أخر الاخبار

ملاك فى قبضة الشياطين الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر



🌺 ملاك فى قبضة الشياطين🌺

  الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

كان العشاء متوترا تلك الليلة الى أقصى حد ... الى درجة الصمت ...

حتى زينة وبيدرو تجنبوا الحديث فيما بينهما تماشيا مع الجو السائد .

أنهت زينة تجفيف الأطباق وكانت تمني نفسها أن تلوذ بغرفتها بقية الليل ومعها كتاب .. تاركة ذلك الجو المشحون لأصحابه .. فبعد بضعة ساعات سيكونون فى موناكو ومن هناك سترحل نيكول الى فرنسا وساء زينة أن تكون السبب فى فراقهما برغم أن العلاقة التى كانت بينهما لا يجب ان تحزن لأنتهائها .. حميد سينتظر ردها على طلبه والذي سيكون بالرفض طبعا .. فهي لم تهرب من شيطان لتلقي بنفسها بين يدي شيطان آخر ياخذ منها غايته ثم يلقي بها ويبحث عن غيرها أو على أقل تقدير سيخونها .

- زينة .

كانت فى طريقها الى غرفتها عندما ظهر فراس أمامها وأبتسم لها فقالت

- نعم سيد فراس .

- هل لكى أن تصنعي لي كوب من القهوة الثقيلة ؟

أبتسمت له بأدب ومن داخلها تشعر بالأحباط

- حاضر .

أخبرها

- سأكون بالأعلى .

حضرت زينة القهوة وصعدت بها الى السطح ولكنها لم تجده هناك فرجحت أن يكون فى كابينة القيادة ولكنها قابلت بيدرو وهو خارجا منها وقال لها أنه غير موجود ونصحها أن تبحث عنه فى مؤخرة القارب فهو عادة ما يحب الجلوس هناك وحده .

وجدته زينة جالسا فى المكان الذي أشار اليه بيدرو وقد وضع مقعدا آخر بجواره وعندما شعربخطوات زينة تقترب منه استدار اليها مبتسما

- لقد وجدتيني .. هذا جيد فقد خشيت أن لا تفعلي .

ناولته كوب القهوة فقال وهو يشير الى المقعد المجاور له

- أجلسي أرجوكى .

رفعت حاجبيها بدهشة وتلفتت حولها فقد يكون المقعد محجوزا لزوجته فقال وكأنه يعلم فيما تفكر

- أنا لا أنتظر أحدا .. لقد جئت به من أجلك .

جلست زينة ببطئ وبدأ القلق يعتريها فهو الوحيد حتى الأن الذي لم يقل لها أشياء تحيرها وتقلقها .. فهل حان دوره ؟

- هل مازلتى مستاءة مما حدث من حميد ؟

أجلت حنجرتها وقالت

- لا أبدا هو اعتذرلي وأنا قبلت أعتذاره .. مكانش يقصد فعلا أنه ..

قاطعها بأنفعال غريب

- بل كان يقصد .. أنا أعرفه جيدا .

تفاجأت زينة بأنفعاله ونظرت اليه متسعة العينين فهذه أول مرة تراه عصبيا هكذا وتابع بنفس الحدة

- لقد رأيت نظراته التى لم تفارقك طوال الوقت .. أنه ينوي شيئا وأنا لن أسمح له بمضايقتك .. أنه يسعى للتخلص من صديقته ويبحث فيكى عن بديل لها .. وان كان آدم لم يستطع أن يوقفه عند حده فأنا من سيفعل .

هبط قلب زينة بين قدميها وتأوهت من داخلها خائفة مما هو آت .. فوجدت نفسها تقول

- هو طلب منى الجواز .

حدق بها فراس بذهول للحظات وقد أحتقن وجهه بشدة ثم قال بعدم تصديق وهو غاضب

- ماذا فعل ؟ .. زواج ؟ .. هل جن لكي يتلاعب بك بهذا الشكل ؟.. أنا لن أسمح له بأن يفعل .

ثم وقف على قدميه بحدة ووقفت زينة وقد أسقط فى يدها .. أرادت أن تمنعه عن قول ما شعرت بأنه سيقوله أيا ما كان فقد كانت لا تستبشر خيرا فهو رجلا متزوجا من أمرأتين ولكن فكرتها قد جاءت بعكس ما تمنت فقالت بسرعة

- ايوة .. بس انا مقبلتش طبعا .

توقف فراس ونظر اليها متمعنا وسألها بشك

- حقا سترفضين ؟

قالت بجد وهي تنظر الى عينيه مباشرة

- ايوة هرفض .. أولا عشان مش بحبه وثانيا لأني لا يمكن اوافق انى ارتبط براجل مرتبط بست تانى 

أحمر وجه فراس وقال

- ولكنه أنفصل عن نيكول .

- لا فرق عندي .. الرجال المرتبطين أو المتزوجين خط أحمر لا أتخطاه أبدا .

وانتظرت تعليقه كاتمة أنفاسها فقال بكآبة

- كاميليا لم تشتكي .

تنهدت زينة بتعب

- كل واحد له شخصيته .

رفع رأسه وقال بصراحة

- أنا متزوج من أخرى .

- عارفة .

- لا أجعل شيئا ينقصها أبدا .. كل ما تطلبه مجاب .. أي شئ تحتاجه عندها .. أنا قادر عل أعالة أكثر من زوجة .

- عارفة ده برضه .. ولكن ده مش كل شئ فى الزواج .

لم تكن تريد الخوض فى مثل هذا النقاش وتمنت لو يظهر أحد ليقاطعهما ولكنه يقف وينتظر أن تتابع فأكملت قائلة :

- يمكن يكون عندك المال والصحة اللى تخليك قادر على اعالة أكتر من زوجة .. لكن ده مش هيخليك قادر على تطيب جراح قلب أمرأة خليته ينزف ألم بسبب غدرك بيها .. هيسعدها فى ايه المال والبيت الكبير وهى شايفة حبيبها مش شايف فيها غير انها لا تصلح الا انها تكون مشروع للأستيلاء وخدامة ليه وللأولاد يروح بعيد عنها بجسمه ومشاعره ويدور عن المتعة فى أحضان غيرها .. وايه اللى يعيب حضنها هي .. هى مش انسانة تحتاج للشعور بنفس الأحساس ؟ وان كنت مش بتحبها ومش عايزها .. ليه اتجوزتها ؟

قال حميد بحنق

- أنها لم تفهمني أبدا .. وانتى صغيرة لكي تستوعبي شيئا كهذا .

ردت بحنق مماثل

- ايوة أنا صغيرة ولسة مأخدتش خبرة الحياة زى غيري لكن فى النهاية وصلت لهنا .. لكن مش انا لوحدي اللى هنا .. كاميليا ونيكول وجليلة ونبيلة ونجلا كلهم هنا .. فى نفس المنطقة اللى واقفة فيها دلوقتى لكن انا واقفة لوحدي فى جانب الأمان وهما غارقنين فى الأوحال .. آسفة لأني ساويت بين كاميليا وجليلة وبين غيرهم لكن زى ما بيقول المثل .. كل الطرق تؤدي الى روما .. أيا ما كان الطريق اللي هنختاره للوصول لهدفنا فهو هيؤدي الى نفس المكان وهيتبص علينا بنفس النظرة المهينة .. كلنا اجسام للمتعة .

قال بلهفة

- لا .. أنتى مختلفة .

- عنهم ايوة .. وأنا أفتخر بده .. لكن مختلفش فى حاجة عن زوجتك التانية ولا عن شقيقاتك ولا عن والدتك وبنات جيرانك وعائلتك .. لو نظرت جيدا لرأيت الكتيرين مني فى كل مكان بس انت شايف الموضوع من منظور ضيق .. البريق هو اللى بيخطف نظرك .. وأنا حقيقى مفيش فيا حاجة تميزنى عن اللى زيى .

قال

- الفتاة التي تقتل لكي تحمي شرفها هي حقا مميزة .

شحب وجه زينة ونظرت اليه

- أي بنت شريفة فى وضع زى ده هتعمل اللى عملته وهتقتل ان اضطرت لكده عشان تبعد عن نفسها الشر .

أطرق برأسه بحزن

- أردت أن أكون حاميا لكى .

- كفاية اللى عملتوه عشانى .

- هل مازلتى تحبينه ؟

- مين ؟

- ذلك الشاب الذي خدعك .

- مقدرش اجزم أني كرهته وكمان أنا عاجزة عن انى اكرهه أختي كمان .. ايوة حسيت بالغضب والقهر منهم .. وهو ده وصف أحساسي ناحيته حاليا .. لكن أحيانا أتمنى انه يكون بريئ .. يمكن أنا محتاجة انه يطلع برئ عشان مكرهش الدنيا والناس وعشان احس أن مازال فى حب حقيقي مش بس غش وخداع .

هز فراس رأسه متفهما وقال

- نعم أفهمك .. وأتمنى حقا أن تجدي من يستحقك ويعوضك

- أشكرك استاذ فراس .

قال محاولا المزاح

- سأذهب لأنام .. كاميليا كانت تعاني صداع نصفي أخذت مسكن ونامت مبكرا .. تصبحين على خير فغدا لدينا موناكو .

