![]() |
عزلاء أمام سطوة ماله
البارت الخامس عشر والسادس عشر
بقلم مريم غريب
( 15 )
_ الرهان ! _
في الثانية بعد الظهر .. يستيقظ "فادي" علي مهل و يقوم من سريره بتكاسل منافي لطبيعته
كان غير عابئا بعامل الوقت أيضا ..
فاليوم هو عطلة ما بين الإمتحانات و قد أعطي لنفسه فترة راحة مفتوحة طيلة النهار لكي يعوض مخزون نشاطه المستهلك علي مدي الثلاثة أيام الفائتة
بعد تأدية روتينه الصباحي ..
قام بتحضير وجبة فطور خفيفة تناولها و هو يحتسي فنجانا القهوة ، ثم ذهب بعدها ليدرس قليلا داخل الشرفة الظليلة المعبقة برائحة الزهور التي قامت "سمر" بزراعتها بنفسها ..
-سمر ! .. تمتم "فادي" لنفسه حين جاء علي ذكر أخته
يعرف أنه بالغ في ردة فعله تجاهها البارحة ، و أفرط في إلقاء اللوم عليها ، فأولا و أخيرا هي ليست مذنبة و لم تفعل شيئا خاطئا ..
كانت ضعيفة و بمفردها و أرادت أن تنقذ "ملك" .. بالتأكيد أن التفكير لم يتسني لها وقتئذ ، بالتأكيد أنها لم تنظر للوضع من منظور الناس و الجيران من حولهم
أو بالأحري من منظور إبن الجزار تحديدا ..
الخوف سد حواسها و ما إستطاعت التمييز ، نعم هو كذلك
"سمر" فتاة جيدة
بشهادة الجميع ..
"سمر" كريمة الأخلاق و مثالا يحتذي به في الآدب و حسن السلوك
بعمرها لم تفعل الخطأ و لن تفعله
هو واثق من ذلك ثقة عمياء مجردة .. أخته جيدة
رغم أنف الجميع
و من الآن فصاعدا لن يعير إهتمامه لأحاديث الناس ، و سوف يصم آذانه عن إدعاءاتهم الباطلة التي ما هي إلا حيلة تستهدف تشويه سمعتهم و تخريب علاقته الطيبة بشقيقته ..
يكفي أنه يعرفها و يثق بها ، لن يهمه شئ أخر بعد الآن
تنهد "فادي" براحة و هو يعتزم مراضاة "سمر" حالما تصل ، نعم .. يجب أن يعتذر منها و ينهي هذا الخلاف السخيف ..
و لكنه ما لبث أن سمع أصوات هرج و مرج منبعثة من أسفل الشرفة ، ليقفز من مكانه حين ميـّـزت آذنه إسم شقيقته يُردد وسط كل هذه الجلبة ..
-إيه ده مش دي البت سمر ؟!
-أيوه هي ياختي.
-خير يا رب . يا تري فيها إيه ؟؟؟!
-العلم عند الله !
-بالراحة يا خميس . خد بالك يابني . علي مهلك .. هو إيه إللي حصل بالظبط ؟!
-ماعرفش و الله ياعم صابر . أنا كنت قاعد جوا المحل فجأة شفتها بتقع من طولها و هي في أخر الشارع !
جحظت عيناه برعب عندما شاهد أخته هامدة تماما كالجثة و محمولة علي ذراعي "خميس" بينما يتجه هو بها إلي داخل المنزل و خلفه جماعة من الجيران ..
في غضون لمحه كان "فادي" أمام باب الشقة
هبط الدرج كالمجنون حتي قابلهم عند طابق السيدة "زينب" ..
غمغم بغضب و هو يتناول "سمر" من بين ذراعي "خميس" ليطمئنه الأخير بلطف :
-ماتخافش يا أستاذ فادي . سليمة إن شاء الله . أنا بعت للصيدلي يجي يشوف الأنسة سمر و زمانه علي وصول.
فادي و قد أحمـّر وجهه من الإنفعال :
-خلاص ياجماعة متشكرين كتر خيركوا لحد هنا . يلا بقي كل واحد يشوف حاله و أنا هعرف أخد بالي من أختي لوحدي.
ثم تركهم وصعد بأخته ، لتتجاهل السيدة "زينب" كلمته و تصعد خلفه لتتطمئن علي "سمر" بنفسها ..
