القائمة الرئيسية

الصفحات

الطريق الي النور ( الحلقة/ 41) قريش تلاحق الفارين من الكفر !!



الطريق الي النور

 ( الحلقة/ 41) قريش تلاحق الفارين من الكفر !! 

واستقر في أذهان قريش أنه نبي، وأن ما يحمله آت من الله، لأنهم أخضعوا اختبار ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لأحبار اليهود، والعرب تعتقد في علم اليهود بالأنبياء فهم أصحاب الكتاب الأول " التوراة "، وتتحول كفة الحرج واللوم إلى الجانب الآخر ـ قريش ـ والتي وقفت إزاء ما حدث موقفاً بالغ الصعوبة، بعد أن كادت مكة تشك في محمد، فقد جاءهم ردًا وافيًا من رجل، الكل يعرف أنه أمي ليس له علاقة بعلم الكتب السماوية، فهو لا يقرأ ولا يكتب، فمن أين له بهذه الأخبار التي ساقها لهم ؟ . فيها قصص الأولين التي لا يعرفها سوى أحبار اليهود، وكهنة النصارى، ومحمد لم يجلس ليتعلم منهم . بل إنه جاء بحقيقة الأخبار التي سُئل عنها، لا الأخبار المشوهة التي تتناقلها اليهود، وصار الأمر جليًا أمامهم، ليس له من تفسير سوى أن محمدًا صادقٌ، وهو نبي، ومصدر علمه الوحي الذي يتنزل عليه من عند الله . 

ومرة أخرى تصر قريش على العناد، وتكابر في الحق، وتخرج عن طور التعقل وتثور ثائرتها، بعدما انجلى الغبار عن تلك الواقعة، وأحست بخطر دعوته عليها، فتجتمع لتصنع رأياً قاطعاً فيه، بعدما خابت كل مساعيها في الحد من خطره، تعرضت له  وآذته ولم تفلح، وتصيدت له العثرات، وأثارت الشكوك حول دعوته وفشلت، واستشارت أهل الدراية والعلم ووضعوا دعوته على المحك أمام الناس، وعجزت في إثبات زيفه، بل على العكس، بزغ نجمه وتألق لمَّا تلا القرآن على مسامع الناس . حارت قريش في أمره، وينعقد هذا الجمع وقد لف الوجوه جزع ويأس، وفاض بهم الكيل، وفي هذا المناخ المتوتر يعلو صوت التهور، ويصير الانتقام أقرب إلى العقول من الحكمة والتبصر، وتهيأ الجو لأبى الحكم عمرو بن هشام، الذي أطلق عليه أصحاب رسول الله كنية شائنة لكرهه لمحمد ودينه - أبو جهل – تهيأ الجو لأبى جهل ليدلي بدلوه والناس مشدودة الأعصاب مستاءة، فاقترح اقتلاع الأمر من جذوره، وحسمه نهائياً، قال بعد أن قرأ على وجوه المجتمعين حالة الغضب : دعوني أقتل محمداً، فقد جربنا كل شيء، وليس بوسعنا الصبر مع هذا . قال العاص بن وائل : ويحك يا أبا الحكم : لم يبلغ الأمر بعد هذا الحد . وكيف ينظر الرجل منا إلى وجوه بني عبد المطلب إذا حدث ذلك، هل نسيتم اتفاقنا مع عمه بعدم التعرض له ؟ . انظروا رأيًا يا معشر قريش غير الذي يدفعكم إليه أبو الحكم الذي يريد إشعال الصراع بيننا وبين من حالف بني هاشم . 

وتعلو أصوات صاخبة، تؤيد أغلبها رأي أبى جهل، فقام أمية بن خلف وقال : ونحن ندفع عنك بني هاشم إذا قاموا عليك . 