أبتسمت له وهي تشعر بالراحة لأنتهاء الأمر

- تصبح على خير .

ها قد تخلصت من احدى العقبات ولم يتبقى أمامها الا حميد ... عندما يطلب سماع ردها

حملت كوب القهوة الذى تركه فراس على الأرض وعادت الى داخل القارب وتركته فى المطبخ وذهبت الى غرفتها مباشرة .

ظنت زينة أنها ستسقط فى النوم سريعا لأنها قد أستيقظت مبكرا وما حدث تلك الليلة أنهكها نفسيا ولكنها لم تستطع فعل شئ سوى التقلب فى الفراش بعدم راحة وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بساعتين على الأقل عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفة آدم .. كتمت أنفاسها وأرهفت السمع .. توقفت الخبطات للحظات ثم تعالت من جديد .. أبتسمت زينة بحقد .. أنها جليلة بالتأكيد ويبدو أن آدم يرفض أن يجعلها تدخل الى غرفته وتمتمت زينة بتشفي

- أحسن .. تستحقى اللى بيحصلك يا وقحة يا عديمة الأخلاق .

وقفت عن الفراش وذهبت الى الباب ووضعت أذنها عليه تستمع بطرب الى خطوات جليلة وهي تبتعد .. لم تجرؤ على الألحاح عليه خوفا من أن يسمعها أحد وخاصة زينة ... وعندما أطمأنت الى رحيلها فتحت الباب وخرجت راغبة فى صنع كوب من اللبن الدافئ قد يساعدها على النوم .. مرت من أمام باب غرفة آدم فى نفس اللحظة التى فتح فيها بابه ووجدها أمامه .. توقفت ونظر هو اليها بدهشة .. كان النور خافتا فأخفى أحمرار وجهها

- زينة ؟ .. هو أنتى ؟

قالت بأبتسامة

- ايوة .. اصل مش جايلى نوم .

أقترب منها فى خطوتين

- افتكرت ان حد تانى اللى بيخبط على الباب .. لو كنت أعرف ان أنتى ..

فتحت فمها لتصحح له الخطأ ولكنه لم يمهلها الوقت لتفعل فقد سحقها على الجدار قائلا بشغف

- أنا مكان مش جايلى نوم .. طار النوم من عينى من اول يوم سكنتى فيه فى الاوضة اللى جنبى .. كنت كل ليلة امنى انك تيجينى وتخبطى على بابى .. متصوريش انا اد ايه اتمنيت ان ده يحصل .

حاولت زينة دفعه عنها وقد أنعقد لسانها من الصدمة .. سمع صوت باب يفتح ويغلق فسحبها الى داخل غرفته وأغلق الباب بسرعة فقالت تحاول الشرح

- لا .. مش انا اللى ..

ولكنه وضع كفه على فمها يمنع صوتها عن الخروج وقال هامسا وهو يبعدها عن الباب

- هششش .. فى حد صاحى وممكن يسمعنا .

تيبس جسدها فزعا .. فقد يكون هذا الشخص جليلة ولو رأتها هنا لحدثت فضيحة هي فى غنى عنها الأن فهي لا تريد المزيد من التعقيدات وعاد يهمس

- تعالي .

سحبها معه الى الفراش وهي تقاومه بصمت خشية أن يسمعها أحد ان هي صاحت

حاول تمديدها على الفراش ولكنها تخشبت فى جلستها وأنكمش جسدها وقد بدأ الذعر ينتابها فقال محاولا تهدأتها بصوت يختلج بالمشاعر

- أوعدك انى مش هأذيكى .

وعندما أمتدت يده الى جسدها يتلمسه شهقت بصوت عال ودفعته عنها بعنف فتراجع الى الخلف ونظر اليها مرتبكا متأملا الرعب على وجهها قائلا

- متخافيش يا حبيبتي أنا مش هأذيكى أو أجبرك على حاجة مش عايزاها .

تراجعت عنه وراحت تقف ببطئ وحذر وعيناها مترقبتان لأى حركة قد يقوم بها بأتجاهها .. كان ينظر اليها بحيرة وعندما أصبحت بعيدة عنه وقريبة من الباب ظل هو جالسا مكانه لم يتحرك ففارقها جزء من خوفها وقالت وجسدها يرتجف من الخوف والغضب معا

- مش انا اللى خبطت على بابك ووعمرى ماكنت هعمل كده أبدا .

شحب وجه آدم فتابعت وشفتها ترتجف والدموع تهدد بالأنهمار من عينيها

- كنت رايحة المطبخ اجيب كوباية لبن دافى عشان تساعدني على النوم ده كل اللى كنت عايزاه .

ظل جالسا فى مكانه وقد أظلم وجهه بنظرة غضب عنيفة وقال بعد لحظة صمت من بين أسنان مطبقة

- امشى من هنا حالا .

فتحت الباب بسرعة وكأنها كانت تنتظر الأذن منه ... عادت الى غرفتها وأغلقت الباب ولمزيدا من الحرص دفعت بالطاولة الخشبية الصغيرة وراءه ومن ثم تركت لدموعها العنان .. أنها الأن مضطرة للرحيل .. صعب أن تظل بينهم بعد كل ما حدث .. ثم فكرت .. مازال هناك عرض زواج حميد .


*************

مدينة مونت كارلو بأمارة موناكو هي وجهة الأثرياء ومرسى اليخوت الأشهر فى العالم .. 

رأت زينة العشرات .. بل المئات من اليخوت والقوارب بكل الأشكال والأحجام والسفن السياحية التى تبدو كمباني عملاقة تطوف فوق سطح الماء ورغم فخامة المنظر والخلفية الجبلية المهيبة للمدينة الساحلية الا أن زينة لم تكن تشعر بالفرح والحماس كما كانت تفعل عند كل مرفأ أو مدينة يقفون عندها .. وكذلك كان حال الجميع ..

لم يكن أحد يتحدث الى أحد ..

الكل صامت ومتجهم ولا يطيقون النظر الى وجوه بعضهم ...

ستودعهم زينة قريبا كما ودعتهم نيكول منذ ساعة قبل أن تترك القارب بصحبة حميد الذي عرض أن يقوم بتوصيلها بنفسه الى المطار .

- زينة

أستدارت الى بيدرو قائلة بحدة لا لزوم لها

- فى ايه .. عايز ايه مني انت كمان ؟

تراجع الشاب مذهولا وقال

- أنتى أيضا ؟ ماذا حدث للجميع ؟ لماذا الكل غاضب هكذا ؟

زفرت زينة وقالت بأعتذار

- آسفة يا بيدرو .

كانت آسفة حقا .. فبيدرو على علاقة حب مع فتاة اسبانية ويخططان للزواج .. أنها العلاقة الصحية والصحيحة الوحيدة التى قابلتها حتى الأن فسألته

- كنت عايز تقول ايه ؟

- كنت سأسألك ان كنتى أنهيتى ترتيب الغرف .

- آه .. ايوة .. انا خلصت ترتيبهم .

- هل ستقيمين معهم فى الفندق أم ستبقين هنا معي .

- مش عارفة .. لسة مقولوش حاجة لدلوقت .

وهبط قلبها بين ضلوعها وهي تفكر الى أين سوف تذهب عندما تتركهم ؟ فبعد ما حدث من آدم ليلة أمس لم يعد بقاؤها محمودا وكانت ماتزال مترددة بقبول عرض زواج حميد,

هز بيدرو كتفيه وعاد الى كابينة القيادة وعادت زينة لتتأمل المنظر من حولها وتفكر.


****************

تم الحجز لهم فى فندق الأرميتاج ..

حاولت زينة الحديث مع آدم لتخبره بأن لا داعي ليحجز لها غرفة فهي عازمة على الرحيل ولكنه لم يعطها الفرصة للكلام معه فقد كان تقريبا يتجنبها وكانت هي أيضا تجد صعوبة شديدة لمجرد النظر الى وجهه ..

ولم يتوقف الأحراج عند آدم وحده كان هناك فراس أيضا .. صحيح أنه حافظ على ابتسامته الطيبة وتهذيبه معها ولكنه فى نفس الوقت كان متباعدا ويتجنب الكلام معها بعفوية كعادته ولم يتبقى سوى حميد ومن حسن حظها لم يعد الى القارب بعد أن أخذ نيكول الى المطار وما سمعته أنه سيلقاهم بالفندق ..

كاميليا وجليلة كانت حالتهما متباينة .. جليلة كانت هادئة وبدت فى حالة تفكير عميق وكاميليا مازالت تتحجج بألم رأسها لكي تبرر سبب شحوب وجهها . تسلم الجميع مفاتيح غرفهم وسارت زينة الى المصعد وبيدها حقيبتها الصغيرة فلم تكن بحاجة لحمال من أجلها .

كانت غرفتها تطل على المرفأ فجلست على حافة الفراش وعندما طرق باب غرفتها نهضت لتفتحه

- عاملة ايه ؟

أحمر وجهها عندما وجدت آدم أمامها وقالت

- الحمد لله .

- هتسمحيلى بالدخول ؟

نظرت اليه بحده فقال بتجهم

- مفيش فى نيتى اى حاجة وحشة .

