القائمة الرئيسية

الصفحات

ولما قالوا دى صبية الفصل الثانى عشر حتي السادس عشر والاخير بقلم ميمي عوالي كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات



 لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين استغفرك ربي و اتوب اليك


ولما قالوا دى صبية

الفصل الثانى عشر حتي السادس عشر والاخير 

بقلم ميمي عوالي

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


كانت فرح تجلس بجوار نبيل بغرفة الرعاية و هى تتابع مؤشرات الاجهزة  بعينيها التى تموج بالعبرات ، ليدخل عليها كامل بهدوء قائلا : ايه يا فرح ، هتفضلى قاعدة كده 


فرح دون ان تنظر اليه : و انا فى ايدى ايه اعمله غير كده يا كامل 


كامل : بس قعدتك دى لا هتفيدك و لا هتفيده 


فرح : عاوزة ابقى جنبه اما يفوق ، مش عاوزاه يفتح عينيه يلاقى نفسه لوحدة ، بتوجع يا كامل ، بتوجع اوى 


كامل بعدم فهم : هى ايه دى اللى بتوجع


فرح : الوحدة يا كامل ، اننا نبقى عايشين عمرنا كله وسط الناس لدرجة اننا ساعات مابنبقاش قادرين نتنفس عدل من كتر الزحمة اللى حوالينا ، و نيجى  وقت مانقع ، نلاقى نفسنا لوحدنا و كأن الدنيا فضيت فجأة من حوالينا 


كامل بفضول : و انتى امتى كنتى لوحدك يا فرح عشان تجربى الاحساس ده


لتنظر اليه فرح للحظة ثم تعود بنظرها الى نبيل و تكمل فرح بتنهيدة تنم عن وجع عميق بداخل نفسها و تقول : و امتى ماكنتش لوحدى .. انا طول عمرى و انا لوحدى


ليسحب كامل مقعدا و يضعه بجوارها قائلا : بس انتى كنتى بتبقى لوحدك بارادتك يا فرح ، اوعى تنكرى ده .. على الاقل عشان ماتحمليش حد وزر وحدتك من غير ذنب


فرح بسخرية و هى تمسح العبرات الهاربة من عينيها : قال ايش رماك على المر ، قال الامر منه .. يمكن زى مابتقول ان انا اللى اخترت ده ، لكن اختيارى ده كان اهون الف مرة من اللى كان بيحصل


كامل و هو يحاول ثبر اغوارها : و ايه اللى كان بيحصل 


فرح بشرود : عارف احساس انك تبقى شايل شيلة مش شيلتك و ماشى بيها غصب عنك ، و لا منك قادر ترميها و لا منك حتى عارف هتفضل شايلها لامتى ، الكل كان محملنى ذنب طلاق منصور لامى ، حتى امى نفسها ، عمرى ما هقدر انسى نظراتها ليا لما كانت تيجى سيرته ، كنت بحسها نظرات اتهام ، كنت بجرى على سريرى انام و استغطى اكنى بستخبى من وحش و اللا حرامى هييجى يخطفنى ، عمر ماحد حس بيا و لا باللى جوايا ، عمر ماحد سال نفسه و لا حتى سألنى و قاللى مالك و اللا فيكى ايه ، و اللا حتى قاعدة بعيد لوحدك ليه


من كتر ما كرهت اللى عمله .. كرهته و كرهت الكلمة اللى ياما كنت بسمع اصحابى بيتغنوا بيها و هم بيحكوا عن ابهاتهم ، كلمة بابا اللى عمرى مانطقتها ، حتى لما عمو عادل و ماما حاولوا معايا انى انده له بيها رفضت ، و ماما وقتها زعلت منى و عنفتنى و اتهمتنى انى بنغص عليها سعادتها اللى ياما اتحرمت منها ، و رغم سنى الصغير وقتها الا انى ماتهزيتش ، و ماغيرتش رأيى ، لدرجة انى لما كبرت شوية و ابتديت اقدر اعبر عن اللى جوايا ، لقيت عمو عادل فى مرة فاللى .. انا عارف انك حاسة انى ما استحقش اكون مكان ابوكى 


يومها قلتله .. بالعكس ، صدقنى هو اللى مايستحقش يبقى مكانك 


ثم نظرت فرح لكامل قائلة : بكرهه يا كامل ، عمرى ما عرفت الكره فى حياتى غير ليه هو و بس 


كامل و هو يقيس رد فعلها : جتله ذبحة صدرية 


لتعود فرح بعينيها مرة اخرى الى الاجهزة و هى تقول : فى ناس مرضها بيبقى ابتلاء و ناس بيبقى تكفير ذنوب ، و ناس بيبقى انتقام ، و اتمنى ان مرضه ده يبقى من النوع الاخير 


كامل بذهول : انتى دكتورة يا فرح ، و لازم تقفى على مسافة واحدة من كل المرضى حتى لو كانوا اعدائك


فرح : عندك حق ، بس عمر الحنظل مايطرح غير الحنظل 


ليسمعوا صوت نبيل قائلا بخفوت : انا فين 


فرح بلهفة : حمدالله على سلامتك يا حبيبى ، كده برضة يا نبيل تخضنا عليك بالشكل ده 


نبيل و هو يدير عينيه بالغرفة : انتو ليه جيبتونى هنا 


كامل : كنت عاوز تروح فين


نبيل : و لا حتة ، انا عاوز اروح ، مش عاوز اقعد فى مستشفيات انا 


فرح بعتاب : ليه يا نبيل ، ليه خبيت علينا نتيجة الفحوصات بتاعتك 


نبيل بوهن : لانها محصلة بعضها يا فرح ، لزمتها ايه بقى ، انا عاوز اعيش وسطكم الحبة اللى باقيينلى فى هدوء ، عاوز اعيش طبيعى اكنى هفضل لحد ما اكبر و اعجز ، هروح الكلية و ادرس و اذاكر اكنى هلحق اتخرج ، مش عاوز اتنقل من جهاز لجهاز و من اشعاع لاشعاع ، مش عاوز اتبهدل و ابهدلكم معايا


فرح بنشيج خافت : و مين قاللك ان ده هيحصل ، انت كويس و زى الفل ، انت بس لو اتعالجت هت ……


نبيل بمقاطعة : ها ايه يا فرح ، انتى مابتعرفيش تكدبى ، ليد تكدبى المرة دى ، المرة دى مافيش رجوع يا فرح و انا عارف و متأكد من الكلام ده


فرح ببعض الغضب : هو انت كنت دخلت فى علم ربنا ، مش يمكن ……


ليضحك نبيل قائلا : استغفر الله العظيم ، يابنتى انتى هتقولينى كلام ماقلتوش ليه بس ، ثم نظر لفرح بابتسامة قائلا : انا راضى يا فرح ، صدقينى راضى و مبسوط كمان ، حاسس ان ربنا بيحبنى و عشان كده رزقنى بالابتلاء ده ، عشان يكفر عنى ذنوبى و الحمدلله انى لحقت نفسى بسرعة و رجعت عن الطريق اللى كنت ماشى فيه ، الحمدلله ، ادعيلى انتى بس ، انا مش محتاج غير دعاكم ليا


كامل بتنهيدة : ايوة يا نبيل ، بس ربنا امرنا بالسعى ، و احنا طول ما احنا عايشين لازم نسعى و يبقى عندنا امل فى ربنا 


نبيل : و مين قال لكم انى ماعنديش امل ، او انى مش هسعى ، بالعكس ، انا عندى امل ان ربنا يخفف عنى الالم ، و هسعى انى اختم ايامى اللى جاية باللى يرضى ربنا عنى 


فرح : و العلاج يا نبيل ، لازم تتعالج


نبيل : انتى عارفة و انا عارف ان مافيش منه اى لازمة ، يبقى نسيبه لغيرى يمكن يفيده 


فرح و قد غلبها البكاء : ليه بتقول كده ، احنا المفروض نكمل الفحوصات و الاشعات و نشوف الحالة واصلة لفين و ان شاء الله نقدر نعالجك 


نبيل : طب توعدينى انك لما تتأكدى من كلامى تسيبونى براحتى ، انا تعبت من الحقن و العلاج ، فلو كده كده ميت سيبونى اعيش الفترة اللى بقيالى طالت او قصرت من غير مرمطة و بهدلة .. اوعدينى و انا اعمل لكم كل اللى انتم عاوزينه 


لتتبادل فرح النظرات مع كامل الذى قال : خلونا نكمل الفحوصات الاول و بعد كده نتكلم


نبيل برفض : لا يا كامل ، انا مصمم على كلامى 


كامل : و هو احنا يا ابنى نملك من امرك ايه عشان نوافق على كلامك ده او نرفضه ، المفروض عمى و مراة عمى هم اللى يوافقوك او يخالفوك مش احنا 


نبيل : انا مش محتاج موافقة حد و لا رفضه ، انا بس مش عاوز يبقى فيه نقاش تانى فى الموضوع ده ، ااه ، و عندى طلب تانى 


فرح بفضول : طلب ايه التانى ده كمان


نبيل بابتسامة : عاوز ابقى وكيلك فى كتب كتابك انتى و كامل 


فرح بذهول : وكيلى  


نبيل بدعابة : ااه وكيلك ، اهو ابقى مريت على المأذون و نولت شرف مجالسته و ان ايدى اتحطت مع ايده تحت المنديل الابيض حتى لو وكيل مش عريس


فرح : بس انا بفكر ااجل ….


نبيل مقاطعا اياها : لا … بالله عليكى ، سيبينى اعيش اللحظة 


فرح بتنهيدة :  ان شاء الله ربنا يقدم اللى فيه الخير


نبيل : هو بابا و نادر و ماما فين


كامل بحمحمة : عمى بس تعب شوية و … 


نبيل برهبة : ماله بابا ، فى ايه


فرح : ماتقلقش يا حبيبى هو بس عشان اتخض عليك 


نبيل و هو يعتدل بالفراش : طب ودونى ليه اتطمن عليه هو فين 


كامل : خليك مكانك ، و هو اما يفوق اكيد هيجيلك ، لانه حاليا نايم ، و انت كمان ، محتاج تنام كمان شوية و ترتاح ، و انا هروح اتطمن عليه مع اختك


فرح باعتراض : روح انت يا كامل ، انا هف …..


كامل باصرار و هو يسحبها معه : ياللا يا فرح عشان كمان نطمن نادر و بابا 


……………….


امام غرفة منصور ، كان يجلس نادر بصحبة امه و عمه الذى حضر اليهم فور ما ان ابلغه كامل بما حدث ، و كان الصمت يخيم عليهم جميعا ، ماعدا بعض شهقات البكاء الصادرة من دولت التى كانت تدفن وجهها بين كفوفها و تستند بذاراعيها على اقدامها ، و ما ان لمحوا كامل بصحبة فرح فى اتجاههم ، الا و نهض نادر مسرعا لملاقاتهم قائلا بلهفة : نبيل فاق


لتومئ فرح برأسها علامة الموافقة قائلة : ايوة فاق ، بس اكيد هينام تانى بسبب المسكنات 


دولت ببكاء : طمنونى عليه ، قولولى انه كويس و مافيهوش حاجة ، قولولى انه هيحضر جنازتى و هيترحم عليا لما اموت ، قولولى انى مش هشرب ناره ابدا طول ما انا عايشة 


ابراهيم : لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم ، ايه بس لازمة الكلام ده يا دولت ، استهدى بالله و استغفرى و ادعيله 


كان نادر طوال الوقت يتفحص وجه فرح و ردود افعالها التى لم تستطع كتمانها ، بل وجد عينيها غارقة فى لدموع ، فقال لها بهلع ممزوج بعدم التركيز : هو لما فاق .. كان لسه موجوع ، هتعيدوا له الفحوصات بتاعته تانى و اللا هتعملوا ايه ، انا عاوز اشوفه 


كامل : لازم نسيبه يستريح يا نادر ، انا ماصدقت خرجت اختك ، قلة النوم بتتعبه بزيادة و هتخليه يحس بالالم اسرع 


نادر برجاء : طب طمننى يا كامل ، هى حالته واصلة لحد فين


كامل باستياء : للاسف يا نادر ، الحالة فعلا ماتطمنش ، بس احنا محتاجين نعمل فحوصات ادق من كده عشان نعرف الحالة واصلة لانهى مرحلة بالظبط و طرق التعامل معاها


دولت بهم كبير : يعنى خلاص يا كامل ، استعوض ربنا فى ابن عمك ، نبيل هيموت خلاص


كامل بتعاطف : مين فينا مخلد يا مراة عمى ، كلنا رايحين و ماحدش ابدا يعرف مين هيروح الاول 


دولت ببكاء : بس الشواهد بتقول انه خلاص هيمشى و يسيبنا ، اللهم لا اعتراض يارب ، يارب خفف عنه وجعه ، انا راضية بوجع قلبى ، بس مش هتحمل وجعه قدام عينى ابدا يارب 


ليحتضنها نادر و هو يبادلها البكاء قائلا : بس يا ماما عشان خاطرى ، ادعيله ان ربنا يشفيه


دولت : كل دقة فى قلبى بتدعيله يابنى 


كانت فرح قد جلست بجوار ابراهيم و هو يجلس متكئا على عصاه بصمت حزين ، و هى تراقب ما يدور حولها و هى لا تستطيع حبس دموعها المنهمرة دون توقف ، لينظر اليها ابراهيم قائلا : عمرى ماشفت دموعك بالشكل ده قبل كده ، معنى كده ان مافيش امل .. خلاص كده


فرح بنشيج : مش عارفة يا عمى ، احيانا بنقف متكتفين قدام المرض ، لكن اوقات بنتفاجئ  بمعجزات ربنا اللى بتمناها لنبيل من كل قلبى 


ابراهيم بقلة حيلة : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، اللهم تلطف بنا و باقدارنا و الطف بمن لا حيلة له الا الرجاء اليك 


ثم التفت الى فرح قائلا برجاء : ادخلى يا بنتى لابوكى طمنينى عليه


فرح بجمود و هى تجفف دموعها : ما الدكتور اللى هنا شافه يا عمى 


ابراهيم : ايوة يا بنتى عارف ، بس انا عاوز حد يفهمنى ، انما الدكتور هنا اتعامل بمهنية و قال كلمتين و جرى ، و انا مش فاهم حاجة 


فرح و هى تزدرد لعابها بحرج : معلش يا عمى اعذرنى ، و بعدين انا ماليش صفة هنا عشان ادخل اكشف عليه 


ابراهيم : يابنتى انتى بنته و اللا نسيتى 


فرح : ارجوك يا عمى بلاش نتكلم كلام لا هيقدم و لا هيأخر 


ابراهيم : طب بلاش بصفتك بنته خلينا بصفتك دكتورة 


لتنهض فرح قائلة بجمود : الدكتور المختص قام بالواجب ، و انا عاوزة ارجع لنبيل 


ليقول كامل : استنى يا فرح 


ثم يلتفت لابيه و زوجة عمه قائلا : فى حاجة يا جماعة لازم تعرفوها


ابراهيم ببعض القلق : خير يا ابنى ، فى ايه تانى


كامل : فرح كانت عاوزة تأجل الجواز عشان خاطر نبيل ، لكن نبيل رفض و صمم ان كل حاجة تبقى فى معادها ، و طلب من فرح ان هو اللى يبقى وكيلها فى كتب الكتاب


ابراهيم بتنهيدة : الله يشفيه و يرفع من ماعليه يارب العالمين ، شوفوا يا ابنى انتو عاوزين تعملوا ايه و انا معاكم ، بس نتطمن على عمك الاول 


……………


بعد مرور بصعة ايام ، بمستشفى كامل


كانت ليلة بجوار ابنتها بالغرفة ليمر عليها احد الاطباء لمتابعة حالة مى ، و بعد ان قام باعطاء بعض التعليمات للممرضة و قام بالانصراف ، قالت ليلة للممرضة : هى الدكتورة فرح بقالها كتير مختفية ليه


الممرضة : اخوها تعبان اوى و محجوز فى مستشفى تانية و هى معاه


ليلة بفضول : الف سلامة ، ربنا يشفيه و يشفى بنتى و كل مرضانا يارب ،  طب و دكتور كامل 


الممرضة : بييجى ، بيخلص شغله وبيروحلهم على طول 


ليلة : طب و العملية بتاعة مى ، دى بعد تلات ايام ، مين هيعملها 


الممرضة : ماتقلقيش ، فى جراح متخصص فى حالتها هو اللى هيعمل لها العملية و الدكتور كامل هيبقى موجود معاه و كله هيبقى تمام 


ليلة : يارب 


و بالفعل .. يتم اجراء العملية لمى وسط قلق بالغ من ليلة و سيد الذى حضر وقت اجراء العملية الجراحية و هو يدعى انه عم مى ليكون بجوار ابنته و زوجته فى هذا اليوم العصيب 


وبعد خروج مى من غرفة العمليات ، و انقضاء ساعات القلق بداخل غرفة الرعاية الفائقة حتى استعادت وعيها و اطمأن الاطباء عليها ، يخرج كامل من غرفة الرعاية ليقول لليلة و هو ينزع عنه كمامته الواقية : اتطمنى يا مدام ليلة ، دلوقتى بس اقدر اقول لك ان بنتك الحمدلله بقت زى الفل ، اى نعم هتاخد شوية وقت على ماتقدر تتعافى تماما و هيبقى فيه شوية تعليمات و احتياطات لازم نتبعها ، لكن الحمدلله الخطر زال 


لتنكب ليلة على يد كامل و هى تحاول تقبيلها قائلة : انا مش عارفة اشكرك ازاى ولا عارفة اودى جميلك ده فين ، هفضل طول عمرى مديونالك بعمر بنتى الجديد اللى انكتب من تانى على اديك


كامل و هو يسحب يده : استغفر الله العظيم ، احنا مش اكتر من اداة بننفذ بيها ارادة ربنا و مشيئته 


ليلة : وسبب فى شفاء عباده ، ربنا يكرمك ويسعدك


كامل : و مش عاوزك تحملى هم حاجة و لو فى اى وقت احتاجتى اى حاجة ، تعاليلى او تعالى لدكتورة فرح ، و زى ما وعدتك انا ممكن اوفر لك فرصة شغل هنا فى المستشفى 


ليلة و هى تمسح دموعها المنسالة على وجنتيها : انا بعد جميلك اللى فى رقبتى ده ، مش هقدر اكدب عليك اكتر من كده ، انا عاوزة اعترفلك بحاجة مهمة 


كامل بفضول : حاجة ايه  


لتقص عليه ليلة كل ما قد كان ، و بعد ان فرغت من حديثها قال كامل : من وقت ماسمعتك بتحكى لفرح على ظروف معرفتك بيها و انا عارف ان عمى ماعملش الحكاية دى كده لله ، بس انا من البداية كنت حاسس ان عمى يقصد حاجة مش سليمة من ورا تصرفه ده ، لكن انتى يا ليلة ، ليه تطاوعيه


ليلة بخجل : سامحنى ، انت لسه ماتعرفش غلاوة الضنا ، انا كنت مستعدة ابيع عمرى كله عشان خاطر سلامة بنتى ، و رغم ان لحد دلوقتى ما اعرفش هو كان يقصد ايه ، و رغم انى متأكدة ان نيته مش سليمة ، لكن ماقدرتش اشوف باب بينفتح لبنتى و اقفله فى وشها .. ارجوك سامحنى و ماتخلينيش اندم انى صارحتك بالحقيقة 


ليقول كامل اثناء انصرافه : ماتقلقيش ، بنتك مش هتتحرك من هنا قبل ماعلاجها يتم للاخر ان شاء الله


……………….


