🌹🌷ملاك فى قبضة الشياطين🌷
الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
لقد خلقنا الله على الصلاح فذهبنا وبحثنا بأيدينا عن الضلال .. غذينا بذرة الشيطان فنبتت وتأصلت جذرور الشر داخل نفوسنا وتمددت فروعها العجفاء حتى توارت خلفها زهور الخير .
الأنسان منا ليس ملاكا ولا هو شيطانا
لقد فطر على الخير والتقوى .. فطر على الحب والأنسانية ..
فطرعلى التسامح والمغفرة .. فطر على الأيمان .
خالد ليس شيطانا وانما أتبع خطواته فأصبح له عونا وكان له سندا ومرشدا .. سار بارادته فى طريق الضلال وهو يدرك جيدا أن جنة الشيطان ما هي الا وهم وخداع ولكن نفسه مالت لملذات تلك الجنان .. شهوة الجنس والمال .. صناعة اللذة الحرام أصبحت حرفته التى لا يضاهيه فيها الا أمثاله من أتباع الشيطان .
الأن هو فى ستوكهولم يمارس العمل الذي يجيده دونا عن غيره لصالح منظمات هو نفسه لا يعرف الكثير عن أصحابها
كان يقف فى غرفة الفندق يتابع معاونوه الذين يتراصون أمام شاشات الكمبيوتر والأرقام تجري بلا توقف فى صعود .. ملايين الدولارات تتسابق أمام صورة كل فتاة .. ففتياته ليسوا عاديات .. أنهن الأجمل فى العالم .. ومازلن صغيرات وعذراوات .. والأهم أنهن راضيات وراغبات بعرضهن للبيع .
أبتسم برضا .. فأفضلهن قد أحتفظ بها لنفسه .. ليست الأجمل فيهن ولكنها الأطهر والأنقى والأوفى قلبا .. لم يستطع أن يضعها بينهم فلن يقدرها أحد كما يقدرها هو وقد لا تجذب الملايين من المال كهؤلاء ولكنها قادرة على جذب القلوب والنبش بداخل الروح وكان قد تساءل يوم أن وجدها .. هل قلبه قابل للجذب من قبل أية امرأة !!! تعجب لخفقاته فى تلك اللحظة من شدة شوقه اليها .. أشتاق الى ذلك اللون الوردي الذي يصبغ وجنتيها كلما همس لها بكلمة شوق والى صوتها الذي يخفت ويتلعثم من الخجل والكسوف وفي تلك الليلة الأخيرة التي سبقت سفره أراد أن يودعها بطريقته .. لكي يحمل منها ذكرى يتذكرها بها .. ولكن براءتها وصدقها أثرا فيه بطريقة لم يتوقعها ولم يصدق نفسه عندما تراجع وخضع لمشيئتها .. أنه أكثر من قادر على أغواء مطلق لأى أمرأة مهما كانت قوة مقاومتها ولكنه يعرف بأنها ستكرهه ان هو أجبرها .
- سيدي ؟
أخرجه صوت مساعده من أفكاره وتابع وهو يمد له يده بالهاتف
- أنها فريدريكا .. تقول أمر هام .
عبس خالد وهو يمد يده ليأخذ الهاتف .. أنها تعرف أنه من غير المسموح لها بمخابرته هنا .. العمل سري ولا مجال فيه للأخطاء فهو يمس سمعة شخصيات مهمة حول العالم وأي خطأ قد تطير فيها رقبته لذلك رد عليها بغضب .
****
نظرت زينة فى مرآة الحمام وهالها ما رأت ..
كيف كانت تجلس أمامهم وهي بهذا المنظر الشنيع .. بشعر أشعث لا شكل له ومتشابك ببعضه .. وعيناها كانتا حمراوان ومتورمتان من كثرة البكاء وقد تلطخت وجنتاها وأنفها وفمها بمزيج من الشحم الأسود وعصير البطيخ الأحمر .. أما عن رائحتها فحدث ولا حرج فقد أمتزجت رائحة الشحم من الغطاء البلاستيك الذى كانت تختبئ تحته فى اليخت مع رائحة السمك من البطانية التى نامت فوقها فى حجرة أدوات الغطس مع العرق ليصنعا مزيجا مقرفا ومنفرا ..
تأوهت ببؤس وقالت
- ده كان عندهم حق يبصولى وكأنى جاية من كوكب تانى .. ما أنا كنت عاملة زى القطة الجربانة اللى لسة طالعة من صندوق الزبالة .
أخذت زينة وقتا طويلا فى فرك جسدها بالصابون المعطر وغسلت شعرها ثلاث مرات وعندما خرجت كانت تشعر بأنها انسانة جديدة .. نظيفة ومنتعشة وأكثر من هذا ... انها فى أمان .. فراس رجلا طيبا وعاملها برقة ورغم فظاظة ادم وقسوته الا انه قبل بوجودها على قاربه وتركها تستخدم حجرته وأهتم بها وعالج جرحها .. كان قد جلب حقيبة الأسعافات الأولية وأجلسها على المقعد بغرفته وركع أمامها وكان فراس واقفا يشرف عليه ويبتسم لزينة مشجعا وآدم يشق سروالها بالمقص ثم وضع المطهر على الجرح وهو يقول
- الحمد لله .. الجرح طلع بسيط مش زى ما كان باين عليه .
بعد أن نظفه وضع عليه ضمادة مضادة للماء ثم تركاها وخرجا .
ارتدت زينة الملابس التى أحضروها لها .. سروال أبيض من الكتان وقميص أخضرفاتح قصير الأكمام كان ضيقا قليلا ولكنه مناسب على عكس البنطال فقد كان طويلا عليها بعض الشئ وأستنتجت أن صاحبتهم لابد وأن تكون طويلة القامة ونحيفة , أخذت فرشاة الشعر من طاولة الزينة ومشطت شعرها ولم يكن معها شئ لتربطه به فتركته منسدلا , لم تعتاد على أستخدام أدوات الزينة الا اثناء العمل ولذلك لم تستاء كثيرا لأفتقارها لهم فقد كان لها وجها آسرا وبشرة نضرة ناعمة تشقى الكثيرات من النساء عند مراكز التجميل للحصول على بشرة مثلها وأكتشفت عندما همت بالخروج انها لا تملك حذاء فخرجت الى الممر حافية القدمين .
كانت الحوائط من الخشب اللامع وعلى طول الممر زينت بلوحات زيتية جميلة لعالم البحار وقد فرشت الأرض بسجاد ذو وبر عالى غاصت قدميها العاريتين براحة فى نعيم نعومتها وتعجبت .. كيف يمكن لسجادة ان تشعرك بالسعادة !!
أبتسمت للمسار الذى أتخذته أفكارها وقد كانت منذ ساعة واحدة فقط تتأرجح بداخل هوة عميقة تفذف بها ما بين الخوف والقلق .
عندما وصلت الى حجرة الجلوس وقفت عند مدخل الرواق تراقب الجالسين هناك بحذر .. لم يشعر أحد منهم بوجودها , فراحت تتأملهم بفضول .
كان يوجد ستة أشخاص سبق لها أن تعرفت على أربعة منهم , وقف ادم مستندا على البار وبيده علبة مياه غازية وكان قد بدل ملابسه ببنطال قصير من الجينز وتى شيرت اسود يعكس مزاجه الحاد .. وعلى احدى الأرائك الجلدية الوثيرة جهة اليمين جلس فراس وبجواره زوجته السمراء الجميلة بعينيها الواسعتين الكحيلتين التي تتميز بهما النساء العربيات وكانت ذراعه تحيط بخصرها النحيف وهما يتحدثان معا بهمس وشعرت زينة فى تلك اللحظة بأن وجهها مألوف لها بطريقة ما, نقلت زينة نظرها جهة اليسار قليلا وفوق مقعد فردي جلس حميد بأسترخاء يستند برأسه الى الخلف وعيناه مغلقتان وعلى ذراع مقعده كانت تجلس فتاة شقراء رائعة الجمال ذات جسد طويل ونحيف وممتلئ فى الأماكن الصحيحة وكانت تداعب شعر رأسه بأناملها وعيناها مركزتان عليه برقة وقرب النافذة خلف الجميع وقفت أمرأة فى أوائل الثلاثينات من عمرها تشبه الى حد كبير الممثلة المكسيكية سلمى حايك بجسدها المنمق وشعرها الطويل الحالك السواد الذى يكاد أن يغطى ردفيها وكانت ترتدى ثوبا قصيرا برتقالى اللون بحمالات رفيعة يظهر لون بشرتها الزيتونية وكانت تنفس دخان سيجارتها من النافذة وهى شاردة الذهن ضامة ما بين حاجبيها بعبوس , فكرت زينة بأنبهار انها تتواجد فى نفس المكان مع ثلاثة نساء فاتنات يتنافسن معا فى الجمال والأناقة والأغراء وثلاثة رجال وسيمون وأنيقون يستحقونهن عن جدارة , وعندما تقارن نفسها بهن لا تعدوا اكثر من فتاة صغيرة لا شكل ولا قيمة لها ..., أنبت نفسها بحنق ... كيف فكرت انها لا تحتاج الى أدوات للتجميل ؟ على الأقل لتحديد عينيها التى تشبه عيون الأطفال وتزيد قليلا من حمرة شفتيها الباهتتين .. ولماذا بحق الله لم تبحث عن مجفف للشعر بدلا من ترك خصلاته مبللة وملتصقة بفروة رأسها كأذناب الفئران وتمنت كذلك لو كانت تنتعل حذاء عالى الكعبين لرفع حاشية البنطال الذى كان يغطى أصابع قدميها الصغيرتين .
فتح حميد عينيه الضجرتين ولوى رأسه فوقعت عيناه على زينة فتغيرت ملامحه على الفور وتدرجت من الدهشة الى الأعجاب وأعتدل فى جلسته بحماس فلفتت حركته انتباه الباقين وأحمر وجه زينة حرجا من الأفكار الحاقدة التى كانت تملأ رأسها منذ قليل وكأنهم قادرون على معرفة ما كان يدور فى عقلها بمجرد النظر اليها .
شملها ادم بنظراته التى أزدادت تجهما لرؤيته مظهرها الجديد
وقف فراس وأقترب منها مرحبا بأبتسامة واسعة قائلا
- أهلا زينة .. تعالى ... أرى أن هناك تغيرا كبيرا قد حدث .
ثم دفعها بلطف الى وسط الحجرة وراح يعرفها على الجميع وبدأ بالشقراء
- نيكول عارضة أزياء لبنانية وهي صديقة حميمية لحميد .