بينما رحل الباقون بناءً علي رغبة "فادي" و من بينهم "خميس" الذي إبتسم بحبور شديد و هو يشعر بأن ما حدث للتو قد أحرز نقطة في صالحه
و حاليا لا يفكر سوي في كيف سيستغل الوضع برمته ؟؟؟
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" .. تحديدا في الطابق الثاني حيث توجد الغرف
يخرج "رفعت البحيري" من غرفته و هو يكمل إرتداء سترته و يتحدث في الهاتف بنفس الوقت ..
رفعت بعصبية مفرطة :
-يعني إيه معاند و مش عايز يبتدي العلاج ؟ الكلام ده أنا ماعرفوش . لأ مابقولش حضرتك تكتفه و تعالجه غصب عنه .. طب إديهولي يا دكتور لو سمحت !
و هنا إنفتحت أبواب الغرف كلها و خرج باقي أفراد العائلة بثياب النوم و قد إجتذبهم صوت "رفعت" المجلجل ..
-في إيه رفعت ؟ .. قالها "يحيى البحيري" بتساؤل و هو يتقدم صوب أخيه بتباطؤ
بينما أهمله "رفعت" ليصيح بإبنه في نفس اللحظة :
-إنت يا متخلف . عامل مشاكل ليه ؟ .. يعني إيه مش عايز تتعالج ؟ إنت إتجننت .. يعني إيه إنت حر ؟ .. أقسم بالله يا صالح لو ما إتعدلت لهعرف شغلي معاك . تخرج ؟ طب إبقي وريني كده هتخرج إزاي . وديني لأربيك من أول و جديد !
و أغلق الخط بوجهه و هو يسب كل شئ بغضب شديد ، ليعاود "يحيى" سؤاله مجددا و قد صار علي مقربة منه :
-في إيه يا رفعت ؟ إيه إللي حصل ماله صالح ؟!
رفعت بعصبية :
-البيه قال مش عايز يتعالج . محدش في المستشفي عارف يلمسه و الدكتور بيقولي أنا خليت مسؤوليتي !
في هذه اللحظة برز صوت بكاء "صفية" التي لم تحتمل سماع المزيد ، فهربت إلي غرفتها مسرعة ..
بينما زم "يحيى" شفتاه بأسف ، ثم قال :
-طيب هتعمل معاه إيه ؟ لازم نعقله بسرعة الولد ده مش هينفع كده !
رفعت بضيق :
-أنا رايحله دلوقتي و هشوف هعمل إيه معاه.
-خدني معاك يا بابي .. قالتها "هالة" بتلهف و هي تركض نحو والدها ، ليرد "رفعت" بقسوة :
-أنا مش فاضي أجر و أسحب ورايا . خليكي هنا لحد ما أشوفلي صرفة معاه !
أنهي عبارته بصرامة لا تقبل الجدل ، ثم رحل
ليلتفت "يحيى" إلي "هالة" التي راحت تبكي في صمت ..
ضمها إلي صدره و هو يمسح علي شعرها بحنان قائلا :
-بس يا حبيبتي . إهدي . ماتقلقيش أخوكي هيبقي كويس إن شاء الله . هو بس حالته النفسية مش مظبوطة و مش فاهم وضعه أوي .. ثم تنهد تنهيدة طويلة ، و أردف :
-بصي إحنا هننزل نفطر دلوقتي و بعدين هاخدك و نروح علي المستشفي سوا . ماشي ؟
أومأت "هالة" و رأسها لا يزال علي صدره ، بينما إبتسم "يحيى" و هو يربت علي كتفها ثم يقبل شعرها بعاطفة أبوية ..
و من علي بعد كانت أعين "فريال" تراقب هذا المنظر المبهج بسعادة
لتلتقي عيناها فجأة بعيني زوجها الذي أخذ يرمقها بنظرات ولهة لا تنتهي أبدا و لا يقل منها الشغف مهما نهل و شبع من حبها ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل "سمر" .. كانت راقدة بإستسلام في فراشها
عندما فتحت عيناها بتثاقل و هي تتمتم أشياءً غير مفهومة ، ليسرع "فادي" إليها و هو يقول بلهفة :
-سمر ! سلامتك يا حبيبتي . ألف سلامة عليكي . ماتخافيش إنتي كويسة مافكيش حاجة.
سمر بنبرة خاملة متداخلة الأحرف :
-فـ فـ ـا دي ! .. إ إ يـ ـه إ للـ ـي حـ حصـ ـل ؟!
