القائمة الرئيسية

الصفحات

أحببت فريستي الفصل السادس والعشرون حتي الفصل الثلاثون بقلم بسمه مجدي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


أحببت فريستي

الفصل السادس والعشرون حتي الفصل الثلاثون

بقلم بسمه مجدي

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


 _ _ حطام  _

 _ 26 _


زادت تلك الجلبة الرعب الي قلبها لتجد الأطباء يهرعون الي غرفته لتسد طريق أحدهم وتجذبه من مقدمة قمصيه الأبيض الطبي قائلة بقسوة وتهديد يناقض الدموع التي تنساب علي صفحة وجهها :


- المريض الي جوا ده لو حصله حاجة أنا هطربق المستشفى علي دماغكم وأجيب عاليها واطيها كلامي واضح ؟!!


اومأ لها الطبيب بمهادنة فبحالتها تلك تبدو غير طبيعية وعلي أتم استعداد لزهق روح من يقف بطريقها! لتدفعه بارتجاف ، وتعاود الجلوس برعب يتأكلها وجسدها يهتز بصورة مخيفة! لتنهض وتطرق باب العمليات صارخة بعصبية مفرطة :


- افتحوا الباب ده ! داني لازم يعيش وديني لقتلكم لو حصله حاجة ! 


اقترب حارس المشفى ليقول برسمية :

- لو سمحتي يا فندم مينفعش الي بتعمليه ده ابعدي عن أوضة العمليات الصوت العالي ده غلط علي المرضي ! 

لكمته بعنف ليقترب حارس أخر فتنهال عليه بلكمات عنيفة وكأنها تفرغ طاقتها به لتلتف نحو غرفة العمليات وتركل الباب بقوة لينفتح وتهرع للداخل لتجده ممد بجسد شاحب والأطباء من حوله لم تستمع لصرخات الطبيب الذي صاح باستنكار :

- ايه التهريج ده ؟ ازاي تدخلي أوضة العمليات كده ؟ الامن فين ؟! 


- اقترب الطبيب ليمنعها لتلكمه وتدفعه جانباً لتقترب من الفراش وتهز جسده بانفعال :


- داني ! افق ! انا لن اسمح لك بتركي من تظن نفسك  ؟! أيها الوغد اللعين لقد وعدتني بالا أفقد اماني ابداً اين وعدك واللعنة ! 


صرخت بصوت جريح حين تكابل عليها الممرضين ليضعوها أرضاً ويثبتوها لتصرخ بحرقة :


- وديني لأقتلكم يا *** سيبوني ! ابعدوا عني ! داااااانيال ! 


صرخت بصوت دوي في أرجاء المشفى ليغرز أحد الأطباء حقنة مهدئة في ذراعها لتضعف قوتها وما هي الا ثواني لتغمض عيناها وترتمي فاقدة للوعي إجبارياً ! ليتنفس الجميع الصعداء فتلك الفتاة حقاً بها شراسه لم يراها أحد من قبل ليهتف الطبيب بتعب :


- انهيار عصبي حاد ! دي كانت هتجيب أجلنا ايه الأنثى المتوحشة دي ! 


حملها الممرضون ليتجهوا بها الي أحد الغرفة ليلتفت الطبيب الي المريض الذي كانت تصرخ من أجله ويتأكد من مؤشراته الحيوية ليخرج من الغرفة ويتجه لمكتبه ويستريح بإنهاك لتقطع هدوءه تساؤل احدى الممرضات :


- معلش يا دكتور هي الحالة الي في العمليات دي استقرت ولا لسه تحت الخطر ؟ 


أجابها بتعب :


- يا ستي مكانش في خطر أصلاً ! المريض كان عنده صدمة شديدة وكان ممكن يوصل لأزمة قلبية بس لحقناه لأنه جه في الوقت المناسب ! 

قطبت جبينها باستغراب :


- الله ، طب ازاي يا دكتور دي المستشفى كانت مقلوبة ودكاترة المستشفى كلهم دخلوا العمليات علشان الحالة دي ! 


ليرد بملل :


- اصل اتضح ان المريض ده أجنبي ! ولو كان حصله حاجة كانت المستشفى هتتقفل فيها وكلنا هيتسحب مننا كارنيه مزاولة المهنة ونعد في البيت ! 


اومأت باستيعاب لتخرج وتقابل مجموعة من الممرضات صديقاتها لتسرد لهم كل ما اخبرها به الطبيب كعادتهم لتشهق احداهم بخوف قائلة :

- يا نصيبتي ! دانا افتكرت ان الحالة خطيرة والراجل بيودع وطلعت قولت كده للبت المفترسة الي كانت قاعدة برا وبعديها نزلت في الكل تلطيش وجالها انهيار عصبي دانا كده روحت في داهية !


لتجيب احداهم بخبث :


- يااختي ولا داهية ولا حاجة البت كانت عندها انهيار عصبي اكيد ماخدتش بالها من شكلك ، انتي بس روحي دلوقتي ومتجيش بكره احتياطي !


 أومأت لتتجه لغرفة الممرضات غير عابئة بما فعلته كلماتها المعدودة بقلب تلك الراقدة لا حول لها ولا قوة... 


           *****


- ايه الهزار السخيف ده !


هتف بها "يوسف" بنبرة شبه غاضبة ليصدم بضحكتها الساخرة قائلة بتهكم :

- الله وانت من امتي بتتكلم جد يا چو ؟ ما حياتنا كلها هزار ! 


قطب جبينه من حالتها الغريبة ليقول باستغراب :


- انتي ازاي تكلميني بالأسلوب ده ؟ 


وصلته اجابتها ساخرة :


- من عاشر القوم يا يوسف باشا ! 

امسك رسغها قائلاً من بين أسنانه بتحذير :


- اتعدلي وانت بتكلميني ! وخليكي واضحة وفهميني في ايه ؟ وايه الي مغيرك كده ؟! 


سحبت رسغها بعنف لتقول بابتسامة زائفة :


- السنة خلصت ! 


- مش فاهم ؟ 


- السنة ! انت مش كنت عامل حسابك علي سنة ؟ وبعدها ترميني رمية الكلاب ؟ انا حبيت اريحك واديني بقولك طلقني ! وبالنسبة لفلوس الفرح وشهر العسل انا مستعدة اديهالك شوف ليك كام ونتحاسب ! 


انقبض قلبه بقوة ليقول بتوتر :


- فلوس ايه وطلاق ايه ؟ جبتي منين الكلام ده ؟! 


انسابت دموعها لتهمس بألم وعيناها تتوسل له ان ينفي ما تقوله :


- اتجوزتني سنة علشان تنبسط وبعدها تطلقني وكنت بتحطلي حبوب منع الحمل من ورايا علشان مجبش عيل والبسك في جوازة دايمة ! ده الكلام الي عرفته...قول انه كدب وانه محصلش وانا هصدقك ! قول ان حياتنا مكانتش مجرد تسلية ! 


نظر لها بضعف وعيناه يكسوها الالم ليهمس بتردد :

- أنا...ميرا... 


قاطعته بتوسل :


- حصل ولا محصلش يا يوسف ؟


ليردف بحروف عبرت من منتصف قلبه قبل أن تصل لمنتصف قلبها! :


- كل الي قولتيه حصل ! بس والله انا...اتغيرت ولغيت فكرة الطلاق من دماغي وبطلت احطلك الحبوب دي من زمان ! 


أخفت انهياراً وشيكاً لتستعيد قناع القوة والجمود قائلة بنبرة مختنقة :


- تمام...انا هرجع شقتي القديمة وشوف هتبقي فاضي امتي علشان نروح للمأذون ونتمم اجراءات الطلاق ! 


جذبها ليضمها بين ذراعيه ويتشبث بها هامساً بألم :


- والله بحبك واتغيرت متسبنيش يا ميرا ! هعملك الي انتي عايزاه بس بلاش طلاق ! 

ابعدته بارتجاف وهي تقول بضعف وكأنها لم تسمعه :


- ارمي يمين الطلاق ! مهما كان احنا بينا عشرة وانت وقفت جمبي كتير فبلاش تخليني ألجأ للمحاكم انا مش عايزة اقف قصادك في محكمة يا يوسف ! 


- بحبك ! 


- متخلنيش اكرهك اكتر من كده !


- كانت غلطة ! 


- الحاجة الوحيدة الي كانت غلطة هي جوازنا وهنصلحها دلوقتي!  


التقت عيناهم بلقاء ابلغ من الكلام كأنها تعاتبه علي كسرها وخداعها وعيناه تعتذر بصمت وتقسم بعشقه! لتهمس بخفوت متوسل :


- أرجوك طلقني ! متجبرنيش اعمل حاجة اندم عليها ! 


اغمض عيناه ليهمس بضعف وكأن روحه تخرج برفقة تلك الكلمة :


- انتي...طالق ! 


         *****

تسللت أشعة الشمس الي الغرفة لتقشع الظلام فيعبس كلاهما بانزعاج ويتململا بضيق ، وما كادت تفتح عيناها لتنفض صارخة :


- نهار ابوك اسود انا بقيت هنا ازاي كده ؟!


كان يعلم انها تقصد كيف اتت بين ذراعيه ليقول بنعاس :


- بعيداً عن انتي الي جيتي نمتي هنا وفي حضني كمان لان انا مجبتكيش...انا بس عايز اعرف انتي اخت يوسف الحديدي بجد ؟! طب محدش خد باله انك ناقصة تربية ؟!


استشاطت غضباً لترد بتوتر غاضب :


-  لو سمحت عيب كده ! انا...انا جيت فعلاً بس كنت نايمة بعيد...و...


ابتسم لملامحها الطفولية بوجهها الأحمر من الغضب والحرج معاً! ليقول بدعابة :


- طب يلا خلينا نروح زمان امي عاملة مناحة دلوقتي ! 


عبست ملامحها لتردف بقلق :


- انا بردو سايبة يزن ومازن مع الشغالة وزمانهم خايفين ! 


طمأنها بلطف :


- متقلقيش الاقي بس حتة فيها شبكة وهعرف اجيب حد يطلعنا من هنا ! 


           *****

فتح جفونه بضعف ليري نفسه بغرفة بيضاء وجهاز التنفس الصناعي علي وجهه ليرفعه بتعب وينادي الممرضة بضعف قائلاً :


- منذ...منذ متي وانا هنا ؟ 


قطبت جبينها لتهتف في نفسها بحسرة :

- العلام حلو بردو مش كنت فهمت قال ايه وطلعتلي بقرشين حلوين جتنا نيلة في حظنا الهباب !


لتخرج من الغرفة وتطلب له احد الأطباء الذي جاء وبدا في تفحص اجهزته الحيوية قائلاً بابتسامة :


- بماذا تشعر سيد دانيال ؟! 


رد بتقطع من بين انفاسه التي تخرج بصعوبة :


- أشعر...بـألم طفيف في قلبي...ماذا حدث ؟


اجابه بهدوء :


- لقد اوشكت علي الاصابة بأزمة قلبية لكن حمدلله انت الان بخير ويمكنك الخروج بعد بضع أيام... 


تذكر ما حدث بالأمس وما علمة عن وفاة والده ليومأ بضعف وحزن عاد يحتل عيناه ليعود ويضع قناع الاكسجين لينتبه لحديث الطبيب :


- بالمناسبة...هناك فتاة اتت امس برفقتك...لا يمكنني وصف ما فعلته ! لقد ضربت اثنين من الحراس وضربت احد الأطباء فقط لتراك ! واصيب بانهيار عصبي وهي بغرفة مجاورة ومن المفترض ان تستيقظ بعد قليل...


اتسعت عيناه الزرقاء بصدمة ليهمس في نفسه :


- ليلي ! 


نزع القناع مرة اخري ليهمس بتعب :


- من فضلك...احضرها الي هنا قبل ان تفيق...ستسوء حالتها ان لم تجدني حينما تستيقظ...


لم يستطيع الطبيب إخفاء دهشته هو المصاب ومن كاد يموت اذا تأخر بضع دقائق ويقلق علي حالتها هي يبدو انه امام حالة عشق لا تتكرر كثيراً ليقول بتفهم :


- كما تريد سيد دانيال ستكون هنا قبل ان تفيق...


وبالفعل وضعوا سريرها بجواره ليشير لهم بالرحيل وتركهم ، ثم نهض بتعب واستلقي بجوارها وضم جسدها الصغير اليه مقبلاً جبينها بحب لتفتح عيناها بعد قليل لتجده بجوارها لتصيح بلهفة باكية :


- داني هل انت بخير ؟


لم يرد فقط زاد من ضمها ليصدم بها تقبل كل انشاً بوجهه هامسه بخفوت :


- ارجوك لا تجعلني اعيش ذلك الرعب مرة أخرى ! ليلي لا وجود لها بدون داني ! 


لاح شبح ابتسامة ليرفع يده ويدفن رأسها بكتفه هامساً بشرود :


- اهدئي صغيرتي...أنا بخير...انا اليوم أعترف انك محقة ليلي...آمالي تحلق حالياً واليوم اندثرت بين التراب ! عشت حياتي اتمني لقاءه واستعد لهذا اليوم...لا ادري ماذا حدث لكنه فقط حلم السنوات تحطم في لحظات...ويبدو ان هذا القلب اللعين لم يتحمل ذلك ! 


شهقت ببكاء هامسة بحزن :


- ارجوك لا تقل هذا ! تماسك لأجلي...أنا حقاً لا ادري ما يجب علي قوله لمواساتك...انا حبيبة فاشلة أليس كذالك ؟!


طبع قبلة رقيقة علي خصلاتها هامساً بحنان :


- وجودك بجواري يكفي...فقط وجودك !


ليهمس بمرح زائف حتي لا يجعلها تفكر كثيراً بحالتها ويستطيع اقناعها بالرحيل فيما بعد حتي لا يقلق أخيها :


- افقد وعيي لبضع ساعات فأجدكِ

 كدتِ تحطمين المشفى رأساً علي عقب أيتها الشرسة ! 


ابتسمت بخجل وهي تخفي وجهها بكتفه كطفلة صغيرة أخطأت ليكمل بصرامة زائفة :


- أظن ان اظافرك بحاجة للقص قطتي البرية ! كيف لكمتي الطبيب واللعنة ! 


ضحكت قائلة :


- لا ادري ! لا اذكر سوي اني كدت اموت قلقاً عليكَ... تنهدت لتكمل بشقاوة :

- لكن لا بأس فانا افعل ما شئت فأبي لن يسمح لأحد بالاقتراب مني ابداً...أليس كذالك أبي ؟!


ضحك بضعف ليمرر كفه علي خصلاتها بحنان قائلاً :


- أبيكي سيقتل اي شخص يفكر فقط بإزائك صغيرتي... 


          *****

حطـام...أقل وصف لما فعلته بمنزلها منذ ان عادت اليه ، صرخت بجنون وهي تحطم المرآة فتتكسر الي قطع صغيرة ، مسحت دموعها بقسوة لتلتقط إحدى قطع الزجاج وتضعها بالقرب من كفها تحديداً علي وريدها لتصرخ بقهر :


- انا اكتفيت ! مش هقدر اتحمل حاجة تاني ! ليه كل الناس بتأذيني ؟! أنا عمري ما اذيت حد ! 


لتلعن في سرها وتلقي بقطعة الزجاج جانباً فمهما كانت قوية هي اضعف من ان تقتل نفسها وان تحمل ذلك الذنب العظيم ولكنها لن تستسلم للضعف والحزن لتهمس بتوعد عنيف والقسوة تندلع بعينيها المظلمة رغم العبرات المنهمرة :


- وديني لأندمك يا يوسف ! مش ميرا السويفي الي تتاخد تسلية وتقضية وقت ! 


            *****

نفخت بضيق لتردف بتوسل :


-  ابوس ايدك خليني اروح اطمن عليه !


نفي بجمود :


- مينفعش ! مش مسموحلي اخرجك برا الأوضة من غير اذن الباشا لو سمحتي ارجعي اوضتك تاني ! 


دلفت الي الغرفة بغيظ من ذلك الرجل الذي يبدو كالآلة التي لا تسمع ولا تري فقط تنفذ الامر! لتتنهد وتهمس بصدق :


- يارب نجيه ! ده راجل طيب...صحيح امريكاني وخواجة بس قلبه طيب ووقف جمبي...يارب يبقي بخير...ده اخر امل ليا في الدنيا المهببة دي...لو حصله حاجة كده عطوة هيلاقيني وهرجع لنفس العيشة المقرفة الي كنت فيها ! 


