهتف بحدة "ماتنظميهم انتي ياننوسة"

ولكن تحدثت تتمالك نفسها...

-حاضر عنيا هنظمهم


تأفأفت غزال وهي تسير لخزانتها قائلة..

-مش عايزة عنيكي عايزة تشوفي شغلك ومتخلنيش اتعصب منك..لو مش عارفة تشوفي شغلك نجيب غيرك يشوف


همست أم عماد لنفسها...

-يارب صبرني على البلوة دي

ربنا يكون في عون المتعوس


لتهتف غزال بحدة وقد سمعتها...

-بطلي برطمة وروحي شوفي الغدا جهز ولا لأ

وبعدها تعالي نظمي الحاجة عدل


تبمرت العاملة وخرجت من الغرفة تلعن لحظة دخولها لمنزل الحاج كامل وحفيدته سليطة اللسان

لتجلس غزال على الفراش تحدق في هاتفها لثوان

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

مرت أكثر من ثلاث ساعات كاملة وعُبيده لم يُحادثها او يرسل لها رسالة واحدة..بل ويتجاهل إتصالاتها خاصة منذ شجارهم صباح اليوم حينما أخبرته برغبتها في الخروج والتنزه برفقته..ليقول بهدوء..

-لا مش هينفع ياغزال..مفروض انهاردة اروح الشقة أشوف العمال خلصوا تشطيب ولا لأ وخصوصا ان لازم يكون في حد متابع وإلا مش هيخلصوا الشغل


عبست لتقول بضيق..

-هو كل مااقولك نخرج تطلعلي بحجج وأعذار مره شغل..ومره تقول بابا تعبان ومره تقول تشطيب الشقة

ليه الحجج دي


-انا قولتلك ورايا شغل كتير لأني عايز لما آخد أجازة الجواز مكونش قصرت في شغلي..ولما طلبتي تخرجي المره التانية كان الحج كامل لسه تعبان ومينفعش تسبيه

-والمرادي الشقة..فين الحجج ياشروق

هتفت بعصبية...

-متقوليش شروق..انا من حقي اخرج واتفسح دا ولا كإني مخطوبة..قاعدة في البيت محبوسة انا مش عاجبني النظام دا1


وصلها صوته المُنفعل وهو يصيح..

-مليون مره بقولك متعليش صوتك عليا انا مش فاضي للدلع دا..انا طالع عيني في الشغل وتشطيب الشقة وانتي بتقوليلي حجج ومش عاجبك النظام..اعقلي بقا وكبري مخك التخين دا وبطلي أنانية


صُدمت من إنفعاله لتهمس بصوت مُتهدج...

-أنا انانية..لا ريح نفسك مني وسيبني..انا اصلا مش عارفة رضيت بيك ازاي..كل الي عارف تعمله تشخط وتنطر فيا

بدل ماتحمد ربنا وتعرف قيمة الي معاك لا بتضيعه من ايدك


صمت عُبيده لثوان قبل أن يقول..

-اممم يبقا نفضها سيرة وكل واحد يروح لطريقة

انتي مش مُجبرة تكملي مع واحد مش عارف قيمتك

بلغي الحج كامل اني هجيلكم بليل ننهي الموضوع

سلام1


ليغلق الهاتف بينما هي كانت تنظر أمامها بغضب

تدري انه لن يُنهي خطبتهم وكلامه ذاك مجرد تهديد

أستفاقت من شرودها وهي تنظر لهاتفها بقلق

أهو تهديد حقًا !


استفاقت على صوت ام عماد التي هتفت بغلظة..

-الأكل خلص وحطيته علي السُفرة..اقوم الحج ياكل

ولا هتقوميه انتي على ماانا اقعد اكل لقمه بقا


رفعت غزال حاجبيها بحده لتهتف...

-اطلعي صحي بابا وبطلي الي بتعمليه دا اووف


خرجت أم عماد تُتمتم بغيظ..

-اووف..انا يتقالي اوف بنات آخر زمن

الله يرحمك يازمن


توجهت الي غرفة الحاج كامل لتوقظه ..ولكن وجدته جالس على الفراش يحدق أمامه بلا هدف..لوت شفتيها بحزن على حاله لتقول...

-نوم العوافي ياحج..الأكل جهز يلا عشان تتغدى وتاخد علاجك اللهي ربنا يعافيك يارب


نظر لها كامل ليقول بوهن..

-غزال فين !


جعدت وجهها بضيق لتقول..

-قاعدة في اوضتها بتخانق دبان وشها..والنبي ياحج دا لو مفيش دبان هتخانق نفسها


وجدته يحدق بها بصمت لتشهق بخجل..

-يووه يقطعني مقصدش ياحج والله بس حفيدتك


قاطعها متنهدًا بتعب..

-روحي ياام عماد حضري اتنين قهوة مظبوط

هاتيهم..وفي إتنين هيجوا دلوقتي دخليهم على طول


همهمت وكادت تخرج ليقول..

-ام عماد


إلتفتت له سريعًا قائلة..

-نعم ياحج

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

أشار لخزانة الملابس ليقول..

-تعالي افتحي الدولاب دا..في الرف التالت هتلاقي عشر ألاف جنية رُزم هاتيهم كدا


تحركت الى الخزانة سريعًا لتجلب الأموال منها..وتقترب منه تعطيه إياهم وهي تحدق به بهدوء تنتظر أمره القادم

ليُمسك المال بإرتعاش يصاحبه منذ فترة ليمد لها يده برُزمتين من المال قائلا...

-قولتلي ابنك في سنة كام !


أمسكت المال من يده بحيرة قائلة..

-داخل اولى إعدادي ياحج


أشار لها قائلا..

-شوفي هاتيله هدوم جديدة..ابسطيه شوية

وخديلك انتي كمان أجازة بكره وخرجيه


شهقت وهي تنظر للمال بيدها قائلة..

-بس دا كتير اوي ياحج..


وصلهم صوت جرس الباب ليقول..

-روحي افتحي الباب واعملي القهوة


-طب والأكل ياحج !


-لا كُلي انتي وغزال ودخلي الناس هنا

صحيح وجهزيلي هدوم خروج واكويهم كويس


همهمت بإيجاب واتجهت لتفتح الباب سريعًا..بينما نظر للأموال بين يداه ووضعهم جانبًا وتمتم مُستغفرًا

ليسمع صوت قدوم الرجال


دلف خالد ومعه أحد الرجال ليقول..

-سلامتك ياحج ألف سلامه عليك


إبتسم كامل ليقول مُرحبًا...

-الله يسلمك ياحمدي..نورتوا


جلس حمدي وجواره خالد الذي حدق بكامل بقلق..

-شكلك تعبان ياحج..نروح المستشفي


هز رأسه نافيًا ليقول لحمدي..

-جهزت الورق الي قولتلك عليه ياحمدي


أخرج حمدي بعض الأوراق من حقيبته الجلدية ليقول..

-اه ياحج عقود غزال وعقد اختك وعقد خالد


ليهتف كامل سريعًا تحت نظرات خالد المُتعجبة..

-وعقد ريشة !


همهم حمدي ليُكمل وهو ينظر للأوراق..

-اه وعقد ريشة كمان


نظر خالد للمحامي وثم لكامل ليقول..

-هي ايه العبارة ياحج !


اشار كامل لحمدي أن يتحدث..

-الحج مش عايز يقول حاجة دلوقتي

كل الي عليك انك هتمضي على العقد دا وبس


هتف خالد بحيرة..

-ايوه بس عقد ايه بردو !


إبتسم كامل وتحدث بوهن..

-اوعى تكون مش واثق فيا ياواد

أمسك خالد القلم سريعًا وخط اسمه في الخانة التي أشار لها حمدي ليقول بحزم...

-وهو في إبن ميثقش في ابوه ياحج !


ربت حمدي على كتفه قائلاً..

-أصيل ياخالد


ليُتابع ناظرًا لكامل..

-كدا ياحج ناقص امضاء اختك وشروق وريشة


هتف كامل بتعب...

-ام عمااد..ام عماد


جائت السيدة على صوت كامل لتفتح الباب وتطل منه قائلة..

-نعم ياحج أؤمرني


-الأمر لله خدي الورق دا خلي غزال تمضي عليه وهاتيه

واستعجليها ياام عماد مفيش وقت


عقدت حاجبيها خاصة عندما هتف حمدي بعتب..

-بطل كلامك دا ياكامل ومتتعبنيش معاك


همس كامل بوهن..

-لله الأمر ياحمدي..لله الأمر


أنقبض قلب خالد بألم وهو يرى الرجل الذي رباه طريح الفراش لا يقوي على الوقوف حتى

وكلماته الواهنة تشعره بالخطر والخوف..والله أنه لن يكون بخير لو أصاب الحاج كامل مكروه

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

تنهد بقلق وهو ينظر لكامل ويقول..

-ربنا يطولنا في عمرك ياحج


افترت شفتي كامل عن إبتسامة حزينة ليقول..

-الي جاي مش قد الي راح..الي جاي اقصر بكتير

المهم ياخالد..عايز اقولك كلمتين حق بيني وبينك


إنتبه خالد ليقول..

-اتفضل ياحج انا تحت أمرك


-غزال أختك ياخالد..اختك الي هتشيلها في عينك وعمرك ماتقصر معاها..اختك الي هتمسك مالها وعمرك ماتاكلها..عايزك ضهرها بعدي ياخالد

طول عمرك بتقول ان ليا جِميل عليك ..رُد الجميل دا في حفيدتي ..انا دلوقتي ليا حق في رقبتك

حقي دا يكون حمايتك لغزال


اشتد فك خالد وزاغت عيناه بألم ليهمس بخشونة..

-بقت في رقبة راجلها ياحج..ورغم كدا انا طول عمري هكون في ضهرها..والي يرميها بالمية أرميه بالنار


-حتى لو انت ياخالد..تجيب حقها حتى لو من نفسك

وافتكر انها اختك وفي رقبتك..اديني وعد على كلامنا اقف أحاسبك بيه يوم الدين


إرتجف خالد في جلسته وأغمض عيناه للحظات إن قطع هذا الوعد الآن لن يكون هناك أي أمل له مع غزال..وعده سيجعلها مُستحيلة بالنسبة له

ويودع عشقها في قلبه..تنهد بثقل وفتح عيناه الدامعة ليقول..

-اوعدك ياحج غزال اختي وانا في حماية اختي


ارتخي كامل في جلسته وتنهد قائلاً..

-الحمدلله..لله الأمر..لله الأمر


أتت ام عماد مُمسكة بالأوراق لتقول..

-اتفضل ياحج مضت على الورق


همهم بإيجاب لينظر لمحاميه وخالد ليقول..

-يلا روحوا شوفوا مصالحكم..وسيبلي عقد ريشة همضيه منها واقولك تيجي تاخده


وقف خالد وحمدي وخرجوا من الغرفة ليسمع صوت جرس الباب ليعلم أنها ريشة قد أتت

ليتنهد وهو ينظر أمامه هامسًا...

-لله الأمر لله الأمر

***

تنهدت سارة بثقل وهي تُمسك بعدسة الكاميرا بحوزتها وتمسحها بشرود لتأخذ صورة لمنظر الغروب وخاصة تلك الخطوط الحمراء الممزوجة بلون السماء


نظرت للصورة لثوان بإستحسان وتابعت سيرها على شاطئ البحر تنظر للبحر بشرود..تتذكر كل ماحدث في حياتها مرخرًا..كل الحكايات الغريبة التي حدثت

وخاصة بطل حكايتها فاتح


لوت شفتيها بمرارة وهي تتذكر أخر شجار بينها وبينه..حينما أخبرته برغبتها في الطلاق وثار ثم خرج بلا رجعه..لم تراه من ذاك اليوم إختفى تمامًا وكأن ثورته كانت كذبة..وتمسكه بها كذبة


وكأنه إرتاح من تلك العلاقة الخاطئة..كان إرتباطهم أكبر خطأ حدث في العائلة ولازال الخطأ ساري بإرتباطهم ووجود إسمائهم في عقد الزواج


سمعت صوت هاتفها يعلو برنين إتصال من والدها

لتنظر للهاتف وتُجيب بهدوء..

-ايوه يابابا


-ايه ياحبيبتي انتي فين !


إبتسمت برفق لتقول..

-بتمشي على الشط وباخد كام صورة للغروب وجاية


كتم ضيقه بصعوبة ليقول..

-طب ياسارة كفاية كدا وتعالي

عمك جلال هنا وعايز يقعد يتكلم معاكي


تعالت دقات قلبها وكادت تسأله هل فاتح معه أو لا

ولكن تمالكت نفسها لتقول..

-حاضر يابابا مسافة الطريق وهكون عندك

أغلقت الهاتف لتضع الكاميرا في حقيبتها وتابعت سيرها لخارج الشاطئ..ولكن سمعت أصوات خلفها

إلتفتت لترى شابين لا يبدو عليهم الخير أبدا

بل يسران بطريقة مُبعثرة جعلتها تنتفض بفزع


لتُسرع خطواتها ولازال الشابان يلحقىٰ بها بإصرار

وكلماتهم الوقحة تصلها بطريقة جعلتها تجعد وجهها بغضب وتقزز..وخطواتها تُسرع للإبتعاد عنهم


ولكن شهقت بفزع حينما لحقها أحدهم وأمسك يدها بخشونة...بادرت بضربه في ساقه ضربة قوية جعلته يتأوه بألم ليقترب الأخر وقد تمتم بمسبه وقحة لها

وجذبها من شعرها بقوة


لتُدخل يدها في حقيبتها سريعا وتخرج صاعق كهربي لم تترد في إستخدامه على ذاك المُتحرش..ليصرخ الشاب بفزع ويسقط أرضا بألم..والأخر وقف ركض سريعًا من أمامها كي لا تُصيبه بذاك للصاعق


نظرت له بإحتقار وغادرت سريعًا قبل رجوع الهارب وقبل إستعادة الأخر وعيه لتجد فاتح يقف أمامها يلهث بحدة ويطالعها بغضب وخوف

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

لم تستوعب وقوفه أمامها ليمسك يدها بحدة جعلتها تهتف بضيق..

-انت ماسكني كدا ليه سيب ايدي يافاتح

ايه الي جابك اصلا وعرفت مكاني منين


فتح باب سيارته وأدخلها بخشونة والتفت حول السيارة وجلس أمام عجلة القيادة والغضب واضح على وجهه..تحرك بالسيارة لتهتف بحدة..

-ايه الطريقة دي انا بكلمك رد عليا


صرخ بها فاتح وهو ينظر للطريق تارة ولوجهها تارة..

-انتي تسكتي خالص ومسمعش صوتك..ايه ممشيكي دلوقتي جوا الشط وانتي عارفة انه بيكون فاضي في الخريف


كتفت يدها ونظرت أمامها بصمت وقد علمت أنه رأي ماحدث مع الإثنين المُتحرشين ليهتف من جديد..