تراجعت لتسمح له بالدخول وتوجه مباشرة الى الشرفة ولحقت به زينة فأشار لها لتجلس ثم أحتل المقعد المواجه لها وقال دون مقدمات

- اللى حصل امبارح كان سوء فهم فى منتهى الغباء مني ماكنش يصح انى أتسرع فى الأستنتاج وأنا بعتذر بشدة عن فرض نفسي عليكى بالطريقة دى .

أزداد وجهها أحمرارا وأطرقت برأسها محتارة بماذا يجب أن ترد فتابع

- مش هأدعي أني مكونتش فى كامل وعيي ولا أني مكونتش أقصد كل كلمة قلتها .. أنا فعلا كنت عايزك ومازلت عايزك وهأقبل بجميع مطالبك وهديكى كل الوقت اللي تحتاجيه عشان تتعودى عليا وعلى فكرة أنك نكونى معايا .

رفعت وجهها اليه وحدقت فى وجهه بصدمة وقالت

- وايه اللى انت عايزه مني بالظبط ؟

هل هو عرض زواج ؟ ... لقد بدا وكأنه ليس كذلك .. أيريد علاقة بدون زواج ؟ .. سيكون شئ غريب ليصدر عنه خاصة وهو يعرف جيدا طريقة تفكيرها

ضم بين حاجبيه وقال بجدية شديدة

- مش عارف .. خلينا نقول نبقى مع بعض كفترة تعارف .. فكرة الجواز كنت لغيتها من دماغى من زمن واعادة التفكير فيها صعب حاليا ولكن ... وعشان أكون صريح معاكى .. انا احتياجى ليكى يفوق تفكيرك وفكرة انك تبعدى عني بتقلقنى .. يمكن تكون نزعة الحماية عندي هي اللى بتدفعني للأحساس ده ناحيتك ولكن واقعيا .. فعلا بلاقى صعوبة فى بعدك عنى .

أصبحت الأن فى حالة ذهول تام وحيرة شديدة وقالت وهي تهز رأسها وتسأله بألحاح

- عايز ايه مني ؟ أنا مش فاهمة حاجة .

سحب مقعده الى الأمام فجأة مقتربا منها حتى أن ركبتيه لامست ركبتيها ومد يديه وأمسك بيدها وقال

- بس تكوني معايا .. مش هطلب منك حاجة انتى رفضاها .. كصديقين مثلا .. ايه رأيك ؟

رددت بحذر

- صديقين ؟

- ايوة .. وبدون علاقة جسدية .. لو كنتى رافضة ده .. انتى معندكيش مكان تروحيه ولا حد تلجأى اليه فخليكى معايا .

هل تثق به ؟ .. هل تعطيه وتعطي نفسها فرصة ليتعارفا كما يقول ؟ هو لم يعرض عليها الزواج كما فعل حميد وكما لمح لها فراس وكان صريحا معها كاشفا أمامها مشاعره بدون كذب أو تصنع ولكن حميد قدم لها عرضا حقيقيا مباشرا وكذلك فراس ..فما الذي يجعلها تقبل بعلاقة غير واضحة المعالم وترفض الأخران .. فما حقيقة ما تشعر به تجاهه ؟

كان مايزال يحتفظ بيديها بين يديه ويضغط عليها فنظرت فى عينيه مباشرة لأول مرة منذ الأمس ورأت الترقب فى نظراته .. أنه مهتم بردها ويبدو أن موافقتها تعني له الكثير فقالت تدفعها ثقة لا تعرف كنيتها

- خلاص هأقبل .

رمش بعينيه وكأنه تفاجأ من ردها أو كما لو أنه لم يتوقع موافقتها السريعة على طلبه ومن ثم أبتسم براحة .. وكالعادة كلما أبتسم تتغير ملامح وجهه القاسية وتأخذ شكلا جذابا آثرا ... ثم قال

- شكرا لقبولك بيا ولثقتك فيا .. وأوعدك بأنك هتكوني معايا فى أمان ومش هجبرك على اى حاجة أبدا .

حاول أن يقربها منه لمعانقتها ولكنها أرجعت رأسها الى الخلف ورمقته بنظرة قلقة ومتجهمة فقال ضاحكا وهو يتراجع

- تمام .. مفيش احضان بدون التزام .

صححت له قائلة بعبوس

- مفيش احضان بدون جواز .

لم تختفي ضحكته كما توقعت بل أتسعت ولمعت عيناه قائلا

- اللى تؤمرى بيه .

ثم غمز لها بعينيه مازحا ثم وقف وقال

- هسيبك ترتاحى وهستناكى تحت عشان نتغدى مع بعض .

عبست مترددة فقال

- لازم تتعودى على فكرة أنك جزء من حياتي ومش مجرد موظفة عندي .

أبتلعت ريقها بصعوبة وقالت

- وهيكون ايه رأى اللى معانا ؟

قال بقسوة

- وهما مالهم ؟ محدش منهم وصى عليكى أو عليا .

قالت بخفوت

- وجليلة ؟

- قريب هتفهم لو مكانتش فهمت أن ملهاش وجود فى حياتي ومن سنين .

ترددت للحظات ثم قالت

- ولما نقرر الجواز .. أو أقصد اذا حصل وقررنا ده ,, هتيجى تخطبني من بابا ..

وعندما رأته يعبس قالت

- هيفرق ده معايا اوى .. انا لسة حاسة بالذنب لأني أتجاهل العيلة اللى اتبنتي وأحتضنتني .

- هما عارفين أنك بخير .. ومن مصلحتك انك متتصليش بيهم ولا تتواصلى معاهم فى الفترة دى وزى ما قلتلك انا بعتت اللى يطمنهم عليكى .

ثم زفر بقوة وقال وهو يرى كآبتها

- بس أوعدك أنى هحققلك طلبك لما يحصل .

***** ملاك فى قبضة الشياطين

 ***** الفصل السادس عشر

--------------------------------

أخذ آدم دوره مأخذ الجد منذ البداية ومر عليها فى غرفتها كي يصطحبها الى الغداء برفقة الأخرين ..

كانت قد أرتدت سروالها الجينز الوحيد وعليه القميص الأزرق الشاحب الذي سبق وأعارتها نيكول اياه ورفضت فيما بعد أسترجاعه وأصرت على زينة أن تحتفظ به .. جمعت شعرها ورفعته أعلى رأسها بمشابك الشعر لتعطيه مظهرا راقيا تعويضا عن ملابسها العادية .

بمجرد خروجهما من المصعد قبض آدم على كفها بيده وقربها منه .. تلونت وجنتاها بحمرة الخجل وهما يقتربان من الأخرين وهي تكاد تشعر بنظراتهم الحادة وهي مسلطة عليها وعلى يدها القابعة فى يد آدم .

كان المطعم يطل على جبل مونت كارلو وهو احدى سلاسل جبال الألب ويقع على حافتها .. خصصت لهم مائدة على الشرفة الواسعة وكانت ذو اطلالة مميزة ولكن زينة لم تكن تشعر بالراحة التى تجعلها تستمتع بالمنظر الخلاب أمامها فقد حرص آدم على الجلوس فى المقعد المجاور لها واضعا ذراعه معظم الوقت على ظهر مقعدها وكأنه بذلك يعلن للجميع ملكيته لها وعندما وجدت الشجاعة للنظر الى الأخرين رأت أولا الحزن على وجه فراس والسخرية فى عينا كاميليا .. حميد كان غاضبا يتململ فى جلسته وكأنه على وشك الأنفجار فى أية لحظة .. جليلة كانت غريبة ... توقعت زينة أن تراها غاضبة ولكنها على العكس بدت هادئة ومرحة وهذا أقلقها أكثر .. لم يجرؤ أحد على توجيه الكلام المباشر الى زينة أو ربما يكون الوضع الجديد مربكا مما جعلهم حائرون فى كيفية التصرف معها

- حبيبتي ؟ .. الأكل مش عاجبك ؟

كادت زينة أن تشرق وهي تبلع ريقها ونظرت الى آدم ورأته يبتسم لها ببراءة فقالت بتلعثم

- لأ .. الاكل حلو شكرا .

قرص وجنتها بتحبب فأشتعل وجهها وألقت نظرة سريعة حولها ووجدت كل العيون تراقبهما .. لمعت عينا جليلة بغضب ولكن سرعان ما أخفته ببراعة وقد بدا فراس مذهولا فى حين ألقى حميد بشوكته فى الطبق ووقف يقول بعصبية

- لقد أكتفيت .

ثم وقف وتابع بحنق

- سوف أعود الى الفندق .

وانصرف كطفل صغير غاضب فابتسم آدم ساخرا وعاد ليتابع تناول طعامه بهدوء وفتح نقاش جاد مع فراس يخص العمل مما أعطى فرصة لزينة لتفكر فى الهدف من وراء ما يفعله آدم .. هي ليست غبيه لتعتبر تصرفاته معها عفوية .. أصطدمت عيناها للحظات بعيني فراس وقرأ كل منهما نفس الحيرة فى عيني الأخر .


*************

تركها آدم أخيرا وحدها وسمح لها بالصعود الى غرفتها لترتاح قبل سهرة المساء والتى قال انها ستكون مفاجأة لها .. أخيرا سترتدي فستان السهرة الجديد .

