![]() |
متى تخضعين لقلبى
الفصل الاول حتي الفصل العاشر
بقلم شيماء يوسف
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
اليوم هو يوم عطلتها ، استيقظت من احلامها كعادة كل عطله على صوت صياح آتياً من خارج غرفتها ، تنهدت بألم وهى تضغط على عينيها بقوه رافضه تقبل امر استيقاظها او التحرك من فراشها الا بعد خروجه ولكنها تعلم جيداً ان أمنيتها تلك دون جدوى فهو مقيم فى المنزل ما يقارب ال٢٤ ساعه ، وبالرغم من انتظارها كل عطله اسبوع بفارغ الصبر حتى يستطيع جسدها الارتياح قليلاً الا انها تكرهها بسببه ، شعور غريب ينتابها وهى تستمع إلى كل ذلك الصياح والانتقاد والسخط الخارج من فمه عليهم جميعاً ، كانت كل صرخه تخرج منه لتقتحم اذنها تشعر بأنها مرت اولاً على قلبها لتترك به ندبه دائمة لا تزول ، تنهدت بألم مره اخرى تتمنى لو ان لها منزل خاص ، لو تستيقظ ذات يوم فتجد كل تلك التقاليد العقيمة قد اختفت فجأه فتستطيع التحرر والاستقلال بعيداً عنه ، التقطت اذنها اسمها يُلفظ من قبل والدتها فعلمت ان كل سخطه الان سيتحول نحوها ، تنهدت بألم للمره الثالثه تستعد لاستقبال ما لا يسرها كالعاده ، تحدثت والدتها برجاء تستجديه :
-ماشى يا عبد السلام ، بس وطى صوتك شويه ملهوش لازمه زعيقك ده، خلينا نتكلم بالراحه وبعدين حياة نايمه جوه سيبها تنام شويه النهارده إجازتها ..
صاح بها بصوت يرج أركان المنزل من قوته :
-متقولليش وطى صوتك انا حر اعمل اللى انا عايزه ، اللى عايز ينام هينام فى الطبل ، الساعه كام والهانم اللى انتى خايفه منها لسه نايمه ..
تنهدت أمنه بيأس تعلم انه لا سبيل للنقاش معه بهدوء :
-انت عايز منها ايه ، النهارده أجازتها من الشغل وده اليوم اللى بتنام فيه سيبها ترتاح شويه . .
عقد عبد السلام حاجبيه معاً وهو لايزال محافظاً على نبرته الساخطه بصراخ :
-ايوه ياختى دلعيها مانتى عينوكى المحامى بتاعها ، وبعدين محدش قالها تشتغل ، هو انا كنت مستفاد ايه من شغلها ده ، مبتصرفش عليا منه ومش بتحوش يبقى تقعد احسن ..
هزت امنه رأسها بحزن قبل ان تجيبه ونبره الضيق ظاهره عليها :
-يا حول الله يارب ، انت عايز منها ايه ماهى شايله نفسها بنفسها ومتطلبش منك حاجه وكل اللى عايزاه بتجيبه لنفسها ده غير دراستها مش مكلفاك حاجه واى حاجه بتحتاجها بتجيبها على طول ، عايز ايه تانى ناقص تحاسبها على اللقمه اللى بتأكلها يا عبد السلام !!! . .
اهتزت نبرته قليلاً ولكنه عاود الحديث بنفس السخط :
-انا مش عاوز منها ، بس انا خلاص الحمل تقل عليا ، انا مش هفضل اصرف عليهم طول عمرى ، وعشان يكون فى علمك انا مش هصرف على جوازه حد تانى ، اللى عايز يتجوز يحوش ويجوز نفسه كفايه عليا قاعده لدلوقتى ، انتى اهلك رموكى عليا من وانتى عندك ١٨ سنه وبتك اهى عدت ال٢٥ ولسه قاعدالى . .
اجابته آمنه بأستحقار جلى :
-ايه اللى انتى بتقوله ده !! انت بتعاير بنتك عشان لسه لحد دلوقتى متجوزتش يا عبد السلام !! وبعدين انت بتصرف على مين ؟؟ ما هى شايله نفسها بنفسها والتانيه متجوزه وبعيده هى وجوزها حتى الولا شايل نفسه وانا بشتغل !! انت شكلك كبرت وخرفت عيب عليك لو حد سمع الكلام ده يقول ايه ! وبعدين انا اهلى مرمونيش على حد انت اللى حفيت ورايا سنين وياريتنى ما كنت وافقت ..
لم يجد ما يجيبها به بعد تلك الجمله فتحرك بنفاذ صبرا للخارج مدعى العصبيه صافقاً الباب خلفه بقوة.
كانت حياه تستمع إلى كل ذلك الحديث شاعره بأن كل حرف يتفوه به كالرصاص يستقر بقوه داخل قلبها ليحدث به ضرر دائم من اقرب رجل إليها ، من بطلها الاول وسندها فى تلك الحياه والدها !! ، مسحت دموعها بكف يدها قبل ان تقرر النهوض فأمامها يوم طويل عليها قضاءه ، تحركت للخارج تلقى تحيه الصباح على والدتها بحب ، فبرغم كرهها لكل ما يحدث فى ذلك المنزل وأكثرهم ضعف والدتها وقله حيلتها الا انها كانت الاقرب إليها ، ابتسمت لها آمنه تسألها بحنان :
-حياة هتفطرى ولا زى كل يوم ..
اجابتها حياة بقلب مثقل فذكرى كلمات والدتها لازالت تترد داخل اذنها بقوه : .
-لا يا ماما ، مليش نفس يادوب استغل اليوم فى انى اروح الجامعه استلم شهاده الماجستير واقابل محمود واشترى شويه حاجات نقصانى واحضر لاجتماع بكره , عندى اجتماع مهم جدا فى الشركه وعلى اساسه هتقرر ترقيتى , ادعيلى والنبى يا ماما ربنا يكرمنى فيه واترقى ..
عقدت والدتها حاجبيها معاً بقوه بعد دعواتها لها بالتوفيق فعلمت حياة مصدر قلقها ، سألتها بخفوف تعلم الاجابه مسبقاً:
-ها يا ماما , فى ايه بس ..
اندفعت آمنه فى الحديث فور سؤالها :
-انت عارفه يا حياة فى ايه كويس , والله يابنتى لو عرف بموضوع محمود هيخرب الدنيا فوق دماغنا كلنا , ما توافقى يا حياة وتريحى قلبى وتريحيه ..
ثم اقتربت منها تمسح على شعرها بحنان وهى تضيف :
-يابنتى من زمان قالولنا خدى اللى بيحبك , وهو مش بس بيحبك ده بيموت فى التراب اللى بتمشى عليه عايزه ايه تانى بقى ؟!..
حدجتها حياة بنظره أستنكار قبل التعليق على حديثها:
-ماما حب ايه اللى بتتكلمى عليه!! انتى بجد مصدقه !! ده انسان اتشال قلبه من مكانه من زمان واتحط بداله حجر وياريت حجر ده حتى الحجر ممكن يلين لكن ده لا!! وكمان احنا مش قرينا فاتحه مع محمود امبارح وخلاص , فاضل ايه تانى بقى ؟..
اجابتها آمنه بلهفه يشوبها الكثير من القلق:
-باقى انه مش هيستخبى , هيعرف يعنى هيعرف ده جواز , ومفيش جواز بيدارى , ووقت ما يعرف هيهد الدنيا علينا , ده كل ده مستنيكى يا حياة , استناكى تكبرى وبعدها استناكى تتخرجى واخر حجه تخلصى الماجستير بتاعك وهو صابر علينا وساكت لو كان الموضوع فيه حد غيرك مكنش سكت كل ده ابداً ولا كان استحمل دلعه عليه كده , ميغركيش سكوته يا حياة انا ادرى واحده بيه لو صبره خلص هيحرقنا كلنا واولهم محمود ..
ارتعشت حياة داخلياً من حديث والدتها فهى تعلم جيداً انه لا ينتمى لعالم الانسانيه ، انه فقط مخلوق بدون قلب ، نسى مصطلح الرحمه منذ زمن طويل ويبدو انه لا مجال لتذكرها مره اخرى ، ولكنها لن تتزوجه ، حتى لو كان اخر شخص على وجهه الارض لن تتزوجه فالموت افضل لها من معاشره انسان بدون قلب ، لن تخرج من سجن والدها لتدخل سجن وحش لا يعرف معنى الرأفه ، حاولت طمأنه والدتها بشئ هى شخصياً تفتقده :
-سبيها على ربنا وربنا يستر المهم بس ميعرفش حاجه وخلاص ..
كانت على وشك توديع والدتها عندما رأتها تلتقط حقيبه يدها وتذهب معها ، سألتها حياة مستنكره :
-ماما ! انتى رايحه فين ؟؟..
تنهدت أمنه بنفاذ صبر :
-هكون رايحه فين يا حياة يعنى , مانتى عارفه ..
زفرت حياة بحنق مُبديه اعتراضها :
-يا ماما كفايه بقى , الله يخليكى ابعدى عنه واقعدى وكفايه كده ..
اجابتها امنه بحده :
-اقعد ازاى يا حياة !! مانتى عارفه كويس اللى فيها !! عايزانى اسييله الشغل عشان ينفذ تهديده ويسجن ابوكى ..
اجابتها حياة والكره يملؤ نبرتها:
-ايوه سبيه , انتوا اللى بتدوله الفرصه يتحكم فيكم ويوصل للى هو عايزه لما بتوافقوا على ابتزازه ده , لو كلكم بتفقوا قدامه وتقولوله لاء بعلو صوتكم مكنش عرف يتحكم فيكم بالشكل ده ..
قاطعتها آمنه بتأنيب واضح :
-انتى بتقولى كده بس عشان ابوكى ميهمكيش , لو كان بيضغط عليكى بحد مهم كان زمان رأيك اختلف ..
ااطرقت حياة رأسها للأسفل بخجل فهى تعلم بصحه حديث والدتها حتى لو لم تعترف بذلك ، فمن اكثر الأشياء التى تمد فريد رسلان بقوته هى قدرته على معرفه نقط ضعف من امامه ثم استخدامها ضده بدون رحمه حتى يخضع لطلباته ، وهذا ما فعله مع والدتها فهو يعلم جيداً ان حياة لن تهتم بما يصيب والدها لذلك تحول تهديده إلى من يهتم لامره ، اللعنه عليه لو فقط يعلم كم تمقته وتحتقره .
*****************
تحركت حياة للخارج بجانب والدتها لترى محمود واقفاً ينتظرها عن مقدمه الشارع، ابتسمت بخجل وهى تراه ينظر لها بأعجاب واضح ، كانت حياة فتاه عاديه قصيره القامه ذو جسد ضئيل ولكن متناسق بشكل مغرى ، ذو بشره حنطيه ناعمه ووجه مستدير تزينه ملامح صغيره بعيون سوداء فاحمه واهداب طويله للغايه وشعر ناعم كثيف يماثلها فى السواد ، ولكنها أيضاً كانت مثل جميع الفتيات تمتلك جمالها الخاص الذى يميزها واهم ما كان يميز حياة إلى جانب شخصيتها الانثويه الرقيقه للغايه والمتناقضة ما بين القوه والحساسية هى نظره عينيها ، لقد انعم الله عليها بنظره عين حالمه تجذب الجميع إليها ، وكم سمعت عبارات كثيره ما بين المتعجبه والحاسده لتلك النظره ، تقدم منها محمود يلقى التحيه بأدب على والدتها أولاً ثم يخصها بالحديث متسائلاً :
-حياة , جاهزه ؟..
اومأت له برأسها موافقه قبل ان تودع والدتها ويذهب كلاً فى طريقه .
كان محمود موظف شئون الطلبه فى الجامعه التى تدرس بها يكبرها ب٤ سنوات وذو شخصيه حنونه مستقيمه وهذا بالظبط ما دفع حياة للقبول به ، لم تكن علاقتهم مبنيه على قصه حب ، فقد اقتصر تعاملها معه على دراستها فقط حتى فوجئت به فى احدى الايام يطلب منها موعد رسمى لمقابله والدها وطلب يدها وبناءاً عليه وافقت ، لم تدرى اهو عناداً بوالدتها التى ارتعدت أوصالها بمجرد سماعها خبر طلب شخص اخر خطبتها او تحدياً لذلك المتجبر الذى يخشاه الجميع وينتظرها ام عناداً بشخصها ، كل ذلك ليس مهم ، المهم انها وافقت وان محمود شخص جيد يعاملها بحنان افتقدته من بطلها الاول ، وصلا إلى حرم الجامعه فالتقت بصديقتها مريم تنتظرها بتأفف :
-ايه يابننننتى اتاخرتى ليييييه بقالى ساعه مستنياكى ..
ثم التفت إلى محمود تلقى عليه التحيه باقتضاب فانسحب من بينهم متمتاً :
-حياة , انا هروح اخلصلك الشهاده وارجع على طول مش هتاخر ..
اومأت براسها له موافقه :
-تمام وانا ومريم قاعدين هنا لحد ما تخلص ..
تحرك على الفور يصعد الدرج عندما التفتت حياة تؤنب مريم :
-يابنتى فى ايه مالك ؟, مش طايقه محمود ليه ؟..
اجابتها مريم بصدق :
-بصراحه يا حياة دمه تقيل , وبعدين مش حاساه لايق عليكى خالص , يابنتى ادى لنفسك فرصه تخبى وتتحبى, ليه قافله على نفسك كده ؟؟ حرام تتجوزى من غير حب ولا مشاعر ..
نظرت إليها حياة بجفاء :
-مشاعر ايه وكلام فارغ ايه !! الحياه الواقعيه مفيهاش الكلام ده , وبعدين مش يمكن احبه بعد الجواز ؟!.. مادام هو شخص كويس ومتفاهم مش هحتاج اكتر من كده .. وبعدين يا فيلسوفه عصرك انا مفطرتش لدلوقتى , ممكن تسيبك من نصايحك دى وتيجى نشوف اى حاجه اكلها ..
هزت مريم راسها بيأس وهى تدفعها للأمام :
-اتفضلى , انا مش عارفه انتى ايه !! انسانه معدومه الاحساس !! ..
ثم رفعت راسها تنظر للسماء متمته بطريقه دراميه :
-يارب البت دى توقع على رقبتها وتحب واحد وتيجى تعيطلى وتقولى مقدرش اعيش من غيره يا مريم .. وانك يا مريم كان عندك حق وان الحب ده احلى حاجه فى الدنيا ..
نظرت لها حياة متهكمه :
-فى احلامك ..
ثم ركضت امامها تتبعها مريم وهى تدب بأرجلها فى الارض من شده الغيظ ..
*****************
التقط فريد هاتفه مجيباً بنفاذ صبر ووقاحه معتادة:
-اتكلم !!..
صمت قليلاً يستمع بأهتمام وعينيه تضيق بتركيز مع كل كلمه تخرج من الطرف الاخر ثم هب واقفا يسأل بغضب :
-انت متأكد من الكلام اللى قلته ده !! اقسم بالله لو طلع مش حقيقى لادفنك مكانك ..
صمت مره اخرى ثم سأل وهو يتحرك من مقعده داخل المكتب يلتقط بيده الفارغه معطفه ومفاتيح سيارته :
-يعنى هى فى الكليه دلوقتى وهو معاها ؟..
جاءته الاجابه من الطرف الاخر قبل ان يغلق هاتفه دون وداع وينطلق للخارج بوجه غاضب وجسد منتفض .
*****************
كانت حياة واقفه مع زميلتها مريم عندما شعرت يقبضه قويه داخل صدرها لم تدرى ما سببها ولكنها عندما رفعت راسها علمت جيداً لماذا شعرت بذلك فهناك زوجين من العيون الناريه تحدق بها بقوه ، شهقت بفزع وهى تتمسك بيد مريم التى التفت فوراً على حركه صديقتها لتسألها ماذا اصابها ، تمتمت حياة بكلمات غير مفهومه التقطت منها مريم اسم فريد فسألتها مستفسره :
-ماله فريد يابنتى ؟؟..
همست حياة برعب وهى غير قادره عن تحريك عينيها من امامه :
-فريد هنا ..
شهقت مريم بدورها قبل ان ترفع راسها للبحث عنه ، بالطبع لم تكن مهمه صعبه فهاهو يقف باسترخاء وتفاخر على مقدمه سيارته يرتدى بدلته الفخمه ونظارته الشمسيه عاقداً كلتا ذراعيه امام قفصه الصدرى بتأهب ، سمعت حياة مريم تتمتم بأعجاب :
-واو .. ده حلو اوى يا حياة مكنتش متوقعه ان شكله حلو كده ..
نهرتها حياة بعنف :
-انا فى ايه وانتى فى ايه يا مريم .. ايه اللى جابه هنا دلوقتى ..
ثم شهقت بفزع :
-يانهار منيل !! محموود !! ده لو شافه هتبقى ليلتنا مش معديه ..
ارتبكت مريم بدورها فكم سمعت من حياة عن ردات فعله المتسلطه اذا علم بأعجاب شخص اخر بها فمابالك بخطوبه ..
حاولت طمأنت صديقتها بهدوء بدءت تفتقده :
-متخافيش انا هروح دلوقتى أعطل محمود ومش هخليه ينزل وانتى حاولى تخرجى بيه بره الكليه.. وأقلعى الخاتم ده بسرعه ..
اطاعتها حياة على الفور وفى حركه أليه منها قامت بخلع محبسها ووضعه داخل جيب ردائها بسريه ، اوشكت مريم على تركها ولكن امتدت يده حياة تتمسك بها بكل قوه وهى تراه يترك سيارته ويتحرك فى اتجاهها متمته :
-متسبنيش لوحدى ده جاى علينا
بدء الذعر يدب داخل أوصالها بشده وهى تراه يتقدم نحوها ، لم تكن تخشاه لشخصه ولكن كانت تخشى قوته وجبروته وقدرته على إيلام اى شخص دون أدنى احساس بالذنب ، راقبته وهو يتقدم منها ببطء وهى تلوى فمها بسخريه فمريم محقه ، انه يبدو وسيم فعلاً ببدلته الانيقه وساعته الرولكس وعضلاته البارزه وخطوته الواثقه بحيث تعجب به اى فتاه من الوهله الاولى ، ولكن لا احد يعلم ان خلف هذا المظهر الرائع انسان مصنوع من الحجر ، لا يتألم ولا يرحم ولا يحب ، فقط يمتلك ..
وقف امامها بطوله الفارغ يتفحصها عن قرب ، كتمت انفاسها وهى تعد بداخلها للعشره فى محاوله لاستعاده هدوئها ، لوى فمه بأبتسامه جانبيه قبل ان يوجهه حديثه لها بتسليه :
-لو مكنتش اعرفك كويس كنت قلت النظره الذى فى عينيك دى نظره أرنب مرعوب من مصيبه عملها وخايف حد يكتشفها ..
رفعت عينيها تواجهه نظراته بتحدى وكره دون حديث ولكن ما سرعان ما استحوذ على نظره عينيها شئ اخر ، انه محمود يهبط الدرج فى اتجاهها ، يالله الا يوجد مخرج من هذا المأزق ، اتسعت عينيها بصدمه مفكره ايعقل انه لديه علم بخطبتها البارحه ؟؟ دعت ربها داخلياً ان تكون تلك هواجسها الخاصه ، وقف محمود امامها بأبتسامه عريضه كعادته وهو يمد يده ليعطيها شهادتها الدراسيه متمتاً بفخر :
-حياة اتفضلى الشهاده اهى .. ولو احتجتى اى حاجه تانى مش محتاجه تيجى بلغينى بس وانا هتصرف ..
بالطبع من وقت وصوله امامهم وقد استحوذ على انتباه فريد بالكامل وها هو الان ينظر لها شرزاً كانه قط برى يستعد للهجوم نحو فأره فى اى لحظه ، فكرت بيأس لو تظاهرت الان بفقدانها للوعى هل ستتمكن من إنهاء هذا اللقاء ؟!، اعادها من افكارها صوت فريد القوى يسال محمود متأهبا :
-مين حضرتك بقى ..
اجابه محمود على عجل بتفاخر :
-انا محمود خطيب حياة وزميلها ..
الان ستفقد وعيها حقاً وليس تظاهراً ، التفت فريد ينظر إليها بحاجب مرفوع يهز رايه لها ببطء قبل ان يعود بنظره إلى محمود مستنكراً وهو يرفع كلتا يديه يستند بها على كتفه :
-خطيبها !! لا مبروك .. بس يا خطيبها محدش قالك انك مينفعش تخطب واحده مخطوبه !! ..
كان يضغط بقوه على كل حرف يخرج منه مما جعل حياة ترتجف داخليا من القادم ، اجابه محمود مستنكراً :
-خطيبها !! ازاى الكلام ده ؟..
ثم وجهه حديثه لحياة :
-حياة ,الكلام الل بيقوله الاستاذ ده صحيح ؟..
فتحت فمها تجيبه ولكنه أوقفها نبره فريد الهادره :
-لما اكون بتكلم معاك متوجهلهاش كلام .. لا انت اصلا متتكلمش معاها تانى لا وانا موجود ولا مش موجود ..
ثم انقض عليه فى اللحظه التاليه يلكمه بكل ما أوتى من قوه حتى صرعه أرضاً غير آبهاً باحتجاجات حياة .
تجمهر حولهم العديد من الطلاب يشاهدوا ذلك الصراع الدامى بين زميلهم وهذا الشخص الغريب دون تحرك من احد منهم للتدخل لفض ذلك الاشتباك بما فى ذلك حرس الجامعه !!
كانت حياة تصرخ به بقوه متوسله من بين دموعها المنهاره ليتركه ولكن دون جدوى ، جلست بجواره وهو لايزال يسدد لكماته لمحمود الذى أوشك على فقدان وعيه تتوسّله وهى تمسك بكتفه :
-سيبه .. هيموت فى ايديك .. الله بخليك سيبه .. عشان خاطرى كفايه ..
نظر لها اولاً بغضب قبل ان يتحرك من فوق محمود الذى كانت الدماء تملئ وجهه وثيابه ، اعتدل فى وقفته وحاول إصلاح هيئته بغرور قبل ان يحدثها محذراً :
-دى عينه صغيره من اللى هعمله فى اى حد يفكر يقربلك ..
ثم تقدم عده خطوات يقترب منها قبل ان يضيف :
-انتى بتاعتى انا وبس .. حطى ده فى دماغك عشان ترتاحى وتريحينى ..
دفعته بذراعيها بكل ما أوتيت من قوة صائحه بغضب :
-مش هتجوزك يا فريد ، صدقنى لو انت اخر راجل فى الدنيا مش هتجوزك ، انا افضل انى اموت الف مره على انى اتجوز واحد زيك معندهوش لا قلب ولا احساس ..
التوت فمه بأبتسامه تحدى ثم أجابها بثقه :
-هنشوف .. كلام مين اللى هيمشى ..
ثم تركها واتجه نحو سيارته يصعد بها اولاً ثم يقودها بجنون إلى الخارج ، كانت لاتزال ترتجف من هول ما رأته عندما اقتربت منها مريم تحتضنها بقوه وتخبرها ان سياره الاسعاف فى الطريق لنقل محمود لاقرب مشفى .
***************
وقفت داخل احد اروقه المشفى بجانب صديقتها مريم تنتظر خروج الطبيب من الداخل بتوتر ، وصلت والده محمود برفقته والده وأخواته تلهث وهى تقف امام حياة تستفسر منها عما حدث معه ، لم تستطع حياة الا قول الحقيقه كامله لوالديه دون تحريف ، انتفضت والدته تصرخ بها مع صدور اخر الكلمات من فمها :
-وانتى مستنيه ايه !! لما يموت ابنى عشان ترتاحى ..
حاولت مريم التدخل للمدافعه عن صديقتها ولكن أوقفتها يد حياة وهى تمتم بخجل :
-عندك حق .. انا اسفه وياريت تبلغى اسفى ده لمحمود وصدقينى مكنش قصدى ابدا انى ااذيه وبكرر اعتذارى لتانى مره ..
ثم وضعت يدها داخل جيب ردائها وأخرجت منه محبسها وأعطته لوالدته ثم انصرفت دون كلمه اخرى .متى تخضعين لقلبى
الفصل الثانى
وقفت خارج أبواب المشفى تستنشق بعض الهواء النقى عل ذلك يعدل من مزاجها ولو قليلاً ثم استأذنت مريم فى الذهاب إلى منزلها ، اصرت مريم على الذهاب معها ولكنها رفضت بشده مصره على السير بمفردها لتنقيه افكارها وأعاده ترتيبها
تحركت نحو الشاطئ تجلس على احدى المقاعد الخشبيه الموضوعه هناك ، ظلت فتره تنظر إلى مياه البحر وأمواجه المتلاطمة بصمت ،اثر هذا المشهد علي نفسيتها بشكل كبير حتى فاضت جميع مكنونات قلبها ومشاعرها المكبوتة بداخلها ، كانت روحها هى التى بحاجه إلى الدموع لذلك تركتها تنساب بحريه ، لم تكن تعلم لم كانت تبكى بكل تلك الحرقه ، ربما لانها غير مستعده لرد فعل والدتها التى ما ان تعلم حقيقه ما حدث ستخبرها كم كانت محقه وكم نبهتها من طيشها وشده عنادها معه ، او ربما لان محمود كان يمثل لها الامل بالهروب من ذلك السجن المسمى منزلها ، او ربما لانها هيأت نفسها للخروج من تحكم ذلك المسمى والدها الذى ربما لو اعتنى بحيوان اليف لكان اهتم لمشاعره اكثر من مشاعر ابنته !!! ، او لانها خسرت معركتها امام ذلك المتجبر واستطاع فى النهايه تنفيذ ما يريده ، فريد !! ، ظل اسمه يتردد فى ذهنها بقوه ، فكرت بحسره كم ان الحياه قاسيه معها ، حتى الشخص الوحيد الذى اعتبرته صديقها المقرب سلبته منها الحياه ليتحول إلى انسان دون قلب وتتحول مشاعرها معه ليصبح اكثر الناس بغضاً لقلبها ..
****************
عاد هو إلى مكتبه والتقط هاتفه بغضب ، عبث به قليلاً بعنف قبل ان يخرج اسم شخصاً ما ويجرى معه اتصالاً هاتفياً :
-انا قلت بما انك مش بتسال عليا اسال انا ..
ارتبك الرجل على الطرف الاخر من نبرته فتحدث مبرراً :
-فريد بيه .. صدقنى مفيش حاجه مهمه تعرفها ..
اجاب الرجل بهدوء ساخر :
-لا يا راجل .. امال ترقيه بكره دى ايه ؟!.. وبعدين انا هنا اللى يحدد ايه اللى مهم وايه لاء ..
تعلثم الرجل فى نبرته قبل ان يجيبه بأرتباك:
-هو حضرتك عرفت ..
اجابه فريد ساخراً :
-لا قاعد نايم على ودانى مستنى لما انت تقرر ابه مهم عشان اعرفه وايه مش مهم ..
تنحنح الرجل من الطرف الاخر محاولاً تنقيه حنجرته ثم اجابه مبرراً:
-يا فريد بيه هى مجتهده وموهوبه وتستحق الترقيه وانا قلت دى حاجه اكيد هتبسط حضرتك..
قاطعه فريد بحده :
-انا عينتها عندك بس عشان تكون تحت عينى وانا اللى اقولك تعمل ايه معاها امتى وفين مش انت .. وبعدين بكره قبل الاجتماع تبلغها انك استغنيت عن خدماتها .
تذمر الرجل معترضاً :
-بس يافريد بيه دى من أكفأ الموظفين عندى !! ..
صاح به فريد ناهراً :
-رؤوف !!!! متنسااش نفسك .. انا اللى طلبت منك تعينها عندك واظن انك قبضت تمن ده واكتر كمان ، ودلوقتى لما اقولك ارفدها تنفذ وانت ساكت يا اما استثمار الشركه الفرنسيه هيروح لحد تانى .. فاهمنى ؟!..
ارتبك الرجل على الهاتف ثم تمتم بخضوع :
-اللى حضرتك تؤمر بيه ..
اغلق هاتفه والقى به على المكتب دون وداع ودفن راسه فى احدى الملفات التى امامه يحاول الهاء عقله بها ، بعد قليل اندفع باب مكتبه بقوه مما اجبره على رفع راسه ليرى من ذلك المتطفل الذى يقتحم غرفته وخصوصيته دون استئذان ، لوى فمه متشدقاً وهو يرى والده يتقدم منه والغضب يملؤ نظرته سخر منه فريد :
-غريب بيه .. شكلك شايفانى فى كابوس من كوابيسك عشان كده داخل عليا دخله السينما دى , ولا يمكن جيهان هانم بخت شويه من سمها فى ودانك كالعاده !! ..
اجابه والده بحنق :
-بلاش قله ادب .. وقولى انتى لسه ماشى ورا بت الخدامه دى !!! ..
انتفض فريد من مقعده يضرب سطح مكتبه بقوه :
-اسمها حياة , فاهم ليها اسم تناديها بيه ده اولاً .. وبعدين ده شئ ميخصكش ثانياً .. وثالثاً انت لسه مخلى حد من كلابك يجبلك اخبارى ؟!!..
لوى والده فمه متشدقاً :
-متهربش من سؤالى ..
صمت قليلاً متفكراً ثم اضاف بتشفى :
-التاريخ بيعيد نفسه .. والابن غصب عنه بيورث من جينات الاب .. واضح ان فى حاجه فى دمنا ينجذبنا للخادمات .. انا برضه امك كانت مجننانى كده وهى مستعصيه عليا .. بس عمتا لو عايزها اوى كده قولى وانا هتصرف واجوزهالك ..
اجابه فريد والاشئمزاز بادياً فى نظرته ونبرته :
-لا انا مورثتش منك حاجه وده من حسن حظى لانى مش ناوى اموتها بأيدى .. ثم ان دى حاجه تخصنى انا لوحدى وانا هتصرف فيها كفايه انت بس تبعد انت والعقربه وبنتها عن حياتى .. ولو عرضك خلص اتفضل روح مكتبك وسبنى اكمل شغلى ..
ارتبك والده وبدء الاحمرار يغزو وجهه فاستدار للخارج يصفق الباب خلفه بعد ان القى نظره حانقه على ابنه الذى ارتمى فوق مقعده مره اخرى يسحب هاتفه بغضب ثم تحدث إلى شخص ما :
-اسمعنى .. اللى اتفقنا عليه يتنفذ بكره .. واقسم بالله لو حصل اى غلط ولو صغير هدفنك مكانك .. فاهم ..
صاح بكلمته الاخيره قبل ان يغلق هاتفه ثم تحرك بعصبيه يلتقط معطفه ومفاتيحه ويتحرك للخارج كالعاصفة .
******************
دلف بعد فتره إلى منزله بهدوء يحاول الوصول إليه منذ الصباح ، لمح مديره منزله تمر من امام الممر المؤدى لمكتبه فتوقف عن السير يلتفت إليها ثم امرها بعجرفته المعتاده :
-خلى داده آمنه تحصلنى على مكتبى ، دلوقتى حالاً ..
ثم استدار مره اخرى مكملاً طريقه حيث يقع مكتبه ، قام بخلع معطفه وربطه عنقه ثم جلس على كرسى مكتبه الفخم بهدوء يستند بذقنه على يديه المتشابكه ينتظر وصولها ، دلفت آمنه إلى مكتبه بعد ان طرقت باب الغرفه وسمح لها بالدخول فور سماعه لطرق الباب ، نظرت إليه وإذا به يجلس شارداً ويديه المتشابكه تسند راسه بوقار ، لم يرفع راسه ولم يتكبد عناء النظر إليها ، تحدث على الفور وعينيه مازالت تنظر إلى الفراغ ، سألها بصوت ناعم كالفحيح :
-امنه هانم.. تفتكرى لو فى حد كدب عليا المفروض اعمل معاه ايه ؟!..
بدءت آمنه فى التأكد من شكوكها التى تساورها منذ طلبه ان تلحق به إلى غرفه مكتبه ، ازدردت ريقها بصعوبه وهى تنظر إليه برعب ثم تنحنحت محاوله تنقيه حنجرتها قبل ان تجيبه :
-على حسب يا فريد بيه ..
رفع عينيه يلتقط نظراتها كالصقر بعدما شعر بتذبذب نبرتها :
-ايوه كملى على حسب ايه ..
-على حسب هو كدب عليك فى ايه بالظبط وهو بالنسبالك ايه ..
لوى فمه بأبتسامه ساخره قبل ان يجيب بثبات جعل أوصالها ترتعد خوفاً من القادم :
-لا هو من جهه كدب عليا فهو كدب عليا فى حاجه مهمه اوى ، تقدرى تقولى كده اهم حاجه فى حياتى ومكتفاش بالكدب بس ..ده حاول يستغفلنى ويخلينى زى العبيط مش حاسس بحاجه .. ها ايه رايك بقى المفروض اعمل فيه ايه ؟؟..
نظرت إليه وإذا به يبتسم ابتسامه شرسه ، حاولت اخراج نبرتها طبيعيه قدر الإمكان :
-على حسب مكانته .. لو مهم عندك او بتحبه هتسامحه ..
هز راسه موافقاً قبل ان يتحرك من مقعده ببطء ويضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله ويسير فى الغرفه وحولها ببطء :
-وياترى هو ده اللى اعتمدتى عليه انتى وحياة لما استغفلتونى واتخطبت لغيرى ؟،.. ولا فاكرين انى نايم على ودانى ومش حاسس بحاجه من اللى بتحصل حواليا ؟!..
شعرت بقلبها يهبط إلى أرجلها ، اذا كل شكوكها كانت صحيحه ، انه يعلم ، والله وحد يعلم رد فعله التالى ، انتظر فريد خروج رد فعل منها ولكنها آثرت الصمت لذلك قاد هو دفه الحديث مره اخرى :
- حياه لسه صغيره وطايشه .. بتعاند ومش عارفه الصح من الغلط .. لكن المفروض ان انتى ست عاقله وكبيره وهتحافظ على عيلتها .. صح ولا ايه ؟!..
ضغط على جملته الاخيره بقوه وهو يبتسم لها ابتسامه ذات مخزى ، ضيقت امنه عينيها عليه تحاول استيعاب ما نطق به للتو ، نعم انه يهددها بعائلتها ، لم تخطئ فى فهم رسالته المبطنة ، اللعنه على حياة ، ستقضى عليهم جميعاً بسبب عنادها ، اطرقت براسها أرضاً قبل ان تتمتم بخفوت محاوله تدارك الموقف وامتصاص جزء من غضبه:
-اللى انت عايزه يا فريد بيه هيحصل متقلقش ..
ثم استأذنته فى الخروج هاربه منه تحاول التفكير فى حل للخروج من ذلك المأزق قبل فوات الاوان .
**************
لم يستطيع المكوث فى منزله لأكثر من ذلك فهو يشعر ان تلك الاثنا عشر الساعه القادمه لا تمضى وعقارب الساعه لا تتحرك لذلك التقط معطفه ومفاتيح سيارته واتجه نحو الخارج ، بعد قليل وصل إلى مكانه المعهود وجلس به ولكن لن يطلب اليوم شرابه المعتاد ، يريد شئ يجعله يفقد وعيه بشده حتى لا يستطيع التفكير بها ، التقط الشراب ثم تجرعه مره واحده قبل ان يخفض الكأس ويضعه على طاوله البار ويطلب كأساً جديد ، اللعنه حتى ذلك الشراب القوى لم يستطيع اخراجها من عقله ، هذا ما فكر به بألم وهو يخرج صورتها من جيب ردائه ، كم انها جميله وبريئه !! هل تعلم انها تمتلك اجمل عيون رأها يوماً ؟!!،، كم تبدو بعيده وطاهره بقدر ذنوبه واخطائه ، ها هى تقف امامه فى تلك الصوره التى التقطها لها منذ زمن بعيد بنظرتها الحالمه ، هل تعلم انه يحفظ جميع نظراتها عن ظهر قلب ؟!، لا ولا يعتقد ان هناك احد اخر يفعل ذلك حتى ذلك المدعو محمود !! ، لا يعلم لماذ تذكر الان ذلك السؤال الذى رمته به منذ سنوات عديده عندما أعلنت لاول مره عن كرهها القوى له مستنكره ، فى ذلك الوقت كان يشعر بصدمه شديده من مشاعر الكره التى اطلقتها نحوه وبقوه غير عابئه باحساسه او بما شعر به حينها لذلك لم يستطع الاجابه على سؤالها ولكنه تذكره الان ، هل حقاً يحبها ام انه فقد يريد تملكها ، لقد تخطت مشاعره مصطلح الحب منذ أعوام ، كان ذلك ما يشعر به فى طفولتهم وكلما كبر عام كلما كبر حبها داخل قلبه حتى اصبح متغلغلاً داخل دمه وكيانه ، فكر بألم هل يؤلمه ذلك الحب ؟، انه يسحق روحه ، فى كل مره ترميه بنظره كره يشعر وكأن شاحنه كبيره مرت فوق قلبه لتحوله الى اشلاء وتترك به عاهه مستديمه لا يستطيع احد مداواتها غير تلك المتسببة بها ، هل يسخط عليها ؟؟ ، ان انتزاع قلبه بيده اهون عليه من ان يسخط عليها او يتحول ذلك الحب إلى اى شئ اخر غير الحب ، وايضاً كيف يستطيع انتزاع قلبه وإخراجه وهى تسكنه ، سينتظر كما انتظر دائما ، وسيدعو الله كما يدعو دائما عل يوم من الايام يتغير قلبها لحبه اليست القلوب بيده يغيرها كيفما يشاء اذا سينتظر ..