-انا بكلمك ردي عليا


إلتفتت له بحدة لتقول هي الأخرى بعصبية...

-انت مش قولتلي اسكتي ومسمعش صوتك..ودلوقتي بتقولي ردي عليا المفروض أنفذ انهي أمر فيهم


ضرب عجلة القيادة بقوة ليقول..

-مش وقت لسانك الفالت دا..افرضي الإتنين دول كانوا عملولك حاجة..مكنتش هلحق أوصلك


تحدث بضيق وهي تنظر للطريق..

-أظن انت شوفتني انا عملت ودافعت عن نفسي ازاي

محدش يقدر يقرب مني


-مش كل مره هتعرفي تتصرفي..متعانديش ياسارة واسمعي الكلام


صمتت دون إبداء ردة فعل..لتدمع عيناها بإشتياق غريب جعلها تشيح وجهها كي لا تنظر لوجهه الحبيب

بينما هو الأخر صمت ولازال عقله يفكر فيما حدث منذ قليل..كان سيحدث له شيئا لو مسها ضرر أمام عيناه..لم يتحمل محاولات الاوغاد للتحرش بها


تنهد بغضب مكتوم ليسمع صوتها المختنق وهي تسأله..

-انت جاي ليه يافاتح..مظنش انك معدي من هنا صدفة


عقد حاجبيه بضيق ليقول..

-انا ماشي وراكي من أول ماطلعتي من الكورس ياسارة..وكنت مستني أتكلم معاكي..لحد ماشوفت الي حصل


إرتجف قلبها بخفقات مُحبة ومُعذبة لتقول..

-ماشي ورايا ليه يافاتح خير !


صف السيارة على جانب أحد الطرق لينظر لها قائلا بوجوم..

-ليه مُصرة على الطلاق دلوقتي رغم اننا متفقين


-وايه هيفرق بين دلوقتي وبعدين مااحنا كدا كدا هنتطلق..يبقا ايه لازمته التأجيل


ألقت كلماتها بسخرية مريرة لتلاحظ وجهه الذي اشتد بغضب ليقول بعد صمت...

-مش هيفرق فعلا ياسارة..بس انتي فعلا عايزة ننفصل..هتكوني مرتاحة أكتر !


إرتعشت شفتيها ببوادر بكاء لتقول بإختناق..

-إرتباطنا كان غلط من البداية..مابُني على باطل فهو باطل..وانت نفسك قولت قبل كدا اننا مناسبش بعض


تجاهل حديثها ليُكرر سؤاله بحزم..

-هتكوني مرتاحة لو انفصلنا !


أشاحت وجهها عنه وقد هطلت دموعها لتقول...

-انا شايفة ان دا الصح..انتا تشوف حالك وانا اشوف مستقبلي


أعاد سؤالة للمره الثالثة بإنفعال..

-هتكوني مرتاحة لو انفصلنا ياسارة


صرخت به بحدة وبكاء...

-اه هكون مرتاحة وهخلص من الضغط النفسي الي انت والعيلة فارضينه عليا ونظراتكم ليا ان انا مش كويسة ومش مناسبة أكون فرد من العيلة..طلقني يافاتح وروح لرجاء وسيبوني في حالي بقا


صمتت وصمت ليقول بعد لحظات بصوتٍ هادئ..

-انتي طالق ياسارة4


صمت ران بينهم عدا شهقتها التي علت وهي تنظر له بألم لتُشيح وجهها ويُكمل هو طريقه لمنزلها كي يوصلها..وفي غضون دقائق وقفت سيارته أمام المنزل


لتنزل سريعًا وتطرق باب منزلها..ليفتح لها والدها

لتتخطاه وتركض لغرفتها تفتحها وتتجه لفراشها ترتمي عليه وتبكي بحدة


كاد والدها يلحقها لتمنعه رقية قائلة..

-خليك انت مع اخوك وانا هدخلها يامحمد


أطاعها على مضض لتتجه لغرفة إبنتها الوحيدة

لتجدها تبكي بقوة دافنة وجهها في الوسادة كي لا يصدر منها صوت


إقتربت منها تربت على كتفها بحنان قائلة..

-اهدي بس ياقلب ماما في ايه


إرتمت سارة على صدرها هامسة بإنهيار..

-طلقني ياماما..فاتح قالي انتي طالق


صُدمت رُقية ولكن تمالكت نفسها وظلت تربت على ظهرها تُهدئها بصبر قائلة..

-لعله خير ياحبيبتي..لعله خير

ربنا يعوضه ويعوضك ويُجبر قلبك يابنتي

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

ظلت سارة تبكي بكل طاقتها وألمها..تبكي حب ميؤس منه ألقت نفسها بين لهيبه..كيف سيُجبر قلبها وهو يتلظى بنار فاتح..كيف

***

اليوم وبعد ساعة أو أقل سيكون ولده رجل مسؤل..سيعقد قرانه على ريشة..ويكون قد نفذ إتفاقهم..قد تزوج الفتاة الذي إختارها بكامل إرادته

كان يضبط قميصه وهو يفكر


غير منتبه لتقى الواقفة خلفه تنظر لهيئته بوله وعشق..مرت السنون ولازال في أبهي حُسنه وهيبته

لازال يتمتع بوسامته وقوته..أدم الصياد دائما مُميز ومختلف..


إقتربت منه لتعانق من ظهره بقوة لتريح وجنتها عليه هامسة..

-فاكر يوم كتب كتابنا


توقفت يداه فجأة وغامت عيناه بحنين لِما مضى ليتنهد هامسًا..

-مبنساش اي حاجة عشناها من أول ماقابلتك لحد دلوقتي..رصيد ذكريات متخزن جوايا


إبتسمت لتقول بمحبة..

-احلى ذكريات واحلى سنين معاك..ياريت العمر يتعاد من تاني ونعيش كل دا تاني


همهم دون حديث لتقول هامسة برجاء..

-لسه زعلان مني ياأدم..مش ناوي تسامحني !


إبتعد عنها وجلس على الفراش وهو يرتدي حذائه ويلتهي به عن النظر لعيناها الوديعة..

-لا مش زعلان..كله تمام ياتقى


جلست جواره هاتفة بأمل..

-يعني مش هتسافر وتسيبني خلاص


تحدث بحزم ليحطم أملها..

-لا هسافر ياتقى على بكره الصبح بالكتير هسافر مع جواد وعيلته..قراري مفيش رجوع فيه


شهقت باكية لتقول برجاء وضعف...

-ادم عشان خاطري..وحياتي عندك انا ندمانة بجد

مكانش قصدي اوصلك لدرجة انك متبقاش طايقني


أشاح وجهه عنها وهو يتمالك أعصابه..

-لا ياتقى انا خلاص هسافر كمان كام ساعة

خدت القرار ومش هرجع فيه انا محتاج أبعد


سارعت لتُمسك يده لتقول...

-لا مش محتاج تبعد أبدا..بص اقعد في اوضة تانية

وانا والله ماهضايقك لحد ماتصفالي


تنهد بقوة ليقول..

-تقى انا مش هسافر اغير مكان..انا محتاج أكون مع نفسي أكتر..وأظن دي ابسط حقوقي بعد كل السنين دي


تركت يده وتهدلت أكتافها لتقول..

-بقيت بتكرهني اوي كدا خلاص


نفي برأسه ليُتمتم بصوتٍ مُتعب..

-لا ياتقى عمري مااكرهك..بس تعبت محتاج اللاقي نفسي من جديد..انتي غيرتيني لدرجة اني مبقتش مرتاح

ولما اكون لوحدي هرتاح اكتر


زاد نحيبها لتقول بيأس..

-يعني خلاص..شايف الحل في سفرك وبعدك عني

شايف انك كدا هترتاح !


هز رأسه نافيًا ليقول بعد صمت..

-لا في حل تاني1


إنتفضت بلهفة وهي تُمسك ذراعه هاتفة..

-قولي وانا هنفذة من غير تردد


رفع حاجبه ليقول بهدوء..

-هتيجي معايا نقعد فترة في شقة جدتك..لوحدنا ياتقى والاولاد هيفضلوا هنا..هنقعد هناك وتهتمي بجوزك الي رميتيه ورا ضهرك كأنه شيئ مُسلم بيه


زاغت عيناها بدهشة لتقول بتردد..

-بس الولاد..ه..هيقعدوا لوحدهم ازاي


كتف يداه وحدقها بمرارة..لا يقوى على الجدال حتى

في كل السنوات الماضية كانت دائما إختياره الأول

دون حديث أو تردد كانت خياره الأول ولا حيرة بينها وبين أمر أخر..أختارها وتجاهل عائلته..اختارها دونًا عن النساء جميعهن..لم يرى غيرها أبدا


حتى لو خُير بينها وبين أولاده سيختارها دون تردد او ندم..ولكن هي تختار أي شيئ عنه..لم يكن خيارها الأول طول تلك السنوات..الآن فقط شعر انه إجبار عليها..وأنه فرض نفسه عليها


أشاح وجهه عنها ليقول..

-انسي ياتقى..ولا كإني قولت حاجة

اجهزي عشان الناس بدأ تحضر


تجاهلها وخرج من الغرفة..لتشهق باكية لا تدري ماالذي عليها فعله..ماذنبها أنها تخاف على أولادها من نسمة الهواء ولا تقوى على تركهم !5


***

رواية رُد قلبي

الحلقة السابع والعشرون "صراحة وقحة"

.....................................

بدأ وقت الإحتفال والذي كان أكثر وأكبر من العادي

توقعت ريشة أن يكون عقد قران يضم العائلتين

ولكن تفاجئت من العدد المهوول الذي يضم رجال ونساء من الطبقة الرفيعة


كانت تجلس في المكان المخصص للعروسين تنظر لجدتها التي تتحدث مع أشخاص لا تعرفهم ولكن أخبرتها جدتها انهم عائلتها..ولكن اين كانوا تلك العائلة عندما كانت وحيدة تعمل خادمة !


ولكن لم تُبد مافكرت به لتستقبلهم بإبتسامة رغم حرجها من صخبهم وسط الحفل الراقي

إبتهجت ملامحها عندما رأت كامل يتجه لها مُباركًا..

-مبروك ياحبيبتي ربنا يسعدك


حدقت في ملامحه المُتعبة والتي لاحظتها عصرًا عندما كانت في منزله لتوقع أوراق لا تدري ماهيتها

لتقول بقلق...

-الله يبارك فيك يارب..طب اقعد ارتاح شكلك تعبان


إبتسم بوهن ليقول..

-يتكتب الكتاب وهرتاح..امال عريس فين

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

أشارت الى مكان شريف وهو يقف مع والده وبعض الرجال لتقول..

-اهو واقف هناك

همهم ليقول..

-طيب هروحله عشان عايزه في كلمتين..اه صحيح غزال وعُبيده جايين يبركولك أهم


تركها كامل واتجه حيث يقف شريف..بينما ريشة حدقت بغزال وعُبيده ليُقدم عُبيده عُلبة أنيقة ويقول باسمًا بلطف..

-ألف مبروك ياريشة ربنا يسعدك


إبتسم برقة قائلة..

-الله يبارك فيك


لتنظر لغزال الصامتة وتحدق بها بغرابة لتُعانقها قائلة...

-مبروك ياريشة ربنا يسعدك..على الله تعرفي تحافظي عليه وميطيرش من ايدك..مش هتعرفي تعوضي واقعة زي دي


انكمشت ملامح ريشة فورًا..ولكن تماسكت لتبتعد عنها قائلة بخفوت..

-الله يبارك فيكي


ثم إبتعدت لينظر عُبيدة لغزال بحدة ويقول..

-انتي قولتيلها ايه خلاها تكشر كدا


حركت كتفيها ببساطة قائلة..

-مقولتش حاجة باركتلها بس


زمجر بخفوت ليُتمتم..

-غزال سمتيها بكلام ايه تاني


نظرت غزال حولها لتقول..

-يعني دا وقت ولا مكان تكلمني فيه كدا ياعبيده


تنهد عُبيده بعصبية ليقول..

-اتفضلي تعالى معايا برا


سارت معه للخارج بصمت ليقف بعيدًا عن الصخب ليقول بهدوء عكس نظراته الحادة..

-انتي بتعملي ايه بالظبط..


رفعت كتفيها لتقول ببرود..

-بعمل ايه..قصدك عشان مبتكلمش معاك

فـ دا بسبب اسلوبك معايا الصبح وانك مقصر في حقي


تمالك أعصابه بصعوبة ليقول بعصبية..

-انا مبتكلمش على بتكلميني او لا

انا بقول على كلامك السم الي بتوزيعيه على الي حواليكي..الصبح غلطي في الكلام معايا..من شوية والحج كامل بيقولك قومي سلمي على ريشة رديتي بقلة ذوق..ودلوقتي قولتي للبنت حاجة خليتي وشها كشر..انتي بتعملي ايه !


كتفت يدها لتقول بحنق..

-بتخاف على شعور الكل إلا شعوري أنا

هامك بابا وريشة ومش هامك زعلي من الصبح


مسح عُبيده على وجهه بقوة ليقول ناظرًا لفستانها الذي يضيق على خصرها بمبالغة..

-وايه الزفت الي انتي لابساه دا..نبهت عليكي مليون مره بلاش حاجة مُلفته وانتي بردو مبتسمعيش الكلام


-لا انت بتلكك على فكرة..وفجأة بقيت مش عجباك وفجأة بقا كلامي سم..انت عايز ايه بالظبط


حدق بها عُبيده للحظات قبل أن يقول..

-يعني انتي مش شايفة نفسك غلطانة خالص !


هزت كتفها بميوعة قائلة بعناد..

-لا مش غلطانة وانت المفروض تراضيني

انت الي غلطان


عض على شفتيه بعصبية قبل أن يخلع خاتمه ويجذب يدها بقوة ليضع بها الخاتم ويقول بجمود..

-طباعك متناسبنيش..كل شيئ نصيب5


ثم تركها وسار خارج حدود الحفل لتظل واقفة تُحدق بالخاتم بعدم إستيعاب..تنظر لظهره وهو يبتعد وتنظر للخاتم..وعقلها يخبرها أن لا بأس سيعود مُعتذرًا

ورغم ذالك طرفت الدموع عيناها..لتزداد حقد وبغض لريشة دون اي اسباب4


                            ***

إنتهى الإحتفال بعد وقتٍ طويل..ودعت الجميع عند السُلم الداخلي للقصر..لتصعد الى جناح شَريف ومسكنهم في قصر آل صياد..ولكن قبل أن تُكمل الصعود أوقفتها تقى لتقول دامعة...

-ابني دلوقتي مسؤليتك ياريشة..مسؤليتك تهتمي بيه وتسعديه ويكون من أولوياتك1


دمعت ريشة بعذاب وهي تود لو تقول بإختناق..