أطلقها أبو جهل وترك تداعياتها تصول وتجول في دار الندوة، فلما رأى ذوو الأحلام والأناة تيار التصعيد يجرف من في طريقه، وآثروا الخروج معتزلين التهور . فخرج العاص بن وائل وخلفه الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وأبوسفيان وغيرهم، ليتركوا الساحة خالية لذوي الطيش والنزق . 

وفي صباح اليوم التالي، ترصد أبو جهل النبي، فرآه قاصداً البيت، انتظره حتى طاف به وكان من عادته  إذا فرغ من الطواف صلى ركعتين، وإذا صلى طال سجوده، وغدت قريش في أنديتها تنتظر نهاية العملية التي شرع أبو جهل في القيام بها . 

توجه أبو جهل ناحية الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إذا سجد احتمل حجراً ضخماً ثم دنا من النبي وهو يرفعه ليلقيه عليه، ورجالات قريش تحبس أنفاسها في ترقب، وفجأة يسقط الحجر من يد أبى جهل ويعود سريعاً ممتقعاً لونه مرعوباً، وقد يبست يداه، ويعدو في اتجاههم مرتجفاً، فقالوا له : ما بك يا أبا الحكم ؟ . قال وهو يلتقط أنفاسه بعسر : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته ولا رقبته ولا أنيابه لفحل قط . فهمَّ أن يأكلني، فسقط الحجر من يدي . 

وتناقلت قريش ما حكاه أبو جهل، وخبر بها أصحاب الرسول صلوات ربى وسلامه عليه، فسألوه عن هذا الذي عرض لأبى جهل . فقال: ذلك جبريل، ولو دنا منه لأخذه . 

فصرف الله عن نبيه غدر قريش، وأحبط محاولتهم الدنيئة، وحماه مما يدبرون له، وتأتي تلك المعجزة لتزيد من غليانهم، وتستعر حمى الشر فيهم، ولم يعد بعدما زاد سعارهم المجال يسمح بسماع أصوات الحكمة والصبر والمهادنة، وغدت مكة أكثر لهيباً، وسيطرت روح الشر على رءوس قريش، وكأن مسًا من الجنون أصابهم، اختل توازنهم، فتركوا أعمالهم، وتفرعوا لمحمد وأصحابه، يصبحون ويمسون على حياكة المؤامرات وتدبير المكائد، وكلما أخفقت محاولة لصرف الناس عنه، أو القضاء على دعوته ازدادوا اشتعالا وتوهجاً، ويطول بحثهم عن وسيلة لم تجرب، ويعثرون في خبايا الشر على ما يُسكن الغليل . 

قالوا : استطعنا أن نمنع الغرباء من خارج مكة من الاجتماع به، الآن نمنع من هم في داخلها من الجلوس  إلى محمد، واصدروا التعليمات بذلك، وصار الحديث أو اللقاء به مخاطرة غير مأمونة العواقب بعدما أشاعوا الرعب في قلوب أهل مكة، ثم ألحقوا بهذا الأمر أمرًا آخر هو أخطرها على الإطلاق، قرار التعذيب، وهذا آخر ما في جعبتهم، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، ونال العبيد من المسلمين الحظ الأوفر من العذاب، ولم ينج الأحرار من البطش الذي مارسه كبار قومهم . 

وسجل الصامدون منهم أسمى آيات الثبات على الحق والإيمان . فضرب بلال مثلاً رائعاً في التحمل والإصرار، ولم ينته العذاب القاسي الذي لا يطيقه بشر على طريق الهداية فكان سيده – أمية بن خلف – يسحبه خارج مكة، إلى حيث الرمضاء المحرقة، وينزع عنه قميصه ويلقيه على الأرض، ويضع على صدره حجراً كبيراً، ويوثقه بالحبال ويجعل الصبية يجرونه ولا يزيد على قول . أحد . أحد . 

