expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية سل الغرام للكاتبه مريم غريب كامله عندنا بس من البارت الاول حتي البارت الخامس

 ( 1 )


_ شيء من الشوق ! _ 


مرت خمسة عشر دقيقة منذ أن تلقى أغرب مكالمة هاتفية من صديقه الحميم، كان مفادها المقتضب بالغ للإبعاث على القلق، مع مراعاة إنقطاع روابط الإتصال بينهما لعدة أشهر منصرمة، فضلًا عن عدم رؤية أحدهما الآخر لأكثر من عام و نصف تقريبًا ...


" أنا لسا نازل من الطيارة. قابلني في قصر البحيري كمان ربع ساعة ! "... لم يسمع "عثمان" من صديقه "مراد" أكثر من ذلك، ليترك أعماله العالقة و كل ما بيده و يغادر شركته مستقلًا سيارته الفارهة متجهًا إلى بيته مباشرةً ...


وصل خلال دقائق قليلة، و قد كان كل شيء على ما يرام _ كما يرى _ !


فها هو القصر المهيب يعمه السكون و الهدوء مثل المعتاد، و هو الذي خال بأن لمن المؤكد حدوث كارثة كي ما يتحدث "مراد" على هذا النحو الجلف الذي لا يلائمه بتاتًا، و علاوة عليه يقطع الإتصال فجأة ثم يغلق هاتفه تمامًا !!!


ألا يعتبر هذا تصرفًا مريبًا ؟ ما الذي أصاب ذاك الـ"مراد" يا ترى ؟؟؟


-في إيه يا عمي ؟ إيه إللي حصل؟! .. صاح "عثمان" متسائلًا و هو يجتاز ممر المدخل وصولًا إلى البهو الواسع


إلتفت "رفعت" إليه.. كانت "فريال" تقف إلى جواره، تحمل بين ذراعيها "يحيى" الصغير الذي أتم عامه الثاني منذ أشهر قليلة فقط ..


كانت تعابير وجهها لا تقل توجسًا عن تعابير وجه "رفعت" الذي رد على إبن أخيه مجفلًا بتوتر :


-عثمان ! كويس إنك جيت. مراد كلمني من شوية و قالي إنه رجع و جاي هو و هالة. جايين على هنا فجأة كده و صوته ماكانش يطمن أبدًا


هز "عثمان" رأسه و هو يقول عابسًا :


-كلمني أنا كمان بس ما قالش إن هالة جت معاه. الغريب إن اليومين دول Season و مش من مصلحته يسيب شغله و يجي فجأة حتى لو زيارة سريعة


-خير يارب ! .. تمتمت "فريال" بقلق


لترتعد أبدان الجميع في هذه اللحظة، حين دوى فجأة صوت "هالة" المميز صارخًا ممتزجًا بنشيجها، ثم ما لبثت أن ظهرت مع زوجها القابض بيد من فولاذ على شعرها.. يسوقها منه بمنتهى الوحشية و قد إعتلت وجهه قساوة مدمرة


كانت عائلتها تراقب بذهول ما يحدث خلال تلك الثوان القصيرة، لم يفلح أحد بالنطق من شدة الصدمة إلا "عثمان"... همَّ بفتح فمه ليتكلم و يوبخ صديقه على هذه التصرفات الهمجية غير المبررة !


لكنه لم يكد ينطق، لم يكد يخطو خطوة واحدة تجاههما أصلًا، ليجد قبضة "مراد" تستقبه و تطيح بوجهه بقوة هائلة لتسقطه أرضًا فورًا ...


يسمع "عثمان" صرخة أمه الملتاعة، و في نفس الوقت يشعر بإرتطام جسم "هالة" به بمنتهى العنف و تصم أذنيه أكثر بعويلها المتزايد.. يبعدها عنه في الحال و هو يتمالك نفسه متطلعًا إلى عمه الذي جمدته الصدمة، ثم ينظر إلى صديقه ..


تحسس مكان اللكمة التي تلقاها أسفل عينه و صاح بغضب مذهول :


-إنت إتجننت يابني إنت و لا إيه ؟ إيه إللي بتعمله ده ؟؟!!! .. ثم وثب واقفًا على قدميه ليصبح في مستواه


يرمقه "مراد" بنظرات محتقرة، ثم يهتف بإزدراء شديد :


-ماكنتش متخيل القذارة توصل بيك للدرجة دي. أهي عندك أهيه. إشبع بيها ! .. و ركل تلك النائحة تحت قدمه مكملًا بغلظة مخيفة و هو ينظر إليها :


-إنتي طالق. طالق. طالـــق !!!


ثم إستدار دون أن يضيف كلمة، و ولىَّ مدبرًا إلى الخارج بخطواته المتشنجة ...


بينما تعم حالة من الدهشة و الإستنكار بين أفراد العائلة قاطبةً _ بإستثناء "هالة" _ لتستقطب الأنظار كلها نحوها، جميعهم يصوّبون إليها نظرات الإستفهام مطالبين إياها بتفسير فوري للوضع


إلا إنها بالوقت الراهن لم تكن مستعدة لأيّ نوع من أنواع الإستجواب، إنما فقط أرادت أن تنخرط في بكاء لا يريم، لا ينقطع إلا عندما تفارق روحها جسدها


فهل يمكن أن تتحمل حياتها بعد الذي صار ؟ ماذا فعلت بنفسها ؟ ماذا فعلت بعائلتها ؟ و خاصةً بإبن عمها المسكين ؟


أيّ خطأ.. بل أيّ جريمة أقترفتها بحق الله !!!!


___________


داخل أحد أشهر المتاجر المخصصة لبيع السلع الغذائية و غيرها...


كانت "سمر" تقف أمام براد ضخم مضاء و ملآن بكافة منتجات الألبان كاملة الدسم، أخذت تنقب بعينيها و يديها أحيانًا عن نوع مخفوق الحليب الذي يفضله أخيها، حتى وجدته


جمعت منه قدر لا بأس به، و كانت تناول شقيقتها الجالسة بعربة التسوق بالمقعد الخاص بالأطفال القرورة تلو الأخرى لتضعهم بترتيب و حرص حتى لا تنكسر بقية الأغراض المتراصة فوق بعضها ...


تنتقل تاليًا إلى قسم اللحوم و الأسماك، فتورد إلى العربة كمية معقولة من المؤونة تكفي إستهلاك أسرتها لبقية الشهر البادئ منذ البارحة فقط.. كانت ستشق طريقها إلى قسم ألعاب الأطفال لتفي بوعدها لـ"ملك" و تشتري لها دمية لقاء التي ضاعت منها خلال نزهة الإسبوع الماضي، لكنها توقفت عن السير فجأة و ألقت نظرة بساعة يدها


لتجد بأن الوقت قد تجاوز بعد الظهر بقليل، مطت شفتاها لأسفل و دنت من شقيقتها قائلة بلهجة إعتذار :


-لوكا حبيبتي. هو إحنا ينفع نأجل شرى العروسة الجديدة لحد بكرة بس ؟ عشان مانتأخرش على يحيى. نناه فريال قالتلي إنه مزمزأ من ساعة ما أخد حقنة التطعيم و عايز ينام. يعني يدوب نلحق نروح نشوفه و نقعد معاه شوية !


