القائمة الرئيسية

الصفحات

الطريق الي النور ( الحلقة/ 59/60/61/62)



الطريق الي النور

 ( الحلقة/ 59/60/61/62) 

مصعب بن عمير بين الخزرج والأوس !! 

وفي دار أسعد بن زرارة – أبو إمامة – يواصل مصعب الخير دوره الدعوى، ذلك الدور الذي ندبه الرسول صلى الله عليه وسلم له، وبدت بوادر الظهور الإسلامي على يديه في يثرب، وتحولت دار أسعد إلي شعلة نشاط وحركة، ودوت أصداء هذا النشاط في طرقات وحارات المدينه، من خلال هذا المشهد الذي بدا من الشبان والفتية، مرتادوا الدار الذين راحوا يتحدثون عن الإسلام، وأفقدهم الحماس دواعي الحيطة والحذر .. مسلمون جدد أدركوا طريق النور، فانطلقوا فيه غير عابئين بالمحاذير السرية، يدعون أحباءهم في عفوية تفتقر للتريث وإدراك العواقب، فكان يصدر من بعضهم ما ينم عن التسرع والمحدودية، بيد أنها في بعض الأحيان كانت تثمر .فقد دفعت بالحديث عن هذا الدين إلى الصدارة في مجالس الكثيرين وملتقياتهم، وأدرك اليهود أن ما شاع في يثرب من هذا الحديث، ليست له انطلاقة إلا من هذه الدار التي تأوي الفتي القرشي، دار أسعد بن زرارة، فهي وراء تصرفات شبان الأوس والخزرج، فأطلقوا العيون حول الدار تتجسس عليه وتتقصى أخبار ما يدور بداخله، حتى عرفوا ما يحدث فيه كل يوم، فقد سمع بعضهم تلاوة القرآن وتكبيرات الصلاة .. وكان أُبي بن سلول غافلا عما يحدث حوله، فهو يعد نفسه لسفر إلى الشام في تجارة كبيرة له، مع بعض أعيان يهود فاستدعاه (حيي بن أخطب) زعيم يهود بني النضير لأمر هام . فلما التقاه قال أبي بن سلول : بلغني أنك تريدني يا بن أخطب في أمر هام . 

قال حيي : بل تريدك كل يهود في أمر نما إلينا منه علما، أن في دار اسعد بن زرارة من قومك من الخزرج فتى قرشي يدعو لدين جديد، ويزعم أن نبى هذا الدين في مكة، وهذا ليس فيه خير لك ولنا، فاذهب وتبين الأمر من بدايته، قبل أن يشق علينا درء الخطر . قال أُبي بن سلول : سمعت آنفا من بعض التجار عن محمد هذا، يقولون إنه يأتيه خبر السماء ! . قال حُيى : أو تصدق هذا الهراء ؟ . قال أُبي سلول : ولِمَ تدعوني إلي تكذيبه يا بن أخطب ؟

قال حيي : ليس بعد أنبيائنا نحن يهود نبي . قال ابن سلول : ولكنكم زعمتم أن نبيا قد قارب ظهوره، أنسيت يا ابن أخطب أنكم وقريظة وقينقاع نشرتم بين الناس قولكم هذا، وتوعدتم العرب جميعا بذالك النبي، فها قد ظهر .

وغضب حُيي من كلام حليفه وقال في حدة : إذن فقد صبأت يا أبا الحباب .

وتبسم أُبي بن سلول وقال : لا تخشي هذا يا صاحبي، فما كنت بالذي يتبع رجلا من قريش . قال حيي : ولدك عبد الله تابعه وأصبح الزائر الدائم لدار أبي أمامة أسعد بن زرارة، ازجره قبل أن يستفحل أمر الفتي القرشي مصعب بن عمير، اذهب إلي دار قريبك أسعد واطلب إليه طرد هذا الفتى القرشي .

وذهب أُبي بن سلول إلي دار أسعد، وجلس إليه يحدثه، وقال له : أحقا ما سمعته يا أبا أمامة من أنك تأوي في دارك فتى من قريش يدعو لدين جديد ؟

قال أسعد : من قال لك هذا يا أبا الحباب؟ . قال أبي بن سلول :أصحابي من بني يهود قالوا هذا . قال أسعد في فطنة للخروج من المأزق : أما سألت ابنك عبد الله فهو يجلس معنا ولن يخفي عليك شيئا كهذا يا سيد الخزرج ؟ . قال أبي بن سلول : سألته مرة وقال : (إنه فتي عنده علم بالكتب السماوية، وقصص الأولين، فهو يحدثنا من طريفها وغريبها ) . وتنفس أسعد الصعداء فهو يخشى تسلل الريب في كلامه إلي نفس ابن سلول قال : كما قال لك ولدك فما الضير في ذلك ؟ . 

وحتى هذه اللحظات لم يتطرق الشك إلي ابن سلول، فيفصح عن مخاوفه لقريبه فقال لأسعد : أصحابي من بني يهود يقولون إنه رسول رجل من مكة يزعم أنه نبي مرسل، ولما سألتهم أهو يدعي ذلك أم أنه صادق قالوا لي : ( يا أبا الحباب ليست هناك نبوه في غير بني إسرائيل ) ذلك زعمهم . قال أسعد : فما هو دافعك إذن للخوف مما يحدث في داري، أو مما يقوله الفتي القرشي يا سيد الخزرج ؟ 

قال أبي بن سلول : أخشى إن فشا أمر هذا الدين الذي يدعو إليه القرشي، أن يفسد ذلك ما أجمعت عليه الاوس والخزرج من تتويجي ملكا علي يثرب . 

ويدخل أسعد إلي عقل الرجل الذي لا يهمه إلا تاج يثرب، يدخل إليه من هذا الباب ليصرف مخاوفه، ويصرفه عن التعرض لضيفه، فيقول أسعد : يا أبا الحباب كنت أنا أول من حشد الناس لك، وجمع كلمتهم على ما تقول، لقد علمت أنك ذاهب إلي الشام في تجارة لك مع بعض أعيان يهود، فاذهب مطمئناً، وإذا عدت جمعنا لك الناس تحت تاجك .