لم تفهم ما يعني بصديقة حميمية وان كانت قد شبهت الأمر بتلك العلاقات التى يتميز بها الغربيون , صافحتها نيكول بأدب وكذلك فعل حميد وقد أبقى يدها فى يده أكثر مما يليق , لقد كان أكثر الرجال الثلاثة وسامة وجاذبية ولكن ما عرفته عنه جعلها تنفر منه
ثم عرفها فراس على السمراء التي تقف قرب النافذة .. الأميرة جليلة كما دعاها وقال
- انها شقيقة حميد الصغرى .
وتساءلت زينة بأنبهار وهي تحدق بها .. هي أميرة حقيقية ؟!! .. وحميد .. هو أميرا برضه ؟ هزت لها جليلة رأسها بتحية فاترة دون أن تمد يدها لمصافحتها ودخان السيجارة يخفى تعابير وجهها ثم عرفها الى زوجته كاميليا التى صافحتها بأطراف أصابعها وعيناها تتأملها بحقد تعرف زينة سببه جيدا وعادت زينة تشبه عليها فقال فراس مبتسما وقد لاحظ الحيرة والتفكير على وجهها
- بالتأكيد تعرفيها .. أنها كاميليا حمدان .. المذيعة .
ثم ذكر لها أسم شبكة القنوات العربية الشهيرة التى تعمل بها فأدركها الفهم وعرفت أين رأتها من قبل فأبتسمت لها بأدب
- آه طبعا أعرفها .
أشار حميد أخيرا الى ادم وقال ضاحكا
- وتعرفين صديقنا آدم .. بالطبع هو غنى عن التعريف .. انه دائما ما يقدم نفسه بطريقة تجعل من يقابله مرة لا ينساه بعدها أبدا .
نظرت زينة الى آدم ووجدته متجاوبا مع مزاح صديقه بأبتسامة جعلته مختلفا وأكثر جاذبية , جذب حميد أنتباهها بعيدا عن آدم وأخبرها
- عذرا لقد سبقناك وتناولنا الغداء .
ثم أخذها الى حجرة الطعام , وجدت الطعام مكونا من مكرونة اسباجتى ولحم مشوى وسلطة ومن شدة جوعها أجهزت على الأطباق كلها وبعد ان أنهت طعامها حملت الأطباق الى المطبخ وغسلتهم وكان الجميع قد صعدوا الى سطح القارب وقد وصلت أصواتهم اليها عبارة عن همهمات , وقفت زينة فى منتصف المطبخ حائرة ماذا يجب عليها ان تفعل أو اين تذهب حتى انها كانت محرجة من ان تصنع لنفسها كوبا من الشاى أو القهوة , لقد خف الألم فى ساقها بسبب المسكن الذى أعطاه آدم لها ولكنها تحتاج أيضا الى النوم لتستطيع التفكير بصفاء ذهن .. لقد تعقدت حياتها بين ليلة وضحاها فهي لا تصدق أنها تركت بيتها منذ يومين او ثلاثة ايام فقط وقد تركت كل ما تملكه من مال وملابس على اليخت الآخر , ضبطها ادم وهى فى حيرتها هذه وكان خارجا لتوه من الممر المؤدى الى حجرات النوم وقد كانت تعتقد انه على السطح مع أصحابه ولكنه كان بالتأكيد يتفقد حجرته بعد ان خرجت منها فشعرت بالحرج .. فقد تذكرت أنها تركت ملابسها المتسخة ذات الرائحة الكريهة فى حمام غرفته فقالت بصوت مبحوح
- أنا آسفة .. نسيت اشيل هدومى اللى قلعتها من الحمام .. هروح اشيلها حالا .
وهمت بالتحرك ولكنه أوقفها بأشارة من يده وقال وهو يتقدم منها
- سيبيها دلوقتى .. عايز اوريكى المكان اللى هتنامى فيه .. تعالى معايا .
أشار اليها كي تتبعه ثم سار وزينة من خلفه وعندما أستدار الى الممر المؤدى الى غرفة نومه أعتراها القلق .. هذا الجناح الرئيسي وليس به الا حجرة نوم واحدة وهى حجرته وفكرت بقلق فى انهم هنا ربما يعيشون حياة بوهيمية .. حميد معه عشيقته ويخون صديقه مع زوجته وآدم على علاقة ما بجليلة .. وهي لا تفهم الطريقة التى يعيشون بها وما خبرته ورأته خلال اليومين الماضيين يجعلها لا تستبعد شيئا ويجب أن يفهم منذ البداية أنها لن تنصاع له أو لغيره وأنها لم تعد تلك الساذجة البلهاء التى يسهل خداعها وتخويفها .
توقف ادم قرب باب غرفته وأستدار اليها وكان يهم بالكلام ولكن تعبير وجهها ألجم لسانه , كانت تنظر اليه بغضب وشفتيها مزمومتان وقبضتيها مضمومتان بقوة الى جانبها فقال بدهشة
- ايه مالك ؟
ردت بحدة وأنفاسها تتسارع
- أنا مش هنام معاك فى اوضتك .. ومن الأفضل ليك أنك تروح تصالح صاحبتك .
ضاقت عيناه وسألها بحيرة
- أنتى بتتكلمى عن ايه ؟.. وتقصدى ا..
قاطعته بحدة ليفهم أنها ليست سهلة كما يعتقد ويجب أن يفهم كل رجل هذا قبل أن يفكر فى استغلالها
- هى حاولت تصالحك امبارح وانت رفضت مصالحتها .. وان كنت فاكر أنى هكون بديلة عنها فأنت واهم .. وان كانت هى بتتحول لما تغضب لبنت شوارع وهي أميرة فلك أن تتخيل بقى انا هتحول لايه ؟
سحبها من ذراعها بقسوة وقال :
- كنتى بتتجسسى علينا ؟ .. وعندك من الوقاحة كمان اللى تخليكى تتبجحى وتقولى الكلام ده قدامى ؟
هزها فأرتجفت وسألها بحدة
- انتى بتعرفى اللغة الأسبانية ؟
أجابت وقد شعرت بأنها بالغت بردة فعلها
- أفهمها بسيط خالص .
وتابعت بسرعة عندما ضاقت عيناه عليها
- بس مفهمتش كل اللى قالته .
جز على أسنانه وتأملها بأحتقار
- بس أستنتجتيه .
لقد أغضبه أنها كانت شاهدة عليهما وأستمعت الى السباب الذى وجهته له جليلة , سحبها بغلظة من ذراعها بعيدا عن باب حجرته وفتح بابا فى نهاية الرواق قرب الزاوية لم تلاحظه زينة من قبل ودفعها الى الداخل وكأنه يلقى بشئ قذر من يده .. وجدت نفسها داخل غرفة صغيرة جدا تحتوى على فراش بعرض متر يلتصق بالحائط وخزانة ملابس بباب واحد وعلى الأرض الخشبية فرشت سجادة خضراء جميلة وكان هناك نافذة زجاجية مستطيله صغيرة ككل شئ فى الحجرة وقد علقت عليها ستارة باللون الماهوجني ,
عجزت زينة عن النظر اليه من شدة الحرج .. لقد أساءت الظن به وتسرعت بأفتراض سوء النية ولابد لها من أن تعتذر فأستدارت اليه والخجل قد صبغ وجهها بحمرة قانية وكان هو ينظر اليها بغضب ساخر وقبل أن تتفوه بكلمة عاجلها بقوله
- كنت عايز اعتذرلك عن صغر حجم الاوضة لكن هى الوحيدة اللى فاضية والمركب مفيهوش غير أربع اوض نوم بس كلها مشغولة للأسف .
وأوضح لها ان فراس وزوجته فى حجرة وحميد وصديقته فى الثانية وجليلة فى الثالثة وهى لا تفضل ان يشاركها أحد بغرفتها .
تمتمت تعتذر بصوت منخفض وهى تشعر بالخجل الشديد من نفسها
- أنا أسفة .. والاوضة جميلة جدا ومعنديش اى اعتراض عليها .
جاء رده قاسيا متعجرفا وهو يقول :
- انتى مليكيش الحق فى الأعتراض على أى شئ فأنا معزمتكيش على مركبى .. وعلى العموم أنا مقدر الظروف اللى رمتك فوق دماغى .. لكن لازم تفهمى حاجة مهمة ..
ومال عليها متابعا بتهديد
- الظروف دى انتى اللى صنعتيها لنفسك بغبائك وسذاجتك .. ومش هحمل ضميرى شيئ أنا غير مسؤول عنه فوطى راسك المتعالى ده لما تتكلمى معايا .. فاهمة ؟
سحقها ببضعة كلمات وكانت صادقة لكى تعترف بأنها تسببت بكل هذا لنفسها فقد أهانته بطريقة خرقاء وتابع وهو يشملها بنظرة متعالية ساخرة
- ومتخافيش على نفسك منى .. انا ذوقى من الصعب أنه ينحدر للمستوى ده .
ثم تركها غارقة فى بحر من الذل والمهانة , وراحت تأنب نفسها على تسرعها .. فكيف فكرت فى أن رجلا تطارده أميرة كجليلة من عائلة أرستقراطية وتحمل لقبا ولها جمال كجمالها يمكن أن يفكر فى أستبدالها بها هى .. هى الفتاة الخرقاء اليتيمة التى بلا مال ولا جاه وهو كما يبدو ثرى جدا يصاحب الأمراء ويمتلك قاربا يساوى ملايين الدولارات ويمضى أجازته متسكعا بين الموانئ والمنتجعات , تنهدت بعمق وضيق .. ماذا دهاها وقد أصبحت ناقمة فجأة على حياتها وتتذمر كثيرا وتقارن نفسها بأناس لا صلة لها بهم وبحياتهم ..
ثم جلست على حافة الفراش منهكة القوى .. لقد أشتاقت الى والديها وخاصة والدها لكى تلتمس من قوته وحنانه الأمان والطمئنينة , وتذكرت عندما دعاها مرة بأبنتى الأغلى ويومها أعترضت نبيلة غاضبة وقالت :
- وانا ابقى ايه .. والا خلاص مبقتش غالية عندك ؟
رد ضاحكا
- طبعا انتى بنتى الغالية وأغلى عندى من روحى .. بس زينة أبنتى الأغلى .. لانها هتدخلنى الجنة وعلى ايديها هجاور الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام .
يومها كانت فى العاشرة من عمرها تصدق حقا أن لها بيتا وعائلة .. وتساءلت .. هل سيظل والدها يعتبرها أبنته الأغلى التى ستمنحه رخصة دخول الجنة ومجاورة حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام أم سيندم على ايوائها فى بيته وتربيتها له مع أبنته ؟ وما الذى سيكون عليه رأيه لو عرف بأنها كذبت عليه حتى وان كان بنية طيبة .. وكيف سيتقبل فكرة أنها أصبحت قاتلة هاربة والمكان الذى هربت منه لن يشفع لها عنده
فعندما يصله الخبر لن تصله الحقيقة معه ولن تجرؤ نبيلة على فضح نفسها أمامه وتعترف بأنها قامت بخداعها لتنتقم منها على شئ لا تعلمه .. فما الذى فعلته لها وجعلها تلقى بها الى هذا المصير وكيف خدعت فى خالد الذى أحبته وصدقت أنه يحبها ويريدها زوجة له .. كل هذه أسئله كانت تدور وتدور بألحاح فى رأسها فالمستقبل بالنسبة لها لا يبشر بالخير والطريق الى السجن هو الطريق الوحيد الذى تراه بوضوح أمامها ,. تمددت على الفراش وعقلها لا يكف عن التفكير حتى أستسلم عقلها أخيرا للنوم .
*************
سأل حميد آدم وهو يناوله زجاجة من البيرة وكان الثلاثة حميد وآدم وفراس يجلسون فى كابينة القيادة بدون النساء
- ماذا ستفعل بها ؟
كان يقصد زينة .. عبس آدم وقال معنفا
- تقصد ماذا سأفعل بشأنها وليس بها ..
رفع حميد عينيه الى السقف وزفر بضجر وقال
- يا صبر .. حسنا .. ماذا ستفعل بشأنها ؟
ضحك فراس وضاقت عينا آدم ولكنه تجاوز عن سخرية حميد وقال
- هتحرى عنها أولا عشان أتأكد من أن اللى قالته لينا حقيقي وبعدين هنحاول نرجع ورقها ولو حتى عن طريق التفاوض فالناس دى أخطر من اللى ممكن يخطر فى بالنا .. فهما بيديروا تجارة خطرة وممكن يشوفوا ان فى هروبها خطر على وجودهم .
قال فراس بحزن
- يالها من مسكينة .. حظها سئ .
قال آدم بقسوة
- أنها ليست مسكينة .. بل غبية .
قال حميد وقد لمعت عيناه
- الجميلات دائما عرضة للطمع فلو كانت قبيحة لما ..
قاطعه آدم محذرا بحدة فى حين نظر اليه فراس متأففا
- حميد ... اوعى تفكر انك تقرب منها وأكتفي باللى عندك .
لوح حميد بيده وقال يدافع عن نفسه
- وماذا قلت أنا لكل هذا؟
رد عليه فراس هذه المرة بضيق
- أنت لا تحتاج للقول يكفي أن نرى تلك النظرة فى عينيك لنعرف نواياك .
قال حميد بحزن زائف
- أنتما دائما تتحاملان علي .
ولكن عيناه كانتا تضحكان بعبث فأبتسم فراس بتساهل فى حين أزداد تجهم وجه آدم .. رفع حميد يديه لأعلى وكانت أحداهما تحمل زجاجة البيرة
- سأقسم بالله ..
قاطعه فراس موبخا
- أتقسم وبيدك المنكر ؟ ألا تخجل من نفسك ؟
وضعها حميد فوق المنضدة وقال
- أقسم أن لا أقترب منها الا برغبتها الحرة
صاح به آدم بغضب
- حميد .
رد حميد ضاحكا
- يا اخي أمزح .. جديتك هذه تخنق أحيانا .
قال فراس مدافعا عن حميد كعادته
- أنه يمزح .. ولا تنسى أن معه صديقته الشقراء الجميلة فما حاجته الى فتاة صغيرة كزينة .
قال آدم ساخرا
- فراغة عين .. ده مش بيشبع .
قال حميد متحديا بخبث وهو ينظر الى عيونهما كل واحد على حدا
- وهل تنكران تأثركما مثلي بتلك الصغيرة .. هل تنكران أن براءتها تلك لم تستفز رجولتكما وحركت نزعة الحماية لديكما .. ألم ترغبا مثلا فى أمتلاك ما سعت بأستماتة للحفاظ عليه وأنه سيكون كجائزة لا تقدر بثمن لرجال لم يحصلوا يوما الا على المستهلك والمباح من النساء .
أحمر وجه فراس وأرتبكت نظراته فى حين حدق آدم فى الفراغ وقد غامت عيناه
وتجرع حميد ما تبقى من شرابه وتابع قائلا بواقعية
- أرجو يا آدم أن تجد حلا سريعا لمشكلتها قبل أن نصبح نحن الثلاثة مشكلتها الحقيقية .
غير فراس مجرى الحوار وقد وجد أن آدم وحميد فى طريقهما للأصطدام لا محاله .. فحميد صريح يعبر دائما عما فى نفسه بلا مواربة وآدم يتفنن بالقسوة على نفسه وعلى من حوله ولن يتوقفا حتى يحدث شجار بينهما
- المهم أخبرنا متى ستبدأ بأتصالاتك بشأنها ؟
- انا بدأتها بالفعل
***** ملاك فى قبضة الشياطين
***** الفصل العاشر
----------------------------------
أستيقظت زينة أثناء الليل دون أن تعرف سببا لاستيقاظها ..
كانت الغرفة مضاءة بنور القمر فجعلها هذا قادرة على الأبصار ..
لمحت على المنضدة الموضوعة بجوار الباب صينية عشاء .. لابد وأن أحدهم قد أحضرها وهى نائمة ولكنها لم تكن جائعة أكثر من حاجتها الى النوم والراحة وتفضل العودة الى النوم , تكورت وحضنت نفسها بذراعيها تلتمس الدفئ فهناك لسعة برد قد تكون هى التى ايقظتها من نومها فنهضت من الفراش وتلمست طريقها الى الخزانة ووجدت بداخلها غطاءا صوفيا مطويا فأخذته وتلحفت به وبسرعة سرى الدفئ فى جسدها وغرقت سريعا فى النوم من جديد . وعندما أستيقظت فى المرة الثانية .. كان نور الصباح موقظها هذه المرة دفعت عنها الغطاء وطوحت قدميها الى الأرض فآلمها الجرح وشد عليها فوقفت وهى تأن ..
وجدت علبتى دواء فوق صينية العشاء فتناولت قرص من كل علبة ثم تركتهما على المائدة الصغيرة وحملت صينية العشاء التى لم تمس وخرجت الى المطبخ وتركتها هناك وبعد أن غسلت وجهها فى الحمام الصغير بجوار حجرة الجلوس صعدت الى السطح ..
كان القارب يشق طريقه فى الماء بسرعة .. وقفت زينة تمسك بحاجز المركب رافعة وجهها الى أشعة الشمس المشرقة لتسمح لها بأن تداعب وجهها بأشعتها الدافئة وخامرها أحساس جميل بالحرية وأنها تطير مع الهواء الذى يجعل شعرها يرفرف وراء رأسها .
******
قررت زينة أن تجعل من نفسها مفيدة فهى ليست ضيفة هنا على أية حال فقامت بترتيب المقاعد على السطح ثم نزلت الى المطبخ لتنظيفه .
بالتأكيد بيدرو هو من يقوم بعملية التنظيف فهى لا تتخيل السيدات الأنيقات المرفهات يقومن بأعمال مثل التنظيف والطبخ , وعندما انتهت زينة من ترتيب المطبخ بدأت بتحضير ما ستحتاج اليه لأعداد الفطور .. كانت قد أخذت دورات تدريبية فى العمل بالخدمة فى المطاعم واكتسبت بعض الخبرة من عملها فى الفندق فلم تحتار أثناء تحضير ما ستحتاج اليه لأعداد طعام الأفطار وهى على معرفة بأنواع وجبات الفطور التى يفضلها الأثرياء وطريقة أعدادها .
نزل ادم الى حجرة الجلوس آتيا من السطح ودهشت زينة فقد ظنت أنهم جميعا نيام وبنظرة سريعة منه فى المكان فهم ما قامت به وقال بجفاء دون أن يلقى عليها تحية الصباح
- لو كنتى هتجهزى انتى الفطار فخليه لأربع أشخاص بس .. الستات هنا مش بيصحوا بدرى
هزت رأسها بطاعة فتابع بلهجة تحذير
- وابقى خدى بالك .. مينفعش تميلى على حاجز المركب بالطريقة اللى عملتيها من شوية .. من حسن حظك أن المركب كان ماشى بسرعة بطيئة فلو كان بسرعته الطبيعية كنتى وقعتى فى البحر ومكنش حد اخد باله .
أنهى جملته ثم تركها وصعد الى السطح مرة أخرى , لقد رآها فى الوقت الذى كانت تظن نفسها وحيدة , كان يجب أن تعرف أن هناك من هو مستيقظ ... فالمركب لا يقود نفسه .
كانت زينة منهمكة فى تحضير الفطور عندما استيقظ حميد وفراس وألقيا عليها تحية الصباح ببشاشة مما رفع من معنوياتها قليلا بعد معاملة آدم الجافة لها .
وضعت الأطباق أمامهم على المائدة التى حضرتها على السطح وكان بيدرو قد أنضم اليهم ,
أثنى فراس وحميد على الطعام كثيرا فى حين أكتفى آدم بهزة رأس لم تفهم منها شيئا وشكرها بيدرو وأبتسامة سعيدة على وجهه فقد خففت عنه بعض من عبئ العمل الذى كان يقوم به فأبتسمت له
- احنا كلنا بنشرب القهوة تقيلة ومن غير سكر .
أجفلها صوت آدم الحاد وجعلها تعود الى المطبخ حانقة .. انه حتى لم يدعوها لمشاركتهم الطعام مثل بيدرو .. هل لأنه يراها أقل منه مقاما ؟
صنعت لنفسها شطيرة وكوب شاى قبل أن تحضر القهوة فلينتظر قليلا فهى ليست خادمته وان كانت قد تطوعت ذوقيا منها لتحضير الفطور فليس معناه أن يعاملها كخادمة .. ولكنها عادت وفكرت أنها لا تستطع الأعتراض فهى هنا متطفلة عليه وعلى أصدقائه ويجب أن تدفع ثمن أقامتها .
وجدت آلة لصنع القهوة السريعة وكانت قد وضعت الأكواب فى الصينية وبدأت بصب القهوة عندما فوجئت بحميد يقف أمام البار ويبتسم لها أبتسامة ساحرة كان من الممكن أن تتأثر بها لولا أنها تعرف حقيقته جيدا , قال
- هل تحتاجين للمساعدة ؟
ردت بسرعة كانت فظة
- لا .. شكرا .
رفع حاجبيه بدهشة وكانت قد أنتهت من صب القهوة حين قال بجدية
- انت لا تحبيننى أليس كذلك ؟
أرتبكت وقالت دون أن تنظر اليه
- أنا أسفة لو كان وصلك الأنطباع ده منى .. أنا مش بكره حضرتك .