تنظر "ملك" بعينيها الواسعتان إلى أختها الكبيرة، ترفع ساقيها المربعان و تزيح شعرها الكستنائى الطويل على كتفها و هي تقول بصوتها الطفولي الحلو :


-أوكي يا سمر مش لازم نجيبها إنهاردة. أنا عايزة أروح أشوف يحيى الأول عشان وحشني و عايزة ألعب معاه. و عثمان كمان وحشني أوووي


إبتسمت "سمر" لها و ربتت على خدها الناعم بلطف و قالت :


-أوعدك هاشتريلك كل اللعب إللي إنتي عايزاها بكرة. بس إدعي نروح و نلاقي يحيى صاحي مستنينا .. و أكملت بحزن جم :


-المرة إللي فاتت كان نايم و ماصحيش إلا و إحنا ماشيين !


إنعطفت "سمر" بالعربة متجهة إلى ( الكاشير ) لدفع الثمن و تعبئة مشترياتها.. إصطفت مع الزبائن في طابور طويل نوعًا ما، و بقيت في الإنتظار ..


ليحتال عليها عقلها كما جرت العادة عندما تذكر أيّ شيء متعلق بالماضي القريب، لا تجد ما يشغلها، فتشرد في أعمق و أحلك.. أسوأ ذكرياتها على الإطلاق، تلك التي أدت بها إلى هذه الحياة الجديدة الأشد شقاءًا و مرارةً من حياتها القديمة، بل لا تقارن بها أصلًا


لا يمكن أن تكون هناك معاناة بحياتها كلها أقوى من إنتزاع إبنها من حضنها و سلبها إياه قبل حتى أن يعي وجودها و من تكون بالنسبة إليه !


أغرورقت عيني "سمر" بالدموع و هي تتذكر كل هذا مجددًا، لم تشعر بتجمعها بمأقيها على كل، لكنها شعرت و كأنها تسافر عبر الزمن للمرة العاشرة.. بعد المليون، لتلك الليلة المشؤومة ...


Flash Back ...


قبل عامين، أو لزيادة الدقة عام و عشرة أشهر... بعد ليلة زفاف شقيقة زوجها مباشرةً، بعد مواجهة بينها و بينه و مصارحة و تسوية لكافة الخلافات و الصراعات و تبادل الوعود و العهود لبدء حياة جديدة يسودها الحب و الوئام، فقط من أجل الطفل الذي يربط بينهما ...


ماذا حدث ؟


لا شيء


كان كل شيء على ما يرام، بل أنها قضت ليلة ملحمية، لحظات لا تنسى بين ذراعيّ زوجها.. كان رضيعها يبيت عند جدته بغرفتها، بينما هي مع "عثمان" بغرفتهما ينفذان أولى شروط الوعد الذي قطعاه، يؤكدان على المشاعر التي يكنَّها كلًا منهما للآخر، يبدآن من جديد بسعادة منقطعة النظير ...


حتى جاءهم ذلك الإتصال !


إتصال تجاهلاه، و إنغمسا أكثر في أنهر الغرام و التوق التي سرعان ما غمرتهما كليًا، فقط حين إستسلمت "سمر" لرغبتها الدفينة بزوجها و تركته يستدرجها طوعًا إلى فخاخه المحببة التي لم تسنح لها فرصة التنعم بها و هي مجرد زوجة بصورة شفهية، أما و قد صارت زوجته رسميًا، أمست علاقتها به لأول مرة ألذ شيء حدث لها منذ ولدت ...


إتصال آخر... إلحاح شديد.. الرنين لا يكف أبدًا


حتى كاد "عثمان" أن يحطم ذلك الهاتف اللعين مطيحًا به بإحدى حركاته العنيفة.. لولا أن إلتقطه "سمر" منه عندما لمحت عينها إسم شقيقها يضيئ بالواجهة


أجابت فورًا و هي تبتعد عن زوجها بالقدر الكافٍ ...


-آلو ! .. أيوة أنا. مين معايا ؟ .. إيــه ؟ فــادي !!!!


و قفزت من الفراش بلحظة متجاهلة آلام الولادة و الجراحة التي لم يفت عليها الكثير ...


ليبدأ ذاك الفصل المأساوي من حياتها، منذ تلك الليلة، التي كانت يفترض أن تكون بدايتها السعيدة !


تحولت إلى أتعس بداية من الممكن أن تتخيلها ...


فأخيها الشاب المرح الجميل، المهندس ذا المستقبل الواعد، يذهب برحلة عمل إلى الصحراء، فيصاب بحادث مروّع يفقد فيه ذراعه اليمنى !!!!


كانت صدمة عنيفة عليه، و سقط بعدها بحالة من الإنهيار العصبي، ثم الإكتئاب الحاد.. فما كان من فريق الأطباء الماهرين الذين أحضرهم "عثمان" لأجل شقيق زوجته إلا أن أوصوا بعدم تركه بمفرده أبدًا


حتى لا تتطور حالته النفسية و تزداد سوءًا فيفعل بنفسه مكروهًا... لكن "فادي" لم يقبل بالإنضمام إلى قصر "البحيري" و الإقامة فيه و كأنه فردًا من أهله


أصر على موقفه بشدة، فأضطرت "سمر" للإنتقال إلى بيتها القديم لتعتني بأخيها و تؤازره بمحنته الصعبة


لتبدأ كل المعاناة من هنا ...


مر شهر، إثنان، ثلاثة، أربعة.. و لم تتحسن نفسية "فادي" أبدًا، بل و لا زال يرفض فكرة إنتقاله من بيته لبيت معيل أسرته المستبد الكريم صونًا لبقايا كرامته التي أُهدرت سلفًا على يدي أخته و زوجها


ضاق "عثمان" ذرعًا بكل هذا


عندما أصبحت النجوم أيسر تناولًا من "سمر" بالآونة الأخيرة، إستدعاها ذات يوم إلى بيته، و أغلق عليهما الغرفة، و بمنتهى الصرامة و الحزم قال و هو يشير نحو الباب الموصد :


-تخرجي من الباب ده. تتحرمي عليا حرمة أمي و أختي يا سمر !


تفر دمعة ساخنة من عينها و هي ترنو إليه بوهنٍ قائلة :


-إنت دلوقتي بتخيرني بينك و بين أخويا ؟ حرام عليك مش هو ده وعدك ليا !


ينفعل "عثمان" صارخًا بوجهها :


-إياكي. إياكي تعيشي دور المظلومة المرة دي يا سمر. أنا لحد لآخر لحظة. لأ لحد دلوقتي فاتح بيتي لأخوكي و مرحب و متكفل بيه. لكن شغل العناد بتاعه ده واضح إنه مطول و أنا صبري خلص. سامعة خلص !


