expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

عزلاء أمام سطوة ماله البارت الثالث عشر والرابع عشر بقلم مريم غريب كامله علي مدونة النجم المتوهج للروايات والوصفات



عزلاء أمام سطوة ماله

البارت الثالث عشر والرابع عشر

بقلم مريم غريب

 ( 13 )


_ حالة عصبية ! _


أدار وجهه قليلا نحو صديقه ليجيب بنبرة خبيثة تشتعل حماسة :


-سمر.


مراد عاقدا حاجبيه في إستغراب :


-سمرا ! سمر مين ؟ .. قصدك سمر إللي بتشتغل عندك ؟!


أومأ "عثمان" دون أن يتكلم ، ليرمقه الأخير بدهشة قائلا :


-إنت بتهزر ! صح ؟؟؟


-بهزر إيه ياض إنت ؟ إنت تعرفني بهزر في حاجات زي دي ؟؟


-لا ما بصراحة أنا مش مصدقك يعني . فهمني لو سمحت عشان أنا توهت منك عالأخر .. إنت قصدك إيه بالظبط ؟؟؟!!


أشاح "عثمان" عنه و شرع بغسيل وجهه بقطرات المياه الدافئة 


أغلق الصنبور بإحكام حالما إنتهي ، ثم تناول منشفة صغيرة من إحدي الرفوف الجانبية


أخذ يجفف وجهه بها و هو يمشي عائدا إلي غرفته متجاوزا "مراد" الذي لم يتوقف عن النظر إليه بذهول ..


-إنت يا عم إنت ! .. صاح "مراد" و هو يتبعه إلي الداخل


-إستني هنا . رد عليا مش بكلمك !!


عثمان بضيق :


-عايز إيه يا عم ؟


-فهمني قصدك إيه ؟!


تنهد "عثمان" و هو يلقي بالمنشفة علي كرسي محاذي لسريره ، ثم قال و هو يتجه صوب غرفة الملابس خاصته :


-قصدي كل خير يا مراد . البت غلبانة و أنا حابب أعطف عليها.


مراد بسخرية و هو يجلس علي طرف السرير في إنتظاره عودته :


-لا يا شيخ ! بقي حابب تعطف عليها بردو ؟؟!!


عثمان بضحك من الداخل و هو يرفع نبرة صوته قليلا :


-يابني و الله زي ما بقولك كده . هي محتاجة فلوس عشانها و عشان إخواتها . فأنا قلت واجب عليا أساعدها.


-إخواتها ؟ أنا فاكر إنك قولتلي عندها أخت صغيرة بس !


-لأ ما أنا نسيت أقولك بقي.


مراد بفضول :


-نسيت تقولي إيه ؟؟؟


عاد "عثمان" في هذه اللحظة و قد إرتدي فقط سروال منزلي مصنوع من القطن الكحلي ..


-فاكر الواد إللي جيت قولتلي عليه كانت نازلة في حب ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو يقترب ليجلس بجانبه


ليجيب "مراد" بعد برهة :


-أه فاكر . ماله ده يعني ؟!


عثمان بإبتسامة مرحة :


-طلع لا خطيبها و لا حبيبها.


-يا راجل ؟ أومال طلع إيه خالتها !!


عثمان بضحكة صفراء :


-هيهيه ظريف أووي .. ثم أردف بإنزعاج :


-تصدق ياض ؟ فصلتني . مش حاكيلك حاجة !


مراد و هو يعتذر منه بسرعة :


-لا لا خلاص معلش حقك عليا . كنت بهزر يا أخي . يلا بقي إحكي عشان خاطري.


عثمان متآففا بضيق :


-و ربنا هقطع علاقتي بيك قريب . ما علينا .. و راح يحكي له كل ما حدث اليوم ، إجمالا و تفصيلا ، بدايةً من ذهابه مع "سمر" و أختها إلي المركز الطبي و حتي مجيئ أخيها و الحوار الحاد الذي دار بينهما


-لا بجد ؟ يعني طلع أخوها ؟! .. تساءل "مراد" بشئ من الدهشة ، ليرد "عثمان" ببساطة :


-أيوه يا سيدي . طلع أخوها.


-بس علي حسب كلامك شكله شديد و مقفل عليها . هتوقعها إزاي دي ؟؟؟


-قولتلك أمرها سهل . الفلوس أهم حاجة بالنسبة لها و أنا معايا فلوس . هتلين في إيدي بسرعة ماتقلقش.


مراد بوجوم :


-بس شكلها مش من النوع ده يا عثمان . أنا شوفتها !