            *****

جلسوا علي قارعة الطريق بانتظار السيارة التي ستأتي لتأخذهم ليقطع الصمت "إلياس" قائلاً بتساؤل :


- صح يا سارة هو تليفونك فين ؟!


اجابته بلامبالاة :


- طلعته واحنا بيضرب علينا نار...كنت ناوية أكلم يوسف يلحقني بس لما حودت جامد مرة واحدة طار من الشباك...يلا خد الشر وراح ! 


ليحمحم قائلاً :


- سارة هو انتي لما اتجوزتي كنتي قاصر ؟!


قطبت جبينها من سؤاله الغريب لتهتف باستغراب :


- لا كان عندي 22 سنة اشمعني ؟

اجابها ومازال مندهشاً :


- لا مفيش أصلك شكلك صغيرة اوي انا ساعات كتير بشك ان عندك عيال ! 

ابتسمت بخجل قائلة بلا تفكير :


- تسلم الله يعزك ! 


عضت علي شفتيها لتلعن في سرها تسرعها الغبي لتقول في سرها :


- يخربيت الدبش الي بيطلع مني في واحدة تقول لخطيبها الله يعزك ! 


ابتسمت له بسخافة وهو يطالعها بغرابة ويفكر في نفسه من هي حقاً تلك متعددة الأدوار فأحياناً يراها طفلة صغيرة خائفة تتشبث بكفه وأحياناً ام عاشقة لأبنائها وتحميهم من اي شر وحين أخر يراها امرأة رقيقة تخجل من كلمة مغازلة واحياناً امرأة شرسة قوية الشخصية! وبين هذا وذاك عالقاً هو وكأنها تسحبه بخيوط متينة لأعماق عشقها دون ان يدري...

               *****

دخلت الي المنزل بخطوات حذرة لتجده شبه مدمر وكأن عاصفة دمرت أثاث المنزل! فاقت علي يده التي تشد خصلاتها بقسوة صائحاً بصوت جهوري :


- كنتي فين ؟! ردي عليا قبل ما ادفنك مكانك ! 


صرخت بألم من قبضته لتصرخ بغضب :


- ابعد ايدك عني ! خلينا نتفاهم من غير همجية ! 


ترك خصلاتها لتصدم بمظهره بشعره المشعث وعيناه الحمراء كالدماء وملامحه المرهقة فيبدو انه لم ينم منذ أمس لتقول بتردد :


- دانيال ابوه مات ودخل المستشفى من الصدمة فانا مكانش ينفع اسيبه ونسيت اكلمك من قلقي ! 


 رغم علمه بوجود "دانيال" بمصر لكن لم يعلم بشأن والده ليصرخ بعصبية مفرطة :


- وهو مين علشان تروحيله ؟!وازاي أصلاً تخرجي من غير اذني ؟ انت فكراها وكالة من غير بواب ؟! 


اندهشت من صراخه العال وعصبيته المفرطة لتقول بغضب :


- انت مكبر الموضوع اوي قلتلك دانيال في حكم خطيبي وتعب ازاي مروحش ازوره ؟! وكمان هو جاي مصر علشاني ! 


 تنفس بغضب ليردف مسرعاً بلا تفكير :


- لالا انت خلاص عيارك فلت من بكره اول واحد يتقدملك هجوزهولك ! يمكن يقدر يعمل الي فشلنا فيه ! 


اتسعت عيناها بذعر سرعاً ما تحول لشرارات غضب لتقول بأنفاس غاضبة وتهديد :


- زمان كنت صغيرة ومقدرتوش تجبروني علي جواز من واحد قد ابويا تفتكر دلوقتي لما اتغيرت وبقي معايا حد بيحبني وهيقف جمبي هتقدر تجبرني ؟!


هتف بصوت لاهث بعدم فهم :

- راجل مين الي كنتي هتتجوزيه ؟! انا مش فاهم حاجة ؟!


 اقتربت لتقول بنبرة مختنقة :


- مامتك من تلات سنين كانت هتجوزني لراجل غني عنده 50 سنة ! وابوك طبعاً كالعادة ميقدرش يعصالها امر! 


نفي غير مصدقاً :


- مستحيل ! حتي لو كده انا اكيد مكنتش هقبل ! 

ابتسمت ساخرة لتهمس بتهكم :


- وانت كنت فين أصلاً يا يوسف ؟! سهرات وخروجات واخر دلع انت كنت في عالم تاني محدش كان فارق معاك كل همك فلوسك وسهرة حلوة والباقي في داهية ! 


 وكأنها طعنته بكلماتها! يبدو انه حان موعد الحساب علي أخطاءه السابقة لتسترسل بشرود :


- وقتها مؤيد كان زميلي في الكلية ، دفعتله فلوس علشان يجي يتجوزني ويطلقني بعديها واقدر أهرب وفعلاً...وصلت لندن تخيل انت بقي واحدة 18 سنة معهاش غير شنطة هدومها ومبلغ صغير ميكفيش أوضة في فندق! ماشية في شوارع لندن هربانة من اهلها...وقتها قابلت داني وخدني القصر بتاعه بس والله ملمسني! بالعكس ده قدملي في الجامعة وساعدني كتير وعلمني ازاي ادافع عن نفسي! وطلب يتجوزني وبعد كده انت عارف الباقي...

توقعت ان يغضب...ان يثور...لكنه صدمها حين قبل جبينها بحنان قائلاً بنبرة فارغة :


- لما دانيال يبقي كويس خليه يجي يكلمني علشان نتفق علي معاد الفرح...يلا خلي بالك من نفسك !


قطبت جبينها بدهشة لتجده مغادراً لتمسك رسغه قائلة بقلق حاولت اخفاءه :


- انت كويس ؟! وفين ميرا ؟!


اجابها بشرود :


- طلقتها ! 


شهقت بصدمة قائلة :


- ايه ؟ طب ازاي ؟ وليه؟ 


امسك كفها يربت عليه قائلاً بنبرة متألمة :


- اصل انا دمرتها ! زي ما دمرتك ودمرت سارة...كان معاكي حق انتي عمرك ما هتوصلي ل*** انا اوحش بني ادم ممكن تشوفيه ! اعتبري ان اخوكِ مات ! مش هحاسبك علي حاجة بعد كده مش هحاسب حد ولا هقابل حد انا مش عايز اأذي حد تاني ! 


اشفقت عليه بحق فهي لم تره بذلك الضعف والانكسار من قبل لتقول بتوتر :


- طب...طب انت محتاج راحة شوية وكل حاجة هتبقي كويسة صدقني !

مسد علي خصلاتها بحنان تراه لأول مرة :


- انا مش عارف هغيب قد ايه بس محتاج ابقي لوحدي...الاحسن تروحي تقعدي مع سارة انتوا محتاجين بعض ! 


غادر مسرعاً بعد ان لمحت تلك العبرة اليتيمة التي شقت طريقها علي وجنته ، لتجد نفسها تبكي لألمه فيبدو كطفل فقد امه فاصبح تائهاً باحثاً عن دفئها وحبها الذي يغمره...قيل أن دموع الرجال كانهيار الجبال! وهو لم ينهار بل تحطم...حطمته ذنوبه القديمة لتسحب من قلبه بريق الحياة...


             *****

دلفت بخطوات واثقة قوية بأحمر شفاهها الجذاب ذو اللون الأحمر الجريء وخصلاتها السوداء تعطيها هالة من القوة والجاذبية الي تلك الشركة لتسأل المساعدة :


- مكتب طارق المحمدي ؟


اشارت لها المساعدة بابتسامة :


- علي ايديك اليمين يا فندم...اتفضلي استاذ طارق في انتظارك !


دخلت لتصافحه ببرود وتجلس قائلة بثقة :


- من فترة صغيرة جيت المكتب وطلبت تتقدملي ! يتري عرضك لسه متاح ؟


اجابها مسرعاً رغم دهشته من جراءتها :


- اه طبعاً...بس ازاي مش حضرتك متجوزة  ورفضتي عرضي وقتها ؟!


خلعت نظارتها الشمسية لتقابل عيناها الزرقاء الحادة نظراته المنبهرة بجمالها لتضع قدماً فوق الأخرى قائلة بابتسامة قوية وواثقة :


- اتطلقت ! 


#يتبع...

#أحببت_فريستي 

#بسمة_مجدي

__________________


#دمتم_سالمين ! _

  _27 _

بعد مرور شهرين...


أمسكت كفه بتوتر وكأنها تتزوج للمرة الأولي! رمشت تتنفس بصعوبة وتلك الاضواء المصوبة نحوهم توترها لتشعر به يضغط علي كفها ليطمئنها نظرت له ليقابلها بنظراته الهادئة فيهدئ ذلك من روعها...لتبدأ اولي فقرات الحفل الا وهي الرقص علي موسيقي هادئة ، تمايل كلاهما بخفة وهي تكاد تموت حرجاً من نظرات الجميع لها تشعر انهم يلومونها انها تزوجت للمرة الثانية! وكأنها مذنبة ليميل ويهمس بنبرته الهادئة وكأنه قرأ ما يدور بعقلها من عينيها القلقة :


- اهدي يا سارة احنا معملناش حاجة غلط احنا اتجوزنا واي حاجة تانية مش مهمه ! 


ابتسمت برقة علي تفهمه لترفع رأسها فهي لم تخطأ فما الضير من الزواج مرة أخري؟ ابتسامة واثقة تشكلت علي ثغرها فلن تستسلم لنظرات الناس او حديثهم المتواري هي سعيدة اذن فليذهب الناس الي الجحيم! انتشلها من شرودها قبلته الرقيقة علي جبينها لتهمس بحرج :


- ايه الي عملته ده ؟ الناس بتبص علينا ! 

ابتسامة جانبية تشكلت علي ثغره هامساً بلامبالاة :


- محدش ليه عندي حاجة ! 


انتهت فقرة الرقص ليجلس كلاهما فتردف بقلق :


- تفتكر يوسف هيجي ؟ انا هزعل اوي لو مجاش انا بقالي شهرين مشوفتوش بالعافية قدنا نبلغة بمعاد الفرح ! 


- متقلقيش يوسف أكيد هيجي  ! 


ابتسمت له فكم هو متفهم وعطوف تتمني حقاً ان يعوضها عما عانته قبله...


                     *****

بخارج قاعة الزفاف 


جلست فوق سيارته تلتهم شطيرتها لتقول باستمتاع :


- داني...يجب أن تتذوق هذه الشطيرة انها لذيذة بحق ! 


ابتسم بغموض ليقترب ويهمس بخفوت خطير :


- لا تظني ان بطلبك الطعام انك ستلهيني عن ذلك الوغد الي كان ينظر لكِ طوال الحفل وكاد يطلب الرقص برفقتك ! 


ابتلعت ما بفمها بقلق لتقول برجاء :


- داني...ارجوك انه زفاف شقيقتي لا تضرب أحداً ! ويبدو أيضاً ان ذلك الفتي لم يلحظ وجودك لأجلي لا تفعل شيئاً ! 


صمت قليلاً وهي يخرج محرمته ويمسح فمها الملوث بالطعام كطفلة صغيرة ثم قال بنبرة شبه هادئة :


- حسناً...لن أفعل شيئاً لكن اياكِ والتحرك من جواري ! 


اومأت بطاعة وهي تناظره ببراءة ، ضيق عيناه بشك فهو يعلمها لقد تجولت بكل أنحاء الحفل وخارجه لتنتشله من شروده قائلة بابتسامة :


- أيمكنك أن تحضر لي مشروباً ؟ 


واسبلت عيناها ببراءة لعن في سره تأثير تلك الصغيرة عليه ليومأ معاوداً تحذيرها :

- اياكِ والتحرك من مكانك ! 


اومأت له ليذهب وما ان ابتعد قليلاً حتي ضحكت بخفة علي غضبه لتختفي ابتسامتها ما لمحت ذلك الشاب الذي طاردها منذ بداية الحفل الذي قال بابتسامة :


- غريبة...بقي في حد يسيب قمر زيك تقعد لوحدها كده ؟!


لعنت في سرها ما يفعله هذا الاحمق لترد بحده :


- ميخصكش ! واتفضل امشي وسيبني لوحدي ! 


لم تتغير ملامحه ليمد يده في محاولة لامساك كفها فتشتعل عيناها وتصفع يده قائلة بعنف :


- ايدك لتوحشك ! 


صدم بشراستها لكن لا ينكر انها أعجبته ليقول برقة :


- انتي ليه متعصبة كده ؟ انا بس عايز اتعرف عليكي مش اكتر...


لم يكمل جملته حين رأي عيناها تتسع بخوف وهي تنظر ورائه ولم يكد يلتفتت حتي صدم بلكمة عنيفة طرحته أرضاً ، ابتعلت ريقها برعب فعيناه تبدو كالجمر المشتعل لتقرر الهروب قبل ان يفتك بها هي الأخرى وما كادت تتحرك قليلاً لتصرخ بدهشة حين رفعها من خاصرتها ووضعها مرة اخرى علي سيارته ثم خلع سترته والقاها بوجهها قائلاً بوعيد :


- فقد شاهدي صغيرتي ! لقد وعدتك الا أخرب زفاف شقيقتك لكني لم أعدك الا أبرح هذا الوغد ضرباً .... ! 


شمر عن ساعديه ليرفعه فيصيح الأخير بغضب :


- انت مجنون يا جدع انت ؟ انتي ازاي تمد ايدك عليا انت متعرفش انا مين ؟! 


لم يهتم بما يقوله ليبدأ بلكمه بعنف ليلكم معدته فينحني الأخير صارخاً بألم ، ودت لو تتدخل وتوقفه لكنها تعلم غضبه اذا تدخلت سيصب جام غضبه عليها! تركه بعد قليل كالخرقة البالية بكدماته المتفرقة ليسحبها خلفه الي داخل الحفل لكنه توقف حين شعر برجفتها ليلتفتت وينظر لها ليصدم بخوفها الظاهر ليأخذها جانباً ويصرخ بغضب مندهش :


- لماذا ترجفين ؟ لماذا انتِ خائفة ؟ أنا لست همجياً ليلي ! انا لن ارفع يدي عليكي بحياتي ! 


لتهمس بتقطع :


- لقد كنت مخيفاً بحق داني لقد كدت تقتله ! 


تنفس بغضب ليمسح وجهه محاولاً الهدوء ليسحبها ويضمها اليه هامساً بإعتذار :


- أعتذر صغيرتي...لم اقصد إخافتك ! 


                      *****

نهضت مسرعة حين رأت شقيقها يدلف من بوابة الحفل ببذلته السوداء الأنيقة وتحيطه هالة من الجاذبية لتحتضنه بلهفة هامسة بحب :


- وحشتني اوي يا يوسف...هنت عليك تبعد كل المدة دي عننا...انا خفت اوي لحسن ما تجيش الفرح ! 


ابعدها برفق ليميل ويلثم جبينها برقة هامساً :


- مبروك يا سارة...ربنا يسعدك يا حبيبتي انتي تستاهلي كل خير...


صافح "إلياس" قائلاً بتهديد مبطن :


- مش محتاج اقولك تخلي بالك منها يا إلياس...سارة غالية عليا اوي وزعلها يعني زعلي ! 


ابتسم بتفهم قائلاً :


- متخافش يا يوسف...سارة في امانتي وربك الي هيحاسبني عليها قبلك ! 


لمعت عيناها باعجاب لحديثه وما كادت تتحدث لتتعلق أنظار الجميع مع تلك الفاتنة التي دلفت للتو بذلك الفستان الأحمر الطويل بدون أكمام وخصلاتها السوداء ذات التموجات البسيطة تغطي حتي منتصف ظهرها ووجهها التي تزينه مساحيق تجميل بسيطة تليق بجمالها الهادئ فكانت آيه في الجمال والفتنة وابتسامتها الواثقة أضفت جاذبية صدم الجميع بها خاصة "يوسف" الذي وقف مبهوتاً بهيئتها فهذه من كانت تبكي بانهيار وتتوسله الطلاق عادت بقوة! امرأة الأسود تغيرت وترتدي الألوان! لتقترب وسط دهشتهم لتصافح "سارة" وتقبلها قائلة برقة :


- الف مبروك يا سارة...شكلك زي القمر...