اصرت فرح على انتقال نبيل الى المشفى الخاص بكامل ، مع استدعاء طبيب متخصص فى الاورام ليشرف على العلاج الخاص به خاصة بعد رفض نبيل الصارم لخضوعه لاى جلسات إشعاعية 


و بعد ان علمت فرح من الطبيب المختص بان  خطورة العملية الجراحية لاستئصال الورم قد تكاد تكون اعظم من تركه ، اذا .. فلا اشعاع و لا جراحة ، فقررت عدم الضغط علي نبيل بعد ان قال لها الطبيب : انتى دكتورة و فاهمة الكلام اللى انا هقوله دلوقتى ، احيانا الطب بيقف عاجز قدام بعض الحالات اللى بتبقى وصلت لمرحلة متقدمة من المرض ، و حالة نبيل للاسف لو عملنا العملية .. فالعملية ممكن تؤدى لفقدانه الذاكرة او انها تؤدى لحالة اخطر من المرض نفسه ، لانها ممكن تسببله ضمور فى الاعصاب و اللى هتحوله لانسان لا حول له ولا قوة و مش هيبقى عنده تحكم فى اى عملية حيوية فى جسمة و اللى هتخليه محتاج لمرافق اربعة و عشرين ساعة للعناية به لما يتحول لطفل فاقد الاهلية 


كامل : طب هو احنا لو سفرناه برة مش ممكن يبقى فى اى وسيلة تانية للعلاج


الطبيب : رغم انى لسه راجع من المؤتمر اللى كان معمول مخصوص فى انجلترا عن حالات الورم اللى زى اللى بيعانى منها نبيل ، وعارف ان مافيش اى جديد ، لكن لو انتم عندكم المقدرة انكم تعملوا ده عشان ماتحسوش انكم قصرتوا معاه ، خدوه و سافروا ، و انا هرشحلكم المصحة اللى تقدروا تتعاملوا معاها بثقة ، رغم انى شايف انكم تحاولوا تبقوا معاه و حواليه و تسعدوه على اد ما تقدروا فى الفترة دى 


فرح  هى تكتم بكاءها : فاضل له اد ايه


الطبيب : علميا مجرد شهور ، لكن الاعمار بايد الله يابنتى ، يا عالم احيانا ربنا سبحانه و تعالى بيبقى له تصريف تانى خالص غير الى احنا بنبقى متوقعينه


كامل : طب و العلاج


الطبيب : احنا طبعا مانقدرش نوقف العلاج ، لكن هنكثف جرعات المسكن على فترات ، لان  مع الوقت مش هيتحمل الالم ، ربنا يكون فى عونه ، و شدوا حيلكم


و بعد انصراف الطبيب تقول فرح باصرار : انا هاخده معايا المستشفى عندك يا كامل ، مش هسيبه هنا ، عاوزاه دايما قدام عينى 


ليوافقها كامل و يقوم بنقل نبيل و منصور ايضا وسط امتعاض فرح ، و لكنها فضلت عدم التعليق لجل خاطر عمها و نادر و نبيل 


و بعد مضى بضعة ايام يتعافى منصور و يغادر المشفى كمريض ، و لكنه يظل مرافقا لنبيل معظم الوقت وسط شرود دائم منه بعد علمه بكل تطورات حالة ولده ، و كانت فرح تلازم نبيل معظم فترات راحتها و هى تحاول الترفيه عنه بمساعدة نادر و جميع اخوتها وسط مراقبة منصور الصامتة دائما ، حتى جاء يوم كان الجميع ملتف حول نبيل بغرفته فقال لها نبيل : انا عاوز اخرج بقى ، اكيد مش هفضل هنا كده على طول ، ده انا لو كنت عملت العملية كنتو هتخرجونى مش هتحبسونى كده


فرح : حبيبى ده انا مخلياك هنا عشان تفضل جنبى و ابقى دايما متظمنة عليك


نبيل : بس انا عاوز اخرج ، و عاوز اشترى بدلة عشان احضر بيها فرحك


، انتى اشتريتى فستان الفرح و اللا لسه


فرح : لسه


لينظر نبيل لكامل قائلا : ده كلام يا كامل ، ده الفرح فاضل عليه عشر ايام ، ازاى يعنى ماتجيبوش الفستان لحد دلوقتى 


كامل بمرح : يا عم هو احنا هنعرف نجيب حاجة من غيرك 


فرح بدهشة : انت تقصد ايه ياكامل


كامل : اقصد انه ياخد اجازة من المستشفى شوية ، و ينزل معانا يوم الجمعة ان شاء الله نشترى اللى احنا عاوزينه


فرح بقلق : ايوة بس هيبقى ارهاق عليه


كامل بابتسامة : وقت مانحس انه تعب هنرجع على طول 


رحمة : مش هيتعب ولا حاجة ان شاء الله ، انا هوديكم اتيليه حلو اوى عندهم كل لوازم العرايس و العرسان ، يعنى مش هتلفوا و لا هتتعبوا 


نبيل : اهو رحمة حلتها 


فرح : طب هترجع على هنا تانى 


نبيل برجاء : لا يا فرح عشان خاطرى ، ادينى اجازة بس لحد الفرح بتاعك ، و اوعدك انى بعد الفرح ان شاء الله هنفذلك كل اللى هتقوليلى عليه 


فرح بتردد : طب لو تعبت 


نبيل : هقول لك على طول او هقول لكامل … وعد 


فرح باستسلام : حاضر يا نبيل … ماشى .. اللى يريحك


و بالفعل تم لنبيل ما اراد فبرغم ذبوله الملاحظ للعيان الا انه رافقهم حتى اتموا شراء كل ماتبقى وسط سعادة بالغة منه و مرح دائم و كأنه كان يحاول مداراة الامه التى كانت لا تنقطع عنه فى الفترة الاخيرة 


……………


فى منزل منصور ، كان نادر و نبيل يجلسان بغرفتهما ، حين دخل عليهما منصور قائلا لهم : عاملين ايه يا اولاد 


ليرددا : الحمدلله يابابا


ليجلس بجوار نبيل و هو يربت على قدمه قائلا : و انت يا نبيل ، اخبارك ايه


نبيل بوهن : فى نعمة يا بابا ، الحمدلله ، و كويس انك جيت .. كنت عاوزك فى كلمتين 


منصور : خير يا ابنى 


نبيل : انا لما طلبت من فرح انى ابقى وكيلها فى كتب الكتاب ، عملت كده عشانك انت 


منصور بجمود : و عشانى انا ليه


نبيل : لانى عندى امل ان علاقتكم تتصلح ببعض فى يوم من الايام ، ماهانش عليا ان قسيمة جوازها تفضل طول العمر واسم جوز مامتها يبفى فى  خانة الوكيل ، حبيبت وكيلها يبقى على اسمها و تبقى شايلة اسمه 


انت ظلمت اخواتنا البنات اوى يا بابا ، و آن الأوان انك تصلح اللى عملته


منصور و هو يحاول السيطرة على رد فعله : انت شايف انى ظلمت اخواتك لما حاجيت عليك انت واخوك ، و كنت عاوزكم تبقوا احسن ناس فى الدنيا كلها 


نبيل : كل الابهات بيتمنوا ده لولادهم ، بس بيتمنوه لكل ولادهم مش حد اه و حد لا 


منصور : انتو صلبى و عزى و اللى …..


نبيل بمرارة : و اللى ايه بس يا بابا ، ربنا ما بيتعاندش ، طلقت طنط فاطمة عشان خلفتها بنات و اتجوزت ماما عشان تجيبنا ، و فعلا ربنا رزقك بيا انا و نادر ، لكن انت عملت ايه ، شكرته ؟ قلت الحمدلله ان ربنا اطعمك بالبنين و البنات و خدتنا كلنا تحت جناحك ؟ ، قلت بناتى مايتربوش بعيد عنى و لا يتربوش مع جوز ام زى ما بنسمع مع ناس كتير ، حاولت حتى تشوفهم و تتطمن عليهم وتحسسهم انك موجود جنبهم و انك ضهرهم و سندهم فى الدنيا دى ، بالعكس .. انت اختارت و نقيت و عزلتنا عن بعض ، حتى لما اكتشفت انى مريض اول حاجة فكرت فيها انك تحيينى حتى لو كان على حساب موت واحدة من اخواتى ، لكن سبحان الله ، ربنا دايما بيبقى له تدابير احنا مانعرفش عنها حاجة


منصور : انا مافكرتش فى كده ، انا كنت عارف ان مافيش خطورة من العملية على المتبرع


نبيل : بامارة انك كنت رافض ان نادر يعمل الفحوصات من الاساس ، و بامارة اللى عملته فى فرح لما عرفت ان مش هى اللى عملت العملية ، طب ادينى عملت العملية و بعد ما فكرنا ان خلاص ، لقينا ان لسه عقاب ربنا ماخلصش 


و عندما صمت منصور اكمل نبيل قائلا : انا اسف يا بابا سامحنى انى بكلمك بالاسلوب ده ، بس انا حاسس ان ربنا بيعاقبك بيا ، بيقول لك انا مابتعاندش ، بيقول لك انت عملت كذا و كذا عشان الصبيان ، لكن انا بعد ما اديتهملك هاخدهم من تانى 


انا نفسى اسيبكم و انتم مش كده .. يا بابا حضرتك عملت حيطة بينك و بين اخواتى و خليت فرح شبه معقدة ، نفسى بعد عمر طويل لحضرتك اخواتى يدعولك مايدعوش عليك 


ليقول منصور بجمود : سيبك من كل الكلام ده يا نبيل و خليك فى صحتك و بس


نبيل : ارجوك يا بابا حاول تصلح اللى انكسر ، انا عارف ان اللى انكسر لا يمكن يتصلح ابدا بسهولة ، بس حاول عشان خاطرى ، دى وصيتى ليك يابابا ، و خصوصا فرح .. فرح اكتر واحدة فيهم شربت مرار اللى حضرتك عملته و اكتر واحدة اتظلمت و شالت الهم على اكتافها


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

13

# ولما قالوا دى صبية

الفصل الثالث عشر

كان منصور يستمع الى نبيل و هو لا يدرى ان كان سيستطيع تنفيذ وصية ابنه ام لا ، فهو يعلم تمام العلم ان فرح ترفض تماما التعامل معه و لكنه فى ذات الوقت لا يريد ان يدخل فى جدال يشق علي ولده ، فنظر اليه و قال : سيبها على الله يابنى ، و عاوزك تهتم بعلاجك و بتعليمات الحكما بتوعك 

نبيل بارهاق : ماشى يا بابا ، بس كمان عاوزك تحضر الفرح 

منصور باعتراض : يابنى احضر ايه ، هو انا كان حد عزمنى 

نبيل : المفروض ان انت اللى تعزم الناس يابابا ، مش تتعزم ابدا ، خلى الناس تعرف انك عايش و انك عاوزها و بتحبها ، حتى لو هى رافضة ده دلوقتى ، لكن شوية بشوية هتقبل ده و هتحبه و يمكن كمان تطلبه ، اهتم بيهم يا بابا ، صدقنى انت اللى هييجى وقت و هتندم انك ماعملتش ده من زمان

لينهض منصور و هو يتنهد قائلا : ربك ييسرها يابنى ، انت بس زى ماقلتلك ماتسهاش عن الأدوية بتاعتك 

و عندما هم للانصراف قال نبيل بفضول : هتحضر الفرح

منصور بقلة حيلة : حاضر يا نبيل ، هعمل لك كل اللى انت عاوزه

نبيل : و ياريت انت كمان تبقى عاوزه يا بابا

ليتركهم منصور و يخرج من الغرفة و هو يومئ برأسه ، و بعد ان اغلق الباب قال نادر : تفتكر هينفذ الكلام ده بجد

نبيل و هو يدس نفسه بالفراش استعدادا للنوم : اعتقد ان المرة دى هينفذ يا نادر .. فاضل فرح 

نادر بنبرة يأس : اهى فرح دى اللى الكلام معاها فى الموضوع ده بالذات و اقناعها بيه درب من الخيال

نبيل : بس لازم احاول ، و انت لازم تساعدنى ، انا لو نجحت فى المحاولة دى ، هيبقى بالنسبة لى اكبر نجاح نجحته فى حياتى 

نادر بمرح : و هو انت كنت بتنجح فى حاجة غير بالزق اصلا

نبيل بمرارة : كانت خيابة و قلة فهم ، ضيعنا عمرنا على الفاضى ، يا خوفى من اللحظة اللى هقف فيها بين ايدين ربنا و يسألنى قضيت عمرى و ضيعته فى ايه

نادر : رحمة ربنا واسعة اوى يا نبيل ، و ان شاء الله تكون العمرة اللى عملناها مبرورة و مقبولة و نكون رجعنا منها زى يوم ما اتولدنا

نبيل : يارب يا نادر .. يارب

……………..

قبل موعد الزفاف بيوم واحد ، كان الجميع مجتمعين بمنزل فاطمة و هم يستعدون للزفاف فى جو مبهج و سعادة بالغة ، و يتردد صدى الضحكات من الجميع على الرقص المتبادل بين احمد و محمود و نادر و زوجى شقيقتيهما حسن و حسين  ، و كان نبيل يحاول الاندماج معهم فى مرحهم و لكنه كان يجلس بمكانه بجانب فرح و كامل و الكبار الذين انضمت اليهم دولت الذى طلب منها نبيل الذهاب معهم ، و غاب عنهم منصور كالعادة  ، فقد رفض بشدة طلب نبيل فى الذهاب بصحبتهم بحجة انه لايستطيع دخول منزل طليقته و زوجها 

و كان نبيل كل حين و اخر يميل على شقيقته يقبلها بحب و هو يهنئها و يتمنى لها السعادة و الهناء 

حتى حان موعد انصراف الجميع لكى يستعدوا لليوم التالى فطلب نبيل ان يتحدث مع فرح امام المقربين ، فقال لها : كنت عاوز اكلمك فى موضوع كده يافرح ممكن

 لتقول له فرح بحنان : ااه طبعا يا حبيبى ، تحب ندخل جوة 

نبيل برفض : لا يا حبيبتى ، اللى هقوله مش سر 

فرح : طب قول انا سمعاك

نبيل : عاوزك تسامحى بابا يا فرح

فرح بهدوء : حبيبى يا ريت ماتشغلش بالك بالكلام ده ، الموضوع ده شبه منتهى 

نبيل : انا عارف انك موجوعة منه ، بس عشان خاطرى ، خلينا نقفل الصفحة دى بقى

فرح : عشان خاطرى انت يا نبيل ، بلاش انت بالذات تكلمنى فى الحكاية دى

نادر : و لو قولنالك ان دى امنيتنا الوحيدة  

فاطمة بتعاطف مع نبيل  : ما خلاص بقى يا فرح ، احنا مش هنفضل العمر كله نتكلم فى الحكاية دى ، و مهما ان كان ده ابوكى ، يعنى مش هنفدر نغير ده مهما حصل 

فرح بصدمة : انتى اللى بتقولى كده ، انتى اللى عاوزانى ارجع علاقتى بيه و اسامحه ، طب ازاى ، ازاى و انتى اتهامك ليا انى سبب خراب حياتك هو اللى وصلنى للمرحلة اللى انا فيها دى 

فاطمة بانكار : انا اتهمتك .. امتى ده ، الكلام ده عمره ماحصل 

فرح بغضب : و لما رميتينى و انا لسه مولودة  لخالى و مراته بالشهور من غير حتى ماتعرفى شكلى .. يبقى ماحصلش ، لما كنتى دايما تبصيلى بغضب كل ما كنت اغلط اى غلطة كل الاطفال بيغلطوها عادى و كنتى دايما تقوليلى بكفاياكى بقى .. كفاية اللى حصللى من تحت راسك ماكانش اتهام ، و لما رفضت انى اقول لعمو عادل يا بابا زى اخواتى و رغم انى كنت لسه عيلة صغيرة و مش فاهمة حاجة .. ماقلتيليش انى عاوزة اخرب حياتك من تانى زى ماخربتها اولانى 

فرح و هى تحاول التقاط انفاسها : اوعى تكونى فاكرة انى عشان كنت صغيرة وقتها انى نسيت او مافهمتش ، لا ، ده انا خزنت جوايا كل كلمة اتقالتلى منك و من الكل ، اتعاملت طول عمرى على انى قدم الشوم من الكل و انتى كنتى اولهم ، فكرينى كده خدتينى فى حضنك امتى زى اى ام .. انا اقول لك ، عمرها ماحصلت ، ااه كنتى بتحاولى تردى عنى شوية من اللى كانت مراة خالى بتقوله عنى او لو سمعتى حد بيقول كلمة كده و اللا كده ، بس عينك كانت دايما بتقوللى عكس اللى كنتى بتقوليهولهم 

انا كرهت منصور من رفضك ليا قبل رفضه هو ليا ، يمكن رجعتى تانى خدتينى و مارميتينيش زيه ، لكن انتى عملتى كده عشان الناس و المجتمع ، و عمرك ما اعترفتى حتى بينك و بين نفسك انى ماليش ذنب و انى مش انا اللى طلقتك يا امى .. و ان منصور هو اللى طلقك 

كان الجميع يستمع لفرح وسط ذهول تام من حديثها فهى للمرة الاولى تصرح بتلك المشاعر المدفونة بداخلها ، او بتعبير أدق .. تلك الاتهامات الموجهة الى أمها وتلك النيران التى تحاول اخمادها بداخلها على طول سنوات عمرها 

و لكن كانت فاطمة اكثرهم ذهولا ، فهى لم تشعر يوما بما اقترفت يداها مع ابنتها ، و لكن كانت صدمتها الاشد ان فرح لم تكذب ابدا ، فكانت تنظر لابنتها بصدمة و الدموع تملأ مقلتيها ، ليس حزنا مما قالته فرح و لكن تصديقا على حديثها و ما كان منها الا ان نهضت من مكانها متجهة الى فرح و اخذتها بين احضانها و هى تبكى قائلة : انا اسفة يا بنتى ، عمرى ماحسيت ابدا انى كنت بوجعك بالشكل ده ، حقك عليا ، انتى عندك حق فى كل كلمة قلتيها 

و بعد بضع دقائق قال نبيل فى محاولة لتهدئة الموقف : ممكن تقعدى يا فرح عشان انا لسه ماخلصتش كلامى 

فرح و هى تحاول مداراة الغضب الكامن بداخلها : ارجوك يا نبيل ، بلاش تبقى طرف فى الصراع ده ، انا عمرى ماهسامح منصور ، و عمرى ماهصفاله ابدا 

ليتنهد نبيل بالم ثم يقول بتمنى : نفسى ارجع لربنا و انا شايف لمتكم حوالين بعض ، هى الامنية دى كتيرة عليا للدرجة دى 

فرح بنشيج : ماتمسكنيش من ايدى اللى بتوجعنى يا نبيل ، بلاش عشان خاطرى 

نبيل بأسى : صدقينى يا فرح انا بعمل كده عشان خاطركم ، يمكن ماتفهميش دلوقتى ، لكن اكيد هييجى يوم و تفهمى ، انا طلبت من بابا يحضر الفرح ، و وافق ، و بطلب منك انك تتقبلى ده و تعتبريها بداية .. ارجوكى 

لينظر كامل الى فرح قائلا بهدوء و هو يشير بطرف عينيه الى نبيل الذى يسكن الوهن على محياه : وافقى يا فرح … عشان خاطر نبيل ، و مش لازم يعنى نسيح السمن على العسل ، كل واحد هيبقى فى حاله برضة ، بس مايبقاش فى القطيعة اللى مضايقة اخوكى دى 

فرح : انت اللى بتقول كده بعد كل اللى عمله معاك و معانا 

كامل : كله يهون عشان خاطر نبيل 

نبيل و هو يحاول اضفاء المرح : تسلم يا ابن عمى ، هو ده العشم برضة 

………………..