اعاده من افكاره يد شخص ما حطت على كتفه بحنان ، تمتم بأمل ما بين الصحو والغفله :
-حياة !!!
لوت نجوى فمها بأحباط قبل ان تجيبه بغيظ :
-لا انا مش ست الحسن بتاعتك .. انا نجوى يا فريد .. نجوى ..
رفع رأسه لينظر إليها ثم حرك يده ليزيح كفها من فوق كتفه بضيق قبل ان يتمتم بنفاذ صبر :
-عايزه ايه يا نجوى انا مش فايقلك ..
اجابته برجاء :
-عايزاك تسيب نفسك ليا شويه وتنسى البتاعه بتاعتك دى شويه..
اقبض بيده على معصمها بقوه متمتاً بتهديد :
-قلتلك ميه مره قبل كده متجبيش سيرتها على لسانك ال.... ده !! فاهمه ولا لا ..
شعرت نجوى بأنها تخسر فى تلك المعركه للمره الالف لذلك حاولت تغير مجرى الحديث ، فاقتربت منه تحاول وضع يدها فوق صدره تتحسسه بأغراء متمته:
-طب بقولك ايه الجو هنا خنيق اوى ما تيجى نكمل السهره فى الفيلا عندى .. كده كده بابى ومامى لسه مسافرين ..
ابتعد فريد عنها وهو ينظر لها بأشمئزاز واضح :
-انتى هتفضلى سهله كده لحد امتى !! حرام عليكى ابوكى با شيخه !! انضفى بقى شويه ..
صرخت به بغضب وهى تجيبه :
-انت عارف كويس انى بعمل كل ده ليك انت بس عشان بحبك ..
نظر لها فريد بأستهزاء قبل ان يضيف :
-انتى مبتزهقيش من الاسطوانه دى !! قلتلك مليون مره وانا مبحكيش .. خلى عندك كرامه بقى وحلى عنى ..
حاولت مسك ذراعه لمنعه من تركها والذهاب ، أغضبه ذلك كثيراً فهو يكره ان يلمسه احد او ان يتعدى على مساحته الشخصيه وهى فعلت ذلك الليله مرتين متتاليتين ، اقبض على معصمها بقوه جعلتها تصرخ متالمه ولكنه لم يبالى بل واصل ضغط يده فوقه يدها بقوه اكثر جعل وجهها يشحب من شده الالم ، وعندما اخرج صوته كان هادئاً ولكن مملؤ بالغضب :
-قلتلك ميه مره متلمسنيش .. زى ما قلتلك برضه قبل كده لعبتك الرخيصه دى تروحى تلعبيها على حد غيرى .. مش على اخر الزمن واحده ..... هتضحك على فريد رسلان !! ولا انتى مش مكفيكى فلوس ابوكى دى كلها فقلتى اضحك عليه واهو يبقى زياده الخير خيرين !!! طلعينى من دماغك عشان انا صبرى عليكى بدء يخلص .. وانتى مش هتحبى تشوفي الوش التانى منى ..
انهى حديثه بحزم ثم نفض يده من فوقها بأشمئزاز قبل ان يترك لها المكان بأكمله ويخرج عائدا بتفكيره إلى تلك الحياة خاصته ..
*************
عاد إلى منزله ثم توجهه مباشرةً إلى غرفته ، القى بثقل جسده المتعب فوق الفراش ، فى الحقيقه لم يكن جسده هو المتعب بل روحه ، أغمض عينيه بأرهاق سامحاً إلي سيل الذكريات بالتدفق بقوه داخل عقله لتسحبه داخل دوامه من الالم والحسره والكثير من الشوق للماضى ، حاول نزع نفسه منها ولكن الاوان قد فات فيبدو انها ستنتصر عليه كعادتها كل ليله دون حيله منه ، ظهرت امامه صوره والدته بوضوح وآثار الضرب المبرح واضحه عليها وهى تمسح على شعره بحب وتحدثه مازحه بنبرتها المليئة بالحنان :
-انت بتحب حياة اكتر منى يا فريد .. اول ما بتفتح عيونك بتسالنى عليها .. حتى قبل ما بتقولى صباح الخير ..
أجابها بثقه وحزم يفتقده جميع اقرانه المماثلين له فى العمر :
-لا انا بحبكم انتوا الاتنين قد بعض .. انتى بابا بيكرهك وهى بباها بيكرهها .. وانا لما اكبر هاخدكم انتوا الاتنين واهرب بيكم ومحدش هيعرف يضايقكم تانى ..
نظرت إليه والدته بأنبهار من نظره الإصرار التى رمقها بها فهو منذ صغره ورغم ضأله حجمه فى ذلك الوقت الا انه كان يتمتع باراده قويه ، ومع مرور الوقت تعلم كيف يطوع تلك الهبه حتى ينحنى كل شئ يريده امامها ببساطه ، ابتسمت والدته إليه بحب قبل ان تقول له بعيون لامعه محاوله اخفاء الالم الكامن بداخلها :
-لو بتحبها اوى كده يا فريد لازم تحافظ عليها وتحميها من نفسك ..
صمتت قليلاً تستجمع كلماتها ثم اضافت كتقرير :
-انا عارفه انك لسه صغير على كلامى ده ويمكن متفهموش .. بس انا خايفه مفضلش معاك لحد ما تكبر وتفهم اللى بقلهولك ده ..
صمتت مره اخرى لتزدرد ريقها عده مرات وتحاول السيطره على دموعها التى اوشكت بالاعلان عن نفسها :
-اللى بيحب حد يا فريد مبيقدرش يعذبه .. ولو حبك ليها زى ما بتقول حقيقى يبقى عمرها ما هتهون عليك .. اوعى يا فريد دم غريب اللى بيجرى فى شرايينك ده يسيطر عليك وتفكر فى يوم من الايام تأذيها بحجه انك بتحبها ..
هز راسه لها بقوه كأنه يحاول حفظ كلماتها داخل عقله حتى لو لم يستوعبها الان ..
زفر بقوه ثم مرر يده فوق وجهه قبل ان يفتح عينيه بمراره .. لقد استوعب فى اليوم التالى كلمات والدته له بأقسى طريقه ممكنه لطفل فى عمره وعلى يد والده أيضاً ، ومن ذلك اليوم أقسم على دفع حياته ثمن قبل ان يقوم بأذيتها فهى كل ما تبقت له من ذلك الماضى السحيق ..
متى تخضعين لقلبى
الفصل الثالث
استيقظت حياة فى الصباح بقلب مثقل ، فكرت بيأس انه لا فرار من تلك المواجهه ، فقلبها يحدثها بأن والدتها على علم بكل ما حدث معها بالامس ، فمنذ المساء ووالدتها تحاول الوصول إليها هاتفياً وبمجرد دخولها للمنزل اقتحمت غرفه حياة على الفور ولكن الاخيره تظاهرت بالنوم فور سماعها اقدام والدتها خارج غرفتها ، تحركت حياة على مضض ، اتجهت إلى الحمام مباشرة فلم تصادف احد فى طريقها وذلك لحسن حظها ثم عادت مره اخرى لغرفتها تستعد لارتداء ملابسها والخروج ، بعد قليل كانت قد انتهت من ارتداء جميع ملابسها وتمشيط شعرها ، نظرت إلى المرآه بحزن ، ففى ظروف اخرى كانت لتبدو سعيده بأن كل مجهودتاتها فى الثلاث سنين الاخيره توجت اخيراً بالنجاح ، ولكن الان كل ما تشعر به هو الحزن مع الكثير والكثير من تأنيب الضمير بسبب ما حدث مع محمود البارحه ، وكل ذلك بسبب ذلك المدعو فريد وهوسه فى التملك ، إعادتها والدتها من افكارها باقتحامها غرفتها بحده ، تنهدت حياة بأحباط ، اذا فكل شكوكها صحيحه فملامح والدتها تبوح بكل ما يعتمر داخل راسها دون حديث ، لوت حياة فمها بأحباط قبل ان تأخذ مبادره الحديث:
-واضح انك عرفتى باللى حصل امبارح ..
اجابتها والدتها بجديه :
-مقالش تفاصيل ..
تنهدت حياة بحزن قبل ان تقص عليها كل ما حدث معها البارحه وما فعله فريد بمحمود وحالته الصحيه وايضاً تركها له ، شهقت والدتها برعب من بطشه فلم يكفيه ما فعله ولكن أيضاً قام بتهديدها ، كانت تريد لوم ابنتها على طيشها وعنادها الغير مبرر معه ولكنها تراجعت فور رؤيتها الدموع المتكونه داخل عيون ابنتها بوضوح، تحركت حياة للخارج وتبعتها والدتها بصمت ، صادفت اخيها يستعد للخروج هو الاخر ، ابتسم لها بعذوبه وهو يلقى عليها تحيه الصباح ، قبل ان يسألها بأهتمام :
-مالك ؟!.. فى حد قالك حاجه زعلتك ؟!..
ثم أشار برأسه حيث غرفه والدهم ، هزت حياة رأسها بالنفى قبل ان تقول :
-انا عطيت محمود المحبس بتاعه ..
عبس اخيها قبل ان يسألها مستنكراً :
-انتى لحقتى !!! ده مكملتيش يومين !! ايه السبب ؟!..
حاولت حياة تغير مجرى الجرى فأجابته بنفاذ صبر :
-هحكيلك بعدين بس يلا عشان منتأخرش ..
اخيها :
-طب يلا انا كمان نازل معاكى تعالى اوصلك ..
ثم تحركا معاً للخارج ، وفى الطريق سألته حياة بأهتمام :
-عامل ايه فى الشغل وبعدين انتى نازل بدرى ليه مش ميعادك يعنى ؟!..
أجابها اخيها بتذمر :
-حياة انا خلاص قرفت .. ضغط شغل مش بيخلص والراجل المدير ده مش بيرحم كأنه اشترانى .. حتى النهارده طلب منى اروح بدرى عشان اخد فلوس واوديهاله البنك مع ان ده مش من مهامى واول مره يعملها ..
عبست حياة قبل ان تفتح فمها لمواساته:
-معلش يا محمد اصبر عليا شويه كمان ان شاء الله هلاقى فرصه للسفر وهاخدك معايا انا مش ساكته ويمكن ربنا يكرم فى اقرب فرصه ..
هز لها اخيها رأسه مطيعاً قبل ان يضيف :
-طب انا هسيبك هنا عشان متأخرش على الراجل ده والحق ميعاد البنك وانتى خلى بالك ولو احتجتى اى حاجه قوليلى..
ابتسمت له حياة بحنان قبل ان تلوح له مودعه وتستمر فى طريقها .
كان محمد هو اخيها الأصغر وبالرغم من ذلك كان يتعامل معها على انه يكبرها بسنوات ، كان حنون معها بطريقته الخاصه ، كان دائما ما يأخذ صفها عند نوبات غضب والدها وفى المساء اثناء عودته يجلب لها نوع الشيكولا المفضل لديها ويحاول دائما اخراجها من حزنها ، بالطبع لم يكن السند الذى تستطيع اخباره بمشاكلها وما يفعله معها فريد ولكنه كان يحاول حبها بكل ما يملك ..
*************
وصلت حياة إلى مكتبها قبل ميعادها الرسمى بعشر دقائق تقريباً فبدئت فى تحضير ملف الاجتماع على الفور ، بعد حوالى ساعه تفاجئت برب عملها يدلف إلى غرفه مكتبها بعبوس ، حييته بأحترام قبل ان تسأله بأرتياب وهى ترى ملامح وجهه المتجهمة امامها :
-فى حاجه اقدر اساعد حضرتك فيها يا مستر رؤوف ؟؟!..
بدء الارتباك يظهر جلياً على ملامح وجهه ، فتح فمه للتحدث ولكنه اغلقه مره اخرى ، ظلت حياة تنظر له وقد اتنقل إليها توتره ألياً فملامح وجهه لا تُبشر بخير ، تنحنح اخيراً لتنقيه حلقه قبل ان يتحدث إليها :
-حياة .. انتى عارفه انك من احسن الموظفين اللى عندى .. وانا فعلا بعزك وبحترمك وبتمنى كل الموظفين يكونوا فى نشاطك وذكائك وخوفك على الشغل .. بس انا اسف ومضطر اقولك اننا استغنينا عن خدماتك .. وكتعويض ليكى هنصرفلك ٣ شهور مكافأه ..
نظرت له حياة بصدمه تحاول استيعاب ما تفوه به للتو ، هل هذه مزحه سخيفه ؟!، لا فملامح وجهه وارتباكه لا يدل إطلاقاً على انه مزاح ، كما انها ليست كدبه ابريل فنحن على اعتاب الشتاء !، صمتت قليلاً واخفضت راسها محاوله السيطره على الدموع التى تجمعت داخل مقلتيها ثم بعد قليل رفعت رأسها وهى تبتسم له وتقول :
-تمام .. قدر الله وماشاء الله فعل ، مفيش اى مشكله وانا اكيد سعيده انى اتعرفت على حضرتك واكيد اتعلمت من حضرتك حاجات هتنفعى فى سيرتى الذاتيه .. اسمحلى بس الم حاجتى وأتحرك ..
ارتبك وهو واقف امامها ولم يدرك ما يجيبها به فقد اعُجب بقوتها ورد فعلها الثابت ، فكر متعجباً لماذا يفعل ذلك الملعون فريد كل ذلك معها ، على كل حال هذا ليس من شأنه يكفيه ما تحصل عليه منه منذ ان قام بتعيينها حتى الان وذلك هو المهم ، خرج من غرفتها بعد ان وضع مغلف امامها وانصرف دون وداع ، انتظرت حياة خروجه بفارغ الصبر حتى تستطيع الارتماء فوق المقعد والتفكير بتلك المفاجئه التى قلبت موازين يومها ففى اثناء استعدادها لتشغل منصب جديد وجدت نفسها خارج المؤسسه باكملها ،على كلاً حاولت تشجيع نفسها ففى الاخير كل ذلك رزق من الله وهى لديها من الخبره والمؤهلات ما يؤهلها للتعيين فى اى شركه اخرى بسهوله ، بالطبع كانت تلك من افضل شركات الملاحه فى الاسكندريه ولكنها لن تجزع ، ستجد فرصه افضل ان شاء الله ، اخذت حاجياتها وهمت بالانصراف عندما اوقفها رنين هاتفها ، نظرت به وإذا بوالدتها هى الطرف الاخر ، تجاهلت اتصالها فى المره الاولى ولكن والدتها كانت تعاود المحاوله دون انقطاع ، التقطت هاتفها وأجابت بحزن فجائها صوت والدتها باكياً :
-حياة .. الحقى محمد اخوكى ..
كانت تشعر بالأرض تدور بها من شده الفزع ، خرج صوتها هامساً تستفسر :
-ماما !!!! حصله ايه !!! محمد حصله حاجه !!! ماما !!! ..
إجابتها والدتها وهى لازالت على بكائها :
-هو كويس بس تعالى على شغله دلوقتى حالاً .. حالاً يا حياة .. اخوكى فى مصيبه ..
تحركت حياة تلقائياً تركض نحو الخارج كأنها انسان ألى دون روح ، استقلت اول سياره أجره صادفتها فى طريقها وصوت كلمات والدتها يتردد فى اذنها بقوه ، ضرب ألف احتمال واحتمال رأسها فى تلك المسافه من مقر عملها لعمله ، حاولت طمأنت نفسها ، المهم انه لم يصيبه مكروه ، أى شئ اخر يمكن تفاديه المهم الا يصيبه مكروه ، هذا ما فكرت به بيأس وهى تركض الدرج للاعلى حيث مقر الشركه التى يعمل بها ، دفعت الباب بيد مرتعشه فألتقطت عينيها على الفور والدتها تجلس بعيون منتفخه من كثره البكاء على احدى الارائك الموضوعة فى مدخل الاستقبال ويجلس إلى جوارها اخيها بملامح مرتعبه ، رفعت رأسها قليلاً وإذا بها ترى شخص تعرفه جيداً يستند بكسل وملامح مسترخيه على حافه احد الابواب وبجواره يقف مدير اخيها ، لم يكن الامر يحتاج إلى الكثير من الذكاء لمعرفه من المتسبب بكل ذلك الذعر الذى تمر به عائلتها ، تمتمت بغضب توجهه نظراتها المشتعله إليه :
-انت !!!..
ثم تحركت تركض حتى وصلت إليه وأخذت تلكمه فوق صدره بكل ما أوتيت من قوه وهى تصرخ به كأنها بذلك تفرغ جميع شحنات الغضب المتكونه بداخلها منذ البارحه :
-انطق عملت فيهم ايييه تانى !!! انت ايه مش بتشبع تعذيب فى الناس !! عملت ايه فى اخويا انطقققق ..
كان فريد يقف امامها بثبات كأنها تسدد تلك اللكمات للهواء وتصرخ بشخص اخر وليس هو نفسه ، بعد قليل شعرت بقوتها تنهار فتوقفت عن لكمه وهى تلهث فتحدث هو بصوت ثابت وعميق :
-لو خلصتى الدراما اللى عملتيها ياريت تتفضلى معايا جوه ..
لم تتحرك من مكانها فأضاف بنفاذ صبر لجذب انتباهها:
-عشان اخوكى ..
التفت تنظر إلى والدتها بعيون حائرة فاومأت لها براسها مشجعه ، تحرك هو اولاً وتحركت حياة فى اثره دون اعتراض او حتى سؤال ، فتح لها باب غرفه ما وتركها تتقدمه ، دلفت حياة إليها اولاً تتفحصها ، كانت الغرفه مؤثثه جيداً وواسعه يبدو انها غرفة المالك ، قاطع افكارها صوت فريد الذى اغلق الباب فور دخوله يطلب منها الجلوس ، رفضت على الفور ،وهى تفكر بقلق ما الذى يمكن ان يجمعها به ويخص اخيها ، ولماذا تشعر بأنها كبش يُجر إلى الذبح ، استند فريد على حافه المكتب يراقب تعابير وجهها ونظراتها الحائرة بهيام ، يالله كم يعشقها ، هل تعلم كم هى جميله ورقيقه وهى تقف امامه الان ترتدى جاكيت بدله نسائيه من اللون الاسود وبنطال من الجينز فتبدو شابه وقويه ، وشعرها الفحمى الناعم مرفوع على هيئه ذيل حصان ، انها حقاً تبدو كمُهره اصيله متمرده حتى تلك اللحظه لم يستطيع ترويضها ، لوى فمه بمرح مفكراً ومن قال انه يريدها مروضه!!! انه يريدها بكل عنفها وكبرها وتمنعها عليه ، اعاده من تأملاته صوتها الرقيق تسأله بحده :
-هنفضل واقفين طول اليوم تبصلى كده !!! ..
ابتسم بمرح قبل يجيبها :
-انا شخصياً معنديش اى مانع افضل واقف سنين مش بس يوم أتأملك .. بس عندك حق الايام جايه .. خلينا فى المفيد ..
نظرت له برعب واضح من تلميحه المبطن ولكنها تجاهلت ما يخبرها به عقلها فقالت بهدوء مصطنع يشوبه التحدى :
-سمعاك ..
تنحنح فريد ثم تحدث مباشرةً :
-محمد ..
سألته حياة بأرتياب :
-ماله ؟!...
أجابها ببرود يخرج فقط من انسان ألى وليس انسان يمتلك مضخه دم وشرايين :
-ولا حاجه .. بس أختلس من الشركه ٥٠٠ الف !! دولار ..
نظرت له حياة بأستهزاء :
- هزار .. انت حد فاكر ان دمه خفيف فسايب اعماله وإشغاله وجايبنى عشان تهزر !!..
هز فريد راسه لها ببطء صادراً صوت من فمه ينم على الاستياء :
-غلط .. اجابه غلط .. المفروض الاجابه اللى اسمعها انا موافقه انى اتجوزك يا فريد ..
نظرت له حياة بصدمه واضحه دون ان تنبث ببنت شفه ، انتظر فريد صدور رد فعل منها لمده دقيقه ولكن لم تفعل ، اضاف بنفس بروده المعتاد بعد ان وضع إصبعه فوق فمه متفكراً :
-اعذرينى ، يمكن حماسى خلانى انط للجزء ده قبل ما أسمعك باقى عرضى .. دلوقتى اخوكى محمد اختلس من الشركه اللى شغال فيها ٥٠٠ الف دولار ، وطبعا انتى ماخدتيش بالك ان فى ناس واقفه بره شهود شافوه وهو بياخد الفلوس من الخزنه وبيحطها فى شنطه وبعدين الشنطه بالفلوس اختفوا .. ها ايه رايك محمد يتحبس ولا تتجوزينى !!
تمتمت حياة بخفوت مقره كأنها تتحدث لنفسها قبل ان تتحدث إليه وتحاول حل تلك الاحجيه فى راسها :
-المدير اللى بره ده الكلب بتاعك مش محتاجه تفكير ..
صمتت لبرهه ثم اضافت وهى تضيق عينيها :
-والفخ ده مترتبله من زمان عشان كده طلب منه ان يجى قبل ميعاده ويوصله الفلوس للبنك على غير العاده..
ابتسم فريد بعمق قبل ان يرفع كفى يده يصفق لها باسلوب درامى :
-ذكائك كل يوم بيزيد كنت خايف بعدك عنى السنين دى كلها يقلل منه بس بالعكس طمنتينى عليكى ..
نظرت اليه بأشمئزاز قبل ان تقول :
-انت ازاى كده !! انت بقرف منك وبكرهك .. فاهم يعنى ايه بكرهك والموت اهون عندى من انى اتجوزك ..
وضع يده فوق قلبه بتمثيل قبل ان يجيبها :
-زوجتى المستقبليه .. كلامك جرح قلبى بس مش مهم هعتبره خجل منك برضه احنا يادوب لسه مخطوبين من ساعه وشويه وهتتعودى عليا ..
صرخت به حياة بقوه وقد بدءت تفقد أعصابها امامه :
-هلاقى حل .. السجن ارحملى .. هقول ان انا اللى اخدتهم مش هو ..
أجابها بثقه :
-الشهود ضده والكاميرا سجلت وهو بيفتح الخزنه وبياخدهم مش انتى ..
صرخت به مره اخرى :
-هتصرف وادفع المبلغ:
هز راسه لها رافضاً قبل ان يفتح فمه ويقول :
-ومين قال اننا عايزين المبلغ هو عرض واحد .. جوازنا قدام سجنه ..
شعرت حياة باللعبه تضيق عليها وها هى على وشك الخساره ، التفتت حولها تبحث عن شئ ما تجلس عليه ، اتجهت إلى الاريكه الموضوعه بعنايه وجلست عليها ثم انحنت ووضعت كلتا كفيها فوق راسها وهى مغمضه العينين تحاول التفكير بهدوء او ايجاد مخرج ما ، فكرت بيأس ، اللعنه !! إلى من تلتجئ ، ليس لديها احد ما يحميها منه فوالدها يلومها على ما تفعله وما لا تفعله وبالطبع ينتظر اليوم الذى يتخلص به منها ، فما بالك بشخص غنى كفريد ، والدتها أيضاً لن تسعفها ، فهى لا حول ها ولا قوه ، أتترك أخاها للسجن وهى تعلم انه مظلوم ، هل سيتعفن داخل جدرانه وينتهى مستقبله من اجل حربها مع فريد ، لا لن تكون بتلك الانانيه ، ثم انها لا تفرط به ، شعرت بوخز الدموع يزداد داخل مقلتيها وهى تفكر بحزن لو ان لها قوه ، حاولت السيطره على دموعها فالقرار واضح ، ستحمى أخاها حتى لو على حساب ربط ما تبقى من حياتها باسم رجل تبغضه ، فكرت بأمل وهى تحرك راسها يميناً ويساراً ، ستسايره فى خطته حتى تُهرب أخاها خارج البلاد وتحمى والدتها ثم تتركه وتهرب ، هذا هو الحل الوحيد ، لن تستسلم له ولكن ستنحنى للعاصفه ، نعم ، طمأنت نفسها داخلياً هذا كل ما ستقوم به ، لن تنهزم فقط ستنحنى حتى تتفادى تلك العاصفه الغير متوقعه ، جائها صوته قريباً منها يحدثها :
-قدامك نص ساعه والا البوليس هيكون جوه الشركه ..
انتفضت من مقعدها تصرخ به :
-خلاااااص موافقه بس بشروط ..
عقد حاجبيه معاً وهو يكتف كلتا ذراعيه فوق صدره ويسألها بتركيز:
-ايه هى شروطك ؟!..
اجابته بثقه مزيفه وهى تحاول رفع راسها بكبرياء :
-وصلات الامانه اللى مضيت بابا عليهم وساومت ماما بيهم يتقطعوا قبل كتب الكتاب .. وطبعا مش محتاجه اقول ان من بكره ماما توقف شغل عندك ..
راقبت رد فعله بهدوء بسيط اكتسبته من نظرته الحانيه، حسناً ان كان يريد المساومه فهى أيضاً ستساوم وتبدء فى تتفيذ خطتها منذ الان ..
أومأ راسه لها موافقاً وهو يتمتم :
-اللى انتى عايزاه ..
اكملت حياة بثقه اكبر :
-الشرط التانى .. تكون ليا اوضه لوحدى خاصه بيا ومحدش معاه مفتاحها غيرى وده من اول يوم جواز .. انت فى مكان وانا فى مكان ..
نظر لها مطولاً يتفحصها قبل ان تضيق عينيه عليها ويسألها :
-يعنى ايه ؟؟ ..
اجابته مفسره :
-يعنى اللى فهمته .. مفيش حد عنده كرامه ممكن يقرب من واحدة مش طايقاه ..
دوت ضحكته عالياً بشراسه داخل أنحاء الغرفه قبل ان يقول :
-لا انتى بتهزرى !! .. انا استنيت كل ده عشان اتجوزك وملمسكيش .. لا ومتوقعه منى انى اقبل كمان .. طبعا شرطك مرفوض ..
صرخت به حياة وهى تنظر فى اتجاه المكتب الواقف امامه :
-وانا قلتلك الموت اهون عليا من انى اتجوز واحد زيك ..
ثم تحركت مسرعه تلتقط أله فتح المظروفات الحاده من فوق المكتب وتضعها فوق شريان رقبتها وتضيف :
-اقسم بالله يا فريد هموت نفسى قدامك واريحهم وارتاح ومش هتقدر تهددهم بعد موتى ..
شعرت فى اللحظه التى نطق بها برفضه بأنها فقدت السيطره على اعصابها تماماً ، حتى جسدها خرج عن نطاق سيطرتها فلم تستطيع توقيف ارتجافه ، حاولت التوقف عن الصراخ ولكن دوى جدوى فكل ما شعرت به فى تلك اللحظه انها تريد الصراخ بكل قوتها حتى تُنفس عن كل ما شعرت به منذ البارحه :
-انت ايييه !! انسان مش بيرحم !! مش كفايه اللى عملته فى محمود امبارح ومش كفايه اللى عملته قبله فى امى !! انت عمال بتدمر حياة اى حد قريب منى لمجرد انه يعرفنى .. انا بكرهك وبكره اليوم اللى شفتك فيه والساعه اللى قدرى وقعنى فيها فى طريقك .. انا عايزه اموت عشان ارتاح من انك دايما واقف فى طريقى ..
ظل فريد يراقبها وضغط يدها يزداد تدريجباً فوق عنقها دون وعى منها ، تقدم خطوه للاقتراب منها ولكن صراخها الذى ازداد أوقفه :
-اوعى تقرب .. لو فكرت فى يوم تقرب منى او تجبرنى هموت نفسى ..
كان يرتعد داخلياً خوفاً عليها ، اللعنه عليه ماذا فعل بصغيرته وحياته ، انها على وشك فقدان الوعى من شده رعبها وتلف اعصابها ، هل هذا ما يريده لها ؟!، ولكن تلك فرصته الاخيره حتى تصبح زوجته فمنذ سنوات وهو ينتظر موافقتها ولكن دون جدوى حسناً سيكفيه ان تعيش تحت سقف بيته ويراها يومياً ، نظر إليها فوجد يدها تضغط بقوه اكثر على الاله الحاده حتى بدءت بعض الدماء تزحف نحو عنقها ببطء فصرخ بفزع :
-تماااام .. خلاص موافق بس اهدى وسيبى اللى فى ايديك دى ..
نظرت إليه بعدم تصديق ، بينما يحاول هو الاقتراب منها ولكنها صرخت به بقوه :
-قلتلك متقررربش مننى ..
توقف فريد عن السير وتراجع خطوه للوراء وهو يرفع كلتا يديه امامه فى استسلام ويتمتم بحزن :
-مش هقرب بس انتى اهدى وسيبى اللى فى ايديك ..
تمتمت حياة :
-مش مصدقاك ..
أجابها فريد والالم يعتصر قلبه :
-والله ما هقرب منك ..
سالته حياة مستنكره :
-احلف بأغلى حاجه عندك .. احلف برحمه ماما رحاب ..
ازدرد فريد ريقه بصعوبه قبل ان يتمتم بحزن وصدق حقيقى :
-ورحمه امى ما هقرب منك .. وحياتك عندى ما هقرب منك غصب عنك ابداً ..
أفلتت حياة الاله من بين يديها فسقطت على الارض الخشبيه تدوى بقوه وسقطت حياة بجوارها تشهق وتبكى بكل ما أوتيت من قوه ، تحرك فريد يجلس جوارها بصمت دون محاوله للمسها ، ظل يجلس جوارها حتى هدئت تماماً من نوبتها ثم وقفت فجأه وتحركت فى اتجاه المرحاض لتنظيف وجهها وعنقها ، خرجت منه انسانه اخرى بملامح هادئه وقويه وبمجرد رؤيته يتحرك فى اتجاهها رفعت رأسها بكبرياء موجهه له نظرات ناريه ، ابتسم داخلياً من عوده متمردته مره اخرى ، سألها باهتمام :
-محتاجه حاجه ؟!..
هزت راسها نافيه وهى تنظر إليه بازدراء ، لوى فمه بنصف ابتسامه جانبيه التقطتها عيونها فسارعت تقول :
-انا بكرهك على فكره ..
تمتم فريد بمرح :
-مش مشكله .. تكرهينى وانتى فى بيتى وتحت عينى احسن من انك تكرهينى وانتى بعيد عنى ..
صمت لبرهه ثم اضاف :
-شفتى انا قنوع ازاى ؟!..
لم تعقب حياة على سخريته فقد كانت تفكر بخبث ان انتصاره ذلك مؤقت لذلك فلتتركه يستمتع به قليلاً ، تحركت فى أتجاه الباب تهم بالخروج عندما اوقفها صوته العميق يضيف :
-الفرح الخميس الجاى .. ده المهم انك تعرفيه غير كده انا هتولى باقى الامور ..
كانت على وشك الاعتراض ولكنها تراجعت فكلما أسرعت فى الزواج منه وبدء خطتها مبكراً كلما تخلصت منه بشكل اسرع ، لاحظ هو الصراع الداخلى الذى تمر به والبادياً بوضوح على قسمات وجهها فأبتسم تلقائياً عند تراجعها ، فكر بفخرانه يحفظ تعابير صغيرته عن ظهر قلب ..
*************
فى الخارج نظرت حياة إلى والدتها التى استمعت إلى كل ما حدث مع ابنتها بالداخل ولكنها لم تستطيع التدخل فذلك هو التصرف الصحيح من اجل الجميع ، تمتمت حياة بنبره خاليه لجميع من بالغرفه :
-الفرح اخر الاسبوع ..
ثم التفتت تلقى نظره اخيره تطمئن بها على اخيها قبل ان تنصرف دون حديث ..متى تخضعين لقلبى
الفصل الرابع
مرت الايام سريعاً وجاء موعد عقد القران ، لم تقم او تهتم بأى شئ ولم يتركها فريد تنشغل بشئ ، حتى فستان زفافها التى ارتده بعد توسلات كثيره من والدتها كان من اختياره ، تم عقد القران فى الفيلا خاصته وسط حضور عدد بسيط من المدعوين ، ولكن فى النهايه كان كل شئ مثالى وراقى لاقصى حد تحلم به كل فتاه عداها ، هذا ما فكرت به حياة وهى تنظر حولها متأمله ، انتهت الحفله سريعاً ولم يحاول فريد خلالها الاقتراب منها او لمسها ، حتى بعد عقد قرانهم اقترب منها يطبع قبله بسيطه فوق جبهتها ثم ابتعد فوراً عند شعوره بتململها تحت قبضته ، انقضى الحفل وودعت حياة الجميع ثم جاء وقت توديع والدتها التى بكت من أعماقها قبل ان تتمتم هامسه فى اذن حياة:
-انا اسفه يا بنتى بس مكنش فى حل تانى ..
شددت حياة من احتضانها لوالدتها وهى تتمتم لها مطمئنه :
-عارفه وصدقينى مش مضايقه ..
كانت حياة صادقه فيما تفوهت به فهى لا تشعر بالضيق نحو اى منهم على الاطلاق فلقد اختارت حمايه أخاها دون أدنى ضغط من اى طرف ، وقرارها ذلك نابع من قلبها فقط ولو عاد الزمن لفعلت نفس الشئ مجدداً من اجله، ثم انها لا تدرى لعل ذلك هو الخير لها ، ربتت آمنه على شعرها وظهرها بحنان قبل ان تُقبل جبينها وترحل ، سألها فريد بنبره خاليه بعد رحيل الجميع :
-تحبى تدخلى دلوقتى ؟!..
هزت راسها له موافقه دون اضافه ، دلفت حياة إلى الداخل ثم طلبت منه ان يريها غرفتها فوراً فهى تريد التخلص من ذلك الرداء بأسرع ما يمكن ، تقدمها نحو الدرج ليرشدها ثم توقف امام غرفه ما يفتحها ، دلفت حياة للداخل اولاً ثم تبعها فريد بهدوء ، كانت غرفه واسعه رائعه الجمال بألوانها الكريميه الهادئه مع أثاثها الخشبي المريح من الطابع الفيكتور ، اول شئ استرعى انتباه حياة هو وجود بابين داخل الغرفه ، سألته بتوجس وهى تشير برأسها نحو الباب الاخر :
-ايه الباب ده ؟!..
أجابها فريد بلامبالاه وقد وضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله :
-ده باب اوضتى ، او بمعنى اصح باقى جناحى ..
شعرت حياة بالدم يتدفق بقوه داخل عروقها فأجابته بنبره حاده :
-يعنى ايه الكلام ده !! وبعدين انت وعدتنى .
نظر إليها فريد مطولاً ظنت انه لن يجيبها قبل ان يقول :
-وانا لسه عند وعدى .. انتى طلبتى يبقى ليكى اوضه خاصه .. اهى اوضه خاصه بباب مقفول ومفتاحه معاكى ..
ضربت حياة الارض بقدمها من شده الغيظ وهى تصيح به :
-اوضه خاصه ازاى وانا فى نفس جناحك وبينى وبينك باب !!..
نظر إليها بتسليه قبل ان يجيبها قائلاً :
-الباب مقفول ومش هيتفتح الا بأذنك .. وبعدين المره الجايه ابقى حددى طلبك اكتر ..
ثم تحرك دون انتظار ردها يدير قبضه الباب بيده ثم اختفى داخل غرفته ، نظرت حياة إلى اثره بغضب ، وهى التى ظنت انها ستقطن فى طابق غير الذى يقطن به ولكن كل ما تحصلت عليه هو جناح واحد والفاصل بينهم هو باب مشترك !!.. اللعنه على هفوتها فالخطأ منها ، كيف لم يخطر فى عقلها ان فريد سيتلاعب بالكلمات كعادته ويستغلها لصالحه ، تحركت بغضب نحو المرأه تقف امامها لبرُهه قبل ان تقوم بخلع فستان زفافها ، زفافها !! يالها من كلمه كبيره الان ، تأملت نفسها بالمرأة قليلاً ، لتكن واقعيه ان ذلك الفستان الدى ترتديه غايه فى الروعه تماماً كالذى حدثت والدتها عنه أياماً واياماً ، كأنه خرج من مخيلتها ليتجسد امامها ، رفعت يدها تتأمل ذلك المحبس الموضوع داخل إصبعها بعنايه ، لوت فمها بسخريه فأى فتاة اخرى كانت ستقفز فرحاً من فرط سعادتها لتحصلها على زوج غنى ووسيم كفريد فالحقيقه انه كان وسيماً للغايه ببدلته الانيقه وابتسامته الهادئه وعيونه العسليه التى تشع اصرار وقوه ، ولكن ذلك لا يشفع عن طباعه المهلكه ، ربما هى أيضاً اذا حدث ذلك منذ عشر سنوات او يزيد كانت لتفقز فرحاً لزواجها من حاميها الاول ولكن الان الوضع تغير وهاهى متزوجه من صديق طفولتها و نقمه حياتها ، حتى انه لم يعلق على مظهرها كأى عروس ، عنفت نفسها بقوه ، أتنتظر منه مدح او تعليق !!! ، ليحل البؤس والشقاء على حياتها قبل ان تنتظر منه شيئاً هكذا ، قاطع افكارها طرقات خفيفه على الباب المشترك فعلمت انه هو ، أغمضت عينيها واخذت نفساً عميقاً قبل ان تمسد على ثوبها الناعم وتتحرك لتواجهه ، وضعت يدها فوق المقبض ثم حركته ووقفت تنظر إليه بهدوء منتظره ان يدلو بما فى افكاره ، نظر إليها فريد مطولاً وهو يضع يديه فى جيويه مفكراً كم انها صغيره وجميله ، انها اميرته الخاصة ، هل تعلم كم تبدو فاتنه بذلك الفستان الابيض ؟!، بل هل تعلم كم حلم وتمنى تلك اللحظه ؟!، هل تعلم انه طوال حياته لم يقترب من اى امرأه اخرى فقط ينتظر إشارتها ، ان مظهرها الرقيق بنظرة عيونها الحائرة التى تفصح عن اكثر بكثير مما تصمت هى عنه تجعله يفقد السيطره على اعصابه وتفكيره ، تنحنح محاولاً تنقيه حلقه قبل ان يقول بنبره حانيه:
-انتى جميله اوى النهارده .. انتى جميله كل يوم وأجمل فى عينى يوم عن يوم بس النهارده جمالك من نوع تانى ..