ابتسمت لها بتوجس من ردة فعل شقيقها علي فستانها العاري ذاك لتصافح "الياس" ثم تلتفت استعداداً للمغادرة ، لم يتمالك نفسه ليسحبها خلفه الي الحديقة الخلفية لتسحب كفها بعنف وهي تتطلع اليه باحتقار ليصيح بها من بين أسنانه :


- ايه الي انتي لابساه ده ؟انتي اتجننتي ؟ فاكرة نفسك متجوزة خروف ؟!!


رغم الرجفة البسيطة التي اعترتها من نبرته العالية لكنها ردت بقوة :


- كنت...كنت جوزي ! دلوقتي انت ولا حاجة بالنسبالي! وايدك المرة الجاية لو فكرت تلمسني تاني هكسرهالك ! 


صدم بشدة فبحياتها مهما حدث بينهم من خلافات لم تتجرأ علي الحديث معه بتلك النبرة! لتكمل باستهزاء :


- مالك ؟ مصدوم ؟ ايه فاكرني هقعد أبكي علي الأطلال ؟! المفروض تكون عرفتني داحنا عيشنا مع بعض فترة مش قليلة...كفيلة تعرفك انا مين ! 


اقتربت تحت نظراته المشتعلة لتهمس ببطء ونبرة قوية وكأنها تدخل كلماتها في عقله قسراً وهو فقط يقف مشدوهاً بما صنعت يداه :


- انا عمري ما اتكسر ! ، انا بتهد شوية وبستقوي تاني...وبغيب غيبتي وبرجع بهيبتي ... !


وضعت كفها علي وجهه تتلمسه برقة هامسة بابتسامة شيطانية وعيناها تلتمع ببريق دموعها الوفية التي لا تسقط دون اذنها! :


- اوعدك بشرفي اني اندمت علي الي عملته ! 


هكذا ببساطة تركته ورحلت كالعاصفة كما أتت هي محقة فكل مشكلة تمر بها تزيدها قوة لا ضعفاً! جميلته أصبحت بتلك الخطورة لقد انتهي بريق عشقه بعينيها لم يري سوي لهيب الانتقام يندلع بزرقاوتيها التي زادت حدتهم عن زي قبل! كاد يغادر ليشعر بيد توضع علي كتفه التفتت ليجدها "ليلي" تقف بارتباك لتهتف بتوتر :


- عـ...عامل ايه ؟ 


لاح شبح ابتسامة علي شفتيه فتلك الصغيرة تحاول اصلاح علاقتهم ليلمس علي خصلاتها بحنان قائلاً بلطف :


- انا كويس يا حبيبتي...وانتي عاملة ايه مع خطيبك ؟ 


اجابته بابتسامة متوترة :


- كويسين الحمدلله...انت...يعني...مش ناوي ترجع ؟!.


اجابها بشرود :


- هرجع يا ليلي...انا بس محتاج شوية وقت اقدر استوعب خسارتي لميرا ! 


طالعته بشفقة فهي لا تدري ماذا حدث معهم حتي ينفصلوا ولا حتي شقيقتها "سارة" تعلم ما حدث لتقول برقة :


- ليه بتقول كده ؟ ميرا بتحبك ! هو خلاف بسيط واكيد هيتحل مع الوقت...


وياليته حقاً خلاف بسيط كما تقول فقط لو تدري ان ذلك الخلاف هو حياتهم بأكملها! فقد لو استمعت لحديث "ميرا" قبل قليل لأدركت انه قد خسرها للأبد! ليقول بابتسامة شاحبة :


- انا لازم امشي...خلي بالك من نفسك!  


                      *****

قادت سيارتها بأقصي سرعتها ودموعها قد تحرر أسرها لتشق طريقها علي وجنتيها بلا توقف  وهي تستمر بمسحها بعنف لتصرخ بقهر وهي تضرب المقود :


- كفاية ! ده ميستحقش دموعي ! محدش يستاهل أعيط علشانه ! 


أوقفت السيارة جانباً لتضع رأسها علي المقود تبكي بقوة لتهمس وهي تضع قبضتها فوق قلبها :


- ليه مش عايز تبطل تحبه ؟! ليه مش عايز توقف وتريحني!  


رفعت وجهها بعد دقائق معدودة من البكاء لتمسح دموعها وتستعيد قناع الجمود والقوة فهي ستوهم ذاتها انها قوية وستصدق هذا الوهم فقد اعتادت علي الا تداوي جروحها فقد تمر بجانبها كأنها لم تكن! 


                       *****

كادت تتعثر لأكثر من مرة وهي تركض خلفه لتجده يصعد الي سيارته دون الالتفات اليها لتصعد الي جانبه بسرعة لينطلق بأقصي سرعته وتصدم به يصيح بلهفة :


- أبي مازال حياً ليلي ! لقد علمت أنه بدار للمسنين!  أخيراً سألتقي به!  


صدمت من حالته ومما يقوله أوفاة والده مازالت مؤثرة عليه فقد ظنت ان بدأ يتناسي ذلك الأمر لتقول بابتسامة متوترة :


- داني...عزيزي...اوقف السيارة ودعنا نتحدث بهدوء...


التفت لها ليقول بنبرة فرح :


- انا لا أهذي صغيرتي...صدقاً أبي مازال حياً...لقد كان مجرد تشابه اسماء لا أكثر! 


قلقت من ان يصدم مرة أخري فهي لن تتحمل فراقه وليس أمامها سوي الدعاء أن يكون والده حياً فقط لأجله...


                      *****

ابتسمت بتوتر لتهرع الي المرحاض لتغير فستانها لتغلق الباب وتضع كفها علي صدرها لتجبر دقات قلبها علي الهدوء فقط تذكرت ما حدث بليلة زفافها الاول حين اغتصبها "ماجد" إجبارياً لتهمس بتوتر :


- لا لا الياس مش زي ماجد...الياس عمره ما يأذيني!  


ارتدت منامة رقيقة لتبدو رائعة الجمال خرجت اليه ليصدم بجمالها الآخذ الذي تخفيه ملابسها الواسعة ليقترب ويهمس بحب :


- بسم الله ما شاء الله.... 


اعطاها عباءه لترتديها للصلاة ارتدتها سريعاً لتقف خلفه ويصلي بها ، انتهوا من صلاتهم ليضع يده علي رأسها قائلاً بهدوء :

- اللهم اني أسالك خيرها وخير ما جلبت وأعوذ بك من شرها وشر ما جلبت...


امنت علي دعاه ليخلع حجابها ويده تتسلل بخفة لملابسها ليقترب ببطء وعيناها ترتكز علي شفتيها وما كاد يقبلها حتي افزعهم طرقات صغيرة علي الباب ليزفر بغيظ وينهض غاضباً فتح الباب ليجد الثلاث صغار ينظرون له ببراءة لتهتف "تقي" بابتسامة :


- بابي ينفع أنام جمبك علشان مش بيجيلي كابوس وانا نايمة عندك ! 


ارتفع حاجبه بدهشة ليردف الصغير "يزن" :


- وانا كمان يا عمو الياس عايز انام جمب مامي! 


ليردف الثالث "مازن": 


- انا مش بعرف انام غير لما مامي تحيكلي حدوتة ! 


عض شفتيه بغيظ يود لو يصفع ثلاثتهم ليجثو علي ركبتيه قائلاً بابتسامة سخيفة :


- يا يزن يا حبيبي اولاً قلتلك قبل كده تناديلي بابا...توتا حبيبة بابي مش اتفقنا هتنامي جمب تيتا ؟ 


احتضنته الصغيرة قائلة بحزن :


- لا بابي انا دايماً بنام جمبك ليه مش انام النهاردة ؟ 


وهرع الصغيرين الي داخل الغرفة ليرسوا بين احضان والدتها التي تكتم ضحتها بصعوبة ، تنهد ليحمل الصغيرة ودلف ليهتف بتحذير :


- اخر مرة هتناموا هنا معانا! ومن بكره كل واحد ينام في اوضته...ومش عايز دوشة هنام عالطول والي هسمع صوته هرميه بره...حتي انتي يا تقي!  


عبست الصغيرة بضيق لينزلها ويفكر في حل ليلمح ابتسامتها التي تجاهد لتخيفها رمقها بغيظ قائلاً :


- بقولك ايه انتي كمان اتمسي متخلنيش ارميكم كلكم بره هي ليله سودا علي دماغي ! 


ضحكت بخفة لتضع يدها علي فمها لتمنع ضحكاتها من الانفلات ليهتف بهم ان يبتعدوا جانباً ليقترب من الفراش ويزيل زينته بحسره ثم رفع مرتبة الفراش تحت دهشتهم ليلقيها أرضاً ويردف امرآ :


- بمناسبة التجمع العائلي اللطيف قررت احط المرتبة علي الارض علشان محدش يقع يلا علي النوم وعالله اسمع نفس حد فيكم!  


اومأ اربعتهم حتي لا يغضب اكثر ليستلقوا جميعاً "تقي"علي يمينه و"يزن" يتوسط كلاهما و"مازن" يستلقي علي جانب والدته من الناحية الآخرى ليهتف "مازن" قاطعاً الصمت :


- مش هتحكولنا حدوتة ؟!


كادت ان تتحدث ليقطعها صوته المغتاظ :

- كان في مرة واحد متجوز واحدة وعنده تلات كلاب هيطلعوا عينه انشاء الله وهيجيبه أجله بدري ! 


صدعت ضحكاتها ليرمقها بغيظ فتقول من بين ضحكاتها :


- خلاص يا عم متبصليش كده أحسن بخاف...


نظر لها بتوعد وهو يحك ذقنه ليقترب ويضمها اليه مع الصغير "يزن" لتلتقي عيناهم ليقربها أكثر متناسياً الصغار لينتشلهم من شرودهم صوت الصغير المختنق :


- في ايه يا عمو هتنخنق!  


عض علي شفتيه بقوة ليصيح بصوت افزعهم :


- هعد لغاية 3 الي هلاقي صاحي هرميه بره...اتخمدوا ! 


اغمض الصغار أعينهم بخوف ليهمس لها بأن تنتظر حتي يناموا لتومأ له لينتظر لنصف ساعة كاملة حتي خلدوا الي النوم لينهض بخفة وهو يميل عليها هامساً بحب وهو يتلاعب بخصلاتها :


- سارة...انهاردة اسعد يوم في حياتي...ربنا يباركلي فيكي...


ظن انها خجلة ليبعد خصلاتها عن وجهها برقة ليجدها تغط في نوم عميق! ليهمس بسخط :


- نامي يا اختي نامي مهي جوازة فقر علي رأيك ! 


ليقبل جبهتها برقة ويختطف قبلة سريعة من ثغرها ثم يميل ويقبل الصبيان ويقبل صغيرته ويحاوطهم كأنهم كنز ثمين ابتسم براحة فمن يصدق انه ظن يوماً انه لن يحظي بأطفال! واليوم لديه ثلاث!  مع قليل التفكير نظر اليها ليصحح جملته لديه اربعة أطفال!....


                   *****

وصلت الي منزلها وهي تلعن قلبها الضعيف الذي ود لو ترتمي بين ذراعيه ما ان رأته لا ان تلقي بكلاماتها الجارحه في وجهه لتدرك انها ان لم تتصرف سريعاً سينتصر قلبها وستخسر كرامتها ولكنها لن تكرر خطأها مرة أخرى فقد سمحت لقلبها بالقيادة مرة فدمرتها لترفع هاتفها وتردف بحزم :


- طارق...انا عايزة الفرح بعد اسبوع ! 


اتاها صوته المندهش قائلاً :


- ازاي يا ميرا ده لسه فاضل شهر علشان عدتك تخلص! 


اشتعلت عيناها غيظاً لترد بقسوة :


- لو معملتش الفرح بعد اسبوع مش هعمله خالص يا طارق!  مش مهم عدتي ابقي زود المأذون شوية وهو مش هينطق...اتصرف! 


زفر بضيق من معاملتها تلك ولكن ما باليد حيلة فهو أحبها ويصر عليها ظناً منه انه سينيها زوجها الاول ربما تقدر ذلك وتعامله كما يستحق ليهتف باستسلام :


- تمام...اعتبريه حصل! 


                       *****

انتهت من ترتيب المنزل لترتدي ثوباً رقيقاً باللون الأزرق السماوي منتظره حضوره فهو منذ إشتري لها ذلك المنزل يزورها اسبوعياً ليطمئن علي احوالها وما تحتاجه ابتسمت بسعادة فقد عوضها القدر عما عانته قديماً لتخرج من ثيابها ما اشترته خلسه من احدي الاسواق الغالية او كما يسمونها الاغنياء "مول" لتخرج أحمر شفاه باللون الزهري لتضعه بلا تنظيم فهي لا تدري كيف يضعونه فهي ترغب ان تكون جميلة بعينيه لربما تنسيه خطيبته وتحل محلها لتهتف بابتسامة :


- يا رب خليني حلوة في عينه ! 


انتظرت الكثير وقد تأخر الوقت لتفتح الباب وتنادي الحارس الذي وضعه لحمايتها قائلة بلهفة :


- هو دانيال باشا مش هيجي انهارده ؟!


اجابها برسميه كعادته :


- معنديش اي معلومات يا زهـرة هانم ! 


زفرت بضيق لتدخل الي المنزل بضيق قائلة بحقد :


- أكيد خطيبته دي الي خلته يتأخر مش فاهم عاجبه فيها ايه ست ليلي ... !!!

                       *****

وصل الي مبني رعاية المسنين ليترجل بسرعة ومن خلفه "ليلي" التي يتأكلها القلق والخوف من ان يسوء وضعه هذه المرة ان لم يكن أبيه ليهرع الي الداخل ويطلب منها ان تسأل العاملة عن غرفته ليهرع للداخل ثم توقف فجأة ليتلفت ويهتف لها بجمود :


- انتظري هنا...احتاج ان أراه بمفردي ! 


اومأت له لتمسك كفه قائلة بتوتر :


- ارجوك اهدأ داني...لا تقلق ان لم يكن هو والدك فربما هو بمكان أخر فقط لا تنفعل انا احتاجك!  


انتقل له خوفها وهو لا يدري حقاً ماذا ستكون ردة فعله ان لم يكن هو لم يفكر كثيراً ليدلف الي الغرفة ليجد رجلاً يجلس علي مقعد متحرك وينظر للنافذة بشرود ، تسارعت انفاسه وهو يزدرد ريقه بصعوبة ثم اخرج من حافظته صورة قديمة لأبيه مسح وجهه بإنفعال ليقترب بخطوات رتيبة لتصل الي مسامعه تلك الخطوات ، قطب جبينه ليلتفت بكرسيه قائلاً :


- مـين ؟ 


توقفت أنفاسه حين التفتت في مواجهته لم يتغير علي مر الاعوام مازالت عيناه تشع دفئاً رغم الألم الذي يكسوها ومازالت ملامحه تغمر قلبه بالحنين رغم التجاعيد الذي خطها الزمان علي وجهه ليقترب ويجثو علي ركبتيه امامه والدموع تنساب علي وجنتيه بلا سابق إنذار ليهمس بصوت مختنق :


- الم تتعرف علي ولدك الوحيد...أبي ؟! 


قطب جبينه من لغته الانجليزية هو يعلمها لكنه لم يمارسها منذ سنوات كثيرة تمتد لأكثر من عشرون عاماً ليمد كفه المرتعش ويضعه علي وجهه قائلاً بتقطع :

- انت...مـ...مين ؟! وبتعيط...ليه ؟!


لم يفهم ما قاله لكنه استشعره من تقطيبة جبينه ليهمس بضعف وهو يمسك كفه المرتعش يقبله بدموع :


- انا ابنُك...أدعي دانيـ...أقصد...آدم ... !!!


#يتبع... 

#أحببتُ_فريستي

#بسمة_مجدي_ تمرد ! _

  _27 _

بعد مرور شهرين...