ليحضر منصور حفل الزفاف بالفعل وسط فرحة نبيل و نادر ، و اللذان لم يخفى عليهما فرحة رحمة و ندا اللتان كانتا طوال الحفل تنظران بسعادة اتجاه ابيهم الذى كان يرسم ابتسامة دبلوماسية على وجهه و هو يحيى المدعوين 

كان حفلا بسيطا و لكنه كان مليئا بالحب و السعادة لكامل و فرح ، حتى سليم لم يستطع ان يعكر صفو فرح كعادته برغم تجهمه طوال الحفل و الذى ارجعه البعض الى عدم وجود خطيبته بصحبته ، الا انه قدم التهانى بصحبة امه و ابيه و جلس بجوارهم و هو يتابع فقرات الحفل بشرود واضح حتى قالت له سامية بخفوت : ماتفرد وشك ده شوية ، انت هتفضل طول القاعدة مكشر كده

سليم : عاوزانى اعمل ايه يعنى 

سامية : لا انت اول و لا اخر واحد تتفسخ خطوبته يعنى ، ايه المشكلة ، عروسة راحت وبكرة ييجى ست ستها 

لتأتى عليهم فاطمة مرحبة بهم و تقول بتساؤل : اومال لمياء فين ، انت ماعزمتهاش يا سليم و اللا ايه 

و قبل ان يجيب سليم قال سعد : ماخلاص بقى يا اختى ، النصيب اتقطع لحد كده

فاطمة بعبوس : لا حول و لا قوة الا بالله ، ليه كده بس ، دول روحهم فى بعض

سامية و هى تنظر لسعد باستياء : عين و صابتهم يا فاطمة ، زى مايكون حد عمل لهم عمل 

فاطمة برفض : ايه الكلام الفارغ ده … عمل ايه و هبل ايه ، يقعدوا مع بعض و يتصافوا كده و ان شاء الله الامور ترجع لمجاريها من تانى 

سامية بايعاذ : فضلوا زى الفل لحد ما كانوا عندك فى البيت فى حفلة نجاح اسم النبى حارسة محمود ، و من ساعتها و هم اكنهم هيولعوا فى بعض

لتنظر لها فاطمة بضيق بعد ان فهمت تلميحاتها المريضة و قالت لسليم : خلاص يا سليم ، اما تبقى تصالحها يابنى ان شاء الله ماتبقاش تجيبها عندنا تانى عشان ماتتخانقوش مع بعض تانى 

سعد باحراج من تلميحات زوجته : انتى فهمتى ايه بس يا فاطمة ، سامية ماتقصدش ، مانتى عارفاها مدب و مابتعرفش تختار كلامها 

فاطمة و هى تتركهم للذهاب لباقى المدعوين : عادى يا سعد ، مانا عارفة يا اخويا 

و بعد ان تركتهم فاطمة نظر سعد بغيظ لسامية قائلا : هو انتى مافيش فايدة فى لسانك اللى عاوز ينقص حتة ده

سامية باعتراض : و هو انا قلت ايه ، مش هو ده اللى حصل ، رقعوا الواد و خطيبته عين جابوهم الارض

سعد برفض : هم برضة اللى رقعوه عين ، و اللا المحروس ابنك اللى اتغاظ و غار لما عرف ان فرح هتتجوز 

سامية : و هيغير ليه ان شاء الله

سعد : عشان بيحبها طول عمره يا ست سامية ، بس منها لله بقى اللى كانت كل ماتتكلم تزم فيها و تطلع عليها كلام مايتقالش ، و هو فضل ماشى ورا الكلام و هو متغمى لحد مافاق و هى رايحة منه

سامية بغضب و هى تحاول السيطرة على نبرات صوتها : انت شكلك كبرت و خرفت

سعد بكيد : و لمياء كمان خرفت ، اهى هى اللى فهمت لوحدها و عشان كده بعدت و اشترت كرامتها ، و اهو بعد ماكنتى بتعايريها و تسمى بدنها فى الرايحة و الجاية ، ابنك اللى خاب و قعد جنبك بحسرته ، منك لله يا شيخة

كان سليم يتابع كل كلمة تدور بين ابويه و هو ينظر بوجوم لفرح و التى و ان كانت تبدو عليها بعض مظاهر الرهبة الا انها كانت رائعة الجمال فى ثوب زفافها و كامل الذى تبدو السعادة على وجهه و ضحكاته التى لم تنقطع لحظة واحدة 

حتى جائت لحظة عقد القران ليذهب نبيل و هو يسحب فرح بحب اتجاه المائدة المعدة لعقد القران ، و معهم كامل ليضع كامل يده فى يد نبيل و اخذا يرددان وراء القاضى الشرعى مايمليه عليهما من كلمات باركت زواجهما ، و ما ان استدعى القاضى الشاهدان للتوقيع الا و فوجئت فرح ان الشاهدان لم يكونا سوى منصور و ابراهيم فنظرت بعتاب غاضب الى نبيل الذى دسها بين احضانه و مال على أذنها قائلا : افرحى يا فرح ، عيشى اللى جاى و انسى اللى راح بقى و اقسملك انى عملت كده عشانك انتى مش عشان حد تانى .. اوعى تزعلى منى .. انتى عارفة انا بحبك اد ايه 

لتتنهد فرح و تبادله الاحتضان و تقول : ماشى يا نبيل مش هزعل منك بس عشان خاطرى بطل تفاجئنى تانى 

نبيل بشرود : المفاجئة المرة الجاية مش هتبقى بمزاجى صدقينى 

فرح بريبة : تقصد ايه

ليبتسم نبيل و يقول بمرح : اقصد انى لو ماسيبتكيش دلوقتى حالا كامل ممكن يغتالنى 

ليقبل رأسها و يقدم التهنئة لكامل قائلا : الف مبروك يا ابن عمى ، ربنا يسعدكم

ليستمر الاحتفال لبعض الوقت ، حتى انتهى الزفاف و ودع المدعوون الزوجان اللذان انطلقا الى عشهما الجديد ، بعد ان اوصت فرح شقيقها نادر بان يصطحب نبيل الى المشفى مرة اخرى للاطمئنان عليه ، و لكن نبيل طلب الذهاب للمنزل هذه الليلة ثم العودة الى المشفى فى اليوم التالى 

……………….. 

وصلت فرح بصحبة كامل الى منزلهما بصحبة اشقائها جميعا و هم يزفونها فى جو من البهجة ، و وضعت شقيقاتها لهما الكثير من المأكولات والمشروبات و الحلوى فى البراد و غادر الجميع وسط الدعوات الصادقة لهما بالسعادة و الهناء 

و بعد ان خلا المنزل عليهما ، كانت فرح تكاد تفقد الوعى من رهبتها ، و كأنها عند موافقتها على الزواج كانت تعتقد انه لن يصل ابدا الى تلك الخطوة الجدية التى طالما رفضتها سابقا ، و عندما لاحظ كامل عليها ذلك قال : ايه يا فرح مالك .. حاسك متاخدة و خايفة كده ليه

فرح : بصراحة ماكنتش فاكرة ابدا اننا هنوصل للحظة دى 

كامل بمرح : ليه يعنى ، عمرك ما دخلتى لعبة و وصلتى فيها لليفل الوحش 

لتنظر له فرح بريبة قائلة : تقصد ايه

كامل بضحكة صغيرة : اقصد انى مش هاكلك يا فرح ، ثم مد يده اليها بهدوء قائلاً : تعالى اقعدى .. فى كلمتين احب اقولهملك 

لتجلس فرح معه و هى تنظر اليه بانتباه فيقول : فى شوية حاجات احب انك تعرفيها من البداية عشان ان شاء الله نفضل فى سعادة طول عمرنا .. اولا .. كل شيفتاتنا فى المستسفى هتبقى مع بعض ، لانى طبعا ما احبش انى ارجع البيت و مراتى فى الشغل ، و نشوف بعض بالصدفة ، اكيد مش هتبقى حلوة ابدا 

ثانيا .. زى ما انتى اكيد عرفتى عنى .. انا راجل متعاون جدا ، يعنى تأكدى ان الحاجة اللى اكون بعرف اعملها هتلاقينى بعملها معاكى من غير ماتطلبى منى ، لكن فى المقابل .. انا راجل بحب النظام و الترتيب و النضافة فى كل حاجة و فى كل وقت .. يعنى مش معنى انى بساعدك انى الاقيكى تهملى فى واجباتك 

ثالثا .. ان شاء الله لما ربنا يرزقنا بولاد .. يوم ماهحس انك مش قادرة توفقى بين شغلك وبينهم رغم مساعدتى ليكى اللى عمرها ماهتنقطع الا انى وقتها ممكن افضل مصلحة ولادنا على مصلحة شغلك 

كانت فرح تستمع اليه و ترتسم على وجهها علامات البلاهة ، و كأن كامل يتحدث بلغة لا تفهمها و لكنه عندما قال جملته الاخيرة وجدها تقول بجدية : بس انا مش عاوزة ولاد ، و مش ناوية اخلف يا كامل 

كامل بتعجب : و ليه مش عاوزة ولاد .. عشان شغلك 

فرح برفض : لا مش عشان شغلى ، لكن عشان ده قرار انا واخداه من سنين

كامل بفضول : و قرار ايه ده بقى اللى انتى واخداه من سنين يا ترى 

فرح : انى مش هجيب للمجتمع حد معقد من تانى ، المجتمع مش ناقص

كامل و كأنه يثبر اغوارها : تقصدى ايه بحد معقد من تانى ، هو مين الاولانى 

فرح و هى تنظر امامها بجمود : أنا

كامل : و انتى شايفة انك معقدة 

فرح و قد بدت عليها علامات الخجل : ايوة 

كامل : رغم انى مش شايف ابدا انك كده ، لكن انتى كدكتورة ، ليه ما لجأتيش لحد متخصص و طلبتى المساعدة 

فرح : تقصد اروح لدكتور نفسى 

كامل : و ليه لأ ، طالما انك حاسة انك عندك خلل من جواكى 

فرح و هى تزدرد لعابها : ايوة، بس المرضى بتوعى ازاى هيثقوا فيا لو حد فيهم عرف انى بتعالج عند دكتور نفسى 

كامل : و هم هيعرفوا منين و ازاى ، ثم ان الدكتور النفسى دلوقتى زيه زى اى دكتور ، اعتقد ان الناس مفهومها للحكاية دى اتطور. مابقاش زى زمان 

فرح برفض : مش حقيقى ، فى حاجات بتفضل راسخة جوانا مهما العلم و التطور حاربها بتفضل متاصلة جوانا بجذورها مابتتخلعش ابدا 

كامل : و رغم ذلك برضة مش عذر ، و انا ممكن اساعدك و اشوف لك حد ثقة 

فرح بذهول : انت

كامل ببساطة : ايوة انا ، المفروض انى دلوقتى بقيت جوزك ، و انى اكتر واحد يهمه مصلحتك 

فرح بحمحمة : نبقى نتكلم فى الموضوع ده بعدين 

كامل برفض : لا يا فرح مش بعدين ، ودى رابع حاجة لازم تعرفيها عنى .. انى مابحبش الهروب ، بحب المواجهة ، زى مابيقولوا بحب اقطع عرق و اسيح دمه ، دايما المواجهة بتبقى اقصر الطرق لحل المشاكل ، و انتى لازم تتصالحى مع نفسك لانى مش هتنازل ابدا ان يبقى عندى ولاد

و رغم ان بكلامك ده ظلمتينى لانك حطيتينى فى كفه واحدة مع منصور و اتهمتينى بانى ممكن اغدر بيكى و بولادنا زى ماهو عمل 

فرح باحراج : انا ماقلتش كده

كامل بتنهيدة : كلامك معناه كده يا فرح  ، بس انا عشان مقدر اللى حصل معاكى مش هعاتبك و لا هلومك ، بس هقوم بواجبى ناحيتك 

فرح : واجبك ناحينى اللى هو ايه بالظبط

كامل بابتسامة حنونة : انى اثبتلك انى نسخة تانية خالص من الرجالة ما اتعاملتيش معاها قبل كده …. و زى ما هثبت لك برضة انى مش منصور

………………

كان نبيل قد قضى ليلته بمنزل منصور ثم عاد الى غرفته بالمشفى مرة اخرى فى اليوم التالى و كانت فرح تتحدث اليه هاتفيا كل صباح و هى توصيه بنفسه و توصى نادر بان يتابع مع طبيبه المختص و يبلغها كل المستجدات اولا باول 

و فى اليوم الرابع ، قامت فرح بمهاتفة نبيل كالعادة لتسمع صوته يأتيها واهنا بشدة و هو يقول : فرح .. الحمدلله انى سمعت صوتك 

فرح بجزع : مالك يا نبيل ، انت تعبان ، نادر فين و ماكلمنيش ليه 

نبيل و هو يلتقط انفاسه بصعوبة و الالم يبدو بشدة على نبرات صوته : انا منعته يكلمك 

فرح : انا جايالك حالا لتغلق الهاتف و هى تنادى كامل بصوت كالصراخ قائلة : الحقنى يا كامل 

ليأتيها كامل منزعجا و هو يقول بلهفة : فى ايه 

فرح و هى تتناول ملابسها و ترتديها بسرعة و صوتها يرتعش من الانفعال و القلق : نبيل يا كامل ، نبيل تعبان اوى لازم نروحله حالا

 و ماهى الا نصف الساعة حتى كانت فرح بصحبة كامل بحجرة نبيل بالمشفى و التى وجدوا بها منصور و نادر و دولت و هم فى حالة يرثى لها من البكاء و الحزن فاتجهت فرح من فورها الى فراش نبيل الذى كان يرقد عليه بضعف و وهن شديدين فقالت برهبة : ايه اللى حصل ، انت كنت كويس امبارح .. ايه اللى حصل

نبيل و هو يهز رأسه برفض : عمرى ماكنت كويس يا فرح ، كل الحكاية ان قدرتى على التمثيل راحت ، مابقيتش قادر امثل اكتر من كده ، ثم نظر لكامل قائلا … عاوز مسكن قوى يا كامل ، الدكتور اتأخر اوى ، و الالم بقى فوق احتمالى 

ليخرج كامل هاتفه من جيب بنطاله و يقوم بمهاتفة الطبيب المعالج الذى تعثر فى الوصول بسبب الطريق ،  و بعد قليل كان يحقن نبيل بنوع من انواع المسكنات ذات القدرة العالية على تسكين الالم ، و بعد مرور ما يقرب من العشر دقائق ابتسم نبيل بوهن قائلا : سامحونى ، انا عارف انى حملت على اعصابكم بزيادة بس خلاص هانت

فرح بنشيج : ماتقولش كده ، انا محتاجالك جنبى 

لتجد دولت تردد من بين دموعها : يارب ابنى و نور عينى ، ضنايا و حتة من قلبى ، مش قادرة اشوفه بيتوجع يارب ، اللهم بعلمك الغيب و قدرتك على الخلق أحييه ما كانت الحياة خير له  و توفه ان كانت الوفاة خير له ، و اسالك الاخلاص فى القول و الشهادة و اسألك الرضاء بالقدر و اعوذ بك من ضراء مضرة و من فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الايمان و اجعلنا هداة مهتدين يارب العالمين ، راضية بقدرك يارب .. اللهم لا اعتراض .. اللهم لا اعتراض ، ثم تنخرط فى بكاء حار و هى تضم رأس نبيل المستسلم بين احضانها بهدوء و بابتسامة عذبة تزين ثغره الباهت 

اما نادر فكان يبكى فى صمت و هو ينظر الى توأمه فى احضان امه تارة و الى أبيه تارة اخرى بقلق بالغ ، فكان منصور هو الاخر يبكى فى صمت و عيناه مرتكزتان على ولده لم تطرف ابدا ، و ظلوا هكذا حتى سمعوا شهقة مكتومة من دولت  ثم اخذت تردد فى خفوت متقطع .. لله ما اعطى و لله ما اخذ .. اشهد ان لا إله إلا الله و اشهد ان محمدا رسول الله

……………….

بعد مرور شهرين على وفاة نبيل كان هناك الكثير من الاحداث التى جرت بسرعة شديدة على غير العادة 

قرر نادر السفر الى الخارج لاستكمال دراسته ، و صرح للجميع عن رغبته فى الهجرة و عدم العودة نهائيا الى ارض الوطن ، و قام بالفعل بمراسلة احدى الجامعات بالخارج و قام بانهاء كافة الإجراءات و بمغادرة البلاد بعد ان عانى من رفض الجميع لتلك الخطوة 

اما دولت فبعد موت نبيل و سفر نادر فقد دخلت فى حالة من الزهد فى الحياة ، و كانت تقضى يومها فى العبادة و قراءة القرآن 

اما منصور فقد انقطع تماما عن الكلام ، فهو لم ينطق كلمة واحدة منذ شيع نبيل الى مثواه الاخير ،  دخل فى حالة من الاكتئاب الحاد الذى حاول ابراهيم اثناء نادر عن السفر بسببها ، و لكنه اصر على الابتعاد ، لكن ابراهيم بعد ان وجد ان حالة منصور تسوء يوما بعد الاخر قرر ان يصطحبه معه الى منزله بالقوة و اصر ان يصطحب دولت ايضا ، و استعان بجليسة مقيمة لتقوم على خدمتهم و رعايتهم جميعا 

اما فرح ، فقد دفنت مع نبيل كل ماقد ينعش روحها ، فاهلكت نفسها فى العمل ، و لولا اصرار كامل على عودتها للمنزل بصحبته لكانت واصلت الليل بالنهار و هى تتابع المرضى و تمرضهم بنفسها مع هيئة التمريض

حتى جاء يوم ، كانت فرح قد عادت الى المنزل بصحبة كامل الذى ذهب لاعداد بعض الطعام و تركها تصلى فرضها و بعد ان عاد اليها وجدها تبكى اثناء سجودها و هى تدعو لنبيل و تشكو الى الله حنينها اليه ، فجلس بجوارها حتى فرغت من صلاتها و قال لها : مش آن الأوان يا فرح اننا نفوق لحياتنا شوية 

فرح : أنا آسفة يا كامل ، انا عارفة انى مقصرة فى حاجات كتير ، بس صدقنى غصب عنى ، حاسة انى عاملة زى العيلة الصغيرة اللى فرحت بلعبة جديدة وبلبس جديد ، و قبل حتى ماتتلفت ، اخدوه منها من تانى ، مالحقتش اشبع منهم يا كامل ، راحوا الاتنين سوا ، وحشونى اوى 

كامل : و مين قاللك بس ان نادر راح هو كمان

فرح : كلمنى النهاردة و فاللى انه مش راجع تانى ابدا 

كامل : ده بس عشان لسه صدمة نبيل مأثرة عليه ، لكن مع الوقت هيبتدى يستسلم للامر الواقع ، و هيلاقى نفسه محتاجلكم زى ما انتم محتاجينه بالظبط 

فرح و هى تمسح دموعها : اللى انا مستغرباله موقف منصور ، كنت معتقده انه هيثور وهيرفض ، لكن …. 