لم يكن أُبي بن سلول يعرف أن الإسلام قد غزاه في عقر داره، وأن ولده عبد الله صار من أخلص شبان يثر ب للدين الجديد، وأن ابنته (عفراء) وزوجها (الحارث) قد دخلا في الإسلام وكتم أمرهما عنه .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تكملة ( الحلقة/ 59 ) مصعب بن عمير بين الخزرج والأوس !! 

وسافر رأس النفاق أبي بن سلول إلى الشام، وقد اطمأن قلبه لتاج يثرب، من تلك الكلمات التي قالها شريف من أشراف الخزرج له وزنه (أسعد بن زراره)، وزال الخطر مؤقتاً عن مصعب بن عمير، ولكن الخطر يأتيه من مكان آخر، من ابن خالة أسعد بن زرارة – سعد بن معاذ – سيد بني الأشهل، كبرى بطون الأوس، فقد داخله الشك مما يدور في دار أسعد، فاختار أخلص أصدقاء أسعد من الأوس – أُسيد بن حضير الكتائب – مشى إليه سعد بن معاذ وقال له : أما علمت بما يدور في دار صاحبك الخزرجي أسعد بن زرارة يا أُسيد . 

قال أسيد : علمت يا سعد ولكن منعني من البت فيه ما بينك وبينه من قرابة، خشيت إن كلمته أفسدت ما بيني وبينك، فهو ابن خالتك . 

قال سعد : ويحك يا أسيد الرجل يأوي في داره هذا الفتى القرشي، الذي يدعو إلى نبذ آلهتنا، وتحطيم أصنامنا، والسجود لإله واحد لا شريك له، حدث هذا منه ولم تبادر بفعل شيء ؟ . 

قال أُسيد : لقد علمت يا سعد الآن ما قد علمته قبلك، والأمر لازال قائماً، فأنت أولى مني، اذهب إليه واصرفه عما هو فيه، فأنت سيد بني الأشهل، وشريف من أشراف الأوس، وقريبه ..  لعله ينصت لك . 

قال سعد : وأنت لا تقل مكانة في قومنا عنا، وإني لأعجب إحجامك عن الذهاب، فأنا أعلم أنك لن تمسه بسوء، فاذهب أنت، فما أحب أن أفسد ود القرابة، أريدها أن تأتي منك يا أُسيد، فأنت أجدر مني على التأثير عليه، وقد عهدناك خطيبًا مفوهاً لايضاهيك أحد من الأوس، فلعل الإصابة تكون على يديك .. 

قال أُسيد : فأمهلنى إذًا إلى الغد، سأذهب إلى دار أسعد بن زرارة قريبك وأحدثه في ذلك . 

وفي صباح اليوم التالي اجتمع سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، ولفيف من أشراف الأوس، ينتظرون مرور رواد بيت أسعد فيباغتهم أسيد وهم منهمكون في درسهم، وذهب أُسيد إلى دار أسعد وفي يده حربته، فلما رآه أسعد تغير لون وجهه وخشى على ضيفه، فقال في حكمة وهدوء لمصعب الجالس أمامه : هذا سيد قومه وقد جاء فأصدق الله فيه – 

ونظر مصعب إلى الواقف على رؤوس الناس وقال في ثبات : إن يجلس أكلمه . وفي صوت حاد فيه خليط بين الغضب والحزم، قال أسيد الواقف بحربته على باب الدار : يا أبا أمامة ما إيواءك هذا القرشي، وما جاء به إلينا يسفه ضعفاءنا ويسخر من عبادتنا وينكر علينا ديننا، أعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة !! – 

نبرة تهديد أطلقها أُسيد على أسعد ومصعب، ويتمالك أسعد نفسه ليمرر هذا الجنوح بعيدًا عن غايته برويه وملاينة في القول، فاصطنع ابتسامة لتهدئته، وقال لأسيد : أو تجلس يا أسيد ونسمع منك وتسمع منا . قال أسيد وهو يجاهد نفسه أمام موادعة أسعد : ما جئت لأجلس، بل لأطلب إليك أن تطرد هذا الغريب . 

وفي براعة دعوية تحلى بها مصعب الخير، الذي عاهد نفسه على الصبر حتى يُوصل النور إلى ضحايا الظلام قال : يا سيد قومه أو تجلس فتسمع ؟ . وتخرج ضحكات ساخرة من أسيد ويقول في استخفاف بمن يحدثه : أسمع منك !! . ومن أنت حتى تدعوني إلى سماعك أو تراني سفيهاً كهؤلاء الذين غررت بهم بكلامك ؟ 

وينظر أسعد إلى من في المجلس وينظرون إليه، ولسان حالهم يقول . إنها إهانة للجميع في دار سيد من سادات الخزرج، ولكن أسعد كان معنياً بها أكثر من غيره، بيد أن حكمته فادته إلى تفويت الإهانة ما دامت في سبيل الله، ويدرك أسعد أن كلمات أسيد نابعة عن شحن الآخرين له، ولن يمكث على هذا الحال طويلاً، فهو صديقه وأدرى الناس بحاله، فترك الحديث لمصعب الذي قال : اسمع ما لدي فإن رضيته قبلته، وإن كرهته كففت عنك ما تكره . 

وجلس أُسيد بن حضير كارهاً بعد أن ركز حربته، وكلَّمه مصعب في الإسلام، وقرأ عليه القرآن، ومرت على أسيد ساعة، هي أفضل ساعات عمره كلها، قال بعدها : ما أحسن هذا وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين . 

قال مصعب والبش في وجهه : تغتسل وتشهد شهادة الحق .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

( الحلقة/ 60 ) الدعوة تحاصر رأس النفاق " أبى بن سلول " !!