أمسكت كفه بتوتر وكأنها تتزوج للمرة الأولي! رمشت تتنفس بصعوبة وتلك الاضواء المصوبة نحوهم توترها لتشعر به يضغط علي كفها ليطمئنها نظرت له ليقابلها بنظراته الهادئة فيهدئ ذلك من روعها...لتبدأ اولي فقرات الحفل الا وهي الرقص علي موسيقي هادئة ، تمايل كلاهما بخفة وهي تكاد تموت حرجاً من نظرات الجميع لها تشعر انهم يلومونها انها تزوجت للمرة الثانية! وكأنها مذنبة ليميل ويهمس بنبرته الهادئة وكأنه قرأ ما يدور بعقلها من عينيها القلقة :


- اهدي يا سارة احنا معملناش حاجة غلط احنا اتجوزنا واي حاجة تانية مش مهمه ! 


ابتسمت برقة علي تفهمه لترفع رأسها فهي لم تخطأ فما الضير من الزواج مرة أخري؟ ابتسامة واثقة تشكلت علي ثغرها فلن تستسلم لنظرات الناس او حديثهم المتواري هي سعيدة اذن فليذهب الناس الي الجحيم! انتشلها من شرودها قبلته الرقيقة علي جبينها لتهمس بحرج :


- ايه الي عملته ده ؟ الناس بتبص علينا ! 

ابتسامة جانبية تشكلت علي ثغره هامساً بلامبالاة :


- محدش ليه عندي حاجة ! 


انتهت فقرة الرقص ليجلس كلاهما فتردف بقلق :


- تفتكر يوسف هيجي ؟ انا هزعل اوي لو مجاش انا بقالي شهرين مشوفتوش بالعافية قدنا نبلغة بمعاد الفرح ! 


- متقلقيش يوسف أكيد هيجي  ! 


ابتسمت له فكم هو متفهم وعطوف تتمني حقاً ان يعوضها عما عانته قبله...


                     *****

بخارج قاعة الزفاف 


جلست فوق سيارته تلتهم شطيرتها لتقول باستمتاع :


- داني...يجب أن تتذوق هذه الشطيرة انها لذيذة بحق ! 


ابتسم بغموض ليقترب ويهمس بخفوت خطير :


- لا تظني ان بطلبك الطعام انك ستلهيني عن ذلك الوغد الي كان ينظر لكِ طوال الحفل وكاد يطلب الرقص برفقتك ! 


ابتلعت ما بفمها بقلق لتقول برجاء :


- داني...ارجوك انه زفاف شقيقتي لا تضرب أحداً ! ويبدو أيضاً ان ذلك الفتي لم يلحظ وجودك لأجلي لا تفعل شيئاً ! 


صمت قليلاً وهي يخرج محرمته ويمسح فمها الملوث بالطعام كطفلة صغيرة ثم قال بنبرة شبه هادئة :


- حسناً...لن أفعل شيئاً لكن اياكِ والتحرك من جواري ! 


اومأت بطاعة وهي تناظره ببراءة ، ضيق عيناه بشك فهو يعلمها لقد تجولت بكل أنحاء الحفل وخارجه لتنتشله من شروده قائلة بابتسامة :


- أيمكنك أن تحضر لي مشروباً ؟ 


واسبلت عيناها ببراءة لعن في سره تأثير تلك الصغيرة عليه ليومأ معاوداً تحذيرها :

- اياكِ والتحرك من مكانك ! 


اومأت له ليذهب وما ان ابتعد قليلاً حتي ضحكت بخفة علي غضبه لتختفي ابتسامتها ما لمحت ذلك الشاب الذي طاردها منذ بداية الحفل الذي قال بابتسامة :


- غريبة...بقي في حد يسيب قمر زيك تقعد لوحدها كده ؟!


لعنت في سرها ما يفعله هذا الاحمق لترد بحده :


- ميخصكش ! واتفضل امشي وسيبني لوحدي ! 


لم تتغير ملامحه ليمد يده في محاولة لامساك كفها فتشتعل عيناها وتصفع يده قائلة بعنف :


- ايدك لتوحشك ! 


صدم بشراستها لكن لا ينكر انها أعجبته ليقول برقة :


- انتي ليه متعصبة كده ؟ انا بس عايز اتعرف عليكي مش اكتر...


لم يكمل جملته حين رأي عيناها تتسع بخوف وهي تنظر ورائه ولم يكد يلتفتت حتي صدم بلكمة عنيفة طرحته أرضاً ، ابتعلت ريقها برعب فعيناه تبدو كالجمر المشتعل لتقرر الهروب قبل ان يفتك بها هي الأخرى وما كادت تتحرك قليلاً لتصرخ بدهشة حين رفعها من خاصرتها ووضعها مرة اخرى علي سيارته ثم خلع سترته والقاها بوجهها قائلاً بوعيد :


- فقد شاهدي صغيرتي ! لقد وعدتك الا أخرب زفاف شقيقتك لكني لم أعدك الا أبرح هذا الوغد ضرباً .... ! 


شمر عن ساعديه ليرفعه فيصيح الأخير بغضب :


- انت مجنون يا جدع انت ؟ انتي ازاي تمد ايدك عليا انت متعرفش انا مين ؟! 


لم يهتم بما يقوله ليبدأ بلكمه بعنف ليلكم معدته فينحني الأخير صارخاً بألم ، ودت لو تتدخل وتوقفه لكنها تعلم غضبه اذا تدخلت سيصب جام غضبه عليها! تركه بعد قليل كالخرقة البالية بكدماته المتفرقة ليسحبها خلفه الي داخل الحفل لكنه توقف حين شعر برجفتها ليلتفتت وينظر لها ليصدم بخوفها الظاهر ليأخذها جانباً ويصرخ بغضب مندهش :


- لماذا ترجفين ؟ لماذا انتِ خائفة ؟ أنا لست همجياً ليلي ! انا لن ارفع يدي عليكي بحياتي ! 


لتهمس بتقطع :


- لقد كنت مخيفاً بحق داني لقد كدت تقتله ! 


تنفس بغضب ليمسح وجهه محاولاً الهدوء ليسحبها ويضمها اليه هامساً بإعتذار :


- أعتذر صغيرتي...لم اقصد إخافتك ! 


                      *****

نهضت مسرعة حين رأت شقيقها يدلف من بوابة الحفل ببذلته السوداء الأنيقة وتحيطه هالة من الجاذبية لتحتضنه بلهفة هامسة بحب :


- وحشتني اوي يا يوسف...هنت عليك تبعد كل المدة دي عننا...انا خفت اوي لحسن ما تجيش الفرح ! 


ابعدها برفق ليميل ويلثم جبينها برقة هامساً :


- مبروك يا سارة...ربنا يسعدك يا حبيبتي انتي تستاهلي كل خير...


صافح "إلياس" قائلاً بتهديد مبطن :


- مش محتاج اقولك تخلي بالك منها يا إلياس...سارة غالية عليا اوي وزعلها يعني زعلي ! 


ابتسم بتفهم قائلاً :


- متخافش يا يوسف...سارة في امانتي وربك الي هيحاسبني عليها قبلك ! 


لمعت عيناها باعجاب لحديثه وما كادت تتحدث لتتعلق أنظار الجميع مع تلك الفاتنة التي دلفت للتو بذلك الفستان الأحمر الطويل بدون أكمام وخصلاتها السوداء ذات التموجات البسيطة تغطي حتي منتصف ظهرها ووجهها التي تزينه مساحيق تجميل بسيطة تليق بجمالها الهادئ فكانت آيه في الجمال والفتنة وابتسامتها الواثقة أضفت جاذبية صدم الجميع بها خاصة "يوسف" الذي وقف مبهوتاً بهيئتها فهذه من كانت تبكي بانهيار وتتوسله الطلاق عادت بقوة! امرأة الأسود تغيرت وترتدي الألوان! لتقترب وسط دهشتهم لتصافح "سارة" وتقبلها قائلة برقة :


- الف مبروك يا سارة...شكلك زي القمر...


ابتسمت لها بتوجس من ردة فعل شقيقها علي فستانها العاري ذاك لتصافح "الياس" ثم تلتفت استعداداً للمغادرة ، لم يتمالك نفسه ليسحبها خلفه الي الحديقة الخلفية لتسحب كفها بعنف وهي تتطلع اليه باحتقار ليصيح بها من بين أسنانه :


- ايه الي انتي لابساه ده ؟انتي اتجننتي ؟ فاكرة نفسك متجوزة خروف ؟!!


رغم الرجفة البسيطة التي اعترتها من نبرته العالية لكنها ردت بقوة :


- كنت...كنت جوزي ! دلوقتي انت ولا حاجة بالنسبالي! وايدك المرة الجاية لو فكرت تلمسني تاني هكسرهالك ! 


صدم بشدة فبحياتها مهما حدث بينهم من خلافات لم تتجرأ علي الحديث معه بتلك النبرة! لتكمل باستهزاء :


- مالك ؟ مصدوم ؟ ايه فاكرني هقعد أبكي علي الأطلال ؟! المفروض تكون عرفتني داحنا عيشنا مع بعض فترة مش قليلة...كفيلة تعرفك انا مين ! 


اقتربت تحت نظراته المشتعلة لتهمس ببطء ونبرة قوية وكأنها تدخل كلماتها في عقله قسراً وهو فقط يقف مشدوهاً بما صنعت يداه :


- انا عمري ما اتكسر ! ، انا بتهد شوية وبستقوي تاني...وبغيب غيبتي وبرجع بهيبتي ... !


وضعت كفها علي وجهه تتلمسه برقة هامسة بابتسامة شيطانية وعيناها تلتمع ببريق دموعها الوفية التي لا تسقط دون اذنها! :


- اوعدك بشرفي اني اندمت علي الي عملته ! 


هكذا ببساطة تركته ورحلت كالعاصفة كما أتت هي محقة فكل مشكلة تمر بها تزيدها قوة لا ضعفاً! جميلته أصبحت بتلك الخطورة لقد انتهي بريق عشقه بعينيها لم يري سوي لهيب الانتقام يندلع بزرقاوتيها التي زادت حدتهم عن زي قبل! كاد يغادر ليشعر بيد توضع علي كتفه التفتت ليجدها "ليلي" تقف بارتباك لتهتف بتوتر :


- عـ...عامل ايه ؟ 


لاح شبح ابتسامة علي شفتيه فتلك الصغيرة تحاول اصلاح علاقتهم ليلمس علي خصلاتها بحنان قائلاً بلطف :


- انا كويس يا حبيبتي...وانتي عاملة ايه مع خطيبك ؟ 


اجابته بابتسامة متوترة :


- كويسين الحمدلله...انت...يعني...مش ناوي ترجع ؟!.


اجابها بشرود :


- هرجع يا ليلي...انا بس محتاج شوية وقت اقدر استوعب خسارتي لميرا ! 


طالعته بشفقة فهي لا تدري ماذا حدث معهم حتي ينفصلوا ولا حتي شقيقتها "سارة" تعلم ما حدث لتقول برقة :


- ليه بتقول كده ؟ ميرا بتحبك ! هو خلاف بسيط واكيد هيتحل مع الوقت...


وياليته حقاً خلاف بسيط كما تقول فقط لو تدري ان ذلك الخلاف هو حياتهم بأكملها! فقد لو استمعت لحديث "ميرا" قبل قليل لأدركت انه قد خسرها للأبد! ليقول بابتسامة شاحبة :


- انا لازم امشي...خلي بالك من نفسك!  


                      *****

قادت سيارتها بأقصي سرعتها ودموعها قد تحرر أسرها لتشق طريقها علي وجنتيها بلا توقف  وهي تستمر بمسحها بعنف لتصرخ بقهر وهي تضرب المقود :


- كفاية ! ده ميستحقش دموعي ! محدش يستاهل أعيط علشانه ! 


أوقفت السيارة جانباً لتضع رأسها علي المقود تبكي بقوة لتهمس وهي تضع قبضتها فوق قلبها :


- ليه مش عايز تبطل تحبه ؟! ليه مش عايز توقف وتريحني!  


رفعت وجهها بعد دقائق معدودة من البكاء لتمسح دموعها وتستعيد قناع الجمود والقوة فهي ستوهم ذاتها انها قوية وستصدق هذا الوهم فقد اعتادت علي الا تداوي جروحها فقد تمر بجانبها كأنها لم تكن! 


                       *****

كادت تتعثر لأكثر من مرة وهي تركض خلفه لتجده يصعد الي سيارته دون الالتفات اليها لتصعد الي جانبه بسرعة لينطلق بأقصي سرعته وتصدم به يصيح بلهفة :


- أبي مازال حياً ليلي ! لقد علمت أنه بدار للمسنين!  أخيراً سألتقي به!  


صدمت من حالته ومما يقوله

_ قسوة _

 _ 28_  


تسللت أشعة الشمس الي الغرفة لتشبعها ضوءً ليتململ ذلك النائم بانزعاج ويفتح جفونه ببطء ليجد الغرفة فارغة قطب جبينه لينهض متجولاً بالمنزل وارشدته صوت الضحكات القادمة من المطبخ دلف ليجد زوجته "سارة" تتنقل في انحاء المطبخ كالفراشة بمنامتها القصيرة وترفع خصلاتها للأعلى لتخطف أنفاسه بطلتها تلك وينتبه لضحكات الصغار فهي تعد الافطار وتطعهم اثناء الطهو حتي صغيرته المدللة "تقي" تعلقت بها بتلك السرعة! ليهتف بمرح :


- كل حلفاؤك خانوك يا الياس حتي انتي يا تقي! 


هرعت الصغيرة اليه لتتعلق بساقيه ليرفعها مقبلاً وجنتيها وهو يتسأل :


- هي امي فين صحيح ؟ 


اجابته وهي ترص الاطباق علي الطاولة :


- ماما سافرت البلد النهاردة الصبح...انا قولتلها مفيش داعي بس فضلت مصرة وقالتلي انها هتكلمك اول ما توصل...


نفخ بضيق فهو يعلم تمام العلم رأس والدته اليابس وانها فعلت ذلك حتي يتسنى لهم فرصة للاعتياد علي بعضهم البعض ، ليجلسوا جميعاً ليتناولوا الافطار وكعادته "إلياس" يضع صغيرته علي ركبتيه ويطعمها بيده الامر الذي أثار غيرة وحزن "يزن" الذي نظر ارضاً بحزن فوالده تخلي عنه ولم يحمله يوماً ويطعمه كما تمني ، لفت انظار "الياس" حزن الصغير وخجله من ان يطلب منه ان يطعمه ليلتفت قائلاً ل"تقي" :


- روح بابي ينفع تخلي ماما سارة تأكلك ؟! 


صفقت الصغيرة بسعادة فقد تعلقت ب"سارة" كثيراً في تلك المدة القصيرة لتحملها وتطعمها بحب وتقبل وجنتيها من حبن لآخر ، وعلي حين غرة حمل "الياس" "يزن" ليضعه علي ركبتيه قائلاً بابتسامة :


- ايه يا بطل مبتاكلش ليه ؟


تلك الحركة البسيطة وكلماته المعدودة ادخلت السرور الي قلب الصغير ليهتف بابتسامة مشرقة :


- انا باكل اهو !


ابتسم له بحنان وهو يطعمه غافلاً عن اعين سارة التي تطالعه بأعين دامعة بامتنان فأطفالها حقاً بحاجة لأب رغم اهتمامها بهم لتحمدلله سراً علي شخصية مثله...


              *****

ولج الي المنزل بمقعد والده المتحرك ليطلب من "ليلي" مناداتها لتومأ له وتنادي بابتسامة ومازالت دموعها عالقة بجفونها من فرط سعادتها :


- زهرة...زهرة ! 


هرعت اليهم وقلبها يرفرف من السعادة فهي اصبحت تعد الأيام فقط لتري ابتسامته المهلكة او عيناه التي تري البحر من خلالها لتخرج قائلة بإنجليزيتها الركيكة (الضعيفة) :


- مرحباً...كيف...حالك سيد دانيال ! 


فهي منذ عادت الي المدرسة لا تهتم سوي لدراسة اللغة الانجليزية لتستطيع التواصل معه بلا حاجة لوجود خطيبته البغيضة كما تسميها ، لتقطب جبينها فمن ذلك الرجل المقعد لتشرح لها ليلي بابتسامة سعيدة :


- زهرة...ده انكل ابراهيم والد دانيال...احنا فكرنا نجيبه يعيش معاكي هنا بما انك عايشة لوحدك! 