أخرجته ووضعته على الفراش بحرص شديد ووضعت بجواره حقيبته الصغيرة ثم أخرجت الحذاء الذي كان وجهه عبارة عن شرائط تنتهي برباط فوق الكاحل بقليل.. كانت حقا سعيدة .. فقد كان آدم مرحا وكثير المزاح معها وأولاها كل أهتمامه طوال فترة النهار ولم يترك جانبها أبدا .

تناولوا العشاء فى مطعم الكازينو والتى أكتشفت زينة أنه كازينو للقمار وألعاب الورق ففسدت سعادتها على الفور فهي تخيلت أنها سترى عروضا راقصة وغناء لأشهر المغنيين العالميين ولم تفكر أنهم ذاهبون للمقامرة كما ساءها أن يوضع على مائدتهم شراب النبيذ وقد ظل حميد يتجرع معظمه حتى شكت زينة يأنه أصبح فى غير وعيه فقد راح يتصرف بوقاحة وينظر اليها نظرات لم ترق لها وخشيت أن تثير غضب آدم ولكنه على العكس كان يبدو فى أفضل حالاته المزاجية .

رفضت زينة أن تشارك بالمقامرة رغم أن الجميع فعلوا ما عدا هي وفراس وقد عرض عليها آدم فيشات لتراهن بها ولكنها رفضت ووقفت بعيدا عنهم تتساءل ان كانت ستتحمل الوزر معهم أم لا ؟ .. سوف تتناقش بهذا الأمر مع آدم فيما بعد لتضع حدودا لما هو مسموح لها بالمشاركة به معهم .

فوجئت زينة بشخص يسحبها من ذراعها ويسير بها بعيدا عن الأخرين ولم تستغرب عندما وجدت أنه حميد فقالت بهدوء وهي تسير بجواره بسرعة جعلتها تلهث

- مايصحش أننا نبعد عنهم .

قال بغيظ

- هل تخافين من اغضابه .. هل يخيفك أنتى أيضا ؟

كانا قد وصلا الى مدخل الكازينو فوقفت بعناد وجذبت ذراعها من يده وقالت

- أنت مش فى وعيك .

قال بحنق

- أنتى من دفعتني لذلك .

رقت نظراتها وقالت

- أرجوك مفيش داعي انكم تمسكوا فى خناق بعض .

رقت نظراته بالمثل وقال

- لماذا هو وليس أنا ؟ .. لقد قدمت عرضي أولا .

قالت بتوتر

- وايه اللى عرفك انك كنت الاول ؟

صاح بغضب

- اللعنة عليه .. لأنني أطلعته على نواياي تجاهك قبل أن أفاتحك بالأمر .. وأتعلمين ماذا قال ؟

بهت وجه زينة وهى تتابع

- قال أنك لا تستحقين حتى مجرد نظرة من رجل مثلي وطلب مني أن أتركك وشأنك وأبحث عمن تليق بي حقا .. ولكن أنظري ماذا فعل .. ألتف من ورائي ليأخذك لنفسه ... حتى فراس لم يصدق ما فعله فقد كانت نيته كما أخبره أن يرسلك الى أمه لتعملي كمرافقة لها بعد أن تنتهي الرحلة .. لم يحسسنا ولو لمرة أنه يهتم بك ويراكى جديرة بأحدنا.

أصبحت أطرافها باردة وأنتابها أحساسا بالغثيان .. هل خدعها ليبعد صديقه عنها ؟ ألن تنتهي سلسلة الخداع التى تعيشها مع كل شخص توليه ثقتها وتفتح له قلبها .. أما من نهاية لسذاجتها وغباءها ؟!!!!!!!!!!!!

رأته قادما بأتجاههما بخطوات سريعة وغاضبة فأبتلعت ريقها وأجلت حنجرتها ورسمت أبتسامة على شفتيها فقال وهو ينقل نظراته بينهما بحدة

- واقفين ليه هنا ؟

قال حميد بتحدي وهو تقريبا يترنح

- كان لي طلب عند زينة وأردت معرفة ردها عليه .. هل لديك مانع ؟

ضم آدم شفتيه بقوة دليلا على ضيقه ثم نظر الى زينة وقال بجفاء

- وقولتيله ردك ؟

نظرت اليه بهدوء وقالت

- كنت لسة هرد عليه ؟

يبدو أن طريقتها لم تعجبه فقد عقد حاجبيه ووقف متوترا وقال

- تمام .. يلا عرفيه ردك .

للحظات أرادت أن تسحب البساط من تحت قدميه وتعلمه درسا يجعله يبتلع غطرسته تلك الى الأبد وذلك بالموافقة على الزواج من حميد ولكنها لا تستطيع فعل ذلك .. فسوف تكون عاجزة عن الأستمرار فى تحديها وأن تصبح مخادعة مثلة وتؤذي مشاعر حميد ويكفي ما أحدثته من فوضى فى حياتهم فنظرت الى حميد وقالت بحزن

- آسفة بجد انى أرفض عرضك اللي شرفتني بيه .. طلبك ده كان الشئ الوحيد الحقيقي والصادق اللي اتقالي منذ زمن .. بجد شكرا ليك .

ورغما عنها أمتلأت عيناها بالدموع .. ألتوى وجه حميد بمرارة ونظر الى آدم وقال

- أرجو أن تكون سعيدا الأن .

لقد لمحت وجه آدم وهي تعلن رفضها لحميد وكانت الراحة والرضى جليان على وجهه ولكن نظراته أحتدت وهي تنهي جملتها فهل فهم أنها تعرف بأنه لم يكن صادقا معها ؟

تابع حميد بتعب

- سوف اذهب لأجرب حظي مع احدى موائد الروليت مادام لم يعد لي حظ مع النساء هذه الأيام .

ثم تركهما وعاد الى داخل الكازينو , فقال آدم

- يلا نرجعلهم .

قالت زينة وقد شعرت بصدرها يضيق منه ومن المكان

- مينفعش ارجع انا للفندق ؟ ... فالجو هنا مش جوى ومش يناسبني .

عبس بشدة وكأنه ضجر منها فجأة

- تمام .. ههتعرفى ترجعى لوحدك ؟

غامت عيناها بحزن وقالت بسخرية مريرة قد لا يكون أنتبه اليها

- ايوة اعرف .. متشغلش بالك بيا .

خرجت من الكازينو ولم تنظر خلفها لترى ان كان يتابعها بنظره أم أنه عاد الى الداخل راضيا عن نفسه لأنه تخلص منها أخيرا .

حتى البكاء لم يعد يجدي نفعا .. قلبها كان يتألم وسألت نفسها بمرارة .. منذ متى تعلق قلبها بآدم ؟ كانت تنظر اليه على أنه مجرد وسيلة للأمان تعلقت بها .. وكان الوحيد بين الثلاثة الغير مرتبط فلم تشعر بأنها تغدر بأمرأة أخرى عندما وافقت أن ترتبط به .. يا لغباءها .. عن أي أرتباط تتحدث؟ لقد صاغ لها بضعة كلمات تاه عقلها بين حروفهم ولم تخرج فى نهاية أتفاقهما بشئ واضح ومفهوم الا بكلمتين ( نصبح أصدقاء ) .. لا وعد حقيقي بالزواج ولا تصريح جاد بأن ما يشعر به تجاهها هو حب صادق وحقيقي .. قال أنه يريدها ولا يتحمل فراقها وأتضح لها أنه يفعل ذلك ليبعد صديقيه عنها .

كانت تستطيع أخذ سيارة أجرة الى الفندق ولكنها فضلت المشي قليلا وحدها .. يجب أن تعتاد على الوحدة .. أن تسير دون قلق من الناس والخوف من الأماكن الغريبة .

وفجأة أنفجرت فى البكاء دون سابق انذار وهي مستمرة بالسير .. لا ترى من خلف ضباب الدموع نظرات الناس المستغربة اليها .. بدت فى عيونهم كطفل تائه من والديه يثير الشفقة ..

توقفت بعد فترة عن المشي وعن النحيب وجففت دموعها بطرف ثوبها ولم تبالي لأتساخه فقد كرهته ولم تعد معجبة به .. حتى أن آدم لم يمتدحه ولم يقل لها أنها رائعة فيه كما تمنت أن تسمعه يقول .. نفخت فيه أنفها أيضا وعندما رفعت رأسها وجدت زوجين عجوزين ينظران اليها بأشمئزاز فرفعت رأسها بتكبر ومرت من أمامهما غير مبالية .. وجدت نفسها أمام واجهة محل يبيع المثلجات ودون تفكير دفعت الباب ودخلت وأمام واجهة العرض طلبت من البائع أن يعطيها أكبر قطعة مثلجات لديه نظر اليها البائع بأبتسامة وكان رجلا أنيقا متوسط العمر وقال بالفرنسية مازحا

- الأيس كريم يساعد على حل المشاكل العاطفية .

أبتسمت له بوجهها الملطخ بالزينة

- نعم ربما يفعل .

- بأي نكهة تريدينه ؟

- من كل شئ ما عدا الليمون .. وأكثر من الشيكولا .

خرجت من المحل وأستأنفت السير من جديد وهي تلعق الأيس كريم وكان طعمه لذيذا وباردا جدا وقد هدأ من بؤسها قليلا ..