-ماحصلش حاجة يا حبيبتي . ضغطك وطي شوية و أغم عليكي . بس دكتور حسين الصيدلي جه شافك و قال إنك كويسة أوي لكن ناقصة غذا .. ثم أردف بنبرة معذبة :
-أنا السبب . أنا السبب في كل حاجة بتحصلنا . و لو ماكنتش ضايقتك إمبارح بكلامي ماكنش جرالك كده .. أنا آسف يا سمر . حقك عليا.
سمر و هي تهز رأسها للجانبين :
-إنت مالكش ذنب يا فادي . إنت ماعملتش حاجة يا حبيبي ماتتآسفش .. و حتي لو عملت إيه . أنا مسمحاك.
فادي بإبتسامة حزينة :
-أنا بحبك يا سمر . إنتي أختي و أنا بحبك و بخاف عليكي . ماقصدش أزعلك و الله.
سمر بإبتسامة مماثلة :
-و أنا كمان بحبك و بخاف عليك يا حبيبي . و بحب ملك و بخاف عليها بردو و مستعدة أرمي نفسي في النار عشانكوا إنتوا الإتنين.
-ماتقوليش كده .. إحنا هنبقي كويسين و قريب أوي مش هنحتاج لحد . مش ده كلامك و لا إيه ؟
سمر بمرارة :
-أيوه .. إن شاء الله !
لاحظ "فادي" تقلص قسمات وجهها ، فتساءل بقلق :
-مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟!
كانت ذاكرتها قد إستعادت أحداث صباح اليوم ، و رغم الآلم الجسيم الذي شعرت به في هذه اللحظة ، إبتسمت و هي تجيبه :
-أنا كويسة يا حبيبي . إطمن . حاسة بشوية دوخة بس !
-و لا يهمك ياستي . ماما زينب كانت هنا من شوية و أصرت تنزل تعملك غدا بنفسها . شوية كده و هتطلع تآكلك بإيديها كمان.
سمر بضيق :
-طب ليه يا فادي ؟ ليه تتعبها ؟ كنت خد فلوس من شنطتي و أنزل إنت هات أكل . ليه تخليها تعمل كده ؟!
-و الله فكرت في كده و إتحايلت عليها كمان بس هي إللي أصرت . ماعرفتش أقنعها و الله صدقيني !
تنهدت "سمر" بسأم ، ثم قالت :
-خلاص .. إللي حصل حصل . و كتر خيرها بردو .. بس ماقولتليش أنا وصلت لهنا إزاي ؟!
فادي بغضب دفين :
-خميس هو إللي جابك . شافك و إنتي بتقعي من طولك في أخر الشارع فجري عليكي و جابك علي هنا.
لم تعلق "سمر" بعد هذا و آثرت الصمت حتي لا يزداد غضب أخيها
ليسألها "فادي" بإهتمام :
-صحيح إنتي إيه إللي رجعك بدري إنهاردة ؟؟!
سمر و هي تجيب بشئ من الإرتباك :
-و لا حاجة . أنا بس حسيت إني تعبت فجأة و مابقتش مش مركزة في الشغل . فإستأذنت و رجعت بدري !
أومأ "فادي" بتفهم ، ثم قال ملقيا اللوم علي نفسه ثانيةً :
-هرجع و أقول أنا السبب بردو . يعني لو كان أغم عليكي في مكان تاني كان إيه إللي ممكن يحصلك ؟!
-خلاص بقي يا فادي .. بطل تعاتب نفسك . و صدقني أنا بقيت كويسة دلوقتي.
و أمسكت بيده و هي تضغط بقوة لتبرهن له كلامها ..
إبتسم "فادي" و هو يقول بلطف :
-طيب . بما إنك فوقتي و بقيتي كويسة ، أنزل أنا بقي أجبلك شوية فاكهة و عصير . لازم تتغذي كويس زي ما دكتور حسين قال.
و إنحني ليقبل جبينها ، ثم قال :
-مش هتأخر عليكي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المشفي عند "صالح" ... يقف "رفعت" أمام سرير إبنه و نظرات الغضب تتقافز من عينيه ، بينما ينظر "صالح" للجهة الأخري غير آبه بكلمة واحدة مما تفوه بها سواء الطبيب أو والده
-يعني إنت مش همك ؟ .. قالها "رفعت" و هو يضغط علي أسنانه بقوة ، ليجيب "صالح" ببرود و دون أن يغير من وضعيته :
-أه.
رفعت بعصبية :
-جاك هوا يا قليل الآدب . طب إيه رأيك هتتعالج غصب عنك !
هنا نظر "صالح" إلي والده و قال بهدوء :
-مش هتعالج يا بابا . أنا حر .. ثم أكمل و هو يرمق الطبيب بنظرات ذات مغزي :
-و إللي هيحاول يلمسني أو يجي جمبي تاني إزاز نضارته هيدخل في عينه المرة الجاية.