ابتسمت فهذه فرصتها ان تهتم بوالده لعلها تلتف انتباهه اليها لتقول بابتسامة :


- دانا هشيله في عنيا يا خبر...


ادخله غرفته برفقة "ليلي" ليهتف أبيه بارتعاش :


- آدم...اوعي...تمشي تاني ! 


جلس كلاهما علي ركبتيهما أمامه لتبدا "ليلي" في الترجمة قائلة لأبيه برقتها المعهودة :


- متقلقش يا انكل...دانيـ...قصدي آدم بيدور عليك بقاله كتير وهو عمره ما هيسيبك تاني!  


ربت علي خصلاتها بحنان ثم انتقل لخصلات "داني" مربتاً عليه بحنو لا يصدق ان طفله عاد اليه وانه صار رجلاً مفتول العضلات لم يكن يصدق لولا عيناه الزرقاء الذي كان يتعجب منها الكثيرون قديماً حين عاد به الي موطنه ليقبل كلاهما كفه بحب غافلين عن تلك الأعين المشتعلة التي تراقبهم وما كانت سوي "زهرة" تنفست بغضب لتراقب خروجهم وتوديع "داني" لخطيبته لتتغير ملامحها حين علمت انه ينوي المبيت بمنزلها لأجل والده ها قد اتت فرصتها علي طبق من فضة فأقسمت الا تضيعها! 


                 *****

جلس في ظلام دامس حتي اصبح لا يميز من اين يأتي الظلام من داخله المحطمة ام من حوله! فتح الدفتر القديم ليتطلع علي صور اولاده الثلاث باشتياق وعبراته الحبيسة تأبي الخروج ليرتكز علي صورة "سارة" ليميل ويقبل صورتها هامساً بصوت مختنق :


- الف مبروك يا حبيبتي...سامحيني حاولت اجي الفرح بس مقدرتش... خفت تزعلي من وجودي وابوظ فرحتك ! 


لتهبط عبراته الساخنة تشق طريقها علي وجنتيه حين تطلع علي صورة "يوسف" متذكراً اخر مكالمة له منذ شهرين...


Flash back.          


هدر به بعصبية ما ان اجاب علي اتصاله :


- انت ازاي تعمل كده في ليلي ؟! يعني ايه كنتوا هتجوزوها لواحد عنده 50 سنة ! حتي لو امي اقترحت ده ازاي انت توافق ترمي بنتك في النار بالطريقة دي ؟!! 


اجابه بتلعثم وألم يحتل قلبه :


- هي فعلاً فريدة كانت عايزة كده بس انا كنت هشوف حل...وكت لقيت شاب كويس عندي في الشركة وكنت هخليها تتجوزه!  


هدر به بغضب :


- انت بتقول ايه بابا ليلي كان عندها 18 سنة انت مستوعب ؟! للدرجادي اخواتي كانوا حمل تقيل عليكم ؟ 


هتف بسؤاله الأخير بألم ليجيب الاخير بخفوت حزين :


- انا بس كنت عايز انقذها من فريدة...وعشان كده وافقت علي زميلها في الكلية...انا غلطت لما جبتهم يعيشوا مع فريدة...وحاولت اصلح غلطتي...

رد عليه باستهزاء متألم :


-  تصلحها بانك ترميهم في اي جوازة والسلام وايه النتيجة ؟ سارة اتجوزت واحد *** كان مطلع البلا الازرق علي جتتها ! وليلي...راحت عاشت في بلاد غريبة لوحدها وكانت اهون من انها تعيش في وسطنا انت متخيل يا بابا ؟!!!


صمت من شعوره بوخزات مؤلمة بقلبه ليسترسل بشرود :


- اتجوزت علي امي ولجئتلها بعد ما مراتك التانية ماتت...امي كانت بتحبك علي الرغم من غرورها وتكبرها الي خلاك تسيبها!  بس بجوازك عليها انت قضيت علي اي حاجة حلوة جواها وعشان تريح ضميرك سيبتها تبهدل في بناتك زي ما هي عايزة حتي انا عمرك ما قربت مني ولا نصحتني ولا عمرك فهمتني ازاي احافظ علي بنات الناس سيبتني في دنيتي احدف يمين وشمال كنت شايف ان زي ما بناتك اتحرموا من حنان ابوهم وامهم حرمتني انا كمان منهم! 

 

End flash back.     


تعالت شهقاته المتألمة وكأنها نابعة من أعماق قلبه المظلم فخطأ واحد قد دمر أسرة بأكملها! كان بإمكانه ان يساند زوجته ان بغيرها طالما شاء ان يجعلها تتعلم كيف تشبع رغباته بدلاً من البحث عنها بنساء اخرى كان بيده ان يصلح ما تحطم بمنزله بدلاً من تحطيمه رأساً علي عقب ومحاولة بناء غيره أوليس الرجال قوامون عن النساء ؟!..


               *****

رفع الغطاء ليدثره جيداً ثم قبل جبهته هامساً باشتياق :


- اشتقت اليك...أبي ! 


ثم نهض بعد ان تأكد انه راح في سبات عميق ليخرج من الغرفة وهو يعبث بخصلاته بنعاس بملابس بيتيه تظهر عضلات جسده وبنيته القوية ليقطب جبينه باستغراب حين لمح "زهرة" تجلس علي الاريكة تستذكر دروسها اقترب ليُثني علي اجتهادها فمن يذاكر بعد منتصف الليل!  ليلفت انتباهه تلك المنامة القصيرة الضيقة بشدة واحمر الشفاه الذي تضعه! ابتسمت بفرح حين رأته فهذا يعني نجاح خطتها لتنهض وتتجه نحوه بخطوات متمهلة وتتغنج في مشيتها مما اثار استغرابه! لتقول بدلال مفتعل لم تستطع اتقانه :


- مرحباً...كيف حالك سيد دانيال ؟! 


لا يدري عدد المرات التي سمع منها تلك الجملة التي تحفظها جيداً ، لم يتحرك قيد انامله وهو يراقبها بملامح زادت حدتها لتبتسم بتوتر من نظراته الثاقبة كادت تضع يدها علي صدره ليمنعها بإشارة صارمة ليرمقها بحده ليتجه نحو اوراقها ويلتقط ورقة وقلم ويكتب شيئاً ما ويعيد رمقها بتلك النظرة التي حقرت منها ، دمعت عيناها بخوف من نظرته ليتركها ويتجه لغرفة ابيه بلا ان ينطق حرفاً واحداً! لتلتقط الورقة فلم تفهم شيئاً لتفتح هاتفها الذي اشتراه لها مؤخراً وتبحث عن ترجمة تلك الكلمات وياليتها لم تفعل لتشرع في بكاءٍ عنيف ما ان اطلعت علي ترجمتها :


" لقد ظننت انني انقذت فتاة صغيرة بريئة من ذلك المكان المشبوه ولكن مظهرك اليوم أثار شكوكي لربما أخطأت واحضرت فتاة اخرى عاهرة ! فمن فضلك اذا كنت فعلاً أخطأت الاختيار اخبريني حتي اصحح خطئي !"


لتهرع الي غرفتها وتمسح أحمر الشفاه بعنف وتنظر لهيئتها بالمرآة لتصدم بهذه الفتاة ، هذه ليست "زهرة" التي حاربت من أجل الحفاظ علي شرفها هذه أخرى ترتدي ثياب كالعاهرات لا تليق بصغر سنها وبراءتها لتتعالي شهقاتها فكلماته تلك قد طعنتها في صميم قلبها وكأنها صفعة قاسية لتوقظها لتنهار أرضاً وهي تبكي عما اوصلها له شيطانها فقد ظنت ان بهذه الطريقة لن يتخلى عنها أفقدت الزهرة بريقها ام توارت خلف الحياة القاسية ؟!.


وعلي الجانب الأخر وقف امام غرفتها يستمع لبكائها يكبح نفسه الا يدلف ويحتضنها بحماية حتي تتوقف عن البكاء فهو قد اعتبرها طفلة مسكينة تحتاجه ولم يبخل عليها برفقة وحنانه لكنه ادرك انها تحتاج بعض الحزم لتعود الي رشدها ليهمس في نفسه بأسف :


- اعتذر عن كلماتي القاسية يا صغيرة لكنكِ بحاجة اليها خوفك ان اتركك استحوذ عليكِ ليجبرك بالتصرف بلا هدي اتمني ان تأتي بثمارها فانا لا ارغب ان اقسو عليكِ أكثر!  


                 *****

فتحت جفونها بضعف لتتسع حدقتيها حين وجدت نفسها في محيط واسع لا يظهر بدايته ولا نهايته! والمثير لدهشتها انها تتنفس رغم انها في أعماق محيط مظلم ، حركت ذراعيها لتسبح محاولة ان تكتشف هذا الظلام ليجذب انتباها همس دافئ غريب بأذنها لتسري القشعريرة بجسدها :


- مــيــرا !


لتشعر بيدين تلتف حول قدمها لتسحبها بعنف الي الأسفل في أعماق الظلام لترفع ذراعيها وتحركهم بعنف وكأنها اضحت خرساء فلا تجد لصوتها سبيلاً لتشهق بعنف وهي ترفع رأسها من المغطس فيبدو انها غفت اثناء استحمامها لتري هذا الكابوس المروع لتتنفس بصورة متسارعة كدقات قلبها وتبتلع ريقها ثم تلتقط رداءها لتنهض من المغطس وترتديه مسرعة وتتجه لغرفتها لتجلس علي طرف الفراش تمسح علي وجهها لتجبر نفسها علي الهدوء لتلتقط الهاتف وما ان أجاب حتي قالت من بين انفاسها المتسارعة :


- طمني...كل حاجة...تمام ؟


اتاها صوته قائلاً :


- اه كله تمام متقلقيش والفرح هيتم زي ما انتي عايزة !


أغمضت عيناه لتردف بانفعال غير مبرر :


- مترغيش كتير...يلا سلام ! 


واغلقت الهاتف بوجهه غير عابئة بكرامته كرجل التي تتلاعب بها بكل بساطة فهي أصبحت كالزجاج المنكسر الذي يجرح كل من يحاول الاقتراب منه ! ...


              *****

- حطيلي الالوان دي زيك يا مامي !

هتفت بها " تقي" بحماس طفولي وهي تمد كفيها بابتسامة بريئة 


ابتسمت "سارة" بحنان وهي تمسك بكفها وتضع لها طلاء الأظافر مثلها قائلة بلطف :


- من عنيا يا روح مامي...بس يلا بقي علشان منتأخرش علي بابي ويجي يكلنا...


ضحكت الصغيرة بانطلاق لتصمت فجأة وهي تضع كفها علي وجهها تكتم ضحكاتها ، ازدردت ريقها بصعوبة وهي تنظر خلفها بتوجس لتجده يقف يطالعها ببرود قائلاً :


- بقي انا هاجي اكلكم يا سارة ؟!


شهقت بدهشة لتردف مسرعة بأسف :

- مش قصدي والله يا الياس انا كنت بهزر و... 


اشار لها بالصمت ثم هتف بصرامة :


- تقي انزلي استنيني تحت ! 

طالعتها الصغيرة بقلة حيلة لتهرع الي أسفل فيغلق الباب خلفها والأخيرة تطالعه بتوجس من نظراته الغامضة ليقترب ببطء حذر ارسل القشعريرة بسائر جسدها لترتجف بخوف لا تدعيه رفع يده ليجذبها نحوه فتقف يده معلقة بالهواء حين وجدها تضع يدها علي وجهها تحميه وكأنها سيصفعها! لم يكد يتحدث حتي تأتيه الصدمة الثانية بحديثها الباكي :


- ونبي ما تضربني انا مش قصدي ! 

همس بدهشة :


- سارة ! 


ازداد بكاءها وارتفعت شهقاتها التي مزقت قلبه إرباً! ليجذبها ويضمها اليه تحت بكاءها الذي كاد يصل الي الهيستريا ليهمس بأذنها بحنو رغم تألم نبرته فهو لم يقصد اخافتها هو فقط كان يمزح كان يعبث معها قليلاً ولم يعلم ان هذه ستكون ردة فعلها! :

- سارة...اهدي يا حبيبتي...والله ما فكرت حتي امد ايدي عليكي ! 


تسارع تنفسها مع ازدياد بكاءها ليضعها علي الفراش ويهرع الي خزانتها وينتشل منها حقنة طبية مهدئة اعتادها بحكم عمله كضابط شرطة يحتم عليه معرفة الكثير ليعدها سريعاً ويتجه اليها ويضمها مرة اخري الي صدره وهي تبكي بانهيار وقد أعاد لها مشاهد قديمة من زواجها الأول حين كان "ماجد" يغلق باب غرفتهم ويشرع في ضربها بقسوة واغتصابها وصراخات طفليها تتردد بأذنها شعرت بذلك السائل يتدفق في عروقها ليجبرها علي ان تهدأ وتثقل جفونها فتستسلم لذلك الدوار وتذهب في سبات عميق بين ذراعيه اسندها علي الوسادة ولم يحررها من اسر ذراعيه ليتمدد بجوارها وعيناه تشتعل بنيران الغضب ، أقسم الا يرحم ذلك المسمى بزوجها السابق فهي لن تصل الي هذه الحالة الا اذا عانت الكثير! 


               *****

نهض بضيق ووجه ناعس بسبب رنين الهاتف ليجيب بضيق :


- الو...مين معايا ؟


ليصدع صوت الطرف الأخر وما كان سوي رفيقه "سامر" الذي صاح به :


- سيادتك نايم علي ودانك ومراتك بتتجوز ! انت طلقتها امتي عايز أفهم ؟!


انتفض قائلاً بدهشة :


- جواز ايه ؟ مراتي مين ؟! 


- مراتك...ميرا السويفي! ده حتي العريس اسمه طارق الألفي والفرح في فيلته بكره بليل ! 


اشتعلت عيناه تهدد بحرق اليابس والأرض! ليهتف بعصبية :


- طب اقفل ! وديني لمكسر الفرح علي دماغهم ! 


ليردف بتوجس :


- يوسف اهدي وبلاش جنان !


ليهدر بعصبية :


- مين دا الي يهدي ؟ دانا مش ههدي غير لما اخربها علي دماغهم اما وريتها بنت المجانين دي ! 


اغلق ليتصل بها بعصبية وما ان اجابت حتي صرخ بصوت كاد يصم أذنها :


- بقي الهانم عايزه تتجوز ومش همك النطع الي انتي متجوزاه !


هتف بها بعصبيه شديدة  وقد برزت عروق رقبته وهو يهاتف تلك المختلة كما يسميها "ميرا" ردت الأخيرة ببرود يتناقض مع خفقات قلبها التي تدق خوفاً :


-  ملكش دعوة انا حره وبعدين اسمها طليقتك مش مراتك يا يوسف بيه !


هتف بغضب وثوره عارمه :


-  اغلطي ، اغلطي كمان دانتي ايامك سودا معايا والفرح  ده هطربقة علي دماغك انتي وابن **** ده ... !


- انتفضت من نبرته العالية التي لا تبشر بخير وحاولت تهدئه نفسها لتردف بتحدي ونبره قويه زائفه :


- وانا بقي هتجوز يا يوسف وأعلي ما في خيلك اركبه سلام يا.... واكملت بسخريه.. يا طليقي !


اغلقت الهاتف بسرعه وهي تتنفس بصعوبة وهي تكاد تموت خوفاً للحظات شعرت بعظم خطأها ولكنها اقنعت نفسها انها علي حق فقد تزوجت حباً مره وفشل فلما لا تجرب زواج المصالح ف "طارق" شاب جيد وسيحقق لها ما تريد من شركة خاصه بها اقنعت نفسها بذلك وذهبت لتكمل استعدادها 


علي الجانب الاخر القي هاتفه  بعصبيه بعرض الحائط ليتناثر الي عده قطع ويهتف بغضب :


-  وديني لاوريكي يا ميرا انتي بتاعتي انا بس وعمرك ما هتكوني لحد غيري تبقي في بيتي بس وانا هوريكِ أيام سودا ! 


ثم صمت ليلتقط انفاسه الغاضبة وينادي أحد حراسه ليقترب الاخير فيهتف بآمر :


-  قول للرجالة تجهز عندنا طلعه !


- رد الحارس بطاعة :


-  تحت امرك يا يوسف بيه !