شعرت حياة بالخجل من تفكيرها ايعقل انها علم ما كانت تفكر به منذ قليل ، اطرقت عينيها للأسفل تهرب منه حتى لا يرى ارتباك نظرتها ، لم يكن بحاجه إلى ان يراها ليعلم رد فعلها ، هذا ما فكر به وهو ينظر إلى احمرار وجنتيها ، حرك يده داخل جيب بنطاله يلتقط شيئاً ما ثم مد يده فى اتجاهها ، عبست حياة وهى ترى يده ممدوه امامها وهو ممسك بورق ما فوق ما يبدو انها قطعه قماش مطويه بعنايه ، رفعت راسها تساله وهى لاتزال مقطبه الجبين :
-ايه ده ؟!..
أجابها فريد بهدوء :
-ده الورق اللى يخص والدك وطلبتى منى أقطعه ..
تمتمت حياة متذكره :
-اه انا نسيت حكايه الورق ده خالص ..
أجابها فريد مبرراً :
-بس انا منستش .. انا وعدتك انى هنفذ اللى طلبتيه كله بس ملقتش فرصه اديهولك قبل كتب الكتاب لانك كنتى بتتهربى من انك تشوفينى ..
شعرت حياة بالخجل يزحف نحو وجنتيها مجدداً فهو محق فى ملاحظته تلك فطوال يومها حاولت التهرب من رؤيته او مصادفته بأى شكل كان ، اضاف فريد بثبات وقد تبدلت ملامحه :
-عمتا الورق قدامك اهو تقدرى تعملى فيه اللى انتى عايزاه ..
مدت يدها ببطء تأخذ منه الاوراق مع قطعه القماش تاركه له المجال ليعود إلى غرفته ، توقف مره اخرى عائداً إليها ومتحدثاً بهدوء :
-حياة .. لو حبيتى تاكلى هتلاقى العشا تحت جاهز .. انا مطلبتش منهم يطلعوه هنا عشان متاكد انك مش هتحبى تتعشى معايا وطبعا مش منطقى من اول ليله هطلب منهم يطلعوا عشا لكل حد فينا لوحده ..
انهى حديثه ولم ينتظر تعقيبها ، بل مد يده يلتقط مقبض الباب المشترك بينهم ويغلقه ، شعرت حياة بالخجل للمره الثالثه من حديثه ولكن لا لن تنخدع بكل ذلك ذكرت نفسها انه هو من ابتزها ليتزوجها ، اذا فليتحمل شروطها واسلوبها مهما كان فظ ، ثم انه لا يمتلك قلب مثل البشر ليشعر او يتالم ، تحركت نحو المنضده تضع الورق فوقها ثم منه الى خزانه الملابس لتبديل ثيابها ، فتحت الخزانه قبل ان تشهق بصدمه ، انها تحتوى على الكثير والكثير من الملابس بألوانها واقمشتها المفضله لديها ، يالله لقد وقعت فى حبهم على الفور ، كيف استطاع معرفه ذوقها لذلك الحد ، ولكن لا ، ذكرت نفسها بحزم ، لن ترتدى من ملابسه فهاهى احضرت معها جميع ملابسها التى كانت تدخرها لزواجها ، ستستخدمها عوضاً عن تلك الملابس التى ابتاعها لها فهى لا تريد شيئاً منه ، التقطت احدى البيجامات الناعمه من حقيبتها ثم تحركت نحو الحمام لتبديل ملابسها ، فقط للاحتياط ، خرجت بعد قليل وقد بدلت ملابسها وأزالت اثار المكياج الذى غطى وجهها بعدما اخذت دشاً سريعا تريح به اعصابها وربطت شعرها على هيئه كعكه بسيطه وجلست على حافه الفراش بجوار المنضده بصمت تسحب الورق الذى أعطاه لها منذ قليل ، فتحته ووجدت توقيع والدها يقبع هناك بهدوء ، تنهدت بألم ثم قامت بتمزيقه إلى قصاصات صغيره ووضعته فى سله المهملات بجوار فراشها ، مدت يدها مره اخرى تلتقط قطعه القماش المطويه لتفتحها بأستغراب ، شهقت حياة من جمالها ، انه ليس اكثر من منديل عقد قرانهم ، لمعت عينيها بأنبهار فقد كان تحفه فنيه رائعه ، زُينت أطرافه بالجُبير الرائع ونُقش بداخله يدوياً بخيوط من الذهب
"قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي"
فى بدايه الامر ارادت إلقائه مع باقى الاوراق فى سله المهملات ولكن براعه تنفيذه منعتها من ذلك ، لذلك قامت بطيهِ بعنايه مره اخرى ثم وضعته بحرص داخل احد ادراج خزانه ملابسها ، عادت إلى الفراش لتستلقى عليه فى محاوله فاشله منها للنوم ، تأفأفت بعد مده تنظر فى ساعتها فوجدتها تجاوزت الواحده صباحاً ، حسناً لن تستلقى هناك طيله الليل فيبدو ان كل محاولاتها البائسة فى النوم ذهبت جفاءاً ، أضاءت مصباح الغرفه قبل ان تقرر استكشاف الشرفه ، فتحت النافذه ودلفت إليها وإذا هى تشهق بسعاده ، فغرفتها مطله تماماً على البحر ، ابتسمت بقوه وهى تتقدم إلى الامام بداخلها حتى استندت على جدارها تستمع بذلك الهواء البارد الذى يلفح وجهها مُغلف برائحه الصوديوم المنبعثة بقوه من رذاذ البحر ، التفت يميناً تنظر إلى الضوء المنبعث فتسمرت مكانها ، ان شرفتها أيضاً مشتركه معه ، لقد قام بعزل الغرفه ولكنه ترك الشرفه مشتركه بينهم ، ارتبكت بشده عندما سمعت وقع خطوات تقترب منها آتيه من غرفته فعادت راكضه إلى غرفتها تغلق نافذه الشرفه خلفها جيداً وتندس داخل الفراش ، فكرت بحنق اللعنه عليه ان غضبها يزداد منه مع مرور الوقت فكيف ستتحمل عشرته كل ذلك الوقت حتى يأتى يوم الخلاص؟!..
***********
فتحت عينيها فى الصباح بثقل بعد نوم ليله متقطعه ، نظرت حولها وهى مستلقيه فوق الفراش تحاول اجبار عقلها على تقبل ما مرت به منذ البارحه حتى تستطيع التعامل مع كل تلك التغييرات ، زفرت بيأس فليس هناك أمل فى التظاهر بالنوم حتى يصبح كل شئ على ما يرام ، حثت نفسها على القيام ومواجهه قدرها فليست حياة من تتهرب من عقبات حياتها ، بعد قليل كان تقف امام مرأه غرفتها تصفف شعرها جيداً ثم عقدته للاعلى على هيئه كعكه بسيطه أبرزت نعومته ، لوت فمها بسخريه وهى تنظر فى المرأه تتفحص هيئتها البسيطه وهى ترتدى بنطال من الجينز الفاتح مع تيشرت قطنى خفيف فكان مظهرها ابعد ما يكون عن عروس جديده ، تنهدت بثقل وقد عادت إليها تلك الافكار التى تحاول الهرب منها منذ البارحه ، كيف ستتعامل معه ؟!! فبرغم تظاهرها بالقوه امامه الا انها منذ البارحه تخشاه او بالأدق تخشى التواجد معه فى نفس المنزل فهى لا تعلم ردود افعاله عن اى شئ فعلاقتها معه انقطعت منذ ما يقارب الخمسه عشر عاماً ، وما تعلمه عنه فى تعامله مع غيره لا يبشر بخير إطلاقاً ، هل سيفى بوعده لها ام انه فقط يجاريها ؟! ، هل سيستخدم العنف معها مثلما كان يفعل والده مع والدته ؟!، كان هذا اكثر ما تخشاه فقد اصبحت الان فى عرينه بمفردها وليس لديها من يدافع عنها او يحميها من بطشه ، تذكرت بأمل ان دائماً لديها الله ، لذلك تضرعت له بقلب مفعم بالرجاء ان يحميها من بطشه وقوته ثم رفعت راسها بكبرياء تستعد لاستقبال اول يوم فى أسرها واول شئ قررت القيام به هو استكشاف سجنها، فتحت باب غرفتها بهدوء كانها تخشى إصدار اى صوت قد يُعلن عن وجودها فيذكره بها وكأنها ينساها !! ،
التفتت يميناً ويساراً تبحث عنه فلم تجد له اثر ، تنهدت براحه ثم استأنفت طريقها للأسفل ، اول شئ لفت انتباهها بمجرد وصولها للأسفل هو كل تلك الاجساد الضخمه التى تقف متأهبه داخل الحديقه وعلى اعتاب المنزل الداخليه ، بالطبع لم يكن الامر يحتاج لذكاء خارق لتدرك ان كل هؤلاء الرجال للحمايه ولن تتفاجئ اذا علمت ان نصفهم للحرص على إبقائها داخل جدران ذلك القفص ، اثناء تفحصها لهم استرعى انتباها زوج من العيون يتأملها بحذر التفتت حياة تتقدم للأمام وهى تدقق النظر فإذا بها ترى امرأه فى منتصف الثلاثينيات على اقصى تقدير ذات قوام متناسق ووجهه ابيض رائع الجمال ترتدى زى رسمى وتنظر إلي حياة بتفحص من راسها حتى اخمص قدميها ، توقفت حياة عن السير ولم تدرى لمً لم يُعجبها نظرات تلك المرأه لها !!، على كل حال سالتها حياة بفضول :
-مين حضرتك ؟؟!!!..
اجابتها المرأه بنبره رسميه خاليه من اى عاطفه:
-انا عزه .. مديره البيت هنا ..
لوت حياة فمها بيأس فيبدو ان أقامتها هنا لن تكون سهله على الإطلاق ، على كلاً هزت حياة كتفيها بعدم اهتمام ثم اكملت طريقها عده خطوات للأمام قبل ان تتوقف فجأه وتعقد حاجبيها معاً بعبوس وهى ترى احدى زجاجات الخمر موضوعه فوق بار للمشروبات بعشوائية ، لم تتخذ الكثير من الوقت قبل ان تقرر ما عليها فعله ، التفت خلفها مره اخرى توجه حديثها إلى تلك التى لحقت بها :
-مدام عزه لو سمحتى خدى الازايز دى بالكاسات بتاعتها أرميهم ..
اجابتها عزه بكبرياء محافظه على نبرتها الخاليه معها :
-اسفه يا هانم .. دى حاجات فريد بيه ومقدرش اتصرف فيها غير بأمره هو ..
رفعت حياة احدى حاجبيها باندهاش قبل ان تحرك راسها موافقه وهى تلوى طرف فمها بأبتسامه سخريه وتقول بأصرار:
-طب تمام .. تقدرى تندهيلى حد من الحرس اللى واقف بره دول .. بيتهيألى مش محتاجه اذن فريد بيه فى حاجه زى دى صح ؟!!!!..
نظرت إليها عزه بتشكك واضح قبل ان تتحرك نحو الحديقه ثم اختفت لثوان قبل ان تعود ومعها احد الأفراد مرتديا بذله سوداء ويحمل احد الاسلحه فوق خصره بوضوح ، تشدقّت حياة وهى تنظر إلى مظهره المرعب تشعر وكانها سقطت فى احدى دور المافيا الايطاليه !! ترى هل كل ذلك حلم ستفيق منه بعد قليل ؟!!،، كان ذلك اقصى أمانيها فى الوقت الحالى ، على كلاً أغمضت عينيها لبرهه قبل ان تفتحهم مره اخرى وتطلب من الحارس بهدوء :
-لو سمحت ممكن تجيبلى صندوق خشب مقفول او برميل ؟!.. عايزه اى حاجه متسربش مياة ..
أومأ لها الحارس على الفور بأحترام قبل ان يجيبها :
-حالاً يافندم ويكون عند حضرتك ..
ثم تحرك للخلف وهو لازال يعطيها وجهه حتى اختفى عن الأنظار ، التفتت حياة مره اخرى بعد ذهابه تسالها بنبره متحديه :
-عايزه جوانتى .. اكيد عندك ..
اومأت عزه لها براسها قبل ان تختفى هى الاخرى ، زفرت حياة بحنق وهى تفكر فى تلك المرأه وطريقتها العدائيه فى التعامل معها ،
اعادها من افكارها عوده الحارس حاملاً برميل ازرق عميق فابتسمت حياة بسعاده ثم طلبت منه وضعه امامها والانصراف فنفذ على الفور دون جدال ثم بعد ذلك جاءت مدبره المنزل تحمل لها القفازات فارتدتها حياة على الفور ، همت بأمساك الزجاجه الموضوع فوق البار عندما شعرت بعيون تحدق بها ، التفتت حياة فوجدتها لازالت واقفه مكانها تراقبها ، قالت لها حياة بهدوء يشوبه الكثير والكثير من تمردها المعهود:
-على فكره تقدرى تتفضلى انا مش محتاجه حاجه ..
اومأت لها مدبره المنزل بنفاذ صبر قبل ان تتحرك للداخل بتردد وتتركها بمفردها وهى تعلم جيداً ما تنوى فعله .
*************
كان فريد يجلس فى غرفه مكتبه المطله مباشرةً على البحر خلف مكتبه الواسع فى مقعده الجلدى المريح يدقق فى احدى الملفات الموضوعه امامه عندما سمع أصوات تحطم قادمه من الخارج ، أرهف سمعه فإذا بها أصوات تحطم زجاج ، ركض على الفور نحو الخارج يتبع مصدر الصوت وقلبه ينتفض رعباً عليها ظناً منه ان احد اعدائه قد تجرأ على مهاجمه منزله ، صرخ بأسم احد الحراس بقوه مما جعل حياة تنتفض قبل ان يتوقف بصدمه وهو يرى صغيرته تقف بتحدى وهى تضع يدها فوق خصرها وتزم شفتيها للأمام ويدها الاخرى تلقى بما تحمله من زجاجات الخمر فى وعاء ازرق عميق ، جابت عينيه جسدها ونظرات الإعجاب ظاهره عليه ، كم سيسعده ترويضها ؟!.. هذا ان استطاع التفريط بها أساساً ، رفعت حياة راسها على صوته العميق الغاضب :
-حياة !!! هتجرحى نفسك !! ..
استعادت هدوئها ثم نظرت إليه بعيون متحديه وهو يقف امامها يرتدى تيشرت ازرق يبرز عضلاته بقوه ويضع كلتا يديه داخل جيوب بنطاله ، رفعت حاجبيها مع نظره مغيظه له قبل ان تتحرك نحو البار تلتقط اخر زجاجه موضوعه به ثم رفعتها بتحدى امام عينيه وتحركت بها حتى توقفت امام البرميل مره اخرى وقامت بإلقائها من ارتفاع عالى فأصدرت ضجيج قوى من ارتطامها بالزجاج الملقى بداخله ، حاول كتم ضحكته امامها ولم تلاحظ هى بريق التسليه فى عينيه ، تنحنح لتنقيه حلقه وإخراج صوته حازماً :
-على اساس انك لما تكسريهم مش هعرف اجيب غيرهم تانى!! ..
عقدت كلتا ذراعيها امام صدرها ثم تحركت ببطء فى خطوات ثابته نحوه قبل ان تقف امامه مباشرة وترفع راسها بكبرياء حتى تصل لعينيه ثم تحدثت بنبره ثابته قويه عكس ما تشعر بداخلها تماماً وتقول :
-من اللحظه اللى اجبرتنى فيها على انى اكون مراتك ودخلتنى بيتك وبقى اسمى مرتبط بأسمك والبيت ده بقى بيتى انا كمان .. وانا معنديش استعداد لحظه واحده اقعد فى بيت بيتعصى فيه ربنا بالشكل ده .. وأوعى فى يوم تفكر ان قبولى بيك معناه قبولى لشياطينك دى .. البيت اللى هكون موجوده فيه لازم يكون نضيف ..
صمتت قليلاً وهى ترى عرق خفيف بدء ينتفض فى جانب صدغه ولكنها كانت تغلى غضباً من كل ما حدث منذ البارحه ولن تستطيع التوقف الان ، اضافت محافظه على نفس نبرتها وتحديها :
-عايز تشرب هنا اتفضل .. بس ساعتها هتكون ملزم تجبلى بيت تانى اعيش فيه حتى لو اوضه واحده .. بس خليك متأكد انى هحارب على طهارتها بروحى .
أنهت حديثها وصدرها يعلو ويهبط امامها من شده التوتر والغضب معاً ، ظل فريد ينظر إليها مطولاً دون ان ينبث ببنت شفه وهى أيضاً لم تزيح عينيها من امام عينيه فقد كانت مسأله اراده بالنسبه لها وشعرت انها لو حركت عينيها بعيداً عنه معناه اعلان هزيمتها وهى ابداً لن تُهزم امامه ، ظلا هكذا لمده دقيقه ينظر إليها بشرر يتطاير من عينيه قبل ان تلين نظراته امامها وتتحول إلى شئ اخر يعلم انه لن يستطيع تحقيقه ولو بعد حين ولكن ليس بيده حيله فوقوفها امامه الان بكل ذلك التحدى يثيره إلى اقصى درجه ممكنه ، قاطع افكاره دخول الحارس يسأله بقلق :
-فريد بيه .. فى حاجه حصلت ؟!.
صاح به فريد بغضب بعد ان حول نظره عن حياة وقد تبدلت ملامحه ونبرته :
-مين الحيوان اللى دخل البرميل هنا ؟!.
هبت حياة تجيبه بشجاعه وهى تنظر للحارس نظره ذات مغزى من وراء فريد قائله :
-محدش جابه .. انا اللى جبته لوحدى ؟!..
التفت فريد ينظر إليها نظره متشككه قبل ان يعود بغضبه للحارس :
-لما اسالك ترد علياااا !! .. مين اللى دخله هنا انطق !!! ..
فتح الحارس فمه ليجيب قبل ان يسكته صوت حياة للمره الثانيه :
-انا قلتلك انى جبته لوحدى .. روحت الجنينه جبته ورجعت ..
بالرغم من نبرتها القويه ونظرتها الثابته فوقه الا انه استطاع ان يرى الخوف فى عينيها ، لانت نظرته امام حيرة نظرتها وطول أهدابها فوقهم، قاطع تأمله صوت مدبره منزله تقول فى وقار :
-فريد بيه .. الفطار جاهز ..
أجابها فريد دون ان يحول عينيه عن حياة التى التفتت تنظر إلى مصدر الصوت بتركيز بمجرد سماعه :
-تمام .. روحى انتى واحنا هنحصلك .
شدد على حروف جملته الاخيره بقوه مما جعل حياة تفكر فى الرفض اغاظه له ولكن كان لمعدتها رأيى اخر فهى لم تتناول شئ منذ صباح البارحه ، أشار فريد لها بيده نحو غرفه الطعام لتتقدمه فتحركت امامه فى صمت وكبرياء منتهزه الفرصه للهروب من الموقف ، التفت يحدث حارسه بنبره متوعده :
-حسابك معايا مخلصش بس خليه لبعدين ..
انهى جملته ثم التفت يكمل طريقه ويتبعها ، دلفت حياة للغرفه فتفاجئت بعزة مدبره منزل تقف خلف الطاوله بهدوء ، توقفت حياة تفكر بيأس كيف ستتمكن بتمرير الطعام داخل حلقها فى ذلك الجو المتوتر المشحون ، كانت غارقه فى تلك الفكره فلم تشعر بتحرك فريد خلفها يسحب لها احدى مقاعد الطاوله للجلوس ، اندهشت من فعلته تلك والحقيقه انها أعُجبت بها فهى لم تتوقع ابداً ان يصدر منه مثل ذلك الفعل تجهاها بعد ما حدث بينهم منذ قليل ولكنها سرعان ما حذرت نفسها فهو يفعل ذلك فقط من اجل خداعها، تحركت تخفض جسدها قليلاً لتجلس غافله عن نظرات الحقد التى تخترق ظهرها ، بمجرد جلوسهم اومأ فريد لمديره منزله براسه متمتاً :
- تقدرى ترجعى للمطبخ مش محتاجينك معانا .
لم يصدر منها اى رد فعل ولكنها سألته بأهتمام :
-حضرتك تحب تطلب او تضيف حاجه معينه للغدا النهارده ؟!..
نظر فريد بأتجاه حياة ثم اجاب بنبره حانيه ؛
-لا .. تقدرى تسألى حياة هانم .. ومن هنا ورايح تنسقى معاها كل يوم وتشوفى هى هتقولك ايه ..
رفعت حياة رأسها لاعلى تنظر إليه بأندهاش قبل ان تحول نظرتها نحو مدبره المنزل ، انقبضت معده حياة من نظرتها القويه الجافه نحوها ، اللعنه !! ماذا يحدث هنا ؟!! ، لماذا توجه إليها تلك المرأه كل تلك النظرات الغير مريحه ، تنهدت حياة بأحباط فقد ضاع املها فى انه يصبح لديها صديق فى ذلك المنزل ، شردت فى تلك الافكار وهى تنظر إلى وجهه عزة قبل ان يلفت انتباهها نظره الاخيره لفريد ، لقد كانت النقيض لنظرتها له ، كان هو مستغرق فى تناول طعامه ولم يدرى بتلك النظره المبهوره الموجهه نحوه من مدبره منزله ، وضعت حياة كفيها بأحباط فوق وجهها وهى تعود بظهرها إلى الوراء لتستند على ظهر المقعد ، حسناً ما الذى يحدث هنا الان ؟! ، ايُعقل انها عشيقته او اى شئ من ذلك القبيل !!، انها ليست غبيه وتعرف نظرات الإعجاب جيداً حين تراها ، جعدت جبينها بحزن وهى تفكر بقلق هذا ما كان ينقصها ، لا يكفيه ما سببه لها من تعقيدات حتى الان ليجمعها مع عشيقته او ايا كان مسماها تحت سقف واحد ، هزت حياة رأسها مستنكره ماهذا الذى تفكر به !! انها تتهم امرأه مثلها بشئ سئ فقط من اجل نظره لاحظتها ، كيف تفعل ذلك !!! ربما كل ذلك من وحى خيالها وربما هو مجرد إعجاب من طرف واحد لم يتعدى تلك النظره ، شعرت بالسوء من نفسها وقررت تجاهل الامر باكمله فذلك لا يعنيها ،
لاحظ فريد صراع المشاعر المرسوم بدقه على وجهها ونظرتها ولاحظ أيضاً عدم تناولها للطعام ، فتح فمه ليتحدث إليها ولكنه أغلقه مره اخرى فهو يعرفها جيداً ويعلم انه اذا طلب منها تناول طعامها ستعانده ، حاولت حياة دس اى شئ داخل فمها ولكن كان لحلقها رأيى اخر مخالف لها ، وضعت شوكتها بأحباط ثم نظرت له تساله فهى لم تستطع جمح ركاب فضولها لأكثر من ذلك ، تحدثت بهدوء محاوله اخفاء فضولها بعد خروج مديره المنزل :
-هى عزه شغاله هنا من زمان ؟!..
أجابها بعدم اهتمام مرتشفاً قهوته دون النظر نحوها :
-مش فاكر .. يمكن ٣ سنين ..
علمت من نبرته انه لا يريد الاستمرار فى ذلك الحديث ولكنه لن تتركه حتى تحصل على أجوبتها فاضافت :
-مع ان شكلها صغير .. يمكن قدى او اكبر شويه .
رفع رأسه ينظر إليها بنظره متشككه ثم اجاب بتركيز :
-لما أتوظفت هنا كان عمرها ٣٠ ..
شهقت حياة بصدمه دون وعى متمته:
-دى قدك تقريباً !!!!! .
عقد حاجبيه معاً وضاقت عينيه فوقها يتأملها فأضافت مبرره بعد ان شعرت انه يشك بشئ من كثره اسئلتها :
-اصل انا مستغربه انها عرفتنى بنفسها على انها مديره البيت فى الوقت اللى ماما كانت فيه هنا !! يعنى ماما كان لازمتها ايه ؟!..
نظر لها مطولاً وهو يعود بظهره ليسترخى فوق المقعد حتى شعرت انه لن يجيب عن سؤالها ثم تحدث بأقتضاب :
-كانت جنبى ..
هزت رأسها فقد ادركت معنى اجابته قبل ان تزم شفتيها معاً للأمام فى حركه طفوليه ، تحرك من مقعده ليقف امامها بنفاذ صبر ثم حدثها أمراً :
-متعمليش الحركه تانى ..
اساءت فهم مقصده وظنت انها تغضبه فعقدت النيه فى قراره نفسها ان تفعلها امامه كلما اتاحت لها الفرصه عناداً به .
متى تخضعين لقلبى
الفصل الخامس
بعد انتهاء الفطور انسحب فريد مره اخرى إلى غرفه مكتبه وقررت حياة استئناف اكتشافها للمنزل ، فقبل مقابله عزه كانت تنتوى الدخول للمطبخ فهو من احدى هواياتها المفضله ، اما الان فهى تعلم جيداً ان وجودها بداخله شئ غير مرحب به ، اكملت جولتها بداخل المنزل ولم تملك الا الإعجاب به حقيقةً فكل ركن به مفروش بعنايه وذوق رفيع ، لم يتبق لها الا المطبخ لدخوله ، كان ينتابها الكثير من الفضول لرؤيته ورؤيه تأثيثه وتجهيزاته لذلك وقفت متردده تحاول الوصول لقرار ثم رفعت راسها بكبرياء وقررت زيارته فهو فى الاخير منزلها هى ، وما ان خطت بداخله حتى رأت ٦ أزواج من العيون تنظر لها ما بين مهتمم ومستنكر ، زوجان اصبحت تعرفهم جيداً اما الآخرين فغريبان كلياً
تنحنحت حياة بحرج وهى تقف فى مدخله وعلى الفور تقدمت نحوها سيده ممتلئه الجسد فى منتصف الخمسينات تقريباً قصيره القوام ذو ابتسامه دافئه احبتها حياة على الفور فبادلتها ابتسامتها بأشراق
تحدثت السيده بنبره اكثر دفئاً وهى تمد يدها فى اتجاه حياة لتحتضن كلتا يديها بحب متسائله :
-اكيد انتى بنت آمنه حياة .. قصدى حياة هانم ..
هزت حياة راسها لها بأيجاب ثم النفى وهى لازالت تحافظ على ابتسامتها الواسعه :
-لا طبعا انا اسمى حياة بس .. واه انا بنت امنه حضرتك تعرفيها ؟!..
مسحت المرأه على شعر حياة بحنان ونظرات الإعجاب تملؤها قائله :
-ماشاء الله .. آمنه عرفت تربى .. ليه حق فريد .. جميله خلقاً وُخلقاً ..
اخفضت حياة رأسها بخجل والاحمرار يغزو وجنتها فأضافت السيده متمتمه :
-صحيح نسيت اعرفك بنفسى .. انا عفاف المسئوله عن الطبخ والمطبخ هنا ..
ثم اشارت إلى رجل فى مقتبل الستينات من عمره كان يجلس على الطاوله بهدوء يتناول طعامه ولكنه نهض بمجرد دخول حياة ورؤيتها :
-وده بقى عمك رضا .. جوزى والجناينى بتاع الفيلا ..
اومأ براسه لحياة يحييها باحترام ووقار ولكنه تفاجئ من رد فعلها وهى تتقدم نحوه تمد يدها فى اتجاهه متمته:
-ازى حضرتك ياعم رضا ..
أجابها معجباً بسلوكها :
-بقيت احسن لما شفتك يابنتى .. ربنا يباركله فيكى ..
تمتمت حياة بخجل موجهه حديثها للسيده عفاف :
- لو حضرتك مش هتضايقى ممكن اقعد معاكم شويه ؟!..
اجابتها عفاف بترحاب لم تعهده حتى من والدتها :
-ياخبر ابيض !! انتى بتسأذنينى عشان تقعدى فى بيتك !! ده المطبخ كله ينور ..
ثم سحبتها بحنان لتجلس على احد المقاعد الموجودة به وللحق كان وثيراً وناعماً مثل مقاعد الاستقبال
لم تعلم كم شعرت حياة بالسعاده من ذلك الاستقبال الحميم فعلى الاقل شعرت انها فازت بصديق فى ذلك المنزل الكبير الجاف ، خرج عم رضا بعد قليل ولم يتبق سوى ثلاثتهم معاً ، كانت السيده عفاف تثرثر مع حياة دون توقف قبل ان تتوقف لتسألها بعبوس :
-شوفى انا اكلت دماغك ازاى ونسيت اسالك !! تحبى اعملك حاجه مخصوص للغدا النهارده ؟!! .. اكيد مش هتحبى تاكلى اكل فريد بيه من اول يوم كده ..
ضمت حياة حاجبيها معاً بتركيز مستفسره :
-ليه مش هحب اكله ؟!..
اجابتها عفاف مسترسله فى شرحها وهى تجعد انفها وتهمس كأنه سر حربى خطير :
-مانتى اكيد عارفه .. فريد بيه بيحافظ على صحته ازاى مش بياكل غير انواع اكل محدده كله خضار ومفيهوش ملح وحاجات غريبه كده وبعدها بيدخل الجيم ويقفل على نفسه مبيطلعش قبل ساعتين تقريباً كل يوم وممنوع حد يدخله .. تقريباً الجيم والمكتب محظورين اى حد يدخلهم وهو فيهم الا لو هو طلب ..
صمتت قليلاً لتزدرد ريقها وهى تتفحص حياة قبل ان تضيف بأبتسامه واسعه :
-طبعاً الكلام ده مش ليكى اكيد فريد بيه هيحب تكونى جنبه على طول ..
زمجرت مدبره المنزل القابعه بهدوء على احد المقاعد وتستمع لحديثهم دون المشاركه فيه :
-ست عفاف بيتهيألى كفايه كلام كده وتخلصى اللى وراكى ميعاد الغدا قرب ..
حدجتها عفاف بنظره حنق قبل ان تجيبها قائله :
-عزه .. انا بتكلم انا والهانم وانا بشتغل وهى مش معطلانى .. روحى بس انتى شوفى وراكى ايه بدل مانتى قاعدلنا كده ..
ضربت الاخيره الارض بقدمها غيظاً قبل ان تحدج حياة بنظره غل وتتجه نحو الخارج ، اعادت عفاف تركيزها نحو حياة متسائله :
-احنا وقفنا لحد فين ؟!.
-اه كنت بقولك ان فريد بيه محبش فى النيا دى حد قدك .. انا من ساعه ما جيت هنا وانا مش بسمع غير عن حبه ليكى ..
ارادت حياة فتح فمها للاعتراض وقول ملاحظه لاذعة ولكنها عدلت عن ذلك ففى النهايه لن تتحدث عنه امام موظفته .
************
فى تلك الأثناء كان فريد يجلس خلف مكتبه وعروق وجهه بارزه من شده الغضب وهو يتحدث فى الهاتف بعصبيه ، صاح بمساعده قائلاً :
-يعنى ايه يعلى علينا السعر هو لعب عياااااال ..
تعلثم المساعد فى نبرته قائلاً :
-ما .. ما يا فندم .....
قاطعه فريد بغلظه قائلاً :
-انت لسه هتمئمئلى اخلللللص ..
انهى فريد كلمته الاخيره بصراخ جعلت الرجل على الطرف الاخر ينتفض فزعاً ثم قال مسرعاً :
-يافريد بيه .. هو بيقول ان الشركه بره علت عليه وهو معندهوش استعداد يتحمل الخساره ..
جحظت عيونه للخارج بقسوه قبل ان يصمت قليلاً متفكراً قبل ان يقول يتوعد :
-الجنيدي ببلوى دراعى صح !!.. انا عارف كويس ان مفيش حاجه من دى حصلت .. هو فاكر كده بيضربنى يعنى !!!!هو كده جاب اخره معايا .. بس ورحممممه امممى ان ما كنت افلسه مبقاش فريد ..
حك ذقنه بيديه ثم تابع بصيغه الامر :
-اسمممع .. قدامك اسبوع وتكون ظبطلى مع الشركه الألمانية اللى عطياه التوكيل وتبلغنى ..
اجابه مساعده برعب :
-بس يا فريد بيه احنا كده بنعلن الحرب عليهم وعيله الجنيدي مش قليله فى السوق ..
صاح به فريد بغضب :
-نبيل !! اظبط معايا كده ولو بتخاف روح اقعد فى بيتك ..
سارع نبيل يجيبه مصححاً :
-يافندم انا خايف على ساعتك مش اكتر ..
اجابه فريد وهو يصر على اسنانه بشراسه :
-لسه متخلقش اللى يقف قدامى او يلوى دراعى ..
حرك كفه داخل فروه راسه مفكراً ثم تابع بنفس صيغه الامر :
- ظبطلى بس انت الشركه وانا هقولك بعدها هنعمل ايه ..
ثم اغلق الهاتف بنفاذ صبر وألقاه بقوه فوق سطح مكتبه وهو يتوعد لعائله الجنيدي ..
**********
مضى الوقت وجاء موعد وجبه الغذاء سريعاً ، دلفت حياة غرفه الطعام على مضض فوجدته يجلس على قائمه الطاوله باسترخاء ينتظرها ، نظر إليها بتمعن يتأمل ملامحها المتجهمة فاسترخت تقاسيم وجهه على الفور ، حتى وهى فى حالتها تلك تستطيع تبديل بنظره منها ، فكر بحب انها اصبحت كالمخدر بالنسبه له ولكن مخدر من نوع اخر ، مخدر يجعل الزمن يتوقف عن الحركه وينسى معها ماضيه وما يخشاه من حاضره مستقبله.
قررت هى تجاهله والتصرف بلامبالاه مثله ، لذلك توجهت مباشرة نحو احد المقاعد البعيده عنه نسبياً لتجلس فوقه بهدوء ، نظر إليها ملياً اولاً نظره خاليه قبل ان ينطق جملته متشدقاً :
-بصى كده كويسه هتلاقى انى الحمدلله معنديش مرض معدى .. ولا احنا فى نص الشهر والقمر بدر فخايفه اتحول واقوم اعضك !!..
نظرت إليه بصدمه قبل ان تستوعب حديثه ، انتظر هو رد فعل منها ولكن دون فائده لذلك تمتم بنفاذ صبر قائلاً بتهديد:
-هتتفضلى تقعدى جنبى من نفسك ولا تحبى اجى اشيلك ..
قفزت من مقعدها على الفور بمجرد سماع جملته فكلاً من نبرته ونظرته كانت توحى بجديته التامه ، جلست فى المقعد المجاور له دون ان ترفع نظرها نحوه حتى لا ترى نظراته البارده التى يرمقها بها منذ الصباح ،
فى تلك الأثناء دلفت السيده عفاف داخل الغرفه تحمل الوعاء الخاص بالطعام ، وضعته فوق الطاوله وشرعت فى بدء عملها عندما تحركت حياة من مقعدها وهى تتحدث بود :
-متتعبيش نفسك يا دادا انا هكمل ..
قبض فريد على معصم يدها بقوه يمنعها من الحركه وهو يرفع نظره إليها بنظره غاضبه اصابتها بالارتباك ثم تحدث بنبره منخفضة ولكن حاده :
-اقعدى مكانك .. انا مش جايبك هنا تشتغلى ..
فتحت فمها لتعارضه ولكنه نظرته التحذيرية التاليه التى رمقها بها مع زياده ضغطه على معصمها جعلتها تتراجع ، عادت تجلس فوق مقعدها بغضب قبل ان توجهه نظره معتذره فى اتجاه السيده عفاف فبادلتها الاخيره نظرتها بايماءه خفيفه من راسها وأبتسامه متفهمه قبل ان تشرع فى استئناف عملها والخروج بهدوء من الغرفه بعد استئذانه ،
امسكت حياة بملعقتها لتبدء فى تناول طعامها قبل ان تعقد حاجبيها معاً بأشمئزاز !!! ان الحساء يحتوى على جميع المكونات التى تكرهها فعلاً ، دفعت الوعاء بعيداً عنها قليلاً فهى لن تتناول ذلك الطعام تحت اى ظرف كان ، كان فريد يراقب ما تقوم به بتركيز تام وعندما دفعت الوعاء من امامها حدثها بنبره آمره :
-حياة كملى أكلك انتى مش طفله !!!! ..