قال بصراحة
- كنتى تختبئين فى حجرة أدوات الغطس عندما كنت مع كاميليا هناك .. لقد رأيتنا وسمعتينا ولا ألومك ان أخذتى هذا الانطباع السئ عنى .. ولكنك تظلميننى .
دهشت زينة من أستخفافه بما فعل بصديقه فأستفزها لترد عليه
- بظلمك ؟.. كنت بتخون صديقك مع زوجته وتقول انى بظلمك ؟
- ولماذا لا تقولين انها زوجة خائنة قامت بأغواء صديق زوجها .
ردت وهى مصدومة من رده
- وانت برئ ومغلوب على أمرك .. مش كده ؟
دهشت عندما ضحك بمرح وقال بأبتسامة صبيانية
- لست بريئا جدا فى الواقع .. فأنا ضعيف أمام النساء ولست معتادا على رفض دعوة صريحة من أمرأة جميلة .
- طيب وصاحبك .. ملوش اى أى أعتبار عندك ؟
هز كتفيه بأستخفاف وقال
- هو الملام .. من يتزوج أمرأة مثلها ويعرف عنها ما يعرفه لماذا يلوم الأخرين اذا ما أخذوا ما يعرض عليهم .
ابتئس وجه زينة فرقت نظرات حميد ومال على البار قائلا
- صدمتى من كلامى أليس كذلك ؟ .. انتى صغيرة وبريئة .. وآسف لأن أخبرك ان الحياة ليست كما كنتى تظنينها .. وأعتقد أن تجربتك الأخيرة خير دليل على ذلك .
ثم مد يده ولمس يدها بأنامله فأجفلت وسحبت يدها بسرعة فاصطدمت بأحد أكواب القهوة فأنسكب بعض من السائل الساخن على أصابعها فصرخت , أسرع حميد الى جانبها وأمسك بيدها المحترقة وهو يتمتم بعبارات الأسف
- أنا آسف حبيبتي لم أقصد ايذائك .
جاء صوت ادم باردا كالثلج من خلفهم
- ايه اللى بيحصل هنا ؟
اخبره حميد دون أن يستدير اليه
- لقد أحرقت القهوة يدها .
دخل ادم الى المطبخ نافذ الصبر مزيحا حميد عن طريقة بفظاظة واخذ أناءا عميقا وملئه بالثلج .. كانت حركاته عنيفة وسريعة وجعل زينة تنكمش وتنسى الألم فى أصابعها كما أبتعد حميد عن طريقه بدوره , فقال له ادم بحدة
- فراس مستنى القهوة .. أنت مش قلت انك عشان تجيبهاله ؟
تمتم حميد بخفة متجاهلا فظاظته معه
- نعم فعلت .
ثم صب فنجانا آخر بدلا من ذلك الذى سكب وحمل الصينية وصعد بها الى السطح تاركا زينة تحت رحمة من لا يرحم .
وضع ادم الأناء فى الحوض وملأه بالماء ثم سحب يد زينة بقسوة لا داعي لها ووضعها فى الماء المثلج فشهقت من برودتها وصعدت الدموع الى عينيها وقالت محتجة بعد لحظات
- كفاية كده انا صوابعى اتجمدت .
تركها لتجفف أصابعها بمنشفة ورقية ووقف ينظر اليها للحظات ثم قال
- أتمنى أن الأيام القليلة اللى جاية واللى هتقضيها معانا تعدى من غير مشاكل .. والمرة دى انا مش بنصحك .. لكن بآمرك بأن بتعدى عن طريق حميد .. واوعى تظنى انه بيكتفى بالنظرات البريئة .. هو بيجرى ورا أى حاجة لابسة جيبة وبلوزة حتى لو كانت مكنسة .. وأوامرى دى بتشمل بيدرو كمان .. فهو شاب وحيد بيننا وصغير وسريع التأثر .. فأرجو منك أنك تقللى من ابتساماتك اللى بتقومى بتوزيعها يمين وشمال من غير مناسبة .
أنهى كلامه وأنصرف كعادته دون أن ينتظر ردها وشعرت زينة أنها بدأت تكرهه .
***************
تلك الفتاة أثارت غضبه بأكثر من طريقة منذ معرفته بها ..
وان صح أستنتاجهم وكانت قد أنهت حياتها بأن ألقت بنفسها فى البحر يكون هذا رحمة بها نظير ما كان سيفعله بها عندما يراها .
أستقبلته فريدريكا بالعناق
- حبيبي تأخرت .
- شغل .. مكنتوش بتفسح .
أجابها وهو يحل ذراعيها عن عنقه ويتفادى شفتيها التى كانت تطالب بشفتيه فهو ليس بمزاج يسمح بهذا , تأففت فريدريكا وهي تلحق به الى داخل الصالون الصغير التابع لليخت
- عملتوا ايه ؟
كان زوج فريدريكا قد لحق بهما ووقف صامتا بجوار الباب , أجابته
- كل شئ على ما يرام .. الوفاة سجلت على أنها حادث .. فقد الرجل توازنه واصطدمت رأسه وهذا الى حد ما حقيقة ما حدث .. زوجة الرجل بعد حوار صغير بيننا وافقت أن الشكاوى القضائية قد تضر بسمعة عائلتها .. وبالطبع أضطررنا أن نودع ضيوفنا مؤقتا .
هز رأسه مستحسنا ثم قال
- والبنت ؟
تقدم زوج فريدريكا الى الداخل وتناول فردة حذاء كانت عند المنضدة ورفعها أمام وجه خالد
- هذا ما تبقى منها .. وجدناه فى الماء .
مط خالد شفته بأمتعاض .. موتها سوف يكون عقبه وسوف يتم تأجيل زواجه من زينة .. زاد حقده على نبيلة من جديد أثناء حياتها وبعد موتها .
قال زوج فريدريكا بسخريته المقززة للنفس
- ولكن أحبرنا .. لم تعتاد على أرسال فتيات بريئات الى هنا ودائما ما تحتفظ بهن للمزاد .. فما الذي تغير هذه المرة .
رفع خالد أحد حاجبيه بسخرية
- بريئة ؟؟ مين اللى قال انها بريئة ؟
- هي من قالت ذلك .
- وصدقتها .. انا مهمتي أنى أتأكد من أن اى واحدة بتيجى هنا بتكون نسيت حاجة اسمها براءة .
فتح الباب وخرج وهو يفكر .. سوف يقوم بالأتصال بزينة لكي يعرف منها مدى معرفتها بمكان أختها ومن ثم يحاول أن ...
ظهرت نجلاء فجأة أمامه وصاحت فى وجهه بأنفعال
- أنت مش هتسيبها تفلت بعملتها دى .. مش كده ؟ .. لازم تعاقبها لانها خالفت أوامرك.
أكمل خالد طريقه مزيحا اياها من أمامه وهو يقول ساخرا
- أوعدك اننا لما نلاقى جثتها هقطعها حتت عشان خاطرك .
- لا .. مقصدش ان زينة اللى تستحق التمثيل بجثتها .
توقف خالد بغتة وللحظة أغلق عيناه بقوة وسحب نفسا عميقا قبل أن يستدير مواجها نجلاء
- قلتى مين ؟ .. زينة ؟ .. وانتى ايه علاقتك بزينة ؟ .. وايه دخل زينة بالأمور اللى بتحصل هنا ؟
ترقرقت الدموع فى عينا نجلاء فقد تأثرت بالفتاة التى أرتكبت جريمة قتل ومن ثم ألقت بنفسها فى البحر لكي تحافظ على شرفها وقالت لخالد
- لأن زينة هى اللى كانت هنا .
للحظات شل عقله عن التفكير واشتعلت به النيران ثم عاد بخطوات سريعة الى الصالون , تفاجأت فريدريكا بمظهره المتوحش
- اسمها ايه البنت اللى كانت هنا ؟
أسرع زوج فريدريكا وتناول جواز سفر كان على المنضدة بجوار فردة الحذاء وناوله له وهو يحدق فى وجه خالد بفضول وكذلك فريدريكا .
وقعت عيناه على صورتها وفقد وجهه كل نقطة دماء به .. ثم رفع وجهه ونظر الى فريدريكا وقال بهدوء قاتل
- مش هى دى البنت اللى انا بعتهالك .
- الفتاة الأخرى لم يكن من الممكن استخدامها .. أرتنا ما يثبت أنها حامل .. وقالت أن أختها على أستعداد لأن تحل محلها وقد وجدناها مناسبة خاصة وأنها من طرفك كذلك .
نزل كفه بصفعة قوية على وجه فريدريكا التى ترنحت الى الخلف وهي تشعر بالذهول ولم يتحرك زوجها نحوها بل تراجع الى الخلف بهدوء ووقف يتابع ما يحدث بنظرات حادة .
تحرك خالد تجاهها بوحشية وهو يقول
- ليه متصلتيش بيا .. ازاى تسمحى لنفسك أنك تتصرفي فى أمر زى ده من غير علمي .
- لم يكن الأتصال بك ممكنا وأنت تعرف ذلك .
صفعها مرة أخرى وبقوة أكبر جعلتها تصرخ , توتر زوجها ولكنه ظل فى مكانه وقد استدار اليه خالد بعد ان خطف الحذاء وضغط عليه بقوة قائلا
- هو ده بس اللى لقتيه ؟
هز رأسه ايجابا فقال خالد وعيناه مشتعلتان بلون أحمر كالدم
- أجمع لي البحارة .. كل اللى على اليخت من غير أستثناء اى حد منهم .
لن يسلم أبدا بحقيقة موتها الا اذا رأى جثتها بأم عينيه .. وقتها فقط سيحرق الأخضر واليابس ولن يرحم أحد .
**************
كان فراس الأفضل من بين الجميع .. طيبا وبشوشا ومضيافا كريما .. عرض أن يأخذ زينة فى جولة على القارب للتعرف عليه ولأنه لم يكن ضمن قائمة الممنوع عليها التعامل معهم قبلت بعرضه ولكنها لاحظت أنه تجنب أخذها الى كابينة القيادة حيث المقر الدائم لآدم .. وبرر لها ذلك بقوله
- ان آدم لا يحب أن يحوم احدا حوله وهو يعمل .
وشرح لها نظريا كيف يقومون بالأبحار بالمراكب الشراعية الحديثة وضحك عندما سألته قائلة :
- وفين الحبال اللى بتربطوا بيها الأشرعة ؟
صحح لها معلوماتها البدائية قائلا :
- الاشرعة الحديثة مصنوعة من ألياف الكربون حتى تظل مثبتة بالصارى مثل الأجنحة وهى تكون متصلة بأسلاك ويتم التحكم بها أليكترونيا عن طريق وحدة تحكم مركزية ويكفى شخص واحد فقط للأبحار بمركب شراعى بهذا الحجم حتى دون الحاجة للتواجد وراء الدفة .. سأريك اياها مرة .