عثمان بسخرية :


-هي مين دي يا حبيبي إللي مش النوع ده ؟ إوعي يكون غرك شكلها و قناع البراءة إللي هي لبساه ده . لو صدقتها تبقي عبيط . زيها زي أي واحدة من بنات جنسها . كلهم بيحبوا الفلوس و بيحلموا بيها . و بالذات الفقرا إللي زيها . الواحدة منهم تعيش طول عمرها بتتمني تقع علي الراجل إللي جيوبه مليانة و لو خلصت عليه تشوفلها واحد غيره.


مراد بجدية :


-يابني مش كلهم بردو . أنا حاسس إن دي غير.


-و لا غير و لا حاجة . إسمع مني بس و هتشوف.


رمقه "مراد" بعدم إقتناع


فزم "عثمان" شفتاه كاتما إنفعاله غضبه بداخله ، ثم قال بتحد :


-طيب تراهن ؟


-أراهن علي إيه ؟!


-خلال يومين بالكتير . سمر هتبقي ملكي.


مراد ضاحكا بخفة :


-يا جاااامد . واثق من نفسك أوووي يا صاحبي .. ثم قال قابلا التحد :


-أووك . أراهنك يا عثمان .. بس لو خسرت الرهان يا حلو ؟!


عثمان بإبتسامة مستخفة :


-عثمان البحيري عمره ما خسر . حط الرهان إللي إنت عايزه.


-ماااشي يا إبن البحيري . لو خسرت ليا عندك عربية أخت إللي صالح عمل بيها الحادثة بالظبط.


عثمان بدون تفكير :


-موافق .. ثم أكمل بإسلوبه الماكر :


-بس لو كسبت ! يبقي ليا عندك إنت إيه ؟!


-يا عم هي فزوره ؟ إنجز و قول إللي إنت عايزه.


عثمان بإبتسامة هادئة :


-مش عايز حاجة . أنا عندي كل حاجة يا مراد . سمر دي زي صفقة كده بالنسبة لي .. و لو فشلت معاها هدفعلك الشرط الجزائي . الـ Black Velvet Ferrari !


مراد بحماسة :


-Deal ?


عثمان بثقة :


-Deal !


و تصاحفا علي هذا الإتفاق


ليقول "مراد" بعدها مشاكسا إياه :


-بس ماتبقاش بقي ترجع في كلامك زي العيال الصغيرة لما تخسر.


ضحك "عثمان" ملء حنجرته ، ثم قال و هو يقوم من جانبه :


-هروح أشوف الخدامين جهزولك أوضتك و لا لسا !


••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في الحي الإسكندراني العتيق ... تمشي "سمر" مع أخيها في إتجاه المنزل


ليقفز أمامهما فجأة ذاك الذي يدعي "خميس" نجل أكبر تاجر لحوم بالمدينة كلها ..


-مسا الخير يا أستاذ فادي ! .. قالها "خميس" بنبرته الغير لبقة علي الإطلاق


بينما وقفا الشقيقان بصورة تلقائية ، ليرد "فادي" بإقتضاب ممزوج بالحدة الخفيفة :


-مساء النور يا معلم خميس . خير في حاجة ؟!


خميس و هو يشمل "سمر" بنظرة خاطفة :


-خير إن شاء الله . بس كنت عايزك خمسة كده في موضوع مهم.


فادي عابسا في ضيق :


-و الموضوع المهم ده ماينفعش يتأجل لبكره الصبح يا معلم خميس ؟


-يا أستاذنا ماتخفش مش هعطلك . هما خمس دقايق عبال ما تشرب الحاجة الساقعة أكون قولتلك إللي عندي.


تنهد "فادي" ثم نظر نحو أخته و قال بأمر :


-روحي إنتي عالبيت . شوية كده و هحصلك.


أطاعته "سمر" في صمت ، و توجهت بمفردها صوب المنزل


بينما إلتفت "فادي" إلي "خميس" متسائلا بفتور :


-خير يا معلم خميس ؟!


خميس بإبتسامة :


-خير يا أستاذ فادي . إتفضل معايا جوا في المحل عشان نبقي براحتنا . بدل ما نتكلم في موضوعنا علي الواقف كده !