وقام أُسيد وركع ركعتين، ثم قال لمصعب وأسعد بن زرارة : إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن - سعد بن معاذ – ثم أخذ حربته وانصرف إلى حيث ترك قومه ينتظرونه وفيهم سعد، فلما نظر إليه سعد مقبلاً قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف أمامهم قال له سعد : ما فعلت ؟ . قال أسيد : كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت، وأراد أسيد بكلماته هذه أن يدفع سعد إلى الذهاب لسماع ما سمعه، واختلق حادثة تجعله يهرع إلى هناك سريعاً .. قال أسيد : ولما فرغت منهما حدث أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك . فنهض سعد من مكانه مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة، وأخذ الحربة في يده وهو يقول : والله ما أراك أغنيت شيئاً . 

وفي عنف يقتحم سعد بن معاذ مجلس مصعب، ويتلفت فلا يرى شيئاً مما ذكره أسيد . هدأت نفسه وفهم أن أسيداً إنما فعل ذلك ليدفعه للسماع ويقول سعد وهو مغضب : يا أبا أمامة ما لك لا تسمع ما نطلبه منك، بعثت إليك بمن ينهاك عن إيواء هذا الفتى فرددته بغير ما اعتبت ؟ 

قال أسعد : أو تجلس يا أبا عمرو . قال سعد وقد احمر وجهه : والله لولا ما بيني وبينك من قرابة لفعلت بك ما فعلت، كيف تترك هذا القرشي يغشانا في يثرب بما نكره ؟ 

قال أسعد : يا ابن خالتي اسمع من قوله، فإن سمعت منكراً فاردده بأهدأ منه، وإن سمعت خيراً فأجب إليه . قال سعد ساخراً : ما أحسب أن عند هذا الفتى خيراً . قال أسعد : تحكم على ما لم تسمع يا سيد بني الأشهل، اجلس واسمع فإن رضيت أمراً قبلته وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، عهدناك منصفاً يا أبا عمرو فاقبل ما عرضنا عليك . ولا يجد سعد بداً من الإنصياع لكلام الحق فقال : ها أنا ذا  قد جلست فماذا عندكما ؟ 

وقرأ مصعب من سورة الزخرف، وأصغى سعد وهو مأخوذ، ومرت عليه ساعة مباركة كتلك التي مرت من قبل على أسيد بن حضير، هبَّ فجأة واقفاً وانتزع حربته من المكان الذي كان قد ركزها فيه، وأقبل على نادي قومه وصاح فيهم : يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟ . قالوا : سيدنا وأفضلنا رأياً وأبركنا أمراً . قال سعد بن معاذ : إن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله . قالوا : عجباً لك كنت قد ذهبت لتطرد الفتى القرشي في دار ابن زرارة، ما نرى إلا أنه قد سحرك . قال سعد : لا والله ما سحرني وما سحر أسيد بن حضير قبلي، بل هدانا إلى الحق . قالوا في استغراب : ماذا ؟ . هل تبعته أنت الآخر يا أسيد ؟ . قال أسيد : أخفيت ذلك عن أبى عمرو حتى يذهب ويسمع مثل الذي سمعت . ثم نظر إلى سعد ووجه الكلام نحوه قائلاً : يا أبا عمرو قد كنت أعرف أنك لن تعود من مجلس مصعب الخير إلا مسلماً مثلما عدت أنا . 

قال سعد : وما جعلك تخفي عني هذا ؟ . قال أسيد : خشيت غضبك . قال سعد : والله إن هذا الأمر لا يجدر بعاقل أن يخشى فيه غضبة أحد . وتوجه سعد بحديثه إلى الملأ فقال : من شك أيها الناس في هذا الذي جاء به نبي الإسلام فليأتنا بأهدى منه، فوالله لقد جاء أمر لتحُزَّن فيه الرقاب .

وبإسلام سعد بن معاذ أسلم بنو الأشهل جميعاً، ومعهم كثير من الأوس ، وحين هم المشركون ممن لم يرق لهم كلام سعد بإيعاز من اليهود، هموا بإخراج مصعب بن عمير من دار أسعد بن زرارة صاح سعد : ليدخلن أخي مصعب داري يقول فيه ما يشاء لمن يشاء، فوالله ليجدن عندي القوة والمنعة، ولأقفن بسيفي في حمايته ممن يريد به الشر .

ويعود أبى سلول من رحلته في الشام، ويسمع بالذي حدث ويقف حائراً ماذا يفعل ؟ . الإسلام يزحف في المدينة أمام عينيه وليس في وسعه عمل شيء، سوى أن ينكب على نفسه التي غلبها الخوف، فقد غدا تاج الملك الذي يحلم به يتأرجح أمامه دون ثبات .

وزاد الأمر سوءا عليه دخول زوجته أم عبد الله في الإسلام، فبات محاصراً من الإسلام في الداخل والخارج . وضاقت به يثرب، ولم يجد ملاذاً سوى عند حلفائه من اليهود . فذهب إليهم يفضي  بمخاوفه ويستشيرهم فيما عنَّ له، وفي دار حُيي بن أخطب زعيم بني النضير يدور الحوار على مسامع جمع منهم . قال أبى بن سلول : ما هو رأيكم فيما ترونه من غزو الإسلام السريع لدورنا، هل سيظهر هذا الدين ويسود يثرب كلها ؟ 

قال حُيي في استكبار وتماسك زائف : يا أبا الحباب دعك من الريب، ولا تصدق تلك النبوة المزعومة، فلن يكون نبي من غير بني إسرائيل وارقب وانتظر، لسوف ينفض هذا الجمع عن قريب 

ولكن – ابن باطة – أحد زعماء بني النضير في نفسه شيء في هذا المجلس، فهو يوافق أبى بن سلول قلقه وخوفه من تفشى الإسلام، ولا يفاتح ابن سلول في حوار أمام سيده حُيي بن أخطب، ويتحين الفرصة حتى سنحت . ذهب ابن باطة ذات يوم إلى أُبى بن سلول ليمسح من رأسه الأمان الذي أودعه فيها حيي بن أخطب سيده، ويضع بدلاً منه خوفاً وقلقاً لكن، أُبى سلول ركن لتطمينات حيي في هذا الجانب بعد أن كان خائفاً، فيأتيه ابن باطة من ركن هو موضع الداء عنده، قال ابن باطة : ما أخشاه يا أبا الحباب أن يستشري داء محمد في يثرب، ويكثر أتباعه وتقوى شوكته فينا، فيوعز لأصحابه بألا يبايعوك على التاج . .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تكملة ( الحلقة/ 60 ) الدعوة تحاصر رأس النفاق " أبى بن سلول " !!