- بس فى وقت ميكونش فيه السيد آدم هناك .
ضحك فراس وقال :
- هذا صحيح .. حتى نحن أصدقاؤه أحيانا نجد صعوبة فى التعامل معه .
سرت زينة بالوقت القليل الذى خصصه لها فراس فقد تجاهلها الجميع ماعداه وفى المساء قامت زينة بمساعدة بيدرو فى تحضير العشاء وأبدى الشاب سعادته برفقتها
- أنا سعيد بأنك هربتى على مركبنا .. فأحيانا كثيرة كنت أشعر بالملل وحدي .
سألته زينة وهي تناوله قنينة الزيت التى طلبها
-
أنت منين تحديدا .. أسمك اسباني وبتتكلم اللغة العربية بطلاقة .
- أنا نصف مغربي من جهة أمي ونصف اسباني من جهة أبي ... والديا كانا يعملان لدى أسرة السيد حميد وهي من الأسر المغربية العريقة ويتنقلون ما بين اسبانيا وموروكو وهكذا تقابل والديا وتزوجا .
ابتسمت زينة وقالت :
- والمركب ده يبقى ملك السيد حميد ؟
- لا أنه ملك للسيد آدم .. ولكن حميد هو من رشحني للعمل معه بعد أن أنهيت فترة تطوعي بالبحرية الأسبانية وتقاعد القبطان علي الذي كان يعمل هنا قبلي .. سيد حميد أراد أن يساعدني فأنا مقبل على الزواج .
- ربنا يتمملك بخير والف مبروك مقدما .
- شكرا .. وقد وعدني أن يجد لي عمل دائم عندما تنتهي الرحلة .
دهشت زينة من الحب والأحترام الذي ظهر فى كل كلمة قالها بيدرو عن حميد وهذا يخالف وجهة نظرها عنه .. فهي تراه فاسقا بلا أخلاق .. وكما أمتدح حميد ذم فى شقيقته جليلة قائلا :
- أنها متعجرفة على عكس بقية عائلتها .
وأخبرها وقد أخفض صوته وهو يقول
- لقد كانت متزوجة من أمير اسبانى .. اعلن اسلامه وتزوجها ضد رغبة عائلتها فقد كان يكبرها كثيرا فى العمر وما سمعته من والدي أنه كان يعاملها بطريقة سيئة جدا وقد مات منذ عامين فعادت لتقيم مع عائلتها .
وهنا عرفت زينة لماذا قدمها لها فراس على أنها أميرة .
ودون أن تسأله عن المزيد تطوع بيدرو فى اخبارها عن بقية الموجودين ..
- الثلاثة أصدقاء دراسة .. آدم شخص جيد وهو رب عمل جيد ولكنه يعاني من مشكلة مع مزاجه أحيانا .. فعندما يغضب يثور كالبركان ويصير مرعبا .. لقد تسببت فى تعطل محرك القارب فى اليونان فكاد أن يقتلع رأسي .
أتسعت عينا زينة بخوف فضحك قائلا
- لا تخافي .. تجنبي فقط اغضابه وستكونين بخير .
ثم أخبرها عن فراس
- أنه كريم جدا .. طيب ومتواضع الى أقصى حد على عكس زوجته .. أنه يستحق من هي أفضل منها .
أبتسمت زينة بحزن .. فكاميليا تشبه كثيرا نبيلة ومن على شاكلتها فسألته
- ونيكول .. أنت مقولتليش حاجة عنها .
قال ماطا شفته السفلى
- أنها ليست سيئة جدا .. لطيفة ولكنها تسير خلف السيدتين ولا تتحدث كثيرا .. ولا أظن أن السيد حميد سيحتفظ بها معه لمدة طويلة فهو دائما ما يغير صديقاته بوقت قصير .
قالت بدهشة
- يغيرها ؟ .. انا افتكرت انه بيحبها .
أبتسم لها بأشفاق
- أنه لا يحب أحدا لمدة طويلة .
بالطبع لا يحبها والا ما كان أستجاب لأغراء كاميليا .. وأرادت أن تسأله عن علاقة آدم بجليلة ولكنها أمتنعت فتابع بسرور معيدا كلامه الأول
- أنا سعيد حقا لأنك هربتى على متن قاربنا .
أبتسمت له بكآبة وقالت
- اخاف أقولك أني مش هكون معاكم فى رحلتكم وأني هسيبكم فى المينا اللى جاى .
رأت خيبة الأمل على وجه الشاب ولكنها لا تريد أن تعطيه أملا زائفا ولا أعطاء مثله لنفسها حيث أنها تتوقع أن يطلبوا منها الرحيل عند أول فرصة .
أنضمت زينة اليهم أثناء تناول طعام العشاء لهذه الليلة بناء على دعوة من فراس وقد أعارتها نيكول بنطال جينز وتى شيرت وكانت هى من أعارتها الملابس السابقة أيضا , شكرتها زينة وهي تأخذهم منها فضحكت لها نيكول وقالت
- ان أحتجتى لأي شئ أطلبيه ولا تخجلي مني .
أعجبت زينة بنيكول وشعرت بأنها مختلفة عن كاميليا وجليلة حتى وان كانت لا ترضى عن طريقة حياتها وطبيعة علاقتها بحميد .. أن تنام معه فى غرفة واحدة كالأزواج وهم ليسوا كذلك .. وكان الأغرب هو تقبل الباقين لتلك العلاقة على أساس أنها شئ طبيعي ..ولكن وبمجمل الأشياء السيئة التى رأتها وأكتشفتها فى هذا العالم ما كان يجب أن تصدمها هذه الأمور .
لاحظت أثناء تناولهم للعشاء أن نيكول قليلة الثقة فى نفسها وعندما تشارك برأيها فى أمر ما .. كانت تنظر بتوتر فى وجوه الاخرين لتعرف ردود أفعالهم على ما قالت ... فربما تجد نفسها دخيلة على زمرة من مجتمع لا تنتمي اليه حقا .. وفكرت زينة بأسف عليها وهي ترى فيها أختها نبيلة .. أنها مجرد شئ للمتعة بمقابل .. ولكن مقابل ماذا ؟ .. المال ؟.. العيش برفاهية لبضعة أيام ؟ .. صعب أن تصدق أنه من أجل الحب ثم نظرت الى كاميليا التي أظهرت ببراعة وبما لا يدع مجالا للشك أنه ليس هناك أحد فى هذا الكون أهم لديها من زوجها .. أنها حقا ممثلة بارعة .. وهنا أيضا لا يوجد حب .. حب مع خيانة لا يجتمعان .. أنتقلت عيناها للحظة الى جليلة .. ونظراتها الحادة والمسلطة على آدم البارد المتصلب الذي لا يلين .. وهذا أيضا ليس حبا فلا يوجد رقة فى النظرات بل صراع ارادات .. ربما يكون الأمر فقط رغبة فى الأمتلاك .
لم تعد زينة تشعر بالراحة وهى بينهم وكانت تتمنى لو أنها تناولت طعامها بمفردها أو بصحبة بيدرو .
رفعت رأسها مصادفة لتجد أن كل من ادم وحميد وفراس ينظرون بأتجاهها وأدركت أنها قد توقفت عن الأكل وغرقت فى أفكارها الكئيبة بطريقة لفتت الأنظار اليها وقال لها فراس مبتسما بأشفاق
- لماذا لا تأكلين ؟ .. ألم نعدك أننا سنساعدك للعودة الى بلدك سالمة .
أبتسمت له ممتنة وعادت لتهتم بطعامها
**********************
جلس خالد لأكثر من نصف ساعة يحدق في ملابسها الممزقة بين يديه والملطخة بدمائها ... لقد أمر جميع العاملين بتفتيش كل ركن فى هذا اليخت حتى عثروا على تلك الملابس .. كان يمنع بصعوبة دموعه من الأنهمار ..
لقد جاء اليوم الذي تجعله فيه امرأة يبكي من أجلها .. كان وهو ينظر اليهم يتخيل ما حدث لها على يد ذلك الرجل .. مزق ملابسها واعتدى عليها .. أغتصبها والدماء خير دليل على ذلك .. لن يرحمهم جميعا وأولهم نبيلة .. سوف يذيقها من العذاب ما يجعلها تتمنى الموت عن ذلك العذاب .. ولكن أولا يجب أن يجد زينة .
عاد لينظر الى عبدالله المقيد أمامه على مقعد فى غرفة المحركات والكدمات تغطي وجهه والدماء تنزف من أنفه وجانب فمه
- أنا عارف انك آخر واحد ساب اليخت فى الليلة دى .. انت هربتها معاك ؟
لم يقل عبدالله شيئا وظل ينظر اليه بتحدي لقد تحمل الضرب المبرح من رجاله رافضا أن يعطيهم أي معلومة عنها .. لقد قرر أن يحمي تلك الفتاة ولو على حساب حياته
- أنا مش عايز أأذيك لو كنت أنقذتها بجد .. ده انا هكفأك عشان انقذتها بس عرفنى هى فين دلوقتى ؟
هز رأسه قائلا
- لن أخبرك .. أنها فى آمان بعيدا عن أمثالك فأتركها لحالها .
أغلق خالد عينيه وابتلع غصة .. أنها بأمان بالفعل بعيدا عن هنا ولكنها ليست بخير .. ليس بعد ما حدث لها .. نظر اليه وقال :
- أنت فاهم غلط ... مش انا السبب فى وجودها هنا .. زينة تبقى خطيبتي وكنا هنتجوز قريب .. وتأكد أني هنتقم لها من اللى اتسبب فى وجودها هنا .
- قالت أنك وأختها خدعتماها للمتاجرة بها .
عاد يغلق عيناه بألم .. بالطبع هذا ظنها به بعد ما عرفت عنه .. بالطبع هي الأن تكرهه بعد أن عرفت حقيقته .
عاد ليسأله
- انت هربتها على المركب الشراعي اللي روحت تصلحه ؟
صمت عبدالله من جديد ولم يرد ووقف خالد صارخا فيه بغضب
- الشئ الوحيد اللي بيمنعني عن قتلك لسكوتك ده هو مساعدتك ليها فى الوقت اللي مكونتش موجود فيه عشان انقذها انا بنفسى .
ثم وقف معتدلا وتابع
- هسيبك تمشى .. بس عشان خاطرها .. وأنا هعرف الاقيها بطريقتي .. وعايزك تكون متأكد أنى مش هرتاح الا لما الاقيها
***** ملاك فى قبضة الشياطين
***** الفصل الحادي عشر
---------------------------------
وقفت زينة تقبض بيدها على سور القارب وتنظر الى ميناء باليرمو .....