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


كانت قلقة جدا حيال الوضع برمته ... و كم أرادت ألا تترك شقيقها وحده مع هذا الشخص الخطير


و لكنها أبت أن تزعجه ، فهي تعلم جيدا أنه يشعر بالغضب من قلقها الزائد عليه ، و يتهمها في كثير من الأحيان بتوجيه الإهانة له ما إذا قامت بتحذيره من أي شئ أو أي شخص


دائما يعتبر نصائحها الطيبة جرحا لكرامته و رجولته


لذا آثرت "سمر" الصمت و تركته ليفعل ما يشاء ..


طرقت "سمر" باب السيدة "زينب" قبل أن تصعد إلي شقتها ، لتفتح لها السيدة بعد لحظات ..


-سمــر ! .. صاحت "زينب" ما أن رأتها ، و تابعت :


-إتأخرتوا كده ليه يابنتي شغلتوني عليكوا . و فين ملك مش شايفاها معاكي ليه ؟؟؟!!


سمر بإبتسامة منهكة :


-ملك سبناها عند الدكتور يا ماما زينب.


زينب بقلق حقيقي :


-ليه يابنتي ؟ هي فيها حاجة كبيرة و لا إيه ؟!


-إلتهاب رئوي يا ماما زينب . عندها إلتهاب رئوي.


زينب بذعر و هي تضرب صدرها بكفها :


-يا لهوي ! عيلة في سنها تستحمل إزاي حاجة زي دي ؟؟


سمر بحزن :


-و الله يا ماما زينب الدكتور بيقول إنه مرض شائع بين الأطفال إللي في سنها . بس هي إللي حالتها ساءت أكتر من الإهمال .. ثم أكملت بسخرية مريرة :


-أنا أهملتها يا ماما زينب !


-لا يابنتي ماتقوليش كده . ده إنتي مش بس شايلة أختك جوا عنيكي . و أخوكي كمان . ماتجيش علي نفسك يا سمر إنتي قايمة معاهم بدور الأم و الأب . و مش كتير يقدروا يعملوا إللي بتعمليه.


سمر مبتسمة بخفة :


-ربنا يخليكي يا ماما زينب .. يلا بقي أسيبك . تصبحي علي خير . أنا قلت بس قبل ما أطلع أعدي أطمنك.


-و الله يا سمر كنت قاعدة علي أعصابي .. يلا ربنا ستار بردو.


-أيوه و الله عندك حق . إن شاء الله هفوت عليكي بكره الصبح و أنا نازلة.


-ماشي يا حبيبتي .. قالت "زينب" بإبتسامة ودودة ، ثم سألتها بسرعة قبل أن تذهب :


-هو فين فادي صحيح ؟ سبتيه بايت مع ملك عند الدكتور ؟؟


-لأ ده واقف تحت مع آاا ... و ما كادت "سمر" تكمل جملتها ، إلا و سمعت صوت جلبة شديدة آتية من الخارج


-يا ساتر يا رب .. قالتها "زينب" بخوف ، و أردفت :


-إيه الأصوات دي ؟ خناقة دي و لا إيه ؟؟!!


سمر بتوجس :


-ماعرفش يا ماما زينب . تعالي نشوف !


و دخلتا معا إلي شقة ، ثم إلي الشرفة المطلة علي الشارع ..


خفق قلب "سمر" بقوة و جحظت عيناها برعب و هي تري من مكانها عراك مشتعل قد نشب بين أخيها و بين "خميس" أمام محل الجزارة ..


-و رحمة أمي و أبويا لأدفعك تمن كل كلمة قولتها يا زبالة يا إبن الـ--- .. قالها "فادي" مزمجرا بشراسة و هو يشد "خميس" من تلابيبه القذرة الملوثة بالدماء


بينما رد "خميس" بغضب شديد و هو يحاول الفكاك منه :


-إنت بتمد أيدك عليا ياض ؟ وديني لأكون فاتح كرشك الليلة دي.


و هنا دوي صوت السيدة "زينب" بصراخ حاد :


-ولاآاا يا خمييييس . سيييبه يا وآاااااد . ما تلحقوا يا خلق حد يحوشهم عن بعض !


و أثناء صراخها ، كانت "سمر" قد إندفعت كالسهم خارج المنزل كله ..


وصلت إلي أرض العراك و أسرعت إلي "فادي"


أمسكت بكتفه و هي تصرخ به :


-بس يا فادي . كفاية سيبه . بقولك سيبه !


و أخيرا أفلته "فادي" لكنه إلتفت إلي "سمر" و هو يصيح بإنفعال :


-إنتي إيــه إللي نزلك ؟ إطلعي فووق.


سمر برفض قاطع :


-لأ مش طالعة . مش همشي من هنا إلا بيك فاهــم ؟!