"وانا من سيتولى مسرليتي وإسعادي"

ولكن هزت رأسها كي لا تتحدث وتحرجها غصة حلقها


ليقترب منها أدم ويعانقها لثوان ويُقبل مفرق شعرها

قائلا بهدوء جاد كما عادته..

-ربنا يوفقكم وتكونوا سند لبعض..ألف مبروك


زادت دموعها لتُحدق به مُمتنة وتود لو ترتمي في أحضانه وتبكي..فا عناقة لها الذي لم يُكمل دقيقة كان ابوي ليُفجر مشاعر اليُتم داخلها..وحينما لاحظ تلك الدموع دنى منها هامسًا...

-متخافيش انتي وسط أهلك..بلاش نظرة اليُتم دي

ابقي بصيها على قبري ياريشة لما أموت6


هتفت سريعًا بصوتٍ باكِ..

-بعد الشر على حضرتك يابابا..ربنا يخليك لينا

رواية رد قلبي بقلم وسام اسامه 
الحلقة السادسة والعشرون حتي الحلقه الثلاثون 
 الجزء الأول 

إبتسم برضا حينما قالت "بابا" بينما شَريف مدهوش وتقى تحدق بزوجها بمحبة وتقدير لتهمس..

-سيب العرسان يطلعوا يرتاحوا بقا


همهم وابتعد وكادت ريشة تصعد لتكون بمحاذاة السُلم..لتنظر لأدم قائلة بدعاء..

-ترجع من السفر بالسلامة يابابا


لم يرد وإبتسم لها وهز رأسه ردًا على دعائها..بينما تقى حدقت بوجهه بفزع وعذاب لتميل رأسها وتهمس بإختناق..

-متسافرش


تجاهل أدم همستها واتجه لغرفة مكتبه..بينما وصلوا شَريف وريشة الى جناحهم الخاص ودلفوا..ليتجه شَريف الى الحمام ليُغير ملابسه بصمت


وريشة تطلع حولها بخوف وترقب قبل أن تتجه لغرفة الملابس وتجذب ملابس ساترة ترتديها عوضًا عن ذاك الرداء الحريري الموضوع على الفراش


ظلت في غرفة الملابس لبعض الوقت وي تقف أمام المرآة وتُزيل زينة وجهها بأصابع مُرتجفة..وقلبها يخفق بحدة وخوف..أكملت مايقارب الساعة بالداخل


لتحسم أمرها وتخرج وتخبره بكل مايعتمر داخلها

خرجت لتجده نائم على الفراش ويحدق بالسقف

مسدت ريشة على رقبتها بتردد وهي تنظر للفراش تارة وللأرض تارة..ولذاك المُتسطح على الفراش بلا مُبالاة وراحة...لاحظ حيرتها ليبتسم هازئًا...

-متقوليش عايزة تنامي على الأرض


تعلثمت لتقول بخفوت..

-اممم لا مين قال كدا !


همهم ليقف من الفراش مُتجهًا لها ليدور حولها بعبث مُتمتمًا...

-بصيتي على السرير لاقتيني نايم عليه..فا بشكل تلقائي دورتي على كنبة في الأوضة عشان تنامي عليها فاأحس بنخوة وشهامة واخليكي تنامي على السرير وضهري يتكسر من نومة الكنبة


زاد إرتباكها خاصة عندما شعرت أنه قرأ أفكارها لتقول..

-لا انا انا..


تابع حديثه وهو يحك حاجبه بتفكير..

-ومستنية اقولك نعيش اخوات عشان انا اتجوزتك لسبب وانتي اتجوزتيني لسبب فا السبب دا يزول عشان نتطلق صح !


توهج وجهها وباتت تشعر بلإختناق لتهمس..

-مش بالظبط..


إبتسم ساخًرا ودار حولها مره أخرى..

-وطبعًا  بالشكل دا مش هنعيش حياة طبيعية

لأننا هنكون بنمثل إننا أزواج قدام الناس واحنا مش كدا


كادت تتحدث ليجذبها له بقوة ناعمة ويهمس أمام وجهها بحزم وإصرار...

-كلام الروايات دا مش عندي..حياتنا هتكون طبيعية وهتمشي زي ماانا عايز..وانتي مراتي وانا جوزك شرعًا وقانونًا ياريشة..فاهمة


كانت ترتعش بين يداه كالريشة في مهب الريح لتحرك رأسها ببطئ خائفة..ليبتسم برضى ليقول..

-ايوة كدا..خليكي عاقلة ياريشة واعرفي ان الحياة مش لعبة..انا اختارتك وانتي وافقتي وبس كدا..هنكون مُتفاهمين ومُناسبين لبعض


لا تعلم لِما دمعت عيناها بحزن لتهمس بصوت مُتقطع..

-طب والحب


حدق بها بهدوء وهو يُداعب غرتها الرقيقة ليقول بصراحة شديدة ودون حرج..

-مش لازم حب ياريشة..كفاية اننا نناسب بعض ونتفاهم

وأظن بعد تجربتك الفاشلة في الحب متكرريش غلطك في الفشل3


تكونت غصة في حلقها لتحرك رأسها بإيجاب ودموعها تزيد وتهدد بالنزول وفضح ضعفها أمام شَريف..ليدنو منها ويمسد على وجنتها ويُعانقها برفق رغم قوة قبضته حولها

لتتأكد من نواياه لإتمام هذا الزواج


إبتعدت بملامح فزعة وقد ارتجف بدنها برفض قد استشعره بسهولة بسبب ردة فعلها العنيفة في الإبتعاد لتهمس بإنفاس غير منتظمة..

-انا عايزة انام


ألتقت جملتها وفرت الى الفراش لتنام على الجانب الأيمن وتدثر بالشرشف كي لا يظهر منها شيئ لعيناها الوقحة

بينما هو تأفأف وهز كتفيه بلا مبالاة واتجه الى الجانب الأخر ليرتمي عليه متنهدًا2


حدق بالسقف لمدة غير مُدرك أن النائمة جواره ترتعش خوفًا..وعيناها تحرقها بالدموع المكتومة..وعقلها يصرخ بها ينعتها بالغبية لقبولها بالزواج منه


فكرت بحزن ان شَريف شخص واقعي للغاية..لا مكان عنده للخيال أو العاطفة..عقلة يقوده نحو الجدية والتمرد

عاطفته تنتهي عند قدمي والدته تقى وأخواته الفتيات

ما دون ذالك يبدأ  بالتعامل بالجدية والواقعية وصراحته الوقحة مثله


فرت شهقة باكية من فمها لتكتمها بيدها سريعًا وتغمض عيناها بقوة..عليها الثبات والبُعد عن الضعف..يكفيها ضعف وبُكاء أمامه..ستحاول ضبط نفسها وإنفعالاتها..لن تبقى تلك الضعيفة


الوسادة لم تُقصر معها في إستيعاب الدموع والحزن

لتترك الأمر لوسادتها ليلًا..وتتماسك صباحًا

لقنت نفسها تلك الكلمات بعزم وإصرار..ولازالت عيناها تأبى النوم جوار الغريب..تخاف الغدر منه


بينما الأخر ذهب في عالم آخر حالما أغمض عيناه

تركها في بكائها واختار أن ينام ليُبعد عنها الفزع

لتنام مُطمئنة انه نائم ولا نوايا خبيثة او دنيئة في نفسه ليفعلها1


                               ***

كان شارد الذهن وهو يحدق بالأوراق أمامه..شارد في تبعات قراره بالسفر..وشارد في ردة فعلها الجارحة

وشارد بسنوات مرت وهو يعطي دون طلب..وحينما أراد أن يطلب تفاجئ بإجابتها


تنهد ينفض الحزن عنه وهو يخبر نفسه انه كبر في العمر..ماالجدوى من حديث القلب..عليه أن يتجاهل تلك المشاعر وينظر لعمره..هو كبر لم يعد بالقوة السابقة..حتى أن وسامته لا تُنافس شباب اليوم


تغضن جبينه ولأول مره في سنوات عمره يشعر بعدم الثقة في نفسه..وأن الكبر جعل منه رجل عادي لا يبعث الحب في القلب..رغم أن ردة فعل من حوله لا تقول ذالك..لازال الحسنوات يتغنين بقوته وحسنة


لازال صاحب كلمة قوية في وسطه

لازال أدم الصياد المعروف بهيبته..يرى ذالك بعين الجميع وتصرفاتهم..ولكن زوحته تقى


تصرفاتها باتت تُشعره أنه عجوز مُمل تسأم صحبته

أو رجل نفذت العجائب من جُعبته وماعاد يُبهرها

باتت ترى راحتها مع أولادها وأصدقائها..أما هو فلا


سمع رنين هاتفه يعلوا..لينظر الى الرقم لثوان قبل أن يُجيب...

-ايوه ياعمار


-ألف ألف مبروك ياأدم


إبتسم ليقول..

-الله يبارك فيك يارب


تعجب عمار من نبرة صديقة ليقول بقلق..

-اكيد زعلان عشان محضرتش..انت عارفة ان منة بتعمل العمليات و


قاطعة أدم بهدوء..

-لالا انا عارف الي عندك..ألف سلامة عليها وبإذن الله تتحسن وتطمن عليها


-مالك طيب ياأدم..انا عارف صوتك كويس وانت كدا

حصل ايه الولاد كويسين


همهم أدم بإيجاب ولأول مره يشعر بإنقباضة صدره ويرغب بالبوح لأحد غيرها..لأول مره يشعر بأنه يحتاج لصديق يُخبره بما يؤلمه..ليقول بصوت شارد..

-محتاج اتكلم ياعمار انت فاضي

صمت عمار ليبتسم دون مرح ليقول..

-انا مستني اسمعك بقالي أكتر من ٣٦سنة هاجي دلوقتي وأكون مش فاضي !

تعالى ياأدم انا قاعد في كافية قدام المستشفي..اه قهوته وحشة بس بيفتح لحد الصبح..تعالى ان مستنيك


همهم أدم ليغلق ويتجه لصديقة يُفرغ أفكاره السلبيه عنده ويُريح صدره قليلًا بالحديث والبوح

وبالفعل خرج من مكتبه ليجد القصر صامت ومُظلم لم يستطع أن يبتسم بسخرية حتى..كالعادة تركته ونأت بنفسها مُحتفظة بقرارها


بينما تقى كانت جالسة في غرفتها تبكي وجوارها مريم تواسيها قائلة..

-طب فهميني بتعيطي ليه ياتقى..ماقولتلك هيسافر اسبوعين وراجع فين المشكلة !


تحدثت تقى بإنهيار قائلة..

-المشكلة اني بخسره..بعد كل الحب دا بدأت اخسره

وهو مش مساعدني خالص..بيحطني في اختيارات ومقارنات..وانا تعبت


صمتت مريم تحاول فك رموز كلماتها لتقول..

-حصل ايه تاني انا مش فاهمة حاجة


مسحت دموعها لتقول بضعف..

-قالي ان في حل واحد انه ميسافرش..قالي نروح نقعد في شقة جدتي معاه هناك واسيب الولاد هنا في القصر


رفعت مريم حاجبيها لتقول..

-و ايه تاني


-قولتله لا عشان الولاد..ولسه بكمل لاقيته قالي انسي الموضوع..ومن ساعتها بوجهله اي كلام مبيردش


همهمت مريم لتقول ساخرة..

-اقل واجب والله كويس انه مقالكيش كلمتين يفوقوكي..دا رد ياتقى !


-انا مقدرش اسيب الولاد لوحدهم يامريم هيعملوا ايه من غيري!


تجعد وجه مريم بعصبية لتقول..

-ولاد مين دول..قصدك سيدرا الي عندها ٢٩ او تلاتين سنة..ولا جودي القرشانة بنتك الي عندها ٢٧سنه

ولا شَريف الي خلاص اتجوز..ايه الأوڤر بتاعك دا بجد


ردت تقى بخفوت..

-أوڤر !


-اه أوڤر دا انا وجواد بنسافر وبنسيبهم من لما كان عندهم ١٩سنة تقريبًا..بصراحة ياتقى انتي بقيتي غريبة اوي


إرتبكت تقى لتتنهد وتقول..

-طب أعمل ايه طيب


رفعت مريم كتفيها لتقول..

-شايفة انك لو عايزاه مايسافرش تروحي معاه مكان ماهو عايز..طالما بتحبيه وبتخافي على زعله

ولادك مبقوش صغيرين كلهم شافوا حياتهم


لتتنهد مُستسلمة وتقول..

-اه مبتفقش مع أدم وشايفة أن لسانه لا يُحتمل

بس من الظلم انك تقابلي حبه بإهمال اثبتي حُبك بأفعالك


صمتت تقى غير مُقتنعة بحديثها وتركها لأولادها

لتحرك رأسها بإيجاب لتقف مريم قائلة..

-انا هروح انام بقا عشان السفر الصبح..تصبحي على خير ياتقى3


همهمت تقى بشرود..

-وانتي من أهله

رواية رُد قلبي

الحلقة الثامن والعشرون " جروح يدها"

.................................

في مقهى متواضع أمام احد المستشفيات الخاصة

مد عمار يده بسيجارة لأدم ليقول الأخر نافيًا..

  -ماانت عارف..بطلت


إبتسم عمار وهو يضع السيجارة بين شفتيه قائلا..

-من ساعة مااتجوزت وانت بطلت حجات كتير..مبقتش أعد


لم يبتسم أدم..بل شرد في الماضي..في أدم القديم ذاك الشاب الطائش المُتجبر قاسي القلب..كان أكثر الناس جحودًا ويأس..كان يُدخن ويشرب الكحول ويتحكم بمصائر الناس..كان شخصًا سيئ بكل المقاييس الى أن رأها..تقى الجميلة..حوريتة الشاردة التي انتشلته من غياهب قسوته..غزت قلبه بأقل مجهود ليُصبح أسيرها..اسير قلبها الحنون


تحدث عمار وهو ينفث دخان سيجاره..

-الحياة دي غريبة اوي ياجدع..شوف عدت سنين طويلة على الي فات..بس يجي أوقات تحس انك بتحن للماضي..بتحنله بالوحش والحلو الي كان فيه

تتمني ولو دقيقة من الي فات


همهم أدم مؤيدًا حديثه..لتغيم عين عمار بحنين غريب ووخزة ألم في قلبه ليقول بصوت متحشرج...

-فاكر شهد


نظر له أدم بدهشة ليقول..

-انت لسه فاكرها ياعمار !


تنهيدة حارة خرجت من عمار ليقول..

-شهد متتنسيش ابدًا..كانت احلى من انها تتنسي مع التفاصيل التافهة1


عقد أدم حاجبيه ليقول بعد صمت..

-انا افتكرتك بتحب منة مراتك..ماكنتش اتخيل انك تفضل فاكر شهد دي..


ضحك عمار ساخرًا ليقول..