كامل : منصور الله يكون فى عونه ، اللى حصل مش شوية ابدا ، ربنا يصبره هو وطنط دولت 

فرح بتنهيدة : طنط دولت ، الست دى كل يوم بيعدى بستغربها اوى ، لما كان نبيل لسه موجود كان اعجابى بيها بيزيد يوم ورا التانى و انا شايفة ايمانها و ثباتها ، كنت شايفاها ست مؤمنة اوى يا كامل ، و الصراحة كنت دايما بسال نفسى و اقول ازاى وقعت مع واحد زى منصور ، لكن حالة الزهد اللى دخلتها بعد كده خلتنى متلخبطة و مش فاهمة 

كامل و هو يجذبها لتنهض من الارض : ربنا يعينها و يقويها ، مهما كان ايماننا ، لكن من حقنا نحزن ، و اعتقد ان سفر نادر اثر عليها بزيادة ، لكن ان شاء الله برضة حاسس ان كله هيبقى كويس بإذن الله


لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم

14

#ولما قالوا دى صبية

الفصل الرابع عشر

فى احدى الليالى بمنزل رحمة ، كانت تحاول ارسال صغيرها الى النوم و هى تجلس بجواره على الفراش تمسد على رأسه بشرود ، حتى دخل عليها حسن بهدوء و قال لها بهمس : ايه يارحمة ، انتى هتفضلى قاعدة كده كتير 

لتلتفت اليه رحمة قائلة : اول بس ما آدم ينام هاجى على طول 

حسن و هو يشير الى صغيره الغارق فى النوم : آدم نام من بدرى و قرب يصحى ، ايه اللى واخد عقلك 

لتلتفت رحمة الى صغيرها للتأكد من حديث زوجها لتجده بالفعل مستغرقا فى نومه ، لتهندم غطائه و تطمئن على شقيقته و تطفئ الانوار و تتجه الى خارج الغرفة بصحبة زوجها ، و ما ان دلفت الى غرفتها حتى قال لها حسن بحنان : مش ناوية تفوقى بقى يا رحمة 

رحمة: افوق ازاى مش فاهمة 

حسن بلين : يعنى يا حبيبتى تنفضى بقى الحزن ده من على اكتافك ، انا كل ما اقول انك فوقتى ، الاقيكى رجعتى من تانى لنفس الحالة ، احنا بقالنا على الموال ده خمس سنين دلوقتى 

رحمة باستغراب : يااااه ، خمس سنين بحالهم 

حسن : ايوة يا حبيبتى خمس سنين ، فوقى بقى يارحمة ولادك محتاجينك 

رحمة : بس انا مش مقصرة مع الولاد يا حسن 

حسن : حبيبتى انا عارف و متاكد كمان من الكلام ده ، انا اقصد ان آدم دلوقتى خلاص دخل المدرسة و بولان هى كمان كلها سنة و هنقدملها فى البيبى كلاس ، و انتى مجهودك هيتضاعف بزيادة ، يعنى محتاجة تكون نفسيتك تمام عشان تقدرى تواصلى 

رحمة بحزن : و ايه اللى بيحصل حوالينا بس يساعد ان نفسية الواحد تبقى متظبطة 

حسن : يا حبيبتى قولى الحمدلله ، احنا احسن من غيرنا بكتير 

رحمة : الحمدلله ، انا بس صعبان عليا اخواتى و برغم كل شئ الا انى برضة صعبان عليا بابا و خصوصا بعد موت طنط دولت الله يرحمها ، حاساه بقى عايش فى دنيا تانية و احنا متكتفين و مش عارفين نعمل حاجة

حسن بتنهيدة : و نادر راخر اللى ساب البلد و هج و مصمم انه مايرجعش تانى 

رحمة بحزن : محمل بابا كل اللى حصل لنبيل ، و اخر مرة كلمنا بعض فيها لما حاولت اقنعه يرجع حتى عشان خاطر بابا ، قال لى كلام يوجع اوى يا حسن 

حسن بفضول : قال ايه

رحمة بدموع : قال لى انا اتكويت بموت نبيل و من بعده ماما اللى ماتت من حزنها ، ويمكن يكون كل اللى حصل ده عشان ربنا بيعاقب بابا على كل اللى عمله ، و كل اللى بيقرب منه بياخد نصيبه وجع و فراق

حسن باستياء : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، مين بس اللى قال الكلام ده ، هو احنا هنقعد بقى نفند و نفسر كل حاجة على كيفنا ، و بعدين مين فينا يقدر يعترض على ارادة ربنا

رحمة : حاشالله ، استغفر الله العظيم ، ربنا يعفو عنا و يعافينا يارب ، بس انا كلامه وجعنى و خلانى افتكرت كل اللى حصل معانا السنين اللى فاتت دى كلها ، افتكرت يتمنا انا و اخواتى و ابونا عايش على وش الارض ، افتكرت اول مرة شفته لما عمى صمم يعزمنا كلنا قبل مانتجوز ، افتكرت ان عمى كان شارى خاطره رغم ان عمره ما اشترى خاطر حد فينا ، افتكرت عنجهيته و قسوته ، افتكرت كسرة خاطرى و خاطر ندا فى كل كلمة كان بيقولهالنا على مصاريف جوازنا و اكنه بيمن علينا بيها ، افتكرت فرح و اصرارها انها تبعد عنه و تعاقبه بنفس اسلوبه ، افتكرت نبيل الله يرحمه و هو بيشحتهولنا انا و اخواتى  و هو كان بيبصلنا بكل صلف و غرور و عنجهية و محسسنا ان مجرد كلامه معانا انه بيمن علينا .. و ان كوننا شايلين اسمه فده فى حد ذاته جميل كبير له فى رقبتنا ، و رغم كل ده .. الا انى برضة موجوعة عشانة 

حسن : هنفضل نقلب فى المواجع كده كتير 

رحمة : انا اسفة يا حسن ، انا عارفة انك مستحملنى بقالك فترة كبيرة و مش عاوز تزعلنى 

حسن و هو يجذبها لاحضانه : حبيبتى انا مش متحملك و لا حاجة ، انا بس 

متضايق عشانك ، و حاسس انى متكتف و مشلول و انا مش قادر اعمل لك حاجة 

رحمة بامتنان : حبيبى كفاية انى احس انك حاسس باللى فيا ، دى لوحدها عندى حاجة كبيرة اوى

حسن : انا شايف بابا متمسك بعمى انه يفضل عنده ، لكن لو تحبى انا ممكن اقنع بابا يسيبه ييجى يقعد عندنا و لو حتى كام يوم اكنه بيغير جو  

رحمة و هى تبحث فى وجه حسن عن اى معالم للمراوغة : انت بتتكلم جد يا حسن ، ممكن فعلا نستقبل بابا عندنا و هو فى الحالة دى 

حسن : لو انتى عاوزة ده ، فانا ماعنديش اى مانع ، و من الصبح هكلم بابا و اقنعه كمان 

رحمة بتفكير : طب اسمع ، ندا مجمعانا عندها يوم الخميس بالليل ، ايه رأيك نقول لعمو يجيب معاه بابا ، و ييجى معانا على هنا 

حسن و هو يدير التفاصيل بذهنه : ماشى ، هكلم بابا و ارتب معاه 

………………

فى مستشفى كامل ، كان كامل قد انهى عمله و يجلس بمكتبه فى انتظار فرح و هو يراجع بعض الاوراق الخاصة بالعمل ، حتى دلفت اليه فرح و هى تقول : انا جاهزة يا كامل ، تحب تمشى دلوقتى و اللا قدامك شوية 

كامل بانتباه : انا كمان جاهز ، هوصلك و ارجع على هنا اكمل شوية اداريات كده و هرجعلك تانى فى ميعادك

فرح بتعاطف : انت عملت كذا عملية النهاردة و واقف على رجلك طول اليوم ، خليك انت مرتاح و انا هروح ، و لما اخلص هكلمك و نتقابل فى البيت او حتى عند ماما و انا بجيب الولاد

كامل و هو يلملم اوراقه و يضعها بمغلفها : لا يا ستى ماتشغليش بالك بيا ، انا هبقى متطمن اكتر اما اوصلك و ارجع اخدك و نروح نجيب الولاد سوا 

فرح بقلة حيلة : على راحتك ، انا كنت عاملة على تعبك 

كامل بابتسامة : لا يا ستى ماتقلقيش انا مابتعبش و انا معاكى 

ليتجها معا الى السيارة و ينطلقا بطريقيهما ، حتى هبطت فرح من السيارة و هى تقول : بعد ساعة و نص بالظبط ان شاء الله هتلاقينى واقفة مستنياك 

ليومئ لها كامل بابتسامة و يدير السيارة و يبتعد بها و هو يراقب فرح بمرآة السيارة و هى تدلف الى مدخل العقار الراقى و هو يتذكر ما دار بينه و بين فرح منذ ثلاث سنوات مضت 

فلاش باك 

كانت فرح بالمطبخ تعد طعام الغداء بمساعدة كامل كعادتهما سويا ، و اثناء حديثها مع كامل لاحظت صمته على غير العادة فقالت : مالك يا كامل ، حاساك مش على طبيعتك انت فى حاجة شغلاك او مضايقاك 

كامل : ابدا , بس عندى ضرس بيوجعنى و حاسس انه مقريفنى 

فرح : اكيد طبعا ، سلامتك .. طب ماخليتش دكتور صلاح يبصلك عليه ليه قبل مانروح

كامل : بصلى عليه و عمللى اشعة ، و ادانى مضاد حيوى عشان اللثة ملتهبة ، و قاللى خد مسكن و مستنى اتغدا عشان اقدر اخد 

فرح : طب ياللا خلاص الاكل جهز ، كل و خد المسكن ، بس هتاخد ايه 

كامل : هبقى اخد قرص من عندك 

فرح : ماشى ، وطبعا ماجيبتش عشان عارف ان شنطتى دايما لا تخلو من المسكن 

بعد الغداء ، اتجهت فرح الى تنظيف المائدة و الاوانى و هى تقول : روح انت اغسل ايدك على ما انضف الدنيا واعمللك حاجة تشربها مع المسكن

ليتجه كامل الى حجرتهم بعد ان غسل يديه و هو يقول بالم : انا هاخد قرص مسكن من شنطتك يا فرح ، و لكن فرح لم تستمع اليه نتيجة صوت المياة ، ليتجه كامل الى حقيبة يدها و يقوم بفتحها ، و عند النظر بداخلها وجد اكثر من شريط بحتوى على اقراص دوائية ، و عندما جذبهم لينتقى الاقوى وجد من بين الشرائط نوعا لا ينتمى للمسكنات ، بل هو مانع للحمل ، ليسقط فى يده ، فهو يتذكر مصارحة فرح له ليلة زفافهم انها لا تريد الانجاب و لكنه بعد حديثهما معا  و اقناعه لها بان ترتاد احدى عيادات الطب النفسى للتخلص من مخاوفها ، اعتقد انها قد تخلصت من بعض تلك الوساوس .. خاصة بعد تقبلها الجزئى للتعامل مع منصور ، و برغم انه لم يكن تعاملا كابنة و ابيها الا ان الجمبع قد اعتبر ذلك تطورا عظيما 

ظل كامل ينظر الى الشريط الدوائى بيده و هو غارق فى تفكيره و التساؤلات تكاد تفتك برأسه ، الا انه عندما سمع صوت خطواتها تقترب منه ، اعاد شرائط العقارات سريعا الى حقيبتها ، و اعاد الحقيبة مكانها ، و عندما دخلت عليه فرح و بيدها كوبا من الماء ، فوجدته واقفا جامدا مكانه فقالت : ايه يا كامل .. اجيبلك بقى المسكن 

ليتجه الى الفراش و يجلس عليه بهدوء قائلا : ااه ياريت 

لتناوله فرح المسكن و الماء ، ليتناوله ثم قال : شكرا يا فرح ، انا كنت عاوز اسألك ، انتى عاملة ايه مع دكتورة ايمان 

فرح بتركيز : دكتورة ايمان مين 

كامل : الدكتورة النفسية بتاعتك

فرح : اااه ، عادى 

كامل : يعنى ايه عادى ، حاسة انك بتتقدمى معاها و اللا لسه خايفة

لتنظر فرح لكامل وكأنها تستشف ما يدور برأسه ثم تقول : انا طبعا حاسة ان فى فرق .. بس لسه

كامل : لسه ايه بالظبط 

فرح بلجلجة : لسه يا كامل ، لسه مش حاسة انى رجعت لروحى 

كامل بتنهيدة تحمل الالم  : كنت عاوز اسألك سؤال مهم 

فرح : اسأل 

كامل : يا ترى مشاعرك ناحيتى ما اتحركتش 

فرح بخجل : تقصد ايه 

كامل و هو يجذبها لتجلس بجواره : اقصد اننا متجوزين دلوقتى بقالنا سنتين و بقى فى بيننا عشرة و ود و رحمة ، هل العشرة دى ما حركتش مشاعرك من ناحيتى ، هل احساسك بكامل النهاردة هو نفس احساسك بكامل يوم ما اتجوزنا

فرح و هى تنظر ارضا : لا طبعا ، اكيد فى فرق

كامل : و  يا ترى بقى ايه الفرق

فرح : يعنى يا كامل ، العشرة اكيد غيرت حاجات كتير بس انا مش هعرف اشرح لك بالظبط

ليمد كامل انامله الى ذقنها و هو يرفع وجهها لتتلاقى اعينهم ليقول بفضول يتملكه الامل : حبيتينى يا فرح

فرح و هى تحاول ان تهرب بعينيها لتستطيع السيطرة على خجلها : انت ايه اللى حصل لك النهاردة ، هو كل اللى اسنانه بتوجعه بيبقى كده 

كامل باصرار : حبيتينى يا فرح و اللا لسه ماعندكيش ثقة فيا 

فرح باستغراب : انا بثق فيك يا كامل ، انت ليه بتقول كده 

كامل و هو يتجول بين عينيها : لو كنتى بتثقى فيا .. ماكنتيش صممتى تنفذى اللى فى دماغك من غير ماتصارحينى 

فرح بدهشة : اصارحك بايه ، انا مش فاهمة حاجة 

كامل و هو يشير بعينيه الى حقيبتها : طلعى شرايط الادوية من شنطتك

ليسقط بيد فرح ، فقد تيقنت على الفور ماهية ما يتحدث عنه كامل ، لتنظر الى حقيبتها ببهوت ثم تنظر لكامل بتردد و تقول : ماقدرتش .. سامحنى

كامل و قد بدأت تتغير نبرة صوته لتنم عن الالم : ببساطة كده ، اسامحك بالبساطة دى و انتى بتضحكى عليا و بتغشينى يافرح

فرح بصدمة : انا بغشك يا كامل 

كامل بغضب لم تراه منه فرح من قبل : اومال انتى مفكرة اللى عملتيه ده ايه ، لما تعملى حاجة زى كده من ورايا يبقى اسمه ايه ، من يوم ما اتجوزنا و انا مفهمك انى اكتر حاجة بحبها الصراحة و الصدق ، ليه تكدبى عليا 

فرح و الدموع تهدد عينيها بالانحدار : انا ماكذبتش عليك

كامل بحزم : خبيتى عليا حاجة عملتيها ، كنا اتفقنا عليها انها ماتتعملش يا فرح

فرح بنشيج : ماقدرتش 

كامل باستنكار : ماقدرتيش على ايه بالظبط ، ماقدرتيش تثقى فيا ؟

فرح برفض : انا بثق فيك ، و بحبك 

كامل بغضب : مش حقيقى ، رفضك الخلفة من البداية كان عدم ثقة فى الرجالة اللى انا منهم من وجهة نظرك ، و لو كنتى حبيتينى زى ما بتقولى كنتى على الاقل وثقتى فيا ، و ماكنتيش تخدعينى 

فرح برفض و سط بكاء شديد : مش حقيقى .. خوف مش عدم ثقة ، خوف منى مش منك ، خوف يطلعوا مشوهين من جوة زيى ، خوف انك تزهق من الهوة اللى جوايا و تبعد عنى و يبقى مصيرهم نفس مصيرى ، خوف من انى ما اقدرش اخليهم يحبوا الدنيا و الناس زى البشر الطبيعيين ، خوف من انى ابقى ام فاشلة ماتقدرش تحسس ولادها بالحنان و الحب الل اتحرمت منهم طول عمرى لان فاقد الشئ لا يعطيه يا كامل ، تقدر تقوللى امتى حسيت بحبى ليك رغم انك بقيت النفس اللى بتنفسه ، طبعا ماحصلتش .. تعرف ليه ، لانى اتصبيت فى قالب جامد من سنين و فضلت فيه طول عمرى لحد ماضاق عليا و خنقنى و مش عارفة حتى اخرج منه ، اوقات كتير و احنا قاعدين نتفرج على فيلم و اللا مسلسل و ييجى مشهد رومانسى ، ببقى نفسى ابصلك و اصرحلك بحبى اللى عمرى مافكرت انه يحصل فى يوم من الايام ، لكن ماكنتش بقدر ، لسانى كان بيتربط ، فى عز الاوقات اللى كنت بتصارحنى فيهم بحبك كنت ببقى نفسى حتى اقدر اقول لك و انا كمان ، بس ماكنتش بعرف ، كنت بحس بقمة الفشل و انا فى حضنك ، مش عاوزة اجيب ولاد يورثوا الفشل  منى يا كامل 

كانت فرح تتحدث من وسط نشيجها المتواصل و الحار فى نفس الوقت ، و كان كامل يراقب انفعالها و هو جامد مكانه للمرة الاولى دون محاولة تهدئتها و عندما انتهت من حديثها نظر لها نظرة ملؤها العتاب و الالم و اتجه الى خارج الغرفة لتنهض فرح بفزع و تتشبث به قائلة : لا يا كامل ارجوك ، اوعى تسيبنى و انت زعلان منى .. مش هقدر 

كامل بمرارة : رغم انك قدرتى تخدعينى 

لتتشبث به بقوة اكبر و هى تقول : انا عارفة انى غلطت و غلطة كبيرة اوى كمان ، لكن ارجوك سميها اى حاجة تانية الا الخداع يا كامل ارجوك 

كامل : اى تسمية تانية هتأدى لنفس المعنى و نفس النتيجة يا فرح

فرح برعب : نتيجة ايه يا كامل ، هتسيبنى … هتسيبنى يا كامل ، مع اول مشكلة هتتخلى عنى يا كامل 