حدجته بنظره غاضبه قبل ان تجيبه بحنق قائله وهى تقلد نبرته :
كويس انك عارف انى مش طفله !.. ولا اقولك تعالى اكلنى غصب عنى زى ما اتجوزتنى غصب ..
شعرت بالانتصار عندما رأت اثر الصدمه واضحاً على ملامحه ولكن سرعان ما تحولت نظره انتصارها إلى قلق عندما وجدته يرفع احدى حاجبيه بتحدى ويضع معلقته فوق الطاوله وهو يستعد للتحرك ، شهقت برعب وهى ترفع كفها فى اتجاهه لتوقف وهى تتمتم برعب :
-اوعى تقرب منى انا مش هاكل اكل الناس العيانه ده ..
اتسع فمه بأبتسامه انتصار ثم تحولت بتسليه وهو ينظر إلى ملامحها الغاضبه ، فهو يعلم جيداً ان مذاق الطعام لم يعجبها ولكنها ارادت اللعب معه وعدم الاعتراف. ، زمت هى شفتيها بحنق وهى تفكر بغيظ لقد خدعها ، اذا عليها ان تكون اكثر يقظه عندما تتعامل معه فى المستقبل ، اعادها من افكارها صوته العميق يسألها بأهتمام ونبره حانيه :
-ليه مطلبتيش من المطبخ حاجه انتى بتحبيها ؟!..
اجابته بحنق :
-وانا اعرف منين يعنى !! كنت بحسبك بتاكل زى الناس ..
رمقها بنظره غير مفهومه قبل ان تعود إليه نظرته البارده مره اخرى :
-الناس هى اللى مش بتاكل زيى !!!
تمتمت بخفوت :
-مغرور
فريد :
-سمعتك ..
اجابته بحنق :
-ميهمنيش .. انا كده كده بكرهك ..
اهتزت نظرته قليلاً قبل ان يجيبها بصوت هادئ ونبره تملؤها التهكم المرير :
-مسمعتهاش من امبارح ..
ثم وضع المحرمه فوق الطاوله بعد ان مسح بها فمه وتركها وخرج من الغرفه ..
**************
قررت حياة قضاء ما تبقى من يومها داخل غرفتها حتى تتجنب لقائه ، وفى المساء عند حلول موعد العشاء رفضت النزول بحجه انها ليست جائعه ولكن بعد العاشره بقليل أعلنت معدتها العصيان الكامل عليها فهى لم تتناول شيئاً يُذكر منذ صباح البارحه لذلك قررت التسلل إلى المطبخ بهدوء لعلها تهدء من احتجاج معدتها قليلاً ، صادفت السيده عفاف التى كانت على وشك إنهاء عملها والذهاب لمخدعها ، عندما رأتها فهمت على الفور سبب هبوطها فابتسمت لها بتفهم تمتمت حياة بخجل تقول :
-دادا .. انا جعانه ..
استجابت السيده عفاف لطلبها على الفور وقامت بوضع مائده كامله امامها ، تناولت حياة طعامها بهدوء ثم جلست تتسامر قليلاً مع السيده عفاف عندما شعرت بخيال شخص ما يقف عند مدخل المطبخ ، علمت من هو من رائحه عطره المميزه ، التفت تنظر إليه فوجدته يرتدى زى رياضى اسود يتناسب تماماً مع عضلات جسده ويضع منشفه صغيره حول عنقه وتبدو على ملامحه الارهاق فعلمت انه قد انتهى للتو من تمارينه ، تحدث على الفور بلهجته اللاذعه :
-بيتهيألى مش ناويه تقضى الليل كمان فى المطبخ ..
ثم تحرك فى اتجاهها بعد انتهاء جملته يُمسك بذراعها ليجذبها نحوه ويتحرك بها للخارج دون كلمه اخرى ، نفضت يدها من قبضته فور خروجهم من المطبخ ورفعت راسها بكبرياء تسبقه للاعلى ، كانت على وشك دخول غرفتها عندما اوقفها صوته يقول بأستهزاء :
-مكنتش اعرف ان القاعده مع الخدامين والحرس حلوه كده !! .. الصبح حاولتى تحمى واحد وباقى اليوم قاعده مع التانيه !! ..
التفتت وعادت بخطواتها للوراء حتى توقفت امامه مباشرةً ثم وضعت احدى أصابعها فوق فمها بتفكير قبل ان تميل برأسها نحوه وتقول بثبات وعيونها تطلق شرراً نحوه :
-الخدامين دول امى وامك منهم يا فريد بيه يا ابن رحاب هانم ..
شعرت بذلك العرق بجانب صدغه قد بدء فى البروز من كثره ضغطه فوق اسنانه لذلك قررت الانسحاب على الفور ولكنه سرعان ما تدارك غضبه فأجابها بسخريه وهى تدير مقبض باب غرفتها :
-حياة هانم طلعت عن شعورها وبتقول امى وامك !! واضح ان تعب رحاب هانم معاكى مجبش نتيجه ..
انهى جملته الاخيره وهو يضغط علي كلماتها بقوه فهمت مغزاها جيداً ،توقفت يدها عن تدوير المقبض ثم التفتت تحدقه بنظرات حانقه قائله له بغيظ :
-بكرهك ..
لوى فمه بسخريه مجيباً وهو مازال يقف امام باب غرفته :
-عارفه ايه الناحيه التانيه للكره ؟!.. خلى بالك تلاقى نفسك واقفه عندها من غير ما تحسى ..
انهى جملته الاخيره ثم دلف غرفته واغلق الباب خلفه بهدوء تاركها تشعر بالرعب مما هو قادم ..
***************
دلفت إلى غرفتها واغلقت الباب خلفها برفق ، واستندت بثقل جسدها فوق الباب ثم اغلقت جفونها بحزن قبل ان تضع كلتا كفيها فوق وجهها لتخفى ملامحها من شده خجلها، فكرت بضيق يالله !! ماهذا الذى تفوهت به منذ قليل !! ايعقل انها أقحمت احب انسانه إلى قلبها فى صراعهم العقيم ونقاشهم الملغم !! ، شعرت بوخز الدموع داخل مقلتيها بسبب شعورها المتزايد بالذنب ، اللعنه على ذلك الفريد ، انه يستطيع اثاره غضبها واخراجها عن شعورها بكلمه واحده منه ، انزلقت بجسدها إلى الارضيه الخشبيه لتجلس فوقها وهى تضم ركبتيها إلى قفصها الصدرى وتحاوطهم بذراعيها وهى تستند بذقنها عليهم مطلقه لدموعها العنان ، فكرت بحزن ان كل ما وصلت إليه حتى الان يعود فضله بعد الله إلى والدتها الثانيه رحاب التى سخرت منها منذ قليل
ففى الحقيقه كانت تعاملها بحنان اكثر من طفلها الوحيد ، حتى عندما قرر السيد غريب والد فريد ان يعهد بتربيته إلى معلمه خاصه لتعليمه كافه أصول الاتيكيت متعللاً انه لايثق فى خادمه لتنشئة ولى عهده اصرت امامه السيده رحاب ان تتلقى حياة نفس التنشئه وتحضر معه كافه الدروس حتى تتعلم كيفيه التصرف كسيده مجتمع منذ صغرها ، وبالطبع لم يكن فريد ليتركها فوافق والده مجبراً، وعندما حان موعد دراستها الاكاديميه اصرت على صديقه عمرها ووالده حياة ادخالها مدارس الراهبات لتتلقى افضل تعليم للفتيات فى ذلك الوقت وبالطبع تكفلت بكل مصاريفها فى مراحل تعليمها الاولى ، حتى بعد وفاتها علمت حياة انها آمنت مصاريف دراستها حتى المرحله الاعداديه وعندما انتقلت بعد ذلك إلى المدارس الحكومية كانت قد حُفر داخل ذاكرتها كل ما تعلمته منذ صغرها فكان يُعجب بأخلاقها ورقتها وفطنتها فى التعامل كل من يراها ، والآن هكذا يكون رد الجميل لها ؟!، السخريه من ذكراها ؟!، فكرت بضيق وحزن انها منذ وصولها إلى ذلك المنزل وهى تشعر بالغضب على الدوام حتى انها أصبحت لا تعرف نفسها فالطالما كانت هادئه ذات نفسيه متوازنه لاتسمح لايا كان ان يؤثر بسلوكها حتى والدها ولن تسمح لفريد الان بان يحولها إلى شخص فظ مثله ، هذا ما قررته وهى تجفف دموعها وتنطلق نحو الباب المشترك بينهم .
طرقت الباب عده طرقات دون اجابه ، طرقته للمره الاخبره قبل ان تقرر التوجه نحو الحمام وتبديل ملابسها عندما وجدت الباب يفُفتح ويقف فريد قبالتها وهو لا يرتدى سوى منشفه بيضاء على خصره واُخرى صغيره فوق عنقه وشعره يبدو مبلللاً ، شهقت بفزع من مظهره والاحمرار يزحف نحو وجنتيها قبل ان تبدء فى مهاجمته متناسيه كل ما ذكرت به نفسها منذ قليل :
-ايه ده !!! ايه قله الادب دى انت ازاى تفتحلى وانت كده ..
نظر لها بحاجب مرفوع متعجباً من هجومها الغير مبرر قبل ان يجيبها متشدقاً :
-حياة .. انتى اكيد مخبطيش ع الباب كل ده عشان تقوليلى انى قليل الادب ؟!! ..
ارتبكت من نبرته ومظهره العارى وعضلاته البارزه وبدء الاحمرار يزداد فوق وجنتيها ففى كل الاحوال تلك هى مرتها الاولى التى ترى أمامها رجل نصف عارى ولديه كل ذلك الكم من العضلات المصقوله ، انتظرها لتتحدث ولكن دون فائده لذلك تحدث مره اخرى بعد ان تبدلت ملامحه للاستمتاع وهو يرى ارتباكها فهتف باسمها :
-حياااااااة ..
اجابته مغيظه وهى ترفع راسها نحوه بتحدى وثبات :
-فرييييييد !!
التوى جانب فمه بأبتسامه صغيره قبل ان يجيبها بنبره مشاكسه:
-عيون فريد !! انا معنديش مشكله افضل واقف كده للصبح بس انتى شويه وهيغمى عليكى من الكسوف فقولى عايزه ايه من غير كل التوتر ده ؟!! ..
فركت باطن كفيها بتوتر قبل ان تقول بتعلثم وهى تشعر بحراره جسدها تزاد تلقائياً من كثره الضغط :
-انا بس كنت عايزه اقولك انى ..
صمتت قليلاً محاوله استجماع شجاعتها فأخر ما كانت تتوقعه هو ان تقف امامه تطلب منه السماح ، سألها بنفاذ صبر يحثها على تكمله جملتها:
-ها كنتى عايزه تقولى انك ؟!....
رفعت نظرها إليه ثم قالت بخجل :
-كنت عايزه اقولك انى اسفه على الكلام اللى قلته من شويه ، وأسفه انى جبت سيره ماما رحاب فى كلامنا .. انت اكتر حد عارف انا بحبها قد ايه ومكنش ينفع اقول كده ابداً ..
هل لمعت عيونه للتو ام انها كانت تتخيل ذلك ؟؟، لم تتلقى منه اى رد ولكنها رأت تبدل ملامحه تماماً فقد تحولت من التجهم إلى شئ اخر لم تفهمه ثم سريعاً إلى الاسترخاء حتى انه بدا اصغر سناً وهو يقف امامها ، وقف ينظر إليها ملياً يحاول تفسير ما يراه امامه وما تفوهت به للتو ! هل لذلك السبب يبدو عليها اثر البكاء ؟!! كم تبدو شهيه بأنفها الاحمر ووجنتيها وعيونها الدامعه ، انها تثيره إلى اقصى درجه دون ان تعلم ذلك حتى ودون اى جهد يُذكر منها ، انتظرت حياة اى رد فعل منه ولكن دون جدوى لذلك سألته بتحدى وهى تعاود رفع رأسها فى كبرياء :
-دورك على فكره ..
اعاده صوتها الرقيق من تأمله فسألها بعدم فهم :
-دورى فى ايه بالظبط ؟..
اجابته بكبرياء :
-انك تعتذر منى على اللى قالتهولى من شويه ..
نظر إليها بصدمه كأنها تطلب منه المستحيل ، لوت فمها بأحباط قبل ان تتحول نظرتها إلى خيبه الامل ، حسناً ما الذى كانت تنتظره منه ، ان يتخلى عن غروره ويعترف لها بخطئه ، لو كانت تلك شخصيته ما كان اجبرها منذ الاساس على الزواج منه ، التفتت تعود إلى غرفتها تجر معها إحباطها عندما اوقفها صوته العميق يقول بصوت ملئ بالعاطفة :
-حياة .. انتى اغلى عندى بكتير من ان انى ازعل على اللى قلتيه من شويه ..
تنهد بحراره قبل ان يكمل حديثه بصوت أجش :
- وصدقينى انتى فى عينى اكبر من انك تعتذرى حتى لو ليا .. و حتى لو غلطتى انا اعتذر عن غلطى وغلطك بدالك ..
فاجأها اعتذاره وحديثه فالتفت تنظر إليه ودون وعى منها بأبتسامه واسعه مشرقه وعيون تلمع بالرضا ، بادلها ابتسامتها بابتسامه حقيقه لم تزر شفتيه منذ زمن بعيد ولم تعلم ان بأبتسامتها تلك قد اضاءت له ليلته المظلمه ..متى تخضعين لقلبى
الفصل السادس
استيقظت حياة فى الصباح والابتسامه تعلو ثغرها فهى عاقده النيه على بدء خطتها بدايه من اليوم ، ولكن اول شئ عليها فعله هو اقامه هدنه مع فريد او بالأدق ذلك ما سوف توهمه به ، فهى لا تريد الاستمرار فى معاملته على ذلك النحو حتى تصرف انتباهه عنها فالتجربة علمتها جيداً انه كلما عاندت معه كلما لفتت انتباهه اكثر وهذا اخر شئ تود فعله فى تلك الايام ، فكرت أيضاً فى البحث عن عمل حتى تستطيع الهرب من المنزل اكبر وقت ممكن ولكنها تراجعت فهى لا تريد شئ ما يربطها حتى تستطيع الهرب متى تحين لها الفرصه
قفزت من فراشها بسعادة بِعد ما قررت ما عليها فعله ورتبت كيفيه فعله أيضاً فقط يبقى التنفيذ ، هبطت إلى الاسفل بمزاج مرح نوعاً ما ، توجهت مباشرةً نحو غرفه الطعام فوجدته جالساً بانتظارها ، انه دقيق فى مواعيده حتى انه لا يتاخر ثانيه ، هذا ما فكرت بِه حياة بتعجب وهى تراه يجلس على قائمه الطاوله ويرتدى بذله رسميه سوداء تتناسب جيداً مع تفاصيل جسده ويُعبث بتركيز بأحد هواتفه الموضوعه امامه ، رفع نظره بمجرد وصولها الغرفه واؤمأ لها ايماءه خفيفه براسه وظل يتأملها وهى ترتدى بنطال من الجينز مع قميص من نفس النوع واللون عكست جمال بشرتها واظهرت تناسق قوامها ، ارتبكت نظرتها امام نظراته المتفحصة لها اللعنه على ذلك التوتر الذى ينتابها بحضوره ، انها لا تخشاه فى المجمل ولكن وجوده بجوارها يوترها كثيراً ، للحق ان حضوره بهيئته تلك ونظراته التى تشبهه نظرات الصقر ولا يفوتها حركه واحده تستطيع ارباك اى شخص وليس هى فقط ، على كلا حييته تحيه الصباح بأقتضاب ثم جلست على مقعدها لتناول فطورها ، بالطبع كانت عزه هى من تشرف على تقديم الطعام ، يبدو ان البارحه وعلى الغذاء كان استثناء وسيحرص فريد جيداً على الا يتكرر ثانيه ، قررت حياة تجاهلها وتجاهل نظراتها فهى لن تسمح لهم بالضغط عليها او افساد تعاليمها بسبب سوء معشرهم
تناولا الطعام بصمت ففريد كان هادئاً بطبيعته ولا يتحدث كثيراً منذ صغره وهذا ما اسعد حياة كثيراً ، ففى الحقيقه أخر شئ تود فعله هو مشاركته اى حديث مهما كان تافهاً او بسيطاً ، انتهى من تناول فطوره اولاً ثم حدثها بنبره منخفضة هادئه وهو يتحرك من مقعده قائلاً :
-حياة انا فى الشركه النهارده لو احتجتى اى حاجه بلغينى ..
ثم اقترب من مقعدها بعد انتهاء جملته واخفض راسه نحوها محاولاً تقبيل شعرها ولكنها انتفضت وابتعدت عنه فى حركه تلقائيه منها غير عابئه بوجود مدبره منزله التى تتابع المشهد بتركيز تام فابتعد عنها فى الحال بضيق وهو يرى نظره الرعب داخل عينيها واضحه ثم هم بالخروج من الغرفه وقد بدءت علامات الغضب تظهر عليه ، أوقفه صوت مدبره منزله تحدثه باحترام :
- فريد بيه لو حضرتك عندك وقت ممكن اتكلم معاك شويه :
أجابها بنبره غاضبه لم يحاول إخفائها :
-لو حاجه بخصوص البيت انا قلتلك بعد كده ترتبيها مع حياة هانم ..
هزت له رأسها نافيه قبل ان تجيبه بتصميم :
-لا يا فندم حاجه ملهاش دخل بالبيت .. دى حاجه شخصيه ..
نظر بنفاذ صبر إلى ساعه يده ثم أجابها بهدوء :
-معاكى عشر دقايق تقولى فيهم عايزه ايه ..
هزت له راسه موافقه دون حديث فأضاف بصوته العميق :
- تقدرى تحصلينى على مكتبى ..
ثم تابع سيره دون النظر إلى الخلف .
كانت حياة تتابع ذلك الحديث والفضول يتأكلها ، ما هذا الشئ الخاص الذى يجمع بينهم ، هل شكوكها بشأنهم صحيحه ام ماذا ، عنفت نفسها بقوة لإخراج تلك الافكار من راسها فذلك ليس من شأنها فهى لديها أمور اهم تهتم بها الا وهى حريتها ..
***********
فى تلك الأثناء كانت تجلس كلاً من جيهان زوجه والده بجوار والده غريب على طاوله الطعام فى فيلتهم الخاصه ، سألته جيهان بحقد واضح مع نبرتها المتعالية المعتاده:
-وعلى كده حلوة حبيبه قلب البيه ابنك ؟!..
حدقها غريب بنظره لوم قبل ان يجيبها بعدم اهتمام :
- مش مهم حلوة ولا وحشه المهم انه كان عايزها ووصلها ..
اجابته جيهان بغيظ قائله :
-طبعاً هو فى حد مدلعه هنا غيرك !! .. وبعدين مالها نجوى يعنى بنت حسب ونسب بس هقول ايه !! طبعا ذوقه بلدى شبهه ابوه ..
سألها غريب بأستنكار :
- ولازمته ايه الكلام ده دلوقتى يا جيهان ؟!..
اجابته بحده كأنها كانت تنتظر جملته لتبدء بالهجوم عليه:
-لازمته انى عمرى ما هنسى انك فى يوم جريت ورا حته خدامه عشان تتجوزها عليا انا جيهان هانم السكرى ..
انهت جملتها الاخيره وهى تشير بأصبعها نحو نفسها بغرور وثقه ، فقال لها غريب مبرراً فعلته :
- انتى عارفه كويس انى عملت كده عشان اجيب ولد يحافظ على كل ثروتى دى بعد ما الدكتور أكد انك استحاله تحملى تانى بعد نيرمين ..
هاجمته على الفور بمجرد انتهاء جملته :
- انت بتضحك عليا ولا على نفسك وعايزنى اصدقك !!.. انا عارفه كويس يا غريب انك اخترت الخدامه بتاعتك عشان احلوت فى عينيك وخصوصاً لما مقدرتش توصلها من غير جواز ..
انهت جملتها وهى ترميه بنظرات حارقه اما غريب فقد ظهر الارتباك جلياً على ملامحه ونبرته وهو يقاطع حديثها المهاجم له قائلاً:
-جيهان !! انتى بتتكلمى فى ماضى عدى عليه اكتر من عشرين سنه !! دى واحده ميته من سنين فاهمه !! سنين ..
صاحت به وهى تتحرك من مقعدها متأهبه :
-ايوه بتكلم فيه وهفضل اتكلم فيه طول مانت مفضل ابن الخدامه دى عليا وعلى بنتك لحد ما فى يوم هيكوش على كل حاجه ويرمينا فى الشارع ..
صاح بها غريب مهدداً وهو يضرب الطاوله بقبضه يده:
-جيهان !! ابنى ميعملش كده وبعدين هو اللى شايل الشركات كلها فوق كتافه والفلوس اللى عماله تدخل حسابك كل اول شهر وتزيد زى الرزدى من تعبه .. ومتفكريش انى عشان سكتت على اللى عملتيه زمان ابقى نسيته .. ملكيش دعوه بفريد انا بحذرك مش هسمحلك تأذى ابنى تانى ..
ارتبكت نظرتها قليلاً ولم تعقب ولكنها توعدت له داخلياً، فهى لن تكون جيهان السكرى ان لم تنهى ما بدئته منذ سنوات مضت .
تركها غريب منتفضاً من مقعده بغضب وأثناء استعداده للخروج من المنزل صادف فتاتان متقاربتين فى العمر احدهما تشبهه والدتها السيده جيهان بشعرها البنى وبياض بشرتها ونحاله خصرها والأخرى بشعر اشقر ووجهه رفيع ، ارتمت نرمين بداخل احضان والدها تقبله قبل ان تلقى عليه تحيه الصباح بدلال ، حياهم غريب على عجل ثم توجهه مباشرةً نحو الخارج ، بمجرد وصولهم إلى المدخل تحركت جيهان لاستقبالهم وهى تتمتم بحبور مرحبه بضيفه ابنتها :
-نجوى حبيبه قلبى .. ايه الجمال ده كله .. البيت نور طبعاً ..
ثم وجههت حديثها لابنتها :
-ها يا نيرو يا حبيبه مامى .. قوليلى اتبسطتوا فى النادى ولا ايه ..
اجابتها نيرمين بدلال مصطنع :
-ننبسط ازاى يا مامى ونجوى عامله مناحه من اول امبارح .. اوف بجد زهقتنى ..
تحدثت نجوى على الفور مدافعه عن نفسها :
-يعنى يرضيكى اللى حصل ده يا طنط .. خلاص كده فريد اتحوز وراح من ايدى ؟!..
ربتت جيهان على ذراعها بحنان وهى تحثها على الجلوس :
-تعالى بس نقعد هنا ونتكلم بالراحه ..
اجابتها نجوى بضيق قائله :
-اقعد ايه يا طنط انا بقولك فريد اتجوز وانتى تقوليلى اقعد !!
ابتسمت لها جيهان مشجعه وهى تقول بلؤم :
-تعالى بس واسمعى منى .. فريد مضاعش من ايديك ولا حاجه ..
التمعت عيون نجوى بأمل وهى تسالها مستفسره :
-قصدك ايه يا طنط ؟؟..
اجابتها جيهان بمكر :
-قصدى اننا احنا التلاته هنرتب سوا ازاى نطير بنت الخدامه دى من سكتنا .. انتى تتجوزى فريد حب حياتك واحنا نطلع باللى احنا عايزينه برضه ..
تدخلت ابنتها نيرمين قائله :
-والطالعه الاولى دى بقى سيبوها عليا ..
سألتها والدتها مستسفسره :
- هتعملى ايه يعنى يا نيرو ؟!..
اجابتها ابنتها بخبث وهى تغمز لهم بعيونها :
-هعمل زياره لست الحسن واعرف ميتها ايه بالظبط عشان نعرف احنا بنلعب مع مين ..
وافقت والدتها على الفور على اقتراحها وهزت نجوى راسها بحماس موافقه على حديثها وهى عاقده النيه بداخلها بمجرد الحصول على فريد ستقوم بألقائهم جميعاً بالخارج ..
**********
انتهزت حياة فرصه جلوسها بمفردها وقررت الحديث مع صديقتها مريم للاطمئنان عليها من جهه ومعرفه اخبار محمود الصحيه من جهه اخرى ، فهى لازالت تشعر بالذنب تجاهه بسبب ما حدث معه وتريد الاطمئنان على احواله فهذا اقل ما تستطيع فعله بعدما تركته دون حتى اعتذار ، أمسكت بهاتفها وتحدثت قليلاً مع صديقتها التى كانت تمازحها عن زواجها برجل اعمال وعن زفافها الفخم رغم بساطته ، مزحت حياة معها قليلاً قبل ان تسألها بقلق قائله :
-مريم .. متعرفيش محمود عامل ايه دلوقتى ؟!..
اجابتها مريم قائله بغيظ :
-ما تسيبك منه وتخليكى فى جوزك !! عايزه ايه من سى محمود ده ؟ وبعدين انا معرفش عنه حاجه من ساعه ما كنا سوا ..
عنفتها حياة قائله بحده :
-مريم انا مش بهزر !! ..
ثم لانت نبرتها وهى تترجاها قائله :
-مريم الله يخليكى حاولى تعرفى هو عامل ايه دلوقتى وتتطمنى عليه وترجعى تطمنينى ..
-حييااااااااة !!!
صدح صوت فريد خلفها بقوه جعلها ينتفض وسقط الهاتف من يدها تلقائياً ، ارادت الركض من امامه بكل ما تملك من قوه ولكن كان لقدميها رأى اخر مخالف كليا فقط تسمرت قدميها فوق الارضيه ولا تستطيع التحرك قيد أنمله ،التفت تنظر خلفها برعب فلا مفر من المواجهه فوجدته ينظر إليها بوجهه لا يمكن تفسيره ، حسناً ان كل تفكيرها الساذج على انها لا تخشاه اصبح الان هراء ، لقد كان وجهه يكسوه الاحمرار من شده الغضب وعيونه تنطق بالشرر وذلك العرق بجانب صدغه كان ينبض بقوه كأنه على وشك الانفجار ، سألها بصوت أشبهه بالفحيح وهو يقترب منها :
-مين ده بالظبط اللى عايزه تطمنى عليه !!!!..
ازدردت ريقها بصعوبه وهى تنظر إليه برعب ، لم يتلقى منها اجابه فأعاد سؤاله مره اخرى وهو يضغط على كل حرف يخرج منه :
-انا سألتك سؤال ومحتاج رد .. مين ده اللى عايزه تطمنى عليه يا حياة !! انطققققى ..
انهى كلمته الاخيره بصوت هادر جعلها تنتفض من مكانها ، وفى تلك اللحظه وهى تراه يتقدم منها بعيون جاحظه تدفق الأدرينالين داخل جسدها بقوه تراجعت خطوه للوراء فى محاوله للركض بعيدا عنه ولكنه فى اللحظه التاليه كان يقبض عليها بكل قوته ، ذراع واحده تحاوط خصرها وهى تضغط فوقه بقوه وأرجله حاوطت قدميها قبل ان تتشابك معاً لتكبيلها ، وضعت يدها فوق ذراعيه لفك حصارها وفى نفس الوقت حاولت دفع نفسها بعيداً عنه ولكنه كان يضغط بقوه على مؤخره ظهرها حتى شعرت انها ستتأذى اذا حاولت اكثر ،
حاولت عدم النظر فى وجهه حتى لا ترى نظراته المرعبه لها فاخفضت راسها بعيدا عنه وهى تتمتم اسمه بخفوت وتطلب منه ان يتركها ولكن دون جدوى فغضبه كان فى قمته ، صاح بها قائلاً :
-انتى عايزه تجننينى صح !! لا واقولك واتجنن ليه ؟!.. انا هريحك من حبيب القلب دلوقتى عشان متعرفيش توصليله او تطمنى عليه تانى ..
انهى جملته واخرج هاتفه بيده الفارغه وأخذ يعبث به ، شعرت حياة بضغط دمها ينخفض من شده الرعب احقاً سيقدم على قتله !! سُتزهق روح بريئه بسببها !! هتفت إليه متوسله وهى تحرك يدها لتمسك يده وتمنعه قائله بلهفه:
-فريد !! الله يخليك لا .. لا انت بتعمل ايه .. هتموت انسان بجد عشان بسال عليه !! .. انا غلطانه مش هسأل عليه تانى والله بس سيبه .. فريد ..
كان يشعر بكامل جسدها ينتفض تحت قبضته رغم محاولتها ان تبدو ثابته ، توقف عن العبث بهاتفه قبل ان يحدثها بصياح :
-عشان بتحبيه .. عرفتى ليه مش هخليه عايش .. عشان بتحبيه هو ..
لم تعرف ما الذى يجب عليها فعله فى تلك اللحظه فلو عاندته سيقتله وهى ابدا لن تترك شخص يلقى حتفه بسبب غضبها منه ، هزت راسها له نافيه وهى شبهه مغيبه ثم رفعت كلتا يديها المرتجفتبن لتحيط بوجهه وتجبره على النظر إليها وهى تمتم له بتوسل ورعب حقيقى :
-مش بحبه .. والله العظيم مش بحبه .. انا عمرى ما كدبت عليك ومش بكدب دلوقتى مش بحبه ومش هسأل عليه تانى ومش هعمل اى حاجه بس سيبه عشان خاطرى ..
لانت نظراته وهو يرى ارتجاف يدها الناعمه التى تحيط بوجهه ونظرتها المتوسله وملامحها التى على وشك الإغماء من رعبها فأنزل يده ووضع هاتفه مره اخرى داخل ردائه ، وبالرغم من انه أرخى قبضته عليها وترك لها المساحه لتتحرك بحريه وفى ظروف اخرى كانت لتهرب من لمسته مسرعه الا انها فى تلك اللحظه كانت تشعر ان الشئ الوحيد الذى يحول بينها وبين سقوطها أرضاً هو جسده الذى يحاوطها ، فهى تشعر ان قدميها كالهلام لا يقدران على حملها ، حاولت تهدئه ضربات قلبها والسيطره على ارتجافها حتى تستطيع الذهاب من امامه ولكنها لم تتجاوز صدمه انها كانت على وشك وضع محمود فى دائره الخطر مره اخرى ، لقد اختبرت مرحله جديده كلياً من الرعب بالنسبه لها ، فهى منذ اصرار والدها على انتقالهم من القصر إلى ذلك الحى المتواضع الذى يقع به منزلهم قد اعتادت على الصراخ والعنف من جميع قاطنيه إلى جانب عنف والدها وصياحه المعتاد ، ولكن غضب فريد كان شئ اخر ، غضب يحرق معه الاخضر واليابس ويجعلها تشفق كثيراً حتى على اعدائه ، رفعت جفونها تنظر إليه حتى تستطيع قراءه ما بداخلهما وان كان ذلك مهمه مستحيله ولكن كانت تريد الاطمئنان اذا كان صدق حديثها ام انه فقط يجاريها ،
التقط هو نظره العتب التى رمقته بها ، نعم لم يخطأ تفسير نظرتها فقد كانت عتاب خالص ، زفر بضيق وهو يرى حالتها تلك امامه وبسببه هو ، لعن نفسه سراً فقد تفوق عليها فقط وارعبها بسبب تفوق قوته الجسدية لا اكثر ، لوى فمه بسخريه وهو يفكر هل استطاع فعلاً التفوق عليها بأى شئ !! حتى قوته الجسدية ونفوذه لا تعطى له الافضلية ، فالافضليه فقط موجوده داخل تلك النظرات التى تصرعه أرضا بنظره توسل واحده ترمقه بها ، رفع كفيه يحاوط راسها ثم طبع قبله رقيقه فوق جبينها حاولت هى بكل قوتها تحاشيها قبل ان يتركها وينصرف ..
***********
حركت قدميها ببطء بعد خروجه ترتمى على اقرب مقعد يقابلها وتترك لدموعها العنان ، لقد تلقت منذ قليل هزيمتها الثانيه من فريد رسلان وخضعت له فى اقل من أسبوعان ، وفى المرتان تنازلت من اجل أشخاص اخرين غيرها ، فكرت بحزن يبدو انه علم جيداً نقطه ضعفها وان ايامها التاليه معه ابداً لن تمر بسلام ، ظلت هكذا طوال يومها تقبع بهدوء فوق احد المقاعد فى صاله الاستقبال ، لم تتناول شئ ولم تتحدث مع احد فتلك كانت طبيعتها التى لم يعرفها الكثيرين ، كانت شديده التأثر ومرهفه الحس حتى وان حاولت اخفاء ذلك عن عيون الجميع واظهار الصلابه والقوه ولكنها كانت بتتأثر بأقل صراخ او حركه عنف امامها والفضل فى ذلك يعود إلى والدها الذى كان يملئ المنزل يومياً بصراخه عليها بمجرد رؤيتها امامه ، حاولت السيده عفاف اخراجها من حالتها تلك او حثها على تناول شئ ما ولكنها رفضت بشده ، وعند حلول المساء تفاجئت بأمرأه تقارب فريد فى السن بشعر بنى ناعم وجسد رشيق طويل وعيون مشابهه للون عينيه تقتحم المنزل دون استئذان وتمشى بخطوات واثقه حتى توقفت امام حياة تسألها بعجرفه واشمئزاز واضحين وهى تشير إليها بسبابتها :
-ها انتى بقى اللى اسمك حياة ولا فى شغاله تانيه هنا شبهك ؟!..
نفضت حياة رأسها ثم نهضت من فوق مقعدها وهى تعقد حاجبيها معاً وتكتف ذراعيها فوق صدرها فى حركه معتاده منها عند الهجوم ثم اجابتها قائله بكبرياء :
-ايوه انا حياة .. وبيتهيألى البيت ده له احترامه !! مش بندخل بيوت الناس كأننا حيوانات كده ؟!! ..
اجابتها نيرمين مهاجمه :
-يااااى .. حيوانات !! ايوه طبعاً ما انا هستنى ايه من واحده بنت خدامه وتربيه خدامين !! ..
لوت حياة فمها بسخريه قبل ان تجيبها بنبره هادئه لآثاره غضبها :
-ياما فى ناس لابسه كويس بس تربيتها اقل بكتير من تربيه الخدامين اللى مش عجباكى ده وانا قدامى مثال حى على كلامى اهو ..
شهقت نيرمين بصدمه وهى تضرب قدميها فى الارض بغيظ قبل ان تقول لها :
-انا مش هرد عليكى عشان اخلاقى متسمحليش .. انا بس جايه اقولك انك لو فاكره ان كده كسبتى بجوازك من فريد وهتاخدى الجمل بما حمل تبقى غلطانه .. صدقينى على جثتى فلوسنا تطلع لابن الخدامه ومراته !! ..
فتحت حياة فمها لتسألها من انت ولكن اوقفها صوت فريد الذى دلف من الخارج يسأل بعبوس وتأهب ناظراً نحو شقيقته :
-نيرمين !! انتى بتعملى ايه هنا فى بيتى وانا مش موجود ؟!!!! ..
نظرت له اخته بغل قبل ان تجيبه قائله بمرح وهى تحاول تبديل ملامحها :
-ولا حاجه .. كنت ببارك الهانم الجديده على الجوازه الهنا دى .. مانت عارف انت حتى مسمحتلناش نحضر الفرح فقلت اعرفها بأخت جوزها ..
تقدم فريد فى اتجاههم وهو يقول لها بعبوس وحده:
-محدش طلب منك تتعبى نفسك وتعرفى نفسك لحد مش عايز يعرفك اصلا !! ودلوقتى لو خلصتى كلامك اتفضلى من غير مطرود ..
حدجته بنظره كرهه قبل ان تجيبه بعدم اهتمام :
- انا كده كده كنت ماشيه واللى عايزه اقوله خلص ..
انهت حملتها ثم وجهت حديثها لحياة تسالها بتهديد:
- عايزه حاجه يا حياة هانم !! متنسيش اللى قلته من شويه..
نظرت حياة إليها مطولاً قبل ان تقول وهى تشير إليها وإلى فريد بإصبعها :
- عايزاكى تاخدى اخوكى فى طريقك وتحلوا عنى ..
ثم تركتهم وتحركت نحو غرفتها دون النظر خلفها ..
************
بعد عده دقائق كانت حياة تجلس على طرف الفراش ويدها تتمسك بالشرشف بقوه من شده غضبها ، تنفست سريعاً عده مرات متتالية ثم استغفرت قليلاً مثلما اعتادت من والدتها فى محاوله منها لتهدئه غضبها المتزايد من تلك العائله التى يتسم جميع أفرادها بالوقاحة ، سمعت طرقات خفيفه فوق الباب المشترك بينهم ، ارادت تجاهله وخصوصا بعد ما حدث بينهم فى الصباح ولكنها خشت ان يقتحم الغرفه عنوه اذا لم تجيبه لذلك تحركت على مضض من مقعدها واتجهت نحو الباب لتفتحه ثم وقفت امامه بهدوء ترفع احدى حاجبيها بسؤال لم تفصح عنه ، التوت شفتيه بنصف ابتسامه جانبيه وهو يراها تعقد ذراعيها امامها فعلم بأستعدادها للهجوم فى اى لحظه ، كان لايزال يحتفظ بجزء من غضبه منذ الصباح ورؤيته تلك المسماه اخته قد زاد من حنقه لذلك سألها مباشرة دون مقدمات :
-كانت هنا ليه وعايزه ايه منك وقالتلك ايه بالظبط ؟!..