وصلت الى احدى الساحات وكان يتجمع فيها مجموعات من الشباب والسياح يمرحون ويتمازحون فجلست بجوار مجموعة منهم يغنون يصاحبهم شخص يعزف على الجيتار وقررت أن تتفاعل معهم وتمرح مثلهم وتترك الكآبة والغم لما بعد .. ناولتها فتاة كانت تجلس بجوارها محرمة ورقية وأشارت الى وجهها بأشارة ذات مغزى .. أبتسمت لها زينة وراحت تنظف وجهها وراقبتها الفتاة وما أن أنتهت حتى رفعت لها ابهامها علامة اعجاب وعادت الفتاة لتلحق باللحن مع أصدقائها وزينة تصفق بمرح وتضحك دون سبب .

مر الوقت على زينة وهي لا تراقبه وبدأت الأعداد تتضاءل من حولها فشعرت أنها تأخرت وقد حان موعد عودتها الى الفندق وما أن وقفت وبدأت فى توديع رفقائها حتى سمعت صوت يصيح وهو يتجه نحوها

- زينة .

رفعت وجهها بدهشة لتجد فراس يسرع الخطى نحوها ووجهه شاحب من القلق فقالت

- ايوة ؟

قال معاتبا

- كنا نبحث عنك منذ ساعات وكنا نظن أن مكروها ما قد حدث لك .. وأدم يكاد يجن من شدة القلق .

عند ذكره لآدم قست نظراتها وسألته بعدم أهتمام

- انتوا مشيتوا من بدرى من الكازينو ؟

- لا .. أتصل آدم بغرفتك فى الفندق ليطمئن الى أنك وصلتى بأمان وعندما لم تجيبي لعدة مرات عاد الى الفندق وحده ولم يجدك هناك .. أتصل بي وخرجت للبحث عنك معه وتركت كاميليا وجليلة بصحبة حميد الذي كان تقريبا فاقدا للوعي من كثرة الشرب .

- مكنش فى داعى لقلقكم عليا .. مكانش عندى رغبة انى ارجع للفندق بدرى فتمشيت شوية وجيت قعدت هنا مع الشباب .

- حسنا .. دعينا أولا نطمئن الجميع الى أنك بخير .

وخلال ذلك كان قد أخرج هاتفة المحمول وتحدث الى آدم وزينة تفكر ساخرة .. لا يمكن أن يكون قلقا عليها حقا وانما يقوم بالتمثيل لأقناع أصدقاؤه بأهتمامه بها وهنا تذكرت ذلك اليوم فى ميلانو والذي غادروا فيه الفندق وتركوها خلفهم وكيف تخلف آدم عن الرحلة وعاد ليبحث عنها .. وقتها شعرت بانه يهتم بها حقا ويخاف عليها وأثبت لها ذلك ببحثه عن والدها وطمأنته عليها وشعرت تجاهه حينها بعاطفة قوية .. لم تحللها ... ولكنها أعطتها شعورا بالأمان وبأن هناك من تستطيع الأتكال عليه وأنها ليست وحيدة .. فما الذي حدث ؟

قال فراس قاطعا عليها أفكارها

- هيا بنا .

سارت بجوار فراس وأمام الرصيف كانت سيارة أودي بيضاء تقف ونزل منها آدم ورأت وجهه عاصفا من الغضب فأنكمش جسدها رغما عنها من الخوف وتعلقت بذراع فراس بشدة , ربت فراس على يدها الممسكة بذراعه يطمأنها , وجاء صوت آدم هادرا

- كنتى فين ؟ .. وليه مرجعتيش الفندق زى ما قلتى ؟

أصبحت بين ذراعي فراس دون أن تدري كيف وهو يضمها اليه ويصيح فى وجه آدم

- توقف عن ارهابها .. كانت تقضي وقتا ممتعا وهذا من حقها وان كنت تهتم لأعطيتها هاتفا حتى تستطيع الأتصال بها .

تحول غضب آدم الى فراس وهو ينظر الى ذراعيه التى تحاوطها وتضمها اليه

- بلاش تتدخل أنت .

ثم جذب زينة من بين ذراعيه بقوة مما جعلها تصطدم بصدره بعنف وظنت للحظات أن فراس سيجذبها منه بدوره ولكنه بدل من ذلك ضم قبضتاه بشدة وقال بحدة

- للمرة الألف أقولها لك .. يوما ما سيجعلك غضبك هذا تخسر الكثير .

لم يقل آدم شيئا واستدار فراس وانصرف غاضبا وبدلا من أن يستقل السيارة الأودي التى جاء بها آدم رأته يشير الى سيارة أجرة ويستقلها ويذهب .

- كان قرب يقع فى حبك .

نظرت زينة الى آدم بحدة ووجدته ينظر اليها بحنق وتابع

- حميد .. عبد لشهواته وفراس عبد لقلبه .. والاتنين مش بيشغلوا عقلهم وسايبين المشاعر هى اللى تسوقهم .. مبقتش قادر احسب عدد المرات اللى وقع فيها فراس فى الحب لدرجة دفعته مرة انه يقدم على الأنتحار لما كان مراهق .. وحميد يدخل فى علاقة وأكتر مع أكتر من واحدة ويتخيل أنه هيخسر الكون ان معرفش يوصلها .

سألته بصوت مرتجف بائس

- وأنت ؟

أمال رأسه الى جانب واحد ونظر اليها بغموض

- أنا ؟ .. أنا مبعتبرش نفسى أن ليا قلب غير انه بيضخ دمي فى شراييني .. يمكن أرغب فى واحدة وأسعى للحصول عليها لأرضاء حاجة طبيعية فطرت عليها لكن مبحسش ان العالم هينهار من حوليا ولا يجن عقلي ان قالتلي لا .

كم كان شديد الشبه بخالد فى تلك اللحظة ؟!!! وسألته بتحدي

- وجليلة .. مش كنت بتحبها فى يوم من الأيام وسابتك عشان تتجوز من راجل غيرك وقلبك وجعك عشانها ؟

أبتسم أبتسامة جافة وقال

- ده اللى افتكرته وقتها .. لكن أكتشفت أن كل اللى تبقى عندى من المشاعر كان يشبه فى هشاشته هشاشة ورقة محروقة .. وبسرعة فهمت طبيعتي وقدرت قوتي وتجربة الحب وآلامه خرجت من حساباتي نهائيا .

هزت رأسها بحزن وبداخلها ألما حارقا

- ياريت كان ليا قلب فى قساوة قلبك وعقل برجماتي يضاهي عقلك .

ضم وجهها بقوة بين كفيه وقال هامسا بقسوة

- انا مش قاسى للدرجة تخلينى محسش ومهتمش بيكى .

تراجعت الى الخلف تنفض يديه عنها وتقول

- نفسى بجد أصدقك لكني خلاص بقيت أعرفك .

زفر بضيق وقال ويداه تسقطان بجانبه

- لا .. أنتى متعرفنيش .. أنا اللى بحاول أعرفك على نفسي عشان ميكونش عندك اي أوهام من ناحيتي .. وأنا بجد ب أهتم بكى ووعدت انى أرعاكى .

سمعت نفس هذا الكلام من قبل .. بنفس الطريقة وبنفس القسوة .. أرادت أن تقول له بمرارة ( ترعاني بأن ترسلنى الى أمك لأعمل لها خادمة ؟ تربطني بك بعلاقة كاذبة وتخدعني لتحمي أصدقاؤك مني ؟ ان كان هذا نوع الأهتمام الذي تقصده فأنا لا أريده )

أمسك يدها بنفاذ صبر وسحبها معه الى السيارة المنتظرة .

فكرت وهي تجلس بجواره فى السيارة ..

لقد قررت أن تبقى معه فقد بقى القليل وتنتهي تلك الرحلة وسوف توافق على أن تذهب لتعمل مرافقة أو خادمة لأمه فلا يهم الأمر ولقد عرفت من بيدرو أن أمه تقيم فى اسبانيا كما هي عائلة حميد .. ومع الوقت وبعد أن تلملم شتاتها ستبحث لنفسها عن حياة خاصة بها بعد أن تعتاد على الغربة والوحدة ويصبح لها معارف يساعدونها على ايجاد عمل مناسب فهي تجيد لغتين وباللغة العربية أصبحوا ثلاثة لغات .. يجب أن تكون قوية وسوف تنجو باذن الله .

***** ملاك فى قبضة الشياطين

 ***** الفصل السابع عشر

---------------------------------

أستيقظت زينة فى اليوم التالي مبكرا وعند الظهر كان قد أصابها الملل فقررت أن تذهب الى القارب .. فقد أشتاقت اليه وسوف تتناول الغداء مع بيدرو ومن هناك سوف تتصل بآدم ليعرف بمكانها حتى لا يحدث مثلما حدث بالأمس .

سارت مسافة طويلة حتى وصلت الى المرفأ وعبرت الطريق الى رصيف الميناء ووقفت حائرة تدور بعيناها على طول الرصيف واليخوت العملاقة متراصة فى صفوف على حسب أحجامها وتذكرت أن قاربهم يقف فى الصف الخلفي .. سوف تراه بسهولة وتستطيع تمييزه فهو مميز .. شقت طريقها الى عمق المرفأ ولمحت الصواري العالية لمجموعة من القوارب الشراعية فدارت حول مرسى اليخوت الصغيرة الى اليسار ورأت القارب واقفا بين قاربين شراعيين آخرين ..