كامل : انتى شايفة ان دى مشكلة 

فرح بانهاك من اثر البكاء : غلطة يا كامل ، غلطت ، ماعنديش ثقة فى نفسى ، اقف جنبى زى عادتك و ساعدنى انى ارجع ثقتى فى نفسى ، لا .. غلط .. انا عمرى ماكان عندى ثقة فى نفسى .. يبقى تساعدنى ان يبقى عندى الثقة دى

كامل بالم : سيبينى شوية يا فرح .. محتاج اقعد مع نفسى شوية 

فرح و هى تمسد جبهتها باضطراب و عدم تركيز و هى تنظر تارة لكامل و تارة الى اللاشئ  : طيب انااااا … انااا هحاول انااام ، انااا حاسة انى تعبانة اوى و مش قادرة  افتح عينى ، و استدارت لتذهب الى الفراش و لكنها سقطت ارضا قبل ان تكمل اولى خطواتها ، ليسرع كامل اليها ليجدها عبارة عن كتلة من اللحم البارد و الشحوب ، ليحملها الى الفراش ثم بدأت محاولاته لاعادتها الى الوعى والتى بالكاد استجابت لها بعد أن كاد كامل ان يحملها الى المشفى 

و ما ان بدأت تستعيد الوعى و تتذكر ما حدث و هى تراقب اللهفة والقلق فى عينا كامل  حتى قالت بخفوت : و الله بحبك و بثق فيك ، بس مابثقش فى روحى يا كامل 

ليلتقط كامل انفاسه و كأنه قد نسى التنفس من فرط قلقه عليها ، و مد يده ليحتضن رأسها بين جنبات صدره قائلا : ماشى يا فرح هصدقك ، لانى بحبك و لانى عاوز اصدق ان انتى كمان بتحبينى 

فرح بأمل : ااه و الله يا كامل بحبك ، بس اصبر عليا شوية عشان خاطرى ، اوعدك انى هبذل مجهود اكبر عشان اعمل لك كل اللى انت بتتمناه 

ليشير كامل الى حقيبة يدها قائلا : اول حاجة تتوقفى تماما عن الاقراص دى ، و هنركز اكتر مع جلسات الدكتورة ايمان ، مش عاوزين نضيع ولا معاد ، و لو عاوزانى احضر معاكى الجلسات انا ماعنديش مانع

فرح و هى تنظر لعينيه و كانها تبحث عن صدق حديثه : بجد يا كامل ، لو انا احتاجتك جنبى هتيجى معايا 

كامل بتنهيدة : و من امتى وعدت و اخلفت يا فرح ، و من امتى احتاجتينى جنبك و اتخليت عنك

لتندس فرح بين احضانه قائلة بخفوت : عمرك ….. ، سامحتنى 

كامل : لا 

لتتجمد للحظة قبل ان ترفع رأسها اليه و بعينيها حيرة و تساؤل ليقول لها كامل : انا صدقتك يا فرح ، لكن لسه ماسامحتكيش على تصرفك اللى اتصرفتيه من ورايا ، و هحتاج وقت عشان انسى اللى حصل 

فرح بدموع : و الوقت ده هيبقى اد ايه 

كامل و هو يقبل رأسها : انتى و شطارتك ، كل ما هشوف اصرارك على انك تلتزمى و تتقدمى ، هتلاقينى انا كمان بنسى و بسامح 

فرح : اوعدك انى هبذل اقصى مجهودى 

و لم تمضى سوى شهور قلائل ، لتزف اليه خبر حملها ليرزقهم الله بتوأم … ابراهيم و نور ، و من وقتها و هى تواظب على جلسات العلاج النفسى مع طبيبتها المختصة وسط تقدم ملحوظ فى تعاملاتها مع الاخرين و خاصة منصور و لكن كامل لم يسمح لها بالتوقف عن تلك الجلسات حتى تعلن الطبيبة بان فرح قد تخلصت تماما من عقدتها 

عودة من الفلاش باك

ليلة الخميس بمنزل ندا 

كان الجميع يتبادلون الاحاديث التى يغلفها الود المتبادل ، و كانت فرح بصحبة شقيقتيها و هم يعدون بعض المشروبات للجميع ، ليأتيهم كامل و هو يحمل ابراهيم الصغير بين احضانه و هو يحاول الهائه عن البكاء و قال لفرح : خدى ابراهيم يا فرح و شوفى ماله مش مبطل عياط 

لتمتد يدا فرح لصغيرها الذى تشبث بها على الفور لتقول بحب : مالك يا هيما ، ايه ياحبيبى ، ليهدأ بكاء الصغير بعض الشئ و هو بين أحضان امه لتقول ندا : هو تلاقيه بس مخضوض من الدوشة ، دخلوه يقعد مع ولاد خالاتهم و هو هينشغل بيهم و هينسى اى حاجة تانية 

كامل : الولاد قاعدين برة مع جدودهم ، مش فى اوضة ريتاچ ، و محمود و احمد نزلوا

رحمة : يبقى عشان كده ، خلاص قعدوه هو كمان وسطهم ، الولاد الصغيرين فى السن ده بيحبوا يبقوا بين الاطفال

ندا : خلاص روحى انتى يا فرح بابنك و اقعدى معاهم برة عشان يتطمن 

لتأخذ فرح صغيرها و تذهب للجلوس بالقرب من امها التى كانت تحمل نور على اقدامها ، و عمها اللذان يتبادلان الاحاديث مع عادل و يراقبهم منصور بحالة من الشرود ، و ما ان جلست فرح حتى مد ابراهيم الصغير يده باتجاه ريتاچ و آدم ، و بولان الجالسة على قدم ابراهيم الكبير ، ليقول كامل : الظاهر رحمة كان عندها حق ، هو عاوز يقعد بين الولاد ، هاتيه لما اقعده وسطهم 

ليأخذه كامل الى ابيه ليضعه على قدمه الاخرى و هو يقول بمرح : معلش بقى يا بابا ، ابراهيم الصغير طمعان فى رجلك الفاضية 

ليضم الجد حفيده بحب قائلا : يا سيدى يشرف 

و ما ان احتضن الجد الصغير حتى تفاجئ الجميع بنور الصغيرة و هى تشير بيدها على تجمع الصغار و كإنها تريد الانضمام اليهم لتقول فاطمة بضحك : هتروحى فين بقى يا نور ، الاماكن كلها اتاخدت

ليتفاجئوا مرة اخرى بمنصور و هو يمد يده اتجاه نور ، و كأنه يدعوها للذهاب اليه ، فينظر الجميع تجاه فرح و كامل الذى نظر بدوره لفرح ليعلم رد فعلها ، ليجدها قد ذهبت باتجاه فاطمة و انحنت حاملة الصغيرة ، ثم استدارت عائدة الى شقيقتيها مرة اخرى و هى تقول : انا هاخدها معايا جوة عشان ما تعيطش زى اخوها

و عندما عاد كامل ببصره الى منصور وجده منكسأ رأسه ينظر للارض دون اى حركة او حديث تحت نظرات ابراهيم المتألمة لاجله 

و عند خروج رحمة و ندا و فرح اليهم مرة اخرى تظل فرح متشبثة بنور و لا تسمح لها بالابتعاد عنها حتى انتهت سهرتهم و قد اقنعت رحمة عمها لان تصطحب معها منصور لبضعة ايام كنوع من التغيير ، و عندما سأل ابراهيم اخيه عن رأيه وجده يومئ رأسه بالموافقة بقلة حيلة و عدم حماس ، فكاد ان يثنى رحمة عن طلبها و لكنه وجدها اقتربت من ابيها و قبلت رأسه و هى تقول بحماس : و الله هتنبسط اوى يا بابا ، و يمكن ماترجعش تقعد مع عمى تانى 

ابراهيم بمرح : بقى دى اخرتها يا ست رحمة ، عاوزة تاخدى اخويا منى 

حسن : طب و ناخده منك ليه با بابا ، ماتيجى حضرتك تقعد معانا و معاه

رحمة بحماس : ااه و الله يا عمى ، تعالى و اهو انت كمان تغير جو 

ابراهيم برفض : لا يا ستى ، انا مابعرفش انام غير على سريرى 

حسين : طب ماتجرب السرير عندى يابابا

حسن بامتعاض : احنا هنقطع على بعض يا سى حسين و إللا ايه

ندا : مش قسمة العدل ، رحمة تاخد بابا ، و احنا ناخد عمى 

لينهض كامل قائلا : و انا هاخد مراتى و عيالى و اروح

فاطمة بضحك : ايه مش عاوز ينوبك من الحب جانب انت كمان 

كامل ببساطة : انا عاوزهم يتفقوا و ينفذوا ، و لو نجحوا فى اللى بيقولوه ده .. يبقى كل واحد ياخد دوره بالعدل

لتنتهى سهرتهم و يذهب منصور بصحبة رحمة و حسن ، و يصر ابراهيم على العودة لمنزله بعد ان يوصل منصور الى منزل حسن و رحمه و يطمئن عليه بنفسه ، و يعود كامل الى منزله بصحبة فرح و ابنائه ، و بعد ان ارسلت فرح الصغار الى النوم و ذهبت الى فراشها وجدت كامل يقول بهدوء : ممكن اسالك على حاجة 

فرح و هى تهرب بعينيها : حاجة مهمة يعنى ماينفعش تتأجل للصبح

كامل : لا يا فرح ماينفعش تتأجل

فرح بامتعاض حاولت مداراته : اسأل يا كامل رغم انى تقريبا عارفة انت عاوز تسالنى على ايه

كامل : خلاص .. يبقى تجاوبى على طول ، و لازم تفهمى انى و لا معاكى و لا ضدك ، بس عاوز افهم 

فرح و هى تزدرد لعابها و دون النظر لكامل : مش عارفة 

كامل بفضول : هو ايه ده اللى مش عارفاه 

فرح : مش عارفة انا ليه عملت كده ، انا لما لقيته مد ايده لنور و هو بيبصلها و اكنه بيبتسم لها حسيت انه مش من حقه

كامل باستنكار : مش من حقه ايه ، دى حفيدته

فرح بشبه ثورة مدفونة : و انا امها و اللى المفروض بنته ، بنته اللى عمره ما اخدها فى حضنه و اتسبب فى حرمانها من حضن امها ، وبعدين ده حتى عمره ما سلم عليا بالايد 

كامل : بس دايما احنا اللى بندخل عليه و انتى اللى مابتسلميش عليه يافرح

فرح باستنكار : انت عاوزنى انا اللى اسلم عليه

كامل : يعنى لو هو اللى سلم عليكى هتسلمى

فرح بجفاء : لا 

كامل بتنهيدة : احنا مش كنا اتخطينا شوية من الجزئية دى و ابتديتى تتعاملى عادى ، رغم انك لحد النهاردة مابتقوليلهوش غير يا حاج و عمرك ماقلتيله يا بابا ، بس اعتقدت انك اتخطيتى جزء من المشكلة ، يافرح انتى عارفة موقفى من الموضوع ده ، بس كمان ، انسانيا حتى ، عمى شبه منتهى ، الذبحة اتكررت اكتر من مرة ، و شبه مابيتكلمش اللا كل فين و فين و حتى حركته بقت قليلة اوى ، يعنى لو عايش النهاردة يا عالم بكرة هيبقى فين ، انا بس خايف عليكى لا تأنبى روحك بعد كده

لتنحدر دموع فرح على وجنتبها ، ليقول كامل بامتعاض : انا مش بقوللك كده عشان تعيطى ، انا بقوللك كده لانى عاوزك تتخطى بقى كل ده 

فرح : دكتورة ايمان قالتلى ماتعمليش اى حاجة غصب عنك

كامل : و انا كمان بقول لك نفس الكلام ، بس عاوزك تصفى يا فرح ، انا حاسس انك حتى مش قادرة تفرحى بحاجة ، كل حاجة بتاخديها بمنظور الماضى و لو كان منصور عمل او ما عملش ، شيليه بقى من خطوات حياتك اللى فاتت و حاولى تصفى من جواكى اكتر من كده ، بلاش تتعاملى معاه على انه منصور اللى رفضك ، اتعاملى معاه على انه منصور الانسان المريض اللى محتاج المساعدة 

فرح و هى تومئ برأسها : حاضر يا كامل ، اوعدك انى هحاول 

كامل و هويضمها اليه مقبلا مفرق رأسها : هى دى حبيبتى أللى دايما بفتخر بيها و اللى عاوزها تبقى احسن و احن ست فى الدنيا كلها


سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم

15

#ولما قالوا دى صبية

الفصل الخامس عشر 

فى منزل رحمة ، كان ابراهيم قد ذهب بصحبتهم حتى يطمئن على راحة منصور ، و استأذن حسن و رحمة ان ينفرد به لبعض الدقائق بغرفته قبل ذهابه 

وبعد ان تركهم حسن و رحمة ، قال ابراهيم : اسمع يا منصور ، عاوزك تعرف ان لو عليا انا مش عاوزك تبعد عنى لحظة واحدة و خصوصا بعد ما الدنيا فضيت علينا احنا الاتنين ، بس انا شايف ان دى فرصة ليك انك تقرب من بناتك ، بناتك بيحبوك و نفسهم يشوفوك مرتاح و مبسوط ، جرب و صدقنى مش هتخسر حاجة ، لكن لو فى اى وقت حسيت انك مش عاوز تقعد هنا ، كلمنى … و هتلاقينى عندك فى اقل من نص ساعة ، و كمان حسن و رحمة اتفقوا معايا انى هتغدا معاكم كل يوم .. ها .. اتفقنا ؟

ليومئ منصور برأسه علامة الموافقة دون ان ينبث بكلمة و بشئ من اللا مبالاة و كأنه ماعاد يفرق معه شيئا ، لينظر اليه اخاه بشئ من الحسرة ، فعلى الرغم من اعتراضه طيلة حياته على تصرفات اخيه ، الا انه يشعر بالأسى تجاه التغيير الذى حدث له ، فكان يتمنى ان يكون تغيره بناء على تفهم و اقتناع و ليس تغيرا ناتج عن القهر و الفقدان 

و من صباح اليوم التالى كانت رحمة تولى اباها الكثير من الاهتمام و الرعاية ، و تتفنن فى ارضائه و محاولة فتح احاديث قد تجذبه للاشتراك بها و لكنه كان دائما يستمع لها دون اى تعليق ، و لا يجيبها الا اذا سألته عن شئ كانت اجابته بلا او بنعم ، فكان تفاعله الاوحد بامائة من رأسه علامة القبول او الرفض ، و لكن رحمة لم تيأس و كان حسن دائما يساندها و كذلك ابراهيم وقت مشاركته لهم 

حتى مر اسبوع ، و كانت رحمة قد قررت دعوة ندا و فرح و زوجيهما للعشاء معا و تمضية سهرة الخميس معا ، و بعد ان انجزت ما يلزم عمله اتجهت الى ابيها الجالس فى الشرفة و هو يراقب الغروب فى هدوء ، فانحنت عليه و قبلت رأسه و قالت : ايه يا بابا ، مش حابب تريح شوية قبل ما اخواتى يوصلوا 

ليرفض منصور بحركة رأسه المعتادة ، لتسحب رحمة مقعدا و تضعه أمام منصور وتجلس عليه و هى تنظر بعينا ابيها الذى لفت نظره ما فعلته ، لتقول بتنهيدة عميقة : و بعدهالك يا بابا ، هتفضل كده لحد امتى ، انا تقريبا ماسمعتش صوتك من يوم ما جيت غير مرة واحدة كل يوم الصبح و حضرتك بتصبح عليا ، ليه يا بابا ، ليه حطيت نفسك جوة القمقم ده ، مش كفاية كده ، يا بابا اللى راح مابيرجعش ، صدقنى كلنا اتوجعنا بموت نبيل ، نبيل الله يرحمه كان اسم على مسمى كان اسمه نبيل و هو كان فعلا انسان نبيل ، و كان مؤمن و راضى بقضاء الله ، و رغم ان يمكن حضرتك ماتصدقنيش ، لكن اقسملك ان كلنا زعلنا برضة على طنط دولت الله يرحمها ، الست دى على الرغم من ان الكل ممكن يشوفها على انها الست اللى اخدت مكان امنا ، لكن و الله كلنا كنا بنحبها و بنحترمها لانها كانت جميلة من جواها ، لكن خلاص دى ارادة ربنا يا بابا ، و لازم نكمل حياتنا ، اى نعم عمرنا ماهننساهم ، لكن ما ينفعش الدنيا تنتهى معاهم ، و احنا محتاجينلك ، محتاجين نحس بوجودك فى حياتنا ، يمكن تكون شايف ان انا و اخواتى ما نستحقش اهتمامك ، لكن صدقنى … رغم كل ده .. احنا شايفينك تستحق اهتمامنا و حبنا 

كان منصور قد نظر باتجاه اخرى ما ان بدأت رحمة حديثها ، كان ينظر بعيدا و لكنه كان يستمع الى كل كلمة بتركيز ادركته رحمة من معالم وجهه التى كانت تموج بالحنين لولده و زوجته ، و لكنه ما ان استمع الى الجملتين الاخيرتين حتى عاد بنظراته الى عينا رحمة و التى احست بانتصار ما ان جذبت اهتمامه اليها ، فابتسمت و قالت : طول عمرك كنت حارمنا من حبك ، ادينا فرصة نحسسك احنا بحبنا ، يمكن تقدر تحبنا زى ما بنحبك ، نفسى ولادى ذاكرتهم تسجل وجودنا مع بعض و يشوفوا حبك اللى فى قلبنا ، و تبقى ذكرى حلوة ليهم لما يكبروا يحكوا عليها لاصحابهم 

انا و اخواتى اتحرمنا من الذكريات دى ، ادينا فرصة نبنى غيرها معاك و مع ولادنا  

لتختتم رحمة حديثها بقبلة حنونة على جبين منصور ، و تعود الى الداخل تاركة اياه يموج بين الحاضر و الماضى و هو يواصل كشف حساب قد بدأه مع نفسه منذ سنوات دون علم احد 

ليمر الوقت و يبدأ الجميع فى الحضور و بصحبتهم ابراهيم كالعادة و الذى يعشقه الصغار و دائما يلتفون حوله فى بهجة و سعادة و هم يتمتعون بدفء احضانه و لاحظ الجميع ان ابراهبم يلف كف يده برباط طبى ، و عندما سألته عنه رحمة بقلق فور رؤيته فقالت : سلامتك يا عمى ، مال ايدك ، اوعى تكون وقعت و لا حاجة بعد الشر 

فقال لها ابراهيم باطمئنان  : ابدا بسيطة ، بس الظاهر انها اتجزعت منى و انا بقفل بوابة العمارة ورايا امبارح 

لتقترب منه ريتاچ و تقول بتأثر و هى على وشك البكاء : هى بتوجعك اوى  يا جدو 

ابراهيم بحنان : ابدا يا روح جدو ، مابتوجعنيش 

ريتاچ : طب خلى عمو كامل يكشف عليها هو و خالتو فرح عشان تخف بسرعة 

ابراهيم و هو يضمها الى صدره بحب : حاضر يا حبيبة جدو ، و ان شاء الله لما تكبرى تبقى دكتورة و انتى اللى تكشفى عليا 

ريتاچ بحب : لا يا جدو ، انا عاوزاك تبقى كويس ، مش عاوزاك تبقى تعبان 

حسن و هو يحمل ريتاچ بمرح: ايه يا بت الرقة دى ، انتى عارفة لو بولان ماطلعتش حنينة و عسولة زيك كده ، هخلى خالتك ترجعها تانى 