فادي بغضب شديد :


-قلت إطلعي . إطلعي دلوقتي و إلا مش هيحصلك طيب.


-ده إنت إللي مش هيحصلك طيب يا روح أمك .. قالها "خميس" و هو يعود من داخل المحل بسكين ضخم حاد النصل


كانت ملامحه تنطق بالشر المطلق و هو يتجه نحو "فادي" مشهرا السلاح بوجهه ..


-إن ما خلصت عليك . مابقاش أنا خميس إبن المعلم رجب !


و هم بتسديد أول طعنة عنيفةً له ..


إلا أن "فادي" كان حاضر الذهن و لم يـُذل أمامه لثانية واحدة ، بل أنه تفادي طعنته بمهارة متناولا يده من الهواء ، ثم لوي معصمه في محاولة لدرأ الخطر بأقل خسائر ممكنة ..


و في وسط كل هذا أخذت "سمر" تصرخ بهلع و قد إنتابتها حالة عصبية قوية


بينما تحرك المشاهدين أخيرا و تدخل كبير المنطقة حائلا بين الشابين بحزم :


-بـــــــــس . بس يآاااض إنت و هو كفاياكوا بقي . إيه مش عاملين إحترام لحد ؟! .. ثم إلتفت إلي الحشد الغفير مكملا بحدة :


-و إنتوا ياللي واقفين بتتفرجوا يلا مع السلامة إنفضوا من هنا . كل واحد يروح لحاله يلااا.


إنفض التجمع شيئا فشئ ، ليلتفت الرجل المسن نحو "خميس" قائلا بصلابة :


-خلاص يا خميس . آسر الشر و رجع السكينة دي مكانها أحسن و الله هيبقالي كلام تاني مع أبوك .. ثم توجه إلي "فادي" أيضا :


-و إنت يا فادي . يلا خد أختك و إتكل علي الله من هنا . إنت يابني عمرك ما كنت بتاع مشاكل . هنعتبرها ساعة شيطان بس مش عايز حاجة زي دي تتكرر تاني و الكلام ليكوا إنتوا الإتنين.


ضغط "فادي" علي فكيه و هو يرمق "خميس" بنظرات عنيفة للغاية ، لكنه أشاح عنه بالنهاية و إستدار قابضا علي يد أخته ..


أخذها و دخلا إلي المنزل دون أن يلتفت ورائهكان في مزاج سيئ جدا ، حيث أنه تجاهل عمدا نداء السيدة "زينب" و تساؤلاتها و أكمل سيره بأخته حتي وصلا إلي الشقة ..


أغلق الباب بهدوء ، ثم إلتفت إليها ..


-إرتاحتي إنتي دلوقتي ؟ .. تساءل "فادي" بغضب دفين ، لترد "سمر" و هي لا زالت ترتجف من هول ما حدث بالأسفل :


-مش فاهمة ! .. قـ صدك إ يه ؟؟


تنهد "فادي" بإنهاك ، ثم قال ببغض متخليا عن عصبيته تماما :


-أنا خلاص هبطل أتكلم معاكي تاني في الموضوع ده . إنتي كبيرة كفاية و عارفة مصلحتك . بس خليكي عارفة إن سمعة أبوكي الله يرحمه لو بقت في الأرض بعد عمره ده كله إللي قضاه هنا هتبقي إنتي السبب يا سمر !


و حدجها بخبية أمل شديدة ، ثم إنصرف من أمامها و دخل إلي حجرته


بينما إرتمت "سمر" علي أقرب كرسي محاولة تهدئة أعصابها الثائرة متناسية حديث أخيها الفائت كله ..


لم تفكر حتي ما كان الذي يقصده بالضبط ، فقط واصلت العمل علي الإسترخاء التام


فما حدث منذ قليل لم يكن هينا بالنسبة لها أبدا ...


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


صباح يوم جديد ... في قصر آل "بحيري"


ينزل "عثمان" من غرفته ، ليقابل أمه الجميلة أثناء هبوط الدرج ..


-فريال هانم ! .. قالها "عثمان" بلهجة مهذبة مفعمة إعجابا بجمال أمه المتزايد


فريال بإبتسامة رقيقة و هي تقترب منه :


-حبيبي . صباح الخير يا قلبي.


-صباح النور .. و تناول يدها بكفيه و إنحني ليقبلها


-إيه علي فين كده ؟


-علي الشركة جلالتك .. قالها بمرح هادئ و إنحني ثانيةً ليقبل يدها مرةً أخري


فريال ضاحكة بخفة :


-آه منك يا بكاش إنت . دايما واكل بعقلي حلاوة.