تقترب "سمر" متمتمة برجاء :


-أرجوك.. ممكن تهدا ؟ ماتبوظش إللي بينا تاني. إحنا إتعاهدنا نبدأ صفحة جديدة عشان خاطر إبننا. إنت ليه مابتفكرش فيه ؟!


يعقد "عثمان" حاجبيه بشدة و هو يصيح بها من جديد :


-بتقوليلي أنا الكلام ده ؟ أنا إللي مش بفكر في إبني يا سمر ؟ ليه.. هو مين إللي أختار يبعد عن التاني ؟ إنتي معقول شايفة إن مصلحة إبني في إنه يتربى بعيد عن أبوه أو أمه ؟ ردددي عليــا !!!


صرخت "سمر" في المقابل :


-أنا مقدرش أسيب أخويا. إفهمني.. مقدرش. مهما حصل لازم أكون جمبه في أيّ وقت يحتاجلي. عمري ما هاتخلى عنه أبدًا !


ساد الصمت في هذه اللحظة و طال، و كلًا منهما يحدق بالآخر.. هي تكافح، تصمم، تتوسل بنظراتها


أما هو فغير مقروء بالمرة، وجهه عبارة عن ملامح راكدة، صلدة، لا تشي بنواياه مطلقًا ...


إلى أن تحدث مرةً أخرى، فقال بصوت هادئ بعض الشيء :


-أوك يا سمر. إللى إنتي عايزاه ! .. ثم تراجع خطوة للخلف و مد يده ليفتح باب الغرفة


دعاها للخروج قائلًا بنفس الهدوء :


-إتفضلي. تقدري ترجعي لأخوكي دلوقتي. من اللحظة دي عمري ما هاطلب منك ترجعي بيتي تاني


-تقصد إيه ؟! .. قالتها "سمر" بصوت مرتعش


ترقبت إجابته بتوجس شديد، بينما يرد عليها ببساطة عكس ما توقعت تمامًا :


-قولتلك تقدري ترجعي لأخوكي. و مش هاجبرك تسيبيه و تفضلي معايا هنا.. مطلوب مني إيه تاني ؟


تنفرج أساريرها فجأة و ترمقه بدهشة و هي تتنفس الصعداء لبرهة، لكن ما لبث الهواء أن أحتبس بصدرها حين أردف باللحظة التالية و قد عادت نبرة التهديد ترن بصوته :


-بس اليمين إللي رميته عليكي مش هايقع و مش هارجع عنه. فاهماني ؟ هاتفضلي على ذمتي و أم لأبني و كل حاجة. بس لا أنا هاقرب منك و لا هاعاملك كزوجة. و لا إبني هايرجع معاكي لبيتك القديم. هنا بيته و بيت أهله. هايتربى هنا قدام عنيا و طبعًا وقت ما تحبي تشوفيه أهلًا بيكي في أيّ وقت. عمري ما هامنعك عنه بردو


تلقت "سمر" الصدمة التي شكلتها كلماته المتتابعة بصعوبة، حاولت قدر إستطاعتها إخفاء الأثر القاسِ الذي تركه بفؤادها ليسبغ ملامحها و صوتها بكسرة يستطيع تمييزها ...


-بس يحيى لسا بيرضع ! .. هتفت "سمر" بلهجة ثابتة و قد أحكمت سيطرتها على مشاعرها الكسيرة الآن


أفلت قلبها ضربة مضطربة و هي ترى ذاك التعبير المريب و المألوف يعتلي محياه، ثم تسمعه يتحدث مجددًا بتلك الطريقة المقيتة التي كادت تنساها :


-ماتشيليش هم. أنا هاعرف أحل المشكلة دي كويس .. و تابع مشيحًا بوجهه عنها :


-أوعدك أنه مش هايحس بغيابك لحظة أصلًا.. إطمني خالص يا سمر !


أطل إستنكار كبير من عينيها عندما قال ذلك، لكنها ردة فعل لم تدم إلا للحظات.. ثم أدركت "سمر" بأنه لم يضع إلا تحديًا تعجيزيًا حتى يحطم إرادتها و يخضعها إليه كعادته، إن لم يكن بأمواله و نفوذه، فعن طريق المشاعر إذن، و هو أختار مشاعرها الأمومية المتجذرة فيها منذ عرفها، و التي ترتبط الآن بأقوى نقطة من نقاط ضعفها.. إبنــا


لكنه مخطئ، حتمًا مخطئ إذا كان يتخيل بأنه سيقدر على التفريق بينها و بين طفلها، فهو متعلق بها للغاية و يأبى إلا أن يظل بين أحضانها طوال الوقت.. هذا أمر مفروغ منه بالطبع ...


لاحت على ثغر "سمر" إبتسامة خفيفة جدًا تكاد تُرى و هي تمر برأس شامخ من جانب زوجها متجهة خارج الغرفة، كانت واثقة من أنه لا يفعل هذا سوى لغرض الإبقاء عليها معه، يريدها أن تترك أخيها و تعود إليه و يساومها هذه المرة على إبنها، لكنها سوف تجاريه في هذا و ستترك له الطفل فعلًا


و هي تجزم بأن الليل لن يحل إلا و هو يدق على باب منزلها القديم ليرد لها إبنها، و ربما يعتذر إليها أيضًا و يستجدي فرصة أخرى !


Back


-يا مدام.. يا مدام دورك !


أفاقت "سمر" من شرودها و عادت إلى أرض الواقع، لتنتبه إلى صوت ذلك الشاب الذي يقف خلفها بالطابور يحثها على التقدم خطوة أخرى صوب طاولة ( الكاشير ) ...


أدارت "سمر" رأسها نحوه و أعتذرت بإبتسامة مقتضبة :


-معلش Sorry ما أخدتش بالي !


رد لها الأخير الإبتسامة قائلًا :


-و لا يهم حضرتك


تدفع "سمر" بالعربة للأمام، ليبدأ عامل ( الكاشير ) بفرز مشترياتها فورًا، بينما تقفز "ملك" إلى الأرض من جديد و تتمسك بكف شقيقتها التي سهمت مرةً أخرى، و لكن بشكل طفيف


كانت تذكر نفسها فقط بأنها هي التي لطالما كانت مخطئة، لم تتغلب أبدًا على زوجها، و لن تفعل... أما قد صدق وعده لها ؟ و لم يشكو طفلها بُعدها عنه و لو لمرة واحدة منذ تركته في عهدة أبيه و جدته


ما الذي لم تختبره بعد لتصدق و تؤمن بأنه لا ناصر لها تحت هيمنته، و أنها ستظل دائمًا عزلاء و مجردة من كافة دفاعاتها أمامه !!!


______________


بعد أن توّرمت عيناها من شدة البكاء، و أحمرّ وجهها إلى حد يثير الشفقة ..