ليقول ابراهيم و هو ينظر لبولان تارة و لنور ابنة كامل تارة اخرى : بناتنا كلهم حنينين يا حسن ، واخدبن حنيتهم من امهاتهم 

حسين بمرح : ااه طبعا و مين يشهد للعروسة ، خليك انت مدلعهم كده و ناصرهم دايما علينا 

كامل : هو عشان بيقول الحقيقة يبقى بينصرهم عليكم 

حسين بامتعاض مرح : يا عم خليك انت فى النحنحة بتاعتك مش ناقصاك ، مش كفاية انت السبب انى اغسل المواعين 

ندا بتوعد : و بعدهالك يا حسين ، مش قلنا شئوننا الداخلية دى بيننا و بين بعضينا 

حسين باستياء : حاضر يا جناب الكوماندا المهم

ليستمروا لبعض الوقت فى جو من المرح و البهجة وسط مراقبة منصور الصامتة ، حتى قالت لهم رحمة : طب ياللا نتعشا الاول عشان الاكل مايبردش و اللا ايه 

ليلتف الجميع حول مائدة الطعام ، لتولى رحمة ابيها اهتمامها الاوحد ، و تتولى ندا مساعدة عمها فى تحضير صحنه و تناوله ، اما فرح فقد اولت اهتمامها بكل الصغار بمساعدة كامل وسط مشاكسات حسن و حسين 

و كان منصور طوال الوقت يراقب بناته الثلاث و اهتمامهن و حنوهم على الجميع ، و كم هن سندا لبعضهن البعض دون اتفاق مسبق او تذمر او شكوى فكان يتنقل بعينيه بين رحمه و هى تضع له الطعام بصحنه بعد تهيئته الكاملة ليتناوله دون اى مشقة ، و كانت البسمة على محياها لم تفارقها ابدا ، و كان كلما يتوقف عن الطعام تدس له شيئا بفمه و هى تحايله كالصغار 

و عندما  كان يتابع ندا .. كان يجدها تفعل مع شقيقه مع تفعله رحمة معه و بذات المحبة و الابتسامة الصافية التى و ان نمت عن شئ فانما تنم عن حب صادق لا رياء فيه 

اما فرح ، فكان يتابعها بشئ من الحذر ، فكان يلاحظ انها تبادله بعض النظرات و هى تختلس النظر اليه و الى رحمة و هى تساعده و تعتنى به ، كان يشعر بحنوها على الصغار ، و لكنه عند تلاقى أعينهم كان يجد نظرة لم يراها بعينبها من قبل ، فكان فى السابق و حتى موت نبيل كان كلما تلاقت اعينهم لايجد الا كل رفض و حدة ، لتتحول النظرة رويدا رويدا الى لوم و عتاب يطفح بالمرارة ، حتى بدأت تلقى اليه كلمة من هنا تارة و من هناك تارة اخرى ، و لكنها قلما ماكانت تتعدى جملتها الأشهر و التى تكاد تكون الاوحد … ازيك يا حاج ، و كانت تصاحبها نظرة زجاجية لا تفصح عن اى معنى 

اما اليوم فعينيها تمتلئ بنظرة غامضة ، لا .. ليست نظرة غضب كالسابق ، و ليست عتاب ايضا ، و لكنه فشل فى تفسيرها فشلا ذريعا جعله ينشغل بمتابعتها عله يستطيع فهم تلك المعضلة الغامضة 

بعد انتهاء الطعام ، انشغلت الشقيقات بتنظيف المكان كالعادة ، ليجتمع الرجال و الاطفال معا و هم يتبادلون الاحاديث وسط انشغال منصور بمتابعة حركة بناته و احفاده ، و فى اثناء تجمع الصغار و لهوهم حول ابراهيم ، كانت نور تمسك بيدها ثمرة فاكهة تأكلها ببطء شديد ، ثم تتعثر لتقع تحت اقدام منصور و تتدحرج ثمرة الفاكهة بعيدا ، ليسرع منصور بانتشالها و مساعدتها على الاعتدال ، و هو يمد يده لها بثمرة فاكهة جديدة ، لتأخذها من يده و هى تحاول الصعود فوق اقدامه ، ليساعدها كى تستقر بين احضانه و بدأت فى قطم الفاكهة و هى تتابع ما يدور من حولها دون ضجة و هى تستند لصدر جدها بين ذراعه الذى التف حول جزعها باحكام 

و كان كامل يتابع صغيرته و ما ان شاهد ما حدث توجه بعينيه على الفور اتجاه فرح ليعلم ان كانت رأت ما حدث ، و ما ان التفت للوراء حتى رآها و هى تلملم بقايا الطعام من فوق المائدة ، و لكنها ما ان رأت ما حدث حتى توقفت عن ما كانت تفعل ، و ظلت تنظر لمنصور  الذى وجدته يربت براحة يده بهدوء على قدم نور و هو يبادلها النظرات و هو ينتظر ان تنزعها من بين احضانه فى اقرب لحظة ، و لكن فرح ظلت تنظر اليه فينة و الى ابنتها المستمتعة بجلستها فينة اخرى ، ثم استدارت و عادت الى شقيقاتها ، ليبتسم كامل براحة و هو يدعو الله ان يغسل صدرها من كل الم مر عليها 

و بعد مضى بعض الوقت ، كانت الفتيات قد عادت لمجالسة ازواجهن و الجميع ، لتلاحظ فرح ان نور قد ذهبت فى سبات عميق باحضان جدها الذى ضمها الى صدره بحماية و يده لم تنقطع عن الربت عليها بهدوء ، ليقول لها كامل : تاخدى نور تنيميها جوة يا فرح و اللا اخدها انا

لتقول فرح بانتباه : انا هاخدها ، لتنهض متجهة الى ابيها و ما ان كادت ان تميل عليه لتتلقى صغيرتها الا تفاجئت بمنصور ينهض بهدوء و هو يحتضن نور و قال : انا هدخلها 

فرح بتردد : عنك انت يا حاج ، انا هدخلها ، عشان اغطيها 

منصور : تعالى غطيها ، بس انا هدخلها 

لترضخ فرح لما قاله منصور الذى لم ينبث بذلك العدد من الكلمات منذ شهور عدة .. بل لسنوات ان صح التعليق ، و تركته فرح يذهب امامها ، فوجدته يذهب الى الغرفة التى خصصتها له رحمة ، فلم تحاول الاعتراض ، و ذهبت ورائه و هى لاتعلم كم العيون التى تشيعهم فى ذهول ممزوج بالفضول الشديد .. اذ قال حسين بخفوت و هو ينظر لكامل : هو ايه الحكاية ، من امتى عمى بيهتم كده ببنت من البنات

ابراهيم بتمنى : يمكن يا ابنى ربنا يكون رايد له ان الغمامة اللى كانت على عينيه انها تتشال 

حسن : الحقيقة اللى انا مستغربله اكتر هو رد فعل فرح مش تصرف عمى ، انا ملاحظ ان عمى انكسر بموت نبيل و طنط دولت الله يرحمهم و كمان بعد نادر و احساسه ان نادر رافضه و رافض يتعامل معاه ، لكن فرح الصراحة اللى فاجأتنى برد فعلها ده ، انا تخيلت انها هتعمل زى اما كنا عند ندا 

ندا : يا جماعة احنا لازم نشوف حل مع نادر ، و لازم نحط حد للحالة اللى هو فيها دى ، انا خايفة بابا يحصل له حاجة فى اى وقت و نادر مش هنا

ابراهيم : و الله يا بنتى انا غلبت فيه ، و كل مرة بيبقى رده اسوأ من اللى قبلها ، محمل ابوه مسئولية موت نبيل و موت امه ، و مابيبطلش يقول ان اللى حصل ده مش اكتر من انتقام ربنا فى اللى ابوه عمله زمان مع اخواته البنات و غلبت كلام معاه باللين مرة و الشدة مرة ، و مرة بالعقل و مرة بالدين ، و فى كل مرة  مش بلاقى منه غير العند و المكابرة و بس

رحمة بتردد و هى توجه الكلام لكامل : بقولك يا كامل ، ما تروح ورا فرح و بابا ، و اتاكد كده ان كله تمام ، انا قلقانة على بابا لا فرح تقول له كلمة كده و اللا كده

كامل : ماتقلقيش يا رحمة ، فرح لو كانت عاوزة تقول له حاجة مش هتستنى لما تبقى معاه لوحده ، و بعدين من امتى اصلا و هى بتوجه له اى كلام

ابراهيم : معلش يا كامل ، قوم برضة وراهم اكنك حتى رايح الحمام بص عليهم كده من بعيد 

كامل بانصياع : حاضر يا بابا ، رغم انى مش شايف ابدا اى سبب للقلق ده

رحمة بمحايلة : للاطمئنان بس يا كامل .. معلش

كان منصور قد وصل الى فراشه ، و كانت فرح من خلفه تنتظر ان يضع نور على الفراش لتقوم بوضع الغطاء عليها ، و لكنها بدلا من ذلك ، وجدت منصور يرقد على الفراش و هو مازال محتفظا بنور بين احضانه ، و بعد ان اعتدل بنومه قال بخفوت و هو يراقب ردود افعالها بالمرآة : انا هنام انا كمان شوية … غطينا سوا و سيبيها معايا .. ماتقلقيش 

لتقف فرح كالتائهة و هى لا تدرى كيفية التصرف و كانت تنتقل بعينيها الى ظهر ابيها و وجه ابنتها المندس بين احضان جدها فى هدوء و سكينة ، و لكنها فالت بتردد : بس احنا احتمال نمشى كمان شوية و هحتاج اخدها و انت هتبقى نايم و كده هقلقك 

لينظر اليها منصور من خلال المرآة و قال : سيبيها معايا .. ماتقلقيش عليها مش هأذيها  

كانت نبرته تحمل الرجاء بين طياتها ، لتتجه فرح بنظرها الى المرآة لتقابل عينا ابيها التى يمرح فيها شبح اليأس بفخر و اعتزاز ، لتقابله فرح باضطراب احتل كيانها بالكامل لترتجف حدقتاها  و هى تزدرد لعابها و تتقدم من الفراش لتمد يدها و هى تسحب الغطاء عليهما معا ، ثم تلتف من الجهة الاخرى لتؤمن غطاء ابنتها و لكنها قبل الوصول لهدفها وجدت يد ابيها قد سبقتها و دثرت ابنتها جيدا ثم احتضنها مرة اخرى و اغمض عينيه سريعا حتى خيل اليها انه ذهب فى النوم فى التو و اللحظة ، لتظل مكانها و هى تراقبه فى نومه لتلاحظ ان ملامحه هادئة .. ساكنة .. و كأنه رجل عاش حياته بالكامل فى سلام داخلى و خارجى ، لتسأل حالها .. من هذا الرجل المتوسد باحضان ابنتى بكل هذه السكينة ، و اين ذهب هذا المنصور المتعجرف القاسى الذى قتل براءة مهدها قبل ان تعى العالم من حولها 

لتفيق على يد كامل و هى تهزها برفق و هو يقول بهمس اثناء مراقبته للمشهد : مالك يا حبيبتى ، ليه واقفة كده

فرح : هااا ، لااا ابدا 

كامل : هو عمى كمان نام 

فرح : ايوة ، قال انه عاوز ينام شوية

كامل : طب مش مشكلة ، سيبيهم و تعالى برة ياللا 

فرح و هى تذهب معه : ياللا 

و عند عودتهم الى الخارج قالت رحمة بدهشة : الله .. اومال بابا فين 

كامل : نام هو كمان جنب نور 

ندا : معقول هينام من دلوقتى للصبح

فرح ببعض التوتر : قال هينام شوية 

رحمة : اصله صاحى من بدرى و ما نامش تانى من ساعتها 

ابراهيم : يبقى هينام للصبح 

فرح بتردد : ايه … طب كامل يجيب نور بقى عشان نمشى احنا 

رحمة باعتراض : تمشوا تروحوا فين ، لسه بدرى ، احنا يادوب اتعشينا ، اقعدى يا فرح و استهدى بالله 

و بالفعل تستمر جلستهم حتى وجدوا ابراهيم ينهض قائلا : الوقت سرقنا و انا كمان عاوز انام ، هتوكل انا بقى على الله يا اولاد 

لينهض الجميع تباعا استعدادا للرحيل ، لتلتفت فرح الى كامل قائلة : ادخل انت هات نور 

رحمة : طب ماتسيبيها بايتة معانا النهاردة يا فرح و اهى تلعب و تنبسط مع بولان

كامل و هو يتجه الى الداخل : معلش يا رحمة عشان لما تصحى ماتتخضش اننا مش معاها 

و عند دلوف كامل الى غرفة عمه ، وجد نور مستيقظة و تجلس باحضان جدها و هى تعبث بشعره و شاربه و تصدر صوتا مرحا كالزقزقة ، و عندما رأت اباها نهضت واقفة على الفراش بفرحة لملاقاته ، و عند التقاط كامل لها تقع عيناه على وجه منصور ليجده شاحبا على غير العادة ، غارقا بقطرات العرق التى تنضح من جبينه ، لينزل نور من بين يديه مرة اخرى و يذهب الى عمه ليمسك يده و هو يتحسس نبضه ، ليخرج هاتفه بتوتر و يهاتف مشفاه طالبا منهم ارسال عربة اسعاف على وجه السرعة ، ثم رجع الى الخارج مسرعا و هو يقول : انا طلبت الاسعاف

ندا بلهفة : اسعاف .. لمين .. بابا حصل له حاجة 

كامل و هو ينظر لفرح : نبضه ضعيف و محتاج يدخل العناية فورا 

ليحدث كل شئ بسرعة ، و فى خلال نصف الساعة كان منصور على فراش غرفة الرعاية المركزة و كامل بصحبة فريق اطباء الرعاية بالكامل حوله و هم يوصلونه بالاجهزة و بالمحاليل ، ليبدأ منصور فى الاستجابة لهم بعد نصف الساعة ليلتقط الجميع انفاسه بعد فترة طويلة من التوتر ، و كان ابراهيم و حسن و حسين و فرح يراقبون كل ما يحدث من الخارج ليستمعوا الى رنين هاتف حسن الذى التقط هاتفه و رد قائلا : ايوة يا رحمة . اتطمنوا .. ابتدى يفوق الحمدلله

رحمة : انا عاوزة اشوفه يا حسن ، انا مش فاهمة ازاى تسيبونا هنا و تروحوا انتو لوحدكم معاه بالشكل ده

حسن : طب ازاى بس يا حبيبتى ،  و كنا هنسيب الولاد بس مع مين ، و بعدين اكيد هيتمنع عنه الزيارة لحد ما حالته تستقر 

رحمة : طب هو انت ما عرفتش اللى حصل ده كان سببه ايه

حسن : مستنيين كامل بس يخرج من عنده عشان يفهمنا

رحمة : هو كامل لسه ماخرجش من عنده ، اومال انت بتقول انه فاق ازاى 

حسن : و الله فاق يا حبيبتى و فتح عينيه ، احنا شايفينه من الازاز قدامنا اهو ، و كامل بيتكلم معاه 

رحمة : طب و فرح معاه و اللا كامل بس

حسن : كامل معاه تلت دكاترة جوة ، و قال لفرح تفضل معانا برة

رحمة : طب اديهالى لو سمحت 

ليمد حسن يده بالهاتف لفرح التى تقف و عيناها مثبته على عينا منصور الذى يبادلها النظرات من وراء الزجاج بوهن واضح على معالمه ، لتنتبه فرح الى صوت حسن و هو يقول : خدى يا فرح طمنى اختك احسن مش مصدقانى 

لتلتقط فرح الهاتف من يد حسن و تضعه على اذنيها وهى تعيد عيناها الى عينا منصور مرة اخرى و تقول : ايوة يا رحمة 

رحمة بقلق : طمنينى على بابا يا فرح ، هو فاق بصحيح و اللا حسن اللى بيطمننى و خلاص 

فرح بخفوت : لا اطمنى .. فاق و باصصلى 

رحمة : طب ماعرفتيش ايه سبب اللى حصل له ده

فرح : غاليا ذبحة تانية ، الاجهزة مبينة ضربات قلبه مش منتظمة 

رحمة باستغراب : و ايه اللى سبب له الذبحة بس المرة دى ، ده كان قاعد وسطنا و كويس لحد ما دخل ينام ، يعنى لو ماكانش كامل اخد باله و هو بيجيب نور كان لاقدر الله حصل له حاجة و احنا مش واخدين بالنا 

فرح بشرود و هى تتنقل بمقلتيها بين تقاسيم وجه ابيها التى تغضنت بالحزن : ايوة ، اكنه كان عارف ان ده هيحصل و عشان كده صمم ياخد نور معاه .. زى ما يكون كان بيتحامى فيها و عارف انها هتبقى السبب فى انقاذه

رحمة : طب هنعرف ندخل له امتى يا فرح ، انا عاوزة اجيله ، انا كلمت ماما و بابا عادل و هييجوا ياخدوا الولاد كمان شوية 

فرح : زى ماتحبى ، تعالوا ، هتشوفوه .. بس من ورا الازاز 

لتمر ثلاثة ايام على منصور و هو بغرفة الرعاية و كامل يمنع عنه الزيارة تماما ، رغم انتباه منصور لهم و متابعته لوجودهم الدائم امام غرفته ، الا ان طبيب الرعاية طلب منع الدلوف او التحدث اليه منعا لاجهاده 

و كانت رحمة و ندا قلما تتحركان من امام الزجاج ، وكانتا ترتسم على ملامحهما القلق المستمر و كانت رحمة قلما تجف عينيها من الدموع المسترسلة و هى تخشى ان لا ينجو اباها من تلك المحنة ، فكانت السعادة قد بدأت فى مداعبة قلبها و هى تشعر ان العلاقة بينها و بين اباها قد بدأت تأخذ منحنى يقرب للطبيعة و لكن القدر لم يمهلها لاكمال الطريق

اما فرح ، فكانت ترفض الدلوف اليه تماما ، و كانت تفضل الوقوف بجانب شقيقتيها دون اى حديث و هى تواصل النظر اليه ، حتى كان مساء الليلة الثالثة حين قال لهم كامل : عمى ان شاء الله من بكرة الصبح هيروح اوضة عادية ، فياريت كله يروح يستريح الليلة دى ، عشان على الاقل تبقوا قادرين تواصلوا معاه لما يخرج بالسلامة 

رحمة برفض :  مش هقدر امشى و اسيبه لوحده 

كامل : مش لوحده يا رحمة ، انا و اختك اللى سايبة شغلها من ساعة ماعمى وصل هنا .. نبطشية الليلة دى ، يعنى اتطمنى مش هنسيبه ، اختك طول ما انا فى المستشفى ما بتباتش فى البيت لوحدها 

رحمة برجاء لفرح : هتفضلى جنبه يا فرح و مش هتسيبيه 

لتومئ فرح برأسها موافقة دون اى تعليق 

لتقول رحمة بشفقة : انا عارفة انك لسه موجوعة منه ، بس مهما ان كان بابا مابقالوش حد غيرنا دلوقتى يا فرح ، و صدقينى .. انا حاساه اتغير كتير … بس يمكن ماعندوش لسه الشجاعة الكافية اللى تخليه يعترف بغلطته