عثمان بإطراء :


-مافيش حلويات في البيت ده كله غيرك يا فريال هانم.


-و الله بكاش .. لكن ما علينا . إنت مبدر أوي كده ليه ؟ ده الساعة ستة و نص !


-ورايا شوية شغل كده و كام حاجة مهمة . هروح أخلصهم بدري.


-طيب مش تفطر الأول ؟؟؟


-هاخد أي حاجة في الشركة ماتقلقيش . يلا باي.


-باي يا حبيبي .. و طبع "عثمان" قبلة خفيفة علي وجنتها ، ثم أكمل هبوط الدرج


°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°


وصل "عثمان" إلي مقر شركته بسهولة هذا الصباح بسبب ذهابه في وقت مبكر علي غير العادة ..


لم يكن هناك سوي أفراد الأمن و موظفين الإستقبال و عمال الطوابق


و لم يخطر بباله أبدا أن يجدها تجلس علي مكتبها في هذا الوقت ..


-سمر ! .. تمتم "عثمان" بإستغراب


بينما لم تتحرك الأخيرة إنشا واحدا ، حيث ظلت عاكفة كما هي فوق دفاتر مكتبها و قد بدا عليها التعب بصورة واضحة


إقترب "عثمان" بحذر و هو يهتف بلهجة متوسطة :


-سمر .. سمــر !


إنتفضت "سمر" لسماع صوته و تطلعت إليه فورا ..


حملق "عثمان" بدهشة في وجهها الذابل المرهق و عيناها الحمراوان ، ثم سألها  بلطف :


-مالك يا سمر ؟ في حاجة ؟ إنتي تعبانة ؟؟


إبتسمت "سمر" بجهد و أجابته :


-أنا كويسة يافندم . مافيش حاجة . شكرا علي سؤالك.


-إيه إللي جابك بدري كده ؟!


-أنا مانمتش طول الليل أصلا حضرتك . كنت مشغولة علي ملك فإستنيت أول ما الفجر طلع و روحت أطمنت عليها . و بعدين خدت بعضي و جيت علي هنا.


-أه . فهمت .. ثم قال بإبتسامة :


-أنا مش عايزك تقلقي عليها أوي كده . صدقيني قريب أوي هتبقي كويسة و هترجع أحسن من الأول.


أومأت "سمر" بهدوء ، ليتنفس "عثمان" بعمق ، ثم يقول :


-طيب .. بما إن الفراش لسا مجاش و البوفيه لسا قافل . ممكن تيجي علي مكتبي تعمليلي فنجان قهوة لو سمحتي ؟


سمر برحابة :


-طبعا ممكن.


رمقها بإبتسامة ، بينما قامت من خلف مكتبها و إتجهت إليه


أخذت من يده حقيبة العمل الصغيرة و تبعته إلي داخل المكتب ..


يتبــــع

أهو البارت الصغنن إللي وعدتكوا بيه 😃


Enjoy ❤


(  14 )


_ أعزب فاسق ! _


تصرفت "سمر" بآلية شديدة داخل مكتب مديرها .. عندما توجهت نحو هذا البنش المتوسط الذي إحتل ركن قاصي من الغرفة الواسعة


كانت متعبة و منهكة بصورة مميته ، بالكاد كانت تري أمامها ..


لكنها إستطاعت تجميع آدوات صنع القهوة ، كما عثرت بسهولة علي فنجان كبير أضافت له بعض القهوة و القليل من السكر


ثم شغلت وعاء التسخين المصنوع من معدن الكروم حيث إستطاعت أن تري صورة وجهها الشاحب بوضوح و تلك الهالات الزرقاء المحيطة بزوايا عيناها


لا تدري ماذا أصابها بالضبط !


لا يمكن أن تكون همومها ، فهي معتادة علي نوبات الضيق و الحزن منذ فترة طويلة ، ليس هناك ثمة مشكلة في هذا إطلاقا ..


لعله حديث "فادي" الذي لا تتذكر منه شئ الآن !


أو لعله عراك ليلة أمس الذي أنشبه إبن الجزار !


أو .. لعلها "ملك" الطفلة المسكينة التي يهددها الموت بسبب إفتقار أسرتها للمال !!


لم تشاء "سمر" الإسترسال في التفكير أكثر لئلا تزداد حالتها سوءاً ، فهزت رأسها بخفة و هي تركز نظرها المرهق علي شريط مقياس الحرارة المرفق بوعاء التسخين ..