وفعل بنو مؤمل – بجاريتهم مثلما فعل غيرهم، وكان عمر بن الخطاب يتطوع متناوباً معهم في تعذيبها، وإذا سئم عمر أعتذر لها وكأن شيئاً ما يدفعه للندم على فعلته، ثم يأتي في الصباح ويعاود الكرة، فإذا مل أعتذر وندم، ويمضي أبو جهل في التعذيب – ياسر وزوجه سمية وأبنهما عمار، وكلما مر الرسول ورآهم في العذاب قال : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة،. صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تكملة ( الحلقة/ 41)  قريش تلاحق الفارين من الكفر !! 

ويفرط أبو جهل في تعذيب من أسلم من الموالي والمستضعفين في مكة، وحذا حذوه السفهاء من الفتيان والمُحمّقون، وتطاير شرر التعذيب ليطال المسلمين في أرجاء عدة بمكة، وخشي علية القوم وسادة قريش من استشراء هذه الظاهرة الشائنة وما قد تحدثه من ضياع هيبتهم ومكانتهم بين العرب، فلم يرض الوليد بن المغيرة عن فعل ابن أخيه أبى جهل الذي تزعم الحملة على المسلمين، انطلق إليه وهو غاضباً وقال له : ما هذا الذي نسمع ونراه يحدث كل يوم في مكة يا أبا الحكم ؟ . 

قال أبو جهل وقد قرأ على وجه عمه الاستنكار : ذلك الذي كان لابد أن يحدث، سعيتم لإيقاف محمد باللين والأناة فلم يزده ذلك إلا إصراراً،  فهاآنذا أعاود الإصلاح بطريقتي التي أراها حاسمة مع هؤلاء الذين تعرضوا لنا ولآلهتنا . قال الوليد بن المغيرة : لا تجعل يا ابن أخي الغل يدفعك إلى ما لا تعرف نهايته، ماذا تقول عنا العرب، ونحن حماة البيت وفي هذا البلد الآمن يسام الضعفاء والأحرار سوء العذاب ؟ . إنك لا تدري يا ابن أخي عواقب سعيك في هذا الطريق إن لم تكف عن فعلك هذا يا أبا الحكم  ليحدثن في الأمر حدثاً عظيماً، هناك من بني هاشم ومن بني عبد الدار ضحايا التعذيب ولو أوغلت ومن لف لفك في هذا الأمر واللات لا نأمن أن تقوم بطون مكة والأحلاف على بعضها البعض، كف عنا يا ابن أخي هذا الحدث الذي أتخوفه، وأوصد هذا الباب الذي لو ظل مفتوحاً لهبت علينا منه رياح الفتنة والخراب . 

قال أبو جهل عمرو بن هشام وعيناه تقدحان شرراً : لا واللات ما أكف عن هذا، وإني لأعلم أني أحدثت في هذا الحرم ما لا عهد لأهله به، ولكنك تعلم  ياعماه أن محمداً قد سبقني فأحدث في هذا الحرم ما لا عهد لأهله به . قال الوليد في رفق : ويحك يا ابن أخي فإن محمداً لم يحرق داراً ولم يعنف بأحد ولم يضع أحداً في الحديد . قال أبو جهل : بل هو فعل شراً من ذلك، إنه أفسد علينا الرقيق، وأفسد علينا الدهماء يغريهم بآلهتنا، ثم لا يكفيه ذلك فيغريهم بأموالنا ومرافقنا ويطمعهم في مراتبنا ومنازلنا التي توارثناها، لا واللات يا عم لئن تقول عنا العرب إننا نسوم السفهاء والضعفاء العذاب أحب إلينا من أن تقول امتطى السفهاء مكانة السادة وصار العبيد في مكة أسياداً والسادة عبيداً . 

ويتركه الوليد، يتركه لإصراره الذي لن يصرفه عنه صارف، فروح الشر والغضب يسيرانه إلى الطريق غير محمودة العواقب . ويعود أبو جهل إلى داره ويعاود التعذيب ولا تتحمل سمية التي تحملت السباب لا تتحمل سباب أبى جهل للنبي، فصاحت بالشهادتين، فضربها أبو جهل برمحه فقتلها فكانت أول شهيدة في الإسلام، واشتد في العذاب على زوجها ياسر، وكان مسناً لا يحتمل، لكنه لم يعود رغم ما لاقى من عذاب عن دينه الذي ارتضى، فما زال به أبوجهل حتى لحق بسمية شهيداً هو الآخر . 