قال أُبى بن سلول : لا لا يا ابن باطة، لا تقول هذا على قومي من الخزرج، فأنا أقرب وأحب إليهم من أبكارهم . 

قال ابن باطة : لو كان ما تقول صحيحاً فلِمَ لا يلبسونك التاج حتى اليوم ؟ . أراهم يتريثون وينتظرون الأذن من محمد، أو لعلهم يدبرون أمرهم خفية ليكون التاج من نصيب محمد . 

قال أُبى بن سلول : لقد بعدت كثيرًا يا ابن باطة، لن يكون من قومي هذا، فإننا خارجون للحج ولشراء خرز التاج والمسلمون بصحبتنا، بل أول الخارجين إلى مكة لنشتري (الخز، والديباج، وخرز التاج)، فإذا عدنا احتفلنا بذلك احتفالاً لن ترى العرب له مثيلاً من قبل . 

قال ابن باطة : وهل صدَّقت ما يُمنونك به ؟. لو خرجوا معك إلى مكة سوف ينسلون من بينكم ويتابعوا محمدًا ويسمعوا له. 

قال أبى بن سلول : لن يحدث ما تخشاه يا ابن باطة، فقد اشترطت على قومي ألا نتعرض لمحمد ونتجنبه قدر المستطاع، وحذَّرتهم مغبة ذلك وكذا تأثيره وسحر قوله وإفساده العقول، وما أراهم إلا أنهم أخذوا حذرهم في ذلك وعاهدوني به .

قال ابن باطة : اعلم يا أبا الحباب لن تنال دعم اليهود من قومنا، ومساندتنا لك في وضع التاج على رأسك، حتى نطمئن على سير رحلتك إلى مكة، فما نخشاه أن تتبع محمداً كما فعل الكثيرون من قومك، ولو حدث هذا فلن تكون حليفنا، وسنرى نحن معشر يهود من أحق بالتاج حينها . 

قال أبى بن سلول : ما هذا الذي تقوله يا ابن باطة .. أتبع محمداً ! . لكأني لا أعرف ما هو صالح لي ولكم، ولكي تطمئن يا ابن باطة أقسم لك بمناة أنني لن أتبع محمداً هذا . 

وتأهبت يثرب للخروج إلى مكة، وتأهب المسلمون مع الخارجين إلى الحج، وأخذ أُبى بن سلول يشدد على المسلمين، الذين ضمن القافلة الكبيرة التي يقودها إلى مكة، وأمسك بيد أسعد بن زرارة وقال له : لقد واعدتني ألا تتعرض لمحمد  يا أبا أمامة، فلا نحب أن تتفرق كلمتنا هناك .. قال أسعد : اطمئن يا أبا الحباب كلنا على قلب رجل واحد حتى نرى التاج على رأسك . 

هكذا استطاع كبير مسلمي يثرب أن يوهم كبير يثرب بما لن يكون، فكان المسلمون يضمرون فى النفوس غير ذلك، فهم لم يخرجوا إلا ليبايعوا محمداً على نصرته إذا أتى إليهم يثرب، وهدفهم واحد، أن يُعبِّدوا له طريق الهجرة إليهم، فكلهم شوق لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة أولئك الذين سمعوا عنه ولم يروه، وهذه الرحلة هي أفضل السبل لإتمام ما عزموا عليه . الخروج في موسم الحج مع الخارجين فلا ينكشف أمرهم .

وانطلقت قافلة الحجاج اليثربيين بقيادة أبى بن سلول إلى مكة، وما إن حطت 

رحالها فيها، حتى بادر أبو جهل بلقاء أبى بن سلول . فقد تسامعت مكة بما دار في يثرب من استشراء هذا الدين بين أوساط الشباب وعلية القوم، فخشى أبو جهل أن تتحول كل هذه القافلة الضخمة إلى الإسلام، فتُحدث في مكة حدثاً . 

فقال لأبى بن سلول : مرحباً بك يا أبا الحباب في مكة . ورد عليه التحية ابن سلول ثم بادره أبو جهل بالحديث : خذ حذرك يا أبا الحباب، ولا تدع محمدًا يقترب من قومك حتى لا يُفسد عقولهم ويعدلوا عن تتويجك كما عاهدوك . قال أبى بن سلول : لا، لا تخشى يا أبا الحكم قومي كلهم ورائي ولن يعدلوا عن ذلك. من صبأ منهم ومن بقي على دين الآباء . 

قال أبو جهل : يا أبا الحباب إن سحر محمد ينفذ إلى العقول ويستبد بالقلوب، وقد دخل منكم الكثير في دينه، والرجل يطمع في إسلامك ليتقوى بك علينا، فباعد بينه وبين قومك، فقريش تتصدى لكل من يجهر بدين محمد في موسم الحج، ولا تدع أحداً من قومك يلتقيه، فلا نحب أن يقع الشر بيننا من أجل ذلك .

قال أبى بن سلول : طب نفساً يا أبا الحكم، فأنا وأصحابي من الأوس والخزرج لا يشغلنا أمر محمد، إنما يشغلنا تاج يثرب، جئنا نطوف ونحج ونشتري من أسواق مكة (خرز التاج، والخز، والديباج، والحُلل اليمانية)، فإذا عدنا من حجتنا هذه وضعوا التاج على رأسي، واجتمعت كلمتهم عليِّ، لا يخالفني أحد إلا نفيته . 