-  وعايز في خلال ساعتين زمن تعرفلي كل حاجة عن الي اسمه طارق الالفي من يوم ما اتولد لحد النهاردة !


-  اوامرك يا باشا 


         *******

فـي مـسـاء الـيـوم الـتـالـي ! 


انتهت عاملة التجميل من وضع مساحيق التجميل لتعطيها طلة قوية وجذابة بفستانها الأبيض القصير لتبتسم برضا لهيئتها رغم انها ترتجف من الداخل وتكاد تبكي خوفاً من ردة فعله لفعلتها لتتمالك نفسها وترفع هاتفها قائلة ببرود :


- انا خلصت يا طارق انت فين ؟!


أجابها وهو يقود سيارته :


- خلاص انا قربت علي البيوتي سنتر ربع ساعة بالكتير واكون عندك ! 


اغلقت الهاتف لتمر الربع ساعة ولم يحضر بعد لتزفر بضيق لتأتي فتاة من احدي عاملات المركز قائلة برسمية :


- مدام ميرا في واحد مستني حضرتك بره ! 


قطبت جبينها لتنهض لتجده رجل ضخم يرتدي بذلة سوداء ليقول برسمية :


- مدام ميرا...طارق باشا قالي أبلغ حضرتك  اني هوصلك القاعة الاول لان عنده مشكلة في العربية وهيحصلنا ! 


اومأت له لتصعد الي السيارة وتستند رأسها علي النافذة وهي تهدأ نبضات قلبها المرتجف...


                *****

توقف بسيارته حين لمح سيارة ضخمة تقف بطريقه وامامها مجموعة من الرجال الأشداء ليترجل صافعاً الباب بغضب ليهدر بهم بعصبية :


- انتوا قافلين السكة كده ليه ؟ وسعوا من قدامي ! 


هتف أحدهم بلامبالاة :


- كيفنا كده اننا نقفل السكة عندك مانع ؟ 


اغتاظ من برودهم وقد تأخر علي موعد الزفاف ليهدر بعصبية مفرطة وهي علي اتم استعداد للتشاجر معهم :

- احنا هنهزر يا روح ** انت وهو ؟! ابعدوا من سكتي انا اتأخرت علي فرحي ! 


استقام أحدهم ليصيح بتسلية :


- الله ده طلع عريس ! لا داحنا كده لازم نوجب معاه علي الاخر يا رجالة ! 

اقترب الرجال ليحاوطوه قبل ان يحاول فتح سيارته لإخراج سلاحه ليتكالبوا عليه وضربه بعنف! ولم يستطع صد ضرباتهم فالكثرة تغلب الشجاعة! بعد مرور بضع دقائق صاح أحدهم حين فقد وعيه من شدة الضرب والدماء تغطيه فلا تعرف من أين تأتي الدماء! :


- باس يا رجالة...الباشا عايزه حي هاتوه ! 


                 *****

تأفف المدعون من تأخر الوقت ولم يصل العروسان بعد ليهتف احدهم بضيق :


- وبعدين يعني ؟ هنبات هنا في العرسان ؟! 


وصاح أخر :


- تكونش العروسة هربت ؟!

وصاح أخر :


- اكيد في حاجة غلط مش معقول التأخير ده كله ! 


ليهدأهم رفيق العريس والذي يدعي "محمد" قائلاً بابتسامة متوترة :


- معلش يا جماعة الغايب حجته معاه اكيد حصلت حاجة في الطريق عطلتهم انا كلمت العريس خلاص زمانهم علي وصول ! 


                 *****

- ايه الطريق ده ؟!  ده مش طريق الفيلا ؟!


هتفت بها " ميرا " في قلق وهي تري السائق ينحرف عن مساره , رفع قبعته و هو ينظر لها بابتسامة غامضه ويهتف  :


- ده فعلا مش طريق ڤيلا الفرح  ده طريق بيتك عالطول يا عروسه !


انهي جملته بغمزة وهو ينظر لها في المرآه,  تسارعت دقات قلبها وشهقت بخوف لدي رؤيتها " يوسف" لتصيح بصدمة ممتزجة بالرعب ..! :


- يوسف !


هتف بابتسامة قاسية :


- اه يوسف الي كنتي ناويه تستغفليه يا حبيبتي !


 انكمشت في مقعدها بفزع وردت بقلق ورعب ودقاتها تكاد تخرج من محجرها :


- انت ناوي علي ايه ؟!.


هتف بابتسامة جانبية قاسية وهو ينتوي لها :


- ناوي علي كل خير يا مراتي !


#يتبع...

#أحببتُ_فريستي 

#بسمة_مجدي

_ هروب _

  _ 29 _


ما ان توقفت السيارة أمام ذلك المنزل الغريب الذي تراه لأول مرة ويقف في منطقة نائية عن البشر ، أسرعت لتفتح باب السيارة وتركض قبل أن يفتك بها لتشعر بذراعيه يلتفان حول خصرها ويرفعها عن الأرض صرخت بهلع وقد تجمدت الدماء بعروقها :


- يوسف...خلينا نتفاهم...ابوس ايدك بلاش تهور ! 


أجابها بتهكم وهو يدلف بها الي ذلك المنزل وهي تتلوي بعنف بين ذراعيه :

- تهور ! انتِ بذات متتكلميش عن التهور دانتي طلعتي مهبوشة وانا مش واخد بالي ! 


صرخت بألم حين القي بها ارضاً لكن اختفي صوتها حين رأته يخلع سترته ويرمقها بتوعد لتطلق العنان لقدميها وتهرع لتختبئ بأحد الغرف وتغلق الباب بسرعة ونبضاتها تتعالي كالطبول! ليصيح بها بعصبية من خلف الباب :


- افتحي يا بنت السويفي ! وديني مانا عاتقك ! رايحة تتجوزي وانتي علي زمتي ؟! للدرجادي معادش فيكي عقل ؟!.


انقبض قلبها لتصيح بتوتر غاضب :

- متقولش علي زمتي انت طلقتني ولا نسيت ؟! 


ابتسم بتهكم قائلاً :


- لا هو الحلوة متعرفش ان في شهور عدة ؟! وان طلاقك رجعي علشان طلقة اولي ؟! وان انا ممكن اردك ومن غير اذنك كمان ؟  اصدمك ؟ انا عملت كده فعلاً رديت بعد طلاقنا بكام يوم بس علشان عارفك دماغك جزمة مرضتش اقولك الا لما تهدي ونعرف نتفاهم علشان مترجعيش تجيلي بحقوق المراءة وازاي ترجعني غصب عني ! 


بهتت بصدمة فما كانت ستفعله أقرب للجريمة! فقط الأن انتبهت لفداحة خطأها لتنظر الي فستانها الأبيض بصدمة وهي تضع يدها علي فمها...ترقرقت الدموع بعينيها فهل أعماها الانتقام لتلك الدرجة! وكأنها استيقظت من حلم للتو! 


وبالخارج استغرب صمتها ولا يدري كيف شعر انها صدمت بخطائها للتو! ليهتف بهدوء نسبي متجنباً عقابه لفعلتها لوقتِ اخر فهو خير من يعلمها ويعلم الي أين قد تصل حالتها :


- ميرا...اهدي وافتحي الباب ! مش هعملك حاجة بس اخرجي وخلينا نتكلم !


وبالفعل فتحت الباب ليصدم بهيئتها فقد فسدت زينتها قليلاً بسبب تلك الدموع المنسابة علي صفحة وجهها وتلك الأعين المنصدمة فكانت أقرب لطفلة تائهة! ليقترب وعلي حين غرة سحبها لأحضانه لتتشبث به بقوة هامسة بنشيج مصدوم بنبرتها الخافتة :


- انا كنت هعمل ايه ؟! لو مكنتش جيت كان ايه الي هيحصل! 


أغمض عيناه بقوة ليستدعي هدوءه فيبدو انها تعود لتلك الحالة التي أتتها مسبقاً ليقول :


- مكانش هيحصل حاجة...المأذون أكيد مكانش هيرضي يكتب الكتاب...وانا كده ولا كده كنت هعرف وهوقف الموضوع !


ابتعدت عنه هامسة ببكاء :


- انا والله مش بحبه ومش عايزاه انا بس...كنت عايزة اضايقك ! بس بس...والله مكنتش هخليه يلمسني وكنت هطلق بعد كام شهر ! 


سقطت علي ركبتيها لينحني ويجلس جوارها جاذباً رأسها لصدره قائلاً بنبرة هادئة :


- عارف انك كنتي متضايقة مني وحقك بس كان لازم تسمعيني الاول انتي غلطتي وانا كمان غلطت لما مقولتش اني رديتك علي الاقل مكناش وصلنا لهنا ! 


تعالت شهقاتها وكأنها ستخترق صدره من شدة بكاءها لتهمس بتأنيب لنفسها :

- أنا وحشة صح ؟ وبغلط كتير ؟! 


ليجيب بلطف عكس النيران التي تعتمر بصدره :


- لا انتي مش وحشة يا حبيبتي...كلنا بنغلط ومحصلش حاجة انا لحقيتك ! 


لتهمس بشرود وكأنها ليست واعية وهو يدرك انها ستنسي كل ما قالته حين تفيق! :


- بابا كان معاه حق...قالي اني وحشة وكل الناس هتسبني وهتكرهني...ماما سابتني و كل الناس سابتني حتي انت هتسبني صح ؟! 


هربت دمعة من ألمه لحالتها التي تزداد سوءاً ليهمس بألم :


- أنا عمري ما هسيبك...مهما عملتي ! انتي أحلي واطيب واحدة عرفتها...انتي حبيبتي ! 


لتعود وتهمس بتلك النبرة الشاردة :


- انا بحبك...لا بكرهك علشان انت ضحكت عليا ! 


صمتت بعدها ليشعر بأنفاسها تنتظم ليدرك انها سقطت في سبات عميق كعادتها هروباً من كل شيء! لينهض ويحملها ويتجه بها نحو أحد الغرفة ويدثرها جيداً ويستلقي جوارها ضاماً جسدها اليه وقد اتخذ قراره ان يجعلها تري طبيباً بشأن حالتها التي تزداد سوء بمرور الأيام شعر بنغز في قلبه لمشاركته ولو بنسبة صغيرة في آلامها وحالتها تلك فهما تدعي من قوة هو يدري ان خلف هذه القوة حطام امرأة حطمتها الأيام وتركتها هشة...ضعيفة...وقوتها ما هي الا قناع لأوجاعها وضعفها وهذا القناع بدأ في التصدع ومن يدري متي سينكسر! 


                *****

طلت بزرقواتيها لتجد نفسها في ذلك المنزل وتدفقت الاحداث علي رأسها لتتذكر خطفه لها بالأمس  لتشتعل عيناها بغضب وكادت تنهض ولكنه قاطعها بدخوله حاملا انواعا من الجبن والعصير وهو يهتف بابتسامته الساحرة :


- صباح الفل يا ميرو كويس انك صحيتي انا لسه كنت جاي اصحيكي علشان نفطر سوا !


نظرت له بغضب فكيف يتعامل كأن شيئاً لم يكن وفجأة اطاحت بكل ما بين يديه علي الارض وتهتف بحده :


- مش عايزه من وشك حاجة..! 


اشتعلت عيناه بغضب ليضع يديه خلف رأسها ويجذبها اليه لتضحي قريبه من وجهه وانفاسه الغاضبة تلفح وجهها بقوة لينظر لها بغضب وهي تبادله نظرات الغضب والتحدي التي تخفي ورائهم خوفا كبير وقلب يرتجف من مظهره الغاضب هتف من بين اسنانه :


- ياريت متختبريش صبري وتخليني اوريكي الوش التاني لان صبري قرب ينفذ..! كفاية اني لسه محاسبتكيش علي عملتك السودا ! 


هتف بجملته الأخيرة وتلقائيا جذبته شفتيها المرتعشتين بشده فلم يفكر كثيرا فانحني واخذها في قبلة عميقة وقلوبهم تخفق بجنون حتي ابتعد اخيراً ليهتف وهو يلتقط انفاسه ويسند جبينه الي جبينها :


- انتي بقيتي الهوا الي بتنفسه حقك تزعلي مني بس انا هفضل وراكي لحد ما تسامحيني وترجعيلي يا مزتي ...! 


 قال كلمته الأخيرة بابتسامة عابثة وهو يغمز لها و لم ينتظر ردها تركها مصدومة تحت تأثير قبلته وكلامه المعسول وغادر الغرفة...


                *****

لم تبرح غرفتها حتي المساء حتي لا تلتقي معه فهي تخشي ان تخضع لعشقه الجارف ولكن لا والف لا فهي ميرا السويفي قطع سيل تفكيرها صوت معدتها فهي لم تتناول شئ منذ الصباح قامت علي مضض وقررت النزول لأسفل وتناول شئ خفيف وهو نائم ولن يشعر بها , نزلت الي الاسفل صدمت بنوم "يوسف" علي الاريكة في هذا الجو البارد فاقتربت منه لتسمع همهمات ضعيفة صادره منه لتضع يدها علي جبينه لتبتعد فجأة فهو يشتعل من الحرارة يبدو انه اصيب بحمي عالية لم تفكر كثيراً لتندفع لتحضر ماء بارد وقطعة قماش لتضعها علي جبينه وتلتقط هاتفها لتتصل بالطبيب فوراً.........


               *****

- انا إدتله حقنه خافضه للحرارة بس لازم يتحط تحت مياه سقعه لمدة 10 دقايق علي الاقل علشان حرارته ترجع طبيعية...


هتف بها الطبيب وهو يدون لها بعض الادوية التي يحتاجها 


- متشكرة يا دكتور تعبتك معايا !


-ولا يهمك يا مدام ميرا...


قالها وانصرف لتقف تفكر بحيرة كيف ستضعه تحت ماء بارد فحقاً عضلاته ضخمة وهي لا تضاهي نصف قوته حزمت امرها واتجهت اليه لتهتف بهدوء وهي تضع يده حول رأسها وتسندها الي كتفها :


- يوسف معلش حاول تساعدني بس علشان تاخد دوش ! 


فتح عيناه قليلا وهو بين النوم واليقظة وبدأ ينهض معها بتعب وضعف , وصلت به أخيراً بعد عذاب ومشقة وحاولت جعله يجلس في المغطس لتفتح المياه الباردة عليه لينتفض بفزع,  فتقترب لتهدئته لتفاجئ به يضمها اليه وهو يبدو غير واعي ويهتف بضعف ووهن :


- متسبنيش انا بحبك..!


اتسعت عيناها لما قاله وهي تعي صدق مشاعره  خفق قلبها بجنون سيطرت علي مشاعرها وظلت واقفة بين احضانه والمياه تنهمر بشده فوقها , اوقفت المياه بعد عدة دقائق واخرجته بصعوبة بالغة وهو يترنح حتي وصلت الي الغرفة غيرت ثيابه ووجنتيها تكاد تنفجر من شدة الخجل علي الرغم من انه نائم وغير واعي ودثرته جيداً لتستلقي بجانبه بتعب وانهاك وتغط في سبات عميق...........


                *****

ولج برفقتها الي المنزل كالعادة فمنذ تلك الليلة قرر الا يحضر الا برفقتها حتي لا يتسنى فرصة للأخيرة أن تكرر فعلتها ليهتف بجدية قبل ان يدلف لغرفة والده :


- ليلي...من فضلك اطمئني علي زهرة واخبريني اذا احتاجت شيئاً وانا سأجلس مع أبي قليلاً... 

اومأت له بابتسامة ليتركها ويدلف الي غرفة والده وسرعاً ما ارتسمت ابتسامة مشرقة علي محياها كعادته حين يراه ليقترب ويجثو علي ركبتيه أمامه ويبدأ في اطعامه بلا اضافة كلمة لأنه لن يستطيع التفاهم معه لانعدام اللغة العربية لديه انتشله من شروده وقوف "ليلي" المتوتر أمامه لينهض ويسحبها لخارج الغرفة متسائلاً :


- ما الأمر ؟ هل زهرة بخير ؟!


تنفست بغضب لتعطيه ورقة ، نظر بها فلم يفهم شيئاً ليسألها مقطبا الجبين :

- ماذا يعني هذا ؟


اجابته بعصبية مكتومة :


- زهرة تركت المنزل ! ولم تترك سوي تلك الرسالة التي تعتذر بها عن خيانة ثقتك بها وانه من الأفضل لها الرحيل لأنها خجلة منك ومن فعلتها الخرقاء ! وتقول أيضاً انك محق هي لا تستحق تلك الحياة التي منحتها اياها لذلك ستعود الي المكان الذي يحوي أمثالها ! اريد توضيحاً لما يحدث داني ؟!!