كان بيدرو يقف عند المؤخرة يتحدث الى أحد أصحاب القارب المجاور لهم فزعقت زينة بأسمه فاستدار ومال على الحاجز وابتسم لها بترحاب قائلا

- مرحبا بالأنسة المرفهة نزيلة الفنادق الفخمة .

قالت ضاحكة

- أهلا بالبحار الحقود .

- ما الذي جاء بك ؟

- ساعدني الأول عشان اطلع وبعدين هقولك كل حاجة .

نزل بيدرو السلم ومد يده لزينة التى قفزت وتعلقت بيده حتى أستقرت قدماها على الدرج وتبعت بيدرو الى الأعلى

قال بيدرو بسخرية مازحة

- يبدو أن البقاء فى غرف الفنادق الفخمة لا يروق للبعض .

- عشان متعودتش على الرفاهية .. انا متعودة على الشغل فى الفنادق مش انى اعيش فيها .

سألته ومعدتها تقرقع من الجوع فهي لم تتناول طعام الأفطار

- انت اتغديت يابيدرو ؟

قال لها من وراء ظهره

- كنت على وشك تحضيره للجميع .

توقفت زينة بغته وسألته

- ومين الجميع ؟ هو فى حد غيرك هنا ؟

توقف واستدار اليها

- ألم أقل لكى منذ قليل أن غرف الفنادق الفخمة لا يروق للبعض؟ سيد آدم هنا .. جاء بالأمس فى وقت متأخر ولحقت به الأميرة جليلة .. وأويا الى الفراش بعد الفجر وأستيقظا منذ قليل .

شحب وجه زينة وهاجمها شعورا مرا من الغيرة .. من حسن حظها أن بيدرو مشى بعد أن ألقى بقنبلته فى وجهها ولم يرى تأثير ذلك على وجهها .. 

ارادت العودة من حيث جاءت فهي لا تعرف كيف ستواجههما .. لقد قال بيدرو أنهما أويا الى الفراش ولم يقل ذهب كل منهما الى فراشه منفردا .. أرتعشت شفتها السفلى وصعدت الدموع الى عينيها ولكنها دعكت أنفها بقوة وأبتلعت ريقها وصممت أن لاتبكي .. لا يجب أن تحبه وهو ليس ملكا لها لتغار عليه ولم يعدها بشئ جاد حتى تحاسبه .

وقفت فى المطبخ تعمل بحماس زائد فى تحضير الطعام وقد طلبت من بيدرو أن يتركها تقوم بالعمل وحدها .

خرجت جليلة من جناح غرف النوم تتهادى فى ثوب سباحتها وفوقه مئزرا خفيفا ووقفت متفاجئة من رؤيتها لزينة وسرعان ما أشتعل الغضب على وجهها وقالت

- ما الذي تفعلينه هنا ؟

ردت زينة ببرود تداري غيظها وحقدها وهي مستمرة بعملها

- بجهز الغدا .

أقتربت منها جليلة بشراسة

- لا تتذاكي علي .. سألتك .. ماذا تفعلين فى القارب ولستى فى غرفتك بالفندق ؟

ردت بتحدي

- أنا من حقى اروح اى مكان عايزاه وانتى مليكش الحق تسألينى ولا ليكى دخل بيا .

- هل تعتقدين حقا أنكى ذو شأن ؟ .. أنتى مجرد دمية سيلهو بها ثم يتركك عندما يمل منك .

كان الغضب قد أستبد بها وهاجمت جليلة قائلة بوقاحة يدفعها اليه حقدها على تلك الأميرة الجميلة

- مش عارفة تقصدى ايه بكلامك .. لكن اللى متأكدة منه أني مش انا الانسانة المتاحة لتسلية لأى حد .. انا مش زيك .

شهقت جليلة بقوة واقتربت من البار ورفعت يدها ترغب فى صفع زينة وهي تقول بغضب شديد

- كيف تجرؤين على أهانتي أيتها الخادمة الوقحة .

كانت زينة مستعدة لها وأرجعت رأسها الى الخلف وأمسكت بمعصم جليلة ودفعت يدها بعيدا عنها بقوة جعلتها تترنح الى الخلف فوقفت جليلة تنظر الى زينة وقد جن جنونها وكانت تهم بمعاودة الهجوم لولا أن ظهر آدم وهو يهبط من أعلى الدرج ونقل نظراته بينهما بحدة وكانت كلتاهما تقفان بتحفز غاضب في مواجهة الأخرى فقال ببطئ وقد ضاقت عيناه

- هو ايه اللى بيحصل ؟

أستدارت اليه جليلة فى حين رفضت زينة النظر اليه , قالت جليلة

- لقد أهانتني تلك الخادمة .

ضمت زينة شفتيها بقوة تمنع نفسها من الرد عليها , تقدم آدم الى الداخل ووقف بينهما وقال بهدوء موجها كلامه الى جليلة

- لازم اوضح حاجة الاول .. زينة مش خدامة دى تبقى صديقتي .

رفعت زينة وجهها اليه بدهشة فى حين أتسعت عينا جليلة وهو يتابع موجها كلامه هذه المرة الى زينة

- ايه اللى حصل ؟

قالت بتمرد

- هي اللى بدأت بأهانتي الأول فأضطريت ارد عليها .

صرخت جليلة ثائرة

- أرأيت ؟ .. أرأيت وقاحتها ؟

رد آدم ببرود

- اللى فهمته أن انتوا الاتنين غلطتوا فى بعض .. وكده بقيتوا خالصين .

تعاظم غضب جليلة

- هل جننت لتساوي بيني وبين تلك ال ..

قاطعها آدم بحدة

- كده كفاية .. اذا كنتى شايفاها أقل منك يبقى المفروض كنتى اتجنبتى الوقوف أدامها ومجادلتها ومش معقول انها هى اللى هتيجيلك وتبدأ معاكى الخناق

شهقت جليلة ساخرة بغضب

- ومن قال أنه ليس هناك من سبب .. ماذا فى رأيك أتى بها الى هنا ان لم تكن تطاردك وعندما وجدتني معك غضبت وغارت .

أحمر وجه زينة بشدة وأطرقت برأسها لا تريد النظر اليه وبعد لحظات من الصمت قال بصوت هادئ

- تعالي معايا .

رفعت زينة رأسها اليه وندمت لأنها فعلت .. فقد كان يطلب ذلك من جليلة وليس منها والتى أصبح وجهها شاحبا ومتألما وكأنها تعاني من ألم ما .

راقبتهما زينة بحزن وهما يصعدان الى السطح وآدم يضع ذراعه على كتفها ويضمها اليه برقة .

عضت زينة على شفتيها بمرارة .. ففي لحظة يعطيها الأمل وفى الأخرى يأخذه منها ويظهر لها عدم أهتمامه بها ..

خرجت من المطبخ وتوجهت الى أجنحة النوم .. شئ واحد تريد التأكد منه .. ذهبت أولا الى غرفة جليلة ووجدت الفراش غير مرتب والغطاء يتدلى بكامله على الأرض .. لم تلاحظ أنها كانت تكتم أنفاسها فاستدارت تاركة الباب مفتوحا وتوجهت الى الجناح الذي يضم حجرة نوم آدم وترددت بقلب خافق ويدها ماسكة مقبض الباب ثم أدارته ودفعته .. تقدمت الى داخل الغرفة ووقفت تنظر الى الفراش المرتب والذي لم يمس منذ آخر مرة رتبته فهذه طريقتها هي فى طي الغطاء .. أشتعلت النيران فى رأسها وصدرها وأمتلأت عيناها بالدموع .. آدم لم ينم فى حجرته .. وهناك حجرة واحدة فقط قد تم أستخدامها ليلة أمس .

لم تدري كم من الوقت قد مر عليها وهي فى هذا البؤس عاجزة حتى عن الحركة

- انتى مستنيانى يا حبيبتي ؟

جاء صوته ساخرا ومرحا من خلفها فجزت على أسنانها وحل الغضب محل الحزن والأسى وراحت تنعته فى سرها بكل الألفاظ النابية التى تعرفها .. أستدارت اليه ورأسها شامخا

- انا كنت جاية ارتب الاوضة .

ألتوت شفتيه بتسلية

- بس هى مش محتاجة ترتيب .

قالت بمرارة

- ايوة فعلا .. مش محتاجة ترتيب لأنك منمتش فيها ليلة امبارح .

رفع حاجبيه بدهشة ثم أنفجر ضاحكا بشدة

- أهاه .. أنتى بتغيرى بجد زى ما قالت جليلة .

شعرت بالغيظ من أستخفافه بمشاعرها وقالت بحدة ودموع الغضب والقهر تلمع فى عينيها

- أنا مش غيرانة .. وبمناسبة جليلة .. مش خايف لحسن حبيبتك تيجى وتشوفنا مع بعض وتزعل منك ؟ .

راح يقترب منها ببطئ وقال

- هى مش هنا .. انا بعتتها للفندق مع بيدرو ..