فرح بهدوء دون ان تفصل عينيها عن ابيها : روحى يا رحمة ، روحوا كلكم و ماتقلقيش .. انا هفضل موجودة قدامه

ابراهيم : طب افضل انا يا ابنى قدامه على الاقل يبقى متطمن شوية 

كامل : انت بالذات يا بابا لازم تمشى ، عاوزك تروح تستريح و تنام كويس ، انت من ساعتها و انت تقريبا ما نمتش و ده غلط عليك و على علاجك ، روحوا كلكم و تعالوا بكرة وقت ماتحبوا هتلاقوه مستنيكم

لينصرف الجميع و هم يتقاذفهم القلق و يتركون فرح تقف بمفردها بعد ان تركها كامل هو الاخر ليتابع مرضاه ، و اثناء وقفتها المراقبة لابيها تلمح يده و هو يشير اليها طالبا منها الدخول و الاقتراب منه ، و بعد ان ظلت مكانها رافضة الدخول بينها و بين نفسها ، الا ان اصراره جعلها ترضخ لطلبه ، فتذهب لتعقم نفسها و تخطو الى الداخل و تقترب من فراشه بهدوء و تقول بخفوت و هى تزدرد لعابها بصعوبة شديدة حتى تجلى صوتها : خير يا حاج ، محتاج حاجة 

ليقول منصور و هو ينظر بعينيها : نادر عنده حق 

فرح بعدم فهم : عنده حق فى ايه 

منصور : ان ربنا انتقملك منى انتى و اخواتك ، و عاقبنى ببعد ولادى الصبيان الاتنين عنى ، واحد بالموت اللى مامنوش رجوع ، والتانى غاب عنى زى غياب يوسف عن يعقوب ، بس انا ماكنتش يعقوب و عشان كده ربنا مش هيردلى يوسف من تانى  ، حتى دولت اللى عمرها ماشافت منى سند .. راحت منى هى كمان ، الدنيا فضيت عليا من الكل ، مابقاش فاضل حواليا غيرك انتى و اخواتك البنات ، اكن ربنا بيقوللى ادينى دوقتك من اللى كان نفسك فيه ، لكن عشان ماصنتش النعمة .. ارادتى برضة هى اللى هتمشى 

ربنا انتقملك منى شر انتقام ، و استجاب لكل دعوة دعيتيها عليا … ياترى لسه قلبك لسه ناقم عليا بعد كل اللى حصل لى ، و اللا ربنا كتبله السلام اللى انكتب عليا انى اتحرم منه طول عمرى اللى باقى


لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

16 الأخيرة

#ولما قالوا دى صبية

الفصل السادس عشر 

منصور و هو مازال يكمل حديثه بانهاك : ربنا انتقملك منى شر انتقام ، و استجاب لكل دعوة دعيتيها عليا … ياترى لسه قلبك لسه ناقم عليا بعد كل اللى حصل لى ، و اللا ربنا كتبله السلام اللى انكتب عليا انى اتحرم منه طول عمرى اللى باقى

كانت فرح تستمع اليه و هى لا تستطيع السيطرة على رجفة قلبها ، كانت تتنقل بين عينيه كالايام السابقة و هى تبحث عن اى لمحة حقد تعيد اليها اتزانها و صمودها امام هذا الرجل ، كانت تبحث عن اى دليل على ان هذا الرجل الراقد امامها فى فراش المرض ، هو نفسه ذاك الذى اذاقها كؤوس المرار من اليتم و الحرمان 

و لكنها لم تجد ، لم تجد غير الضعف و الحزن و الالام ، لم تجد غير تل من الهموم يطل عليها من مقلتيه التى الهبتها الدموع فجعلتها ككؤوس من الدماء المنسكبة على الارض المقفرة … لتشربها سريعا تاركة اثارها على الرمال ليكون الدليل الاوحد على وجودها لتتذكر جلستها الاخيرة مع طبيبتها المعالجة النفسية بالأمس 

فلاش باك 

ايمان : طب انتى حاسة باية جواكى دلوقتى من ناحيته بعد الازمة اللى حصلت له

فرح بتيه : مش عارفة .. مش قادرة احدد

ايمان : لازم تحددى يا فرح .. لازم تعرفى مشاعرك من ناحيته اتغيرت و اللا لسه زى ماهى عند نقطة الصفر 

فرح بنوع من اليأس : مش عارفة .. مش قادرة 

ايمان : طب ماحاولتيش تدخليله مع كامل او مع اى حد من الدكاترة 

فرح : ماقدرتش

ايمان : و ايه اللى خلاكى ماتقدريش

فرح بتردد : حسيت انى هقف قدامه عاجزة ، حسيت انى فجأة نسيت كل اللى اتعلمته و درسته ، بقيت واقفة براقبهم و هم بيسعفوه و انا حاسة انى ماكنتش هقدر اعمل اللى هم عملوه ، ااه ... كنت فاهمة اللى عملوه ، بس بعد ما اتعمل ، دماغى كانت شبه مشلولة و مش قادرة افكر صح

ايمان : انتى عارفة امتى الدكتور بيجيله الاحساس ده 

لتنظر اليها فرح بفضول ، لتكمل ايمان حديثها قائلة : لما يكون المريض بيحتل منزلة عالية جدا عند الدكتور ، معنى كلامك ده ان احساسك بمنصور فعلا اتغير ، بقيتى تقلقى و تخافى عليه

فرح باعتراض : مش دليل ابدا 

ايمان : فاكرة اول مرة وقع فيها منصور .. كان وقت ماعرفتوا ان المرض الخبيث رجع لنبيل من تانى … فاكرة 

فرح بشرود : ايوة فاكرة 

ايمان : يومها سيبتيهم و رجعتى لنبيل و مافكرتيش حتى تسالى عنه  كنتى بتعرفى تطورات الحالة بالصدفة و انتى تقريبا الاحساس الوحيد اللى تملكك وقتها كان الشماتة

لكن المرة دى انتى مرابطة قدام اوضته و رافضة حتى انك تقومى بشغلك رغم انه فى نفس المكان ، و عرفت من كامل انك كنتى رافضة تحضرى الجلسة النهاردة ، لكن هو اللى صمم انه يجيبك فى ميعادك

فرح بمحاولة للمراوغة : ما اقدرش اسيب اخواتى لوحدهم

ايمان : طب مانتى سيبتيهم فى كل المرات اللى فاتت 

فرح باصرار : بس انا ماسامحتوش 

ايمان : ليه 

فرح بشرود : لانى جعانة … جعانة اوى ، و حاسة بالجوع بينهش فى صدرى و ضلوعى 

ايمان : و ياترى جوعك من انهى نوع

فرح و عينيها تمتلئ بالدموع : جعانة لحضنه .. لحنيته ، لما حاول ياخد نور اول مرة ، حسيت بثورة من جوايا و عند ... عند خلانى اخدتها و اختفيت من قدامه ، و لما رجعت فضلت محاوطاعها و انا مانعاها تروح ناحيته ، وقتها قلت انه مش من حقه ، و لما كامل حاول يخلينى ااخد الامور ببساطة اكتر من كده ، حاولت فعلا انى اتصرف بحيادية ، لكن لما خدها فى حضنه من يومين و نام بيها و هو ضاممها بين ضلوعه حسيت بالغيرة 

ايمان : غيرتى منه و اللا من نور 

لتنظر لها فرح بنوع من الأسى ثم قالت : غيرت عليه .. من نور ، هى دى الحقيقة اللى بحاول انكرها و اهرب منها من وقتها ، كان جوايا رغبة شديدة انى اخودها من حضنه و اصرخ و اقول له انا اولى بالحضن ده منها ، كنت عاوزة اقول له انت حرمتنى من الحضن ده سنين عمرى كله .. مش من حقك تديه لغيرى من غير اذنى حتى لو غيرى ده يبقى بنتى انا و حتة منى انا 

طول عمرى كنت ببص للبنات مع ابهاتهم و انا جوايا غيرة بحاول ادفنها بعيد و ما ابينهاش ابدا قدام اى حد ، بس عمرى ما تصورت انى اغير من بنتى ، لقيتنى بقول لروحى .. نور الطفلة اللى عمرها ماجاش سنتين عندها حضن ابوها اللى يكفى كل اطفال الدنيا ، و حضن عمى اللى بيحبها اكتر من عينيه ، لكن كمان تاخد حضن منصور اللى انا اتحرمت منه ، الحضن اللى المفروض كان يبقى ملكى انا و ليا انا طول السنين دى 

لتنظر فرح الى ايمان و تقول بسخرية مختلطة بالمرارة : مش قلتلك انى انسانة مشوهة و مافيش منى رجا

بغير من بنتى لما بتدخل حضن منصور او حتى فى حضن امى اللى برضة اتحرمت منه سنين طويله بسببه لحد مافقدت الامل انى ممكن ابقى انسانة طبيعية 

ايمان بابتسامة : بالعكس يا فرح ، انا شايفة انك فى الفترة الاخرانية بتتقدمى و تقدم ملحوظ كمان 

فىح باستغراب : ازاى و انا جوايا كل الحرب دى 

ايمان : يكفى انك فاهمة سبب الحرب دى ، حتى لو بتحاولى تنكريها ، لكن فى الاخر بتعترفى بيها ، و ده فى حد ذاته شئ مرضى جدا بالنسبة لى 

فرح : بس انا مش عارفة اعمل ايه ، حاسة انى مش لاقية نفسى وسط كل الخراب ده ، ساعات بحس انه لازم يتعاقب عقاب مخلد على اللى عمله ، و ساعات تانية بلوم امى اكتر انها هى اللى زرعت جوايا كل الكره ده من ناحيته ، و يمكن لو ماكانتش عملت كده من البداية ماكنتش وصلت للى انا فيه ده ، بس برجع تانى الوم عليه انه ماسألش فينا و لا افتكرنى غير اما احتاج ياخد حتة من جسمى لنبيل ، نبيل اللى اللى لو كنت املك اديله جزء من عمرى ماكنتش هتأخر 

مابقيتش عارفة مين فيهم اللى غلطان اكتر ، مابقيتش عارفة دمى محنى كفوف مين فيهم اكتر .. امى و اللا منصور ، نفسى احس انى بنى ادمة طبيعية من غير غل و لا سواد من جوايا لاى حد بس مش قادرة ، نفسى ابرهم زى ما ربنا امرنا ، بس ربنا عالم بالحرب اللى جوايا ، مش هنكر انى بقيت احس انى متعاطفة معاهم بس بعاند ده و بدفنه جوايا

دلينى اعمل ايه … ساعدينى … لو تقدرى تقيديلى شمعة تنور العتمة اللى جوايا دى قديها .. يمكن … يمكن احس انى قادرة اعيش و احس انى طبيعية و مش مريضة 

ايمان : امشى ورا قلبك يا فرح ، شوفى قلبك بيقول لك ايه و نفذيه فورا ، علشان ماترجعيش تندمى انك ما استغليتيش الفرصة ، و لازم تقتنعى من جواكى ان الناس مش ملايكة ، و كل انسان و له اخطاءه ، لو حسيتى انه ندم و بيحاول يكفر عن أخطاءه ساعديه انه يعمل ده ، و حتى لو هو ماحاولش يعمل ده ، لو حسيتى انك محتاجة تقربى عشان خاطر فرح .. قربى عشان خاطر فرح ، فرح تستاهل منك انك تحاولى عشانها ، و انك تتنازلى عشانها ، عشان اللوم و الندم مايوجعهاش لو فات الاوان

عودة من الفلاش باك

لتنتفض فرح من مكانها عندما لامس منصور كف يدها ليعيدها الى وعيها فتقول بصوت مرتجف و هى تنظر بعينيه بأسى : عمرى ما اتخيلت انى ممكن اتوجع فى يوم من الايام عشانك ، و لا عمرى فكرت ابدا انى ممكن ادعيلك من جوايا ان ربنا يسلمك او ياخد بايدك 

كل يوم بعد كل فرض بصليه .. كنت بدعى ربنا انه يهدى نادر و يرجع لنا من تانى و يعيش وسطنا ، لاننا بنحبه و عاوزينه ، لكن ما توقعتش ابدا انى لما ادعى بده ، ادعى ان ده يحصل عشان يردلك روحك من تانى 

و ما تسألنيش ازاى و لا امتى عشان ما اعرفش ، و برضة ماتسالنيش ان كنت سامحتك و اللا لا لانى برضة ما اعرفش .. كل اللى انا عارفاه انى مش عاوزاك تموت و انت بالوجع ده

منصور و هو يومئ برأسه ايماءة خفيفة : النسيان طريقه طويل يا بنتى 

فرح بذهول : بنتك !!!!! ، من امتى بتعترف ان ليك بنات 

منصور :  يوم ما نبيل وصانى عليكم قبل ما يقابل رب كريم

فرح بحنين  : وصاك علينا … و وصانى عليك

منصور بدهشة : وصاكى عليا

فرح : ايوة .. وصانى انسى و اسامح

منصور : و يا ترى قدرتى  

فرح : لو تعرف تعبت اد ايه

منصور : يعنى انتى بتحاولى تسامحى

فرح بوجع : لأ …. بقاوم بكل قوتى ، فى حرب جوايا بسببك ، جزء عاوزنى انسى و اسامح عشان اقدر اعيش واكمل ، و الجزء الاكبر رافض و بيشدنى بكل قوته وهو بيحاصرنى فى الوجع اللى عيشته طول عمرى بسببك

منصور بندم : انا عارف انى غلطت

فرح بسخرية : غلطت !!! ، انت عارف انت عملت فيا ايه ، عارف كانوا بيتهمونى بسببك بايه ،عارف وصمتنى بايه طول عمرك 

احب اعرفك بنفسى … انا فرح منصور … وش البومة … قدم الفقر ، النحس اللى ابوها طلق امها يوم ولادتها ، .. كأن انا السبب فى تحديد نوعى ، انا اللى اتحرمت من حضن امى من يوم ما وعيت على الدنيا و هى دايما بتبصلى بلوم انى كنت السبب فى طلاقك ليها ، انا اللى اول حب فى حياتى رفضنى و كان بيعايرنى بطلاقك لامى ، انا اللى ابويا رفض يستلمنى من الدكتور يوم ما اتولدت و ساويتنى باولاد الخطيئة لانى اتولدت بنت 

منصور بذهول : و ليه ده كله ، ما ياما رجالة بتطلق ستاتها

فرح بجمود : بس هاتلى حد فيهم رفض بنته زيك ،هاتلى حد بعت ورقة طلاق مراته مع شهادة ميلاد بنته زيك ، هاتلى حد فضل فوق العشرين سنة من غير ما يفكر يشوف بناته زيك 

منصور بحزن : عندك حق فى كل كلمة قلتيها ، بس حاولى تلاقيلى عندك اى مبرر يخليكى تعدى كل ده 

فرح : مبرر !!!! ، الاقيلك مبرر ازاى و انت خليتنى غيرت من بنتى 

منصور : اكيد لما قارنتينى بكامل 

فرح بسخرية : تصدق لا ، غيرت منها لما حاولت تاخدها فى حضنك لما كنا عند ندا ، و غيرت منها تانى و احنا عند رحمة .. لما خدتها فى حضنك و انت قاعد و كمان لما روحت تنام ، انا ما افتكرش ابدا و انا فى سنها ان حد خدنى فى حضنه بالشكل ده ، حتى امى ، عمرى ما افتكر لها انها عملت كده معايا زى ماكانت بتعمل مع اخواتى 

طول عمرى كنت عايشة و انا جوايا فراغ و احتياج ، طول عمرى كنت محتاجة حضن يضمنى و يطبطب عليا ، حتى بعد ما كبرت و صاحبت و اتصاحبت ، كنت بحس انى دايما لوحدى ، لانى عمرى ماحسيت ان ليا سند

حتى لما اتجوزت  … كنت خايفة اخلف بنت و اللا ولد و ما اقدرش احبهم و لا اخليهم يحبونى ، و اكنك كنت لعنة متسلطة عليا طول عمرى 

لحد ما كامل خد بايدى ، و ودانى لدكتورة نفسية بتعالج معاها بقالى خمس سنين ، و يا دوب قدرت احاول انى اتعامل معاك 

منصور بصدمة : دكتورة نفسية !!!

فرح بتنهيدة : ايوة ، و اديها بقالها سنين بتحاول تروى الارض البور اللى جوايا ، و تقنعنى انى انسى اللى فات و اعيش اللى باقى من عمرى من غير وجع و لا قهر 

منصور بحزن : انا عارف ان الاعتذار بعد كل ده مامنوش فايدة ، بس انا عملت كشف حساب لروحى من سنين ، من قبل موت نبيل ، من يوم ماوقع وقعته الاخرانية و انتى وقفتى قدامى و صارحتبنى باللى جواكى ، يومها لما وقعت ماوقعتش من قلقلى على نبيل و بس .. لا .. وقعت لانك فجأة حطيتى مراية قدامى وريتبنى فيها شكلى اللى عايش جواكم السنين دى كلها ، الندم ابتدى ينخر فيا يوم ورا التانى ، عارف ان ندمى مش هيفدك و لا هيفيد اخواتك ، و لا اسفى كمان هيفيد ، بس هقدملك اعتذارى عن طيب خاطر .. انا اسف يا بنتى … سامحينى 

فرح بعيون يملأها الالم : بحاول صدقنى 

منصور بامل : يعنى فى امل انك ممكن تسامحينى 

فرح بتنهيدة : صدقنى بحاول ، و مش هكدب عليك و اقول انى بعمل كده عشانك .. لأ ، انا بعمل كده عشان ولادى و كامل و اخواتىو عشانى انا كمان 

منصور : و يمكن ييجى يوم يبقى عشانى انا كمان 

لتتنقل بين مقلتيه قائلة : اعتقد ان الايام هى بس اللى ممكن تجاوب على الكلام ده

و عندما تخرج فرح من غرفة الرعاية تجد كامل يراقبها بحنان بالغ و تلقاها بين احضانه مقبلا رأسها قائلا بتساؤل : احسن !!!