اجابته بلامبالاه متعمده قائله :
-ولا حاجه .. شويه كلام تافه ملهوش لازمه ..
رفع حاجبيه معاً فى استنكار ثم كرر حديثها ببطء كأنه احجيه يقوم بحلها :
-شويه كلام تافه ملهوش لازمه !! وانتى بقى وشك كده عشان كلام تافه ملهوش لازمه ؟!..
اجابته بنبره متهكمه :
-وانت تفتكر انى كده عشان كلامها ؟!!..
علم جيداً ما ترمى إليه بحديثها ، فرعبها وان حاولت إخفاءه مازال واضحاً فى حركتها ونظرتها ، رفع رأسه للاعلى محاولاً الاسترخاء ثم زفر مطولاً بتعب قبل ان يعاود النظر إليها وقد تبدلت ملامحه إلى الرفق ثم حدثها بنبره مليئة بالحنان قائلاً :
-حياة خليكى عارفه حاجه واحدة بس .. انى مش هسمح لحد يأذيكى ايا ان كان هو مين حتى لو كان انا .. عشان كده كنت بسالك وعشان كده بلاش نظره الخوف اللى فى عيونك منى دى .. ده وعد منى .. حياتى قبل آذيتك ..
ارتبكت نظرتها قليلاً وتوترت معها حركه جسدها ولكنها سرعان ما تمالكت واجابته وهى تراه يلتفت بجسده عائداً إلى داخل غرفته قائله بصوت هادئ ولكنه ملئ بالمراره :
-فريد انت ايه مفهومك عن الاذى !!! انت متخيل ان الاذى يكون بالضرب بس ؟!!..
توقف عن السير والتفت ينظر إليها مره اخرى بملامح وجه مصدومه نوعاً ما فأضافت هى بعد ان ازدرت ريقها وبدء صوتها فى التحشرج :
-يعنى انت فاكر انى اقعد هنا مقفول عليا باب ورا باب وعلى كل باب حارس مش اذى ؟!.. او انك تهددنى بأخويا الصغير مش اذى ؟!! او انك تقف فى طريق اى حد بيحبنى او يعرفنى وتستغله عشان اعملك اللى انت عايزه ده مش قمه الاذى ؟!!!!! .. اللى بيحب حد يا فريد مبيقدرش يأذيه ولا يعذبه !! ..
صمتت بعد ان تغلبت الدموع عليها وتساقطت فوق وجنتيها بكثره ، ام هو فوقف امامها مصدوماً لا يقوى على الحركه من جملتها الاخيره ، لقد اخترقت قلبه مباشرة ، لقد سمع جملتها بصوت والدته وتوسلها مثل توسل والدته له وهى توصيه بها خيراً ، تراجع خطوات للوراء وهو مازال ينظر إليها كالأشباح التى لا روح فيها وهو يحل آزار قميصه كالاله ثم ارتدى بنطاله الرياضى بعد ان تركته هى وأغلقت الباب المشترك بينهم وتوجهه مباشرة نحو صالته الرياضيه فى الطابق الارضى .
*********
دلف إلى الصاله الرياضيه كالانسان الألى ، ارتدى ففازاته وذكريات تلك الليله المشئومه بصورتها الكريهه تومض داخل عقله بوضوح ، توجهه نحو الكيس الرملى المعلق والخاص بالملاكمة ثم صرخ بألم حتى شعر بأحباله الصوتيه على وشك الانقطاع وهو يلكمه بكل ما أوتى من قوه لإفراغ حزنه وغضبه ، ومع كل لكمه يسددها كانت تظهر صوره امام عينيه من الماضى
تذكر وهو ممدد تلك الليله داخل فراشه برعب يترقب عوده والده فتلك الليله هو موعد قضاءها فى منزلهم ، أرهف سمعه عند سماعه وقع خطوات تقترب من امام غرفته ثم ابتعدت مره اخرى متوجهه إلى غرفه والدته فعلم جيداً انها تعود لوالده ، أغمض عينيه بقوه حتى يستطيع طرد تلك الفكره التى تسيطر على عقله منذ الصباح ثم طمأن نفسه داخلياً بعقلين طفل لم يتجاوز الثانيه عشر بعد انها لن يصيبها مكروه ، بعد فتره من الصمت استعاد فيها هدوئه قليلاً بدءت بعض الهمهات الغير مفهومه تصل إليه ولكن لم تلتقط اذنه اى شئ واضح منها ، حدث نفسه مطمئناً ان تلك الليله من الممكن ان تمضى على خير وخصوصاً ان اثار الضرب المبرح من الليله التى تسبق البارحه مازالت تغطى وجهه والدته وعنقها بوضوح إلى جانب النوبه القلبيه التى اصابتها فى الصباح فبالتأكيد سوف يشفق والده على حال والدته ويتركها وشأنها ،
بدءت تلك الهمهات تتصاعد حتى اصبحت صياح واضح من والده ، قفز فريد من فراشه ثم توجهه إلى باب غرفته يفتحه بهدوء ويخرج منه ثم أغلقه خلفه مره اخرى وتوجهه إلى حيث غرفه والديه يقف امامها برعب ، رغم ان وجوده لم ولن يفيدها ولكنه كان يشعر هنا حيث وقف بشئ من الحمايه الوهميه ، سمع توسلات والدته الباكيه تطلب من والده بضعف :
-غريب الله يخليك ادينى علبه الدوا خلينى اخدها مش قادره أتنفس ..
صرخ به والده قائلاً بحنق :
-يا ساهله .. عايزه تاخديها وتخفى عشان تسبينى وتروحى جرى على عشيقك صح ؟!..
هزت رحاب رأسها له عده مرات بفزع وهى تقول من بين توسلاتها وبكائها :
-مفيش حاجه من اللى فى دماغك دى يا غريب .. متصدقيش كلام جيهان .. انا عمرى ما خنتك ولا هخونك ..
ازدردت لعابها فى خوف ثم اضافت من بين شهقاتها المتتالية قائله :
-هخونك ازاى وانا مش بطلع من البيت ومش بشوف حد خالص ..
صرخ بها وقد جحظت عينيه إلى الخارج ثم قال بشراسه وهو يقترب منها :
-مانا عارف عشان كده جبتيه يشتغل هنا مع الحراس بحجه انه قريبك صح !! انطقى !!!!..
شهقت بفزع مصدومه من اثر كلماته ثم قالت وقد بدءت ملامح وجهها فى الشحوب من توترها وشده نغز قلبها :
-كدب .. والله كدب .. قلتلك المره اللى فاتت ده راجل قريبى غلبان عنده اولاد ومراته طلبت منى انى أساعده .. دى كل الحكايه والله ..
هز راسه نافياً بشراسه وهو يقترب منها وبقول يتوعد :
-انا هشرب من دمك وبعدين من دمه .. انا غلطت انى اتجوزت واحده زيك ولازم اصلح غلطى ده دلوقتى..
ثم انقطعت الأصوات الا من صوت صفع والده لها وبعدها بدءت والدته فى الصراخ بشده ولطمات غريب تقع فوق جسدها دون رحمه ، ظل فريد واقفاً امام الباب يضع كفيه فوق أذنه محاولاً منع صراخ والدته من الوصول إليه حتى اختفى الصوت تماماً وخرج غريب بملامح مرتبكه وهو يلهث من شده المجهود والفزع، نظر له فريد بملامح مرتعبه قبل ان يقول له وهو يزدرد ريقه بخوف :
-انا عايز اشوف مامى ..
حدجه غريب بنظره حانقه ارعبته قبل ان يقول له بتهديد واضح :
-مفيش حاجه اسمها مامى .. فاهمممم !!! انتى ايه اللى جابك هنا دلوقتى ؟!!! يلا على اوضتك ومش عايز اسمعلك صوت او اشوفك قدامى قبل الصبح .. يلااااااا ..
لم يطعه فريد بل ركض من خلفه نحو غرفه والدته ثم قفز على فراشها ليطمئن عليها فوجدها نائمه فوقه بلا حراك بوجه ابيض شاحب وشفاه زرقاء ،هتف بأسمها عده مرأت ولكن دون جدوى ، هزها بقوه حتى تستفيق ولكن أيضاً دون جدوى كان جسدها مرتخى تماما بين كفيه ، توسل إليها بصوت باكى ان تجيبه ولم يتلق منها اى رد ، حمله غريب عنوه بتوتر من خصره وذهب به نحوه غرفته وهو يصرخ بِه ان يظل بها والا سوف ينال جزاءه هو الاخر
ادخله إلى غرفته ومنها إلى مخدعه ودثره جيداً بغطاء الفراش حتى اعلى رأسه وظل فريد هناك منتظراً بجسد مرتجف حلول الصباح حتى يطمئن على والدته التى لم يصدر منها اى صوت منذ وقت ليس بالقليل .
لم يعلم متى غالبه النوم ولكنه استيقظ فى الصباح على هرج ومرج وكثير من الأصوات المتداخلة فقز من فراشه ركضاً إلى الخارج فوجد طبيب العائله يقف مع والده وهناك ٣ أشخاص اخرين يحملون على حماله طبيه والدته التى كانت مغطاه من اعلى راسها إلى اخمص قدميها بغطاء ابيض ويتحركون بها نحو الدرج هبوطاً للطابق الارضى وهم مطأطئين رؤسهم وتبدو على ملامحهم الاسف فعلم ان اسوء ما يخشاه قد تحقق على يد والده ..
متى تخضعين لقلبى
الفصل السابع
مضت الايام التاليه على كلاً من حياة وفريد على نفس المنوال ، تجنبت هى لقائه وتعمد هو الخروج باكراً والعوده بعد منتصف الليل ، وبالتالى كانت تتناول هى وجباتها الثلاث يومياً بمفردها وتقضى ما تبقى من يومها بين البحث عن فرصه سفر مناسبه لأخيها لإخراجه من البلاد وما بين اكتشاف شئ جديد فى المنزل ، وفى احدى الايام عندما لاحظت عفاف حاله الملل التى اصابت حياة نصحتها بالتوجه إلى مكتب السيد فريد اذا كانت من محبى القراءه فغرفه مكتبه تحتوى على كم هائل من الكتب ، ابدت حياة ترحاب شديد بتلك الفكره وقررت اكتشافها على الفور ، دلفت داخل الغرفه بتوجس فمجرد تفكيرها انها ملكيه خاصه لفريد لا يستخدمها احد غيره اربكتها ولكن عفاف شجعتها انه ابداً لن يعارض على استخدامها لها ، ورغم ذلك قررت الدخول فقط للبحث عن شئ ما تقرأه ثم الخروج فوراً
كانت رائحته المميزه تملئ المكان ، هذا اول شئ خطر ببال حياة بمجرد دخولها قبل ان تقع عينيها على محتويات الغرفه ، فتحت عينيها بأنبهار فالغرفه تجسيد حى للكمال والدفء بخشبها باهظ الثمن مع مكتب عصرى ومقعد جلدى مريح ووثير مع الكثير من التحف العتيقه والاكسسورات الثمينة ، اما ما جعل حياة تشهق بأعجاب هى تلك المكتبه التى كانت تحتل أركان الغرفه وتحاوط المكتب بنافذته وتمتد حتى السقف وتحتوى على مئات بل الالاف من الكتب المنظمه على حسب حقبتها الزمنيه ونوعها وتراثها ، تحركت حياة اول شئ نحو رف الادب العالمي فوجدته يحتوى على كثير من الكتب الفرنسيه ، زمت شفتيها معاً للأمام بتفكير وهى تلتقط احدى الكتب بتغليفها الجلدى العتيق بين يديها وتتأمله ، اذا لقد اتقن الفرنسيه فعلاً ، لقد كانت تتذكر كم تذمر فريد من كرهه لتلك اللغه وعدم قدرته على استيعابها وكم من خلافات نشبت بينه وبين والده بسبب ذلك الامر ولكن غريب كان دائماً يجبره على تلقى الدروس بحجه ان جميع تعاملاتهم مع شركات فرنسية وعلى ولى عهده ان يتقنها تمام الاتقان حتى يستطيع التعامل معهم فى المستقبل عند توليه اداره الشركات
هل يعلم انها كرهت اللغه والبلد بأكملها من اجله !! فكم ألمها ان يكون صديقها المفضل مجبراً على فعل شئ ما بالاكراه وبناءاً عليه رفضت هى الاخرى تلك اللغه رغم انها أيضاً اضطرت اسفه بحكم دراستها ان تتعلمها ولكنها أبداً لم تستغيثها فى طفولتها من اجله ، تنهدت بعمق من اثر تلك الذكرى واعادت الكتاب القيم إلى موضعه فوق الرف قبل ان يرن هاتفها داخل جيب ردائها ، التقطته تنظر به اولاً قبل ان تبتسم بفرح فيبدو ان مساعيها خلال الايام الفائتة قد أتى بثماره اخيراً ، أجابت بحماس على الطرف الاخر ثم استمعت له قليلاً قبل ان تجيبه بسعاده قائله:
-ايوه يا فندم تمام .. بالظبط زى ما بعت لحضرتك كده وان شاء الله الورق هيكون جاهز فى اقرب وقت ..
صمتت قليلاً ثم اجابته بحرص :
-طبعاً طبعاً .. ان شاء هيسافر لحضرتك قريب ..
انهت المكالمه وأغلقت هاتفها ثم قفزت عده مرات بسعاده وفرح ، فاخيراً استطاعت التحصل على فرصه خارج البلاد لأخيها بمعاونه صديقتها فى الخارج التى ما ان علمت بالتحول الذى حدث فى حياتها وزواجها من شخص ثرى حتى أسرعت فى مساعدتها على الفور ..
***********
فى تلك الأثناء كان فريد يجلس فى مكتبه بمقرعمله وشئ وحيد يستحوذ على تفكيره ، حياة خاصته ، لقد اشتاق إليها كثيراً فمنذ حديثهم الاخير سوياً وهو يتعمد عدم مواجهتها او الاحتكاك بها حتى يعيد ترتيب اموره ويمهلها بعض الوقت للاعتياد على فكره زواجهم ووجوده بجانبها ، فقد كان يقضى يومه كاملاً فى العمل ويذهب للمنزل فقط فى المساء عندما يتأكد من خلودها للنوم وبعد فتره يتسلل إلى غرفتها بهدوء دون علمها ليتأملها قليلاً قبل ان يخلد هو الاخر إلى نوم متقطع يظهر فى اغلبيته مقتطفات من الماضى الحزين
قاطع تفكيره دخول والده العاصف لغرفته ، لوى فريد فمه متشدقاً قبل ان يقول بسخريه واضحه :
-مادام دخلت عليا دخله المخبرين دى يبقى فى مصيبه .. قول اللى عندك ..
حدقه والده بنظره غيظ قبل ان يقول بحنق واضح :
-نفسى تبطل قله ادب وتحترمنى شويه !!!..
لوى فريد فمه متأففاً قبل ان يجيبه بتهكم مرير :
-معلش اصل محدش ربانى وانت عارف .. امى ماتت وانا صغير ومرات ابويا كان كل همها ازاى احصلها ..
ارتبكت ملامح غريب من تلميحات فريد قبل ان يجيبه بنفاذ صبر هارباً من الصدام مع ابنه الوحيد :
-خلاص خلاص .. مش هى دى مشكلتنا دلوقتى .. انت ايه اللى عملته ده مع عيله الجنيدي ..
اجابه فريد بغرور وهو يعود بجسده إلى ظهر مقعده ليجلس فى تعالى واضح ويضع ساق فوق الاخرى :
-عملت اللى المفروض يتعمل معاهم من زمان ..
هز غريب راسه عده مرات بأسف قبل ان يقول بغضب جلى :
-انت بتستعبببط !!! مش هيسبوك بعد اللى عملته فيهم !! انت مش خايف على نفسك ..
اجابه فريد وهو مازال محافظاً على نبرته الواثقه وهدوئه :
-اعلى ما فى خيلهم يركبوه .. يبقوا يورونى يقدروا على ايه وروحهم فى ايدى دلوقتى ..
اجابه غريب متوسلاً :
-يابنى لو انت مش خايف على نفسك انا خايف عليك .. بلاش عند مع ناس زى دى!!..
قفز فريد من مقعده بغضب ثم توجهه نحو والده يقف امامه بشموخ وهو يضع يديه فى جيوب بنطاله قائلاً بشراسه :
-خلى خوفك لنفسك . وبعدين انا حلفت برحمه اغلى حاجه عندى انى ادفعه تمن اللى عمله قديم وجديد .. كفايه ان حسابه اتاخر لدلوقتى بسببك ..
انهى جملته ثم التفت بجسده يتجه نحو النافذه لينظر منها بجسد متصلب ، سمع صوت والده يتنهد بيأس قبل ان يقول منهياً ذلك الحديث :
-خلاص اللى انت تشوفه اعمله .. بس ع الاقل زود عدد الحراسه معاك شويه.. اه واعمل حسابك الاسبوع الجاى حفله التجديد السنوى مع الشركه الفرنسيه .. والحفله هتكون على شرفك انت ومراتك عشان يتعرفوا عليها ..
ادار فريد جسده نحو والده بهدوء ثم رفع احدى حاجبيه مستنكراً قبل ان يجيبه ببرود :
-لا مش عايز ..
صاح به غريب وقد سأم من تصرفات ابنه تجاهه الامباليه :
-هو ايه اللى مش عايز !!!! ده شغل ومستقبل شركات انت المسئول عنها !! الخميس الجاى الحفله فى الفيلا تكون موجود انت ومراتك ومش عايز اعتراض ..
انهى جملته ثم تركه وانصرف صافقاً الباب خلفه بقوه ..
**********
انتظرت حياة حتى المساء وعوده اخيها للمنزل حتى يكون بكامل تركيزه قبل ان تقرر الاتصال بِه ، جلست فى غرفتها وعلى حافه فراشها ثم أمسكت هاتفها وانتظرت ان يأتيها الرد من الطرف الاخر ، كانت على وشك خوض كافه التفاصيل معه عندما سمعت وقع خطوات كثيره فى الخارج فلم تود المجازفة بأى حديث قد يفسد مخططها لذلك اثرت الحرص على حماسها فقالت لاخيها بنبره منخفضة :
-بص الكلام مش هينفع فى التليفون انا لازم اشوفك بكره .. فضى نفسك وقابلنى فى البيت ..
فى تلك اللحظه فُتح باب غرفتها بقوه ورأته يقف امامها يسألها بوجهه عابس وعيون مكفهره :
-انتى بتكلمى مين ؟!..
انتفضت هى على صوت اقتحامه لغرفتها ثم وضعت يدها فوق قلبها برعب قبل ان تمد يدها الممسكه بالهاتف نحوه وهى تقول برعب :
- محمد اخويا .. خد اتاكد بنفسك ..
ارتبكت نظرته قليلاً وظهر التوتر على قسمات جسده قبل ان تلين نظرته ويدير جسده المتصلب لها خارجاً من غرفتها .
تنفست الصعداء بعد خروجه واغلقت الهاتف مع اخيها بتعجل ثم اخذت تذرع الغرفه ذهاباً واياباً بتوتر ، هزت رأسها عده مرات بتصميم لتشجع نفسها داخلياً ، ستذهب لتخبره ولن تتهاون فى حريتها فعهد تحكم والدها انتهى وابداً لن تعيد تلك التجربه معه ، فوالدها كان يمنعها من الخروج بمفردها الا من اجل الدراسه والعمل بالطبع بسبب العائد المادى للأخير حتى يرتاح من طلباتها ، اما عن خروجها مثل مثيلتها من الفتيات كان ممنوعاً عليها منعاً باتاً ففى منطقه ان البنت ذات الدين والُخلق الجيد مكانها فقط فى المنزل !!!
على كلاً انها شاكره لسماحه لها باكمال دراستها دون تعنتات ، ولكن كل ذلك انتهى الان ولن تسمح لأحد اخر التحكم فى حياتها
**********
بعد قليل هبطت إلى الطابق الارضى بعدما استجمعت شجاعتها واستعدت لمواجهته تبحث بعينيها عنه ، فى الاسفل لمحت بعينيها مدبره منزله تخرج من غرفه مكتبه ممسكه بفنجان قهوه فارغ فعلمت انه بداخلها لذلك توجهت على الفور تجاه الغرفه ثم توقف امامها تسالها بهدوء قائله :
- فريد جوه ؟؟!!!..
اجابتها عزه بجفاء قائله :
-اها فريد بيه فى المكتب ..
هزت حياة راسها عده مرات وتركيزها منصب على مواجهتهم وهى ترفع راسها بتحدى ممسكه بقبضه الباب وتهم برفع يدها الاخرى لتطرقه ، اوقفها صوت عزه مره اخرى قائله بنبره خاليه :
-فريد بيه طلب محدش يزعجه !!! ..
نظرت إليها حياة من فوق كتفها وهى لازالت ممسكه بقبضه الباب ثم رفعت احدى حاجبيها لها بتحدى قبل ان تدير مقبض الباب وتدلف إلى الغرفه دون استئذان وهى توجه إليها ابتسامه مغيظه قبل ان تصفق الباب فى وجهها
كان فريد يجلس خلف مكتبه عاقد حاجبيه معاً بشده وهو ينظر بتركيز فى شاشه كمبيوتره المحمول عندما سمع باب غرفته يُفتح ويُغلق دون استئذان انتفض من مقعده وهو يصيح قائلاً :
-مين اللى بي...
انهى جملته بمجرد وقوع نظره على الباب ورؤيته لها تدلف الغرفه بتوجس ، لانت ملامحه المتجهمة قبل ان يتحرك فى اتجاهها يسألها بقلق :
-حياة !! فى حاجه حصلت ؟!...
اخذت نفساً عميقاً قبل ان تبرر دخولها الهمجى ذلك قائله :
-مفيش وانا عارفه انى دخلت من غير ما اخبط ع الباب .. بس هما قالولى بره انك مش عايز حد يزعجك .. وانا كنت هقولك حاجه واطلع على طول ..
تبدلت ملامحه على الفور ثم اضاف بنبره حانيه وهو يتأمل نظرتها المرتبكة رغم حركات جسدها المتصلبة :
-حياة .. انا قصدى محدش يزعجنى منهم ..
اطرقت براسها للأسفل فى محاوله منها لكتم ابتسامه خفيفه كانت تهدد بالظهور على شفتيها من اثر ذلك الانتصار الصغير ولكنها سيطرت عليها بالاخير ثم تنحنحت عده مرات قبل ان تقول بنبره هجوميه استعداداً لما هو ات :
- انا عايزه اروح لماما بكره أزورها .. وعلى فكره ده مش ....
قاطعها فريد قبل ان تكمل جملتها بنبره هادئه :
-مفيش مشكله شوفى عايزه تنزلى الساعه كام وبلغى السواق قبلها ..
فتحت فمها بأندهاش فقد كانت تعد نفسها لرفضه فسألته بأستنكار :
-ايه ده يعنى انت موافق انى اروح بسهوله كده ؟!!...
ابتسم لها بأعجاب من سؤالها الطفولى ثم أجابها قائلاً :
-مفيش مشكله زى ما قلتلك السواق هيوصلك وقت ما تحبى وانا بليل بنفسى هاجى اوصلك ..
عقدت حاجبيها معاً ثم اجابته معترضه :
-بس انا مش عايزه حد يوصلنى !! انا بعرف امشى على فكره ولوحدى !! ..
وضع فريد يديه فى جيوب بنطاله قائلاً بلا مبالاته المعتاده وهو يرمقها بنظره محذره :
-حياااة !! مش عايز مناقشه كتير ده اخر كلام عندى !!! والقرار قرارك يا حد يكون معاكى يا لاء !! اختارى ؟!! .
التفت بجسدها واتجهت نحو الباب وهى تضرب الارض بقدمها من شده الغيظ وتتمتم بكلمات حانقه لم تلتقط أذنه منها شئ ولكنه ابتسم لااراداياً من مظهرها الطفولى الغاضب ، تنحنح محاوله تنقيه حلقه والسيطره على رغبته فى احتضانها
ثم تحدت بنبره آمره وهى على اعتاب الخروج قائلاً :
-اعملى حسابك الخميس الجاى فى حفله للشركه على شرفنا .. حضرى نفسك ..
التفت تنظر له بعيون غاضبه قبل ان ترفع راسها بتحدى قائله :
-مش هروح .. اتفضل احضرها مع نفسك !!..
رأت التسليه واضحه فى بريق عينيه قبل ان يجيبها بنبره تهديد منخفضة :
-تمااام براحتك !! اهى فرصه برضه البسك بأيدى واشيلك لحد هناك ..
شهقت بفزع وفتحت فمها مندهشه من وقاحته معها ثم اضافت بنبره حاده مرتبكه :
-انت .. انت انسان مغرور .. ووقليل ذوق واناااااا ..
قاطعها بمرح مقلداً نبرتها وهو يلوى فمه بنصف ابتسامه ويتقدم منها حتى اصبح على خطوه واحده منها قائلاً :
-بتكرهينى عارف ..
تشدقّت بحنق قائله بأشمئزاز :
-كويس انك عارف انى بكرهك وجداً كمان ..
ومضت عينيه ببريق غريب وهو ينظر لداخل عينيها مباشرةً
ثم أجابها وهو يمد كلتا ذراعيه يستند بهم فوق الجدار ليحكم حصارها ويمنع يدها من الامتداد لفتح الباب والخروج قائلاً بصوت أجش وعينيه تضيق فوق وجهها :
- عارفه يا حياة ايه اللى مصبرنى على كل اللى بتعمليه ده ؟!...
لم تجيبه بل اغمضت عينيها بقوه تضغط عليهم محاوله تجاوز الشعور الذى بدء يتسلل إليها من انفاسه الحاره التى تقع عليها وهى تحرك راسها نافيه ببطء و تبتلع ريقها بصعوبه بالغه ، فأضاف وهو يقترب بوجهه اكثرمن وجهها :
-عشان العيون دى اللى فى كل مره بتشوفنى فيها بتقولى حاجه واحده بس .. " محتاجالك يا فريد " .. وانا وعدتهم من زمااان انى ما عمرى ما هتخلى عنهم ..
فتحت عينبها بصدمه قبل ان تشرد بنظرها نحو الفراغ ويشحب وجهها ، انتهز هو فرصه صمتها واقترب منها يطبع قبله حانيه فوق وجنتها ، انتفضت بفزع من اثر قبلته وقد إعادتها لمسته للحياه ثم دفعته بكلتا يديها وهى تصرخ به بقوه قائله :
-متلمسنييييييش .. انت فاهم اوعى تقرب منى او تلمسنى تانى ..
ثم استدارت برعب لتفتح الباب بيد مرتعشه وركضت إلى الخارج بجسد منتفض تاركه فريد يشعر بالصدمه من رد فعلها الغير مفهوم
************
فى صباح البوم التالى كانت آمنه تجلس فوق الطاوله الصغيره تقوم بتحضير أشهى المأكولات وهى تدندن اغنيه قديمه بسعاده ، خرج عبد السلام من غرفتهم ينظر نحوها شرزاً قبل ان يتشدق جملته بغيظ :
- ايوه ياختى حضرى ما هى ست الحسن بتاعتك جايه النهارده ..
حركت امنه راسها يميناً ويساراً فى حنق ثم استغفرت ربها وآثرت الصمت ولكنه تعمد استفزازها مضيفاً :
- ايه مش اللى عاجبك الكلام ولا بتكلم غلط ولا يمكن كلامى دلوقتى مبقاش جاى على هواكى بعد ما ناسبتى الباشا !! ..
زفرت آمنه بضيق وهى تلوى فمها قبل ان تجيبه قائله :
-يا حول الله يارب .. انا عايزه اعرف انت ايه عايز تجر الشكل وخلاص !!! ما تسيب البت فى حالها مش كفايه من ساعه ما اتجوزت محدش عبرها ولا سأل عليها !!!..
قاطعها وقد بدءت نوبه صياحه المعتاده قائلاً بصوت يصم الاذان :
-مالها ياختى ما هى قاعده فى فيلا والخدم تحت رجليها هتعوز ايه تانى !! انا بقول بس بدل مانتى مهتمه بيها والاكل الحلو مظهرش غير بقدومها كنتى تعملى حاجه لابنى الغلبان الشقيان ده هو اولى !!..
قاطعته امنه بنفاذ صبر معترضه :
-وهى مش بنتك يا راجل !! وكمان لو كنت نسيت أفكرك مين اللى أنقذ ابنك الغلبان ده ..
قاطعها بصوته الجمهورى قائلاً ؛
-وهو مين اللى كان هيضيع ابنى غير الست بنتك وعمايلها ؟!!!! ..
اجابته امنه بحنق :
-طب والوصلات اللى كانت عليك مين انقذك منها يا عبد السلام !!.. ياخى اتقى الله بقى وكفايه كده ..
مر كفه داخل شعر يحك قررتها بتفكير ثم تمتم بخفوت :
-عندك حق بس المره دى البت وقعت واقفه بجد .. شكلنا اتسرعنا المره اللى فاتت بس الحمدلله انها باظت ..
صاحت به آمنه وهى ترميه بنظرات اشمئزاز واضحه قائله:
-عبد السلاااااام .. قفل ع السيره الهباب دى لمصلحتك .. وأتوكل على الله شوفْلَك حاجه تعملها خلينى اكمل شغلى ..
رمقها بنظرات حانقه قبل ان يقول بغيظ :
-ادينى سايبهالك وماشى وهروح اقعد ع القهوه ..
تمتمت امنه بخفوت قائله :
-فى ستين ....
ثم عادت للتركيز على ما كانت تقوم به قبل مناقشتها معه ..
*********
انقضى يوم حياة سريعاً مع والدتها التى اهتمت بسؤالها عن ادق تفاصيل حياتها فحاولت حياة قدر المستطاع اعطائها اجابات منطقيه مختصره دون التطرق إلى اى مواضيع جانبيه فظنت آمنه ان ابنتها تتجنب الحديث معها فى اى شئ يخص زواجها خجلاً منها اما عن حياة فقد تنهدت براحه عندما توقفت والدتها عن سيل الاسئله التى غدقتها بها منذ وصولها ، صمتت قليلاً ثم سألتها بإستفسار وهى تلكز ابنتها من مرفقها بمرح:
-صحيح قوليلى ؟!! عجبتك الهدوم اللى اخترنهالك ؟!..
قطبت حياة حاجبيها معاً بتركيز قبل ان تسألها مستفسره :
-هدوم ايه ؟!!.
اجابتها آمنه بحماس والابتسامه تعلو ثغرها فخراً :
-الهدوم بتاعتك اللى هناك فى الفيلا ..
ازدردت ريقها بعجاله ثم اضافت قائله :
-فريد حب يعملهالك مفاجأه .. كلمنى وقالى أقابله واختار معاه كل اللى بتحبيه عشان انا ادرى بذوقك يعنى .. حتى فستان الفرح سالنى لو بتحب حاجه معينه وافتكرت ساعتها الفستان اللى كنتى كل شويه تدوشينى بشكله وتورينى صور شبهه وخلانى اقابل واحده مصممه كده ده اسمها .. ووصفتلها على قد ما اقدر .. بس الحق يا حياة ان الفستان طلع احلى من اللى كنتى بتوصيفه .. انا مرضتش احرقلك المفاجأه ساعتها بس دلوقتى اقدر اتكلم براحتى بقى ..
هزت حياة رأسها ببطء فقد حلت لغز تلك الملابس الرائعه القابعه داخل خزانتها وحتى الان ترفض ارتدائها بسببه ، اعادها من شرود تفكيرها صوت اخيها يدلف إلى المنزل ، فقفزت على الفور تستقبله بسعاده وحماس ثم تمتمت لوالدتها بعجاله :
-مانا احنا فى الاوضه جوه .. متخليش حد يدخل علينا ..
ثم جذبت اخيها من مرفقه تدفعه نحو الغرفه بحماس ، فى الداخل قصت على اخيها الذى كان يستمع إليها بتركيز وحماس كافه تفاصيل تلك السفريه المنتظره ثم اطرق برأسه فى حزن متسائلاً :
-ماشى يا حياة بس انا هجيب مصاريف السفر دى منين ؟!.. انتى عارفه ان الشغل يادوب ..
ربتت على كفه بحنوبقبل ان تجيبه بنبره مطمئنه :
-متشغلش بالك بكل ده انت عارف انى كنت محوشه شويه فلوس من شغلى وانا هتكفل بكل حاجه ..
ثم مدت يدها داخل احدى جيوب بنطالها وأخرجت بطاقه إلكترونيه وضعتها فى كفه قبل ان تضيف :
-دى الفيزا بتاعتى ان شاء فيها اللى يكفى كل المصاريف خدها استخدمها وأتوكل على الله بس بالله عليك يا محمد فى اسرع وقت انا ما صدقت الفرصه دى تجيلى ..
هز راسه لها متفهماً قبل ان يحتضنها ويطبع قبله حانيه على جبهتها ويقول :
-مش عارف اقولك ايه ع اللى بتعمليه معايا .. بس ان شاء الله هردلك كل فلوسك دى وزياده ..
لكزته فوق وجنته برفق قبل ان تجيبه بمرح قائله :
-يا واد انت هتكبر عليا .. يلا قوم شوف وراك ايه تعمله معندناش ووووقت ..
قفز اخيها على الفور فى حماس وهو يتمتم بسعاده :
-حاضر يا اجدع اخت فى الدنيا ..
ابتسمت حياة بسعاده لرؤيتها سعادته واضحه فوق ملامحه ثم أوقفته بصوتها الناعم ترجوه قائله :
-محمد متنساش انت وعدتنى .. محدش يعرف حاجه لحد ما تسافر ..
هز رأسه لها متفهماً قبل ان يخرج من غرفتها ويتركها تزفر براحه وسعاده من تحقيقها اول خطوه فى سبيل حريتها .
**********
فى المساء هاتف فريد حياة يطلب منها الاستعداد للخروج فهو على وشك الوصول إليها ، ودعت والدتها التى اقتربت منها بحزن قائله:
-ملحقتش اشبع منك يا حياة كنتى خليكى شويه كمان معانا ..
اجابتها حياة وهى تربت على كتف والدتها بحنان مبرره :
-معلش يا ماما فريد كلمنى و قالى انه خلاص فى الطريق وان شاء الله هبقى اجيلك تانى .. وانتى كمان ابقى تعالى زورينى بلاش تسبينى لوحدى هناك ..
كانت آمنه على وشك اجابتها عندما قطع حديثهم صوت والدها الذى كان يقف على عتبه المنزل يستمع لحديثهم قائلاً بسخريه :
-سبيها تروح لجوزها !! .. دلوقتى بقى فريد اللى كانت عامله دوشه ١٠ سنين وهى تقول مش عايزاه مش عايزاه دلوقتى مش قادره علي بعده ..
التفت حياة بحده تنظر إليه وعلامات الحنق تبدو ظاهره على ملامحها قل ان تقرر اثاره غيظه قائله بسخريه وهى تتحرك فى اتجاهه وتقف على مقربه منه :
-طب وانت زعلان ليه كده يا بابا .. يمكن عشان المره دى معرفتش تطلع غير بوصلات الامانه فالموضوع بالنسبالك خسران !!!!! ..
صُدم عبد السلام من ردها فتلك كانت اول مره تقف حياة فى وجهه والدها ، صدح صوته بقوه يرج أركان المنزل صارخاً فيها بعنف :
-انتى قليله ادب بنت ..... وشكلك افتكرتى انك اتجوزتى ومحدش هيقدر عليكى ..
ثم رفع كفه لاعلى فى محاوله لصفعها ولكن أوقفه صوت فريد الهااادر ممسكاً بيده المرفوعه قائلاً وعلامات الغضب تبدو ظاهره على وجهه وعينيه :
-عبد السلام بيييييه !!!!! انا مراتى متربيه احسن تربيه ..
ثم قام بالضغط بقوه على كف والدها المرفوع حتى شعر بالاحمرار قد بدء يغزو وجه غريمه من شده الالم وأضاف بنبره غاضبه منخفضة وهو يضغط على شفتيه بقوه :
-ثم ان مش مرات فريد بيه رسلان اللى حد يفكر يمد ايده عليها حتى لو كان ابوها فاهم !!! ..
ثم نفض يده بقوه شعر معها عبد السلام بذراعه على وشك الخروج من مفصله ، تحرك فريد من امام الباب يحتضن يد حياة التى وقفت خلف والدتها متسمره مما كان والدها على وشك فعله معها ومن رد فعل فريد ثم سحبها نحو الخارج وهو يقول بنبرته الآمرة :
-دادا آمنه .. لو عايزه تشوفى حياة هتلاقيها فى بيتى ..
ثم سحبها للخارج نحو السياره دون النظر خلفهم .