ويرى عمار مصرع والديه أمامه، ويصرفه العذاب الواقع عليه من الالتفات للحزن وأمعن أبو جهل في تعذيبه، وقال وهو يضربه : واللات والعزى لا أتركك حتى تقول هذا الجعد – خنفساء كانت تسير في أرض غرفة التعذيب – هذا الجعد إلهي ومازال أبو جهل به حتى قال عمار تحت الضغط الرهيب من العذاب ما أراده منه أبو جهل، فتوقف العذاب عنه، ولكنه داهمه عذاب من لون آخر، عذاب نفسه النادمة على قول ما ليس في قلبه، وينسل من محبسه ويذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبد به الأسى والحزن وقال له : يا رسول الله ما تركوني، قتلوا أمي . وقتلوا أبي وما تركوني حتى قلت إن الجعد ربي . وقرأ النبي في وجه الفتى الصالح عمار بن ياسر خوف وفزع على إسلامه من أن ينتقص بمقولة كهذه التي قالها في شدته، فقال له نبي الرحمة : يا عمار إن عادوا فعد . 

وتتنزل الآيات تجيز فعله وتقره : ( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ/ النحل : 106)

ولاقت (أم عميس) عذابًا شديدًا، فقدت على إثره بصرها، وشمتوا فيها . وقالوا أعمتها اللات والعزى لكفرها بهما . ويكذب الله زعمهم ويرد إليها بصرها بدعوة مباركة من الرسول، ولاقت (النهدية) وابنتها نفس المصير، وعذبتا عذاباً شديداً ورأى أبو بكر عذاب المرأة وابنتها فقال لسيدهما : اتركهما لِمَ هذا العذاب ؟ . قال له : والله ما أتركهما أبداً وإن كان ساءك ذلك فاعتقهما  بمالك . 

ويشتريهما أبو بكر ويطلق سراحهما، ويفطن لهذه الحيلة التي قادته لهذا الطريق، عتق العبيد والأرقاء من المستضعفين الذين يسومونهم سوء العذاب . كلما مر بعبد يُعذب أو جارية تُهان أعتقه، واستمر في ذلك حتى أعتق ثمانية ممن وقع عليهم أشد العذاب . 

وسمع أبو قحافة والد أبي بكر بأن ابنه يعتق الضعفاء ممن ليس فيهم فائدة فقال لابنه : يا بني إني أراك تعتق ضعافاً، فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداء يمنعونك ويقدمون دونك ؟ . قال أبو بكر : يا أبت إني إنما أريد من ذلك، أعتقهم لوجه الله، ونزلت في شأنه الآيات قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ/ الليل : 5،6 )

صلوات ربى وسلامه على سيد الخلق والمرسلين .. وإلى الحلقة القادمة من كتابنا الطريق إلى النور .

ملحوظه :

هذا الكتاب الذي بين أيدينا والمكون من جزئين، نقدمه للأمة فى عصرنا الحالى، ولأجيال قادمة، والمُسمى ( الطريق إلى النور فى سيرة الرسول .. صلوات ربى وسلامه عليه ) قد تم طبعه فى عام 2007 والناشر له "مؤسسة حورس للنشر والتوزيع"، وقد نفذت نسخه من دور العرض، لذا جاري الآن إعداد طبعة جديدة بإضافات لم تكن موجودة في الطبعة السابقة ..  هذا الكتاب هو ما نعرضه لحضراتكم في حلقات هنا علي صفحتنا للمرة الثالثة، وعلي الله قصد السبيل.

محمد مصطفى

تعليقات

التنقل السريع
    close