-طب ماانا بحب منة جدا..ايه دخل الحب في شهد

منة حاجة وشهد حاجة..شهد كانت عالم كبير ميدخلش العالم دا غير الشجاع..الي عنده القدره يخرجها من سواد أيامها..كانت حاجة ناعمة رغم قشرة القوة الي تبان...بس منة عكسها منه شبه لون السما..صافية وشقية ومتدلعة..هي الي تخرجني من همومي بشقاوتها وضحكها


-أمال بتحن لشهد ليه بقا !


تنهد عمار قائلا ببساطة..

-لأني حبيتها..لكل ست طعم ولون

طبعا الكلام دا مش خليك..انت اوفى راجل في العالم


أنهى كلماته وقهقه بمرح ليقول أدم بجمود..

-انا عمري ماحبيت ولا حنيت لست غير مراتي

لأني من أول ماحبيتها وانا عارف ان مفيش حاجة هحتاجها في اي ست تانية..كل الستات زي بعض نفس الشكل ونفس الطبع إلا هى..هي دايما مختلفة


غص حلقه ليُكمل بٱختناق..

-حبي ليها زي ماهو بالظبط..كل مابشوفها بحس اني أول مره اشوفها..قلبي بيرجع يدق كأنها أول مره

كل يوم حبي وهوسي بيها يزيد ...لدرجة اني زهقت من نفسي


حاول عمار تحليل كلماته المُختنقة ليربت على كتفه قائلا...

-هي مبتحبكش بنفس القوة دي يعني


هز ادم رأسه نافيًا ليقول بهدوء..

-لا مفيش مجال لمقارنة حبها لحبي..هي بتحبني بس انا بحبها اكتر ماهي بتحب نفسها حتى

انا بحبها أكتر مابحب ولادي..اكتر مابحب اي بشر في الدنيا


-طب وهي !


ضحك أدم دون فُكاهة ليقول..

-لا هي بتحبني وبتحب كل البشر عادي

انا الي أڤورت في حُبي ليها..مفروض ان انا عجزت وميهمنيش بقا الحب والكلام دا


تنهد عمار بشرود ليقول..

-سبحان الله..زمان كنت بتقول لنفسي هيجي يوم وأدم هيزهق من البت دي و...آاااه ياجدع في ايه


كان أدم قد لكمه في كتفه بعنف لكلمة "بت"

ولم يغضب عمار أبدا..بل فرك كتفه بألم وهو يضحك قائلا...

-خد بالك الموقف دا حصل من ٣١سنة

لما كنت بقولك عملت ايه مع البت دي ساعتها كنت هتاكلني


إبتسم ادم ليقول بتحذير..

-خد بالك وانت بتتكلم عليها ياعمار


تنهد عمار ليقول بحنق..

-كنت بقول انك هتزهق من المدام وتسيبها وترجع تاني زي ماكنت..وأكيد مش هتفضل كدا ..بس طلعت سحرالك باين


ضحك عمار وهو يبتعد بعدما القى كلماته بشقاوة

ليتنهد أدم ويصمت ليقول عمار...

-طب ماتفهمني ايه الي مزعلك !


نظر له أدم لثوان قبل أن يقول..

-مراتك بتحب عيالك وبتهتم بيهم أكتر منك !


صاح عمار بحنق ليقول...

-متفكرنيش ياأدم..اصحى الصبح الاقيها راحت تزور ابنها ومراته..ياستي اقعدي وهما يجولك لحد عندك

ودي ابدا..اروح واطمن بنفسي...انت عارف شهد بنتي مسافرة بره مع جوزها..كل شوية ترن عليها فيديو وتقعد تعيط وتقولها تعالي بقا


اجي انا اسافر لشغلي بالأيام..تكتفي بإتصال ولا اتنين تطمن باكل وبشرب ولا لا وتقفل

افضل اقولها يابنتي مليش غيرك وملكيش غيري

تقولي لا مليش غير ولادي..


ثم إبتسم ساخرًا ليُكمل..

-واديها لما دخلت تعمل عملية مين الي متمرمط وراها غيري..عيالها بيجوا يقعدوا شوية وكل واحد على بيته..وانا وهي الي مع بعض


همهم أدم ليقول بتساؤل..

-وانت مخدتش موقف ليه !


عقد عمار حاجبيه قائلا..

-وانا هاخد موقف من ايه بالظبط..من حبها لولادي !

لا طبعا ماخدش موقف..انا بلفت نظرها واعاتبها واعمل نفسي مقموص..وبعدها اشغل نفسي بأي حاجة غير اني اركز في الموضوع دا


-تشغل نفسك ازاي !


همهم عمار ليقول...

-بأحفادي طبعا..او بالشغل..اوالقراءه مثلا

اي حاجة غير اني احط في دماغي انها بتحبهم اكتر مني وانها زهقت مني..اصل دي طبيعة الأنثى..حنانها على ولادها وأڤورة المشاعر عند الستات  

صمت أدم يفكر بكلماته ليقول عمار وقد أدرك حساسية أدم من إهمال زوجته..

-الفت نظرها وفهمها انك ابنها الرابع والي دايما محتاجلها زيهم بالظبط...مظنش انها هتتجاهل عتابك


تنهد أدم بثقل ليقول...

-انا هسافر بكره..هروح مع جواد أفصل شوية في المزرعة..ويحلها ربنا بعد كدا..سلامة مراتك


وقف ادم من المقعد ليقف عمار هو الأخر ويقول..

-الله يسلمك..اول ماترجع كلمني..نرجع نقعد ونتكلم بلاش الغيبة تطول بينا


همهم أدم وعانقة بمحبة وغادر مع أول خيوط النهار

اتجه للقصر مباشرة وهو يفكر في حديث عمار

ليحسم الجدل داخله..سينشغل عنها..سيهتم بهوايات جديدة..سيفعل أي شيئ يجعله مُنشغل عنها وعن إهمالها


وصل لمدخل القصر وفتح الباب الكبير وأغلقه خلفه

وتابع سيرة لغرفتهم ولكن توقف فجأه وهو يراها نائمة على الأريكة في بهو القصر..وترتدي ملابسها كاملة وحجابها..اين كانت !..من الواضح انها كانت تنتظره وغفت 

اشتعل غضبه منها كيف تنام في بهو القصر هكذا وجواد ومراد في الأعلى هل جُنت وفقدت عقلها

إقترب منها يوقظها بنبرة حادة رغم خفوتها

لتستيقظ سريعًا هاتفة بنعاس..

-انت جيت امتى

همهم بجمود وغيرة قائلا...

-لسه جاي..انتي ايه الي منيمك هنا!   

إعتدلت في جلستها لتُغمغم بنبرة ناعمة..

-حضرت شنطتك وشنطتي عشان نروح بيت تيتا الله يرحمها..هنروح سوا


لانت ملامحه وعقد حاجبيه وتعالت دقات قلبه المُتعب بحبها...

-قصدك ايه


وقفت وحاوطت خصره لتضع رأسها على صدره هامسة بصوتٍ مُحب مُعتذر..

-قصدي اني مش هسيبك ياأدم

رجلي على رجلك لو رايح فين

انا معاك لآخر الدنيا ياأدم


مابال قلبه المُلتاع ينبض بجنون وكأنه كان يركض بسنوات عمره !..مابال كرامتة الأبية تستكين الآن وتنام قريرة العين..وجسده ينتفض شوقًا ليدين تلك الحورية صاحبة القلب القاسي !


أراح ذقنه على رأسها برضى غريب

يرضيه منها أبسط الأشياء..يسكن وتهدأ عواصفة مع أول كلمة ناعمة تخرج منها..تفر قسوته حينما تضع يدها على صدره وتستكين بين ذراعيه..هو الآن في أفضل حالاته لتُزيد من خفقات قلبه عندما وضعت قُبلة دافئة على قلبه وتقول بصوت لامس قلبه المُثقل بحبها...

-اوعى تشك يوم في حبي ليك..انا اموت لو بعدت عني..انا مليش غيرك في الدنيا..ولادي دول بحبهم عشان هما منك ومن ريحتك..انا اس..1


قاطع اسفها عندما وضع أنامله على شفتيها قائلا..

-بس متقوليش حاجة..يلا بينا نمشي


غمغمت وهي تنظر للأعلى تحت نظراتة الثاقبة..

-طب هنمشي من غير مانسلم على الولاد وجواد ومريم وو


قطعت حديثها عندما رأت حاجبه يرتفع بتحذير

لتتنهد بإستسلام قائلة...

-نبقا نتصل بيهم نقولهم


ضحك أدم بإرتياح حاوط كتفها بيده..وهاتف السائق ليدلف ويأخذ الحقائب..وانطلقوا حيث بيت الحاجة عايدة رحمها الله..فب قلب الحارة الشعبية   

مع حوريتة..

                               ***


كان عُبيده يسير في طرقات المشفى وهو واجم الوجه شارد الذهن..يؤدي عمله بعملية شديدة وعقله منشغل بما حدث مع غزال وإنفصاله عنها..رغم ضيقة من وضعهم إلا انه يرى انه فعل الصواب بإنفصالهم ماكان يجب علبه ان يُكمل علاقة يعلم أن طريقها قصير

مر يومين على تلك الليلة الذي خلع بها خاتمه ووضعه بيدها وتركها وغادر..من ليلتها لم يُحادثها أو يرد على إتصالاتها..لا يرد على ندائاتها حينما يصعد الدرج..بل يتجاهلها تمامًا ويتحاشى النظر لها حتى

كانت غاضب لدرجة جعلته يمقتها بشدة


تنهد بحدة وهو يُتابع سيرة وينفض عن عقله أي تفكيره في غزال وفي علاقتهم الفاشلة

ولكن توقفت أنفاسه لثوان وهو يراها..واقفة أمامه بكل ضعف..بكل حزن وألم وتشتت..تطالعه بنظرات تائهه باكية


وبخطوات مترددة إقترب منها قائلا بقلق..

-انتي بتعملي ايه هنا في الوقت دا..ومالك شكلك عامل كدا ليه..في ايه ياغزال ردي    

هزت رأسها بحركات متتالية وهو تُحدقه بنظرات لائمة ومتألمه..ومدت يدها التي تسيل منها الدماء بغزارة..لتضح له علامات جروح بشعة مرسومة على يدها من أول كفها الى رسغها...هتف بجزع وهو يُمسك يدها...

-مال ايدك شكلها عامل كدا ليه


شهقت بعنف وهي تنظر له دون حديث بل صارت تتلاشى في الهواء بعدما تحولت لضبابٍ أسود غريب


شهق بقوة وهو بنتفض من فراشه لا يدري مالذي يحدث..ظل يشهق بقوة سامحًا للهواء بالدخول الي رئتيه وجبينه يتصبب عرقًا رغم برودة الشتاء


إعتدل في فراشة وقد استوعب أن هذا ماهو إلا كابوس غريب مثله عقله الباطن نتيجة تلك الأحداث التي حدثت مؤخرًا بينه وبين غزال...تنهد بحدة وهو يمسح وجهه بتشتت ليسمع صوت هاتفة يصدح برنين متواصل


أمسك هاتفه يحدق بإسم المُتصل ليجدها بطلة كوابيسة..غزال تتصل..كالعادة منذ أن أنفصلا تتصل ولا يُجيب..ولكن بعد ذاك الكابوس المُريب حسم أمره ليرد عليها بصوتٍ أجش من النوم...

-الو


وصله صوتها الحزين وهي تقول..

-أخيرًا قررت ترد عليا ياعُبيده


حاول ألا يقع تحت تأثير نبرتها الباكية ليقول..

-خير ياغزال في حاجة !


شهقت باكية لتقول..

-وهو فين الخير دا وانت بعد خلاف صغير بينا نهيت خطوبتنا كإنك كان نفسك تخلص مني


تنهد وهو يُبعد الهاتف عن أذنه لثوان قبل أن يتنهد بقوة  قائلا..

- غزال اهدي واسمعيني..دا الصح ارتباطنا كان غلط من البداية وانتي عارفة ان طباعنا مش زي بعض ولا اسلوبي شبه اسلوبك..احنا مختلفين لدرجة الخلاف

يرضيكي تدخلي علاقة آخرها الفشل !


صمت ليسمع ردها ولكن لم يصله سوى البكاء ليُتابع بلين كي تفهم دون جرح لكرامتها...

-ومش معني اننا انفصلنا كدا احنا هنكون اعداء..لا بالعكس..انا أخ ليكي عوزتيني اي وقت هكون موجود عشانك بس اهم حاجة تعرفي ان علاقتنا مكانتش هتكمل


لأول مره تهمس مُعترفة بحبه قائلة بهمس باكي..

-بس انا بحبك..ومقدرش اشوفك أخ


إقشعر بدنه من إعترافها بل وزادت خفقات قلبه

ياالله حتى إعترافها غريب على إيقاعه..إعتراف مُشبع باللوعة واللهفة.. ولكن تحكم في إنفعاله ليقول

-انا اسف ياغزال..بس مش هينفع انا هقفل مع السلامة


أغلق الهاتف وألقاه خلفه بحدة وهو يُغمض عيناه ويحاول إبعاد هيأتها في ذاك الكابوس عن عقله

وصوتها الباكي في الحقيقة عن اذنه..وقد حسم الوضع داخله...لا تعني لا..لن يُكمل معاها


هو لا يريد فتاة سطحية تافهه تنشر عجرفتها وأذى لسانها على الجميع..بل يود فتاة خلوقة بلسان لا ينطق سوى بكلام العقل والحكمة


أما غزال كل رصيدها في الحياة دلال وغنج

لا شيئ سوى ذالك..أين باقي الصفات إذًا !

والإجابة لا يوجد..إذا مافعله صواب وإنفصاله عنها أمر نهائي لا يقبل بالتراجع ابدا


وقف عن فراشه وسار نحو المطبخ ليفتح المُبرد ويشرب الماء البارد كعادة قديمة له..يشرب الماء البارد في كل فصول السنة..ولكن ماهي سوى لحظات ليسمع صُراخ عالٍ أفزع البناية بأكملها..وماكان هذا سوى صراخ...غزال

                               ***

بعد مرور إسبوع على الأحداث السابقة


كانت تكتب الملحوظات وعقلها شارد..لا تستطيع فهم ما يحدث حولها ..منذ أن غادر والداها وتولت هي مسؤلية القصر وهي تشعر بالتشتت


شَريف وزوجته هادئان لدرجة غريبة بل أن زوجتة صارت حزينة كئيبة لموت أحد أقاربها..لذا زاد على صمتها الحزن..جودي صارت شاردة صامتة أحيانًا..ومُشرقة ثرثارة أحيانًا..لا تستطيع تحديد مالذي يحدث مع شقيقتها


ومايُزيد إرهاقها مُديرها الفظ الذي يُثقل كاهلها بالأعمال..بل وتقريعه الدائم إذا نست أمر من أوامره الكثيرة


تنهدت سيدرا بإرهاقٍ واضح وهي تتمنى لو تُطبق بيدها حول رقبة موسى لتُزهق روحه وتتخلص من عنجاهيته وواقاحته لتهمس لنفسها

"اهدي ياسيدرا..المهم مصلحة الشغل المهم ننجز شغلنا اهدي من امتى حد بيعرف يستفزك اهدي"


ثوان وسمعت صوته عبر الجهاز وهو يقول ببرود..