لتومئ فرح برأسها و تقول بارهاق : حاسة انى محتاجة انام 

كامل : تحبى اروحك تريحي شوية ، او لو تحبى اوديكى لطنط فاطمة و اهو تبقى مع الولاد

فرح برفض : وعدت البنات ما اسيبهوش لوحده يا كامل 

كامل بحب : حبيبتى انا معاه و كل الدكاترة حواليه ، ماتقلقيش ، و هو الحمدلله حالته استقرت 

فرح : معلش ، سيبنى برضة عشان خاطرى 

كامل : خلاص تعالى ريحيلك ساعتين فى اوضتى و ابقى ارجعيله تانى 

لتلتفت فرح بعينيها لتنظر الى ابيها مرة اخرى لتجده يبتسم لها بوهن فتومئ برأسها و تذهب بصحبة زوجها لتنال قسطا و لو ضئيلا من الراحة ، و لكنها تتفاجئ بأنها تنام نوما عميقا لليوم التالى لا تتذكر انها نامت مثله من قبل

و فى صباح اليوم التالى .. يتوافد الجميع على غرفة منصور ليلتفوا حوله باهتمام بالغ ،  و استمر الحال لثلاثة ايام اخرى ، و الشقيقات الثلاث بتبادلن الادوار فى المبيت مع والدهن و القيام بكل شئونه بحب خالص وسط تدليلهن له و كأنه طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره ، و كان الملاحظ للجميع أن فرح كانت تتسابق معهن لتلبية جميع متطلباته ، و قبل مغادرة منصور للمشفى و فى الليلة التى كانت فرح بصحبة ابيها ، كانت زيارة فاطمة و زوجها عادل مع ولديها احمد و محمود ، و بعد اداء التحية و السلام تقول فاطمة بمودة : الف سلامة عليك يا ابو نادر ، ما تأخذناش اننا ماجينالكش قبل كده ، بس انت عارف البنات سايبين الولاد عندى ، و ماصدقت ان ندا و رحمة جم يشوفوا الولاد و يقعدوا معاهم النهاردة فجينالك على طول 

منصور بخجل : تعبتوا نفسكم بزيادة يا ام احمد … كتر خيركم 

عادل : الف سلامة يا استاذ منصور ، و ان شاء الله خير و ما تتكررش تانى و تبقى ازمة و عدت 

منصور بامتنان : كتر خيرك يا استاذ عادل 

احمد : الف لا بأس عليك يا عمى  

منصور و هو ينظر بامعان لاحمد : كتر خيرك يا ابنى … ثم قال بتردد .. هو نادر مابيتصلش بيك 

احمد بلجلجة : بيتصل ، بس مش دايما .. يعنى ساااعااات و سااعات

منصور و هو يومئ برأسه : ربنا يصلح له حاله

الجميع : يارب 

منصور و هو ينظر لعادل بتردد : ما تآخذنيش يا استاذ عادل ، بس بستأذنك اقول كلمتين لام البنات

عادل باحراج : اتفضل يا استاذ منصور 

منصور و هو يتبادل النظرات بينه و بين فاطمة و فرح : عاوزك تسامحينى يا ام البنات ، انا عارف انى ظلمتك و وجعتك كتير ، و عارف انى قهرتك و قهرت بناتى ، بس صدقينى كنت حاسبها غلط ، و اهو ربنا انتقم لكم كلكم منى شر انتقام

فاطمة بطيبة : انتقام ايه بس يا ابو نادر الللى بتتكلم عنه 

منصور بتصحيح : ابو رحمة يا ام البنات ، ابو رحمة و ندا و … فرح ، بناتى اللى غلطت فى حقهم ياما ، بس هم ماسابونيش ، فضلوا جنبى و راعونى و شالونى فى عينهم ، بدونى على بيتهم و اجوازهم و عيالهم ، و لو انى عرفت انا خسرت اد ايه فى عمرى اللى فات و انا بعيد عنهم و هم بعيد عنى  

فاطمة : مهما حصل بناتك و انت ابوهم و لا عمرهم يقدروا يستغنوا عنك

منصور : لا يا ام البنات … يقدروا ، ثم اكمل و هو يركز بنظراته على فرح بمرارة : لو حبوا يستغنوا هيقدروا ، انا بس اللى ماكنتش واخد بالى 

فاطمة : اللى فات مات و احنا ولاد النهاردة ، انتبه انت بس لصحتك و ان كان على بناتك ، بناتك بيحبوك و بيتمنولك دايما كل خير 

بعد انصراف الجميع ، لم يتبقى سوى فرح و كامل .. الذى ساعد فرح فى تغيير ملابس ابيها استعدادا للنوم ، و بعد ان اسنداه على وسادته ، امسك منصور بيد كامل و قال : انت اللى فاضل يا كامل 

كامل باستغراب : فاضل فى ايه يا عمى 

منصور : انى اعتذرلك يا ابنى 

كامل و هو يشيح بنظراته بعيدا عنه و يتشاغل بتنظيم الادوية الموضوع بجواره : مافيش مابينا اعتذار يا عمى

منصور : لا يا ابنى ، انت ليك عندى بدل الاعتذار تلاتة 

كامل : خلاص يا عمى ، صدقنى مش مستاهلة 

منصور باصرار : مستاهلة يا ابنى ، و مستاهلة اوى كمان ، على الاقل اكون خلصت ذمتى قدام ربنا ، و كمان لو عرفت بعد كده مايرجعش قلبك يتغير من ناحيتى من تانى 

ثم التفت لفرح و اكمل : و عشان كمان مراتك تسامحنى على ده كمان 

فرح بفضول : حصل ايه … انا مش فاهمة حاجة

منصور : زى ما حرمتك زمان من اللى عايرك بيا ، حرمته هو كمان من اللى قلبه راح لها ، بس صدقونى .. كنت فاكر ساعتها انى بعمل لك خدمة هتشكرنى عليها 

كامل بابتسامة : طب ما انا فعلا بشكرك عليها ، لانك لولا عملت كده ، ماكنتش بقيت حمايا دلوقتى 

لتبتسم فرح ، و يعاود منصور حديثه قائلا : لكن حاولت افرق بينك و بين فرح مرتين مش مرة واحدة ، مرة و انا بحاول ابعدها عن شغلها معاك بانى اجوزها واحد من عندى و اعيد اللى عملته مع ليلة من تانى 

و التانية لما بعتتلك ليلة و خليتها فهمتك انها ارملة و كنت فاكرك هتحنلها من تانى و تبعد عن فرح

كامل بابتسامة : ماتقلقش .. انا عارف كل حاجة ، و ليلة صارحتنى بالحقيقة كلها ، و صدقنى مش زعلان ، لان سبحان الله .. اكنك كل مرة كنت بتقرب مابيننا اكتر و تجمعنا مع بعض اكتر 

منصور بارتياح : يعنى مسامحنى يا ابنى 

كامل بابتسامة : مسامحك جدا ، و عاوزك تطمن جدا كمان ، و انت خلاص بقيت زى الفل و ان شاء الله هنكتبلك على خروج بكرة الصبح ، و الكل اتفق ان حضرتك هتخرج على بيت ندا و تعمل حسابك انك كل اسبوع هتقضيه مع حد فينا و كمان بابا هيبقى معاك 

فى منزل كامل ، كانت فرح تعد الطعام بمساعدة كامل ، و كان كامل يلاحظ انها تركز بصرها عليه بنوع من الفضول الشديد و كأنها تبحث عن شئ ما ، ليتوقف كامل عما يفعله و هو يقول بمداعبة : انتى فيه حاجة ضايعة منك و بتدورى عليها فى وشى 

فرح بتردد : هو انت عرفت موضوع ليلة اللى بابا حكالك عليه ده امتى و ازاى ، و ليه ماقلتليش

كامل بذهول : انتى قلتى ايه 

فرح : بقوللك لما انت عرفت موضوع ليلة .. ليه ماقلتليش من ساعتها 

كامل : لا .. ما اقصدش دى 

فرح باستغراب : مش فاهمة 

كامل : فرح .. انتى قلتى بابا !!

فرح : انا .. امتى ده 

كامل : حبيبتى انتى لسه قايلاها حالا دلوقتى و انتى بتسالينى .. انتى عارفة ده معناه ايه

فرح بعدم فهم : معناه ايه

كامل و هو يقبل رأسها و يضمها الى صدره : معناها انك قربتى تستغنى عن جلسات العلاج النفسى بتاعك 

فرح : اشمعنى 

كامل : لانك من غير ما تحسى وصفتى عمى بصلته بيكى اللى كنتى دايما بتنكريها 

فرح بأمل : تفتكر يا كامل 

كامل : دكتورة ايمان قالتلى انك يوم ماهتقدرى تندهيله بالكلمة دى ، هتبقى اتخلصتى من تسعين فى المية من مشكلتك 

لتشرد فرح قليلا ثم تعود لسؤالها مرة اخرى و تقول : برضة ماقلتليش ليه على حكاية ليلة 

كامل ببعض الخجل : خفت ترجعى فى كلامك 

فرح : انهى كلام 

كامل : اتفاقنا على الجواز ، وقتها … كان نبيل الله يرحمه فى أيامه الأخيرة ، و كنت خايف انك لو عرفتى تفضى الليلة كلها و انا كنت ماصدقت انك وافقتى 

فرح بابتسامة : تقصد انك كنت مصمم على جوازنا

 كامل : طبعا يا حبيبتى ، و هو انا كنت اقدر اكمل من غيرك بعد ماوقعت فيكى لشوشتى

فرح بحب : ربنا مايحرمنيش منك ابدا 

كامل : طب و انتى 

فرح : انا ايه

كامل بفضول : يعنى .. هل موضوع سليم لسه مأثر فيكى 

فرح و هى تحاول انتقاء كلماتها : تصدقنى لو قلتلك انى بعد ماحبيتك اكتشفت انى عمرى ماحبيته ، انا بس .. تحس كده انه كان بينطبق عليا المثل اللى بيقول .. القط مايحبش الا خناقه ، لكن اقسملك انى من يوم ما اتجوزنا و انت بالنسبة لى رجالة الدنيا كلها 

كامل بضحكة جذابة : لاااا ، ده احنا تفوقنا على نفسنا بمراحل ، ياللا بقى نخلص عشان انا جعت اوى ، و كمان عشان تلحقى معاد المكالمة بتاعة نادر 

 فى الموعد المحدد كان صوت الهاتف ينذرهم بمهاتفة نادر لتسرع فرح بالتقاط هاتفها و ضبطه على مكالمة الفيديو لتقول و هى تمعن النظر الى وجه اخيها باشتياق جارف : نادر يا حبيبى ، وحشتنى اوى 

نادر باشتياق و حب متبادل : انتى وحشتينى اكتر يا حبيبتى ، عاملة ايه ، طمنينى عليكم كلكم 

فرح : احنا كلنا كويسين الحمدلله مش ناقصنا غيرك يا حبيبى ، مش هترجع بقى يا نادر 

نادر : مش كل مرة هنضيع المكالمة على الموضوع ده يا حبيبتى ، انا عاوز اتطمن عليكم واشبع منك

فرح : حبيبى احنا كلنا كويسين الحمدلله بس بابا كان تعبان اوى الاسبوع اللى فات 

نادر باستغراب : بابا مين 

فرح : بابا يا نادر ، بابا منصور

نادر بذهول : بابا .. ده من امتى 

ليتلقى كامل الهاتف من يد زوجته و يقول بمرح : نادر باشا اللى وحشنا و وحش مصر كلها 

نادر بمرح مماثل : عمنا و عم دكاترة مصر ، ازيك يا كامل وحشتنى و الله

كامل : يا اخويا لو وحشناك تعالى شوفنا 

نادر بملل : ييييه ، يا جدعان بقى الله يباركلكم ، شوفولنا سيرة تانية 

كامل : قبلوك فى شغل الجامعة 

نادر : لسه ، بس ان شاء الله فى بشاير خير 

كامل : رغم انك ممكن تتخطف عندنا 

نادر : كل شئ نصيب

كامل بجدية : حالة والدك الصحية مش مستقرة ، و الازمة الاخرانية لولا ستر ربنا و اننا لحقناه فى الوقت المناسب ، الله اعلم كان ايه اللى ممكن يحصل 

نادر بجمود : ربنا يشفيه 

لتجلس فرح تحت قدمى كامل و تلتقط منه الهاتف لتطل على اخيها قائلة : اسمع يا نادر ، اللى راح راح ، مافيش داعى نضيع اللى باقى من عمرنا فى الغضب و البعد ، الله اعلم اليوم اللى بيروح هييجى غيره و اللا لا

نادر : انتى اللى بتقولى كده يا فرح

فرح : ايوة انا يا نادر ، اى نعم خدت وقت طويل و مشيت طريق اطول ، بس المهم انى فى الاخر وصلت ، و اتصالحت مع نفسى الحمدلله ، و مش ناوية ارجع خطوة واحدة من الطريق اللى وصلتله  

كامل : اسمع يا نادر ، عمى غلطاته كانت كتير اوى ، لكن صدقنى ، عمى ندم على كل حاجة ، لدرجة انه حتى اعتذر لطنط فاطمة ، و اعتذر لى و الاهم انه اعتذر لكل بناته و اولهم فرح 

نادر : و انتى يا فرح ، قبلتى اعتذاره

فرح : الحقيقة يا نادر انا اكتشفت انى سامحته من قبل حتى ما يعتذر لى ، لما شفته بيروح منى و هو قدام عينى ، كان كل همى انه يخف و مش مهم اى حاجة تانية 

نادر بحزن : ربنا انتقم منه تمام 

كامل : و ليه ماتقولش ان ربنا كان بيديله فرصة باللى حصل ده ، اكم من ناس ربنا بيديها انذار و اتنين و الف و مابيتعظوش ، لكن على الاقل عمى قدر انه يلحق نفسه ، انا معاك انه اتاخر و اوى كمان ، بس المهم انه وصل ، و احنا مش انبياء يعنى يا نادر ، و صدقنى ابوك موجود النهاردة ، و الله اعلم بكرة هيبقى فين ، لو عندك فرصة انك تخليه يشوفك و تسعده ما تترددش ، لانك ممكن تندم فى يوم من الايام لو ماعملتش ده ، و بعدين نبيل و طنط دولت الله يرحمهم قابلوا ربنا فى معادهم و ربنا بيسبب الاسباب

نادر : سيبها على الله يا كامل . و اللى فيه الخير يقدمه ربنا 

لتمر الايام و تنفذ الشقيقات اتفاقهن ، ليأتى دور فرح فى استقبال ابيها فى منزلها ، و كان عمها بصحبته حسب الاتفاق ، و لكن عند وقت النوم قال ابراهيم : ما تآخذونيش بقى يا اولاد ، بعد اذنك يا كامل انا هقرا الورد بتاعى الاول فى اوضة المكتب و بعدين هنام

كامل : البيت بيتك يا بابا 

فرح : حضرتك مش محتاج استئذان يا عمى ، و انا هقعد مع بابا شوية على ماحضرتك تخلص

و فى غرفة منصور … تقول فرح بعد ان استكان منصور فى فراشه : ها يا بابا ، تحب اقرى لك حاجة قبل ماتنام 

منصور و هو يربت على الفراش بجواره : عايزك تيجى فى حضن ابوكى يا دكتورة 

فرح بتوتر : مش عاوزة اضايق حضرتك 

منصور و هو يفرد جناحيه لها : تعالى فى حضن ابوكى يا بنتى ، ده انا مستنى اليوم ده من ساعة ماكنا فى المستشفى

لتستلقى فرح بجوار ابيها و هى تصع رأسها على كتفه ليضمها اليه بحنان لم تجربه من قبل ، دفء من نوع خاص يحفه خطوط بارزة من الحماية و الأمان لتغوص به باستمتاع دون ان تنبث بكلمة واحدة حتى قال منصور بهدوء : تعرفى 

فرح دون ان تتحرك انش واحد : هممممم

منصور : مش انتى بس اللى اتحرمتى من الحضن ده ، انا كمان اتحرمت منه ، لو كنت اعرف ان حضنكم حلو كده ماكنتش فضلت السنين دى كلها و انا حارم روحى و حارمكم منه

لتربت فرح على صدر ابيها قائلة : انسى يا بابا ، انا نسيت ، انت كمان لازم تنسى 

منصور : تعرفى ايه اكتر حاجة مفرحانى 

فرح : ايه

منصور : انك اخيرا قدرتى تقوليلى يا بابا

فرح : و ممكن اقول لك على خبر تانى هيفرحك اكتر و اكتر 

منصور : و الله يا بنتى انا الحمدلله كده راضى ع الاخر

فرح : حتى لو قلتلك ان نادر راجع بعد اسبوعين ، و خلاص مش هيسافر تانى ، و انه راسل الجامعة هنا عشان يشتغل فيها و مستنيهم يردوا عليه

منصور : و لو الجامعة ماقبلتش

فرح : ان شاء الله يقبلوه ، بس حتى لو ماحصلش نصيب ، مش هنسيبه يبعد عنك و لا عننا من تانى ابدا 

منصور و هو يشدد على احتضانها : كل واحد بياخد نصيبه يا بنتى ، انا كل اللى طالبه من ربنا ، انى اقضى اللى باقيلى من عمرى وسطكم و انتم بتحبونى و ملمومين حواليا 

فرح استكانت فى حضن منصور اللى كان ضاممها اوى تحت جناحه و هى بتكلم نفسها و بتقول : ما اعرفش تن كنت سامحتك و اللاااا لأ ، بس انا محتاجة حضنك ده ، و محتاجة كمان حضن ماما اللى بقت على طول مدخلانى فيه ، قررت ارمى كل حاجة ورا ضهرى عشانى انا …. عشان فرح ، عشان اقدر احس انى بقيت طبيعية زى بقية الناس

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

قد يخطئ احدنا و هو يعطى لنفسه الحق و المبررات التى تعمى قلبه عن الحقيقة الكاملة فلا يرى نصب عينيه الا ما يبغى الوصول اليه دون النظر الى الاشلاء التى يدهسها فى سبيل الحصول على مبتغاه

احيانا يق*تل بعضنا بعضا دون اسل*حة ، فاحيانا تكون الكلمة س*لاح فتا*ك  يق*تل بكل قسوة و جبروت ، و احيانا اخرى تق*تلنا العقول المتحجرة التى تعيش بوهم و عنجهية وهى تهيم بعقليات بالية قاسية ، و لكن … هل يعتبرون  ؟ … هل يندمون ؟ … هل يطلبون العفو من ضحاياهم ؟ 

ففى الرواية اثنان من اعتى الجناة ، مع اختلاف التجسيد فلدينا جانى يتصدر العناوين الرئيسية و هو الاب منصور ، و لدينا جانى يتخفى تحت رداء الحمل الوديع و هى فاطمة ، اشتركا معا فى هدم اسوار فرح بقسوة مفرطة كل على حدة 

كنت انوى فى قصتى هذه ان يموت منصور دون ان ينال العفو ممن حوله ،  و ان لا تصفح فرح عن فاطمة ، ولكنى أرددت ان يكون الدرس هذه المرة من الابناء و ليس من الاباء ، فدائما يكون العكس هو الصحيح ، و لكن لكل قاعدة شواذ ، فأردت ان تكون تلك القصة فى مقدمتهم ، فكما امتلئت القصص بعفو الاباء و كرمهم و حبهم ، اردت ان تأتى قصتى بعفو الابناء ان استطاعو العفو و النسيان 

ففى عفو فرح شفائها من احزانها ، فيجب ان تلعق جراحها بالنسيان حتى تلتئم كل الجراح 

تقول الحكمة .. هل يضر الشاة سلخها بعد ذب*حها ، و قد حاولت الإجابة باطروحة مختلفة .. فاحيانا تسلخ الشاة دون ذب*حها بالفعل دون ارادتها و دون وعى من قام بالجر*م المشهود ليكون الالم مضاعفا لاضعاف كثيرة 

اعلم ان القصة مليئة بالميلودراما و الوجع النفسى المؤلم ، و لكنى اتمنى ان تغفروا لى ذلك ، و لتعلموا انى تألمت قبلكم و توجعت قبلكم و بكيت معكم و قبلكم ايضا ..و لكن لم يكن فى الامكان ابدع مما كان 

استمتعت بصحبتكم و اتمنى ان تكونوا قد استمتعتم معى

لما قالوا دى صبية .. بقلمى .. ميمى عوالى 

بحبكم فى الله 💖🌸💖

تمت

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع
    close