مد "رفعت" يده إليها بمنديلًا ورقيًا و هو يقول محاولًا ألا يبدو صوته غاضبًا :


-خلاص يا بنتي. خلاص بقى فحمتي روحك عياط إللي حصل حصل !


لكنها لم تكف، لم تستطع حتى إذا حاولت و لو قليلًا.. و قبل أن يفقد "رفعت" أعصابه التي حافظ عليها بمعجزة منذ وصولها و حتى الآن، تدخلت "فريال" قائلة من حيث كانت تجلس فوق آريكة صغيرة قبالة الأب و إبنته :


-سيبها يا رفعت. سيبها تخرج إللي جواها


كان "يحيى" الصغير ممدًا إلى جوارها، لكنه ليس نائمًا، كان هادئًا فقط تحت لمسات يدها الرقيقة على رأسه ...


يتطلع "رفعت" إليها و هو يقول بشيء من العصبية :


-إيــه إللي جواها يا فريال ؟ إيـه ؟ هي كمان ليها عين تزعل و تقرفنا بعياطها ؟ و رغم إللي هببته محدش فتح بؤه معاها و سايبنها تنسى و جايز ننسى إحنا كمان الفضيحة دي. بس هايحصل إزاي و هي بقالها يومين على الحال ده ؟!!


لم تكد "فريال" ترد عليه، ليبرز صوت "هالة" أخيرًا :


-يعني أنا كان قصدي يحصل كل ده يا بابي ؟ أنا كنت في وعيي أصلًا و أنا بقول الكلام ده ؟ أنا أساسًا مش عارفة إزاي طلع مني كلام زي ده ؟ أنا بحب مراد و الله و نسيت عثمان من زمان. من ساعة ما أتجوز و خلف


رفعت بإنفعال : و الله يا حبيبتي نسيتيه ؟ طب منين لسا بتحلمي تبقي معاه و بدل ما تبرري لجوزك و تقولي أيّ حجة يقدر يبلعها تقومي ترمي الحقيقة كلها في وشه و تعترفيله إنك بتحبي عثمان و كان نفسك تتجوزيه ؟ كان لازم نعرفي إن بعد إعترافك ده و بعد الكلام الزفت إللي نطقتي بيه و إنتي مش في وعيك لو فضلتي تحلفيله على الماية تجمد عمره ما كان هايصدق إن مافيش بينكوا حاجة.. أنا مش عارف هاقول إيه لأخوكي إللي جاي بكرة ده كمان !


تجهش "هالة" بالبكاء أكثر كلما سمعت كلام أبيها، ليتفاقم غضب "فريال" قليل الظهور و تنهر "رفعت" بقسوة :


-خلاص بقى يا رفعت. مالوش لازمة كلامك ده كله على فكرة. جايز من وجهة نظرك إنت و مراد إن هالة غلطت غلط كبير. لكن في الحقيقة الحب عمره ما كان غلطة و مش ذنبها إن حبت إبني بجد و ماحصلش نصيب يبقوا سوا.. أنا و أنت و الكل عارفين إن إستحالة عثمان و هالة يغلطوا بالشكل إللي تخيله مراد ده. فإيه لزومه كل إللي إنت عامله ده ؟؟؟


-مساء الخيـر ! .. صوتها قطع الصمت الذي خيّم لثوانٍ


فإلتفتا الأب و الإبنة إليها فورًا، و قامت "فريال" لتستقبلها بحفاوة كبيرة :


-أهلًا مساء النور يا حبيبتي. تعالي يا سمر !


كانت "سمر" تقف عند مقدمة البهو، تمسك بيد شقيقتها و هي تجول بنظراتها على وجوه العائلة.. كان تعبيرها واجم، لكنه لم يصل إلى تلك الدرجة التي تؤكد بأنها سمعت شيئًا من حديث والدة زوجها


ربما لم تسمعه حقًا، و ربما سمعت جزءًا منه.. أو أنها سمعته كله !!!


-تعالي شوفي الباشا الصغير قاعد مستنيكي إزاي ! .. هتفت "فريال" و هي تحمل "يحيى" ليقابل أمه


كانت "ملك" أول من ركضت صوب الصغير بتلهف، بينما تقترب "سمر" و عيناها معلقتان به و قد نست كل شيء الآن إلا هو... إتسعت إبتسامتها و هي تمد يديها نحوه و تراه يضحك لها بإبتهاج بصوته الجميل، ثم يقفز بين ذراعيّ جدته راغبًا بالحلول بين أحضان أمه


بدا لا يطيق صبرًا على هذا، فضحكت "سمر" و هي تحمله عن جدته و تضمه إلى صدرها بقوة مغمغمة :


-قلب مامي. إنت وحشتني أكتر يا روحي. وحشتني أوي أوووي


و أخذت تقبله في وجهه و من عنقه الناعم و تشمم رائحته بشوق أضنى قلبها رغم أنه لم يفت على أخر لقاء لهما سوى ثلاثة أيام ...


و هكذا أمضت "سمر" بضعة دقائق أُخر تلاطف طفلها و تصب عليه حبها و حنانها صبًا حتى كادت تسحقها مشاعرها لتتركها منهارة بينهم هنا


كانت "فريال" على دراية تامة بتلك المراحل العسرة التي تمر بها زوجة إبنها كلما جاءت لترى طفلها، حفظتها جيدًا، فلحقت بها باللحظة المناسبة كما تفعل كل مرة ...


-إنتي جيتي في وقتك يا حبيبتي ! .. قالتها "فريال" بصوتها الحنون الرقيق


جمدت "سمر" للحظة و رفعت بصرها إليها، رمقتها بنظرة إمتنان، لتكمل الأخيرة مبتسمة ببساطة :


-يحيى كان هايتجنن و عايز ينام من بدري بس لما قولتله مامي جاية عنيه فنجلت .. و ضحكت


-كمان معاد الغدا قرب و فرصة تتغدي معانا إنهاردة


سمر بلهجة مستحية :


-معلش يا طنط مش هقدر. حضرتك عارفة أنا ماينفعش أتأخر على فادي. أنا أصلًا نزلت من الصبح أشتري شوية حاجات للبيت و يدوب لحقت أجي عشان أشوف يحيى ! .. و طبعت قبلة عميقة على خد الصغير


فريال بصرامة : لا لا يا حبيبتي مش هاقبل أيّ أعذار. هاتتغدي معانا يعني هاتتغدي معانا. و بعدين إنتي مش واخدة بالك من هالة و لا إيه ؟ .. و أشارت نحو تلك الجالسة هناك يغمرها الحزن بوضوح


نظرت "سمر" إلي "هالة" و قالت مصطنعة إبتسامة ودية :


-أنا آسفة جدًا إبني كان واحشني و الله مش قصدي. حمدلله على السلامة يا هالة !


ردت "هالة" عليها بإيماءة قصيرة و همست :


-الله يسلمك يا سمر. و لا يهمك يا حبيبتي


غالبت "سمر" نظرة منزعجة و هي تشيح بوجهها عنها على مهل كي ما تلفت إليها الإنتباه أو تثير شك، فهي للأسف لم تستطع أن تتقبل يومًا تلك الفتاة.. و لم يرتاح قلبها من ناحيتها أبدًا، في السابق لم تكن تعرف السبب


لكنها أصبحت تعرفه الآن.. تقريبًا ...