زم الطبيب الشاب شفتاه بحنق و هو يرفع يده و يتحسس بأنامله تلك الكدمة الزرقاء أسفل عينه اليسري ، ما زالت حديثة و ما زالت تؤلمه أيضا منذ الصباح
و كل هذا لأنه حاول بدء أولي جلسات العلاج مع "صالح" .. الأثرياء ، يا لهم من همج !!
-يابني إنت بالطريقة بتعاند نفسك مش حد تاني ! .. قالها "رفعت" رافعا إصبعه السبابة في حركة إنذارية
-صدقني هتندم.
صالح بإبتسامة باهتة :
-لا ماتقلقش يا بابا .. أنا خدت القرار ده و أنا متأكد إني مش هندم عليه أبدا . أرجوك بقي ماتتعبش نفسك و تتعبني معاك في الموضوع ده أكتر من كده.
قطب "رفعت" بيأس و هو يتبادل النظرات مع الطبيب في صمت ..
يبدو أن لا جدوي من الكلام
فقد قام "صالح" بحسم أمره و إنتهي ...
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... و مع غروب الشمس
يعود "عثمان" و يترجل من سيارته الفارهة بعد أن سلم المفتاح للبستاني لينزلها بالكراچ ..
يدخل إلي المنزل .. الهدوء سائد كالعادة إلا من حركة الخدم الخفيفة
يسأل عن أفراد عائلته ، ثم يسأل عن صديقه
ليتجه إليه مباشرةً بعد أن علم أنه لم يبارح غرفته منذ الليلة الماضية ..
-إدخل !
يدفع "عثمان" باب الغرفة بعد سماع هذا الأذن و يلج
ليري "مراد" جالسا في صالون الغرفة الصغير و قد وضع حاسوبه علي قدميه يتصفحه بتركيز ، حتي إنتبه لـ"عثمان ..
-أخيرا جيت .. هتف "مراد" بتهكم ، و تابع :
-من الصبح و أنا قاعد هنا لوحدي . حاسس إني خللت يا جدع !
عثمان و هو يجلس في كرسي قبالته :
-هو أنا سايبك مع أهل الكهف ؟ و بعدين حد يبقي قاعد في قصر البحيري و يضايق ؟ إنت عبيط ياض ؟!
-جنة منغير ناس ماتنداس يا صاحبي.
-و إنت شايف البيت مهجور ؟ كنت بتعمل إيه طول النهار ؟ مانزلتش من أوضتك ليه ؟ قالولي تحت إنك فطرت و إتغديت هنا !
-يا عم كويس إني ماطلعتش من الأوضة . ده أنا صحيت علي أصوات فظيعة . و الله يا أخي قطعت الخلف.
عثمان عابسا بإستغراب :
-أصوات إيه إللي صحيت عليها ؟!
-يا سيدي كنت نايم لا بيا و لا عليا . فجأة صحيت علي صوت راجل بيزعق بس مش أبوك أنا عارف صوت أبوك.
-يبقي عمي . كان بيزعق ليه بقي ؟؟
-ماعرفش و الله . أنا ماركزتش كنت لسا صاحي و بقول يا هادي.
أومأ "عثمان" بتفهم ، ليباغته "مراد" بإبتسامة خبيثة :
-تعالالي بس الأول و ماتوهنيش . إيه أخبار الرهان يا حلو ؟
بادله "عثمان" نفس الإبتسامة و هو يقول :
-إتك عالصبر يا صاحبي.
مراد بضحكة ساخرة :
-و الله يا صاحبي شكلك هتطلع بؤ في الأخر و هتخسر لأول مرة.
-ليه يا بابا لسا فاضل يوم . و بعدين قولتلك عثمان البحيري عمره ما خسر.
مراد بإبتسامة مستفزة :
-بس شكلك هتخسر المرة دي . أصل البت مش النوع إللي سيادتك متعود عليه . مش عارف ليه مش عايز تقتنع !
زم "عثمان" شفتاه بغضب شديد ، و سرعان ما صدح هاتفهه برنينه الصاخب ، ليخرجه من جيب سترته بحركة عصبية ثم ينظر إلي إسم المتصل ..
في ثانية إنفرجت ملامحه ، فأدار وجهه إلي صديقه و هو يبتسم بإنتصار ..