قال أبو جهل : ولو كان ممن تبعوا محمداً ؟ . قال ابن سلول : ولو كان أعز أهل الأرض من الروم والعجم، طب نفساً يا أبا الحكم فإني وقومي حيثما تحب .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

( الحلقة/ 61 ) بيعة العقبة الثانية !! 

في هذه الأثناء، كان المسلمون يعدون أنفسهم للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ البيعة منه، وتشاوروا فيما بينهم سرًا، كى لا يشعر أبي بن سلول وغيره ممن ظلوا على دينهم بما يرتبونه في الخفاء، وتم تفويض - البراء بن معرور – بتدبير الأمر، فتلمس الأخبار من حوله، وجاءه عبد الله بن رأس النفاق أبى بن سلول وقال له : يا ابن معرور إني رأيت أبي يتحدث مع أبي الحكم بن هشام، وطلت طرفاً من الحديث . قال البراء : وفيما كانا يتحدثان.. قال عبد الله : لم أسمع جيداً، لكن ما طالته أذني كلمات من التحذير، حذَّر أبو الحكم أبي من لقاء القوم مع محمد، وشدد عليه في ذلك . قال البراء : فلنُعدّل إذاً في تدبيرنا، فقد كنت أنوي الذهاب إلى رسول الله سرًا، لكن عيون أبى الحكم بن هشام بعد الذي سمعته، لن تدعنا دونما ترصد . 

واستشار البراء بن معرور أسعد بن زرارة، وأطلعه على ما سمعه من عبد الله بن أبى بن سلول فقال أسعد : الرأي عندي أن أذهب إلى دار أبى الفضل – العباس – عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتربطني به علاقة قديمة، كان لا يعرج على يثرب في تجارة إلا وينزل في داري، كما كنت أفعل إذا قدمت مكة . قال البراء : أو تأمن جانب العباس على رسول الله ؟ . قال أسعد : العباس يا ابن معرور يناصر ابن أخيه رغم أنه على دين قريش، وليس هناك من يحمي الرسول بعد أبى طالب سوى العباس عمه . 

ويطرق أسعد بن زرارة دار العباس ليلاً في ساعة منكرة، ويُدخله العباس ويسأله : هل رأيت ابن أخي ؟ . قال أسعد : نعم وخشيت أن أحدثه حتى إنني لم أسلم عليه، فقد وجدت العيون ترمقه من بعيد . قال العباس : أحسنت صنيعاً يا أبا أمامة . لقد علمت أن فيكم الإصرار على اتباعه، فهل أقر القوم ممن تبعوا ابن أخي قرارهم ؟ . قال أسعد : والله يا أبا الفضل ما في يثرب بيت لم يدخله الإسلام، أو فيه ذكر لله ولابن أخيك رسول الله، لقد فشا فينا الإيمان، حتى لم يبق إلا أن يأتينا رسول الله في المدينة، فما بقاءه عليه الصلاة والسلام في أرض جافته وقست عليه وكذبته ؟ . قال العباس : وهل قومك من الأوس والخزرج على رأيك هذا ؟ 

قال أسعد : أجل، المسلمون منهم من جاء معنا، ومن بقي في يثرب . قال العباس : وكم عدد من جاء منكم للحج ؟ 

قال أسعد : مائتان . قال العباس : يا أبا أمامة إن هذا عددا كبيرا إن اجتمع في مكان واحد أثار ريبة قريش، وهي على ما تعرف من الترصد لابن أخي .

قال أسعد : أجمع لرسول الله سبعين رجلاً منا يواعدهم حيثما يريد .

قال العباس : ألستم تعجلون ؟ . قال أسعد : نعجل !! . أنا ومن معي نعدُ الأيام عداً حتى ندرك هذا اليوم، لقد طال شوقنا لرسول الله يا أبا الفضل . 

قال العباس : ما أشد خشيتي على ابن أخي من أُبى بن سلول، فالرجل يعد نفسه للتاج فماذا لو دبر لقتل محمد ؟ . قال أسعد : والله ما يجسر على أن يقترب من محمد، أو يمسه بأذى يا أبا الفضل، اعلم أن مجيئنا لرسول الله من أجل أن نعرض عليه العهد بحمايته من قريش وغيرها، ولن نعود إلى يثرب حتى نوثق العهد معه . قال العباس : لعمري، هل يرضى محمد أن يفارق مكة وهي أحب أرض الله إليه ؟ 

قال أسعد : سيرضى إذا سمع ما أعددنا له من حماية . قال العباس : نِعمَ الناس أنتم يا معشر الأوس والخزرج، إذن فلا مناص من أن يتم اللقاء خفية، وهل يعلم أبى ابن سلول ومن على شاكلته بهذا ؟ 

قال أسعد : كلا . أوهمناه أننا جئنا معه للحج، ولشراء ما يحتاجه من أشياء لتاجه، فإذا واعدنا رسول الله كتمنا الخبر فلا نشيعه إلا إذا عدنا إلى يثرب . 

قال العباس : فاكتموا أمركم حتى أكلم ابن أخي يجعل لكم موعداً . قال أسعد : أين ؟ . قال العباس لا أدري، وإن أخذ محمد برأي لاخترت لكم العقبة مكاناً، وأوسط أيام التشريق زماناً، ذلك منصرف الناس من الحج، فلا تثور ريبة قريش فيكم . قال أسعد : وكيف أعرف رأي رسول الله فيما جئناه به ؟ 

قال العباس : إن استجاب لرأي قابلتك في الطواف غداً، وأشرت إليك بعيني على ذلك .

وأشار إليه، وتحدد المكان، وجاء اليوم الذي انتظره المتلهفون لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصطحابه إلى مدينتهم، وفي الثلث الأخير من تلك الليلة التي غطت فيها مكة في سبات عميق، وساد السكون في أرجائها وانخرط أبى بن سلول ومن أخفوا عليهم الأمر في نوم عميق بعد عناء يوم طويل في التجوال، همس ( البراء بن معرور ) في أذن أسعد بن زرارة وقال له : نام الناس يا أبا أمامة، خذ معك – كعب بن مالك – شاعر الخزرج وتوجه حيث أعددت .