وقد أنتشرت مراكب الصيد واليخوت حول المرفأ فبدت لها من بعيد حيث يرسو مركبهم كلعب الأطفال , كانوا قد توقفوا خلال الأيام السابقة عند عدة جزر صغيرة حول ايطاليا وجزيرة سردينيا ولكن دون الأقتراب من الجزر والمدن الكبرى ..
كانوا يقومون بالغطس والصيد وزيارة الجزر لشراء المؤن وتناول الطعام على السواحل أحيانا ويبدو أن هذا النشاط لم يكن من ضمن خططهم فقد لاحظت تذمر النساء الثلاثة وتأففهم من تغيير مسار الرحلة وعبرت جليلة عن رأي الأخريات قائلة وهم يرسون بالقرب من جزيرة ليبارى قبالة ساحل صقلية
- بصراحة .. الى الأن لا أفهم السبب الذي يجعلنا ندور حول أنفسنا بهذا الشكل .. كان من المفترض أن نكون بميلانو منذ يومين على الأقل .
قال حميد متأففا
- ألا تشبعان من التسوق أبدا ؟ .. ما نفعله الأن هو المعنى الحقيقي للأبحار وليس التنقل بين الفنادق ومتاجر الملابس ومراكز التجميل .
كانت زينة راضية ومستمتعة على العكس منهن وبرغم القلق الذى كان يعتمل فى داخلها على مستقبلها الا أنها أستمتعت بزيارة هذه الجزر والتمتع بالمناظر الجديدة وتأخيرها عن مواجهة مصيرها المجهول ولكن ..
ها هى آخر ساعات لها معهم ولا تعلم ما ينتظرها بعد ذلك .. لم يعد الأمان أمرا مسلما به كما فى السابق حيث كانت تستيقظ فى فراشها وهى متأكدة من عودتها للنوم فيه ليلا .. أنها الأن لا تعرف ماذا سيفعلون بها .. هل سيسلمونها الى الشرطة ليقوموا بترحيلها .. وهل ستضعها الشرطة فى السجن ليتحروا عنها أولا وبذلك سيعرفون بالجريمة التى أرتكبتها ؟ .. وهل سيصدقونها عندما تقسم لهم أنها كانت تدافع عن نفسها ؟ ..
سمعت أصواتا آتية من المياة بالأسفل , مالت زينة على الحاجز ورأت ادم وحميد وفراس وبيدرو يسبحون بأتجاه القارب وأقنعة الغطس تتدلى من أعناقهم
صعدوا الى القارب وهم يضحكون ويتمازحون , رآها حميد أولا وأبتسم لها بمرح وهو يتجه نحوها بحماس
- زينة .. لماذا لم تنضمى الينا ؟
- أنا معرفش حاجة عن الغطس .
قال مشجعا يعرض عليها العرض الذي لا ييأس منه
- سأعلمك .. ستحبينه أنه متعة حقيقية .. هيا بدلى ملابسك وتعالى لأعطيكى أول درس .
لم يتسنى لها الرد وكالعادة جاء صوت ادم حادا من خلفه
- انا قلتلك قبل كده انها مبتعرفش تعوم ومش عايزة تتعلم الغطس .. ليه بتلح عليها ؟
غمز لها حميد بعينه وهمس بمرح قبل أن ينصرف
- هذا الرجل يعرفنى جيدا .. أنه يحاول حمايتك منى .. وفى الحقيقة لا ألومه .
أنصرف وهو يصفر بمرح وأبتسمت زينة رغما عنها ... فحميد رغم عيوبه التى لا ترضى عنها الا انه خفيف الظل ومشاغبا ولا يكف عن المزاح طوال الوقت
وقد حاول سابقا أقناعها بالنزول الى البحر وأضطرت أن تخبره كذبا أنها لا تعرف السباحة وتخشى الماء وكانت فى الحقيقة تخجل من أرتداء ثوب السباحة الذى أعارتها نيكول لها ,
ألتقت نظراتها بنظرات ادم وهى مازالت تبتسم فأشاح بوجهه عنها بضيق فتجمدت الأبتسامة على شفتيها .. أنه يكرهها ولا تروق له ولقد تأكد لديها هذا الأحساس وأصبح يقينا الأن .. فطوال الأيام الماضية كان يتجاهلها وفى نفس الوقت يراقبها كالصقر ويجعلها بأستمرار تعرف حجمها الحقيقى فلا تزيد معاملته لها عن معاملته لبيدرو وأحيانا تكون أقل من ذلك .. ومن ناحيتها لم تكن تشارك كثيرا فى الأحاديث والنشاطات التى يقومون بها مما جعلها تبقى على مسافة من الجميع خاصة هو .. فحميد يتفنن فى ايجاد الفرص للكلام معها فى غفلة من آدم ومداعبتها واطلاق النكات لأضحاكها وفراس يحاول بأستمرار دمجها بينهم والأهتمام براحتها .
أقترب فراس منها وهو يضع منشفة حول كتفيه وسألها مازحا
- ما هو أحساسك وأنتى سوف تفارقيننا قريبا ؟ .. أنا عن نفسى حزين وأتمنى لو تظلى معنا لبقية الرحلة .
لأول مرة يفاتحها أحد بموضوع الرحيل والدموع التى كبحتها منذ أيام هددت بالأنهمار فأطرقت برأسها
سألها برقة
- هل أشتقتى الى أسرتك ؟ .. سيقوم ادم بالأتصال بصديق مهم له فى وزارة الخارجية ليساعدك على السفر دون الحاجة الى أتباع الأجراءات الروتينية الطويلة التى تتخذ فى مثل حالتك.
ردت بصوت مبحوح تخالجه العبرات
- أنا مش عايزة ارجع مصر ... هشوف اى شغل هنا فى أوروبا .
- ولماذا ؟ .. أنا واثق من أن والديك سيتفهمان موقفك .. أنتى تقولين ان والدك رجل حكيم وله قلب طيب و ..
قاطعته بأسى والألم يعصر قلبها عند ذكره لوالدها الذي لا تعرف كيف هو شعوره الأن من أختفائها وهى لا تستطيع أن تخبره بالسبب الحقيقى
- صعب أنى أرجع أعيش فى بيت واحد مع نبيلة بعد اللى عملته فيا .. الموت عندى أهون من مواجهة بابا وفضحها قدامه .. كفاية خيبة أمله فيا ... ده مريض قلب ولما قبلت بالشغل على اليخت اللى كنت فيه كان عشان أوفر مصاريف عمليته الجراحية واللى حتى مش عارفة ان كان عملها والا لا .. بالرغم من أنى بتمنى أنه ميكونش عملها بالفلوس النجسة دى .
أنصرفت من أمامه بسرعة بعد أن عجزت عن كبح دموعها ,
كانت تقف فى المطبخ تعد أبريقا من الشاى عندما نزل ادم وراح يتفحص وجهها الباكى عابسا , أنكمشت ملتصقة بالخزانة عندما دخل الى المطبخ وقد مد يده الى الرف فوق رأسها ليأخذ كوبا فارغا فأنسحبت الى الخلف تفسح له المجال ليصب كأس من العصير لنفسه , لم يكن يرتدى سوى سروال السباحة القصير وهو أكثر أحتشاما من الذى كان يرتديه فراس وحميد ولكن تأثير وجود آدم قربها كان أكثر وطأة على أعصابها من كلاهما وقد جعلها تشعر بالحرج وعدم الراحة
- انا عايز اتكلم معاكى فى موضوع .
أنتفضت زينة بخوف بلا سبب وتراجعت خطوة حادة الى الوراء مما دفعه ليهتف بغيظ قائلا :
- اشمعنى أنا الوحيد اللى بيلاقى ردة الفعل دى منك ؟ .. انتى معتقدة انى مغتصب أطفال والا انا أشبه الراجل اللى حاول يعتدى عليكى ؟
شهقت زينة .. لا يمكن ابدا مقارنة ذلك الرجل المثير للقرف به , وضايقتها أيضا فكرة أنه يراها طفلة .. هذا ان كان يعتبر سن الخامسة والعشرين سن طفولة ؟
ردت عليه متلعثمة
- أنا آسفة .. مكونتش اقصد ...
هذا كل ما أستطاعت قوله وتوقفت .. أنها فى الواقع تشعر بالخوف الشديد منه .. ربما بسبب فظاظته معها وأحساسها انه لا يحبها أو لأنها أصبحت حذرة من كل الرجال ولم تعد تثق فى نواياهم ولكنها فى نفس الوقت لا تشعر بهذا الشعور تجاه حميد وفراس أو بيدرو .. لذلك أضطرت للأعتراف أنه كان محقا .. فهو يشبه شخصا آخر تكرهه بشدة وتحاول قدر الأمكان عدم التفكير فيه رغم صعوبة ذلك .. أنه يشبه خالد .. ليس فى الشكل وانما فى الطباع .. فطباعهما تتشابه الى حد كبير .. كلاهما صارم وسريع الغضب .. مسيطر ولا يتقبل الخطأ .. كلاهما له وجود طاغي ويستطيع أن يكبل روحك بنظرة أو أقل حركة منه .
سألها ساخرا
- ايه هو اللى مكانش قصدك بالظبط ؟
توترت أعصابها وهو يطل عليها من أعلى ونظراته الحادة تحاصرها فلوحت بيدها بعصبية وأندفعت تقول أول شئ خطر على بالها دون تفكير
- بصراحة أنا مش متعودة انى اقف واتكلم مع راجل عريان
تراجعت رأسه بحدة وكأنها صفعته وقال :
- عريان ؟
وتمتم بكلمات غير مفهومة وتصاعدت الحرارة الى رأسها .. ها قد أغضبته بحماقتها مره اخرى
- أبعدى .
سألت ببلاهة
- ايه ؟
قال بحدة
- قلت أبعدى من قدامى .
كانت تسد عليه طريق الخروج بجسدها فأفسحت له الطريق وهى حريصة على أن لا يلمسها أثناء مروره بجوارها فزادت حركتها من أستفزازه فلعن وضرب الحائط بقبضة يده وهو يخرج .
نظرت زينة الى كأس العصير الذى تركه خلفه وقررت بأحباط وهى تهمس فى نفسها :
- هروح ادهوله بس بعد ما يهدى شوية .. ده لو مرمانيش برة مركبه قبل ما اروحله .
****************
تم رص الحقائب على السطح ليقوم بيدرو بأنزالها الى الزورق وظهرت السيدات بأناقتهن التى تخطف الأبصار يرتدين قبعات واسعة الحواف لتقيهم أشعة الشمس وكان يملئهن الحماس والاثارة .. فبعد أيام فى الابحار يتشوقن لقضاء يومين فى فندق فخم حيث يجدن الخدمة الجيدة ومراكز التجميل والتسوق ,
فكرت زينة باحراج أنها ستضطر أن تطلب منهم أن يعيروها بعض المال الى أن يستقر بها الحال .