-القهوة والدونات فين يااستاذة


كادت تصفع رأسها في المكتب حتى تفقد وعيها أو تدلف لمكتبه وتقتله وتُخفي جُثته أو تُقطع بدنه حلقات مُستديرة مجوفة لتُشبه دوائر الدونات التي يأكل منها كميات غير معقوله..لتتحدث بعصبية عبر الجهاز..

-استاذ موسى تقدر تدوس على الزرار الإسود دا بيوصلك دايركت للبوفية المسؤول عن القهوة والدونات


اغلقت الجهاز بحدة وهي تُزمجر بغيظ

بينما موسى داخل مكتبه يكتم ضحكة عالية وهو يغمض عيناه وجسده يتحرك مع ضحكته المكتومة..تستحق تلك المُتعالية مايفعله معها..والغريب في الأمر انه يرق لحالتها المُتعبة من كثرة الأعمال التي يُكلفها بها..ولكن مع أول نبرة حادة او نظرة مُتعالية يسوقه عِناده ليأمرها بالمزيد والمزيد


يذكر جيدًا حينما اشتكت إسلوبه وطريقة سير العمل معه ليُجيبها ببرود وتحدي..

-انا فاكر ان تدريبك معايا على انك عاملة عادية في الشركة مش مفروض اجاملك على انك بنت صاحب الشركة فا أخفف عليكي وشغل الوسايط دا


كعادتها العدائية إنتفخت أوداجها لتقول بحدة مكتومة..

-لا انا عاملة زي اي حد مش محتاج تجاملني..بس كلفني بشغل يستحق اضيع عليه يومي ومجهودي


إكتفى بالتلويح ببرود لتنصرف..وبالفعل إنصرفت بحدة بعدما ألقته بنظر زاجرة..في ذاك الوقت فكر أن تلك الفتاة ماكانت لتكون هنا لولا ان والدها هو صاحب الشركة وأن لها ظهرًا قوي تستند عليه وتعمل بغض النظر عن مهاراتها أوأحقيتها بهذا العمل مادون ذالك لا..وأن صلافتها وجمودها ذاك لتترفع بهم وتتعامل بغرور...وداعم ذاك الغرور إسم الصياد الذي يأتي بعد اسمها


ولكن مع مرور الوقت إكتشف جدها وتفانيها في العمل

العمل عندها رقم واحد ثم يأتي بعده اي شيئ أخر

وجود سيدرا في هذا المنصب ليس لأن المُدير أدم الصياد

بل لأنها فتاة مُجتهدة تُعطي العمل كل وقتها وتركيزها

يُراهن أن سيدرا تلك في وقتٍ قصير سيكون لها شأن عالِ

فالقدر أعطاها المال والمركز والإجتهاد


ورغم إعترافه بإجتهادها وقدرتها على تولي الأعمال

إلا انه يستمتع في إثارة غيظها بجموده وعدم شُكرها على ماتفعله أو أن يثني على ذكائها..بل يُقابلها بكلمته المُعتادة

"هو انتي جبتي الديب من ديله ! "


وأيضًا طلباته المُتكرره وخاصة "القهوة" تُثير جنونها

لذا لا ينفك عن طلبها..سواء كان بحاجة لها أو لا

وخاصة بعدما سمعها تشكو لأحد عبر الهاتف أن مُديرها " المُستفز" يُشعرها وكأنها "صبي قهوة" كلما نظر في وجهها هتف بغلظة " القهوة فين"


وقتها ظل يضحك خلسه من تصويرها للموقف وتقليدها لنبرة صوته الخشنة..وجنت على قومها مراكش..صار يطلبها لتُجن أكثر وأكثر


إستفاق على دخولها لمكتبه وهي تُمسك بعض المُلحظات

وكعادتها واجمة صامتة تطرق بكعبها بحدة وكأنها تود كسر الأرض من تحتها..ليُجعد وجهه ويُردف بجمود مصطنع..

-قهوتي فين


طفح الكيل وفاض لتهتف بعصبية وهي تُلقي الملفات أمامه...

-عند امك2


شخصت عيناه بحدة ليقول..

-نعم


صفعت المكتب بيدها بعنف لتصرخ به..

-عند الست والدتك هي الي تعملك حاجتك ولا عند المدام..انا هنا لشغل يعني أرقام وحسابات ومبيعات وتنفيذ..مش عشان اعملك الكوكيز او القهوة والدونات..مش انا الي هروح أبلغ الموظفين للإجتماع

مش انا الي هبقا مسؤولة عن نضافة مكتبك عشان حضرتك عندك وسواس نضافة وتعقيم..انا سيدرا الصياد


ألقت كلماتها العنيفة وهي تتنفس بصعوبة اثر انفعالها الزائد بينما هو ينظر لها بحدة..ليكتفي بكلمة...

-اطلعي برة شوفي شغلك


أخذت بعض الأنفاس الغاضبة وخرجت كاالعاصفة من مكتبه وهي في أعلى حالات غضبها..بينما طرق موسى على مكتبه وهو يفكر في إنفجارها الغريب

الفصل التاسع والعشرون

.....................................

كانت تخلط مكونات الطعام بعقلٍ شارد، رغم كل محاولاتها للتركيز إلا أنخها تبوء بفشلٍ مخزي، وعقلها يسترجع تلك الدقائق التي قضتها مع رحيم قبل أن يصدمها بطلبه

كانت صدمتها كبيرة وغضبها أكبر، ولم تترجم ذاك الغضب إلا عن طريق تجاهل اتصالاته اليومية، تتجاهل كونه طلب منها ألا تتحاشاه حتى وإن رفضت طلبه

ولكنها لا تستطيع تقبل عرضه، ولا تقبل فكرة الزواج مرة أخرى..!

سابقًا كانت لا تستوعب الانفصال عن ناجي، كانت لا تتخيل أن تعيش دونه ولو ثانية واحدة

ولكن للسخرية ها هي قد انفصلت عنه وتمقته شر المقت

والآن لا تستطيع تخيل أن يأتي رجلاً أخر ويشغل حياتها

لا تتقبل أن تعيش مع ناجي أخر وتعاود كرة العذاب

رغم الاختلاف بين رحيم وناجي إلا أن الاثنان رجال

قلوبهم ملأنه بالأنانية والخيانة

وهي اكتفت من الأنانية التي نخرت عظامها بسبب ناجي

يكفيها أنها فقدت شعور الأمومه بسببه، رغم حنانها وامومتها على رامي إلا أنها حُرمت من طفل يخرج من احشائها، بسبب أنانية ذاك الوغد، وبسبب غبائها وتنازلها الذي فاق الحد الطبيعي3

لا يسقط مؤمن في جحر واحد مرتين

وغبائها لن يتكرر نهائيًا، يكفيها خسارة طفل لم تلده

وسنواتٍ ضاعت هباءًا وقلبً قد كُسر على يد ناجي

استفاقت من شرودها على اتصالٍ منه اخرجها من أفكارها الاتي تدور حوله بالطبع، ولكن ككل محاولاته السابقة أغلقت هاتفها ووضعته في جيب سترتة الطبخ وأكملت مزج المكونات عابسة


ليأتي صوت رامي من خلفها يقول باسمًا...

-الي اعرفه ان الويكا خضرا مش حمرا، البامية عملتلك ايه يامُنمُن عشان تهريها كدا1


انتفضت وهي تنظر لرامي ثم للطبخة التي تفتت من كثرة تقليبها حتى اختفت ملامح البامية تمامًا

شهقت بهلع وهي تغلق النار وتطالع الطبخة بأسى هامسة...

-مخدتش بالي خالص، ااااه هقعد تاني أقمع البامية واحضرها من اول وجديد1


وجدت رامي يربت على صدره بقوة وهو يصرخ كجندي في العسكرية...

-جندي مجند راااامي هيساعدك يافندم2


تشقق ثغرها في ابتسامة خافتة وهي تربت على كتفه، ودقائق لا أكثر وكان رامي يجلس جوارها ممسكًا بسكين صغيرة ويقطع مقدمة البامية بانتباه

وبعد الخامسة صرخت بمزاجٍ حاد وهي ترى البامية بلا رؤوس في صحنه

وطريقته الخاطئة في تقطيعها...

-رامي انت كدا بتبوظها قولتلك بتشيل الحروف بس1


توقف عن تقطيع البامية ووضع سكينه جانبًا وهو يرى مزاجها الغير جيد ابدًا وعيناها الشاردة تحكي انفعال افكارها الصامتة.. تنحنح قبل أن يقول بهدوء..

-ماما انتِ بقالك كام يوم سرحانة ومكشرة

في حاجه شاغلة بالك ومضيقاكِ!

حركت رأسها نافية ولازالت تقطع باندماج، تتشاغل عن سؤاله الذي شرح حالتها منذ لقائها برحيم

ليغمغم رامي وهو يأخذ من يدها السكين والبامية...

-متقوليش لا، أنا عارف انتِ كدا ليه


اشاحت وجهها عنه تقول باقتضاب وتوتر...

-الطلبات كترت والشغل بقا كتير.. حاسة اني مش هعرف اجهز كل الاوردرات الي بتجيلي، عشان كدا تلاقيني مش مركزة شوية و...

قاطعها بنبرة جاده رقيقة وهو يربت على كفها...

-يعني مش عشان طلب الدكتور رحيم!1

شحب وجهها وتحركت له منتبهة تنظر له بصدمة وبعض التوتر وهي تتخيل لحظة جنونه عند استقبال طلب رجل للزواج منها، بالطبع سينفجر غضبه منها ومن ذاك الرجل

المجنون ولكنها دُهشت وهي ترى وجهه الهادئ وابتسامته المتفهمة، وجهه الصافي بمشاعره الصادقة

ليباغتها بالقول...

-أنا بردو توقعت انك تهربي وترفضي، وقولتله انه هيلاقي صعوبة في موافقتك.. بس ياماما فكري كويس قبل ماترفضي او حتى تقبلي1


جعدت جبيها باندهاش وهي تردد بحدة..

-انت موافق على حاجه زي كدا يارامي، وكمان كنت عارف

وافكر في ايه هو موضوع زي دا محتاج تفكير


صمت لدقيقة ثم تنهد يقول بصوتٍ هادئ جاد

وهو يربت على كفها برتابة...

-اهدي بس ياماما واسمعيني، دي حاجه لا حرام ولا عيب دا حقك، واي انسان من حقه يعيش حياته بالشكل الي يسعده، وانا مش هحب تكوني تعيسة

والدكتور رحيم مكلمني من قبل ماتشوفيه في الهايبر

وقولتله انك هترفضي من غير تفكير، وطلب يعرض عليكِ طلبه بنفسه، وأنا وافقت واستنيت انك تحكيلي بس انتِ قررتي الرفض من غير تفكير ولا حتى تقوليلي1


انتهى حديثه ليجد أمنية تنظر له بحزن ودموعها تهبط على وجنتاها بغزارة، لا تصدق أن اسرتها الصغيرة افترقت كقطع بازل، هي وناجي ظلا يحاربان بعضهما، وبالأخير ذهب ليكمل حياته مع زوجته وتركها تشفي اوجاعها بمساعدة ولده

رامي الذي لم يكل منها رغم كل المصاعب التي عاشها بسبب اكتئابها، والتشتت والضياع الذي عاشه بعد انفصالهم

ولكن عقلانيته وهدوئه وهو يقسم وقته بينهم بالتساوي ويؤدي دور الشاب الراشد بينهم انقذ الجميع من حربٍ جديدة هو ضحيتها بالتأكيد

ولكن الآن هل سيتخلى عنها!

يود تزويجها ليتخلص من عبئ حملها عن كتفه

أيود أن يستقر مع والداه وألا يأتيها بعد ضمان تحمل أخر لمسؤليتها... رامي يود التخلي عنها كما الجميع!1

عند ذاك الخاطر انفجرت باكية بقوة وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا برفض، قلبها ينتفض بحزن أم قد ربت صغيرها إلى أن شب وقرر تركها ببقايا ذكرياتٍ ستزيد من ألمها ولن تنقصه

بكائها تحول لعويل وهي تصفع فخذيها بحدة وهو جوارها قد صُدم من ردة فعلها وظل يسألها بقلق وهو يربت على كتفها سريعًا...

-ياماما اهدي بس، والله مااقصد ازعلك كدا

بالعكس أنا شوفت اني هكون اناني لو رفضت او شجعتك على الرفض من غير ماتفكري كويس1


نشيجها المُعذب جعله يربت على ظهرها ببعض الحزن مواسيًا...

-أنا عارف انك بتحبي بابا، ومكانش في خيالك ان يجي اليوم وتتجوزي حد غيره، بس ياأمي دا نصيب

هو اختار حياته بعيد وانتِ كمان من حقك تتجوزي وتختاري حد يعوضك، وبردو من حقك ترفضي وتكملي حياتك بالشكل الي انتِ عايزاه

بس تكمليها وانتِ مبسوطة ياماما، لكن الحاجه الي متأكد منها ان مفيش امل لرجوعك انتِ وبابا

ومش عايزك تظلمي نفسك اكتر بحُبك لِيه


صمت وهو يرى تأثير كلماته عليها وقد خف نشيجها ورفعت وجهها له تنظر له نظرات حزينة حنونة

وتابع بتردد للحظات...

-أنا لولا اصرار الدكتور رحيم مكنتش أكدت عليكِ تفكري، بس أظن انه هيكون شخص كويس معاكِ ويسعدك


تحدثت من بين شهقاتها المنهارة وهي تقول بحزن أقرب للمرارة...

-بس أنا مبعيطش على ابوك، أنا مبقاش جوايا ليه اي ذرة حب واحدة، أنا زهدت في الجواز يارامي

مبقتش عايزة راجل في حياتي، انما انا عيطت لما حسيت انك عايز تخلص مني وتروح تعيش مع ابوك على طول

-ايه الكلام دا يامنمن وايه اخلص منك دي

هو أنا اقدر استغني عنك بردو


أتم كلماته ورفع كفيه يمسح دموعها مبتسمًا باصطناع ويقاوم الحزن في قلبه من بكائها وطلب رحيم

ونقطة ما داخله تتمنى لو تعود حياتهم كما كانت

رجوع والداه لبعضهم وعيشهم سويًا، ولكن المعادلة ستظل ظالمة وستتألم زوجة والده، أو بمعنى أصدق

ستتألم امه الحقيقية ولن يكون سعيدًا لتعاستها

رغم علاقتهم السطحية للغاية

ولكن إن ظلت مع والده.. وتزوجت والدته من الدكتور رحيم سيضمن لها حياة مستقرة مشبعة بالونس

خاصة من بعد ذاك العرض الذي أتاه من اساتذته بالجامعة، لن يستطيع القبول به طالما والدته لا تزال وحيدة محطمة القلب1


خرج عن شروده وربت على كف والدته باسمًا..