-خلاص بقى إتفقنا هانتغدى كلنا سوا ! .. أعلنت "فريال" بحزم لطيف


فأعجزت "سمر" عن رد كلمتها


مدت يديها لتأخذ منها "يحيى" و تضعه بجوار "ملك"، ثم قالت :


-يلا حبيبتي إطلعي صحيلي عثمان و هاتيه في إيدك و إنتي نازلة تكون السفرة جهزت


سمر بإستغراب : عثمان لسا نايم لحد دلوقتي؟ معقولة ؟ مش عوايده يتأخر في النوم و كمان إنهاردة مش أجازة !


-إطلعي بس صحيه. ده هو بقاله يومين مابيخرجش من البيت و هايفرح أو لما يشوفك


-هو تعبان و لا إيه ؟! .. علقت "سمر" بقلق كبير


طمأنتها "فريال" بإبتسامة :


-لأ يا حبيبتي مش تعبان و لا حاجة ماتقلقيش. هو بس مضايق شوية .. و رمقتها بنظرة ذات مغزى و هي تكمل :


-إطلعي شوفيه بنفسك. في إيه إنتي مراته يا سمر عيب لما تطلعيله أوضته يعني !!


أجفلت "سمر" و هي تقول بإرتياك :


-لأ يا طنط مش عيب طبعًا.. حاضر. هاطلع أصحيه.. عن أذنك !


و توجهت للأعلى بخطواتها المضطربة ...


وصلت إلى ذلك الطابق الأخير المتفرد، ذلك الطابق الذي لم تطئه قدماها منذ ردحًا طويلًا.. كانت تقدم ساق و تؤخر الأخرى، كلما إقتربت من ذاك الجناح المواجه لها بآخر الممر


ذاك الذي جمعها بومًا ما به خلف بابه، لعدة مرات قليلة باشرت حياتها القصيرة كزوجة لـ"عثمان البحيري".. الرجل الوحيد الذي قهرها و أوقعها بغرامه دون أن تدري أو تحس حتى ...


بدافع من الأدب و الذوق، دقت "سمر" على باب الغرفة مرتين، ثم برمت المقبض و ولجت حابسة أنفاسها


لم تكن تتطلع أمامها مباشرةً، إنما أخذت ترفع وجهها شيئًا فشيء، حتى إستقرت نظراتها عليه هناك... راقدًا بمنتصف السرير، ظهره العاري يلمع تحت خيوط الشمس المتسللة عبر أقمشة الستائر الشفافة


إزدردت "سمر" ريقها بصعوبة و هي تغلق الباب من خلفها بهدوء حتى لا توقظه، ثم مشت ناحيته بتأنٍ و عيناها تحاربان، تتقاتلان على رؤية وجهه بأقصى سرعة


فمنذ متى لم تراه ؟ إسبوعًا.. ربما إسبوعان، ثلاثة أسابيع


هكذا يكون عقابه، على قدر عنادها و إصرارها على هجرانه، يكون إختفائه عن حياتها هو الرد الرادع الذي يخبرها بأن ما من أحد أو شيء سينفعها من بعده، خاصةً حين فضلت أسرتها عليه، مجددًا.. كما تفعل لو خُيرت لألف مرة !!!


شعرت "سمر" بشيء من البرودة تغزو أوصالها رغم إعتدال الجو هذا النهار، تسارعت نبضات قلبها عندما إحتوت نظراتها وجهه أخيرًا... رباه كم تفتقده !


كم تود الآن لو تتوسد صدره و أن يطوقها بذراعيه، فتنخرط بدورها في البكاء، تشكو الزمان له و أوجاع البعاد.. كم هي بحاجة ماسة إليه ...


-سمر !


إرتعدت "سمر" و هي تشهق بقوة عندما هتف بإسمها فجأة بلهجته الناعسة المغرية ..


إكتشفت بأنها أقلقت نومه بطريقة ما و أنه إستيقظ بغتة ليراها تقف فوق رأسها كالتمثال هكذا، لينقلب على ظهره في هذه اللحظة ليواجهها تمامًا


أحمرّ وجهها خجلًا و هي ترى جزعه العاري لأول مرة منذ فترة طويلة جدًا، منذ تلك الليلة التي غادرت فيها فراشه و بيته للأبد و بإختيارها ...


رمقته بعينين متسعتين و قد ألجم التوتر لسانها فلم تستطع الكلام ..


ليبتسم لها تلك الإبتسامة اللعوب و هو يقول بصوته الأجش :


-أهلًا يا بيبي !!!! ................................. !!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...


و إنتظروا مفاجأة #البارت الجاي 🌹

( 2 )


_ المشاعر لا تجدي ! _


إرتبكت "سمر" بشدة حين ضبطها بهذا الشكل، و تمنت لو تنشق الأرض و تبتلعها خاصةً و أنها جمدت تمامًا بمكانها في مواجهته و لم تحرك ساكنًا


إلى أن لاحظت تلك الكدمة فوق خده الأيسر


تحررت من حالة الشلل تلك مفغرة فاها بصدمة و هي تمد يدها لا إراديًا صوب وجهه صائحة :


-إيه إللي في وشك د آ ..


-إيدك ! .. قاطعها "عثمان" بهدوء صارم و هو يمسك بيدها قبل أن تمس أناملها وجهه


تسمرت "سمر" محملقة فيه بذهول يغلفه الحرج، كان هذا تمامًا أشبه و كأن دلوًا من الثلج أريق فوق رأسها دفعة واحدة


لم تدري ماذا تفعل أو كيف تتصرف ردًا على ما فعله، إلا أنه لم يمهلها حتى وقتًا للتفكير و ترك يدها و هو يعتدل جالسًا بعيد عن متناولها ...


-إنتي نسيتي تعدلي حجابك و لا إيه يا بيبي ؟ .. قالها "عثمان" مستفهمًا و هو يرمقها بنظرة فاحصة


عقدت "سمر" حاجبيها و لوهلة لم تفهم سؤاله، فأعاد ناظريه إلى وجهها مكررًا بلهجة أكثر إستهجانًا :


-شعرك كله طالع قدامي يا مدام. إيه مش حاسة !!!


أجفلت "سمر" و هي ترفع يديها تلقائيًا لتعدل وشاح رأسها قائلة بشيء من التوتر :


-ماخدتش بالي و الله. أنا من الصبح برا و أكيد ظهر من كتر الحركة


عثمان بإستنكار : نعم ! قولتي إيه ؟ إنتي كمان خرجتي منغير ما تقوليلي ؟!!!


سمر بسخرية : على أساس يعني أنك ماتعرفش ؟ المخبر إللي حضرتك ممشيه ورايا ماتصلش يبلغك بتحركاتي !!