ويتسلل أسعد إلى مرقد – كعب بن مالك – وقبل أن يهم بإيقاظه وجده مستيقظاً ينظر بعينه كأنه ينتظره يسأله كعب في همس : هل نام ابن سلول . قال أسعد : داهمه النعاس وهو يحدثني عن لوازم التاج التي لم يشترها بعد، هيا يا كعب هيا ولنخف السير .. 

وتسللا إلى شعب العقبة في انتظار قدوم النبي صلوات ربى وسلامه عليه، ونظرا فإذا باثنين يأتيان من بعيد فقال أسعد بن زرارة في لهفة حارة : ها هو النبي قادم ناحيتنا .. ولم يتمالك كعب نفسه من فرط الفرح فقال : هيا إليه فلا نشق على النبي في الصعود إلينا . قال أسعد : لا تتحرك من مكانك، فالنبي قال انتظروني حتى آتيكم، فهو أدرى بتدبيره . قال كعب : ومن ذاك الذي معه ؟ . قال أسعد : هذا عمه العباس، يلازمه خوفاً عليه، ويستوثق له قبل أن يتم اللقاء كي يطمئن على ابن أخيه، فالعباس يرى أننا غرباء ولابد من فعل ما يفعله من الإشراف على البيعة، وإتمامها على الوجه الصحيح، فالعباس يا كعب لازال على دين قومه ولا يعرف مدى لهفة قلوبنا على النبي ولا مدى حبنا له . .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تكملة ( الحلقة/ 61 ) بيعة العقبة الثانية !! 

وتوجه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يرافقه العباس ناحية العقبة، وكان أبو بكر الصديق يريد مرافقته، لكن العباس رده قائلاً : يا أبا بكر ابن أخي أحوج إليك عند أول الجبل، فابق ها هنا فقد يخرج أحد من قريش وينبئ قريشاً بما يدور فيفسدوا علينا ما نريد إتمامه . قال أبو بكر : ولكني أحب أن أكون مع رسول الله في موقف كهذا لأطمئن على سير الأمور . قال العباس : يا أبا بكر ما دبر أمر هذا اللقاء غيري، وما سعى فيه سواي، فما ظنك بالعباس بن عبد المطلب إذا دبر أمرًا ؟ . 

قال أبو بكر : بوركت يا أبا الفضل خذ لرسول الله من المواثيق ما يرضيه . 

قال العباس : أوصيت حريصًا يا أبا بكر . قال أبو بكر : وأنا لن أغادر أول الجبل لأدفع عنكم . صاحبتكما السلامة .

وما إن وصل النبي صلوات ربي وسلامه عليه إلى شعب العقبة، إلا وكان جمع المسلمين قد اكتمل، تسللوا في جنح الظلام حتى لا يشعر بهم أحد . ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وألقى رسول الله عليهم تحية الإسلام، جلسوا في خشوع وإنصات، وترك النبي بدء الحديث لعمه العباس . فافتتح العباس حديثه قائلاً : يا معشر الأوس والخزرج إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزة من قومه ومنعة من بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم مُسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن فدعوه فإنه ليعز علينا تركه .

فقام ( البراء بن معرور ) زعيم وفد الأنصار وقال له : يا أبا الفضل لقد أسمانا رسول الله الأنصار فما نحب أن نسمع منك أننا مُسلموه، وإننا نحب أن نسمع كلام رسول الله بعد أن أجليت لنا الأمور ووعيناها . ونظر البراء بن معرور إلى رسول الله نظرة توقير وتعظيم ثم قال : تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت . 

وانتاب المكان لحظات صمت، فيها تهيأ المجتمعون لسماع ما طال الشوق لسماعه . وتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن ودعا إلى الله، ورغَّب في الإسلام .

ثم قال عليه الصلاة والسلام : اشترط لربي  أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبنائكم . قال البراء بن معرور : فإذا فعلنا ذلك يا رسول الله فما لنا ؟ قال رسول الله : لكم الجنة . قال البراء : ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل لقد كنت أول من دعا إلى الصلاة جهراً في يثرب يا رسول الله . 

وتبسم عليه الصلاة والسلام فقال : نِعمَ المسلم البراء بن معرر . قال البراء : والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه نساءنا، نحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر .

ولما فرغ البراء من حديثه مع الرسول قام - أبو الهيثم بن التيهان - وقد أراد أن يُطمئن الجمع، ويُسمعهم إجابة رسول الله على سؤال دار في ذهن الجميع، فقال أبو الهيثم : يا رسول الله إن بيننا وبين اليهود حبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ 

وتبسم الرسول صلوات ربي وسلامه عليه وفهم ما أراد : بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم . 

ثم قام ( العباس بن عبادة بن نضلة ) وأراد أن يضع قومه على بينة من الأمر قبل إتمام البيعة قال : يا معشر الأنصار هل تدرون علامَ تبايعون هذا الرجل ؟ . قالوا نعم ! . قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن دعوه فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة .. وأخذ القوم يتدافعون ناحية الرسول وهم يقولون : بل نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف - أبسط يدك نبايعك يا رسول الله .

ويبايع الرسول من يجد يده ممدودة أمامه، فلما تكاثروا قال لهم : أخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم . فأخرجوا منهم اثنا عشر نقيباً .. تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس هم ( البراء بن معرور بن صخر، وأسعد بن زرارة، ورافع بن مالك بن العجلان، وعبد الله بن رواحة، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، وعبد الله بن عمرو بن حرام، والمنذر بن عمرو بن حنيس، وسعد بن الربيع بن أبى زهير ) ومن الأوس ( أسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة بن الحارث، ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير ) .. وتمت بيعة العقبة الثانية، بيعة على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحمايته والاستعداد لهجرته إليهم، وانقضي الثلث الأخير من الليل في هذه البيعة .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

( الحلقة/ 62 ) وسقط التاج من رأس النفاق !! 