-إيه في إيه ؟ .. تساءل "مراد" بغرابة
ليرفع "عثمان" هاتفهه في مستوي ناظري "مراد" حتي يستطيع رؤية إسم "سمر" الذي راح يضيئ شاشة الهاتف بلا توقف ...
يتبــــع ...
( 16 )
_ زائر ! _
كانت علي شفا النعاس .. بعد مجهود شاق بذلته لتصفي ذهنها من كل فكرة و هاجس أسود يهددها
ليأتي "فادي" فجأة و يفسد كل شئ ..
-سمر ! .. قالها "فادي" بهتاف متوسط و هو يلج إلي الغرفة دون إستئذان
-إنتي نمتي يا حبيبتي ؟! .. تساءل ببراءة ، لتبتسم "سمر" بخفة و هي تقول :
-لأ يا حبيبي . لسا . إيه كنت عايز حاجة ؟
فادي و هو يمشي ناحيتها :
-لأ يا حبيبتي سلامتك مش عايز حاجة . أنا بس كنت جاي أرجعلك الموبايل . خلاص عملت المكالمة .. ثم أعطاها الهاتف مكملا بإبتسامة :
-شكرا.
-العفو يا فادي .. ثم أردفت علي سبيل المزاح :
-كنت بتكلم مين بقي ؟ الحج عبد الموجود ؟!
و ضحكت بمرح ، ليرد "فادي" بجدية :
-لأ كنت بكلم مديرك . عثمان بيه !
إرتعدت "سمر" بقوة و قد أبيـّض وجهها من الصدمة
-إيه !! .. تمتمت بفم مفتوح ، ثم صاحت فيه بغضب :
-ليــــه ؟ ليه كلمته ؟؟؟
أجفل "فادي" و هو يجيب بشئ من التوتر :
-كلمته عشان أخدلك إجازة يومين من الشغل . لاقيتك ماتصلتيش بيه إنتي فإتصلت أنا عشان مايفهمش غيابك غلط !
زمت "سمر" شفتيها و هي تقطب في ضيق شديد
ليرمقها "فادي" بنظرات حملت طابع التشكيك ، ثم يقول :
-في إيه سمر ؟ مالك إتعصبتي كده ليه لما عرفتي إني كلمته ؟!
همهمت "سمر" بإنزعاج و قالت :
-لأ ماتعصبتش و لا حاجة . بس ماكنش في داعي يعني تكلمه في وقت زي ده و تزعجه .. أنا كنت هكلمه بكره الصبح.
فادي بنبرة موضوعية :
-بصراحة الراجل كان ذوق أوي و ماقالش حاجة . بالعكس قال سلامتها و تبقي تيجي علي مهلها مافيش مشكلة.
أومأت "سمر" قائلة بإقتضاب :
-طيب كتر خيره.
فادي بتعجب :
-إيه طيب كتر خيره دي ؟!
-عايزني أقول إيه يعني ؟ .. تساءلت بعصبية واضحة
ثم أخدت نفس عميق و أطلقته علي زفرات متتالية ، و قالت بإيجاز :
-بكره الصبح هبقي أتصل أشكره بنفسي.
عبس "فادي" و هو يرمقها بنظرات حائرة ، ليسألها بإلحاح :
-سمر .. مالك ؟ في حاجة حصلت ؟؟؟
سمر بتآفف :
-قولتلك مافيش حاجة يا فادي . أنا تعبانة بس و مش مستحملة الكلام الكتير ده . عايزة أنام.
فادي بلطف :
-طيب طيب . خلاص أنا خارج أهو .. تصبحي علي خير يا حبيبتي.
سمر بهدوء مرهق :
-و إنت من أهله !
تنهد "فادي" و هو يهز رأسه بعدم إرتياح ، لكنه تركها و خرج بالنهاية ..
ليطير النعاس من عينيها فورا و تظل واعية تفكر في بالموقف المخزي الذي وضعها فيه أخيها بدون قصد
ماذا سيقول الآن ؟ هل سيعتبر ذلك تصريحا بالموافقة منها ؟ هل سيفهم مما حدث أنها أعطته الضوء الأخضر و أعلنت إستسلامها لعرضه ؟
-لأ .. غمغمت "سمر" بغضب ، و أردفت :
-يفهم إللي يفهمه . الحيوان ده . أنا مش هاوريله وشي تاني . يروح في ستين داهية . فادي كان عنده حق !
و هنا دخلت "سمر" في صراع مع نفسها ..
نفسها :
-طب و مشاكلك ؟ ده هو الوحيد إللي في إيده الحل لكل المشاكل إللي إنتي فيها !