صمت "عثمان" و هو ينظر لها بغموض، ربما لم يتخيل بأنها قوية الملاحظة لهذه الدرجة، لتكمل بتهكم مرير مقررة حقيقة وضعها معه :


-إنت لسا ماعندكش ثقة فيا.. لسا مش مديلي الأمان و أنا بعيدة عنك


-بلاش كلام فارغ ! .. غمغم "عثمان" و هو يرفس الغطاء ليقوم واقفًا في مواجهتها بالجهة الأخرى


حيث لم يفصل بينهما سوى السرير فقط ...


كاد منظره الأشعث المثير و هو نصف عاري هكذا أن يذيب عظامها و يجعلها تنهار تمامًا أمامه، لكنها تمالكت نفسها بآخر لحظة و إنفجرت به منفعلة :


-كلام فارغ ! أومال تسمي تصرفاتك معايا إيــه ؟ و الجواسيس إللي بتبعتهم ورايا في كل مكان من يوم ما سيبت البيت ده و إنت فاكرني مش واخدة بالي. بتعمل كل ده ليه لو مش عشان مش واثق فيا !!!


ركز أنظاره عليها و قال بهدوء و هو يحك طرف ذقنه :


-ليه ماتقوليش إني بقلق عليكي مثلًا ؟ إنتي علطول كده بتسيئي الظن فيا !


سمر بحنق : إنت إللي مش بتفوت فرصة تثبتلي فيها كل مرة إني مجرد ست على هامش حياتك. يدوب أم لأبنك و بس زي ما قلت قبل كده. لكن مشاعري أنا. إيه إللي بحس بيه.. كل ده مش مهم عندك. و لسا بتعاقبني لحد دلوقتي !


إتسمت لهجته بجدية تامة و هو يقول مشيرًا بسبابته نحوها :


-إنتي إللي إختارتي يا سمر. أنا عمري ما فرضت حاجة عليكي. دايمًا بيكون إختيارك.. تنكري ؟


و رمقها بنظرة متحدية بإنتظار أن تتجرأ و تنفي كلمة واحدة مما قال ...


لكنها لم تفعل.. ببساطة لأنه محق، هو الفعل لم يجبرها يومًا على قرار يتعلق بمصيرها معه، منذ البداية تم كل شيء برضاها.. و هي الآن تحصد ما زرعت، ممَ تشكو إذن !


-بس أنا زهقت و تعبت ! .. تمتمت "سمر" بصوت مكتوم و هي تحبس الدموع بمآقيها بجهد بليغ


أطرق "عثمان" رأسه و هو يتنهد بعمق ...


تحرك ليدور حول السرير ماشيًا نحوها.. توقف أمامها مباشرةً و مد يده ليرتب لها خصيلات شعرها الأمامية و يخفيها بنفسه بإحكام أسفل وشاح رأسها


ثم تظر بعينيها و قال ببرود شديد :


-للأسف يا بيبي.. إنتي مضطرة تتحملي لوحدك نتيجة إختيارك. مافيش في إيدي حاجة أعملهالك و لا ناسية ؟


كانت إشارة واضحة لذلك اليمين الأسود الذي أطلقه عليها ...


و هنا خذلتها دموعها و هي تنظر إليه، ففرت واحدة تلو الأخرى بسرعة رهيبة.. لم تتحمل أن يراها بهذا الضعف، و أن تستمر خطته لقهرها بالنجاح كلما يراها تنهزم شيئًا فشيء


إبتعدت خطوة للوراء و هي تكفكف تلك الدموع بكفها، ثم ما لبثت أن لاذت بالفرار متجهة إلى الخارج بخطوات أقرب إلى الركض


بينما يظل هو واقفًا يراقب إثرها بتعبير خفي، لا يشي بما يعتمل بصدره و لا حتى بالذي ينوي فعله تاليًا، فهو لم يكن يريد الآن إلا أن يؤكد لها فداحة الخطأ الذي إقترفته حين فضلت أخيها عليه.. و يبدو أنه نجح، كما يرى !


أطلق"عثمان" زفرة مطولة و إستدار موليًا صوب دورة المياه ...


_______________


-يعني دي تالت مرة ؟؟؟ .. صاح "رفعت" متسائلًا و هو يضرب على مائدة الطعام بقبضته الغاضبة


إنتفض الصغير "يحيى" فزعًا، كذلك "ملك" التي كانت تتناول طبق غدائها في صمت و هدوء حتى إندلعت ثورة "رفعت" على حين غرة هكذا ...


هدأت "فريال" الصغير قبل أن يبكي و هي تزجر "رفعت" بحدة :


-إهدا شوية يا رفعت. في أطفال هنا !


و بادرت "هالة" واضعة حدًا لعصبية أبيها ...


-يا بابي أنا و مراد كنا بنتخانق كتير ! .. قالتها "هالة" مفسرة له


-مش حضرتك كنت بتصالحنا بنفسك ؟ أنا إللي ماكنتش برضى أقولك على الحاجات التانية دي عشان ماتقلقش


رفعت متابعًا إستجوابه :


-أيوة يعني أفهم طلقك كام مرة طول الفترة دي ؟ و كان بيعملها من نفسه كده ؟ كان مستبيع يعني !!


أمسكت "هالة" شفتها بأسنانها و هي تقول بتردد :


-مراد طلقني مرتين قبل كده. و تالت مرة إللي كانت من يومين.. و أنا إللي كنت بطلب منه الطلاق في وسط عصبيتي و هو كمان كان بيبقى متعصب أوي. فكان بيطلقني غصب عنه و بعدين بنرجع تاني !


ساد الصمت في هذه اللحظة، و لم ترى "هالة" أمامها إلا تعبير البلاهة مرتسمًا على وجهي أبيها و زوجة عمها ...


ليصيح "رفعت" فجأة بإنفعال شديد :


-و بتحكيلي بالبرود ده ؟؟؟ يا بجاحتك. منك لله يابنتي. في السن ده و مطلقة رسمي ؟؟؟ منك لله !!!!


تململت "فريال" بضيق و هي تمسك بـ"يحيى" حائرة كيف تتصرف معه وسط كل هذه الضوضاء المزعجة و المخيفة التي يسببها كلًا من "رفعت" و إبنته


إنفرجت أساريرها عندما لمحت "سمر" و هي تهبط الدرج مسرعة، فقامت من فورها و إتجهت إليها تتبعها "ملك" ...


-إيه يا سمر إتأخرتي ليه و فين عثمان ؟!


لاحظت "فريال" خطبًا ما بزوجة إبنها و إزداد قلقها حين رأتها تخفي آثار البكاء عن عينيها، بينما ترد "سمر" بلهجة غير واثقة و هي تتقرب لتودع طفلها :


-أنا صحيته و أكيد نازل حالًا. بس آسفة يا طنط مش هقدر أستنى. لازم أمشي دلوقتي


فريال بريبة : في إيه يا سمر ؟ حصل حاجة بينك و بين عثمان ؟ إتخانقتوا و لا إيه ؟!!