و بعد دقيقة واحدة ، أطلقت الآلة رنين قصير معلنة إنتهاء الغليان


لتصب "سمر" السائل الساخن في الفنجان ، ثم تضعه فوق طبق نحاسي مسطح و تحمله تذهب لتقدمه إلي "عثمان" ..


-إتفضل يافندم ! .. قالتها "سمر" بخفوت و هي تنحني قليلا لتضع الفنجان فوق المكتب


بينما شكرها "عثمان" بإبتسامة و هو يتظاهر بتصفح هاتفهه :


-شكرا يا سمر . و آسف لو تعبتك.


سمر مبتسمة بصعوبة :


-العفو يافندم . مافيش تعب أبدا . دي حاجة بسيطة .. ثم سألته بتهذيب :


-تؤمرني بحاجة تانية ؟


عثمان بجدية :


-أه . كنت عايزك في موضوع . أقعدي يا سمر لو سمحتي .. ثم ترك هاتفهه جانبا ، و أكمل و هو يقوم من مكانه :


-تعالي نقعد هناك أحسن عشان نعرف نتكلم كويس.


و أشار لها إلي مقعدين مقابلين في الوسط


تبعته "سمر" بفم مطبق و كأنها بلا إرادة . بلا روح ..


جلس "عثمان" واضعا ساقا فوق ساق ، لتجلس هي الأخري راسمة تعبيرات هادئة جدا علي وجهها


-خير يافندم ؟ .. قالت "سمر" بتساؤل :


-إيه الموضوع إللي حضرتك عاوزني فيه ؟!


نظر لها "عثمان" محاولا تقدير التبدلات التي مرت بها منذ أخر لقاء لهما البارحة و حتي هذه اللحظة ..


-شكلك مش مظبوط خالص يا سمر ! .. تمتم "عثمان" و هو يحدجها بتركيز


بينما قطبت "سمر" قائلة :


-مش مظبوط إزاي حضرتك ؟!


-يعني . وشك مرهق خالص . و زي ما تكوني واقعة في مشاكل كبيرة . ماكنتيش كده لما سيبتك إمبارح ! .. لم تجب "سمر" فأضاف :


-أعتقد إن في مشكلة تانية بتواجهك ؟


سمر بإبتسامة خفيفة :


-لأ أبدا حضرتك . مافيش و لا مشكلة بتواجهني حاليا الحمدلله . بس آا ..


و أوشكت أن تحكي له عن أحداث الليلة الماضية ؛


كيف تعارك شقيقها مع أحد الشبان الأشرار بمنطقتهم ، و كيف حاولت التدخل لتحول بينهما ، و كيف نجي "فادي" من الوضع بشكل لم تتخيله ، و كيف كانت ستموت هي من الرعب !


و لكنها توقفت


لأنها أدركت أنه قد يفهمها خطأ ، يكفي ما فعله من أجلها حتي الآن ، لا يجب أن تزيد عليه و تبالغ في شكواها ..


-أنا بس قلقانة علي ملك .. هكذا أكملت عبارتها السابقة ببساطة و هي تبتسم له بلطافة زائدة


عثمان بإبتسامة مماثلة :


-إنتي بتبالغي أوي في قلقك عليها . قولتلك أختك هتبقي كويسة خالص .. صدقيني.


سمر و هي تدعي من قلبها :


-يا رب . يا رب يافندم .. إنت أصلك ماتعرفش ملك دي بالنسبة لي إيه . دي بنتي مش بس أختي . أنا إللي إهتميت بيها من يوم ما ماتوا بابا و ماما.


-والدك و الدتك إتوفوا مع بعض ؟!


سمر بحزن :


-أيوه . ماتوا في حادثة عربية . لسا ماكملوش سنة.


عثمان بتعاطف زائف :


-الله يرحمهم.


سمر بإبتسامة حزينة :


-أمين .. ثم نظرت إليه قائلة بإستحياء :


-حضرتك صاحب فضل كبير أوي عليا أنا و أخواتي . بجد نفسي في يوم أقدر أردلك جزء من جمايلك علينا.


عثمان بضيق :


-يا سمر قولتلك قبل كده مابحبش الكلام ده !


-خلاص خلاص . أوعدك مش هضايق حضرتك تاني.


-و بلاش حضرتك دي كمان.


سمر و قد توردت وجنتاها :


-ماينفعش حضرتك.


عثمان بحدة :


-تاني حضرتك ؟


-أومال هقول إيه بس ؟ .. تساءلت بحيرة ، ليجيبها ببساطة :


-قوليلي عثمان عادي جدا.