سمر بغضب :
-يغور في داهية هو و حلوله . أنا مش ممكن أركعله أبدا . ده مش بني آدم.
نفسها :
-إنتي مش كنتي بتشكري فيه ؟ و كمان كنتي بتدافعي عنه !!
سمر :
-أه ده كان قبل ما يظهر علي حقيقته . و بعدين أنا إللي كنت غبية . صدقت أنه كان بيعمل معايا كل ده لوجه الله .. بس فادي كان صح . لما كان بيقولي مش مرتاحله و هو أصلا عمره ما شافه !
نفسها :
-كل ده مايغيرش إنك محتجاله يا سمر.
سمر بعصبية :
-لأ مش محتجاله . ده أخر إنسان في الدنيا ممكن أحتاجله.
نفسها :
-متأكده ؟
سمر بثقة :
-طبعا.
نفسها :
-طيب بالنسبة لملك ! .. هتقدري توفرلها مصاريف المستشفي و العلاج يا سمر ؟ معاكي المبلغ الضخم ده عشان تقدري تعالجي أختك بيه ؟!
سمر و قد صعقت من هذه الفكرة :
-هو ممكن يبطل يدفع المصاريف ؟؟؟
نفسها :
-أكيـــد . إنتي لسا قايلاها بلسانك . هو ماكنش بيعمل معاكي كل ده لوجه الله .. المقابل الحقيقي لكل إللي عمله ده هو إنتي يا سمر.
سمر بوهن ممزوج بالقهر :
-بس أنا مش ممكن أوافق علي كده . مش ممكن أوافق علي إللي هو عايزه ده . أبيعله نفسي ؟ لأ . مستحيييل.
نفسها :
-يبقي حياة أختك هتكون التمن !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عند "عثمان" ... يخرج عابس الوجه من الشرفة الملحقة بغرفة "مراد"
ينهي سريعا بعض الأشياء بهاتفهه ، ثم يرجعه إلي جيبه مجددا ..
ليستقبله صديقه فورا بتساؤل و فضول :
-إيه يا عم ! إيه إللي حصل ؟ كانت عايزة منك إيه ؟؟؟
تنفس "عثمان" بعمق ، ثم أجابه بفتور :
-و لا حاجة . ماكانتش عايزة حاجة.
مراد بإستهجان :
-نعم ياخويا ؟ ماكانتش عايزة حاجة إزاي ؟ أومال إتصلت بيك ليه ؟!
عثمان ببرود :
-مالكش فيه يا مراد.
-بقي كده ؟
-أه . إنت ليك نتيجة الرهان إللي بينا لو حصل هبقي كسبت لو ماحصلش مفتاح العربية كده كده جاهز.
-ماااشي يا عثمان . و علي رأي المثل . خلينا ورا الكداب.
عثمان بإبتسامة متهكمة :
-طيب يلا ياخويا . يلا عشان ننزل نتعشي تحت.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل المعلم "رجب" الجزار ... يجلس "خميس" بالصالون المذهب الرخيص قبالة والده
مضت ساعة حتي الآن و هو يحاول إقناعه بما يريد ..
خميس بلطف :
-يابا عشان خاطري !
المعلم رجب بصوته الغليظ :
-أنا قلت لأ يعني لأ.
خميس مواصلا إلحاحه :
-يابا صدقني المرة دي مش هيرفضوا . طاوعني المرة دي بس.
وضع المعلم "رجب" مبسم النارجلية بفمه و راح يسحب من خلاله نفسا عميق زفره بشكل عموديفي وجه إبنه و هو يقول بسخرية :
-و إنت إيه إللي مخليك متوكد أوي كده ؟ بقي بعد ما ست الحسن رفضتك من أول مرة هتيجي توافق عليك في التانية ؟ إنت أهبل ياض ؟؟!!
-أنا مش حكيتلك إللي حصل إنهاردة ؟
-و هو يعني عشان جنابك عملتلي فيها فريد شوقي وحش الشاشة و جريت علي الصنيورة و شيلتها لحد البيت ده كده بقي إعلان خطوبة مثلا !
خميس و قد إنتابه الغضب :
-أنا ماقولتش كده يابا . بس هي و إخواتها كل يوم الحال بيسوء بيهم أكتر و إللي حصلها إنهاردة علامة بتبين إنهم خلاص جابوا أخرهم . و المثل بيقول أضرب الحديد و هو سخن و إحنا لو روحنا نتكلم معاهم هايوافقوا و الله هايوافقوا.