هزت رأسها نافية و هي تقول :


-لأ أبدًا ماتخانقناش و لا حاجة. أنا بس إتأخرت أوي على فادي و قلقانة عليه. لازم أمشي ! .. و دنت من الصغير لتضع قبلة حنونة على خده الناعم


ثم مدت يدها نحو "ملك" قائلة :


-يلا يا لوكا !


أمسكت "فريال" برسغها قبل أن تتجاوزها و قالت محاولة القبض على نظراتها المتهربة :


-هاكلمك يا سمر. لازم نحكي شوية مع بعض


أومأت لها "سمر" و منحتها إبتسامة صغيرة، فتركتها الأخيرة لتذهب ...


إنتظرت حتى توارت عن عينيها تمامًا هي و أختها


ألقت نظرة على "رفعت" و "هالة" لتجدهما لا يزالا مستمران بذلك النقاش المتوتر.. فأحكمت ذراعيها حول "يحيى" و توجهت به إلى الأعلى مباشرةً، حيث غرفة أبيه ...


____________


كان "عثمان" يقف بقاعة المرحاض، و أمام المرآة العريضة إستمر بتشذيب لحيته الكستنائية المميزة


ليسمع في هذه اللحظة قرعًا على الباب من خلفه، فيبطل المكينة الكهربائية لبرهة و هو يهتف :


-إدخـــل !


شاهد أمه تلج باللحظة التالية، إبتسم لها بالمرآة و هو يقول بلطف :


-بونچور على أجمل و أحلى هانم في إسكندرية كلها. صباح الفل يا ماما. خليكي عندك ماتدخليش هنا دقيقة و أكون معاكي


لكنها تجاهلت مشورته و دخلت بوجهها العابس قائلة :


-ممكن أعرف إيه إللي بينك و بين مراتك مخبيه عليا ؟ مش هاسيبك المرة دي يا عثمان غير لما تقولي على كل حاجة


رمقها "عثمان" بنظرة جانبية و قال متهكمًا :


-هي إشتكتلك و لا إيه ؟


فريال بصرامة : رد عليا عدل يا باشا من فضلك. إنت فاكرني مش واخدة بالي من شكل علاقتكوا ؟ لأ يا حبيبي أنا زمان ملاحظة كل حاجة بس قلت أسيبكوا تصفوا خلافاتكوا بينكوا و بين بعض. لكن واضح إنه ماحصلش و مش هايحصل.. بس أنا مش هاسمح بأيّ تهريج تاني سامعني ؟؟؟


عثمان بضيق : في إيه بس يا ماما ؟ حضرتك عاوزة مني إيه دلوقتي يعني ؟!


-عاوزاك تحكيلي إيه إللي حصل بالظبط خلاكوا تبعدوا عن بعض كده


و هنا إلتفت "عثمان" إليها، ثم قال بلهجة مقتضبة :


-عاوزة تعرفي بجد ؟ حاضر هاقولك ! ... و حكى لها كل شيء


-يا خبر ! بقالكوا أكتر من سنة على الحال ده ؟!!!


هكذا عبرت "فريال" عن صدمتها بعد حديث إبنها، ليستطرد "عثمان" و قد أزاده البوح غضبًا فوق غضبه :


-مش في دماغي بقى أنا إتعلمت أسيطر على نفسي كويس. بس خليها هي كده. و رحمة أبويا لأفاجئها في مرة و هاتلاقيني متجوز عليها و تبقى تخلي أخوها ينفعها بقى


فريال بغضب : إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ إزاي بتفكر كده أصلًا ؟ إيه يا عثمان إللي جرالك هو ده إللي إتفقنا عليه ؟ إنت بالطريقة دي بتحافظ على إبنك يعني ؟؟!!


و أشارت إلى الصغير بين ذراعيها ...


عبس "عثمان" بشدة و حانت منه إلفاتة نحو إبنه، تآفف بنفاذ صبر، ثم قال بغيظ شديد :


-أخوها قاصدني أنا يا ماما. بيتحداني. بيلوي دراعي بيها. لكن لأ.. مش أنا إللي تهزني عمايل واحد زيه خليهاله يشبع بيها


فريال بعدم رضا :


-ده كلام يا عثمان !!


كظم "عثمان" غضبه من أجل طفله و قال عبر أسنانه :


-هي إللي عايزة كده. هي إللي فضلته عليا زي ما بتعمل كل مرة. دي حتى فضلته على إبنها !!!


و علا صوته بالعبارة الأخيرة ...


صمتت "فريال" و قد إلتمست له عذر بين كل هذا، لكنها لم تشأ أن تبدي له تآييدها الكامل لتصرفاته، فجادلته بحزم :


-بردو يا حبيبي ماتنساش ده أخوها و دلوقتي إنسان عاجز و محتاجلها. ماتحسبهاش كده.. قدر يا عثمان و خليك متفاهم شوية


ضغط "عثمان" على فكيه بقوة و لم يرد عليها، حفظًا على مشاعر الطفل الذي بين يديها، لا ذنب له في كل هذا و يتوجب عليه بصفته والده أن يحمي براءته مهما كان الثمن ...


إستدار "عثمان" موليًا ظهره لأمه، فتنهدت قائلة برجاء :


-يا حبيبي إحنا مش ناقصين مشاكل. إمتى هانعيش زي الناس الطبعيين ؟ مش كفاية مشاكل هالة و عمك إللي هايجراله حاجة بسببها ده !


عثمان بجمود : مشكلة هالة و مراد أنا هحلها يا فريال هانم ماتقلقيش


فريال بتساؤل : هتحلها إزاي ؟ صاحبك طلقها بالتلاتة !!


-عارف ما كان قدامي. بس التلاتة دول يتحسبوا طلقة واحدة. يعني ممكن يرجعوا عادي


ضحكت "فريال" بسخرية و قالت :


-ده إللي إنت تعرفه. إنما إللي عرفته أنا من شوية من بنت عمك إنه طلقها مرتين قبل كده و كانوا بيرجعوا. يعني أخر مرة دي كانت التالتة


نظر لها "عثمان" عبر المرآة بصدمة، فهزت رأسها بأسف مؤكدة :


-هالة كده مطلقة رسمي !


_______________


وقفت "سمر" أمام باب شقتها تبحث داخل حقيبتها عن سلسلة المفاتيح... لكن بلا جدوى


كانت "ملك" تراقبها بوجوم و قد إستشعرت بفطرتها السليمة بأن أختها تعاني حزنًا جمًا رغم محاولاتها المستميتة لإظهار العكس ...


تزفر "سمر" فجأة و هي تقول بصوت مهزوز متأثرًا بالجرح الذي سببه لها زوجها و لم يمضي عليه الكثير :


-شكلنا نسينا المفتاح جوا يا لوكا.. يا ربي نعمل إيه دلوقتي مش عايزين نضايق فادي !