دلفت حياة داخل السياره بهدوء دون ابداء اى رد فعل ، صفق فريد الباب خلفها بقوه ثم استدار ليحتل المقعد المجاور لها ويأمر سائقه بالتحرك ولازال ذلك العرق بجانب صدغه ينبض بقوه من شده الغضب ، زفر بقوه عده مرات فى محاوله منه لاستعاده جزء من هدوئه قبل ان يتحدث مع حياة التى لم تبدى اى رد فعل حتى الان ، هتف بأسمها بنبره حاول قدر الإمكان اخراجها طبيعيه وهو يمد يده ليحتضن كفها فى توجس متأهباً لرفضها ولكنها فاجأته بتقبل يده بهدوء غير معتاد ، هتف بأسمها مره اخرى بنفاذ صبر ولكن أيضاً لم يصدر منها اى رد فعل فقط ضغطه خفيفه على يده المحتضنه يدها ثم استندت برأسها على النافذه وسمحت لنفسها بالعوده إلى سن السادسه ..
" تذكرت ذلك اليوم فى قصر غريب عندما كانت تتلوى تحت قبضه والدتها وهى تمشط لها شعرها قائله بطفوليه :
-يا ماما يلا بسرعه عشان الحق اروح لفريد قبل الدرس ما يبدء ..
ضحكت آمنه بمرح وهى تحاول جاهده إتمام مهمتها مع قله صبر طفلتها قائله بمرح :
-ايوه يا ست حياة .. كأن الدنيا دى مفيهاش غير فريد ليل ونهار عايزه تجرى عليه .. اتفضلى يا ستى روحيله ادينى خلصت ..
ركضت حياة على الفور فى اتجاه الباب المؤدى إلى الحديقه عندما أوقفتها يد والدها الغليظه تسحبها للداخل مره اخرى ويجرها خلفه بقسوه قائلاً :
-مفيش حاجه اسمها فريد تانى ..
ثم توجهه بحديثه لوالدتها :
-انتى يا ست آمنه معندكيش نخوه ولا احساس بتشجعى البت على قله الادب !! عايزاها تحط راسنا فى الطين !!
سألته آمنه مستنكره عاقده حاجبيها معاً :
-قله ادب ايه دى يا عبد السلام اللى بتتكلم عليها ؟!..
أجابها بصراخ وهو مازال ممسكاً بذراع حياة التى كانت تحاول جاهده الافلات من قبضته المؤلمه :
-ايوه قله ادب .. ليل ونهار سيباها قاعده لوحدها مع ابن الباشا ومحدش عارف بيعملوا ايه .. بتك دى مش هترتاح غير لما تجبلى العار وتخلى ناسى فى البلد يعايرونى بيها !..
شهقت آمنه بفزع وهى تضع يديها فوق فمها تحاول استيعاب حديث زوجها الغير متزن ثم اجابته بأستنكار ممزوج بإشمئزاز قائله :
-عار ايه يا راجل!!! دول عيال !!! انت بتتكلم على بنتك اللى مكملتش ٦ سنين !!!! انت بتقول ايه ..
صاح بها بصوت جهورى افزع كلاً من حياة التى بدءت تبكى من شده الالم ووالدتها :
-ايوه هو ده اللى عندى واعملى حسابك تلمى هدومك انا خلاص جبت شقه ايجار ومن بكره هنتنقل ليها .. وأقسم بالله لو بوقك اتفتح او اعترضتى لارمى عليكى اليمين دلوقتى وارميكى فى الشارع انتى وعيالك !! ..
ازدرد ريقه بقوه قبل ان يضيف بتوعد :
-ومن بكره الحال المايل ده هيتعدل وهشوف البت دى اللى عايشه عيشه البشوات هتتربى ازاى ..
ثم نفض ذراع حياة من قبضته وخرج صافقاً باب الملحق خلفه بقوه ، انتظرت حياة خروجه ثم ركضت نحو الحديقه وهى لازالت تبكى حتى وجدت فريد يجلس بهدوء تحت شجرته المفضله ، هتفت بإسمه بصوت باكى تشتكى له من والدها قائله من بين شهقاتها المتلاحقة :
- فريد . بابا زعقلى .. وقالى .. قالى انى هجيبله العار .. وانه هيخلينى امشى وكمان بكره .. هنروح .. هنروح بيت جديد..
قاطعها صوت فريد الطفولى يهدئها وهو يمسح فوق شعرها بحنان قائلاً بأصرار :
-متخافيش يا حياة .. انا هحميكى منه ومش هخليه يعملك حاجه وبعدين انا دلوقتى هكبر وهتجوزك واخليكى تعيشى معايا انا وانتى وماما بس بعيد عنه وعن بابا ..
هزت رإسها له بحماس موافقه وهى تمسح بكف يدها دموعها المنسابه فهى تثق به وتعلم انه بطلها وحاميها الاول ، تنهدت بعمق وهى تفكر فيبدو ان قوة ذلك الصغير لم تكفى لردع والدها عما انتوى القيام بِه وبالفعل فى اليوم التالى انفصلت حياة عن فريد دون حتى وداع ..
افاقت من شرودها على توقف هدير السياره وصوت فريد العميق يحثها على النزول ، دلفت إلى الداخل فوجدت الهدوء يعم ارجاء المنزل فاستنتجت ان ساعات العمل قد انتهت وذهب كل موظفيه إلى مخدعهم ، راقب فريد ردود افعالها الهادئه بقلق فهو يفضل حياة الثائرة عن تلك التى لا يصدر منها اى رد فعل ، رفع رأسه للاعلى ثم تنهد بتعب وهو يمرر يده داخل خصلات شعره ويضغط على شفتيه قبل ان يقول آمراً بنبره خرجت حاده دون وعى منه :
-حياة .. مفيش روح لهناك تانى .. فاهمه !! ..
التفت تنظر إليه وعيونها تنطق بالشرر قبل ان تنفجر وتصرخ به بقوه وهى تدفعه بكلتا يديه للخلف قائله :
-ملكش دعوووووووه .. انت بالذات ملكش دعوه ... مش عايزه منك حاجه .. فاهم يعنى ايه مش عايزه منك حاجه .. متجيش دلوقتى تدينى أوامر .. روح واختفى زى ما اختفيت زمان .. حياة كبرت ومش محتاجالك فاهم !!! انا قادره ادافع عن نفسى لوحدددى متعملش فيها بطل ليا .. كنت فين زماااان .. كنت فين وانا عندى ١٤ سنه !!!! كنت فين وهو ...
ابتعلت ما تبقى من الكلمات بداخلها وهى تشهق بقوه وجسدها يرتجف من شده الغضب ، ظل فريد ينظر إليها بصدمه يحاول استيعاب حديثها وسبب ذلك الانهيار الغير مبرر ، تقدم خطوه منها يمد كلتا يديه ويحاول احتضانها ولكنه تفاجئ بها تلكمه فوق صدره بقوه وهى تصرخ بأستياء :
-متقريش منننننى .. قلتلك ميه مره متقربش منى .. فاهم .. ابعد عنى ومتقربش منى .. مش عايزه حد يقرب منى فيكم .. سيبونى فى حالى .. وانت ارجع مكان ما كنت مختفى مش عايزاك فى حياتى ..
قاوم فريد لكماتها المتتالية وانهيارها وهو يشدد من احتضانه لها حتى استكانت وهدئت بين ذراعيه ثم قامت بمسح عبراتها المنهمره بكثره قبل ان تدفعه برفق وهى تمتم بنبره منهمكه :
-انا كويسه لو سمحت سيبنى ..
فك حصارها من بين ذراعيه وتركها لتتجه نحو الدرج وملامح وجهه يكسوها الصدمه يحاول عقله استيعاب كلماتها وما تفوهت به للتو .متى تخضعين لقلبى
الفصل الثامن (الجزء الثانى)
بعد قليل كانت السياره تتوقف امام فيلا غريب رسلان ، ترجلت حياة من السياره اولاً بعدما قام احد حراس فريد الخاص بفتح الباب لها ، تنفست بضيق فهى لم تحب فكره وجودها فى ذلك المكان وخصوصاً بعد المقابله الوحيده والاخيره مع اخت فريد غير الشقيقه ، افاقت من شرود افكارها على يد فريد التى تسللت نحو ذراعه ليتأبطه بتملك واضح ، ثم احنى رأسه فى اتجاه اذنها قائلاً بنبره منخفضة :
-حياة كل ده عشان مظهر الشركه فياريت على قد ما نقدر نحافظ عليه ..
اومأت برأسها موافقه دون حديث فهى كانت فى مجال الاعمال أيضاً وتعلم اهميه تلك اللحظات لنجاح الشركات الكبرى مثل شركته ، اخذت نفساً عميقاً ثم زفرته ببطء للخارج قبل ان ترفع رأسها للاعلى فى كبرياء وهى تتحرك بجواره نحو الداخل ، تحركت كل العيون تنظر فى اتجاههم بمجرد وصولهم إلى الحديقه ، لوت حياة فمها بسخريه فبالطبع السيد فريد هو نجم تلك الامسيه وكل الأمسيات ان صح التعبير ، تحرك والده نحوهم فور رؤيته لهم لاستقبالهم وتحركت بجواره امرأه فى الخمسينات من العمر رائعه الجمال علمت حياة بمجرد رؤيتها انها زوجه والده جيهان ، او رأس الافعى كما تلقبها والدتها ، استقبله والدهم بحبور اما عن زوجه ابيه فقد اكتفت بأيماءه خفيفه براسها لفريد ونظره احتقار جليه لحياة ، اصطحبهم والده على الفور نحو شركائهم الفرنسيين للتعريف بحياة ، انتهى التعريف سريعاً بعد العديد من المجاملات التى قيلت بالعبارات الفرنسيه فى جمال حياة الشرقى الخالص والتغزل قليلاً فى عيونها ونظرتها ، فهمت حياة ما يقال بينهم ولكنها اثرت الصمت ، زفر فريد بنفاذ صبر وشتم عده مرات بخفوت عندما امسك رجل ما بكف حياة ثم قام بتقبيلها على حين غره منها ، سحبت هى يدها على الفور ولكن الاوان قد فات فقد بدء الغضب يظهر على فريد ، تدارك والده الامر سريعاً فأضاف موضحاً للجميع ان زوجة ابنه من طبقه محافظه لا تحبذ تلك الأفعال وبناءاً عليه لم يتجرء احد على لمس يدها مره اخرى
**********
مرت الساعات الاولى على حياة وهى تتحرك برشاقة وتبتسم بمجامله وترحاب لكل من صادفته حتى شعرت بعضلات وجهها بدءت تتيبس من كثره الابتسام ، الامر الذى فاجئ فريد كثيراً فقد كان يتوقع بركان ثائر يمشى على قدمين وليست زوجه رجل اعمال محنكه تتعامل مع الجميع بفنطه وذكاء ولكن فى نفس الوقت كان يشعر بالسعاده والفخر نحوها ، خلال الامسيه كانت كلاً من زوجه والده وابنتها نيرمين و نجوى يتابعان بحقد تحركات حياة وفريد سوياً وهمهمات الرضا عن ذلك الكوبل الرائع والسعيد ، فتباينت المشاعر بينهم ما بين من يشعر بالرعب على مكانته التى بدءت تتضائل ومن يشعر بالحقد لعدم حصوله على فرصه مماثلة وكلاً منهم ينتوي التحرك قبل ضياع كل شئ .
***********
فى منتصف الحفل بدء جميع المدعوين من تلك الطبقه الراقيه فى التهافت على طاولات المشروب التى كانت تحوى جميع انواع الخمور الغاليه والعتيقه ، شعرت حياة بأنقباضه قويه داخل صدرها من ذلك المشهد الغير محبب لنفسها ، تنفست عده مرات فى محاوله منها لتهدئه ذلك التوتر الذى بدء يزحف بداخلها من تلك الأجواء ، اطرقت راسها للأسفل فالحل الاسلم لتجاوز تلك الامسيه ومواجهه مخاوفها هو عدم التركيز معهم والتفكير بأى شئ سعيد يشتت انتباهها لذلك اثرت الانسحاب فى احد الأركان حتى تصبح بعيده عن الأنظار .
فى تلك الأثناء التفت فريد الذى كان يقف بالقرب من طاوله الشراب على يد ما تمسك به من الخلف ، لوى فمه بأحتقار ثم تشدق بجملته قائلاً :
-انتى ابوكى ازاى سايبك كده وايه القرف اللى انتى لبساه ده ؟!.. روحى شوفيلك كوبايه قهوه اشربيها بدل مانتى سكرانه طينه كده !...
ترنحت نجوى من شده ثمالتها ثم اجابته بكلمات متعلثمه :
-لابسه كده عشانك .. وشربت كده عشانك برضه !! .. مانا مش قادره استحمل اشوفك معاها وانا لاء .
زفر فريد بضيق جلى قبل ان يجيبها بنبره حاده وقد بدءت علامات الغضب تغزو ملامحه :
-قلتلك كام مره متجبيش سيرتها على لسانك ده !!
صرخت نجوى بحقد تساله :
-تفرق عنى فى ايه !!! تفضلها عليا ليه ؟!..
تقوس فم فريد بوضوح ثم اقترب منها وهو يرد عليها بتجهم مشيراً بأصبعه نحو حياة التى تقف مذعوره قائلاً :
-بصى كده عليها .. شايفه هى نضيفه ازاى ؟!..
صمت قليلاً ثم اضاف بنفس نبرته بعد ان حول نظره نحو نجوى يتفحصها بضيق :
-وبصى على نفسك كده .. على قد ماهى نضيفه على قد مانتى و***
انهى جملته ثم تركها وانصرف مبتعداً نحو طاوله حياة ..
صرخت بِه نجوى مهدده بحقد قبل ان يبتلع صوتها تلك الموسيقى الصاخبه فلم تصل إلى مسامع فريد :
-انا هوريها .. وحياة ابويا لريحك منها عشان تعرف تحب فيها كويس .
***********
اما عن حياة فقد بدءت الزعر يدب داخل أوصالها بقوه ، اغمضت عينيها بيأس وضغطت عليهما بشده محاوله طرد تلك الصوره التى بدءت تتجمع داخل عقلها بوضوح ، بدءت تشعر بوخز الدموع داخل مقلتيها مع ازدياد حاد فى ضربات قلبها ، فتحت عينيها مسرعه حتى لا تسمح لتلك الصوره فى الظهور امامها ، ارمشت بعينيها عده مرات فى محاوله جاده منها لصرف تلك الدموع التى اوشكت بالإفصاح عن نفسها ثم حدثت نفسها داخلياً :
-متخافيش انت كبيره وقويه .. انتى غير حياة زمان ..
جالت بنظرها نحو الخارج فى محاوله اخيره لصرف تفكيرها عن اى شئ مخيف عندما استحوذ على انتباهها رجل ما فى منتصف السبعينات يغزو الشيب ملامحه ، كان يترنح بشده وهو فى طريقه نحو حياة ، فى تلك اللحظه كان فريد يتقدم نحوها وهو ممسكاً فى يده احدى كاسات المشروب ، سألها فريد بنبره قلقه وقد لاحظ شحوب وجهها ونظرتها نحو الفراغ :
-حياة انتى كويسه ؟!..
شحب وجهها اكثر وعينيها تتابع ذلك العجوز الذى كان يقترب من طاولتها ببطء ، انتفضت حياة من سؤال فريد ومن ذلك العجوز الذى تجاوزها للتو متوجهاً نحو طاولته خلفها ، وضعت يدها فوق قلبها برعب ثم تراجعت خطوه للخلف تنظر بخوف نحو فريد قبل ان تلتقط عينيها ذلك الكأس البغيض داخل كفه ، اجابته بنبره حاده :
-انا عايزه امشى .. انا مش عايزه اقعد هنا ..
انهت جملتها وانحنت للأمام تمسك طرفى ردائها بيدها لترفعه ويحول دون تعثرها قبل ان تركض نحو الخارج دون انتظار اجابته ، ركض فريد خلفها مستنكراً من تلك الحاله الغريبه التى اصابتها فهى كانت على ما يرام عند بدايه الحفل ، لحق بها على الفور ثم أشار لأحد حراسه بالتحرك ، بعد عده ثوان كانت حياة تستقل السياره وفريد يجلس بجوارها قبل ان تشق طريقها نحو الخارج
جلست حياة فى مقعدها بأنكماش وزعر وهى تحتضن جسدها بذراعيها ورائحه الكحول المنبعثة من فريد تغزو انفها بقوه فتصيبها بالغثيان ، اغمضت عينيها مره اخرى فى محاوله منها للبحث عن جزء بسيط من شجاعتها الزائفه ، ومضت صوره اخرى بوضوح عن تلك الغرفه الكريهه التى ظلت حبيستها لايام دون الخروج منها ، بدء جسدها فى الارتجاف وهى تتذكر مشهده وهو يحمل تلك الزجاجه اللعينه فى يده ويرتشف منها بشراهة تاركاً ذلك المشروب الردئ ينسكب فوق ردائه وفمه وهو يتقدم بأتجاهها ، انها تكرهه وتكره والدها وابداً لن تسامحه على ما فعله بها ، كان فريد يراقب كل ردود فعلها عن كثب بعدم استيعاب ، سألها بهدوء :
-حياة انتى كويسه ؟!..
لم تجيبه فيبدو جلياً لمن يراها انها فى عالم اخر ، عالم لا ينتمى للأحياء ، كرر سؤاله مره اخرى وهو يمد إصبعه ليلتمس بشرتها العاريه :
-انتفض جسدها من اثر لمسته وانكمشت اكتر على نفسها قبل ان تقول له بنبره حاده :
-متلمسنيش .. متلمسنيش .. مش عايزه حد يلمسنى ..
شعر انها على وشك الإغماء لذلك لم يستطيع الضغط عليها اكثر فتركها وشأنها رغم انه كان داخلياً يحترق لمعرفه ما الذى حدث معها ، سيطر الصمت على رحلتهم حتى دلفت السياره من البوابه الخارجيه للفيلا ، صرخت حياة فى السائق بحده طالبه منه ان يتوقف ، توقفت السياره على الفور وخرجت هى منها بعد ان قامت بخلع حذائها لتركض نحو الداخل ، لم يستطع فريد السيطره على اعصابه لأكثر من ذلك فهو لن يتركها قبل ان بعلم ما الذى حدث لها وما هذا الشئ اللعين الذى تمر به ، ركض خلفها وأمسك بذراعها بقوه صارخاً بها بعصبيه :
-حياااااااة .. اقفى كلمينى فهمينى بتعملى كده ليه !!!!!!! ..
حاولت التخلص من قبضته وهى تنظر إليه برعب وبعد مجهود منها أرخى قبضته عنها تاركاً لها المجال بالعوده إلى داخل المنزل ، ألمه مظهرها فقرر اللحاق بها إلى الداخل أيضاً ، هتف بأسمها مره اخرى وهو يمسك بخصرها من الخلف ليوقفها ويمنعها من التقدم اكثر ، صرخت بِه بقوه وقد بدءت الارتجاف يسيطر على جسدها بالكامل قائله :
-سيبنى .. انا بكرهك .. سيبنى متقربليش .. مش عايزه حد يقربلى انا بكرهك وبكرهه وبكرهكم كلكم .. انت زيه !! انت كمان بتغصبنى على كل حاجه .. انت زى بابا و زى غريب .. كلكم عينه واحده .. انت شبهه فى كل حاجه !! انا مش عايزه حد منكم فى حياتى .. انت فاهم انت زى ابوك وأبويا وعشان كده انا بكرهك ..
انهت صراخها ثم ركضت بكل قوتها نحو الدرج ومنه إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها جيداً من الداخل بالمفتاح
ظل فريد مكانه يحاول استعياب ما تفوهت هى به للتو !! لقد قارنته بقاتل والدته !!! كل محاولاته خلال تلك السنوات فى ان لايصبح مثل والده ذهبت هباءاً منثوراً عندما حكمت حياة عليه بجمله واحده انه يشبهه ، تحرك نحو الخارج وذلك العرق بجانب صدغه ينتفض بشده من قوه غضبه ، استقل سيارته واتجهه نحو مكانه المعتاد ، جلس فى مقعده خلف طاوله البار وطلب من النادل اقوى شراب لديهم ، ظل بتحسى بشراهه وكلماتها تطن داخل اذنه حتى شعر بقدميه لا تقدران على حمله ، انهى حسابه وترجل نحو الخارج بجسد مثقل ولكن بعقل يقظ يتذكر كلماتها واشمئزازها منه بوضوح
دلف إلى المنزل والغضب يتصاعد بداخله من اثر تشبيهها وكرهها له صعد إلى غرفته بشعر مشعث وعيون مكفهره وتوجهه مباشرةً نحو خزانته ، اخرج منها ذلك المفتاح الاحتياطى لبابهم المشترك الذى كان يخفيه للطوارئ ثم ادار المقبض وفتح الباب على مصرعيه واقتحم غرفتها وهو لايزال يترنح ، كانت حياة تجلس على حافه الفراش ولازالت ترتدى ذلك الفستان وتستند بمرفقيها على ركبتيها وتضع كفيها فوق اذنها محاوله طرد تلك الذكريات المؤلمه من رأسها ، انتفضت على حركه الباب ثم اقتحامه للغرفه التى تاكدت بنفسها من اوصاده بأحكام ، نظرت إليه برعب وهى تسأله وحاله السكر تبدو جليه على حركته :
-انت دخلت هنا ازاى ؟!..
جحظت عينيها للخارج ثم اضافت بتوجس قائله :
-انت عامل مفتاح تانى تدخل بيه صح ؟!.. حتى فى دى طلعت كداب !! انت ايه .. عايز منى ايه ؟!...
اقترب منها ثم جذب ذراعها بعنف قائلاً بتهديد وهو يضغط على اسنانه بشراسه :
-هقولك انا عايز منك ايه .. مش انا شبهه غريب ؟!.. هوريكى غريب كان بيعمل مع مراته ايه ..
انهى جملته ثم قام بدفعها بقوه نحو الفراش قبل ان يقفز فوقه هو الاخر بعد ان خلع معطفه وبدء فى فك آزار قميصه ، صرخت حياة بقوه وهى تراه يتقدم منها وعيونه تومض بالرغبة والعنف ، استعانت بمرفقها وقامت بالزحف إلى اخر الفراش قبل ان يمد يده ليسحبها من قدمها ويعيدها إليه مره اخرى صرخت حياة ثانيه وهى تركله بقدمها الحره فى محاوله لإصابته والتخلص منه ولكن دون جدوى فقد اقبض بكلتا يديه على قدميها ليكبلها ويمنعها تماماً من الحركه ثم ثبتهما بيد واحده واستعان بالأخرى فى خلع قميصه ثم قفز فوقها بادئاً فى تقبيلها بقوه
صرخت حياة بكل ما أوتيت من قوه وهى تقاومه وتدفع وجهه عنها بكفها ولكن الفارق البدنى بينهم جعل التفوق من نصيبه ، مد يده وقام بشق ردائها بحيوانيه قبل ان يبدء فى تقبيل جسدها برغبه وعنف ، بدءت حياة تتوسّله بصوت باكى بعدما شعرت بقوتها تنهار تحت ضغط جسده الثقيل قائله :
-فريد متعملش فينا كده .. فريد انا حياة .. انت وعدتنى مش هتأذينى وانا صدقتك .. فوق يا فريد عشان خاطرى .. سيبنى متعملش فيا كده
لم يعير لتوسلاتها اى انتباه او اهميه بل واصل ما كان يقوم به من تقبيل جسدها بعنف بدءت تشهق بقوه اكثر وهى تضربه بكف مرتعش فوق كتفه وتقول بتوسل من بين شهقاتها :
-فريد فوق .. فريد متموتش كل حاجه باللى بتعمله ده انا عمرى ما هسامحك ابداً ..
رفع رأسه ينظر إلى دموعها الباكيه قبل ان يخفضها مره اخرى ويبدء فى تقبيل وجنتها وعنقها ، شعرت بالادرينالين يتدفق داخل جسدها بقوه من اثر قبلته وتذكرت ذلك العجوز القذر بلمسته فشعرت بقوتها تعود إليها مره اخرى ،فبدءت تصرخ وتلكمه بكل ما أوتيت من قوه وتركل بقدمها اى الهواء وهى تقول :
-يا ماما الحقينى .. يا ماما تعالى خدينى من هنا .. خدينى من عند الراجل ده ..
بدء فريد يستوعب حالتها ، رفع رأسه لينظر إليها فوجدها تنظر إلى الفراغ بعيون جاحظه وهى لا تزال على صراخها قائله بتوسل :
-يا ماما انتى فين .. فريد انت فين الحقنى .. فريد تعالى خدنى من هنا .. فرييييد متسبنيش .. فريد انقذنى من الراجل ده ..
تسمرت حركته وازدرد ريقه بصعوبه وهو يراها تصرخ وتلكم بكل ما أوتيت من قوه ووجهها شاحب كالأموات ، بدء عقله بأستيعاب انها ليست بوعيها وانها بعالم اخر تماماً ، هتفت بأسمها متوسلاً :
-حياة انا هنا .. حبيبتى متخافيش انا معاكى .. محدش هيقدر يأذيكى انا اسف ..
ظلت تلكمه وهى تضغط على عينيها بشده رافضه ان تعود للواقع وهى تصرخ حتى بُح صوتها :
-فريد تعالى طلعتى من هنا انا مش عايزااااه ..
شعر بألالم ينتزع قلبه من كلماتها فأضاف هو بنبره باكيه وهو لايزال يتوسلها :
-حياة فوقى انتى هنا .. حبيبتى انتى معايا متخافيش .. مفيش حد معانا افتحى عينيك مش هعملك حاجه صدقينى .. افتحى عينيك وبصيلى انا هنا ..
بدءت شهقاتها فى الانخفاض وتوقفت عن لكمه ومقاومته فقد خارت قواها تماماً ثم فتحت عينيها الحمراء ببطء وهى تنظر إليه برعب جلى ، نظر إليها ملياً قبل ان يرتمى بجسده مره اخرى فوق جسدها ويدفن راسه فى تجويف عنقها ، رفعت كفيها المرتجفتين لتدفعه عندما شعرت بجسده يهتز فوق جسدها بقوه ثم بدءت تشعر بدموعه الساخنه تجرى فوق عنقها بشده ، تمتم من بين شهقاته وصوته المكتوم قائلاً بندم :
-انا اسف .. انا اسف ..
سقط كفيها المرفوعين لدفعه فوق ظهره بوهن ثم تحركا بتلقائيه نحو عنقه وكتفه تتلمسه برقه وبعد عده دقائق شعرت بأرتخاء جسده فوق جسدها وانتظام انفاسه التى تقع فوق عنقها ، اردات دفعه من فوق جسدها والهروب من الغرفه بأكملها لكنها خشيت اذا أصدرت اى حركه ان يستيقظ مره اخرى وهو لايزال مخموراً لذلك اثرت الهدوء تاركه لدموعها العنان ولجسده يسحق جسدها ، وعلى عكس ما توقعت فلقد تسللت حراره جسده إلى جسدها وسرعان ما ذهبت فى نوم عميق ودموعها لازالت فوق وجهها ، مثل حالته .
متى تخضعين لقلبى
الفصل الثامن
مرت الايام التاليه على فريد كالجحيم فترتيبات عمله من جهه وكلمات حياة التى كانت تطن داخل أذنه دون توقف من جهه اخرى ، اما أسوئهم فهو اضطراره إلى التعامل مع نوبات غضب حياة المتواصله ، التى لم تدخر جهد لأثاره غضبه بكل الطرق الممكنه الامر الذى تطلب منه اقصى درجات ضبط النفس حتى لا يصب جام غضبه عليها ، فهى كانت تتعمد استفزازه ومعاندته فى ابسط المواقف والامور ، لذلك قرر ان افضل حل هو تجاهلها وعدم الاحتكاك بها حتى يتخلص من اعباء عمله وعقوده التى تتطلب التجديد قبل ان يتفرغ لها ، فهو عاقد النيه وبقوه على اكتشاف ما اشارت إليه من كلمات خلال حديثهم الاخير ، اما غضبه ويأسه المتزايد فكان يتخلص منه من خلال موظفيه المساكين او داخل صالته الرياضيه او الاسوء من خلال ذلك المشروب الذى اصبح يلازمه بكثره خلال لياليه .
استيقظ فى صباح اليوم السابق لحفله التجديد بأرهاق ، فرك وجهه بقوه فلديه يوم عمل مملؤ وشاق ، اتجه اولاً نحو المرحاض ليأخذ دشاً سريعاً يعيد إليه نشاطه ثم هبط فوراً إلى غرفه مكتبه مقرراً على غير العاده ترتيب اوراق اجتماعه والذهاب إلى مقر الشركه قبل موعد الاجتماع مباشرة
اما عن حياة فقد ندمت على ما تفوهت به تلك الليله فهى تعلم فريد وتعلم انه لن يمر ما تفوهت به مرور الكرام لذلك آثرت الهرب ، اما عن طريق المكوث داخل غرفتها والخروج بعد التأكد من خروجه للعمل او بمهاجمته و اثاره حنقه اذا حدث بالخطأ وصادفته ،
بعد منتصف الظهيرة انتهى فريد من تدقيق اوراق اليوم ثم تمطى بأرهاق قبل ان يقرر جمع اوراقه والتحرك ، فى تلك الأثناء نظرت حياة فى ساعه يدها فوجدتها تجاوزت الثانيه عشر ظهراً والهدوء يعم المكان وعلى ذلك تستطيع التحرك بحريه فى غيابه ، ارتدت لباس رياضى ثم توجهت مباشرةً نحو الدرج ، صادفت فريد عند مدخل الخروج الذى تسمرت نظرته ما ان رأها ، فقد كانت ترتدى لباس رياضى رائع مزيج من اللونين الابيض والاسود يحتضن خصرها ويتناسب تماماً مع انحناءات جسدها وترفع شعرها الناعم لاعلى على هيئه ذيل حصان ثم تتركه ينساب بنعومه فوق كتفيها ، شعر بحراره جسده تزداد من ذلك المظهر العفوى والمثير للغايه ، توقفت هى فى منتصف الدرج بأرتباك لا تعلم ما الذى يجب عليها فعله فلقد رأها وقضى الامر وليس هناك اى سبيل للهروب او الركض لاعلى مره اخرى لذلك قررت استئناف طريقها كأنها لا تراه ، رفعت رأسها بكبرياء وهى تمر من جواره دون حديث ، زفر مطولاً عده مرات للتخلص من كم المشاعر الذى اجتاحته دفعه واحده فهو مزيج غريب ما بين الغضب والإرهاق والاثارة ، اوقفها صوته يسألها بنبره منخفضة قائلاً بجديه بعدما تجاوزته :
-حياة انتى رايحه فين ؟!..
توقفت عن سيرها بعنفوان ثم عادت خطوتين للخلف حتى تقف امامه قائله بتحدى وهى ترفع احدى حاجبيها :
-رايحه أتمشى شويه فى مانع ؟!!..
ضغط على شفتيه بقوه وأغمض عينيه لبُرهه قبل ان يفتحها ويجيبها محاولاً الحفاظ على هدوئه النسبى :
-لا مفيش .. بس خدى حد من الحرس معاكى وانتى خارجه ..
انهى جملته وهم بالخروج وهو ينظر فى ساعه يده فلديه يوم مشحون عندما أوقفه صوتها معترضه :
-انا مطلبتش حد يجى معايا انا عايزه أتمشى لوحدى مش حاجه عويصه والله !!! ..
توقف عن سيره وأطرق راسه للأسفل قبل ان يهزها عده مرات بشراسه ويمرر كفه داخل خصلات شعره ثم استدار لها بجسد متصلب قائلاً بنبره لا تحمل اى معنى للمزاح :
-حياة .. صدقينى الجدال النهارده بالذات مش فى مصلحتك خالص .. يا تاخدى حرس معاكى وانتى بره يا تستخدمى اوضه الجبم جوه !! انتهى .
ثم انهى جملته وتركها تحدق بغضب فى اثره ، تحرك هو نحو الحديقه ثم استدعى رئيس الحرس ينبهه بنبرته الآمرة :
-حياة متطلعش من الفيلا لوحدها سامع !! لو عرفت انها خطت خطوه واحده بره الفيلا لوحدها هيكون اخر يوم ليك بكل اللى معاك ..
انهى تهديده ثم تركه واتجهه نحو سيارته ليصعد بها ويصفق الباب خلفه بقوه وغضب .
بالطبع انتهزت حياة فرصه خروجه من المنزل قبل ان تقرر الاستمرار فى عنادها ، كانت على وشك الاقتراب من الباب الخارجى للفيلا عند اوقفها احد الحراس بجسده الضخم يسألها مستفسراً بأحترام :
-حياة هانم حضرتك رايحه فين ؟!..
رمقته حياة بنظره متشككه قبل ان تجيبه على مهل قائله :
-رايحه أتمشى !! ..
اومأ الحارس لها بخنوع قبل ان يجيبها قائلاً :
-تمام يا فندم اتفضلى حضرتك قدامى ..
سألته حياة وهى ترفز بنفاذ صبر :
-يلا فين !! انا بقولك عايزه أتمشى .. لوحددددى !!! .
هز الحارس رأسه لها ثانيا قبل ان يعقب على حديثها قائلاً :
-معلش يا فندم معندناش أوامر انك تخرجى لوحدك ..
زفرت حياة مره اخرى مطولاً وهى تضع يديها فى منتصف خصرها وتنظر حولها متأمله قبل ان تمتم بتفكير :
-خلاص خلاص مش عايزه حاجه هقعد فى الجنينه شويه ..
اخفض الحارس رأسه للمره الثالثه لتحييتها بصمت قبل ان يعاود ادراجه إلى موقعه دون ان يستدير بظهره لها
سارت حياة قليلاً متظاهره بتأمل الحديقه بأزهارها عندما لمحت سلم خشبى طويل ملقى بأهمال فى احد أركان الحديقه الجانبيه ،لمعت فكره ما داخل رأسها وابتسمت بخبث وهى تحدث نفسها داخلياً بتحدى قائله :
-ابقى ورينى هتمنعنى ازاى ..
ثم صفقت يديها معاً بسعاده قبل ان تحاول تحريك ذلك السلم لترفعه نحو السور ، أتمت مهمتها ونفضت يديها بزهو قبل ان تبدء فى تسلقه عندما شعرت بيد ما تقبض على قدميها من الاسفل ..
***********
فى مقر شركته كان فريد يجلس فى مقعده الوثير خلف مكتبه العريض يراجع بتركيز التعديلات الاخيره قبل توقيع الغد عندما صدع رنين هاتفه ليملئ الغرفه ، التقطه بهدوء ينظر فى شاشته قبل ان يعقد حاجبيه معاً ويجيب بجمود قائلاً :
-اتمنى تكون حاجه مهمه عشان تشغلنى بيها ..
صمت قليلاً يستمع بتركيز إلى الطرف الاخر ووجه يزداد عبوس ثم أردف قائلاً بنبره آمره :
-خليها عندك اوعى تخليها تطلع لحد ما اجيلك ..
رفع كفه ليفرك جبهته بأصبعه بأرهاق قبل ان يضيف بنبره تحذير خطيره :
-تمنعها من غير ما حد يلمسها فاهم !!! لو عرفت ان حد لمسها اقسم بالله هيكون اخر يوم فى عمره سامعنى !!! ..
ثم انهى مكالمته وانتفض من مقعده ملتقطاً مفاتيح سيارته وهو ينفخ بضيق وقد بدء غضبه يتصاعد من أعمالها الطفولية ثم خطى بخطوات واسعه نحو الخارج وهو يتمتم بعصبيه وحنق قائلاً :
-اه يا حياااة !!هشتغل ناظر مدرسه على اخر الزمن !!! ..
وصل فريد بعد دقائق فمقرعمله لا يبعد كثيراً عن منزله وهذا اهم ما يميزه ثم اندفع بسيارته مسرعاً عبر بوابه الفيلا الرئيسيه بعد ان قام بفتحها له متعجلاً الحارس الأمنى الخاص بها ، ولج إلى الداخل بغضب ساحقاً الممر الحجرى تحت اطارات سيارته ثم اوقفها فجأه فأصدرت فراملها صرير قوى جعل حياة التى كانت تقف على قرابه من المدخل تحاول الخروج تنتبه بكامل حواسها لقدومه
ترجل فريد من سيارته برشاقة وسرعه الفهد قبل ان يصفق باب السياره الامامى خلفه بهدوء تاركاً محركها لايزال هادراً ، توجهه نحوها على الفور والغضب يعلو قسمات وجهه وجسده المنتصب ، قبض بكفه على مرفقها يجرها نحو الداخل دون ان ينظر فى وجهها قائلاً بنبره عصبيه وصوت مكتوم وهو يضغط على شفتيه بقوه :
-تعالى ..
تلوت حياة بجسدها بين يديه تحاول الافلات منه وتحريره وهى تقول بحنق :
-سيب .. ااااه .. بقولك سيب ..
استمر فى طريقه جاذباً لها وهو لايزال يجرها خلفه دون الاهتمام بأعتراضها فاضافت وهى تزفر بضيق قائله بعصبيه :
-اه فريد بقولك سيب بتوجعنى ..