وفى صباح اليوم الثاني، جاء أبو جهل إلى خيام الأوس والخزرج، وتبدى لمن رآه، أن أحدا قد أبلغه بما دار في ليلة الأمس، فأتى إلى الخيمة الكبيرة الرئيسية، التي بها أبى بن سلول ومعه (صفوان بن أمية) . قال أبو جهل : قد وقع الأمر الذي خشيته وحذرتُك منه يا أبا الحباب . 

فانتفض أُبى بن سلول من مكانه فزعاً وقال : ما هذا الذي وقع يا أبا الحكم ؟ . قال أبو جهل : أخبرني من لا يكذبني - منبه بن الحجاج - وكان قادماً من الطائف فى ساعة متأخرة ليلة أمس، أن أصحاب محمد من الأوس والخزرج، التقوا به عند العقبة . وتغيّر لون وجه ابن سلول، ولم يصدق الخبر، وقال في دهشة : لم يصدقك القول، فمنذ عدنا من ندوات قريش، لم نخرج حتى الصباح من خيامنا . ونظر أبو جهل إلى أبى بن سلول ومَنْ حوله، وساء ظنه فيه، فتكذيب أبى بن سلول لنبأ تأكد من صحته أبو جهل، لا يعني شيء سوى، أن الرجل يتستر عليهم، فقال أبو جهل مُغضباً : تخدعوننا يا أهل يثرب، ويخرج الناس من خيامكم سراً للقاء محمد !! .. وثارت ثائرة أبى بن سلول من مقالة أبى الحكم وقال : نخدعكم ؟ . ويحك أبا الحكم أما دريت مَنْ تحدث ؟ . إنك واللات بقولك هذا لتسبني وتسب قومي، وهل يقع في هذا السوء قوم مليكهم أبى بن سلول الخزرجي ؟ 

ويدرك أبو جهل أنه تخطى حدود اللياقة، وتجرأ في حديثه مع رجل له مكانة في قومه وعند العرب، فبادر بالتلطف في الحديث قائلاً : يا أبا حباب ما قصدت هذا الذي أغضبك، وإنما قصدتُ أن بعضهم خرج سراً أثناء نومك دون أن تشعر .

قال أبي بن سلول : لا أتهم أحداً فالقوم أمامنا ويسمعوننا، لو خرج أحدٌ لقال بذلك . قال أبو جهل : ما يكذب ( منبه بن الحجاج ) وهو من هو في عداوة محمد .

ويغضب منه أبى بن سلول ثانية، ويقول في حدة له : عجباً لك يا أبا الحكم، ما كان هذا واللات، وما كان قومي ليفتاتوا عليِّ بمثل هذا، وما يخالف أحدٌ منهم عن رأيي فها هم أمامك، فسألهم حتى يتبدى لك أنه زعمٌ كاذب .

واحتار أبو جهل فهو على يقين من أن ما قاله ( منبه بن الحجاج ) حدث، وكلام أبى بن سلول بهذه الثقة والثبات، لا يعني سوى أنهم غافلوه، وقابلوا محمداً سراً، فنظر إلى ( صفوان بن أمية ) وقال له : نادي في القوم يا ابن أمية . فقال صفوان : يا معشر الأوس والخزرج، إنه قد بلغنا أن منكم من قابل محمداً ليلة أمس عند العقبة، فمن شهد ذلك اللقاء فليتكلم ولا يكذبنا .

وانتاب المكان لحظات صمت، ونظر فيها الناس إلى بعضهم بعضاً دون أن يتكلم أحد، حتى يقع صمتهم على أبى جهل، أنه لم يحدث ذلك، وانطلت الحيلة على أبى بن سلول الذي قال : يا أبا الحكم، ها أنت تراهم لا يجيبون، ولعلك الآن صدقتني حين قلت لك، أن قومي لا يخالفون عن رأيي . ولم يقنع أبو جهل بما يدور حوله، فهو يرى في عيون اليثربيين تكتم الأمر، ويرى أن أبي بن سلول مخدوعٌ فيهم، فآثر غلق التحري بحديث فيه تحذير لجمع حجيج يثرب . قال : يا معشر الأوس والخزرج قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا هذا، تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب، أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . 

واستلم الحديث صفوان بن أمية فقال : يا معشر الأوس والخزرج، أحذروا محمداً فإنه يذهل بحديثه الخليل عن خليله، دعوه لنا ولا تنصروه علينا فإنا قادرون على أمره، لا تجعلوه يسلب تاج مليككم سيد الناس - أبي بن سلول - لا تجعلوه يلجأ إلى بلدكم ينشر الفتنة بين الناس بحلو منطقه وسحر حديثه . فقال له أبي بن سلول : لقد أوصيت حريصاً يا ابن أمية . ثم نظر إلى أبي جهل وقال : طب نفساً يا أبا الحكم ولا تعطي الأمر فوق ما يستحق .

وغادر اليثربيون وفيهم الأنصار مكة، وآثر نفر منهم المكوث في مكة للاستزادة من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجاورته، ولكن حدث ما كان يخشاه المسلمون، تسرب إلى قريش خبر العقبة، وراح أبو جهل ينشر ما حدث ويُزوّر عليه القول، وصار حديث قريش في أنديتها ما حدث ليلة العقبة، فانطلقت قريش في أثر المتخلفين من الأوس والخزرج، الذين أحسوا بالملاحقة ففروا من مكة على عجل، ولم تطل قريش إلا رجلاً واحداً منهم لم يستطع الفرار - سعد بن عبادة - أوثقوه وجعلوا جل همهم معرفة ما دار في تلك الليلة .

أوسعوه ضرباً، وتناوب الرجال عليه باللكمات حتى يتكلم، ولم يتكلم سعد، تركوه موثوقاً ووضعوا على حراسته بعض الغلمان، حتى يقضوا حاجات لهم، ثم يعاودون انتزاع ما عزموا انتزاعه منه بالقوة، فبينما هو كذلك إذ مر عليه رجل من مكة، أشفق على حاله ورقَّ له قلبه، قال له بعد أن علم بأمره : ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ . الرجل يريد إنقاذه . قال سعد : بلى والله كنت أجير ( لجبير بن مطعم ) تجارته ورجاله وأمنعهم مما أراد ظلمهم ببلادي، وكذلك للحارث بن حرب بن أمية . قال الرجل : ويحك ولِمَ لم تهتف باسم أحد الرجلين واللات لو فعلت لكانا أمامك وتركك القوم . 