-بطلي عياط يامنمن وفكري كويس الأول، وصلي استخارة كمان ولو ارتاحتي تقعدي تتكلمي معاه

لو مرتاحتيش متضغطيش على نفسك، المهم متاخديش قرار تندمي عليه بعدين، أنا هروح أنام بقا عشان عندي محاضرات كتير بكره.2

ثم قبل جبينها ودلف غرفته وهو يتنهد بثقل يود لو تجد طريق سعادتها كما وجده والده بعدما حطم قلبها، يود لو يعوضها رحيم عن الأسى الذي عاشته منذ امدٍ بعيد..

بينما امنية كانت جالسة في محلها تفكر في كلمات رامي التي زادت من تشتتها وداخلها حنق كبير من رحيم الذي عرضهم لذاك الموقف المليئ بالدموع

ولكن ستفي بوعدها لرامي وتجلس مع ذاك الطبيب

وسترفضه بعدها وتصد أي محاولات اخرة منه


***

هبطت رغدة من السيارة فور وقوفها أمام المنزل

تحاول الهروب من اسئلة سلطان واستجوابه الحاد

من وجهه المتهكم كانت تدرك لأي درجة هو غاضب منهم ومن المواقف السخيفة التي تعرض لها على مدار اليوم، ابتداء من رفض حراس قصر الصياد

حينما طلب الدخول والشد والجذب الذي حدث بينهم، وعجرفة زوج ريشة الذي كان ينظر له شزرا وكأنه جاء القصر ليأخذ زوجته منه!

ولم تكن ردة فعله سوى الوجوم والردود الحادة والهدوء المفتعل الذي ظهر عليه


ومازاد الطين بِلة بكاء غزال الذي صاحبهم لساعات

لدرجة أنه كان يكتم جنونه بصعوبة، لقد اخبرها حسن سابقًا أن أخاه مصاب بوسواس الأصوات المتكررة، لا يستطيع الصمود أمام بكاء الأطفال

او صوت الأكل، حتى انه قص عليها حادثة مضحكة لهم.. حينما تلف صنبورهم وبدأت قطرات الماء تهبط برتابة تصدر صوتًا خفيف، وصادف أن سلطان كان في اجازة من خدمته العسكرية

وكان وصل متعبًا في وقتٍ متأخر من الليل، اغتسل وأبدل ملابسه ودلف لينام بعد عشرون يومًا متواصلة في الخدمة الشاقة

ولكن في منتصف اليوم استيقظوا فزعين من صوت الارتطام وحينما اتجهوا نحو الصوت وجدوا سلطان يمسك ادوات التصليح ويعبث في الصنبور بعدم صبر وعصبية تكاد تكون غضبًا من صوت القطرات التي تثير فيه جنونًا لا يطيقه2


ومن يومها ادركوا أن مرض الأصوات عند سلطان لا علاج له، مهما حاول التكيف مع الاصوات التي تغضبه إلا أن لحظات فقط وينتفض بجنون

حتى أن حسن كان يحرص على جعل الاولاد يأكلون بفمٍ مطبق كي لا يصدروا صوتًا ينفر اخاه.

واليوم كانت تراه في السيارة مجعد الوجه ويداه تشتد على عجلة القيادة بعصبية مكتومة يُحسد عليها


تنهدت حينما ارتمت على فراشها بعدما تجاوزت والدة زوجها التي سألتها بقلق عن حال غزال وعن سبب ذهابهم للمشفى احابتها معتذرة رغبتها في النوم واعدة بأنها ستقص عليها كل شيء في الصباح

كادت تدلف قبل أن يأتي سلطان ولكن اوقفتها تقول..

-الولاد صحيوا وفضلوا يعيطوا انك مش هنا

اكلتهم وناموا تاني، وطمني حسن اكيد قلق عليكِ من موبيلك الي اتقفل فجأة


حركت رأسها بطاعة تتجاهل نبرة العتاب في صوت حماتها وتحركت نحو غرفتها سريعًا تلقي جسدها على الفراش وحلقها مختنق بغصة مؤلمة

على حالها وحال صديقتها، وحياتهم التي انقلبت رأسًا على عقب في بضعة أشهر فقط!

ودقائق وسمعت صوت سلطان وهو يلقي التحية على والدته ويتبادل معها حديث قصير مقتضب يسألها عما تحتاجه ثم انسحب للخارج متجهًا لشقته

في الدور العلوي بعدما أبلغ والدته أن اجازته على وشك الانتهاء، وسيعود لسيناء بعد ثلاثة أيام من الآن... وحينما سألته عن غزال اكتفى بقول أنها متعبة قليلة وستصبح بخير عما قريب.

اتجه سلطان نحو شقته التي عاد يشغلها منذ مجيئ زوجة شقيقه، وقد ترك منزل والدته كي تستطيع الأخرى العيش براحة أكبر وألا يضايقها وجوده

ورغم أنه يكره الانتقال من مكان لأخر إلا عودته لشقته بعد عامٍ كامل من أغلاقها فور طلاقه هو ويُسر

كان يريحه ويجعله مرتاح أكثر.. خاصة أنه يميل للهدوء والعزلة، بخلاف شخصية والدته الاجتماعية

والتي لا تنفك عن اقامة العزائم والتجمعات العائلية في غيابه أو اجازته وهذا الأمر لم يكن يريحه نوعًا ما

وخاصة عندما تأتي سلوى شقيقته بالرضاعة هي وأولادها في وقت اجازته، لنقلب هدوئه الي ضجة مزعجة ويتمنى لو تنتهي اجازته فورًا ويعود إلى عمله من جديد، ليتخلص منها ومن أحاديثها التي لا تنضب ابدًا ومن جيش التتار اولادها3


تأوه وهو يرتمي على فراشه وقد تذكر توه أنها أتت من سفرها اليوم وستأتيهم غدًا لتقضي معهم يومان إلى أن يعود زوجها جابر من السفر هو الأخر ويصطحبها إلى منزلهم، وسيقضي أخر ثلاث أيام من اجازته في ضجة وعويل أطفال وصراخها عليهم

واسألتها المتطفلة التي تغرقه بها.

فسلوى مهما زجرها لا تخاف منه، وتأكل عقله بكلماتها المعسولة عن حظها الرائع بكونه اخوها بالرضاعة


ابتسم وهو يتذكرها هي وأولادها وهمس بخفوت..

-هتيجي تبوظ الدنيا، بس وحشتني هي وقرودها الزنانين2


ثم أبدل ملابسه وأغتسل سريعًا وارتمى على فراشه وهو يتأوه من الصداع النصفي الذي يصاحبه منذ عصر اليوم بسبب غزال وبكائها المزعج

اغمض عيناه وهو يكتم شعور الشفقة الذي تلبسه عليها كلما تذكر وجهها الباكِ ورأسها على صدر رغدة

يزعجه أنها فقدت أبواها وجدها ولم يعد لها سوى أقارب من الدرجة الثانية وذاقت شعور الفقد مبكرًا

وهو خير من يعلم مرارة الفقد ولوعته

تنهد وهو يستغفر الله وينقلب على جانبه الأيمن داعيًا الله أن يكون ثمر ذاك الفقد خيرًا لها وعوضًا عن أي ألم عانته بعد موت كل حبيبٍ لها


ثم غفى فورًا بإرهاق ومضى الوقت سريعًا بخلاف أحداث يومه الثقيلة والبطيئة.

لم يستيقظ بعدها سوى على قفز أحدهم على ظهره

وصراخ عالي في اذنه جعله ينتفض بفزع ممزوج بغضب، لتنقلب الطفلة التي كانت تجلس على ظهره ارضًا وهي تتأوه بألم صارخة...

-ايه ياعم حد يصحى كدا1


التفتت لمصدر الصوت وشخصت عيناه بغضب وهو ينظر للطفلة التي لم تنهي سنواتها الستة

وهي تضع يدها على ظهرها وتتأوه بغضب ولكن حالما رأت نظراته الغاضبة انكمشت تهمس برعب...

-انت هتاكلني ولا ايه ياعمو سلطان1


استوعب وجود جميلة ابنة سلوى التي جائت مبكرًا لتفسد يومه من بدايته، زفر بحدة عندما استيقظ بشكلٍ كامل جعل صداع رأسه يزداد وعيناه تنتقل إلى انعكاس ضوء النهار على شباكه وصوت الطفلة يصدح من جديد...

-بتقولك تيتة قوم كفاية نوم ويلا عشان تفطر

وبتقولك ماما اصحى بدل ماتطلع وتقطع ودانك تعمل عليها شوربة ودان ونشربها على الفطار1


نظر للطفلة بحدة للتراجع فورًا وهي تقف سريعًا تقول منطلقة في الحديث كامرأة ثلاثينية شمطاء..

-مقالتش شوربة ودان، أنا هقولهم انك لسه نايم وهي تطلع تتصرف معاك


كادت ترحل ولكن أحكم سلطان على ضفيرتها الطويلة يشدها منها بحنق ويقول بصوتٍ أجش خشن من أثر النوم...

-أنا كام مرة احذرك متنطيش على ظهري زي القرود

وكام مرة انبهك انك بنت ومش مفروض تعملي كدا


التفتت له بنفاذ صبر وتقول بقلة أدب كوالدتها تمامًا...

-وأنا كام مرة اقولك اني مش هبطل أعمل كدا

سيب ضفيرتي مش عشان انت اقرع ياعمو تشدني من شعري كل ماتشوفني، وبعدين هي دي حمدلله على السلامة الي الناس بتقولها.. تؤتؤتؤ، دي مش أخلاق ظابط جيش لأ


تركها سلطان بغيظ لتتحرك بخيلاء وهي تخرج من الغرفة متجهة خارج الشقة وقد سمعها تقول...

-وابقى اقفل بابك كويس بدل مايدخل حرامي يموتك ويخلصنا من زعيقك دا1


فتح فمه بدهشة من تلك المرأة الصغيرة التي لا تنفك عن توبيخه كما لم يفعل أحدٍ من قبل، وللدهشة لا يغضب منها بل يضحك مدهوشًا وقد ذكرته لوهلة بفتاة تشبهها في صلافتها ودلالها المفرط!

***

تنهد وائل وهو يضع البرسيم للحيوانات وينفض يده بتعب وقد انهك جسده من وقت الفجر في الزراعه وعلف الحيوانات وجمع الأغنام مع رضوان إلى أن شعر بجسده يلعنه على ذاك المجهود الذي لا ينتهي

اخرجه صوت الصغير ناصر وهو يقول بحنق...

-ياعم وائل اخلص امي حضرت الفطار وبتقولك شهل قبل ما زينة الغولة تاكله وتاكلنا بعده1


صفعة خفيفة على مؤخرة رأس الصغير كانت اجابة وائل الذي غمغم بهدوء وهو يمسح كفاه في ملابسه الرثة...

-كام مرة اقولك متتكلمش على اختك كدا، لو سمعتك بتقول عليها كدا تاني هقولها وهتاكلك علقة محترمة

تأفأف ناصر وهو يكتف يداه بحنق طفولي وهو يقول بخفوت...

-ماانت كنت بتقول عليها غولة وام رجل مسلوخة

ولا اكمنها بقت تعملك شاي وتجيبهولك الغيط مبقتش عفشة وعيب اقول عليها كدا!

ابتسم وائل وهو يخرج من الحظيرة ويحجب عيناه عن الشمس قائلا بخبث...

-ماانت من ساعة أخر مرة لما سمعتك بتقول كدا فضلت تعيط وتقولها الغريب هو الي قالي كدا وبعتني ياناصر.. واهو أنا بقولك عيب تقول كدا عشان مترميش طولة لسانك عليا


دبدب ناصر قدمه ارضًا وهو يغمغم بغضب..

-لو ضربتني هروح أقول لابويا الحاج يجي يضربها زي ماضربها من كام يوم، وساعتها مش هتقدر تقوم وتضربني


تصنم وائل للحظات والعبوس يغزوه وهو يتذكر منذ أيام حينما جاء عمدة البلدة "والد ناصر وزينة"

وقد قرر زواج زينة بأحد رجاله وبالتحديد غفير عمره يضاعف عمر زينة التي انتفضت ثائرة بجنون ولم تتوانى عن شتمه والصراخ في وجهه معترضة

ليكون مصيرها عصاه التي هبطت على جسدها بقسوة وقد أثار حالة من الذعر في نفس كل من في المنزل ووصل صوت الصراخ لكوخه


انطلق هو ورضوان نحو صراخهم ليجدو العمدة عبدالمنعم يضرب زينة بعصاه وشقيقتها الكبرى زينب تحاول منعه باكية ترجوه أن يتركها.. ووالدتهم تبكِ بضعف تكرر عليه كل الحلف أن يكف عن ضربها كي لا تموت بيده.. وكذالك ناصر الذي اختبئ في أحد الزايا يبكِ بذعر على شقيقته التي تُضرب بعنف أمام اعينهم


بينما زينة تتلقى الضرب بشتائم وصراخٍ عالي وعيناها لا تذرف اي دموع، بل وجهها محتقن بحمرة القهر وصفعاته مرتسمة على وجهها، إلى أن ألقت زينب جسدها على جسد شقيقتها الصغيرة كي تحجب الضربات عنها تحميها من بطش والدهم الظالم

كانت الدماء تغلى في عروق وائب وهو يرى جبروته على نساء ضعيفات وكاد يتدخل ولكن رضوان منعه بصوتٍ منكسر بغزوه الغضب...

-متدخلش انت عشان ميحبسكش


نظر له وائل بغضب وتحدث بحدة يشير لضرباته التي لم تتوقف على زينب وزينة...

-أمال هنسيبه يموتهم، مراتك بتضرب يارضوان وانت مبتدخلش!1

طأطأ رضوان رأسه ارضًا بعجز وو يقول..

-أخر مرة اتدخلت كان هيطلق زينب مني وهيرميني برة البلد.. وحلف يمين عظيم اني لو اتدخلت هيموتها قدامي


اتسعت عيناه حينها ولم يدري بنفسه سوى وهو يندفع يجذب العصا منه ويلقيها جانبًا ويمسك يداه بقوة يمنعه عن ضربهن من جديد

دُهش عبدالمنعم من جرأته وكاد يوبخه ويلقى سبابه القذر على اذنه ولكن وائل كان سريع الغضب قبضته تسبقه دائمًا فلم يدري بنفسه سوى وهو يجذب عبدالمنعم من عبائته بقوة ويصرخ في وجهه بجنون..