-بس أنا بقي مش موافقة ! .. قالت هذه الجملة سيدة في منتصف العمر ، آتت حين سمعت نقاش زوجها و إبنها الذي طال بغير لزمة من وجهة نظرها
-و مش موافقة ليه ياما إنتي كمان ؟ .. تساءل "خميس" بضيق شديد ، لترد الأم بلهجة سوقية للغاية :
-دي واحدة طمعانة فيك و في فلوس أبوك يا حبيبي و أنا لو إنطبقت السما علي الأرض مش هوافق تخش عيلتنا.
خميس بإنفعال :
-هي مين دي إللي طمعانة فيا و في فلوس أبويا ؟ إنتي شايفاها رامية نفسها عليا ؟؟؟
الأم و هي تقسم بحرارة :
-و المرسي أبو العباس ماهتجوزها يا خميس و حياة أبوك إللي قاعد ده يانا يا الجوازة دي.
المعلم رجب و هو يزيد من غلظة صوته :
-خلاص بقي يا ولية . إنتي بتتحشري ليه أصلا و أنا بتكلم مع الواد ؟ مالكيش دعوة إنتي بالمواضيع دي.
-ماليش دعوة إزاي ؟ هو مش إبني أنا كمان ؟!
المعلم رجب بحدة :
-لما أكون أنا بتكلم إنتي تخرسي خالص.
الأم و هي تضرب فمها بكفها :
-حاضر ياخويا . أهو . إنخرست خالص أهو.
حدجها زوجها بملل شديد ، ثم أشاح عنها و عاد لحديثه مع إبنه ..
المعلم رجب بإيجاز :
-شوف يابني أنا مش موافق علي البت دي . النسب مش لادد عليا خالص الصراحة . سيبك منها و أنا أوعدك هجوزك أحلي بت في إسكندرية كلها.
خميس بغضب :
-أنا مش عايز أحلي بت في إسكندرية كلها . أنا عايز سمر يابا .. أنا بحبها !
المعلم رجب بإنفعال :
-بتحبها إيه و زفت إيه يا عبيط أنت ؟ ياض إفهم بقي و خلي عندك كرامة . البت مش عايزاك و أخوها لسا كان ماسك في خناقك إمبارح . إيه كل ده مش حاطه في إعتبارك ؟ ماعندكش دم خالص ؟!
رمقه "خميس" بنظرات محتقنة إثر هذا ..
لكنه تمالك نفسه و سأله بهدو للمرة الأخيرة :
-يعني مش هتروح تخطبهالي يابا ؟
-لأ .. قالها المعلم "رجب" بقرار قطعي يختتم النقاش إلي هنا أخيرا
ليقوم "خميس" من مكانه بعنف ، ثم يلتفت و يغادر المنزل كله و هو في فورة غضبه و عصبيته ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... بداخل حجرة الطعام
يدخل كلا من "عثمان" و "مراد"
و بعد تبادل التحيات القصيرة ، يسحب "مراد" كرسي لنفسه و يجلس بجانب "هالة"
بينما يتجه "عثمان" نحو أمه الجذابة و المتبرجة بالكامل ..
يتناول يدها الناعمة برفق ، ثم ينحني ليقبلها برقي شديد
إبتسمت "فريال" بحب و هي تمسح علي شعره بحنان ، ليرفع وجهه إليها في اللحظة التالية و يقول بجاملة مهذبة ليدخل علي قلبها السرور :
-مساء الجمال يا فريال هانم . أنا كنت نازل و أنا حاسس إني ميت من الجوع . شفتك بس حسيت إني واكل و شارب و شبعان علي الأخر . مابقتش محتاج حاجة من الدنيا خلاص.
قهقهت "فريال" برقة ، ثم قالت و هي تداعب لحيته البنية :
-آه منك و من بكشك إللي مش بيخلص ده . بس بموت فيك بردو أعمل إيه !
و قربت وجهه منها لتقبله من وجنته ..
-و أنا قرطاس لب قاعد وسطكوا !! .. قالها "يحيى" بغيظ ، لتلتفت "فريال" نحوه و تمسك بيده قائلة :
-ده إنت حبيبي الأول و الأخير . بس ده مايمنعش إن عثمان حاجة تانية بالنسبة لي.
يحيى بتهكم ممزوج بالغيظ :
-ربنا يخليهولك.
فريال بضحك :
-أمين ياااا رب.
لوي "عثمان" فمه بإبتسامة جانبية ، ثم تساءل عندما لمح الكرسي الذي تجلس عليه "صفية" فارغ :
-هي فين صافي يا ماما ؟ بقالي كام يوم ماشوفتهاش !