سمر بخجل شديد و هي تخفض رأسها بسرعة :


-يا خبر ! لأ .. أعذرني مقدرش.


تنهد "عثمان" و هو يهز رأسه بيأس منها ، ثم قال بهدوء :


-إنتي تعرفي إني كنت متجوز قبل كده ؟


و هنا تطلعت "سمر" إليه ..


-حضرتك كنت متجوز ؟ .. تمتمت "سمر" و أكملت بإستغراب :


-غريبة !


-هي إيه دي إللي غريبة ؟!


سمر بتلعثم :


-لأ مش قصدي حاجة . أصل حضرتك قلت كنت متجوز ! معناها إنك طلقت.


-أيوه !


سمر بإبتسامة مرتبكة :


-أنا بس إستغربت مين دي إللي ممكن تتجوزك و تبقي حابة تنفصل بعد كده . حضرتك إنسان كويس جدا يعني.


عثمان و هو يلوي ثغره بإبتسامة ساخرة :


-بس هي بقي ماكانتش كويسة أبدا.


عقدت "سمر" حاجبيها إثر هذا و لم تعلق ، ليكمل هو بنبرة لامبالية :


-طلقتها ليلة الفرح.


سمر بذهول و قد عجزت عن الصمت :


-يا نهار أبيض !


إبتسم "عثمان" و هو يسألها :


-إيه مالك ؟ مستغربة أوي كده ليه ؟ إنتي ماقرتيش الخبر في الجرايد و لا إيه ؟ الموضوع مافتش عليه كتير !


-لأ حضرتك . أنا مش فاضية للحاجات دي .. ثم سارعت لتصلح الجملة :


-أقصد يعني مشاكلي أحيانا كتير بتشغلني عن كل إللي بيدور حواليا !


أومأ "عثمان" بتفهم و قال :


-أنا أصلا ماكنتش بحبها .. الجوازة كانت مجرد جوازة مصلحة عشان نربط عليتها بعيلتي .. ثم أردف و هو يرمقها بنظرات ذات مغزي :


-إنتي عمرك حبيتي يا سمر ؟


أجفلت "سمر" من سؤاله ، و ردت بعد برهة :


-حب ! لأ يافندم . بصراحة عمري ما جربت الحكاية دي.


-ليه ؟ ماتقنعنيش إن محدش عرض عليكي و لا مرة !


سمر بإبتسامة خجلة :


-مش بالظبط و الله .. بس أنا بحب أبقي في حالي . و كمان ماحبش أتخدع أبدا . كفاية مشاكلي عليا . بمعني أدق يعني أنا مش ناقصة و سايبة الحب ده علي جنب . زائد إن الحب أساسا أنواع.


-يعني إيه ؟!


-يعني في حب مش طاهر . مش قايم علي الإحترام و لا المبادئ .. وضحت أكثر و هي تشعر بقليل من الخجل :


-حب زي ده مايبقاش حب و لا يبقي حاجة شريفة أصلا . و أنا مش ممكن أفرط في شرفي أو أسـّوأ سمعتي !


عثمان بلهجة متنمرة :


-طيب . ممكن يبقي إيه ردك لو واحد زيي مثلا عرض عليكي الحب يا سمر ؟!


سمر و هي تضحك علي نكتته الساخرة :


-يا خبر ! واحد زي حضرتك ؟ إنت مافيش واحدة تفكر في عروضك أصلا . عروضك كلها مقبولة مقدما .. و تابعت ضحكها الهادئ


ليبتسم "عثمان" ثم يعلن بصراحة :


-طيب يا سمر .. أنا بعرض عليكي الحب دلوقتي !


صمت مفاجئ .. ثم إنفرجت شفتا "سمر" عن دهشة و قد عاد الشحوب إلي وجهها ثانيةً ..


بإرتداد سريع و لا شعوري تقريبا تحركت بعيدا عنه بقدر ما سمح لها به مسند الكرسي


لكنه لم يأت بأي حركة نحوها ، و قال بإتزان تام :


-أنا دلوقتي راجل عازب . و من حقي أرتبط بأي واحدة تعجبني .. و أنا إختارتك إنتي يا سمر.


سمر بتوتر واضح :


-حـ حضرتك أ كيد بتـ ـهزر !