توقف عن السير بمجرد سماعه لجملتها ثم ابعد قبضته عن ذراعها دون ان تلين ملامحه او تحيد نظرته عن الطريق او حتى يحاول النظر إليها ، انتهزت هى فرصه تركه لها وركضت من خلفه نحو الخارج مره اخرى ، صدح صوت فريد بحنق وهو يهتف قائلاً بحنق :
-برافو حياااة .... حقيقى برافو !!! هجرى وراكى كمان فى سننا ده !!!.
وخلال خطوتين له استطاع القبض عليها ثم مال بجذعه للأمام نحوها ، وحاوط ركبتها بذراعه قبل ان يحملها فوق كتفه بغضب ويتحرك بها نحو الباب الداخلى للمنزل ثم قام بقرع جرس الباب الداخلى وهو يركله بقدمه بقوه ، ركضت مدبره منزله بخوف تسرع فى فتح الباب لمخدومها ، اتسعت عينيها بصدمه وهى تراه يحمل زوجته على ذلك النحو دون الاكتراث بوجود أشخاص حولهم ، تجاوزها فريد نحو الداخل مباشرهً ومنها إلى الدرج ليتسلقه ..
اما عن حياة فكانت تركل بقدميها فى الهواء فى محاوله بائسه منها للتخلص منه ثم صاحت معترضه بحنق وذهول قائله :
-نزلنى .. فرريييييييد بقولك نزلنننى ..
صدح صوته الجمهورى داخل ارجاء المنزل بنبره تهديد عاليه :
-حياااااااااااة !!!!! ..
اخذ نفساً عميقاً لم يهدئ من غضبه ثم أردف بنبره تهديد منخفضة :
-بلاش النهارده احسنلك .. بلاش النهارده عشان احنا الاتنين منندمش !! ..
توقفت عن الحركه واستكانت فوق كتفه بهدوء فنبره التهديد بصوته لا تحمل اى معنى للمزاح ابداً ، لوى فمه بابتسامه رضا رغماً عنه عندما توقفت عن محاولاتها فى مقاومته .
كانت عزه تراقب ما يحدث بينهم بوجه عابس والغيره تتأكلها داخلياً ، فكرت بحقد ما الذى ينقصها عنها حتى يكن لها كل ذلك الحب !!! فعلى العكس حياة ليست بنصف مقدار جمالها كما انها تطيعه منذ قدومها للمنزل وتسعى دائما لراحته، وضعت يدها داخل جيب ردائها لتخرج منه هاتفها المحمول بعدما اتخذت قرارها النهائى ، طلبت رقم ما ثم تحدثت بمجرد سماعها الطرف الاخر يجيب قائله بتصميم :
-ايوه يا بيه .. انا موافقه اعمل اللى قلت عليه خلاص ..
ثم اغلقت هاتفها وهى تتوعد لحياة .
وصل فريد إلى الطابق العلوى وتحديداً امام غرفتها ثم دلف لداخلها وهو لايزال يحمل حياة حتى وصل إلى الفراش ثم القاها فوقه بلا مبالاه قبل ان يعيد ترتيب ملابسه ويمرر يده داخل خصلات شعره قائلاً لها بتهديد وهو يشير إليها بأصبعه :
-متتحركيش من هنا لحد ما ارجعلك فاهمه !!! ..
انتفضت هى من الفراش بعصبيه ثم تحركت حتى وقفت امامه قائله بتحدى :
- لا مش فاهمه انا من حقى ......
حرك كلتا كفيه ليحاصر وجهها ويمنعها من الحركه ثم قطع جملتها بطبع قبله قويه فوق شفتيها ثم تركها وانصرف على الفور بعد ان اوصد الباب خلفه بالمفتاح من الخارج ،
تسمرت حياة فى مكانها من رد فعله الغير متوقع ولم يعيدها للواقع سوى صوت تكات المفتاح من الخارج ، ركضت فى اتجاهه فى محاوله بائسه لفتحه رغم انها تعلم جيداً عدم جدوى محاولتها قبل ان تطرق عليه بعنف هاتفه بأسم فريد بغضب :
-فريد افتح الباب ده !! انت بتهزررررر !! انت بجد هتحبسنى!! فريييييد !!!!! ..
لم تتلقى اى رد فعل منه لذلك توقفت قليلاً تلتقط انفاسها المتلاحقة قبل ان تركض نحو الباب المشترك بينهم ومنه إلى باب غرفته لفتحه والخروج منه ولكن هيهات ، فقد سبقها بتفكيره وأغلقه هو الاخر ، وقف فريد يبتسم بأنتصار ثم ركض إلى الاسفل مره اخرى مصادفاً عفاف فى طريقه للخارج ، توقف ليقول لها بنبرته الآمرة المعتاده :
-محدش يفتح لحياه لحد ما ارجع فاهمين !! ..
اؤمأت له برأسها موافقه على مضض قبل ان يختفى هو من امامها مستأنفاً طريقه نحو الخارج .
************
فى المساء عاد فريد إلى المنزل وهو يتنفس الصعداء بعد انتهاء جميع اعماله المتراكمة ، تحرك فوراً نحو غرفته لتبديل ملابسه وأخذ دشاً سريعاً قبل ان يتوجه نحو غرفه حياة ، طرق باب الغرفه المشترك بينهم وكان هو الوحيد الذى يستخدمه لذلك كانت تعلم حياة هويه الطارق ، تحركت نحو الباب لفتحه على مصرعيه تاركه له المجال للدخول قبل ان تستدير بجسدها عائده لتقف بحوار قائم الفراش بغضب
ظل فريد ينظر إليها متأملاً دون حديث مما اثار حفيظتها فتحدثت قائله وقد عاهدت نفسها فى الصباح على تجاهله تماماً :
- مفيش حاجه مهمه هنا عشان تفضل واقف باصلها كده !!!
التوت شفتيه بنصف ابتسامه ثم تحرك نحو خزانه الأدراج يتكأ بجسده عليها قائلاً بتسليه :
-يمكن بالنسبالك مفيش .. بس بالنسبالى انا حياتى كلها واقفه قدامى ..
لوت فمها بأستهزاء قبل ان تأخذ نفساً عميقاً وتعقد ذراعيها امام صدرها فى تأهب قائله بنبره عتاب حزبنه :
-فعلاً حياتك !! وعشان كده حبستنى زى القطط من غير ما تفكر مره واحده ان ممكن احتاج اخرج طول الساعات دى !! او الاسوء ان ممكن تحصلى حاجه جوه ومحدش يعرف عنى حاجه او حتى يوصلى !!! .. طبيعى ما هو ده فريد .. حاجه استعصت عليه فحارب لحد ما ضمها لمجموعته وبقت بتاعته !! حب امتلاك مش اكتر ..
توترت عضلات جسده وارتبكت ملامحه فأستقام فى وقفته واخرج يده من جيوب بنطاله وبدء يتقدم نحوها فى خطوات بطيئه واثقه تراجعت هى على اثرها حتى وجدت جسدها يرتطم بالحائط ، اقترب فريد منها ليحاصرها وانحنى برأسه نحوها فحال دون فرارها ثم أردف قائلاً بحنان :
-عارفه المشكله فين ؟!!.. المشكله هنا .
انهى جملته ثم مد احدى يديه ليحتضن كفها بنعومه ، نظرت إليه حياة بتوجس ونظرات حائرة وهو يحتضن يدها ويرفعها بهدوء حيث موضع قلبه مستطرداً حديثه بنبره حانيه وهو لا يزال محتفظاً بوضع كفه فوق كفها :
-ده اختارك من ساعه ما وصف حالته وانتى جنبه بأسمك .. حياة كامله بيعيشها بنظره او كلمه واحده تقوليها .. عايزه تشوفى ده تملك شوفيه .. بس انا متاكد انه حب وحب خالص .. وبالنسبالى كل حاجه متاحه فى الحب والحرب حتى لو انتى رفضتى ده ..
انهى جملته وهو يرفع كفها نحو فمه ويقبل باطن يدها عده قبلات رقيقه ناعمه ، ازدردت حياة لعابها بصعوبه بالغه وفتحت فمها عده مرات فى محاوله للرد عليه ولكن فى كل مره كانت تهرب منها كلماتها فلم تجد الجواب المناسب سوى انها اخفضت رأسها وضغطت على عينيها بقوه محاوله نفض كلماته من رأسها ثم سحب يدها من يده بهدوء ، انقذها بضع طرقات فوق الباب فتسائل فريد بصوت مكتوم وهو يضغط على شفتيه :
-ايوه .
اجابته مدبره منزله بهدوء قائله :
-فريد بيه العشا جاهز ..
أجابها وهو يرفع إصبعه ليضعه فوق ذقن حياة رافعاً رأسها إليه حتى يستطيع النظر داخل عينيها مباشرةً قائلاً بصوت أجش :
-تمام احنا نازلين ..
اوشكت حياة على الاعتراض ولكنها تراجعت فهى كانت تريد التخلص من وجوده بداخل حجرتها بأسرع وقت ممكن ، تحرك هو اولاً يفتح الباب قبل ان يتكأ بجسده عليه تاركاً لها حيز صغير للخروج منه ، توقفت هى امام الباب تسأله بهدوء :
-ممكن توعى عشان انزل ؟!..
رفع احدى حاجبيه مستنكراً قبل ان يجيبها بمرح قائلاً :
-ما تعدى وإنا منعك ؟!..
زفرت مطولاً ثم اجابته بنفاذ صبر قائله :
-هعدى ازاى وانت واقف كده مفيش مساحه اعدى منها ..
التوت فمه بنصف ابتسامه ثم اضاف يمازحها :
-والله المكان واسع وتقدرى تعدى الا لو انتى محرجه تقولى انك طخينه والمكان مش مكفيكى !! ..
نظرت له شرزاً قبل ان ترفع رأسها بتحدى وتمر من خلال الباب ، حاولت حياة بكل طاقتها الا تحتك به اثناء خروجها لتثبت له عدم صحه حديثه وقد وقعت فى فخه ، انتهز فريد الفرصه وضيق الفراغ اكثر بينهم فأحتك كامل جسدها بجسده ، شهقت بصدمه من تصرفه ورفعت رأسها تنظر إليه شرزاً فتفاجئت بأبتسامته العريضه العابسه التى استفزتها تملأ وجهه تمتمت بحنق واضح قائله:
-انت قليل الادب على فكره عشان انت متعمد ...
دوت ضحكته حولها بقوه قبل ان يضيف بسعاده قائلاً :
-امممممم فى تقدم .. ع الاقل مسمعتش بكرهك من كام يوم ..
ضربت حياة الارض بقدميها من شده الغيظ ثم ركضت نحو الدرج للأسفل وهى تمتم بكلمات غير مفهومه لم تلتقط أذنه منها سوى كلمه مغرور مما جعل ابتسامته تزاد سطوعاً وهو يتحرك فى اثرها .
************
فى الصباح التالى استيقظت حياة وهى تبتسم بأنتصار من امتثال فريد لرغبتها ، فاليوم هو ميعاد تلك الحفله المزعومه ولم يأتِ على ذكراها مره اخرى او يقم بأى تحضيرات استثانئيه لذلك هى بأمان ، تمطت بكسل ثم قفزت من فوق الفراش بسعاده وأغتسلت جيداً بالماء الدافئ لبدء يومها بنشاط قبل ان تهبط إلى الأسفل ، كانت على وشك الخروج عندما سمعت طرقات خفيفه فوق باب غرفتها الخارجى ، أجابت حياة الطارق بنبره ناعمه قائله :
-اتفضل الباب مفتوح ..
تفاجئت حياة بعزه تدلف إلى داخل الغرفه بملامح جامده وهى تحمل بكلتا يديها صندوق كبير مغلف بطريقه رائعه يتوسطه صندوق اصغر منه من نفس التغليف ، توجهت نحو الفراش مباشره لتضع ما تحمله يدها فوقه بحرص ثم تحدثت إلى حياة بنبره رسميه جافه :
-فريد بيه بعت دول عشان حضرتك وبيفكرك انه هيتحرك الساعه ٧ فتكونى جاهزه قبلها ..
هزت حياة رأسها عده مرات فى تصميم ، فهى لا تكشف لموظفته عن نيتها فى عدم الذهاب ، خرجت عزه وظلت حياة داخل غرفتها تجلس بهدوء فوق احد المقاعد مر الوقت سريعاً وحياة لازالت جالسه داخل غرفتها تضع ساق فوق الاخرى بكبرياء وتعبث بخصلات شعرها وهى عاقده النيه تماماً على مخالفه آمره ، وفى تمام الخامسه سمعت طرق اخر فوق الباب فظنت انها عزه مره اخرى اجابتها بهدوء :
-ادخلى يا عزه ..
فتح الباب وتفاجئت بفريد يطل من خلفه ينظر إليها مطولاً ثم يقول بفم متقوس :
-امممم .. كنت متوقع ..
انتقضت حياة من مجلسها بارتباك ولكن سرعان ما تمالكت نفسها ورفعت راسها بتحدى منتظره رد فعله التالى ، تقدم فريد نحوها ببطء وهو يبتسم ابتسامه عابثه حتى توقف امامها ثم انحنى بجزعه فجاه امامها ووضع ذراعه فوق ركبتها والأخرى خلف خصرها ليحملها فى اقل من ثانيه ،لم تعى حياة ما قام به الا بعد ان وجدت نفسها داخل احضانه ، شهقت مصدومه وهى تحاول التخلص منه وتعترض عن فعلته بذهول قائله :
-فريد !!! انت بتعمل ايه نزلنى ..
أجابها بمرح وهو يتحرك بها نحو غرفته :
-ولا حاجه مش انا قلتلك فرصه البسك بأيدى وانا راجل مبعرفش أفوت فرصه تيجى قدامى وخصوصاً لو زى ده ..
ركلت حياة بقدميها فى الهواء محاوله التخلص منه فحدثها فريد :
-لو فضلتى تتحركى كده هسيبك تقعى على فكره ..
لم تهتم بتهديده بل ظلت تركل بقدمها فأرخى فريد قبضته من حولها فبدء جسدها ينزلق للأسفل ، شهقت حياة برعب وهى تلف كلتا ذراعيها حول عنقه لتتشبث به وتدفن رأسها داخل تجويف عنقه متمته برعب :
-فريد الحقينى هقع ..
دوت ضحكته عالياً ثم انزلها على قدميها وهى لاتزال متشبثه به ، تنهد بحراره وهو ينظر إليها مطولاً وقد تبدلت ملامحه كلياً ثم أجابها بصوت أجش وعيون داكنه :
-عمرى .. طول مانا جنبك عمرى ما اسيبك تقعى ..
شعرت بحراره جسدها تزداد من شده توترها فهى لا تصدق انها هى من تمسكت به فابتعدت عنه على الفور قائله بخنوع للهروب من ذلك الموقف المحرج :
-ممكن تسيبنى بقى عشان اروح البس ..
هز رأسه لها موافقاً وهو لا يزال يبتسم لها بعمق فمنذ أعوام طويله يشعر ان هناك امل ..
************
عادت حياة إلى غرفتها مره اخرى وقامت بفتح ذلك المغلف الموضوع فوق فراشها بعنايه ثم شهقت بأعجاب وهى تقوم بأخراج ذلك الفستان الرائع بقماشه المخملى الناعم من اللون الاحمر
رفعته ووضعته فوق جسدها وظلت تدور به عده مرات برشاقة وانبهار تام ثم سارعت فى ارتدائه .
انتهى فريد من ارتداء ملابسه ونزل إلى الاسفل ليقوم بأجراء عده مكالمات هاتفيه اخيره قبل انطلاقه ، انهى حديثه وظل ينظر نحو الدرج بتأفف منتظراً قدومها فالساعه اوشكت على السابعه ، بعد قليل شعر برائحتها الخلايه تغزو المكان من حوله ، رفع رأسه لاعلى وقد تسمرت نظرته واتسعت عينيه بأنبهار وتسارعت انفاسه بسبب الشعور الذى اجتاحه من رؤيتها ، كانت تهبط الدرج بكل ثقه وهى ترتدى ذلك الفستان الحريرى الذى يتلائم تماماً وبشده مع تقاسيم جسدها المغريه ثم ينساب من فوق خصرها بنعومه واتساع إلى الاسفل وحذاء قطيفى اسود اللون يماثله فى النعومه والجمال ، كان كل ذلك من اختيار فريد ولكنه لم يتوقع ان تهرب منه كلماته عند رؤيتها بتلك الصوره المدمره امامه ، أنها تبدو كالفاكهه المحرمه بالنسبه إليه فقط لا يستطيع سوى النظر إليها ولكن دون لمسها ، تحركت هى حتى وقفت امامه وتمتمت برقه قائله :
-انا جاهزه لو خلاص ممكن نتحرك ..
لم يكن ينقصه سوى هذا التحول الكامل فى صوتها وسلوكها أيضاً حتى تنهار دفاعاته ، رفع رأسه للاعلى حتى برزت تفاحه ادم خاصته بشكل قوى ثم تنهد بحراره بعد ان ازدرد ريقه بصعوبه بالغه قائلاً بصوت مكتوم من شده الإثارة :
-طب اعمل ايه دلوقتى ؟!.. ياريتنى ما كنت صممت عليه ..
سألته حياة مستفسره :
-فريد فى حاجه ؟!..
تنحنح عده مرات محاولاً السيطره على مشاعره قبل ان يجيبها قائلاً :
-لا مفيش .. يلا نتحرك عشان منتأخرش ..
حرك يده ليحتضن كفها ولكنها تراجعت للخلف قليلاً بأرتباك فتراجع هو عن حركته وأشار لها بيده لتتقدمه فى الخروج ثم سار بجوارها كلاً غارقاً فى تفكير مختلف عن الاخر .
متى تخضعين لقلبى
الفصل التاسع
مضت الايام الثلاث التاليه على فريد فى محاولات مميته للاعتذار من حياة ولكن ذهبت جميع محاولاته ادراج الرياح فقد تحولت إلى حياة اخرى لا يعرفها ، حياة خاضعه ، كانت تشاركه جميع وجباته وتستمع إلى جميع اوامره بصمت ، وكان اقصى رد فعل يصدر منها رداً على اعتذاره او حديثه هو ايماءه خفيفه من رأسها او نظره عتب ممزوجه بالكثير من الحزن ثم تمضى فى طريقها كأنها مُغيبه ، شعر كأنه يحارب على ثلاث جبهات ، شعوره المضنى بالذنب عما بدر منه فى تلك الليله ، وحزنه الشديد على حالتها التى اوشكت على دفعه للجنون ، اما اسوئهم فكان ذلك البركان الذى يشتعل بداخله عندما يتذكر ما تفوهت به اثناء رعبها منه ، كانت كلماتها واضحه لا تحتاج إلى تفسير ، كان يحترق بناره كطائر العنقاء ويتحول إلى رماد قبل ان ينبعث مره اخرى من رماده ليعيد الكره ، مئات الاسئله التى تدور فى عقله يومياً دون اجابه ، ما الذى فعلوه بها اثناء غيابه !! اقسم لنفسه بكل ما يملك وما لا يملك اذا كانت شكوكه صحيحه سيقوم بحرق من أذاها حياً حتى يهدء تلك النار التى تستعر بصدره ولكن اولاً ينتظر خروجها من تلك الحاله اللعينه ويضع حلاً لذلك اللغز ثم ليأتى وقت الحساب .
*********
فى احد الايام كانت حياة وكعادتها فى الايام السابقه تستغل فرصه خروج فريد وعودته متأخراً فى استخدام غرفه مكتبه للقرءاه ولم تدرى سبب شعورها بالراحه بداخلها ولكنها كانت تفضل المكوث بها عن غرفتها ، جلست فوق الاريكه الوثيره الموضوعه بعنايه فى جانب الغرفه وأشغلت ضوء المصباح الخافت و سرحت داخل تفاصيل تلك القصه التى تتحدث عن بطل يحاول بشتى الطرق اكتشاف نفسه بعد ان قضى نصف حياته مع زوجه لا تفهمه ووظيفه تقتل شغفه ، تثابئت عده مرات قبل ان تذهب فى نوم عميق وهى تحتضن الروايه بين ذراعيها كأنها كنز ثمين .
عاد فريد فى وقت متأخر من الليل وتوجهه مباشرة نحو غرفه مكتبه ليضع بخزنته بعد الاوراق الهامه ، دلف إلى داخل الغرفه وتفاجئ بنور خفيض يأتى من احد أركانها ، رمش بعينه عده مرات قبل ان يستوعب وجود حياة تنام منكمشه داخل الاريكه وهى تحتضن كتاب ما بين ذراعيها ، وضع حافظه اوراقه فوق مكتبه بهدوء ثم توجهه نحوها وانحنى بجزعه فوقها يزيح احدى خصلات شعرها حتى يتسنى له رؤيه قسمات وجهها الناعم ، كانت مستلقيه هناك بهدوء تمثل كل ما لديه من احلام ، عدل من وضع جسده ثم جلس على ركبتيه حتى يصبح فى نفس مستواها ويمتع عينيه برؤيتها ، زفر مطولاً وهو يفكر كم يتمنى لو كان بديلاً لذلك الكتاب الذى يقبع هناك قريياً جداً من قلبها ويستمع إلى دقاته ، فليس من العدل ان ينعم ذلك الكتاب بدفء جسدها بينما هو يظل وحيداً يعصف به الشوق والغيره من مجرد جماد ، تنهد بألم ثم مد كفه ببطء يتلمس برقه وجنتها ثم انزلقت يده نحو شفتيها الناعمه يتحسسها بشغف قبل ان يهتف بأسمها هامساً بنبره حانيه وهو يهز جسدها بنعومه:
-حياة ..
حركت جفونها ببطء تفتحها وهى تنظر إليه بعدم استيعاب ثم انتفضت من مقعدها برعب وهى تحتضن جسدها بكلتا ذراعيها وتقف فى مواجهته بملامح ناعسه ، حاول فريد طمأنتها فتحدث مسرعاً وهو يرفع كلتا يديه فى وجهها باستسلام قائلاً بصوت أجش ناعم لا يزيد عن الهمس :
-متخافيش .. انا بس دخلت الاوضه لقيتك نايمه هنا قلت اصحيكى ..
تنهدت براحه ثم لانت قسمات وجهها قبل ان تتحدث بصوت هادئ مبرره تصرفها :
-انا كنت قاعده هنا بقرا كتاب وبعدين محستش بنفسى ومعرفش ازاى نمت ..
هز رأسه لها عده مرات وهو يحرك جسده بتوتر واضعاً يده داخل جيوب بنطاله ، تحركت بجسدها بهدوء فى اتجاه الباب عندما اوقفها صوته يسألها قائلاً بحزن :
-حياة !!! ..
التفت بجسدها تنظر إليه ببطء ثم شاحت بنظرها بعيداً عنه ، تنهد هو مطولاً وتقوس فمه ثم اضاف بأحباط متسائلاً :
- انتى هتفضلى ساكته كده لامتى ؟!..
لوت فمها بتهكم مرير ولم تعقب على حديثه وهى تحرك راسها جانباً وتخفض نظرها ، تنهد هو بألم ثم استطرد حديثه قائلاً بيأس :
-انا عارف انك زعلانه منى ومفيش كلام ممكن ادافع بيه عن نفسى بس على الاقل قولى اى حاجه .. اصرخى .. زعقى ..
رفعت رأسها مره اخرى تنظر إليه ثم أبعدتها عنه مره اخرى ، رفع رأسه لاعلى قليلاً وزفر عده مرات قبل ان يضيف بنبره شبهه حاده مملؤءه باليأس قائلاً :
-حياة !! انا عمرى ما شفتك كده !! قولى اى حاجه !! مش دى حياة اللى انا اعرفها !!!..
اقتربت منه ببطء وهدوء وهى تنظر إليه بعيون لامعه حتى توقفت امامه ثم سألته بصوت منكسر :
-انت عايز حياة ازاى ؟! ..
أجابها بأندفاع وقد بدءت تتجاوب معه :
-عايز حياة اللى اعرفها !! اللى بتعاند معايا !! اللى بتصمم تعمل اللى هى عايزاه .. اللى زى موج البحر قويه وبتاخد اى حاجه فى طريقها ..
أصدرت صوت من فمها ينم عن السخريه وهى تلوى فمها بسخريه ثم اجابته بعدما ازدرت لعابها وحاولت السيطره على ارتجاف شفتها السفليه وصوتها الملئ بالدموع :
-حياة خلاص انت عرفتها مقامها وقوتها كويس .. عرفت انها مهما كانت قويه بحركه واحده منك تقدر تغلبها ..
رفعت كلتا ذراعيها تلوح بهم فى الهواء وهى تضيف بمراره :
-عشان كده انا قدامك .. بسمع كل الكلام .. باكل زى ما تحب .. وبنام وقت مانت تحب .. ومش بتحرك غير لما انت تحب .. بأختصار كده بعمل كل حاجه زى مانت عايزها !!
صمتت قليلاً بسبب دموعها التى اوشكت على الانهيار ثم اضافت بصوت متحشرج :
-فاضل حاجه واحده بس اعملها عشان ابقى الزوجه المطيعة المثاليه .. نكمل اللى انت بدءته يوم الخميس .. ومتخفش المره دى مش هيطلعلى حتى صوت ..
انهت جملتها وبدءت تحل آزار قميصها وهى تبكى بصمت
صرخ بها فريد بقوه وهو يمد كفه يغلق آزار ردائها قائلاً :
-حياة !! حيااااة متعمليش كده !! قلتلك انى اسف !! اعمل ايه عشان تسامحينى !! انا كنت شارب ومش حاسس بحاجه !! وعد مش هشرب تانى بس متعمليش كده !.. فوقى بقى حرام عليكى !!..
ابتلعت لعابها بقوه ثم اجابته من بين دموعها قائله:
-عارف المشكله كلها فين ؟!.. انى كل ما افرد جناحى عشان أطير يجى حد يقصه .. لحد ما صدقنى كرهت الطيران .. فاطمن انا بقيت هنا تحت طوعك ..
انهت جملتها ثم تحركت بخطوات ثقيله بإكتاف متهدله نحو الخارج .
************
فى الصباح التالى كانت نجوى تجلس فى احد الكافيهات تتحدث هاتفياً إلى رجل ما ، سألته بترقب قائله :
-ها خلصت معاها ؟!!..
أجابها الرجل بثقه :
-ايوه يا هانم اتفقت وكله تمام ..
سألته نجوى مره اخرى بقلق :
-متأكد انها هتعرف تنفذ ولا هتلخبط وتبوظ كل ترتيبى ؟!
أجابها الرجل بنبره فخر :
-اطمنى يا سيرين هانم كله تحت السيطره .. شكلها كده كانت واقعه وما صدقت ..
صمت الرجل قليلاً ثم اضاف متسائلاً :
-بس حضرتك مقلتليش وقعتى عليها ازاى دى ؟!..
اجابتها نجوى بحده :
-مش شغلك المهم انك اتفقت معاها وهتعمل اللى انا عايزاه غير كده ملكش ..
اجابها الرجل مسرعاً :
-خلاص يا هانم ميبقاش خلقك ضيق كده .. انا مليش فيه المهم انى هقبض ..
لوت نجوى فمها بضيق ثم اجابته بحنق :
-متخافش هتاخد نص فلوسك قبل ما تنفذ والنص التانى بعد التنفيذ على طول ..
سألها الرجل بتلهف :
-يعنى هشوف حضرتك امتى ؟؟!..
اجابته نجوى بخبث :
-لا يا حلووو متفقناش على كده .. هبعتلك حد يسلمك ولا عايز لو الدنيا خربت رجلى تتجاب !!!
اجابها الرجل بثقه وثبات :
-متخافيش يا سيرين هانم كل حاجه هتبقى تمام وهشرفك ..
اجابته نجوى بنفاذ صبر :
-لما نشوف ..وزى ما نبهتك مش عايزه موووت .. عايزاها قرصه ودن وبس فاهمنى ؟!!..
اجابها الرجل بأعتراض :
-لييييه بس يا هانم ؟!!! ما تخلينا نخلص مره واحده ..
اتسعت عينى نجوى وهى تجيبه بشراسه قائله :
-اسمع اللى بقولك عليه وتنفذ وبس ..عايزاها قرصه ودن بس تكون تقيله .. حاجه حلوه كده .. والباقى هيجى فى وقته ..
اجابها الرجل موافقاً على مضض :
-اللى حضرتك تؤمرى بيه يمشى .. انا المهم عندى الفلوس ..
اجابته نجوى بنفاذ صبر :
-مفهوم مفهوم .. اقفل وهكلمك تانى نتفق على ميعاد التسليم والتنفيذ ..
اغلقت الهاتف وهى تبتسم بشراسه وتقول بحقد :
-نبقى نشوف يا فريد بيه هتعمل ايه مع ست الحسن بتاعتك ..
***********
فى الصباح التالى ورد إلى فريد اتصال هاتقى متعلق بالعمل يضطره إلى السفر بأقصى سرعه لذلك طلب من السيده عفاف بتحضير حقيبه سفره من اجله وكان يعهد إليها دائماً بتلك المهمه دون غيرها ، انتهى سريعاً من جميع الترتيبات وتبقى لديه مهمه اخبار حياة مع علمه جيداً بعدم اهتمامها بتلك المعلومه ولكنه داخلياً كان يتخذها حجه للتحدث معها ، لذلك توجه نحو باب غرفتها الرئيسيه وطرق فوق الباب طرقاً خفيفاً ، جاءه صوتها الناعم يطلبه بالدخول ، دلف ببطء وتوجس فتلك المره الاولى اللى يدخل غرفتها منذ تلك الليله ، تفاجئت هى بوجوده وتعجبت من عدم استخدامه للباب المشترك بينهم ولكنها اثرت الصمت وعدم التعليق وانتظرت ان يبدء حديثه ، تنحنح هو قائلاً :
-احم .. حياة انا عندى سفر هغيب فيه كذا يوم ..
صمت قليلاً وتقوس فمه بأحباط ثم اضاف بتهكم مرير :
-انا عارف طبعا انه مش مهم بالنسبالك بس كان لازم أبلغك .. وياريت لو سمحتى مش تحكم لو حبيتى تخرجى يكون معاكى الحرس .. ده لامانك ..
انهى جملته ثم توجهه نحو المنضده الموضوعه فى احد أركان الغرفه وانحنى بجذعه يضع شئ ما فضى يلمع بخفوت بعدما اخرجه من احد جيوب بنطاله ، رفعت حياة احدى حاجبيها بأستنكار ثم سألته بنبره حاده قائله :
-ايه ده بالظبط ؟!!..
اجابها بأبتسامه خافته :
-ده مفتاح الاحتياطى اللى كان معايا.......
ابتلع ما تبقى من جملته داخل فمه وأشار بنظره بعيداً عنها ، تحركت هى بعنف نحو المفتاح والتقطته بحده ثم توجهت نحو النافذه وقامت بألقاءه من اعلى ثم عادت تنظر إليه شرزاً وهى تعقد ذراعيها امام قفصها الصدرى وتتقدم نحوه بثبات قائله بحنق:
-على اساس انه ده هيمنعك !!! ولا المطلوب منى دلوقتى انى اسقفلك على تضحياتك البطوليه دى !!! ..
انهت جملتها وصدرها يعلو ويهبط من شده الغضب وترميه بشرر ، اتسعت ابتسامته وهو ينظر إليها إذاً لقد عادت فرسته لتمردها ، تقدم منها بضع خطوات ورفع كفيه ليحيطا براسها ويمنعها من المقاومه ثم تمتم بسعاده قائلاً :
-وحشتينى ..
انهى كلمته وهو يطبع قبله حنونه فوق شعرها وانصرف فى طريقه تاركها تشعر بالغضب والارتباك من تصرفه ..
**********
مضت الايام التاليه على حياة بسلام وسعاده نسبيه فقد تمت إجراءات سفر اخيها على خير وقامت بتوديعه بمشاعر ممزقه ما بين الراحه من ابعاده عن الحرب القائمه بينها وبين فريد وبين الحزن من حرمانها من حضن كان ينشر بعض الدفء فى حياتها البارده ، اما ما تبقى من ايامها فكانت هادئه إلى حد الملل فى بعض الأحيان وفقط من باب الفضول كانت تتسائل عن موعد عودته وهذا فقط بسبب فضولها المتزايد وأخذ احتياطاتها وليس الا ولكنها كانت تتراجع ففى النهايه لن تسأل موظفيه عند موعد عودته .
دلفت حياة إلى المطبخ فتعثرت فى عزه التى كانت تخرج منه على عجل وتظهرعلى ملامح وجهها الارتباك ، نظرت إليها بأستنكار وهى تمد شفتيها من تصرفها الغير مفهوم ثم سألت السيده عفاف بفضول وهى تجلس فوق احد المقاعد قائله :
-هى مالها ؟!..
اجابتها عفاف وتركيزها منصب على ترتيب بعض الصحون امامها وهى تهز كتفيها بعدم اهتمام قائله :
-مش عارفه .. تلاقى طليقها عمل حاجه جديده ..
سألتها حياة بأندهاش :
-طليقها ؟!!..
استحوذت حياة بسؤالها ذلك على انتباه عفاف الكامل فتركت ما كانت تقوم به ورفعت رأسها تنظر إليها بأستنكار مكرره :
-ايوه طليقها !!.. هو فريد بيه مقالكيش ؟!..
حاولت حياة اخفاء ارتباكها وقالت بنبره حاولت قدر الإمكان إظهارها طبيعيه :
-لا فريد مش بيحب يتكلم عن حياة الناس الخاصه كتير ..
هزت عفاف رأسها بأستحسان ثم بدءت تسرد حكايتها بحماس كأنه سر من اسرار الدوله :
-اصل طليق عزه اصلا كان شغال عند فريد بيه فى الشركه وكان بيضربها علقه موت لحد ما فى يوم ضربها وبهدل وشها خالص وراحت تزوره فى شغله وعملتله مشكله صادفت خروج فريد بيه ساعتها من الشغل وسمع اللى حصل بينهم .. اتجنن ورفده على طول وعالجها على حساب الشركه وجابها هنا تشتغل بعد ما سألها عايزه تكمل معاه ولا تنفصل وصممت تسيبه .. ومن ساعتها فريد بيه اصدر قرار فى كل شركاته لو اكتشف ان اى حد بيضرب مراته هيترفد فوراً وكل مستحقاته هتروح للزوجه ..
فغر فاه حياة بأندهاش مما سمعته للتو ثم سألتها بأستنكار حسن قائله :
-فريد عمل كده فعلاً ؟!..
اجابتها عفاف بأعجاب وحماسه :
-اه والله انتى مش متخيله الستات بتدعيله قد ايه .. بس من ساعتها وعزه ماشيه تقول ده عمل كل ده عشانى ..
لوت حياة فمها بسخريه وهى تمتم لنفسها قائله :
-لا هو عمل كده عشان ماما رحاب ..
سألتها عفاف مستفسره :
-حضرتك بتقولى حاجه مسمعتش ؟!...
اجابتها حياة بعدم تركيز :
-لا مفيش حاجه .. بقولك ايه يا دادا بما ان مفيش غيرى خدوا النهارده اجازه كلكم وغيروا جو ..
وافقت عفاف على مضض وهى تسالها باهتمام :
-طب هعمل لحضرتك الغدا الاول وامشى ..
اجابتها حياة معترضه :
-لا مش مشكله هطلب من عزه تعملى اوردر من بره وبعد كده تروح هى كمان .. اتفضلى انتى ومتشغليش بالك ..
ابتسمت لها عفاف بحب وهى تتحرك نحو الخارج وتدعوا لها بالسعاده وصلاح البال .
بعد حوالى ساعه خرجت عزه من الباب الخارجى للفيلا وقامت بإخراج هاتفها الجوال بعدما ابتعدت قليلاً عن مجال كاميرات المراقبه ثم تحدثت للطرف الاخر مسرعه :
-ايوه يا بيه .. اسمعنى حضرتك .. النهارده الهانم عطت للبيت كله اجازه وطلبت منى اطلبها اكل جاهز .. دى فرصتنا عشان ننفذ ..
صمتت قليلاً ثم استطردت حديثها قائله بلهفه :
-ايوه انا طلبتلها من مكان ***** اتصرف بقى وخلى بالك الفيلا حواليها كاميرات .. انا كده عملت اللى عليا هظبطلك الدنيا وانت عليك تكمل الباقى ..
بعد اقل ما يقارب الساعه اقترب عامل التوصيل بأرتباك جلى من احد حراس الفيلا الداخليين وقام بأعطائه اكياس الطعام ثم انهى حسابه وانصرف ، ترجل من الفيلا على عجل ثم قام بأتصال هاتفى بعدما قام بتبديل زى المطعم المشهور الذى تنكر به ، اجابه الرجل على الطرف الاخر بلهفه قائلاً :
-ها خلاص خلصت ؟!!..
اجابه الراجل ٢:
-ايوه يا بيه كل حاجه زى ما طلبت بالظبط .. استنيت الولد بتاع الدليفرى واتعاملت معاه على انى من عمال الفيلا وحاسبته بزياده وبعدها غيرت هدومى ودخلت سلمتهم الاكل بعد ما حطيت فيه السم زى ما حضرتك طلبت ..
أنصت الرجل ١ جيداً يستمع إلى حديثه ثم اجابه بسعاده :
-برافو عليك با واد يا على .. تطير بقى علي المكان بتاعنا عشان تستلم باقى حسابك ..