تنهدت "فريال" و قالت بحزن :
-صافي فوق في أوضتها . مش راضية تنزل تتعشي معانا.
-ليه ؟!
فريال و هي ترمقه بنظرة ذات مغزي :
-مش عارفة . لو قادر أطلع هاتها إنت كلنا هنا غلبنا معاها.
أومأ "عثمان" برأسه ، ثم إتجه إلي غرفة شقيقته ..
بينما شغل "يحيى" الأجواء بفتح حديث جديد مع "مراد" :
-و إنت عامل إيه يا مراد ؟
مراد بإبتسامة :
-الحمدلله يا أنكل كويس.
-و أبوك أخباره إيه ؟ مش ناوي ينزل هو كمان ؟!
-لا هو ماما مبسوطين أوي هناك . أنا إللي زهقت و قررت أرجع و هما ماعترضوش .. سابوني براحتي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في غرفة "صفية" ... يدق "عثمان" الباب ، ثم يدخل ليجدها جالسة فوق سريرها تشاهد التلفاز بشرود
-ممكن أدخل ! .. قالها "عثمان" بلهجة إنسيابية ، لترد "صفية" بتكلف :
-إنت دخلت خلاص.
ضحك "عثمان" بخفة و تقدم صوبها و هو يقول :
-أنا قلت أجي أبص عليكي . بقالي يومين ماشوفتكيش.
صفية بسخرية :
-علي أساس إن حد بيشوفك إنت ؟ ما إنت مختفي علطول.
جلس "عثمان" بجوارها ، ثم سألها بجدية :
-مالك يا صافي ؟ شكلك عامل كده ليه ؟!
-شكلي ماله مش فاهمة ؟!
-يعني .. خاسة . قاعدة في أوضتك دايما . مش بتنزلي تاكلي معانا تحت !
صفية و هي تبتسم بكآبة :
-أنا كويسة يا عثمان ماتقلقش عليا . بس حبيت أقعد مع نفسي شوية.
-قصدك حبيتي تحبسي نفسك ! .. بتعملي كده ليه ؟ في مشكلة ؟ إحكيلي يا صافي لو عندك مشكلة مهما كانت حجمها هحلهالك.
تنهدت "صفية" و قالت :
-صدقني يا عثمان . مافيش حاجة . أنا و صالح زعلانين مع بعض شوية .. بس أكيد هنتصالح بسرعة.
عثمان بإهتمام :
-طيب ممكن أعرف زعلانين من بعض ليه ؟!
صفية بإختصار :
-هو مضايق من حالته و بقي عصبي . بس أنا مقدره إللي هو فيه عشان كده سايباه براحته لحد ما يتكلم من نفسه.
همهم "عثمان" بتفهم ، ثم قال و هو يقف علي قدماه :
-طيب ياستي . سيبك من كل ده دلوقتي و يلا معايا علي تحت عشان تتعشي معانا.
صفية بضيق :
-لأ يا عثمآاان . بجد مش في المود خالص.
-هو إيه إللي مش في المود ! أنا بقولك تعالي أفسحك ؟ يلا يا بت مابحبش الرغي الكتير.
و شدها من يدها لتقف بسهولة ..
-يا عثمآااان ! .. تمتمت بضيق أشد ، ليقول بصرامة و هو يجرها خلفه :
-يلآاااا . أنا راجل شقيان و جعان يا حبيبتي و مش فاضي خالص لدلع البنات ده !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" من النوم باكرا ، ثم تقوم و تذهب لغرفة "فادي"
لديه إمتحان اليوم و لا تريد أن يتأخر فليس هناك من يوقظه غيرها ..
و لكنه لم تجده
يبدو أنه إستيقظ من نفسه لأول مرة و ذهب لجامعته
تنهدت "سمر" تنهيدة مطولة ، ثم إلتفتت حتي تعود إلي غرفتها
لكنها ما لبثت أن سمعت صوت جرس الباب يرن بتواصل ..
-أكيد فادي نسي حاجة .. تمتمت لنفسها ، ثم ذهبت لتفتح الباب
و كانت رؤية ذاك الزائر الآن أبعد ما تكون عن خيالها
نظرت إليه بصدمة و قد شلتها المفاجأة عن الكلام و الحركة ، بينما شملها بنظرات متفحصة و هو يبتسم بخبث شديد و عيناه تلتمعان بوميضه الشيطاني !!!
يتبـــع .
الفصل السابع عشر والثامن عشر من هنا 👇👇👇👇👇👇👇
بداية الروايه من هنا 👇👇👇