نزل فراس وحميد أولا الى الزورق ثم ساعدا السيدات بالنزول وعندما همت زينة باللحاق بهم أمسكها ادم من ذراعها وسحبها خلفه فنظرت اليه متسائلة .. ولكنه تجاهلها وهو يحل الحبل ويلقى به الى حميد , صرخت جليلة بحدة
- ادم .. لماذا لم تنزل ؟
رد بهدوء
- هبقى احصلكم بعدين .. عندى شغل مهم لازم اخلصه الاول .
أشارت الى زينة وقالت وهى تثبت قبعتها على رأسها بيدها الأخرى
- وماذا عن هذه ؟
لم يجبها وأشار الى بيدرو لكى ينطلق ,. لوح لهم حميد وفراس والزورق يبتعد متجها الى الميناء وأخر ما طبع فى عقل زينة هو وجه جليلة الغاضب وهاجمتها حفنة جديدة من الأسئلة .. لماذا لم تذهب معهم ولماذا أبقاها ادم معه ؟ وماذا يريد منها ؟ أستدارت اليه ولكنه كان قد أختفى , ذهبت لتبحث عنه ولم تجده .. لا فى حجرة الجلوس ولا فى كابينة القيادة أو فى أى مكان على السطح والمكان الوحيد المتبقي كان غرفة نومه وهي لن تجرؤ على الذهاب اليه هناك فجلست على السطح حتى يقرر بنفسه الظهور.
مرت ساعتان وزينة جالسة تحت المظلة على السطح وقد كانت تأمل أن تقيها حرارة الشمس القوية ولكن الجو كان خانقا وجعلها تتصبب عرقا وتساءلت بحنق .. أين ذهب نسيم البحر المنعش ؟ جعلها الضيق من حرارة الشمس تكره ادم اكثر .. وفهمت انه يعاقبها على طريقة حديثها معه فى الصباح .. شخص مثله مغرورا ومتكبرا لن يجعلها تذهب دون عقاب مناسب , جليلة ايضا تكاد تجن من معاملته الباردة والمتعالية معها .
- أنتى هنا ؟ . آسف خليتك تستنى كتير.
ظهر أخيرا وكان قد بدل ملابسه وبدا منتعشا وشعره مبتلا فشعرت بالغيظ , تقدم منها وأبتسامة ساخرة على شفتيه , كان يكذب فهو لا يبدو آسفا أبدا .. بل سعيدا بمضايقتها , لم ترد وأكتفت بالنظر اليه , جلس فى المقعد المواجه لها وقال متسليا وهو يتناول كوب الكولا الخاص بها
- راح فين لسانك ؟
ضغطت على شفتيها بقوة خوفا من ان تقول شيئا يغضبه منها فهما الأن وحدهما ولا يوجد من تحتمى به , تراجع الى الخلف فى مقعده براحة أكبر وهو يرتشف المشروب المثلج بأستمتاع
قال بهدوء بعد قليل يشرح لها
- أنتى مش معاكى جواز سفر ولا أى أوراق اثبات شخصية ... وعشان كده مكونتيش هتقدرى تاخدى تصريح خروج من الميناء .. هيحاول فراس وحميد انهم يطلعولك تصريح خاص بحجة فقدانك لأوراقك .
قالت بحدة
- وليه مقولتليش كده من الاول وسبتنى فى حيرة كل الوقت ده ...
توقفت عندما أدركت أنها بدأت تحتد فى كلامها وقال آدم بضيق
- حاولت أنى أعرفك الموضوع ده الصبح لكن انتى مكونتيش عايزة تسمعينى .
كان هذا عندما قال بأنه يريد التحدث معها , حاولت أن تكون مهذبة وقد تلون وجهها بحمرة الخجل
- آسفه لأنك مروحتش معاهم عشانى .. دى مدام جليلة كانت زعلانة عشان مروحتش معاهم .. ليه مطلبتش منها انها تقعد معانا على الأقل ما .. ما تحسش بالملل .
أبتسم ساخرا فقد فهم تخوفها من البقاء معه بمفردها وقال
- جليلة كانت زعلانة عشان مروحتش معاهم صحيح بس كانت هتزعل أكتر لو خليتها تقعد بس عشان خاطرك .. وانا قلتلك قبل كده أن مفيش خوف عليكى منى ,,أنا مقدر ظروفك وبحاول اساعدك بقدر أستطاعتى وكنت ناوى اكلم أحد أصدقائى فى وزارة الخارجية عشان يسهل رجوعك لمصر بس غيرت رأيي ...
قاطعته بمرارة تقول كمن يشعر بالغدر
- غيرت رأيك وبقيت مش عايز تساعدتى لأنى ضايقتك وزعلتك الصبح ... مش كده ؟
جز على أسنانه بغيظ
- بتخلينى بسبب غبائك وسرعة استنتاجاتك الفظيعة انى ببقى عايز اشيلك وأرميكى فى البحر واخلص من سوء ظنك اللى بتلاحقيننى بيه على طول .
قالت بضعف والدموع تلمع فى عينيها وقد أنهارت فى لحظة كل محاولاتها للتظاهر بالشجاعة
- أنا آسفة .. والله ما عارفة ازاى أو بايه أفكر .. خايفة .. خائفة وحاسة أنى وحيدة .. مش عارفة اثق فى مين بعد ما خدعنى أقرب الناس ليا ... عايزة ارجع لبيتى ومش قادرة .. بيقلقني التفكير فى حال بابا وماما وازاى هتقبلوا فكرة أختفائي أو يمكن يكونوا عرفوا من نبيلة بالمكان اللي روحته فخاب أملهم فيا .
وانخرطت فى البكاء بشدة فوقف ادم من مقعده وسار الى حاجز المركب وأعطاها ظهره وبعد لحظات أستدار اليها بوجه هادئ جاد بعد أن شعر بأن عاصفة بكاؤها قد أنتهت وقال
- غيرت رأيى لما فراس قالى على القرار اللى اخذتيه بعدم الرجوع لعيلتك وأنك ناوية تفضلى فى أوروبا وتشتغلى فيها .. واللى احنا شايفينه أنك لسة صغيرة ومعندكيش خبرة فى الحياة عشان تبقى لوحدك واتفقنا كلنا أننا نساعدك لو فضلتى مصرة على رأيك .
نظرت اليه بأمل وتابع
- كل سنة كنت بسافر مع حميد وفراس لوحدنا وكنا نعتمد على نفسنا فى كل شئ .. لكن السنة دى الوضع أختلف والحمل بقى ثقيل على بيدرو لأن الستات اللى معانا مش بيرتبوا حتى اللى يناموا عليها وانتى الحقيقة كنتى مفيدة خلال فترة وجودك معانا .. وعشان كده فكرت أن أعرض عليكى تشتغلى على المركب وهيكون بمقابل اجر طبعا وكمان هنسعى لأستخراج أوراق رسمية ليكى عشان لو اتعرضنا للتفتيش البحري يكون وضعك معانا قانونى .. وبعد ما تنتهى رحلتنا هنكون فكرنا فى طريقة تؤمن ليكى مستقبلك ولو قررتى الرجوع لأهلك هنساعدك فى ده كمان .. القرار هيكون ليكى فى أى شئ .
ظلت زينة جالسة فى مكانها بعد ذهابه تشعر بالسعادة ولا تصدق حظها .. فقد أمنت لبعض الوقت ووجدت عملا تجيده ومكانا لن تجد أفضل منه لتعيش فيه .
لم ترى ادم الا وقت الغداء وجاء ليطلب منها ان تصنع له بعض الشطائر وان تجلبهم له فى كابينة القيادة وعندما انتهت من تحضيرهم حملتهم على صنية وأخذتهم اليه وكانت المرة الأولى التى تدخل فيها الى هناك وكما توقعت رأت خرائط ملاحية وأجهزة رادار وبضعة شاشات تشير الى أشياء لا تعرفها وألواح للتحكم واشارات ولمبات .. تماما كما كانت ترى فى الأفلام ... وفى غرفة ملحقة بكابينة القيادة تفصلها عنها نافذة زجاجية بعرض الجدار رأت ادم جالسا وراء مكتب وحاسوبه المحمول مفتوحا أمامه , لم ينتبه لدخولها أو انه تجاهلها فقد وضعت الصينية على حافة المكتب دون ان يجفل او يرفع بصره اليها , فتأملت المكان من حولها بفضول .. بدا كمكتب فى شركة مجهز بكل ما قد يحتاج اليه اى رجل أعمال , لفتت نظرها مكتبة صغيرة عند أحد جدران الغرفة رصت بها مجموعة لا بأس بها من الكتب ودون تردد سارت اليها مبتسمة وهى تدخل الى العالم الذى تعشقه وتربت على الشغف به , فلدى والدها مكتبة تحتوى على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكتب .. يستطيع أن يتنقل فيها المرء بين عوالم من العلوم والفنون .. الأدب والرواية والشعر .. التاريخ والسياسة بكل توجهاتها .. لا يمكن ان يشتهى عقلك لشئ من المعرفة ولا تجده فى مكتبة والدها مختار .. لقد علمها حب القراءة وأحترام صفحات الكتاب وعلمها ان تحت كل غلاف تجد عصارة فكر يجب ان يقدر ويحترم حتى وان اختلفت معه فى الرأى , عرفها أن الكتاب هو صندوق يخفى بين صفحاته خفايا وأسرار جانب من جوانب الحياة ويجعلك ترى الدنيا بوجهات نظر مختلفة وثقافات متعددة .
ترددت زينة أن تطلب من ادم ان يعيرها بعض الكتب لمطالعتها وتمنت أن لا يرفض .. تنهدت وارتسم على وجهها نظرة حنين ثم أستدارت الى آدم ووجدته قد توقف عن العمل وتراجع فى مقعده وكان يراقبها بتأمل , لقد أخذت وقتا فى التفرج على مكتبته ونسيت وجوده .. فقالت بحرج
- آسفة ان كنت عطلتك عن عملك .. ممكن أستعير كتاب أقراه ؟
لوح بيده بلامبالاة وهو يعود الى عمله
- خدي اللى عايزاه .
أنتقت ثلاثة كتب .. روايتين وديوان شعر أخذتهم وخرجت مسرعة , صنعت لنفسها بعض الشطائر وكانت الشمس قد خف قيظها فحملت كتبها وصعدت الى السطح وراحت تقرأ
مر الوقت سريعا وكان قد أختفى جزء من قرص الشمس تحت سطح الماء عندما سمعت صوت زورق يقترب من المركب .. وقفت وأقتربت من الحاجز وقد رجحت أن يكون القادم بيدرو ولكنها فوجئت بعودة جليلة برفقته ورأت أن ادم فوجئ مثلها وهو يستقبلها وكان قد خرج بدوره عند سماعه لصوت الزورق يقترب وقال ساخرا
- جليلة .. غريب رجوعك .