عثمان و قد إتسمت ملامحه و نبرة صوته بالجدية الشديدة :


-لأ خالص . أنا مابهزرش و عارف أنا بقول إيه كويس أوي .. إنتي بقالك مدة شغلاني و إكتشفت أخيرا إني عايزك .. ثم أكمل بشرط :


 -بس لعلمك أنا مش بتاع جواز . هي كانت مرة و خلاص .. شطبت.


في هذه اللحظة هبت "سمر" من مكانها و فورا بحثت عن الباب


تريد أن تخرج  ، بل تريد أن تهرب خاصة بعد سماع هذا ..


ليقف بوجهها ذاك الأعزب الفاسق راسما علي شفتيه إبتسامة شيطانية ..


-عديني حضرتك لو سمحت ! .. قالتها بلهجة مرتجفة و هي علي وشك أن تبكي


بينما هز رأسه بالرفض و هو يقول بعتاب :


-و بعدين معاكي . إحنا مش قولنا نبقي كويسين مع بعض و بلاش كلمة حضرتك دي ؟ .. ثم تابع بهدوء نموذجي :


-إسمعيني كويس . كل واحد فينا عايز حاجة من التاني . أنا عن نفسي هديكي كل إللي أنتي عايزاه .. بس لازم بردو أخد منك كل إللي أنا عايزه.


و شدها إليه دون سابق إنذرا ، لتكتم شهقتها المرتعبة قبل أن تتجاوز حنجرتها ، و يتابع هو بهمس قرب أذنها :


-أنا حبيتك علي فكرة . و عارف إنك إنتي كمان ممكن تكوني بتحبيني مختلفناش .. قولتيلي مش ممكن تفرطي في شرفك . تمام .. أنا مش هآذيكي . أوعدك إنك كل مرة هتخرجي من هنا صاغ سليم . ماتخافيش بقي .. طاوعيني و مش هتندمي !


إنهمرت الدموع من عينيها بالفعل و هي تحاول الفكاك منه ، لكنه لف ذراعيه حولها بإحكام ، ثم قال :


-ماتبقيش عنيدة . فكري في مصلحتك . أنا هنفعك أكتر ما هضرك بصرف النظر عن إن إللي أنا عايزه مافهوش ضرر أصلا . بالعكس . أنا هاخد بالي منك و بضمنلك إنك هتكوني مبسوطة معايا.


إستمرت "سمر" في التملص منه و هي تصرخ :


-إوووعي . سيبنيييي . أنا مش عايزة منك حاجة !


و هنا أفلتها "عثمان" و هو يقول ضاحكا :


-بتهزري يا سمر . إنتي محتاجالي . و مافيش قدامك حل تاني .. إقبلي عرضي دلوقتي أحسن بدل ما تيجي تطلبيه مني بعدين.


عند ذلك لم تشعر "سمر" إلا و هي ترفع كفها عاليا ، لكن "عثمان" تناوله من الهواء بحركة سريعة قبل أن تبلغ المسافة و تصفعه ..


لوي ذراعها خلف ظهرها بقوة ، ثم شدها إليه بعنف بحيث أصبح جسدها ملتصقا بجسده فأحست عندئذ بعضلاته النافره تحت ثيابه ..


بينما قال بصوت أجش :


-هدي أعصابك بقي و حاولي تفهمي .. مافيش قدامك إلا الحل ده . أنا الوحيد إللي في إيدي أخلصك من كل مشاكلك . بس طبعا بالمقابل إللي قولتلك عليه !


كادت تنفجر بوجهه ثانيةً ، لكنه سارع مكملا بصرامة لاذعة :


-أومال إنتي فاكرة أنا جبتك تشتغلي عندي هنا ليه ؟ إنتي و لا تعرفي أي حاجة عن الشغل إللي إنتي فيه . أنا جبتك هنا بس عشان تفضلي تحت عنيا .. عشان وقت ما أعوزك ألاقيكي !


سرت موجة من القرف و الخوف في أوصالها و تقلصت أحشاءها بألم


بدأت تصارع بهياج ، لكنه لم يقم بأي جهد ليحتجزها ثانية أخري ..


و بلحظة تلوت و حررت نفسها ، لتفر هاربة منه للحال


ركضت و هي لا تري أمامها بسبب كمية الدموع التي ملأت عيناها ، واصلت الركض بأقصي سرعة لديها حتي إبتعدت عن أرضه تماما


حينها فقط ، سمحت لساقيها بالتداعي و سقطت باكية تحت ظلال شجرة ضخمة ...


يتبــــع ...

البارت الخامس عشر والسادس عشر من هنا 👇👇👇👇👇

من هنا


بداية الروايه من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close