قال سعد وقد تبدى على وجهه علامات الاطمئنان، في العثور على مخرج مما هو فيه، أهداه له الرجل المكي قال : فلتسدي إلي إذن معروفاً وتسرع إليهما فقد لا يسمعاني إذا هتفت، أو قد لا يتركني هؤلاء النفر من قريش أصيح باسمهما . 

قال الرجل : سأنطلق إليهما . وذهب الرجل إلى سوق - ذي المجاز - حيث تجمع حشد من الناس، وراح يهتف : يا جبير بن مطعم، ويا حارث بن حرب . يا جبير بن مطعم، يا حارث بن حرب، فتناقلت الناس صيحة الرجل، حتى أوصلوها إلى جبير والحارث، فتوجها صوب المنادي فقال لهم الرجل : هناك من يطلب إجارتكما، ويزعم أنه كان يجير رجالكما ويحمي تجارتكما . قالا: ومن ذلك ؟ . قال : رجل يُدعى (سعد بن عبادة) وهو من يثرب، قالا : صدق واللات فلنسعى نحوه، وانطلقا حتى أتيا سعداً وخلصاه مما فيه من العنت والتعذيب . 

وكما أحست قريش بنبأ العقبة، وتسرب إليها خبرها، أحس أبي بن سلول وهو في طريق العودة أيضاً بنبئها، من خلال تهامس القوم على طول الطريق، فأدرك أن ما حدَّثه به ( عمرو بن هشام ) - أبو الحكم – ( وصفوان بن أمية ) له أساس من الصحة، فما أن حط الرحال في المدينة، إلا وقد فشا الأمر، وعلم أبي بن سلول أن قومه من المسلمين خدعوه، وما كانت خرجتهم معه إلا لمبايعة محمد على النصرة، ويوم بعد يوم يتبدى لأبن سلول ذلك بوضوح، فلم يعد بعض المسلمين يملك لسانه وجنانه من فرط البهجة أن تمت البيعة، وعلم أن البراء بن معرور كان رأس الأمر في البيعة، فانطلق إليه والشر في رأسه قال له : سحركم والله محمد حتى أسلمتم له أمركم . قال البراء بن معرور : بل أسلمنا لله رب العالمين .

قال أبي بن سلول والحقد يأكل قلبه : بل هو سحر يؤثر، قد دخل في دين محمد أكثر من نصف أهل يثرب وهو لا يزال بعد في مكة، فكيف يكون الأمر إذا جاء ؟ 

سحركم والله كما سحر ولدي عبد الله، وزوجي أم الحباب . وأراد البراء بن معرور أن يتخذ من هذا الموقف سبيلاً لدعوة هذا الرجل المتكبر إلى دين الله، فلعل قلبه يلين، ولو حدث ليكونن في هذا خير عميم في يثرب .

قال البراء : يا أبا الحباب ما هو بسحر، وما رسول الله بساحر ولكنك يا سيد قومه لو أسلمت وتابعته لصار أحب إليك من نفسك، كما صار أحب إلي من نفسي .

ويعجب من هذا الكلام صاحب القلب الغليظ أبي بن سلول فيقول : ماذا ؟ . صار محمد أحب إليك من نفسك ؟ . قال البراء بن معرور كلمات خرجت من قلبه المؤمن : ألم ينقلنا من الظلمات إلى النور يا أبا الحباب ؟ . قال ابن سلول : تعني أن ولدي عبد الله وزوجي أم الحباب يحبان محمد بن عبد الله أكثر مما يحبونني .

قال البراء : أجل فلا يكمل إيمان المسلم إلا إذا كان رسول الله أحب إليه من نفسه، أطعني يا أبا الحباب واعلن إسلامك، فإذا جاء رسول الله إلينا مهاجراً زدت شرفاً وكرامة . وتخرج منه ضحكات ساخرة وقال : والمُلك ، والتاج ، أنزل عن هذا كله لرجل طردته مكة ؟. قال البراء بن معرور : إنما أكلمك يا أبا الحباب عن تاج الإيمان، تاج يتيه به المؤمن الحق يوم القيامة . 

ولا تدخل كلمة واحدة من كلمات البراء، إلى هذا القلب المظلم الذي أغشته غمامة، حجبت عنه رؤية النور الذي رآه الكثيرون من أهله، وليس في عقله سوى التاج الذي بدأ يتأرجح أمامه الآن، فقال والغيظ يملؤه : ذلك أول الغدر وعدتموني بالمُلك وها أنت أول من يحنث بوعده، كأنكم تريدون أن تملكوا محمداً . قال البراء محاولاً تهدئته : يا أبا الحباب المُلك لله وحد، وما هو بملك عضود ولكنها النبوة . قال أبي بن سلول : علمت أنكم بايعتموه على أن تملكوه إذا جاء يثرب . قال البراء ابن معرور : كذب من أخبرك، بل بايعناه عليه الصلاة والسلام على كل نبيل وكريم، على أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، وأن نمنعه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، وألا نسلمه لأحد، ونكون على من عداه بأقصى مما نكون على من عادنا، يا أبا الحباب سارع في الدخول في دين الله فيُسوّدك على يثرب رسول الله إذا جاء .

قال أبى بن سلول في غضب : لا لا يسلبني تاجي ويجعلني وزيره، لا لا والله لا أرضى بهذا، ولو لم أجد غير الذر لجاهدت محمداً به .

وأيقن أبي بن سلول حين شاع الأمر في المدينة، أن التاج فاته وإلى الأبد، فأضمرها في نفسه، وعزم على معاداة محمد بأشد ما يكون العداء .. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظة:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تعليقات

التنقل السريع
    close