رمقتها المرأة بنظرات قاتلة بعد أن كانت تتجاهلها بتكبر من قبل وقالت ردا على تعليق آدم الساخر
- لم أشأ أن نتركك جميعنا وحدك .. فلا ذنب لك فى كل هذا .
ورغم كره المرأة الواضح لها الا أن زينة قد شعرت بالراحة لعودتها .. ففكرة أن تقضى الليل وحدها مع رجلين غريبين لم ترق لها .
ضحك بيدرو بخفوت ومال على اذن زينة قائلا
- لقد جعلت الساعات الماضية جحيما على الجميع بسبب عدم ذهاب السيد آدم معهم.
ردت بخفوت مماثل
- أعتقد أنهم فرحانين دلوقتى بالتخلص منها .
ضحك بيدرو بمرح وقال
- بالفعل .
ضحكا معا بمرح حتى جاء صوت آدم حادا لاذعا كالكرباج من أعلى عند كابينة القيادة
- مفيش شغل تعملوه بدل وقفتكم دى ؟
تحركا بسرعة بارتباك .
بعد العشاء دخلت زينة الى غرفتها متجهمة وتشعر بالضيق .. لقد أستفزها سلوك جليلة الغير لائق فى تعاملها مع آدم والملابس التى اختارت أن ترتديها فى غياب شقيقها .. صحيح أنه لا يعلق ولا يعترض على أرتدائها لأثواب السباحة المكشوفة جدا ولا مطاردتها المستمرة لآدم ولكنها لم ترتدي ثوبا فاضحا كهذا أبدا فى وجوده كما أنها لن تجرؤ على الألتصاق بآدم ومداعبته بتلك الطريقة الوقحة أمامه .
جلست زينة غائمة الوجه على طرف الفراش .. لقد خاب أملها به .. ظنته أفضل من فيهم .. لديه شرف ويحترم صديقه ويصون عرضه ولكنه لا يختلف شيئا عنهم .. لقد تجاوب آدم مع جليلة .. لم يصدها ولم يهتم بوجود متفرجين عليهما فلا يفصل غرفة الجلوس عن المطبخ شئ .. وكان يهمس بأشياء فى اذن جليلة طوال الوقت تجعل ضحكتها الموسيقية تجلجل فى المكان وفى مرة قبلته على وجنته قبلة طويلة أحمر لها وجه زينة حرجا وهي تجبر نفسها على عدم النظر تجاههم وكان قد أمسك بعينيها مرة وهي تنظر اليهما عابسة بغضب فما كان منه الا أن أبتسم لها ساخرا وبعد أنتهاء العشاء كان بيدرو قد تركها لتنهي جلي الصحون وحدها وعندما كادت أن تنتهي فوجئت بآدم يقف خلفها مستندا بظهره على البار فسألته بفظاظة لم تقصدها
- نعم ؟
رفع حاجبيه بتساؤل ساخر فحسنت صوتها وتابعت بلهجة أحترام
- حضرتك عايز حاجة يا استاذ آدم ؟
ضحك وهو يقول
- لا .. روحى على اوضتك مش هنحتاج حاجة منك الليلة .
أتسعت عيناها بشدة وخفق قلبها .. فهمت أنه يريد صرفها ليستفرد بجليلة .
**************
وقفت نبيلة أمام فراش والدها المريض بجسد متوتر وهو يقول لها :
- يعنى ايه مبتردش على التليفون ؟ .. دى بقالها خمس أيام على سفرها ومتصلتش بينا ولا مرة واحدة ودى مش عادتها .. كانت لو تأخرت فى الشغل لاى سبب ولو لدقايق كانت بتتصل عشان منقلقش عليها .
ردت نبيلة بصوت مرتبك وهي تتحاشى النظر الى عينيه
- يمكن يكون شغلها بالليل .
هز رأسه بقوة وقال بقلق
- لا .. لا ده مش عذر .. أنا من البداية مكونتش مرتاح لسفرها .. وكنت حاسس بها قلقانة ومش سعيدة بالسفر .
قالت نبيلة بسرعة
- هحاول أتصال بادارة الفندق وأسيب لها رسالة عشان تتصل بنا .
- ايوة اتصلى بادارة الفندق واسألى عليها والا هضطر أنى أسافر ليها بنفسي .
تدخلت أمها قائلة وقد كانت تجلس صامتة على طرف الفراش
- بس اهدى انت عشان ميزيدش تعبك يا مختار .. ان شاء الله هتتصل بينا وهنطمن عليها .
- لا .. قلبي مش مرتاح .. أنا حاسس ان البنت فى مشكلة .
فى تلك اللحظة رن جرس الباب فانتفض جسد نبيلة دون سبب وسألها أبيها بشك وريبة
- ايه مالك ؟
قالت بوجه شاحب
- مفيش حاجة .. أنا كويسة .
كانت أمها قد وقفت وهي تقول
- هروح اشوف مين اللى جاى فى الوقت ده
أمسكت نبيلة بذراعها وقالت بخوف وصوت خافت
- ماما .. بلاش تفتحي الباب .
سألتها أمها بدهشة وهي تنظر الى وجهها المذعور بقلق
- ليه يا بنتي ؟
أصبح جسدها يرتجف بشكل ظاهر وجرس الباب عاد ليرن بألحاح , تقطعت أنفاسها وهي تقول برجاء أقرب الى التوسل
- بلاش تفتحي أرجوكى يا ماما .
ثم فكرت بشكل محموم .. كان عليها أن تهرب قبل مجيئه .. لقد أتصل بها كثيرا ولكنها أغلقت هاتفها كى لا تجيبه .. وكانت تعلم أنه سيأتي من أجلها .. بالتأكيد أكتشف ما حدث وسيأتي لينتقم منها خاصة وقد جاءتها أخبار بأن زينة قد أنتحرت .
صاح والدها بصرامة فى أمها التى وقفت حائرة وقلقة وقد جلس مستقيما بتحفز
- روحى أفتحي الباب .
استدارت اليه نبيلة واصطدمت بنظرة عنفة فى عينيه فأخفضت نظراتها .. لن يسامحها والدها أبدا عما فعلته بزينة وبنفسها .. لن تجد بقلبه المريض مثقال ذرة من رأفة بها عندما يعرف بجريمتها لذلك أحتفظت بالمال لنفسها .. سوف تهرب بعيدا بالطفل الذي بأحشاءها .
صاحب رنين الجرس طرقات عنيفة على الباب فأسرعت أمها لتفتح الباب وقالت بتوتر.
- خالد .. ازيك يا بني ؟ .. حمد الله على السلامة .
- فين زينة ؟
- زينة مسافرة في ..
- هي مرجعتش ؟ متصلش بيكم ؟
- لا هى ..
كانت نبيلة قد خرجت خلف أمها ووقفت من بعيد تتنصت عليهما وعندما سـأل عن زينة راودها أمل بأنها لم تمت كما سمعت .. ومالت فى تلك اللحظة قليلا لتنظر اليه ثم شهقت بفزع عند رؤيته .. .. اخترقت نظراته العنيفة أمها وقد شعر بوجودها وركز نظره عليها وببضعة خطوات كان بالداخل .. صرخت نبيلة بذعر وحاولت الهرب عائدة الى غرفة والدها ولكن خالد كان قد لحق بها بسهولة وجذبها من شعرها بعنف .. صرخت أمها من خلفه
- انت ايه اللى بتعمله ده .. سيب بنتي .
ولكنه تجاهلها قائلا بعنف
- كنتى فاكرة انك هتفلتى بعملتك دى .. عارفة ايه اللى عملتيه فيها ؟
تلوت نبيلة بعنف وصرخت به
- عملت فيها اللى كنت انت عايز تعمله فيا .. كنت عايز تتجوزها هي .. وأنا تبيعني فى سوق النخاسة .
جذب رأسها الى الخلف بعنف
- لأنك رخيصة حقيرة وده اللى تستحقيه .
دفعته عنها بقوة وسقطت اثر ذلك على الأرض تزحف بعيدا عنه وكان والدها قد خرج ووقف بينهما بوجه أزرق من القلق والمرض وقد وقفت أمها مذهولة عاجزة عن التحرك أو الكلام
- هو ايه اللى حصل لبنتي زينة ... عملتوا فيها ايه أنتوا الأتنين ؟
وقف خالد ينظر الى نبيلة وهى على الأرض يمنع نفسه بصعوبة من خنقها وهي تقول بحقد
- اتخلصت منها .. لان مكنش المفروض تكون فى حياتي من الأساس .
شهقت أمها بالبكاء
- ايه اللى عملتيه فيها يا بنتي ؟ .. فين أختك ؟
صرخت بها بجنون
- هى مش أختي .. انتى فاهمة ؟ .. عمرها أبدا ما كانت أخت ليا .. ومكنش المفروض انها تكون فى حياتى
رد عليها والدها بأنهاك شديد
- لأ .. ده اللى كان مفروض علينا أننا مكناش جبناكى للدنيا .. لكن اللهم لا أعتراض .. اللهم لا أعتراض .
ثم استدار عائدا الى غرفته بخطوات متثاقلة وهو يردد جملته بلا توقف .. فأسرعت أمها اليه تحيطه بذراعيها لتسنده .
وجدت نبيلة نفسها وحدها مع خالد فهبت واقفة بذعر واسرعت تعدو تجاه غرفتها وتحاول اغلاق بابها بسرعة ولكنه لحق بها وأمسك برقبتها مستمتعا برؤية أحتقان وجهها وصوت حشرجة حنجرتها وهو يعصرها بأصابعه قائلا بكراهية شديدة
- متخافيش .. مش هقتلك دلوقتى .. هرجعلك لما الاقيها وساعتها هقتلك قدام عينيها .
قالت بصوت متحشرج
- أنا حامل بأبنك .
لم يهتز لتصريحها وقال بصوت كالفحيح
- أقتليه .. أنا هتقلكوا انتوا الاتنين على أى حال .
ثم دفعها بقوة فسقطت على الأرض بعنف .. جلست على الأرض تلهث وتشهق بالبكاء وسمعت باب الشقة وهو يغلق خلفه بعنف بعدها سمعت صوت نحيب أمها يأتي عاليا من غرفة والديها فأنتفض جسدها
- بابا .. لا .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ما ان جلس خالد فى سيارته حتى أخرج هاتفه المحمول وطلب رقما وبعد لحظات قال بالأنجليزية ..
- ألم يظهر أثر للقارب بعد ؟
ثم قال بلهفة بعد أن استمع لمحدثه
- جهز اليخت للأبحار وسوف أكون عندك خلال ساعات .