مسح وجهه بضيق ليردف بسرعة وهو يرتدي سترته :


- صغيرتي...اعدكِ ان اوضح لكِ كل شئ فقط اعتني بأبي وانا سألحق بزهرة قبل ان تفعل شيئاً مجنوناً ! 


ركض مسرعاً الي سيارته وهو يقود بأقصى سرعته ويتلفت يميناً ويساراً لعله يجدها ، ظل يجوب الشوارع لنصف ساعة كاملة حتي لمحها أخيراً متكومة جانباً تحتضن جسدها ويهتز بعنف يبدو انها تبكي! ترجل من سيارته ليتجه نحوها بغضب عارم ليرفعها من ذراعها وبدون كلمة واحدة يسحبها نحو سيارته لتشهق بصدمة حين رأته لتحاول الافلات منه قائلة بتوسل باكِ :


- علشان خاطري يا باشا سيبني انا مليش الا عيشة الشوارع...انت ساعدتني وشوف انا عملت ايه ! 


لم يعيرها اهتماماً ليدخلها قسراً الي سيارته رغم توسلها وبكاءها الذي تعالت شهقاته ليلتفت لها قائلاً بصرامة :


- من الأفضل ان تصمتي وتتوقفي عن البكاء لا تدعيني أفقد سيطرتي علي غضبي يا فتاة ! 


رغم انها لم تفهم من حديثه سوي كلمات معدودة لكنها ادركت انها يأمرها بالصمت لتبتلع غصة في حلقها وتبكي في صمت ، وصل بها منطقة نائية أمام جسر نهر النيل او كما نطلق عليه "الكورنيش" هبط كلاهما من السيارة ليقف مطالعاً المياه امامه ويرمقها بغضب من حين لآخر وهي فقط تتطلع ارضاً بخجل من نفسها ليخرج هاتفه من جيبه ويكتب بضع كلمات ويحولها للغة العربية ويرفع الهاتف في وجهها لتقرأ الاتي :


- لماذا فعلتي ذلك ؟ 


لتجيبه بنبرة باكية متناسية عدم فهمه للغتها :


- والله يا باشا ما قادرة أبص في وشك من ساعتها انا معرفش فكرت اعمل كده ازاي بس والله بحبك ! معرفش ازاي وعارفة انه غلط بس غصب عني ! 


اعطاها الهاتف لتكتب ما قالته اخفي دهشته ليعود ويكتب :


- لا زهرة...انتِ لم تحبيني مطلقاً انتِ لا تعلمين ما هو الحب يا صغيرة ربما تحبيني كأب لكِ ولكن ليس كحبيب ! انا عشتُ بما يكفي لأميز ما تفكرين به ! انتِ فقط ترغبين بوجودي دوماً وانا اساعدك في مذاكرتك وان ادافع عنكِ امام من يفكر بإزائك ! 


 قطبت جبينها بحيره فهو محق شعرت بالتخبط لتمسح دموعها بظهر يدها وتكتب له :


- اجل انا اريد كل هذا لكن هذا ما يسمونه حب ؟!


ابتسم بحنو ليعاود الكتابة :


- لا بل يسمي احتياج ! احتياج لأب ! لظهر تحتمي خلفه من قسوة الحياة وانا اعدكِ الا أبخل عليكِ بهذا الدور ما دمتُ حياً علي شرط ان تنتبهي لدراستك وتبعدي تلك الأوهام بعقلك ، ستظلين ابنتي ولن اتخلي عنك كوني واثقة بذلك ! 


رمشت لتزيل غشاوة الدموع وهي تطالعه بنظرة تائهة فهي فقدت تلك المشاعر منذ زمن تمعنت في حديثه لتفكر لدقائق انه محق انها تحتاج لعطفه ومساعدته ليس الا هي فقط أخطأت فهم مشاعرها وخيل لها ان يحبها ويتزوجها تاركاً خطيبته التي يعشقها! لتعض شفتيها قائلة بخجل :


- انا أسفة سيد دانيال ! اعدكُ الا افكر بهذا الشكل مرة أخرى وان انتبه علي دروسي...


ابتسم بحنو فهي طفلة بحق ليهتف بهدوء :


- هيا لنعد الي المنزل يا صغيرة تأخر الوقت ! 


               *****

جلس بمكتبه شارداً في ما حدث حتي استفاق من شروده علي رنين هاتفه اجاب ليصدع الصوت من الطرف الأخر :

- باشا...جبتهولك لحد عندك هستناك تيجي تشوفه نصاية كده !


ابتسم بشر ليردف :


- حبيبي يا عامر باشا مسافة السكة واكون عندك بس متقربلوش انا عايزه سليم ! 


التقط مفاتيحه واستقام متجه الي وجهته وعيناه زادت حدتهم ، وصل الي المكان المنشود ليدلف الي الغرفة ليجده مقيداً بالكرسي ورأسه منحني لأسفل ليهتف بسخرية :


- ازيك يا ماجد ؟! 


رفع رأسه بلهفه ليصيح ببكاء :


- والله يا باشا معملتش حاجة انا مش عارف جابوني هنا ليه وانا كنت خلاص مسافر ! 


جلس علي الكرسي أمامه ليشعل سيجارته وينفث دخانها بوجهه قائلاً ببرود :


- فاكر سارة طليقتك ؟ 


يقسم لو كانت يده حره لكان لطم وجهه حسرة ليصيح بيأس :


- نهار اسود عليا وعلي الي جابوني والله يا باشا مجيت جمبها من اخر مرة ولو يوسف بيه اخوها الي باعتك قوله يرحمني شوية انا اتهريت يا باشا والله شوية اخوها وشوية ابوها ورحمة امي ما بصيت عليها من بعيد حتي ! 


ضحك ساخراً ليقترب من وجهه هامساً من بين اسنانه :


- لا يا روح *** حساب ابوها واخوها غير حسابي انا ! انا هعرفك ازاي تعمل راجل علي واحدة أضعف منك ! 


نهض ليخلع سترته ويلقيها جانباً ويتجه ليقفل الباب جيداً ويلتفت له وابتسامة شيطانية مخيفة تتشكل علي ثغره وهو يشمر عن ساعديه والأخير يصرخ بهلع وجسده ينتفض برعب :


- لالالا أبوس أيدك يا باشا والله هسافر ومش هتشوفوا وشي تاني وحياة اغلي حاجة عندك يا باشااااا !


             *****

فتح جفونه ليبتسم بنعاس حين وجدها مستلقية بجواره وما كاد ينهض حتي استيقظت بضيق لتنهض وتجلس علي الاريكة بضيق من نومها بجانبه ليتسأل بنعاس :


- مهربتيش ليه ؟ 


اجابته علي مضض بوجهه عابس :


- ملقتش المفتاح ! 


كتم ضحكته لينهض متجهاً للمرحاض فتوقفه قائلاً بارتباك :


- اوعي تفتكر اني ساعدتك علشان حاجة بس علشان حرام اسيبك تفضل تعبان ومخدتش بالي اني نمت جمبك علفكرة ! 


لم يستطع منع ابتسامته الجانبية من الظهور ليردف لإغاظتها :


- عارف ! 


استشاطت غيظاً من بروده لتترك الغرفة برمتها وتتجه لتجلس بغرفة أخرى حتي حل المساء ، تأففت بضيق فهي لم تبرح غرفتها تجنباً للقائه لكن معدتها أبت فهي لم تأكل منذ أمس لتهبط الي أسفل علي مضض لتجده يتابع التلفاز ببرود لتهتف بتذمر طفولي وهي تعقد ساعديها امام صدرها, 


- انا جعانة !


 ليهتف بنزق :


- بس الخدامة مشيت من بدري 


ردت بعبوس :


- مليش دعوه اتصرف..!


اردف بقله حيله :


- مانا مش بعرف أطبخ !


هتفت بابتسامة سخيفة :


- ولا انا !


ضحك لمظهرها الطفولي وهو ينهض من للأريكة ليسحبها خلفه الي المطبخ وهو يهتف من بين ضحكاته :


- خلاص تعالي نفتكس اي حاجة مع بعض !


دلفوا الي المطبخ ليقفوا بضع دقائق بحيره الي ان هتف بحماس :

- تعالي نعمل مكرونة اظن بيقولوا سهله !  


أجابته بحماس وقد تناسوا وضعهم للحظات!  :


- انا تقريباً فاكره بتتعمل ازاي بس عمري ما عملتها قبل كده !


بعد بضع ثواني ارتدي زي الطهي الذي يسمي ب "مريلة المطبخ " وبدأ بالطهي بدأ بوضع المكونات ليهتف بها :

- ميرا هاتي الملح من عندك...


أخذت تلتف حولها وهي تبحث ولكن لم تجده فهتفت بعبوس :


- مش لاقياه !


ترك ما بيده ليهتف بتذمر :


- يووو  حتي الملح مش عارفه تجبيه...وسعي كده...


اقترب ليبحث خلفها لكنه لم يزيحها جانباً الي ان التقت عيونهم وانتبه كونه يحاصرها التقت عيونهم في أحاديث طويله , نزل ببصره الي شفتيها التي ترتعش بتوتر فلم يدع مجال للتفكير انحني ووضع يده خلف رأسها ولثم شفتيها بقوه وعشق دفين صدمت من فعلته وماهي الي ثواني ان بدأت تبادله قبلته بجنون ابتعد عنها بغتة ليهتف باستغراب :


- اي الريحة دي ؟!


نظرت هي الأخرى له باستغراب لتمط شفتيها لعدم معرفتها وما هي الا ثواني لتتسع عيونهم معاً ليهتفوا في صوت واحد اشبه بالصراخ :


- المكرونة ...!


وقد فات الاوان فاحترقت الطبخة لتهتف ميرا بضيق وتذمر :


- شوفت المكرونة اتحرقت بسببك اكل ايه انا دلوقتي ؟!


رفع حاجبه الايمن ليهتف بحده :


- ده علي أساس انه مكانش بمزاجك ؟!


تسللت الحمرة الي وجنتيها سريعا لتهتف بخجل وارتباك :


- م م م انت فجأتني..و...و  


ابتسم بسخريه لحالها ليهتف :


- خلاص انتي لسه هتهتهي اهو الأكل باظ !


غامت عيناه بنظره تعلمها جيداً وهو يهتف بخبث :


- بس مفيش مانع نشوف أكل تاني !


اتسعت عيناها لفهم ما يرمي اليه لتهتف بغضب :


- احترم نفسك ومتفكرش علشان سبتك تبوسني اني هرجعلك لا انا لسه مصممه علي الطلاق وانا مش هسمحلك تقرب مني تاني !


قبض علي كفه بغضب لتحولها السريع فيبدو ان الشيب سيغزو رأسه قبل ان ينال عفوها تلك المتمردة , لم يرد إفساد فرحته بتجاوبها معه ليهتف بهدوء نسبي :


- انتي عارفة كويس اني مش هسيبك وقولتلك اني اتغيرت وشيلت فكرة اني أذيكي او اسيبك من زمان وانتي عارفة وحاسة بكده اكيد مكنتش بمثل عليكي كل المدة دي ومش هنكر ان كان في نيتي أأذيكي بس حبيتك ونسيت الفكرة أصلاً ! 


صمتت بحيرة فهي حقاً لم تري منه شيئاً سيئاً لكن كرامتها عادت تصيح من جديد وتذكرها بما سمعته بذلك التسجيل لتقول بجمود :


- ندمت ولا لأ ميهمنيش الي يهمني انك تطلقني وكل واحد يروح لحاله انا مقدرش اعيش معاك بس الي سمعته ! 


جز علي أسنانه بغضب ليردف :


- ماشي يا ميرا ! بس مترجعيش تندمي ! 


قالها ليغادر حانقاً مقرراً ان يحضر طعام جاهز من الخارج او بمعني أوضح يبتعد حتي لا يفتك بها وبرأسها اليابس! وترك الباب مفتوحاً كأخر اختيار لها ان اختارته ستبقي وان اصرت علي الانفصال سترحل! ...


                *****

اطاح بكل ما طالته يده وهو يصرخ بجنون :


- مش هسيبهالك يا يوسف ! ميرا هتبقي بتاعتي انا وبس انت متستحقهاش ! 


رفع هاتفه ليجيب ويصدع صوت الطرف الاخر :


- خرج يا باشا صوتهم كان عالي تقريباً اتخانقوا وهو خرج متعصب وركب عربيته وطار ! 


ابتسم بشر ليغلق الهاتف قائلاً بحقد :

- دي فرصتي يوسف دمه حامي ولو لمستها مش هيقدر يبص في وشها تاني ! 


خرج مسرعاً ولا ينتوي خيراً فالشيطان قد عبث بعقله وانتهي الأمر! 


              *****

وقفت لعدة دقائق امام الباب المفتوح وهي تفكر بحيرة لتسيل دموعها وقد اتخذت قرراها اقتربت من الباب واغلقته فهي ستنتظره...ستسامحه لتعترف في نفسها سراً انها بالفعل تعشقه وبجنون! انتشلها من شرودها دقات خافتة علي الباب ، ابتسمت بفرح فقد قرر العودة وعدم تركها وحيدة تنفست بعمق لتستعد لترتمي بين ذراعيه وتخبره بمسامحتها وتعترف ان لا حياة بدونه فتحت الباب لتتلاشي ابتسامتها شيئاً فشيئاً لتهتف باستغراب :


- انت مين ؟!


رفع رأسه ليجيبها مبتسماً بغموض مخيف :


- انا صاحب يوسف...سامر ... !!!


#يتبع...

#أحببتُ_فريستي

#بسمة_مجدي

،_ وسقط القناع ! _ 

        _ 30 _


ركل الكرة بقوة لتصيب الهدف او تحديداً حائط المنزل! ليصرخ الصغير بحماس :


- جوون يا بابي ! 


ابتسم ليقترب من الصغير ويعبث بخصلاته مبعثراً إياها قائلاً بعتاب رقيق :


- ايه يا يزن مش اتفقنا اسمها بابا ؟ بابي دي للعيال التوتو اما احنا ايه ؟ 


أجابه الصغير بنفس حماسه الطفولي :


- احنا رجالة ! 


تركه ليتجه الي صبيه الصغير " مازن " ليقول بمرح :


- ايه يا مازن باشا هو كل ما اجيب فيك جون تزعل ؟ فين يالا الروح الرياضية ؟ 

اجابه الصغير بعبوس :


- بس يا بابا انا مش بحب اخسر ! لان الخسارة للناس الضعفا وانا مش ضعيف ! 


اخفي دهشته من حديث الصغير الذي يفوق عمره ليردف بهدوء :


- لا يا مازن مش دايماً الخسارة للضعفا بالعكس لو مخسرناش عمرنا ما هنتعلم حاجة ! الخسارة مكسب علشان بنتعلم من غلطتنا !


وما كاد يكمل حديثه ليجد "سارة" تلج الي المنزل وهي تحمل صغيرته الذي يبدو انها غفت في الطريق لتشير له بعينيها ان يأتي ليترك الصبيان ويتجه خلفها ليجدها تدثر الصغيرة ثم التفتت له قائلة بشرود :


- الياس...في حاجة غريبة حصلت معايا النهاردة كنا بنشترى حاجات فجأة لقيت تقي مسكت فيا جامد وقعدت تقولي يلا نروح لدرجة انها عيطت ولما شلتها لقتيها بتترعش في حضني من الخوف ! وبتنادي علي اسمك ! 


جلس بجوارها ليمرر كفه علي خصلات صغيرته بحنان ثم اردف بهدوء يتخلله حزن عميق :


- تقي...بتتعالج نفسياً يا سارة ! عندها فقدان ذاكرة ومش فاكرة اي حاجة عن اهلها ولا عن حياتها قبل ما تتخطف !


شهقت بصدمة وهي تفكر في نفسها كيف لطفلة في سنها ان تصاب بمرض نفسي ! ليسترسل وهو يتجه بها الي غرفتهم :


- جاتلها حالة ضيق تنفس قبل كده وكانت هتروح مني...هتستغربي اني بحبها للدرجادي رغم انها مش بنتي بالدم...! 