-انت لو مخرجتش من هنا هدفنك تحت رجلي

مش هيفرق معايا انك عمدة ولا راجل كبير

احسنلك تمشي بدل مااهزقك قدام عيالك


لطمت والدة زينة على صدرها بهلع وانكمش رضوان بخوف يثير الغيظ ولكن عبدالمنعم كان أكثرهم جبنًا وهو يسحب نفسه يتفوه بأغلظ الايمان بأنه سيدفعه ثمن مافعله توًا.. ومنذ وقتها لم يظهر حولهم لا هو ولا غفره

ولكن في ذاك اليوم وجد زينة تنظر له بجمود ومن بين مشاعر الغضب والخزي والجنون لمع الشكر في عيناها واختفى سريعًا وهي تحاول التحرك لتتأوه بألم ويظهر أن قدمها قد كُسرت وأحد ضلوع ظهرها ايضًا، ناهيك عن وجهها المكدوم وأنفها الذي كان ينزف بشكلٍ مرعب ولكن للغرابة لم تبكِ ولو دمعة واحدة بل ظلت متصلبة


ومنذ ذاك اليوم اختفت خلافاتهم ومشاكساتهم المعتادة ولم يعد يراها خارج المنزل، وحتى إن اجتمع معهم في اوقات الطعام تنظر لصحنها ولا ترفع وجهها له ولو بشكلٍ عارض


استفاق من شروده على كف رضوان وهو يربت على ظهره ويقول بوجوم...

-يلا عشان تاكل الحجة مش راضية تبدء أكل من غيرك


حرك راسه بإيجاب وسار جوار رضوان العابس بسبب غضب خطيبته زينب وقد طال خصامهم، اندفع وائل يقول بخفوت...

-انتوا لسه متصالحتوش!

تنهد رضوان وحرك رأسه نافيًا يقول بوجوم...

-مش راضية تسامحني، وعاملة تقول كلام ملوش لازمة اني لو شوفت حد بيموتها هسيبها واخاف

واني لو بحبها صح هكون حاميها وسندها وهقف قدام جبروت ابوها


عقد وائل حاجباه وقال بإيجاب...

-كلامها صح، انت لو بتحبها هتقف في وش اي حد عشانها، لكن مشكلتك انك بتخاف من ابوها كإنه فرعون، مع انه راجل جبان مياخدش في ايدك ثانية


ركل رضوان الحصى في الأرض وتنهد ساخرًا...

-وانت فاكرني خايف من الراجل دا، أنا خايف علينا من مراته السحارة وابنه المفتري، دول ناس ميعرفوش ربنا، هو هنسى لما هشام وابوه خدوا زينة و..

قطع حديثه لا يستطيع اكماله وهو يتذكر تلك الذكرى البشعة التي حولت حياة زينة لجحيم على الأرض

وتحولت شخصيتها لفتاة عدائية تكره كل من حولها.

تحدث رضوان بوجوم وهو يدلف المنزل...

-انت بقالك شهور هنا وشوف البلد كلها بتشتكي منهم ازاي، دول بيهون عليهم دمهم عندهم استعداد يحولوا حياتنا لمرار احنا في غنى عنه


صمت وائل وعلى وجهه علامات الرفض من مبررات رضوان، وهو يقسم أنه لو محله كان ليفتك بمن يقترب من زوجته، ولن يكتفي بالتفرج كما فعل رضوان

اتجه لداخل المنزل ووجد والدة ناصر تجلس على المائدة الأرضية "الطبلية" وعلى يمينها زينة وجوارها زينب وعلى شمالها ناصر وقد جلس رضوان جوار زينب الواجمة


ألقى السلام بخفوت وجلس جوارهم لتهلل والدة ناصر بترحاب حنون مثلها ومالبثت ان وضعت أمامه مالذ وطاب وكذالك أمام رضوان

حنانها ذاك ذكره بوالدته الحبيبة التي اشتاقها بجنون

طوال الأشهر كان يكتوي بنيران اشتياقه لاسرته

ولكن خزيه وندمه منعاه من الرجوع لهم في الوقت الراهن، وبدأت الأشهر تمر سريعًا وتأقلمه مع البئية المحيطة به يزداد، حتى نسي انه كان يومًا من الحضر، وفضل العيش كمزارع مع رضوان


طال صمتهم ولم يكن يتحدث أحد سوى ناصر الذي كان يثرثر بأحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع

كانوا يضحكوا بخفوت ويكملوا طعامهم بصمت

إلى أن انتهوا وحان وقت كوب الشاي

وقفت والدة ناصر وامسكت كوبها ناظرة لوائل لحظات قبل أن تقول برجاء...

-معلش يابني حنفية المطبخ باظت ورضوان ملوش في السباكة، تعالى بص عليها كدا يمكن تعرف تصلحها


اندفع ناصر يقول بفضول...

-حنفية المطبخ باظت امتى ياما


وكزته زينب بقوة ليتأوه معترضًا.. أما زينة فوقفت متجهة نحو غرفتها المشتركة مع شقيقتها بصمت

وقف وائل واتجه لداخل المنزل مع والدة ناصر ينوي تصليح الصنبور ولكن باغتته ام ناصر بخفوت راجي..

-ليا عندك طلب وسايق عليك النبي ماترفض وتكسر بخاطري


التفت لها وائل وقال سريعًا بأدب لتلك السيدة الحنونة...

-عنيا ليكِ ياام ناصر


تبسمت وربتت على كتفه تذكر الله وتدعو له خير الدعاء قبل أن تقول بنبرة يشوبها الرجاء والبكاء...

-اتجوز بنتي ياوائل اتجوز زينة واحميها من شر ابوها


***

رواية رُد قلبي

الفصل الثلاثون الجزء الأول " نُكرانها "

............................................

كان عُبيده جالسًا في شقته واجم الوجه..مُثقل القلب...وقبضة قاسية تعتصر صدره..منذ موت كامل وحالة غزال غريبة..تتصرف تصرفات تجعله يشك في قواها العقلية..يكاد يصرخ غيظًا منها ومن تصرفاتها الغريبة


سمع صوت الأغاني يصدح مجددًا في شقة كامل بالأسفل ليُغمض عينه بقوة وقد علم أنها عادت تتصرف بغرابة..تتصرف وكأنما كامل لم يمُت ترتدي الألوان الصارخة..وتُشعل الأغاني طوال الليل

وتضحك وتقفز وكأنها فازت باليانصيب

تتصرف و "السكينة سارقاها" على حديث أم عماد


تأوه بتعب وهاتفه يرن بإسم أم عماد..ليعلم أن غزال ارتكبت حماقة جديدة تجعل أم عماد تهاتفه الآن

ليرفع الهاتف ويُجيب بهدوء...

-ايوة ياام عماد


هتفت المدعوة بغضب قائلة...

-والنبي شوفلك صرفة مع الست غزال يااستاذ عُبيده

دي مطلعة هدوم الحج عادل وعايزة تحطهم في شنط سفر


صمت عُبيده لثوان قبل أن يقول بصوتٍ مختنق..

-انا نازلكم ياام عماد


أغلق الهاتف وهبط دور ليصل لشقة كامل..ليسمع صوت الموسيقى بشكلٍ أوضح حتى انها كانت موسيقى شعبية..كاد يطرق الباب ولكن فتحته ام عماد بملامح غاضبة وحزينة لتقول..

-اتفضل

دلف ليقول بتساؤل..

- هي فين..!


-في اوضة الحج الله يرحمة، بتقول بتجمعله هدومه عشان لما يرجع من الشغل يسافر


همهم عُبيده ودلف لها ليجدها تجمع ملابس الراحل بإنتباه وهي تُردد كلمات الأغنية بإندماج..ليتجه الى مُشغل الموسيقى ويغلقه لتلتفت له بوجوم وقد ظنته أم عماد...ولكن حالما رأته انفرجت اساريرها لتتجه له وتُلقي بنفسها بين ذراعيه بقوة هاتفة...

-عبوده


ارتبك من تلامسهم الجسدي ليقول وهو يُبعدها..

-بتعملي ايه ياغزال !


إبتعدت عنه بمضض لتقول..

-بحضر شنطة هدوم بابا عشان لما يجي من الشغل نسافر على طول..وجهزت شنطتي انا كمان


حدق عُبيده بوجهها بتردد وهو يحاول أن يستشف أي خداع او كذب على وجهها..ولكن لا أثر إلا لضيقها وصدقها..إذا كلام الطبيب صحيح..غزال تحاول نُكران موت كامل وتتعايش على هذا النكران


ليتنهد قبل أن يقول برفق...

-طب سيبي الشنطة دي وتعالي نتكلم بره عشان ميصحش وجودنا هنا


كادت تتحرك كعه ولكن استوقفته هاتفة...

-لا استنى ..قولي مش ملاحظ فيا حاجة !


نظر لها عُبيده بصبر وتفحص هيأتها مُرغمًا

وكالعادة كانت شديدة الفتنة في ثوب من أثوابها الرائعة..ثوب باللون الأصفر وتتوسطة زهور عباد الشمس ويلتصق بجسدها ليُبرز فتنتها المُغرية


ليشيح بنظرة هاربًا ليقول..

-اه ملاحظ فستانك جميل ياغزال..يلا بينا بقا


اتسعت بسمتها وهي تتبعه للخارج..ولكنها امسكت بكفه بقوة..لينظر لها بحدة ذابت بعد لحظات وهو يُذكر نفسه أنها ليست بوعيها


جلست غزال على الأريكة لتقول باسمة...

،-تعالى يلا نقعد هنا


جلس عُبيده أمامها وحدق بوجهها المُشرق للحظات

ولكن لم يفوته الحزن الساكن بعيناها..رغم كل تصرفاتها ونكرانها لموت كامل..إلا أن روحها تعكس ما تشعر على زجاجتي عيناها


شرد في الأحداث الماضية وما جعل غزال تصل لتلك النقطة من التيهه والنُكران


قف عن فراشه وسار نحو المطبخ ليفتح المُبرد ويشرب الماء البارد كعادة قديمة له..يشرب الماء البارد في كل فصول السنة..ولكن ماهي سوى لحظات ليسمع صُراخ عالٍ أفزع البناية بأكملها..وماكان هذا سوى صراخ...غزال


صرخة جعلته يهرع للأسفل حيث شقتهم وهاجس داخلة يخبره أن الأمر مُرتبط بذاك الحلم الذي رآها تجرح يدها به

وجد تجمع بعض الجيران عند الباب أثر صرختها تلك..توالت الطرقات على الباب بإلحاح كي تفتح لهم ويعلموا سبب صُراخها وبُكائها العالي الذي يصلهم الآن


لتفتح العاملة أم عماد بملامح شاحبة والدموع على وجهها

لتهمس بإختناق للواقفين...

-الحج كامل قابل وجه كريم..الله يرحمه


شحب وجه عُبيده وسارع بالدخول متجاهلاً همهمات الجيران..ودلف سريعًا للغرفة التي بها غزال وكامل

هاله هيأتها وهي تحتضن رأس كامل لصدرها وتبكي بقهر

وجسد كامل مُستكين هادئ كما لم يراه من قبل


تأثر من بُكائها الهيستيري وهي ترتجف وتُقبل رأسه لاهثة بألم وتشهق بعنف ويكاد صدرها يخرج من موضعه

ليقترب منها ويحاول إبعادها عن جسد المتوفي قائلا بصوتٍ مُتحشرج...

-غزال سبيه واطلعي


زاد صراخها وتشبثها به..لا لن تستطيع تركه..لن تتركه يذهب..لن تصير وحيدة بعده..لن تتحمل ذهابه عنها

تحتاجه..تحتاج الجلوس معه تحتاج دلاله حينما يهتف بإسمها "غزالتي" تحتاج أن ترتمي على صدره ويحاوطها بيده


جربت ان ترتمي بين ذراعيه وهي تشهق بجنون

ستحاوطه بقوة ولن تُفلته حتى يبادلها العناق

ستشبث به مثلما كانت تفعل وهي صغيرة

سيحاوطها الآن ويقول لها أن كل شيئ على مايرام

نعم جدها كامل لن يتركها..سيعانقها الآن..في هذة اللحظة

كانت تهتف لنفسها بهيستيريا وبكاء تحت نظرات عُبيده الذي يُطالعها بإشفاق ويراها تحتمي في ذراعين كامل وتحاول رفعهم ليحاوطها..ولكن جسده المُستكين لا يساعدها..


صرخة مجروحة فلتت منها وهى ترى خالد قد دلف للغرفة مهرولاً ويرتمي تحت قدم كامل باكيًا بألم

الآن فقط أدركت أن جدها قد فارق الحياة

لتهتف بلوعة باكية...

-خاالد..جدي ياخالد


رفع خالد عيناه لها يُطالعها بعذاب..شعوره كان صحيح..كامل كان يودعهم في الأيام السابقة..كان يجهز لرحيله عنهم..كان يعلم انه سيفارق الحياة..خاصة بعد توصيته على غزال


ولكن في هذة اللحظة يشعر وكأن قلبه سيتفجر من الحزن كمدًا عليه..هو أبًا ومُعلمًا وأقرب الأقربين له

هو من رباه بصبر الأباء...وحرص على تعليمه قواعد الحياة..هو ذو الفضل في حياته..فراقه ليس بالهين أبدًا


وقفت غزال والتفت حول الفراش تتشبث به بضياع هاتفة...

-الست الخرفانة بتقول انه مات ياخالد

والنبي فوقه خليه يصحى


أعتصر خالد عيناه وقبض على كفيه بقوة كي لا يُعانقها تحت يده مواسيًا..حركة بسيطة لم يغفل عنها عُبيده الذي عقد حاجبيه بدهشة داخليه من موقفها

تجاهلته بالكامل واتجهت لخالد تُخبره مصابها !


حاول تجاهل الأمر وحدق بملابسها لثوان وهو يدرك الكارثة بدأ الجيران يتوافدون للغرفة يحدقوا بجسد كامل المتوفي..بينما هي تقف أمام خالد تُمسك بقميصه وتبكي..ورداء النوم يلتصق بجسدها بطريقة جعلت الدماء تفور في جسده


ليتجه لها ويجذبها بهدوء قائلا لأم عماد الباكية..

-خديها الأوضة اغسليلها وشها..وغيري هدومها


اقتربت منها أم عماد لتُمسك يدها بلطف وتربت على كتفها لتستجيب حينما سمعت عُبيده يقول بخفوت..

-روحي معاها ياغزال وانا هجس نبضه


كان يعلم أن كامل توفى..بل مُتأكد من موته

ولكنه أراد ان يعطيها بعض الأمل حتى ولو كاذب

وتعلقت بكذبته وهي تنظر له برجاءٍ صارخ..أرجوك تخبرني انه على قيد الحياة


التقط رجائها وهو يحرك رأسه بصمت ويشير لها ان تخرج من الغرفة ..يكفيها ماطالته من نظرات الجيران


ليجلس بعد خروجها جوار كامل ويجس نبضة ليتأكد من حالته..ليتأكد من أن روحه الطاهرة صعدت لخالقها..ليتنهد وهو ينطق الشاهدتين ويُغلق عيناه بيده ويُمرر يده على وجهه قائلا بصوتٍ حزين مسموع...