على ما أستوعبت ماكان يقول كان قد أصبح يبعد عنها بضعة سنتميترات فقط وهو يتابع بعبث

- احنا لوحدنا دلوقتى .. ايه رأيك ؟

وكان يمد يده نحوها .. وبرد فعل غريزي ضربت يده بقوة وأنتفضت مبتعدة عنه ووصلت بطريقة ما الى طاولة الزينة وحملت زجاجة عطر بيدها وقالت بشراسة وهي تواجهه

- لو حاولت تقرب مني ه أضربك بالازازة دى فى دماغك .

ضحك بأستخفاف وهو يعاود التقدم بثقة فطارت زجاجة العطر من يدها بقوة تجاهه دون سابق انذار ولكنه وبسرعة مال برأسه بحدة فى الوقت المناسب فمرت بجانب رأسه تماما ..

توقف ونظر اليها وقد ضاقت عيناه بحدة وحذر وكانت قد تناولت زجاجة أخرى أكبر حجما وقالت بأنفعال

- المرة دى مش هغلط فى التنشين ان فكرت تقرب مني .

لدهشته ضحك بمرح وقال

- خلاص خلاص .. مش هقترب .. سيبى اللى فى ايدك وخلينا نتكلم مع بعض بهدوء .

قالت بغضب

- عايز تتكلم فى ايه ؟

زفر بقوة ورد عليها بجدية

- أنا منمتش مع جليلة .. رغبتي فيها ماتت من سنين وحميد عمره ما كان هيسمح لها بالتواجد هنا ان كان عنده ذرة شك فى أن عندى النية انى اقربلها .. انا قضيت ليلتي نايم على الكنبة اللى فى كابينة القيادة وأسألي بيدرو وهو هيأكدك كلامى ده .

- وليه منمتش فى اوضتك ؟

- بصراحة .. منعا للفتنة زى ما بيقولوا فهى فاجئتني بوجودها ليلة امبارح .

- بس انت لما وقفنا فى باليرمو كنت بتغازلها قدام عيني وكان واضح أنكم ..

قاطعها ضاحكا

- هتصدقينى لو قلتلك أني عملت كده بس عشان اضايقك ؟ .. معرفش ايه دوافعي ولكن لقيت أحمرار وشك مسلى وقتها .

هبطت يدها الى جانبها ببطئ وهي تفكر .. هل تصدقه أم لا ؟ بدا صادقا .. هو مغرورا لدرجة لا تجعله يبرر تصرفاته ويكذب كي يرضي أحدا وخاصة هي بالتأكيد .

سألته بهدوء

- وليه سيبت الفندق وجيت هنا .. كان ايه السبب ؟

زفر بقوة مرة أخرى وقال بضجر

- كتر الخناق والقلق خلوا خلقي يضيق فجيت هنا اريح أعصابي .

سألته ساخرة وهي تفكر فى جليلة

- وأرتاحت أعصابك ؟

ضحك مرة أخرى وقد فهم مغزى سؤالها وأنها تقصد سهرته مع جليلة الجميلة

- لا طبعا محصلش وماصدقت انى قدرت اتخلص منها قرب الفجر .

بالكاد أستطاعت أن تمنع أبتسامة واسعة من أن ترتسم على شفتيها ولكنها لم تخفيها بشكل كامل فمد يده وقال

- تعالي هنا .

سألته وقد عادت الى حذرها

- عايز ايه ؟

- أنا جعان وكنت فاكر أنك خلصتى الغداء لكن لقيتك مش فى المطبخ فجيت ادور عليكى ... شوفتى ؟ نيتي كانت سليمة جدا .

ولكنها لم تتخلى عن حذرها الا عندما فتح الباب ووقف خارجه ثم تبعته .


**************

قضيا بقية النهار على متن القارب وسعدت زينة بالبقاء بصحبة آدم وبيدرو بعد أن أنجلى سوء التفاهم الذي حدث بينهما وفى نهاية اليوم حضر فراس وكانوا جالسين على السطح وحيا زينة وبيدرو ثم نظر الى آدم وقد تجهم وجهه فشعرت زينة وبيدرو بالتوتر الذي ساد بينهما وقررا التصرف بتهذيب وتركهما بمفردهما ليتصافيا .

جلس فراس على المقعد الذي تركته زينة وقال

- هل سيظل الوضع بيننا هكذا لوقت طويل ؟

رد آدم

- أنا مش زعلان من حد

- نعم .. أنت لا تغضب من أحد ولكنك تتصرف طوال الوقت كوصي علينا جميعا .

- أنا مبقصدش أتنمر على أي حد منكم لكن تصرفاتكم أحيانا بتضايقنى .

عقد فراس حاجبيه

- لو بخصوص زينة فقد أبعدتها عن تفكيري بمجرد أن أدركت أنها أصبحت تخصك وحميد أنت تعرفه جيدا .. سياخذ وقته وسينسى عندما يجد فتاة أخرى .

تململ آدم بضيق وقال بعصبية

- أكره اوى انكم تتكلموا عنها وكأنها غنيمة حرب نتنافس على اللى يستحقها أكتر من التانى .

أبتسم فراس نصف أبتسامة وقال

- لأول مرة أراك تخشى على مشاعر أمرأة بهذا الشكل ... فهل أحببتها ؟

رد بضيق

- حب ايه اللى بتتكلم عنه ؟ .. كل ما الحكاية أني شايف انها محتاجة للرعاية .

وعندما لاحظ نظرة فراس الساخرة اليه تابع

- ما أنكرش أنها بتعجبني لنفس الأسباب اللى خليتك تعجب بيها انت وحميد وان كنت هفكر بالأرتباط مش هلاقى من هي جديرة بده غيرها وبرضه لنفس الأسباب .

وروى له ضاحكا محاولتها فتح رأسه بزجاجة العطر عندما أعتقدت أنه سيهاجمها

أتسعت أبتسامة فراس وقال بنظرات شاردة

- أروى .. زوجتى فى الديار كانت مثلها .. عندما خطبتها وجلسنا معا لأول مرة بمفردنا .. اردت أن أتودد اليها ولم أتوقع ما أقدمت عليه عندما تجرأت وأمسكت بيدها وحاولت تقبيل وجنتها .

تعالت ضحكته وتابع

- رفستني فى قصبة ساقي بقوة رهيبة ونعتتني بعديم الشرف .. وتركت منزلهم فى ذلك اليوم وأنا أعرج بالم وكرامتي تنزف وقد شيعتني نظرات أسرتها بفضول وريبة حتى أنني خشيت أن تخبرهم بما فعلته فأجد أحذيتهم تتطاير على رأسي وأنا خارج .

ضحك بشدة وشاركه آدم الضحك حتى دمعت عيونهما وتابع فراس بحنين

- كانت رقيقة كالفراشة ولكنها كانت تصبح شرسة وتتحول الى تنين مجنح عندما أتمادى معها .

- وهل اتغيرت بعد الجواز ؟

هز فراس رأسه وأحتارت نظرات عيناه وقال بعد تفكير

- ربما لم تتغير هي .. أنا من تغيرت .. أو ما أعنيه هو أنني أنجزت مهمة قد كلفت بها واصبح لي بيت وزوجة تنجب لي الأطفال وعدت أمارس حياتي كما أعتدت أن أمارسها.

ساد الصمت بينهما لبعض الوقت حتى قطعه فراس

- حميد فى حالة ضيق .. تعلم أنه لا يصبر على الخصام .. ما رأيك لو نقضي الليلة من دون النساء ونستمتع بليلة رجالية خالصة ونتصافى ؟

وافقه آدم وقد أستحسن الفكرة فقد أعتاد ثلاثتهم على قضاء تلك الأجازة وحدهم منذ سنوات .


**************

عادت زينة بصحبة آدم وفراس الى الفندق وعرفت من حديثهما أنهم سيقضون الليلة وحدهم بدون السيدات وقد قال لها آدم وهو يتركها أمام باب غرفتها أنه لا يحبذ فكرة خروجها وحدها وأنها تستطيع طلب طعام العشاء فى حجرتها أو تناوله فى مطعم الفندق لو أرادت ولكن لا يجب أن تبتعد عن الفندق .. لم تجادله لأنها كانت متعبة ولم تنام جيد ليلة أمس واستيقظت مبكرا ...

فى التاسعة والنصف كانت قد أنهت عشاءها وصعدت الى فراشها وسرعان ما راحت فى نوم سريع وخالي من الأحلام .


****************

قال فراس بحماس وهو يسير بين آدم وحميد وهم داخلون الى أحد البارات الملحقة بالكازينو

- أتعلمان ؟ .. اشعر بالخفة والراحة ونحن بمفردنا هكذا .

أبتسم آدم فيما ظل حميد متجهما وبمجرد أن جلسوا حول البار حتى طلب زجاجة خمر كاملة وصب لنفسه وبدا يشرب وقد قرر فراس أن لا ييأس وأستمر فى الهزار واطلاق النكات وأستدعاء الذكريات التى جمعت بينهم منذ أن كانوا طلابا بالمدرسة الداخلية ببريطانيا فقال حميد ساخرا

- آه .. نعم .. كانت أيام رائعة من أفضل أيامك يا آدم ..