جلس علي الفراش وهو يدفن وجهه في كفيه هامساً بنبرة متألمة :

- أنا خايف عليها اوي...وصعبانة عليا انها بتتعالج في السن ده ! 


جلست بجواره لتحتضن كفه بكفها بارتباك هامسة بلطف :


- متقلقش...انشاء الله هتبقي كويسة وانا مش مستغربة انك بتحبها وبتعتبرها بنتك لان هي تتحب فعلاً وانا كمان اتعلقت بيها في فترة صغيرة...


ابتلع غصة بحلقة ليكمل :


- سارة انا مبخلفش ومفيش أمل ولو واحد في الميه اني أخلف ! تقي أول فرحتي...ومن اول لحظة شوفتها فيها وانا حسيت باحتياجها ليا...حركت جوايا مشاعر افتكرت اني عمري ما هحسها علي رأي طليقتي...انا تعبان علشانها !


صدمت به يميل برأسها عليها محتضناً اياها وتزيد صدمتها بالدموع المنسابة علي وجنته هو حقاً يتألم! ولأول مرة تشعر به كطفل تائه حزين متألم ، وكأن كلماتها هربت ولم تجد ما تقوله لتربت علي كتفه وتمرر كفها علي خصلاتها لتكتفي بلمساتها الحانية لعلها تهدئ من روعه...


            *****

قطبت جبينها قائلة باستغراب :


- تشرفنا...بس يوسف مش هنا ! 


ابتسم بخبث ليدلف الي المنزل بوقاحه لتهتف بضيق :


- استني...لو سمحت ميصحش كده اتفضل ولما يوسف يجي تقدر تيجي تقابله !


التفت لها قائلاً بابتسامة :


- لا انتي غلطانة...انا مش جاي علشان يوسف ، انا جاي علشانك انتي ! 


انقبض قلبها بخوف فطري لتهتف بجمود :


-  احنا مفيش بينا كلام ! انا مبحبش اكرر كلامي ميصحش وجودك دلوقتي...اتفضل امشي ! 


اقترب ببطء وهو يهمس بخبث :


- ايه المقابلة الناشفة دي ؟ دانا غرضي شريف...وفـاعـل خـيـر !


اتسعت عيناها بصدمة من نطقه للكلمة الأخيرة ببطء وكأنه يقصد بها شئ لتردف تحت بدهشة :


- انت الي بـعـت التسـجيلات ؟! 


اومأ بإيجاب مبتسماً لتهتف بانفعال :

- امشي اطلع بره ! انت واحد حقير ! 


نفي بضيق قائلاً :


- كده يا ميرو يعني ده جزاتي اني خليتك تشوفي حواليكي بدل ما تعيشي مخدوعة فيه ! 


لم تتخطي الصدمة الأولي ليكرر صدمها بأن لف ذراعه حول خصرها وجذبها ليحتضنها بعنف ويدفن رأسها برقبتها ، تسمرت للحظات من صدمتها لتفيق وتحاول دفعه صارخة بعنف :


- ابعد عني...انت اتجننت ! 


بدا يوزع قبلاته المقززة حول رقبتها رغم نقورها وصراخها العالي ليهمس بأذنها بلطف مناقض لعنف قبلاته :


- اهدي...مفيش داعي للعصبية...الموضوع هينتهي بسرعة...متجبرنيش أاذيكي أنا بحبك ! 


ارتجف جسدها وأخذ يهتز بعنف وهي تتلوي بعنف صارخة :


- انت مجنون...يوسف هيقتلك لو قربت مني ! ابعد عني بقولك ! 

استجمعت قوتها لتهدا حركاتها فجأة ليظن انها استجابت للمساته ليصدم بها تدفعه فجأة بعنف وتركض للخارج وجدت سيارتها التي طلب "يوسف" من السائق احضارها حتي يعطي لها خيار البقاء او الرحيل صعدت مسرعة وهي تبحث عن المفتاح بهلع وايدي مرتجفة وأنفاسها تتسارع لتصرخ برعب حين وجدته أمام نافذتها ويكسرها بقبضته ثم استطاع فتح الباب وجذبها من خصلاتها بقسوة هادراً :


- بتهربي مني يا بنت *** وديني لأخد الي انا عايزه بردو ! 


دلف للداخل وهو يجرها خلفه ثم القي بها ارضاً بعنف لتحاول النهوض مسرعة وهي تلقي بأي شئ يقابلها في وجهه ثم التقطت سكين الفاكهة ولوحت به صارخة بشراسة :


- هقتلك ! هقتلك قبل ما تقربلي ! 


                *****

ظلت صامتة طوال الطريق ولم تنبث بحرف ليقطع الصمت صوته الهادئ موضحاً :

-  لا داعي لغضبك ليلي...انتي تعلمين انها صغيرة وتصرفت بغير هدي ولم تقصد ما فعلته ! 


رمقته بنظرات نارية وهي تصيح بغضب عارم :


- لا والله  ؟ بقي البت الـ*** بتلف حواليك وتقولي صغيرة وزفت ! لو مكنتش قفلت علي اوضتها قبل ما تحكيلي...كنت جبتها من شعرها خطافة الرجالة ! 


انتقل غضبها له مردفاً بعصبية :


- اخبرتك الا تتحدثي بلغتك أمامي واللعنة ! وتوقفي عن الصراخ ! 


لتجيبه بلغته هادرة :


- اياكَ ان تأمرني بشئ ! لقد صمتُ عن أفعالك طيلة الفترة الماضية لكن يكفي هذا ! غداً سترحل تلك الفتاة ! 


 ضرب المقود بعنف وهو يصيح بغضب :


- لا تختبري غضبي ليلي ! وتوقف عن الصراخ ! وانا لا أتلقي اوامر من أحدا ! انا دانيال ابراهام لا تنسي ذلك !


تفاقم الغضب بداخلها لتردف بعنف :

- وانا لن أعيش مع رجل خائن تلتف النساء حوله ولا يبدي رفضاً ! انتهي الامر ! سننفصل وهذه المرة بلا عودة ! 


وكأنها طعنته بحديثها! أبتلك السهولة تتحدث عن الانفصال! لينظر لها بنظرات غاضبة منصدمة بحديثها وكانه نسي انه يقود! لينتشله من فورة غضبه صراخها المرتعب :


- دانياااااال !


نظر أمامه ليصدم بتلك الشاحنة الضخمة التي تبعد بأمتار قليلة عن سيارتهم وكأنها محقة فيبدو ان انفصالهم سيتم وبلا عودة... !


              *****

ادار سيارته وهو يستعد للرحيل من تلك المنطقة التي توقف بها لبعض الوقت ليرتب افكاره ويهدأ قليلاً من أفكاره التي تحثه علي العودة وضرب تلك المختلة لعلها تفيق! رفع هاتفه بضيق فلم تتصل به ولو لمرة واحدة! ألن ينتهي كبرياءها يوماً ليتنازل هو هذه المرة ويتصل بها فلا يدري لما يشعر بالقلق! .... مرة...اثنان...ثلاثة ولم تجيب علي اتصالاته ليضرب المقود قائلاً بيأس :


- للدرجادي مش قادرة حتي تردي علي تليفوني يا ميرا ! 


                 *****

سالت الدماء من جانب فمها من كثرة صفعاته في محاولة لإخماد قوتها فقد ركل السكين من يدها لينقض عليها كالذئب ويبدا بضربها لعلها تستسلم وتتوقف عن المقاومة! ليهمس باستمتاع :


- بعشق شراستك دي ! بس بردو مش هتقدر تمنعني ! 


صرخت بقهر وهي تستشعر نفاذ قوتها ودارت عقلها بمشاهد من طفولتها حين كان والدها يضرب والدتها وهي لم تستطع التدخل فأكثر ما تبغضه بحياتها هي قلة الحيلة وها هو القدر يعاود تذكيرها بذلك الشعور لتهمس بتوسل :


- ارجوك...هموت نفسي لو عملت فيا حاجة ! انت مش بتحبني ؟! ارجوك...كده هتدمرني ! 


ليهمس من بين قبلاته :


- والله ما هسيبك...اول ما يوسف يطلقك هتجوزك انا وهعوضك عن كل حاجة...يوسف ميستهلش واحدة زيك ! 


وكالعادة اختار عقلها الهروب عوضاً عن مواجهه الواقع لتشعر برأسها يدور وقوتها علي المقاومة تكاد تنتهي لتهمس بضعف :


- ارجـ..وك   ! 


شعرت بحمله انزاح من فوقها والرؤية مازالت مشوشة أمامها ليبدو ان هناك شخصاً يضربه بعنف وملامحه لا تظهر لكنها أدركت هويته من صوته الذي أعاد لها قليلاً من الوعي :


- وديني لأقتلك واشرب من دمك يا واطي يا ***


لتبدأ بالزحف بعيداً بضعف وهي تسيطر علي وعيها بصعوبة بالغة وأنفاسها تتسارع وكأن الهواء قد نفذ من رئتيها ! 


لكمه بعنف وهو يهدر بصراخ غاضب يهز الأرجاء :


- عملتلك ايه علشان تخوني وتتهجم علي مراتي يا *** 


رد الاخير لكمته صائحاً :


- عملت ايه ؟ خدت حاجة مش بتاعتك ! انا شوفت ميرا قبلك وحبيتها قبلك وكانت من حقي انا ! بس انت هتفضل طول عمرك حرامي اي واحدة ابصلها لازم تاخدها مني ! 


رغم صدمته هجم عليه ليلكم معدته هادراً  فينحني الأخير صارخاً بألم :


- مكنتش اعرف اني مصاحب واطي ! ببيص لمرات صاحبه يا مريض يا *** ! 


دفعه للخلف صارخاً ثم علي حين غرة أخرج سلاحه ليمسح الدماء النازفة من فمه قائلاً بلهاث :


- مقدرتش اخدها منك في حياتك...يبقي هاخدها منك بموتك ... !!!


                  *****

هب واقفاً حين استمع لتلك الضربات العنيفة علي الباب وقد استيقظ منذ بضع دقائق بعد ان غفي بين ذراعيها دون شعور ليفتح الباب فيصدم برجال الشرطة ورجل غريب ليهتف الضابط :


-  احنا جالنا بلاغ عن خطفك لطفلة عندها 5 سنين  ! 


ردد بصدمة :


- خطف ! ومين الي بلغ ؟!


ليتقدم الرجل الغريب بخصلاته المبعثرة وملابسة المهترئة قائلاً :

- انا الي بلغت ! انا ابقي جوز خالة مني ويعتبر عمها ! 


قطب جبينه قائلاً باستغراب :


- مني مين ؟ 


اجابه الرجل بغلظة :


- مني بنتنا الي انت خطفتها وانا شوفتها النهاردة مع مراتك ! واحنا الي فاكرينها ماتت ! 


ضربه الادراك بأن تلك أسرة صغيرة التي لم يعلم لها اهلاً ليبتلع غصة بحلقه قائلاً بقوة :


- محصلش ! انا متبني تقي قصدي البنت بأوراق رسمية ! ده غير اني مش مجرم انا المقدم إلياس سليمان ! 


                 *****

صدم من رفعه للسلاح بوجهه أهذا صديق عمره؟! أكان دائماً حاقداً عليه؟! ولم ينتبه! لقد كان معمياً عن ذلك كبقية حياته!  لم يفكر كثيراً فحياتها معلقة بحياته ليهجم عليه بدون تفكير فتصيبه طلقة غادرة لتصطدم بصدره بعنف! في نفس اللحظة التي لكمه بها وأخذ المسدس ليفرغ ما به بغضب أعمي ليلقي المسدس وهو يكتم صرخته من الألم وينظر لجسد صديقه المسجى علي الأرض وغارق بدمائه رمقه بحسرة ليتجه بخطوات مترنحة بطيئة نحوها ليطمئن عليها جلس علي ركبتيه بتعب والألم ينهش صدره ليقول بلهاث :


- ميرا...انتي كويسة ؟ ميرا ! 


فتحت جفونها بضعف لتجده أمامها لتنهض وترتمي بين ذراعيه وهي تشق بصوت عال ليصدمها بصرخته المتألمة! ابتعدت بخوف لتجد الدماء تسيل من صدره وقميصه أصبح بلون الدماء! لتنظر له بصدمة :


- يوسف...! ايه الدم ده ؟ 


استند علي الحائط بجوارها ليهمس بتعب :


- انا كويس...كلمي الاسعاف...واتصلي برجالتي او اي حد يجي يطلعنا من هنا ! 


ازدردت ريقها بصعوبة وهي تقترب منه وتهمس بإقرار وهي تتلمس وجهه بكفها :


انت...انت هتموت وتسبني صح ؟


                 *****

اجابه الضابط بهدوء :


- اعذرنا يا سيادة المقدم مش قصدي...بس عموماً سلمنا البنت! 

تحفزت خلاياه ليرد باستنكار :


- ليه ؟ ما قولتلك متبنيها بأوراق رسمية تحب أوريهالك ؟ 


لينفي قائلاً بنفس نبرته الهادئة :


- اوراق التبني تعتبر لاغية في حالة وجود أهلها ودلوقتي لو سمحت سلمنا البنت لأنها لازم ترجع لأهلها !


ليصيح بانفعال بعد ان فشل بالسيطرة علي أعصابه :


-  يعني ايه الكلام ده ؟ وكانوا فين اهلها دول لما كانت مرمية في الشوارع ؟ كانوا فين لما اتخطفت من تجار الأعضاء ؟ 


أجابه الرجل بارتباك منفعل :


- مكناش نعرف انها عايشة ! فكرنها ماتت مع ابوها وامها لم البيت ولع بيهم ! 


صدمة اخرى لم يفق منها الا علي صوت "سارة" المتسائل :


- في ايه يا الياس ومين دول ؟

صاح بها بعصبية :


- ادخلي انتي جوا دلوقتي ! 


غضبت من صراخه بها واحرجه لها وما كادت تتحدث حتي اوقفها أمر الضابط :


- فتشوا البيت وهاتوا البنت ! 


لتقول بحده :


- في ايه ؟ بيت ايه الي يتفتش ؟ وبنت مين ؟ 


كاد الضباط ان يدخلوا الي المنزل ليقف أمامهم كالسد المنيع ويدفع "سارة" للداخل قائلاً بعنفوان :


- اقسم بربي الي هيقرب من بيتي او عيالي هدفنه مطرحه ! 


استشاط الضابط غضباً من تهديده ليردف بحده وتهديد :


- متخليناش نضطر نستعمل العنف يا سيادة المقدم ادينا البنت بكل هدوء ! 


ليصيح هادراً بصوت غاضب ارسل الرعب الي قلوبهم وعيناه أصبحت بلون الدماء :


- مش هدي بنتي لحد ! ولو حكمت هدخل فيكم السجن بس بنتي لأ ! 

                  *****

- يـوســف انـت هتـمـوت وتـسـيبني صـح ؟ 


نظر لها بألم والدماء تسيل من صدره بجرحه الغائر كسيل دموعه علي حالتهم ولا يدري بما يجيبها ليشهق بألم وخيط رفيع من الدماء ينساب ببطء بجانب فمه! ، رفع هاتفه بتعب ليتصل بالإسعاف ويرمي الهاتف جانباً ثم أردف بتعب :


- ميرا...انا كويس ومش هسيبك ! 


طالعته بنظرات غريبة فارغة والدموع تسيل ببطء علي وجنتيها وكأنها لا تشعر بها! لتهمس بشرود :


- هي كمان قالت مش هتسبني ومشيت ! 


جذب رأسها ليدفنه بكتفه وهو يهمس بضعف ويبذل مجهوداً عظيماً كي لا يفقد الوعي لأجلها :


- فوقي علشان خاطري ! انا محتاج لقوتك ! 


رفعت بصرها تطالعه بابتسامة ثم أردفت هامسة ببطء :


- متخافش...انا كمان همشي معاك ! علشان ميرا خلاص تعبت...وعايزة ترتاح ! غمض عينك ولما نصحي هتكون كل حاجة انتهت ! ومش هحس بوجع تاني ! 


#يتبع...

#أحببتُ_فريستي

#بسمة_مجدي

تكملة ونهاية الرواية من هنا 👇


من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close