ابتسم على بسعاده وهو يجيبه :
-هوا يا باشا وأكون عندك ..
انهى الرجل ١ محادثته ثم عبث بهاتفه ليجرى مكالمه اخرى :
-ايوه با سيرين هانم .. كل حاجه تمت زى ما طلبتى وزمانها دلوقتى بدءت تاكل منه وربنا يتولاها بقى ..
اجابته نجوى بتشفى قائله :
-انت متأكد ؟!.. طب واهم حاجه زى ما نبهت عليك ميكنش بيموت مش دلوقتى عايزه عاهه بس ..
اجابها الرجل بثقه :
-ايوه يا هانم متخافيش .. انا اخترت حاجه بتاعه فران خفيفه كده تعمل كل اللى قلتى عليه بس من غير ما تموت ..
اجابته نجوى بحقد :
-برافو عليك .. باقى حسابك هبعتهولك دلوقتى زى المره اللى فاتت وزى ما اتفقنا لا انا اعرفك ولا انت كلمتنى ..
اجابها الرجل بحماس :
-مفهوم مفهوم .. كل اللى حضرتك تؤمرى بيه ..
اغلقت الهاتف معه وهى تبتسم بشراسه ثم اخرجت بطاقه الاتصال من هاتفها وقامت بتحطيمها بعدما أرسلت رساله نصيه اخيره وهى تردد بخبث :
-وكده لو اتكشفت ولا هتعرف توصلى ..
**********
انهت حياة تناول طعامها وبعد قليل بدءت تشعر بوخز قوى داخل معدتها ارجعت ذلك إلى بدء تغيير الفصول وبروده الجو لذلك قررت الصعود إلى غرفتها وارتداء ملابس ثقيله نوعاً ما ، بدلت ملابسها بتيشرت اخر واستلقت فوق الفراش بتعب ولم تدرى متى غلبها النوم
استيقظت بعد عده ساعات وهى تشعر بصداع نصفى مع دوار شديد وألم مزمن داخل معدتها ، حاولت التحرك من الفراش والذهاب إلى المرحاض ولكنها شعرت بتشنج قوى داخل ساقيها يمنعاها من الحركه .
فى تلك الأثناء كان فريد ينهى إجراءات خروجه من المطار ، اخذ اوراقه وشنطة ملابسه ثم تحرك نحو الخارج حيث وجد سائقه فى استقباله ، ركض السائق نحوه يأخذ منه حقيبته ليضعها بداخل صندوق السياره ثم سأله بأحترام بعدما صعد إلىها مستفسراً :
-فريد بيه حضرتك تحب تروح على البيت ولا الشركه ؟!..
فرك فريد جبهته بأصبعه من شده الارهاق ثم اجابه متمتاً بتعب :
-خلينا نطلع على الشركه الاول أمضى الاوراق المتأخرة دى وبعدها نطلع على البيت ..
اومأ السائق رأسه موافقاً بهدوء ثم شرع فى طريقه ..
فى منتصف الطريق تذكر فريد انه لم يعيد تشغيل جواله منذ هبوطه من الطائره لذلك اخرجه من جيب قميصه بنفاذ صبر ثم قام باعاده تشغيله عندها رن هاتفه عده مرات معلناً عن وصول عده رسائل جديده ، فتحه فريد ليقرء عدد من الرسائل النصيه قبل ان تقع عينه على رساله قصيره مفادها كالاتى ..
"فريد بيه .. لما توصل بيتك بالسلامه هتلاقى هديه صغيره عشان جوازاك .. معلش هى متأخره شويه بس احسن من مفيش "
ثم انتهت الرساله بوجهه ضاحك بغمزه .
اتقبض صدر فريد بقوه وصاح بسائقه يأمره بالتوجهه إلى منزله بأسرع وقت ممكن ، عبث بهاتفه وحاول الاتصال بحياة ولكن دون جدوى ، انهى المكالمه بنفاذ صبر وقد بدء قلقه يزداد ، حاول الاتصال بمن معها فى المنزل فكان هاتف عزه مغلق وعفاف لا تجيب ، قام بأتصال هاتفى اخر لكبير حراسه يسأله بلهفه :
-حياة هانم فين ؟!..
اجابه الحارس بهدوء :
-حياة هانم فى الفيلا جوه ..
اجابه فريد بعصبيه قائلاً :
-ادخل شوفهالى وانا معاك على الخط ..
تحرك الحارس يفعل ما يأمره به رئيسه وظل يطرق على الباب ويقرع الجرس ولكن دون اجابه ، كان فريد يستمع إلى محاولاته والرعب يزداد بداخله ، صرخ به بيأس متسائلاً :
-فين الناس اللى جوه راحوا فين ؟!..
اجابه الحارس بخنوع :
-يا فندم مفيش حد حياة هانم عطتهم كلهم اجازه النهارده ومفيش حد غيرها جوه ..
صمت الحارس قليلاً ثم استطرد حديثه قائلاً وقد شعر بقلق رئيسه :
-لو حضرتك حابب انا ممكن اكسر الباب واطمنك ..
كان هذا اكثر ما يريده فريد فى تلك اللحظه ولكنه خشى ان يقتحم عليها شخص غريب خلوتها اذا كانت بخير لذلك تراجع قائلاً بعصبيه :
-متعملش حاجه بس خليك مركز وانا ربع ساعه وأكون عندك ..
اغلق هاتفه ثم صاح بسائقه بتوتر طالباً منه ان يوصله بأقصى سرعه ممكنه .
شعرت حياة بتشنجات قويه فى كافه أنحاء جسدها وأصبحت الرؤيه ضبابيه امامها مع جفاف تمام فى حلقها ، مدت يدها بيأس تتلمس الطاوله الموضوعه بجانب الفراش لتصل لهاتفها وتحاول طلب المساعده ولم تجده ، تذكرت بعده عده دقائق من محاولاتها البطيئة لإيجاده انها تركته فى الاسفل فوق طاوله الطعام ، اذا لم يكن امامها حل سوى ان تتحرك للأسفل لإيجاده او لطلب المساعده ممن هم فى الخارج ، حاولت بعد عده محاولات فاشله بسبب تشنجات جسدها وساقيها النزول من فوق الفراش والتحرك نحو الخارج ، استندت بيدها على احد الكراسى الموضوع تتلمس طريقها للخارج فالرؤية مع مرور الوقت تصبح ضبابيه اكثر فإكثر وتشعر معها بصعوبه بالغه فى الحركه والتنفس ، استغرق الوقت منها اكثر من ربع ساعه للوصول إلى خارج الغرفه بسبب تشنجات يدها وساقيها ، حاولت دعم ثقل جسدها الذى أوشك على الانهيار بالاستناد على الحائط الخارجى للباب والتحرك ببطء نحو الدرج لتتمسك به ، وصلت إلى منتصف درابزين الدرج المقابل لجناحهم بعد عناء كبير وتمسكت به بقوه عندها شعرت بسائل ما ثقيل و لزج يخرج من فتحه انفها اليسرى مدت يدها تتلمسه ثم رفعتها قريب من وجهها لترى سائل احمر اللون يملئ كفها ، اغمضت عينيها قليلاً تحاول السيطره على دموعها التى كانت تنهمر من شده ألمها وإحساسها بالعجز ، هاجمها دوار اخر اقوى وأشد لذلك اخذت نفس عميق لمحاربه احساسها بفقدان الوعى .
**************
وصل فريد إلى داخل الحديقه وترجل من السياره راكضاً نحو الباب الداخلى للمنزل ومنه إلى الداخل ، صرخ بإسمها عده مرات وهو يركض ويبحث عنها بعينيه قبل ان يرفع راسه ويقع نظره عليها تقف فى الاعلى متمسكه بدرابزين الدرج وجسدها منحنى فوقه ، اتقبض صدره وتعالت دقات قلبه فمظهرها لا يبشر بخير، ركض إلى الاعلى وهو لا يزال يهتف بأسمها بلهفه وذعر ، جاءها صوته بعيداً فظنت انها تتخيل رجوعه ، هزت رأسها بوهن عده مرات رافضه ثم فتحت عينيها مره اخرى تحاول استكمال طريقها عندما لمحت جسد ما يتحرك نحوها وهو يهتف بأسمها برعب ، مدت يدها فى محاوله ضعيفه منها للإمساك به وهى تتمتم بأسمه هامسه :
-فريد !!!!
وصل إليها وأمسك بيدها الممدودة بقوه وهو يسالها برعب جلى :
-حياة !!! حبيبتى انتى كويسه ..
تركت يدها الدرابزين وحركت جسدها المتعب وهى تترنح بشده لتقف امامه ثم رفعت رأسها تنظر إليه قائله بخفوت ووجهها شاحب كالأموات :
-فريد انت هنا ؟!! انت جيت صح ..
انهت سؤالها ولم تحظ بفرصه للاجابه فقد اغمضت عينيها وارتمت بجسدها فوق جسده غائبه عن الوعى وعن العالم ..
********متى تخضعين لقلبى
الفصل العاشر ..
لم يستوعب فريد ما حدث الا وجسدها ينزلق من بين يديه ، صرخ بأسمها برعب ثم حملها وقد لاحظ بعض الدماء تتساقط من انفها ، تفحص جسدها مسرعاً ليتأكد من عدم وجود اى إصابات خارجيه ثم ركض بها نحو الخارج ، كان يصرخ بكل من يقابله وهو يحملها كالأموات بين يديه ، صعد بها إلى السياره وهو لا يزال يحتضنها ويتمتم برعب ويمسح على شعرها ووجهها بحنان :
-حياة خليكى معايا .. انا اسف انى سبتك ومشيت .. الله يخليكى فتحى عينيكى .. خليكى معايا حياة متناميش ..
كانت السياره تسير بأقصى سرعه لها مخالفا سائقه كافه الإشارات المروريه للوصول بأسرع وقت ممكن وهو يرى زوجه مخدومه شبهه منتهيه ورغم ذلك لم يسلم من صرخات فريد الذى كان يوجهها له بقوه
بعد قليل وفى وقت قياسى توقفت السياره امام المشفى الخاص الذى كان فريد من اكبر مساهميه ، كان كبير الأطباء يقف فى انتظاره عند مدخل الطوارئ لاستقبال حياة بعدما هاتفه فريد فى الطريق ليخبره بما حدث ، بمجرد رؤيتهم للسياره ركض كبير الأطباء ومعه المسعفين لأخذها منه ثم ركضوا بها مباشرة نحو الداخل ، ربت الطبيب حازم فوق كتف فريد الذى كان وجهه يبدو كالأشباح من شده الذعر مطمئناً وهو يتمتم له قبل ان يركض هو الاخر مسرعاً نحو الداخل :
-متخافش حضرتك هعمل كل اللى نقدر عليه واطمنك لما اخلص ..
ظل فريد واقفاً مكانه كالجماد يحدق فى أثرها وهم يركضوا بها إلى للداخل رافضاً عقله تصديق كل ما مر به ، ظل هكذا بدون حراك يقف مصدوماً لمده لا يعلمها الا الله حتى خرج الطبيب حازم من غرفه الاستقبال يركض فى اتجاهه قائلاً :
- حاله تسمم .. احنا دلوقتى بنعملها غسيل معده .. وبعد كده هنطلعها على غرفه الاشعه نطمن ان مفيش نزيف داخلى ..
فاق فريد من صدمته وسأله مستفسراً بجمود وقد عاد عقله للعمل :
-نزيف !!!!!!..
اجابه حازم بأسف قائلاً :
-فريد بيه للاسف من التشخيص المبدئي حاله التسمم دى مقصوده .. هنتاكد بالتحليل بس دلوقتى لازم نطمن انه معملش نزيف داخلى جوه وخصوصاً بعد نزيف الأنف اللى حصلها .. وعمتاً الحمدلله ان الأعراض بانت عليها .. فى ناس بيحصلها نزيف داخلى بصمت من غير اى اعراض .. بس من الكشف المبدئي الحمدلله اتلحقت بدرى وان شاء الله مفيش حاجه خطيره ..
انهى الطبيب جملته ثم استأذنه فى الرجوع للداخل مره اخرى ، فى تلك اللحظه وصل كبير الحراس مع باقى موظفيه إلى المشفى بمجرد لمح فريد له ركض نحوه ثم قام بتسديد عده من اللكمات إلى وجهه وهو يصرخ بِه بغضب قائلاً :
-كنت فيييين !!! كنت فين وهما بيعملوا فيها كده ..
اخفض الحارس رأسه للأسفل بخنوع تاركاً لمديره فعل ما يشاء به فالخطأ خطأه
ابتعد فريد عنه بعدما امتلاً وجه حارسه بالدماء ثم قال له بنبره مهدده وهو يشير إليه بأصبعه :
-لو جرالها حاجه هخليك تحصلها سامع !!! اقسم بالله لخليكم كلكم تحصلوها ..
**********
بعد قليل خرج الطبيب وبرفقته حياة المستلقيه فوق الناقلة الطبيه (الترولى) وهى لازالت غائبه عن الوعى ، ركض فريد نحوها يمسك بيدها ويمسح على شعرها بحنان وهو يمنع جاهداً دموعه من التساقط ، تحدث إليه الطبيب المساعد قائلاً بأهتمام بعدما لاحظ حاله الالم والحزن الذى يمر بها فريد :
-لو حضرتك حابب تطلع معانا الاشعه عشان تكون مطمن مفيش مشكله ..
هز رأسه لها موافقاً دون النظر إليه فهو لم تكن لديه أدنى نيه فى تركها بعد الان
انتهت إجراءات الفحص وطمأنه كبير الأطباء بأستقرار حالتها وعدم وجود اى مضاعفات اخرى او نزيف داخلى ثم قام بنقلها إلى غرفه خاصه .
دلف فريد إلى الغرفه بخطوات بطيئه متثاقله ، وقف امام الفراش بقلبه المنهك يتأمل شحوب وجهها وتلك الابره الطبيه المنغوسه داخل كفها الرقيق لتتولى مهمه نقل المحلول إلى سائر جسدها ، تحرك ببطء نحو مقدمه الفراش ثم انحنى بجزعه فوقها ليضع كفه بحذر فوق راسها ثم مسح على شعرها بنعومه وحنان قبل ان تتحرك شفتيه نحو جبهتها ، طبع قبل مطوله فوقها صاحبتها دمعه واحده سقطت عنوه من بين أهدابه جعلتها تجفل اثناء نومها
اخذ نفساً عميقاً يهدء به بركان المشاعر الذى يموج بداخله ثم دفن راسه يستنشق عبير شعرها ببطء وشغف ، اعتدل بعدها فى جلسته وجر المقعد الموضوع فى احدى أركان الغرفه الاربعه إلى جانب الفراش ليجلس عليه واتكأ بذراعيه على طرف الفراش ثم مد يده يتحسس كفها الاخر بحنو قبل رفعه بحذر امام وجهه ، تأمله مطولاً ثم اخذ يتحسس بإصبعه ذلك الشريان النابض عند مقدمه معصمها كأنه يتأكد من قيامه بمهمته على اكمل وجهه فذلك الشريان ينقل الدم لحياته قبل حياتها ، طبع قبله حانيه فوقه ثم قام بطبع عده قبلات رقيقه متتالية داخل كف يدها وهو يتمتم بحزن :
-اسف .. اسف انى فى كل مره بوعدك محدش يأذيكى ومش بقدر اوفى بوعدى ..
انهى جملته ثم عاد لتقبيل كفها وأصابع يدها كلاً على حدى وهو يحتضن كفها داخل كفه العريض ، بعد قليل دلف كبير الأطباء إلى الغرفه بعدما قام بالاستئذان منه ثم تنحنح وهو يقف قبالته قائلاً بحذر :
-فريد بيه .. نتايج التحاليل طلعت وزى ما قلت لحضرتك قبل كده .. شكنا طلع فى محله .. حياة هانم اتناولت عن طريق الفم سم حيوانات وبالأخص فئران ..
جحظت عين فريد للخارج وبدا الاحتقان جلياً على وجهه وعضلات جسده المنتصبه ولكن لم يعقب ، تنحنح الطبيب مره اخرى مستطرداً حديثه بتوجس :
-احم .. فريد بيه الموضوع كده فيه شبهه جنائية وانا لازم ابلغ ..
انتفض فريد فى وقفته واحتقن وجهه وهو يجيبه بنبره جامده ضاغطاً على حروف كلماته بتحذير قوى :
-محدش هيحقق مع مراتى .. فاهم !!!!..
ارتكبت ملامح الطبيب ثم بادر بحروف متعلثمه يبرر طلبه قائلاً :
-بس انا لازم اخلى مسئوليتى .. دى مشكله لوح....
قاطع حديثه نبره فريد الناهره قائلا بحده :
-ملكش دعوه انا هتصرف ..
انهى جملته الاخيره واخرج هاتفه وقام بطلب شخص ما ثم تحدث على الفور قائلاً بنفاذ صبر وحده :
-اسمعنى .. فى حد ابن ****** حاول يسمم مراتى والمستشفى مصممه تبلغكم عنه .. خلصلى الموضوع ده دلوقتى من غير ما تتحرك من مكتبك فاهمنى !!!!..
صمت لبرهه ثم اضاف بنفس نبرته الآمرة :
-وبكره اللى عمل كده يكون عندى .. تتصرف تشق عليه الارض وتطلعه والاقيه قدامى .. بكره فاهممممم !!!
انهى مكالمته ثم استدار بجسده نحو الطبيب بغضب وشراسه قائلاً ببرود وهو يرفع احدى حاجبيه فى اشاره للتحدى :
-فى حاجه تانيه ؟!!..
هز الطبيب راسه نافياً بصمت ثم تحرك بخطوات مسرعه نحو الباب ، أوقفه صوت فريد يسأله بجمود :
-نقدر نطلع امتى ؟!..
اجابه الطبيب بمهنيه شديده وثبات مفتعل :
-مفيش اى خطوره على حياتها تمنعها من الخروج .. بس يُفضل انها تستنى معانا ال٤٨ ساعه الجايبن عشان تستعيد عافيتها ..
اجابه فريد بنفاذ صبر قائلاً :
-شوف هتكون محتاجه ايه وانا هوفره فى البيت مش عايزها تفضل هنا ..
اومأ الطبيب برأسه موافقاً فهو يعلم جيداً عدم جدوى النقاش معه ثم أردف قائلاً بخنوع :
-مفيش مشكله هجهز لحضرتك واحده من افضل الممرضات عندى تتابع معاها أمور العلاج .. وزى ما قلت لحضرتك ال٤٨ ساعه الجايبن مهمين .. هتلاقى سخونيه وهلاوس كل ده طبيعى جدا وواحده واحده هتستعيد وعيها وترجع احسن من الاول ان شاء الله ..
اومأ له فريد بجمود طالباً منه الانتهاء من إجراءات الخروج بأسرع وقت ممكن ، فهو لا يستطيع تأمينها جيداً وسط هذا الكم الهائل من الأفراد حتى لو كان داخل مشفاه الخاص .
************
فى الخارج ، حمل فريد حياة التى مازالت غائبه عن الوعى بتملك رافضاً كل محاولات او عروض حرسه او موظفى الإسعاف فى مساعدته ، صعد بها إلى السياره بحذر وهو لا يزال يحملها ويضمها إلى صدره بقوه ، فى الحقيقه هو من كان بحاجه إلى ذلك العناق ، بحاجه إلى قربها ، إلى ان يشعر بدقات قلبها قريبه من صدره حتى تستكين روحه المرتجفة ويتسلل الهدوء لخلايا جسده المنتفض .
وصل إلى المنزل ووجد فى استقباله عفاف التى علمت بما حدث فأنتفض قلبها هى الاخرى ذعراً على تلك الفتاه التى كانت تعاملها بحنان ورأفه
انتهى فريد من وضعها برفق داخل الفراش فى غرفته وطلب من السيده عفاف تبديل ثياب المشفى لها ومساعده الممرضه التى جاءت معه فى الاعتناء بها حتى يعود ثم تحرك نحو الخارج بوجهه مكفهر وعرق نابض منتفض من شده الغضب ، أمر نصف حراسه بالتحرك معه ثم صعد إلى سيارته وانطلق بها .
كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل عندما وصل فريد إلى فيلا والده وأطلق زمور سيارته بقوه ليحث الحارس على فتح الباب الرئيسى ليتسنى له الدخول ، انتفض الحارس من مقعده على صوت اْبواق السيارات التى كانت تدوى دون توقف وهرول مسرعاً ينظر فى شاشه المراقبه عن هويه ذلك المتطفل ثم قام بفتح الباب راكضاً بتوجس من مظهر ابن رئيسه الغاضب ، اندفع فريد بسيارته للداخل بسرعه ساحقه تتبعه سياره حراسته ثم توقف امام الباب الداخلى ، ترجل منها وعيونه ترمى بشرر من شده الغضب ثم تحدث إلى رئيس حراسه يأمره بأقتضاب :
-خليكم هنا لو احتجتكم ..
انهى جملته وتحرك يركل بقدمه وبكل ما أوتى من قوه الباب وهو يطرق عليه بكفه فكاد الباب ينكسر تحت وطأه طرقاته وغضبه ، آفاق جميع من فى البيت على خبطات فريد المتلاحقة وركضت الخادمه برعب تفتح الباب ثم تنحنت جانباً عندما رأت فريد وهو بتلك الحاله ، وقف فى منتصف البهو يصرخ بصوته الجمهورى هاتفاً :
-يا جيهان هانم !!!! انتى يا جيهاااااان انزليلى هنا ..
ركض غريب من فوق الدرج حيث مكان فريد ثم توقف امامه ينظر له بغضب واضح ثم نهره بقوه قائلاً :
-ايه ده !!! فى ايه !!! انت اتجننت ؟!. ازاى تعمل كده فى بيتى فى الوقت ده !!!! ..
مد فريد احدى ذراعيه يزيح والده من امامه بعدما حرك عينيه ينظر إليه شرزاً وهو يقول بأهتياج :
-انت لسه شفت جنان !! ..
ابتسم بشراسه ثم قال بتهديد وهو يضغط على شفتيه بقوه ثم صاح بوالده قائلاً :
-انا بقى .. فريد .. هوريكم الجنان اللى على اصله .. انتى يا جيهان يا سكرى تعاليلى هنااااااااا ..
انهى جملته بصراخ هز أركان المنزل وجعل والده الواقف بجواره ينتفض ، هبطت جيهان إلى الاسفل وهى تغلق رداء نومها الحريرى بأحكام وتتسائل ببرود وأشمئزاز :
-ايه ده !! فى ايه ؟!.. ايه الهمجيه دى ؟!...
ركض فريد نحوها وقبض على ذراعها بقوه وغزرأظافره بذراعها قائلاً بعصبيه شديده :
-عملتى ايه فى مراتى انطققققققققى ..
هدر بسؤاله بقوه جعلتها تنتفض من مكانها وتجيبه برعب من بين تأوهاتها قائله :
-معملتش حاجه .. اه سيب ايدى دى قلتلك معملتش حاجه ...
اجابها فريد بغضب وهو لايزال يضغط على ذراعها بقوه مستطرداً حديثه وقائلاً بحنق :
-امال مين اللى عمل !!!! مين اللى حطلها السم فى الاكل !!! مش ده اللى كنتى بتعمليه معايا زمااااان !!!!! ..
حركت رأسها نافيه بيأس وقد بدءت تشهق بصوت مسموع من الم ذراعها وقوه قبضته قائله بتوسل :
-معملتش حاجه .. والله ما عملت حاجه انا معرفش انت بتتكلم عن ايه ..
نفض فريد ذراعها بقوه تاركها تتلمسه بحذر للتأكد من عدم اصابته ثم اجابها بتحذير قائلاً وهو يرميها بنظرات احتقاريه :
-انا بنفسى هعرف مين اللى عمل كده ولو كان ليكى دخل بالموضوع ده اتشاهدى على روحك ..فريد اللى كنت بتأذيه زمان خلاص بح مبقاش موجود .. وأقسم بالله لو عرفت ان ليكى يد فى الموضوع لكون مولع فى البيت ده بكل اللى فيه .. فاهمه !!!!!!! .
انهى جملته بصراخ قوى وهو ينظر نحوها بشراسه قبل ان يستدير للخارج ويغلق الباب خلفه بعنف رج معه أركان المنزل من شده قوته ، توجه غريب نحوها يسأله بأسف :
-عملتى ايه يا جيهان ؟!..
هزت راسها نافيه بعدم تصديق فائله :
-معملتش حاجه .. والله ما عملتش حاجه .
*************
عاد فريد إلى منزله ومنه مباشرة إلى غرفته للاطمئنان عليها ، دلف إلى الغرفه بهدوء فوجد الممرضه تجلس فوق المقعد الموجود بغرفته فى حاله تأهب ، انتفضت من مقعدها بمجرد رؤيته ووقفت تنتظر تعليماته ، سألها بأرهاق مستفسراً عن حالتها وهو لا يحيد بنظره عن الفراش حيث هى مستلقيه :
-فى جديد ؟!..
هزت الممرضه رأسها نافيه فاستطرد حديثه قائلا بجمود :
-طب تقدرى تروحى انتى تقعدى فى اى اوضه جنبنا وانا هكون معاها ..
قاطعته الممرضه قائله :
-بس يا فريد بيه ..
قاطعها فريد بحده متجهماً :
-مفيش بس .. نفذى اللى قلت عليه من غير كلام كتير .. هتلاقى اوض كتير فاضيه استخدمى اى واحده منهم بس خليكى قريبه عشان لو احتاجتك ..
وافقت الممرضه على اوامره بخضوع وتحركت من الغرفه على مضض ، انتظر فريد خروجها ثم بدء فى حل آزار قميصه الملطخ ببعض دمائها وهو يزفر بتعب ثم التقط احدى ملابسه النظيفه من خزانه الملابس وتوجه نحو المرحاض ليغتسل وياخذ دشاً دافئ ليريح به عضلاته المرهقه
خرج بعد قليل وهو يرتدى تيشرت ابيض وبنطال رياضى من اللون الاسود ، ثم تحرك فى اتجاه فراشه يتسلقه بحذر بعد ان رمقها بعده نظرات ناعمه ، مد كفه يتحسس حرارتها ثم زفر بضيق ، ، لقد بدءت حرارتها فى الارتفاع ولكن ما يطمئنه هو الدواء الموضوع داخل المحلول المعلق بكفها
، مد إصبعه يزيح احدى خصلات شعرها التى تمردت من الجديله التى قامت بعقدها لها السيده عفاف ، ثم انحنى يطبع قبله فوقها قبل ان يعتدل فى جلسته ويرجع برأسه للخلف ويستند برأسه على ظهر الفراش ثم أغمض عينيه المرهقتين وهو يتنهد بوجع ، ابتلع لعابه بصعوبه وهو يتذكر ما شعر به وهو واقف امام غرفه الطوارئ منتظر خروجها ، تلك الدقائق شعر كأنها دهر كامل يعيشه ، كان قلبه يرتجف بقوه كأنه سيتوقف فى اى لحظه عن العمل ، لم يجد امامه سوى التضرع ، التضرع لله بكل حواسه ، التضرع بقلب طفل نقى لم يتجاوز السابعه تعلمه والدته لاول مره كيفيه الخشوع لله ، بصرف النظر عن انتصاب جسده ، كانت روحه ساجده بكل حواسه يطلب منه برجاء العاصى قبل التقى ان يحفظها له .
فتح عينيه مره اخرى ورمش بجفونه عده مرات لطرد تلك الدموع الدخيله التى تجمعت فى الداخل دون استئذان ، مرر كفيه فوق وجهه بتعب ثم استدار برأسه ينظر إليها كأنه يتاكد من وجودها هنا وبجواره ، فبعد اعتياده على فكره وجودها الدائم معه شعر بعدم اهميه اى شئ اخر ، الغضب والانتقام والشراب والسهر ، كل شئ يبعده عنها لن يكون له مكان فى حياته فقد اختبر اليوم هذا الشعور المزعج ولا يريد تكراره مره اخرى تحت اى ظرف كان .
***********
شعرت حياة بأنها سقطت بمفردها داخل بئر عميق مظلم وقد تحولت إلى عقله الاصبع ، كانت تتلفت حولها بذعر فكل شئ حولها يبدو عملاق ، ما بين صحوتها وغفوتها كانت تتداخل الاحداث فى عقلها ، كان الفراش الذى تستلقى فوقه يبدو عملاق ويبدو وكأن سقف الغرفه سيسقط فوقها فى اى لحظه ليسحقها تحته بعد ان عادت إلى سن التاسعه مجدداً ، حاولت التسلق على جدران ذلك البئر فى محاوله بائسه منها للخروج ، ولكن بائت كل محاولاتها المستميتة بالفشل لذلك تخلت عن الفكره وعادت إلى قاعه تجلس هناك بخنوع وهى تضم ركبتها نحو قفصها الصدرى تنتظر هبوط سقف الغرفه فوق جسدها الضئيل ، فجاة لمحت جسد عريض برائحه ما تعرفها جيداً وتميزها من بين مئات الروائح تتجه نحوها ، انتظرت وصوله إليها ثم تنهدت بأرتياح قبل ان تنتنفض من جلستها لتركض نحوه وتشكو إليه ذلك الوخز الذى اصاب كفها ، تململت فى نومتها ثم همست بأسمه بخفوت من بين غفوتها :
-فريد ..
كان صوتها لا يزيد عن الهمهمة ولكنه وصل إلى حواسه ، وصل إلى قلبه قبل اذنه ، انتفض يعتدل فى جلسته وهو يجيبها بصوت أجش مملوء بالحنان :
-عيون فريد وروح فريد ..
رفعت كفها الموضوع به تلك الابره الحاده ثم اجابته بوهن :
-فريد فى وجع هنا خليه يروح ..
ابتسم بحزن ثم امسك يدها بحذر يطبع قبله حانيه للغايه فوقه قبل ان يجيبها بحنو كأنه يتحدث إلى طفلته :
-حبيبى مينفعش تتشال دى عشان تخفى بسرعه ..
حركت رأسها بتعب شديد رافضه تصديق حديثه ثم اجابته باعتراض طفولى بصوت لا يزيد عن الهمس :
-مليش دعوه انت وعدتنى .. خلى الوجع ده يروح ..
مرر إصبعه أسفل جفنه يمسح تلك العبرات التى تجمعت داخل عيونه قبل سقوطها ثم انحنى بجذعه يطبع قبله حانيه فوق جبهتها وهو يتمتم لها قائلاً :
-حاضر .. ثوانى وهشيلهالك ..
انهى جملته ثم تحرك بجسده للخارج يبحث عن الممرضه التى اصطحبها معه ، عاد بها إلى الغرفه ثم طالبها بنبرته الآمرة المعتاده :
-شيلى المحلول ده من ايديها ..
نظرت إليه الممرضه بدهشه ثم فتحت فمها معترضه :
-بس يا فريد بيه ده مش كويس عشانها ..
اجابها فريد بحده ونفاذ صبر :
-قلتلك شليها .. بتوجعها .. شوفى اى طريقه تانيه تاخد بيها العلاج ..
اطرقت الممرضه برأسها مفكره فى حل ما ثم اجابته على مضض قائله :
-هو الحل الوحيد انى اشيلها دلوقتى واستبدلها بأبره عاديه بس الصبح لازم اعلق محلول تانى عشان الجفاف ..
وافق فريد على الفور متمتاً براحه :
-ماشى على الاقل تكون ارتاحت شويه منها ..
انتهت الممرضه من عملها وقامت بنزع تلك الابره الحاده من يدها وقامت بوضع لاصق طبى فوق أثرها ثم انسحبت من الغرفه بهدوء .
تسلل فريد مره اخرى إلى جوارها بهدوء ثم قام بطبع قبله حانيه على كف يدها المتألم وموضع اللاصق الطبى قبل ان يستلقى على الفراش بهدوء ، تحركت حياة وقد بدءت تشعر بالبرد يتسلل إلى جسدها الضعيف لتندس داخل احضانه وهى تتمتم بخفوت :
-خليك هنا .. انا بردانه ..
اجابها بصوت أجش عميق :
-انا دايماً هنا ..
رفعت كفها تتلمس وجهه برقه كأنها تتأكد من وجوده ، لم يقاوم اغراء النوم بين أحضانها لذلك ، اقترب بجسده اكثر يضمها إليه ويحاوطها بذراعيه حتى شعر بدفء انفاسها يلحف عنقه بقوه ، اغمض عينيه ببطء يستمتع بذلك الدفء الذى احاط قلبه من اقترابها منه ثم اقترب منها اكثر يقبل وجنتها وجبهتها وانفها ثم تحرك ببطء نحو شفتيها يطبع قبلات خفيفه ناعمه ، كان يعلم جيداً انه يستغل وضعها وعندما تتذكر ما فعله ستقوم بتعنيفه ولكنه فكر بيأس وليكن فهو ليس قديساً ولا تنتظر منه ان تكون بمثل هذا القرب منه ويستطيع السيطره على مشاعره ..
ظنت حياة انها داخل حلم غريب ولكن جميل ، يقوم رجل ما ذو قناع بأنقاذها من بين براثن وحش مخيف ثم يطلب منها بحب وهو يركع على ركبه واحده ان تتزوجه ، وافقت بفرحه على طلبه فقفز يبنتصب فى وقفته بسعاده ثم احتضنها بحب وهو يتمتم فى اذنها بكلمات حب شغوف ثم بدء بطبع قبلات خفيفه متفرقه فوق وجهها ، مدت حياة كفيها وهى تبتسم له لنزع ذلك القناع الذى يخفى ملامح فارسها عنها فوجدته فريد ، ابتسمت بخجل ثم أسندت رأسها فوق كتفه براحه قبل ان تغمض عينيها وتذهب فى نوم عميق .
**********
فى الصباح استيقظ فريد فوجدها غافيه داخل احضانه بهدوء وتدفن رأسه داخل تجويف عنقه ، اغمض عينيه بأستمتاع ثم دفن انفه داخل شعرها يستنشق عطره المميز فحتى تلك التفصيله البسيطه لم تغفل عن عفاف اثناء مساعدتها لها بالامس ، فكر بسعاده ، ماذا سيحدث اذا توقف العالم الان وعند تلك اللحظه بالذات ، ما سيحدث هو انه سينعم براحة وجودها داخل احضانه للأبد ، ولكن اكثر ما يزعجه هو حرارتها التى تزداد بشكل دائم مع هلاوسها المستمرة ، تململت هى بين يديه لفتره قبل ان تبتعد عنه وهى تفتح عينيها بكسل اذا انها لازالت داخل حلمها الخاص حتى انها استيقظت بداخل غرفه بألوان زرقاء زاهيه لا تعرفها ابداً ، ابتسم لها بحنان ثم طبع قبله حانيه قوف أرنبه انفها وهو يتمتم بحب :
-صباح الخير ..
ابتسمت له بخجل فهى تعلم انها لازالت داخل الحلم ولكنها تستمع بكافه تفاصيله ، بدءت تتحرك من الفراش فاعتدل على الفور يسالها مستفسراً :
-حبيبى رايحه فين ؟!..
اطرقت راسها بخجل وقد بدءت وجنتيها تورد ثم اجابته بتعب شديد وهى لازالت مطرقه الرأس :
-عايزه اروح الحمام واغسل وشى .. ممكن؟! ..
ابتسم لها بأشراق ثم اقترب منها يضع ذراعه تحت ركبتها ويحملها بين ذراعيه حتى وصل إلى باب الحمام فاوقفته معترضه :
-لو سمحت نزلنى وانا هكمل ..
اقترب برأسه من وجهها ثم سألها بخبث وهو يحك انفه بوجهها :
-طب مينفعش اكمل للاخر ؟!!..
هزت راسها له معترضه فانزلها على مضض وبحذر واختفت هى بجسد هزيل ومتعب داخل الحمام ، بعد قليل خرجت منه وقد بدءت تترنح من شده الحراره والتعب فيبدو ان هذا المشوار القصير قد اضناها ، حملها فريد على الفور وضمها بين ذراعيه يقربها اكثر نحو صدره ، وصل بها إلى الفراش وجلس فوقه وهى لازالت داخل احضانه ، سألها بقلق :
-حياة انتى كويسه ؟!..
أصدرت همهمه خفيفه ثم حركت راسها تحت صدره وهى مغمضه العينين ، سألها مره اخرى بترقب يتمنى بداخله رفضها :
-تحبى انزلك ؟!..
حركت جسدها لاعلى قليلاً حتى تستطيع الاختباء داخل تجويف عنقه ثم قالت بعدم وعى :
-مش مشكله .. انا عارفه انك مش هنا ..
اجابها بصوت أجش هامس :
-مش ممكن اكون هنا ..
حركت راسها داخل عنقه ثم تمتمت هامسه :
-شششش .. انت مسافر وانا عارفه ان كل ده مش حقيقى ..
انهت جملتها ثم انتظمت انفاسها دلاله على ذهابها بنوم عميق ، احكم لف ذراعه حول خصرها ، ثم استلقى فوق الفراش وجسدها يقبع فوقه بهدوء رافضاً إنزالها او وضعها فى وضع اكثر راحه فهنا هو مكانها الطبيعى حيث قلبه ، لقد خُلقت من هذا الضلع ، وهذا الضلع موجود لتستند عليه .
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