زجره آدم بطرف عينيه وهو يعيد كأسه على البار ليستمع اليه وقد أستبشر فراس خيرا لأن حميد قد بدأ يستجيب ويشارك بالكلام معهم

- كنت تمارس علينا هوايتك المفضلة .. أفعلوا ولا تفعلوا .. تحب السيطرة ولا تسمح لنا أن نرفض لك أمرا أو نخالف تعليماتك .

قال فراس بتجهم

- هذا غير صحيح .. آدم كان يساعدنا ولا تنسى أنه أخرجنا من الكثير من المتاعب .

أستمر حميد على سخريته ومط شفته السفلى وقال

- أمممم ... صحيح .. حميد مراهق متهور ويحتاج لمن يضبط سلوكه وفراس غلبان وطيب ولا يجب أن يترك ليتصرف وحده أو يتخذ قرارا من دون آدم القوي العاقل .. أليس كذلك ؟

نهره فراس

- حميد .. كف عن سخريتك .

قال آدم بهدوء وهو يرفع كأسه الى فمه

- سيبه .. سيبه يخرج كل اللى جواه .

ألتفت اليه حميد بغضب وقال

- هل كذبت فى شئ .. هل أفتريت عليك بالكلام مثلا ؟ .. حتى وان كنا فى حاجة اليك حينها .. ماذا عن الأن .. لماذا تصر على ممارسة السيطرة والضغط علينا وكأننا مازلنا أطفالا فى حاجة الى وصاية .. لماذا مازلت تحجر على مشاعرنا وتصرفاتنا وكأنك الوحيد الذي يفهم ووجهات نظرك وحدها هي السليمة ولا تحتاج للنقاش .

قال آدم ببرود

- ايوة .. كده قربنا من لب الموضوع .. استمر وهات ما عندك .

قال حميد بحنق وهو يضغط على كأسه بشدة

- معك حق .. أنا أقصد زينة .. لماذا لا تجعلها تختار بارادتها الحرة بيننا .

أشتعل وجه آدم بالغضب وقال وفى نبرته لهجة تحذير

- موضوع زينة أنتهى بعد ما اديتك ردها .

- لقد أرهبتها .

- لا .. محصلش .

- بلى فعلت .. لقد رفضتني لأسباب أعرفها جيدا ولكني كنت قادرا على أقناعها عندما تدرك من خلال تصرفاتي أنني تغيرت وأنني جاد فى شأنها ولكنك اسرعت وأندسست بيننا مستغلا خوفها وضعفها ... ولأنها تراك الأنسب لها .. فأنت من بلادها وتتحدث لهجتها .. لهذا شعرت نحوك بالأنتماء على عكسي أنا وفراس .. ولكنك لا تريدها حقا .. أنت فقط تفعل ما تحب أن تفعله دائما .. أن تسيطر ولا تجعل شئ يتسرب من بين يديك .

تدخل فراس محاولا تهدئة الأمر

- هذا يكفي .. زينة وحدها من حقها أن تختار .

نظر اليه حميد وعيناه محمومتان

- وأنا معك .. نصارحها بكل شئ حتى يكون أختيارها عادلا .. فأنا من خاطرت بأستخراج أوراق رسمية لها لأنقذها من مطارديها ومن السجن .

قال آدم بحدة

- وهي عارفة ده ومع ذلك رفضتك .

قال حميد بأنفعال

- وهل سوف يظل رفضها قائما بعد أن تكتشف كذبك ؟ هاه وتعلم أنك كذبت بشأن والدها .. الذي لم يستطع أجراء الجراحة ومات بسبب فجعته على أبنتيه .

ضم آدم شفتيه بشدة وهم بالوقوف ولكن فراس منعه بأن ضغط على ذراعه بشدة وقال لحميد

- لقد كان قرارا أتخذناه معا نحن الثلاثة .. بأن نخفي عنها الأمر حتى تستقر فى مكان آمن ونطمئن عليها أولا .

قال حميد بعناد ومكابرة

- لا .. كان قراره وحده ونحن وافقناه كالعادة ومن دون نقاش .

رد عليه فراس بغضب هذه المرة

- لقد أفسدت علينا ليلتنا بنواحك .. كف عن التصرف كطفل أخذت منه لعبته وأهدأ .. العالم ملئ بالنساء لم ينتهوا بعد عند زينة وحدها .

أشاح حميد بوجهه بمرارة فتابع فراس

- وكفى شربا .. لقد أنهيت الزجاجة كلها وحدك .

ثم نظر الى آدم الذي أصبح وجهه مسودا من الغضب ولكنه حتى الأن ظل مسيطرا على أعصابه

- دعونا نذهب من هنا .. ما رأيكم لو ندخل الى الكازينو لتلعبوا قليلا .

ثم أخرج محفظة نقوده ودفع ثمن الشراب للنادل

- وأنت منافق .

قالها حميد بأحتقارموجها حديثه الى فراس هذه المرة ثم أنهى ما فى كأسه وتابع

- هو كذاب وأنت منافق .

صفق آدم وقال ساخرا

- دورك جه يا فراس فأستعد .

نظر فراس الى حميد بسخط وقال

- كفاك هذيانا وهيا بنا .

ولكن حميد كان فى حالة من الصراحة والوقاحة لا تتكرر فى حياته كثيرا وكان يشعر بأنه فى مهمة لمعاقبة أصحابه فهم دائما يستخفون به ويروا أنفسهم أفضل منه فآن الأوان ليواجه كلا منهما بعيوبه فقال لفراس

- نعم أنت منافق .. أنت لا تشرب الخمر وتطلق عليها دائما أسم المنكر ولكنك تدفع ثمنها .. لا تلعب القمار وتقول عليه ميسر ولكنك تحفزنا على الذهاب والسهر فى الكازينوهات لتراقبنا بأستمتاع ونحن نلعب .. أنت لا تزني .. فالزنا حرام ولكن ... عندما تعجبك أمرأة أيا كانت أخلاقها أو علاقاتها فأنت تتزوجها .. فى السر طبعا ... وبذلك تتحايل على الشرع والدين وعلى الناس لتحصل عليها فى فراشك تحت مسمى الزواج ...

وزوجتك أم أولادك .. تلك التى فى بلدك .. ترتدي النقاب ولا تخرج الا بمحرم ... ممنوع أن تقود سيارة ... والزوجة الأخرى التى أتخذتها للمتعة ترتدي البيكيني وتركب الطائرات والسيارات واليخوت وتتحرش بالرجال ..

وهنا مد آدم يده عبر فراس الذي تجمد فجأة وأمسك ساعد حميد وضغط عليه بقوة وصاح من بين أسنانه بغضب

- لغاية هنا واقفل بوقك ومتنطقش بكلمة تانية .

سحب حميد ذراعه بعيدا بعنف وصاح

- تريد حمايته مرة أخرى ؟ تخشى على أحاسيسه المرهفة من معرفة الحقيقة ومن أنه مجرد تيس .

كان وجه فراس قد أستحال بلون الورقة البيضاء وتابع حميد مهاجما آدم

- ان كنت صديقا حقا لوعيته وعرفته بحقيقة من جعل منها زوجة له .

ثم وجه حديثه الى فراس

- لقد تحرشت بي زوجتك الغير مصونة ولقد رأتنا زينة معا فى أول يوم لها على القارب وأسألها .. وآدم أيضا رآنا معا وضربني من أجل ذلك .. هل تذكر ذلك اليوم الذي قالت زينة أنني ضايقتها فضربني آدم من أجلها ؟ كانت تلك زوجتك .. تحرشت بي عارضة نفسها علي بوقاحة .. وطوال الوقت كانت تفعل .. حتى مع آدم .. لقد حاولت معه هو أيضا ولكنه ليس مثلي بالطبع فخافت منه ولم تكررها .. أسأله .. أنه أمامك أسأله .

أستدار فراس الى آدم وقال بصوتا ميتا

- هل ما يقوله صحيح ؟

أغلق آدم عيناه بقوة وعض على شفته فصاح فراس

- صحيح ؟

أجفل آدم من صراخه ونظر اليه بحذر وأرتبك المشهد من حولهم وعرف آدم أن سرعان ما سيأتي أمن الكازينو .. فقال بهدوء وهو يحاول الأمساك بذراع فراس

-خلينا نخرج من هنا زى ما قلت ونتكلم فى الموضوع ده بهدوء .

ولكنه فعل كما فعل حميد وسحب ذراعه منه بعنف وقال

- أي أصحاب أنتما .. أي أصحاب ؟

أدار نظراته المصدومة فيهما

- لا أريد أن أعرفكما بعد اليوم .. أنتهى كل شئ .. لعنة الله عليكما .

وخرج شبه مهرولا فدفع آدم حميد حتى أسقطه على البار

- مبسوط باللى عملته ؟

تركه وهو يضحك ليلحق بفراس ولكنه لم يستطع اللحاق به ورآه وهو يستقل سيارة أجرة والتى أنطلقت به على الفور , أخرج آدم هاتفه وأتصل بجليلة وبسرعة شرح لها الأمر بأختصار وطلب منها أن تأخذ كاميليا عندها فى جناحها حتى يلحق هو بفراس لتهدئته قبل أن يقوم بشئ متهور .

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close