-إنا لله وإنا اليه راجعون..لله مااعطى ولله ماأخذ


ليُردد الجيران خلفه..بينما خالد لازال يُطالع جسد كامل بألم ودموع وطعم اليُتم مُر كالعلقم في حلقه

يود لو يجلس على رُكبتيه ويصرخ باكيًا..ولكن تذكر حينما كان يقول له بصبر..

"استقبل قدر ربنا بصبر..ودايما قول إنا لله وإنا اليه راجعون"


ليُغمض عيناه مُتمتما بألم وحلقٍ جاف..

-إنا لله وإنا اليه راجعون

                              ***

رواية رُد قلبي

الفصل الثلاثون  الجزء التاني" حُزنها "

............................................


رُد قلبي..ليست مُجرد جُملة تُنطق بدافع الحب او الحزن

بل هي جُملة تحمل لوعة الحب الحزين

ورجاء يتأرجح بين الكبرياء وضعف الروح لفقد القلب

رُد قلبي تُمثل كلمة أم كلثوم " أعطني حُريتي وأطلق يدايّ"


.......

ذابلة وحزينة..هى الكلمة المُناسبة لحالة ريشة مُنذ وفاة كامل..الرجل الذي رباها وأعطاها حُبه وحنانه..ولم يكن غليظ أو خبيث ..بل كان أرحم من ذو الأرحام

إختفائه من حياتها جعلها يتيمة من جديد..وكأن اليُتم كُتب عليها دائما..وكأن لوعة الفقد تأبىٰ فراقها


شهقت باكية تدفن وجهها في وسادتها الناعمة وتكتم بكائها بها..كما إعتادت كل ليلة..تقرأ الفاتحة لكامل ثم تنخرط في بُكاء مكتوم كي لا يسمعها زوجها..


توقفت عند هذة الجملة وهي تُكرر بدهشة ..زوجها !!

هل حقًا باتت تعتبر شَريف زوجها !

أتراها اعتبرته ذالك حينما عانقها مواسيًا وصار يهدهدها كالطفل حتى تنام وتكف عن البُكاء !

أو عندما إنهارت باكية أمام قبر كامل وسقطت على رُكبتيها بأسى وهي تحاول عدم تصديق وفاة كامل

ليتلقفها هو بين ذراعية مُتمتما بمواساة كانت حنونة


قطع سيل أفكارها ودموعها يده التي إلتفت حول خصرها وجذبتها نحوه..كان عناقه لها حازم وحنون..كيف يستطيع نشأ هذا التضاد !1


أجبرها على الإلتفات له لتنظر لملامحه المليحة

وتحاول مسح دموعها التي إعتاد رؤيتها بهم

شد ساعده حولها مواسيًا رغم تلك النظرة الناعسة في عيناه وتُنبئ عن حاجته للنوم بعد يوم عمل طويل

أشاحت عيناها عن وجهه القريب منها وحاولت تنظيم شهقاتها الباكية


ليقول بخفوت أجش..

-عارفة ليه مبقولكيش تبطلي عياط وبسيبك تعيطي

رفعت عيناها الذابلة له ونظرت له بإنكسار دون نطق

ولكنه علم أنها تنتظر إجابتة..ليقول مُتابعًا..

-لانك لازم تدي كل حاجة حقها..حتى الحزن

لازم تعيطي وتحزني على عم كامل لحد ماالأيام تعدي وتنسيكِ حزنه أو تخففه شوية..هو في حد بيفضل طول عمره حزين !


"هو في حد بيفضل طول عمره حزين"

كررت السؤال في عقلها وزاغت عيناها تبحث عن إجابة

مرت سنوات عمرها العشرون أمام عيناها في لمح البصر

عملها خادمة تُساعد والدتها وهى إبنة التسع سنوات

ثم موت والدتها وبقائها خادمة في منزل كامل


ثم محاولة إغتصابها من ذاك الحقير من أقاربها

ولوم جدتها حينما فكرت أن ينال عقابه


تنمر غزال عليها ومعاملتها بدونية

خطبة الرجل الذي أحبته..والذي لم يتوقف عن التلميح لها بإعجابه بها..ثم..ثم زواجها من ذاك الرجل بارد الدماء..مُتجمد القلب الذي عاملها وكأنها شيئ من مُمتلكاته وبخسها حقها في المشاعر الطيبة

ومعاملة أخواته لها ونظرتهم العنصرية لها لفقرها وبُعد طبقاتهم الإجتماعية..ثم موت كامل


اليست كل تلك الأحداث إجابة على سؤاله..!

هي بالطبع عاشت عمرها حزينة ومُشتتة..هى لم تجد ملاذ لها أو مايُخفف من حدة الحياة حولها

كانت ريشة تدوسها الأقدام حتى إختفت نعومتها ولم يبقى سوى الألم فقط


كان يُتابع عيناها الزائعة وشرودها في سؤاله

من المفترض أن تحرك رأسها نافية كإجابة على سؤاله

ولكنها صمتت..وشردت بحزن


لتصله إجابتها المُتحشرجة بألم الماضي..

-ايوة في


رفع حاجبه ونظر لها مُتسائلاً..لتقول بصوتٍ باكِ..

-انا عيشت عمري كله حزينة..ومعنديش شك ان الي هعيشه مش هيكون أحسن من الي فات


اتسعت عيناه بتفاجؤ من طاقتها السلبية ليعتدل في نومته ويمد يده للإنارة الخافتة جوار الفراش..ليعم النور الأصفر الذهبي ليري ملامحها الذابلة بوضوح ليقول..

-ليه الطاقة السلبية دي..الموت صدمته بتنزل كبيرة وبيصغر..ليه بتحكمي على حياتك الي جاية بالبؤس دا


أشاحت بعيناها عنه ودمعة ساخنة فرت من عيناها لتهزأ بكلماته الواهية..ويسأل لِما البؤس !

هو من أول المُتهمين في حياتها..ماالفرق بينه وبين غزال أو ضياء..هو أفسد مابقى منها مثلما فعلت غزال بتنمرها عليها..ومثلما فعل ضياء بتركه لها وخطبة أخرى..مالفرق بالضبط


خرج صوتها خافت خاوي ومجروح..

-انت تعرف ايه عن البؤس عشان تتكلم عليه !

تعرف ايه عن الطاقة السلبية ....أو بمعني أصح تعرف ايه عن حياتي


زم شفتيه ليقول بنبرة هادئة..

-عارف كل دا..عارف البؤس وجرب الطاقة السلبية

وعارف كل حاجة عن حياتك ياريشة


-متأكد !

خرجت منها مُتشككة لا..بل هازئة

لتعتدل في الفراش وتحدق به بملامحها المُتعبة وعيناها التي انتفخت والخطوط السوداء أسفلها


شعر ببوادر إنفجار منها..يشعر بعظم الألم التي تصرخ به ملامحها الهادئة..ليقول مسايرًا لها..

-متأكد من ايه بالظبط


-من كلامك الي ملوش وجود دا

خرجت كلماتها هذة المرة جافة وحادة ودموعها تتوالى ليتنهد قائلا..

-انتي لسه صغيرة ياريشة..كل الي فات في حياتك دا لعب عيال ملوش لازمة، مش عشان عب يائس مريتي بيه هتحسي ان عمرك كله حزين..عبر الحياة لسه قدام..و..


قاطعته بحرقة وهي تهتف..

-لعب عيال..انت مين عشان تحكم على الي عدا في حياتي بالإستهتار دا..قولي انت مين


قالت عبارتها الأخيرة وهي تضرب صدره بقبضتها المتكورة في وضع اللكم..ليتفاضى شَريف عن تلك الحركة المُهينة ليقول..

-نامي ياريشة..وبكرة هتفكري في كلامي وتلاقي ان عندي حق


حاول أن يمدد جسده من جديد ولكن جذبته بحدة صارخة ببكاء..

-قوم قولي انت مين عشان تحكم ان حياتي لعب عيال..تعرف ايه عن لعب العيال أصلا


هتف شَريف بضيق وهو يحاول تمالك أعصابه..

-وطي صوتك ياريشة ونامي


نوبة جنون إجتاحتها لتصرخ بجنون..

-مش قبل ماتجاوبني وايه فكرة واحد زيك عن الحياة الي عيشتها


هتف بحدة..

-ايه واحد زيي دي..انتي اتجننتي


صرخت بوجهه وعميت عيناها عن الواقع..

-اه واحد زيك..كبرت عندك أب وأم واخوات..بس انا كبرت وحيدة..معنديش لا أب ولا أخوات وامي ماتت وانا لسه عيلة..واحد زيك دخل مدارس واتعلم للأخر بس انا كان اخري مدرسة حكومي كانوا بينادوني فيها  الخدامة بنت الخدامة..عارف يعني ايه تعيش متهان بحاجة ملكش دخل فيها..رد عليا عاارف


كانت تصرخ وتضرب على صدره وكتفه بحدة بينما هو كان ينظر لها بوجوم لتتابع..

-طبعا مش عارف..طب عارف أحساس انك تورث الخدمة كمان..انا ورثتها عن امي وكنت خدامة في بيت الراجل الي رباني..كل البنات الي قدي بيخرجوا ويتمتعوا بحنان أهلهم في الوقت الي كنت انا بغسل وبنضف وبمسح


عارف يعني ايه حد يشتري ويبيع فيك ويفكرك في كل وقت بمقامك عنده..فاهم يعني ايه تتهان كل دقيقة في عمرك..


شعر بشفقة عليها رغم غضبه ليقول بهدوء يحاول إمتصاص غضبها وهياجها ليقول..

-انا حاسس بيكي..


قاطعتة نافية بقوة ولازالت الدموع تجري على وجهها..

-متقولش حاسس بيا..متكدبش انا عمر ماحد حس بالي فيا..انت لو حسيت بيا مكنتش أذيتني

انت كنت عارف اني مجروحة بعد خطوبة ضياء ورغم كدا كملت على جرحي أكتر..متقولش حاسس بيا وانت مش فاهم النار الي جوايا وانا شايفة نفسي في مكان مش مكاني ولا مع ناس هما ناسي


ولا فراق أحب الناس ليا..فراق سندي في الدنيا

آخر سند ليا وبعده خلاص وقعت..انت زيك وي غزال وضياء وبندق وستي..زيك زيهم..كسرت فيا وبس

متواسينيش على شعور انت ضمن أسبابه


لتُكمل بشراسة وهي تود جرحه بأي شكلٍ ممكن لتقول...

- وبعدين أنت أخر واحد في الدنيا تحكم على حياة حد..عارف ليه ..عشان انت مجرد راجل تافه..عاش حياته بيحارب هوا..وبيتمرد على الفاضي..في الوقت الي كنت انا بتمنى في أب ولو لمدة ساعة انت كان عندك أبوك كنت بتتمرد عليه وبتعامله بطريقة تافهه زيك بالظبط


في الوقت الي مفروض تكون أنت سنده وضهره

كنت جبان بتهرب من مسؤلياتك..واتمنيت اكون أنا بنته عشان أعوضه طريقتك الغبية


اقولك مين الي عاش عمره كله في لعب عيال

هو انت..تقدر تقولي مشكلتك ايه ولا فين !

تقدر تقولي انت عايز ايه اصلاً في حياتك ولا بتحقق ايه..بردو ولا أي حاجة

اسألك سؤال كمان ملوش إجابة..او بمعنى أصح إجابته تافهه..اتجوزتني ليه أصلا


رفع يده ليصفعها ولكنها خبأت وجهها بين كفيها

ليشحب وجهه وهو يسمع إتهامتها القاسية

وإهانتها له ولإفكاره..ذاك الحقد الذي يقطر من كلماتها كالسُم قاتل وهي تُلقي الكلمات بوجهه..وتتهمه بما لم يقترفه


أنه جزء ممن دمروا سعادتها..تقرن اسمه بتلك الفتاة التي تعاملها بسوء وترفع

تقارنة ببندق الحقير الذي كاد يغتصبها بوحشية

ونجت من تحت يده بإعجوبة !

تقارنة بضياء ذاك الوضيع الذي عشم قلبها بالحب ثم تركها واتخذ خليلة تليق به !

مالذي فعله معها..أين الخطأ فيما حدث بينهم

قطع شروده وبكائها تلك الطرقات العالية على باب جناحهم ليسمع صوت جودي القلق وهي تقول..

-افتح ياشَريف

وقف عن الفراش بخواء وهو يرى جسد ريشة ينتفض من البكاء وتضع يدها على وجهها تُكمل بكائها العنيف الذي يُنافس كلماتها الحارقة


فتح الباب لجودي ليرى وجهها ونظراتها القلقة محو ريشة..ليعلم انها بالتأكيد سمعت صراخ ريشة وكلماتها الحادة كالسكين


لتتجه لها سريعًا وتحاوط كتفها بمواساة قائلة..

-تعالي ياريشة..تعالي نامي معايا انهاردة


إبتعدت ريشة عنها بإنهيار هاتفة..

-سيبيني في حالي


تقبلت جودي زجرها الفظ لها لتقول بتسامح..

-طب اهدي بس..تعالي معايا عشان تهدي الشوية

ممكن الجو هنا خانقك تعالي غيري مكان


وقفت ريشة معها وهي كارهة نظرة الشفقة بعيون جودي..ونظرات الغضب في عيون شَريف الذي وقف جوار الباب يطالعها بصمت وغضب وعتب..ونظرة مجروحة..لا تدري لما الحق يُغضب ويُفجر العتب..أليست تلك الحقيقة

هل اتهمته بما ليس فيه !2


سارت مع جودي لخارج الجناح وهي تتحاشى النظر لوجهه المحتقن غضبًا..بينما هو يقف في مكانه ونبضات قلبه تتسارع بحدة..والطرق يزداد صداه في صدره وكلماتها تتردد في عقله بلا رحمة


"تقدر تقولي مشكلتك ايه ولا فين !

تقدر تقولي انت عايز ايه اصلاً في حياتك ولا بتحقق ايه..بردو ولا أي حاجة

اسألك سؤال كمان ملوش إجابة..او بمعنى أصح إجابته تافهه..اتجوزتني ليه أصلا"


صارت كلماتها تُعاد في عقله وكأنها شريط مُبرمج على الإعادة..ليقضي مابقى من تلك الليلة الكارثية وهو يحدق بالسقف وصامت كاظمًا لغضبه

بينما هي كانت نائمة جوار جودي التي تضع يدها على رأسها وتُتمتم بأيات من الذكر الحكيم كي تهدأ وتنام جوار شقيقة زوجها التي إهانته للتو..جوار جودي..التي لم تقل إنطفاء أو ذبول عنها .

                                ***

تكملة الرواية من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close