و إذا بالباب يفتح في هذه اللحظة تمامًا، و تظهر السيدة "زينب" بوجهها البشوش هاتفة :


-حمدلله على السلامة يا حبايبي. كنت واقفة بنشر الغسيل و شوفتكوا و إنتوا راجعين إتأخرتوا قلت أما أجي أشوف فينكوا !


زفرت "سمر" بإرتياح و هي تقول :


-ماما زينب ! إنتي لسا هنا ؟ مانزلتيش من ساعة ما مشيت ؟!!


زينب و هي ترمقها بنظرة مستغربة :


-لأ يا حبيبتي قلت أستنى الغسالة تخلص و بالمرة أفطر أخوكي. بس غلبني بقى لحد ما كل لقمتين و هو دلوقتي نايم في أوضته


حمدت "سمر" الله على هذا و إزداد شعورها بالإرتياح، فهي ليست بمزاج جيد للتعامل مع إسلوب أخيها الجديد الحساس و كآبته المتزايدة ..


إنحنت لتحمل أكياس التسوق لتنقلها إلى الداخل، فأخذت "زينب" تساعدها و هي تسألها :


-يحيى عامل إيه ؟ يارب يكون حلو و بخير


ترد "سمر" بهدوء :


-كويس الحمدلله.. إطمنت عليه بعد التطعيم ده. كنت قلقانة أوي عشان ماكنتش جمبه !


زينب بلطف : الحمدلله .. ثم قالت بنبرة ذات مغزى :


-و أبو يحيى يا سمر.. إيه أخباره ؟


إنتصبت "سمر" بوقفتها و هي تلتفت لها في الحال ...


نظرت "زينب" لها و قالت و كأنها تعرف ما ستقوله "سمر" قبل أن تقوله :


-شوفتيه صح ؟ عمل معاكي إيه المرة دي ؟!


إرتعشت شفتها لوهلة، و قفزت الدموع إلى عينيها.. لتفقد تماسكها أخيرًا الآن و ترتمي ببن أحضان السيدة الحنون باكية بشدة ...


أطلقت "زينب" نهدة حارة و هي تربت على "سمر" و تهدئها و متمتمة :


-لا حول و لا قوة إلا بالله. بس يابنتي.. خلاص إهدي. ربنا معاكي يا عبيطة. إطمني كل حاجة هاتتصلح !


تترك "ملك" كيس الحلوى من يدها ليسقط أرضًا، تمشي نحو أختها و تحيط خصرها بذراعيها القصيرين و هي تشاركها البكاء أيضًا دون أن تعي سببه !!!!!!!!! ..................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...

( 3 )


_ أما الدموع فلا ! _


كانت حقيبة كتف صغيرة هي كل ما قرر "عثمان" إصطحابه معه في تلك الرحلة القصيرة، حيث وضع بها القليل من أغراضه الشخصية تحسبًا لأيّ طارئ


أغلق باب غرفته و هو يخرج متجهًا للأسفل بخطواته المهرولة، بينما يمسك بالهاتف بيده الأخرى مخاطبًا إبن عمه و زوج أخته :


-قلت ماتجيش يا صالح إنت مابتفهمش ! .. كان لهجته ملؤها الحزم و الضيق


-مش لسا قايلك إني نازل من البيت أهو و جاي لحد عندكوا ؟ .. و بعدين مافيش حاجة تيجي عشانها هنا.. مراد عندك في القاهرة و أنا كمان ساعتين تلاتة هاكون وصلت هاخدك و نروحله.. تمام.. أوك.. باي


و أقفل معه، ثم أعاد الهاتف إلى جيبه ...


لم يكد يجتاز الردهة المؤدية لباب المنزل، ليستوقفه صوت عمه الجهوري :


-عثمـــان !


جمد "عثمان" بمكانه للحظة، ثم إلتفت نحو صوت "رفعت" قائلًا :


-أيوة يا عمي !


رمقه "رفعت" بنظرة متفحصة و إقترب منه و هو يتساءل بلهجة لا تخفي إنزعاجه :


-إنت رايح فين كده يابني ؟ أنا كنت طالعلك دلوقتي عشان أتكلم معاك بخصوص المصايب إللي بتحصلَّنا دي


عثمان بفتور : عمي أنا عايزك ماتقلقش خالص و ماتشلش هم. سيبني أنا أتصرف و إن شاء الله كل إللي إتكسر هايتصلح في أقرب وقت


رفعت بإستنكار : يتصلح إزاي يابني ؟ إنت ماعرفتش إن صاحبك طلق بنتي بالتلاتة رسمي ؟ خلاص مالهمش رجعة


بدأ السأم ينال من "عثمان" أمام حديث عمه العبثي، أطلق نهدة مطوّلة من عمق صدره ثم نظر إليه مستوضحًا بصبر :


-طيب يا عمي.. لما حضرتك عارف حاجة زي كده المطلوب مني أنا إيه دلوقتي ؟!


دهش "رفعت" من رده لوهلة، ثم قال بتوتر واضح :


-يا عثمان أكيد الحل عندك إنت. أكيد إنت عارف كلام الناس و آ ا ...


-خلاص يا عمي ! .. قاطعه "عثمان" بتفاذ صبر


تمالك أعصابه من جديد و قال بلهجة أكثر هدوءًا :


-قلتلك إطمن.. أنا هاتصرف و كله هايبقى كويس. عن إذنك بقى لازم أمشي دلوقتي


و إستدار موليًا إلى الخارج يراقبه "رفعت" بنظراته القلقة ...


ترى علام ينوي "عثمان" ؟ الوضع لا يطمئن البتة !!!


_________________


غرفت "سمر" طبق العشاء الأخير و ناولت "ملك" إياه، فسبقتها الصغيرة إلى الصالة حيث طاولة الطعام.. فأحضرت هي الكؤوس و أبريق المياه، ثم ذهبت لتنضم إلى أخويها


كان "فادي" يجلس كعادته مترأسًا السفرة الجديدة التي أوردتها "سمر" إلى المنزل منذ عودتها إليه، كان واجمًا و كئيبًا مثل المعتاد أيضًا، إلا إن وجهه الآن يعلوه تعبير إستغراب و إهتمام.. عندما لاحظ بأن أخته الكبيرة تتحاشى النظر إليه


إنتظر حتى جلست أمامه و تحدث إليها بلهجته الباردة التي إكتسبها مؤخرًا :


-إنتي كويسة يا سمر !


تجبر "سمر" على التطلع إلى وجهه الآن، تقسر نفسها على الإبتسام و هي تقول برقة :


-آه كويسة يا حبيبي.. تسلملي يارب


رمقها "فادي" بنظرة مشككة و قال بثقة :


-لأ إنتي مش كويسة. إنتي فيكي حاجة متغيرة إنهاردة. من ساعة ما رجعتي من عند جوزك ! .. ثم سألها بقلق حقيقي :


-يحيى تعبان و لا إيه ؟!!!


هزت "سمر" رأسها نفيًا و قالت :


-لأ يا حبيبي يحيى بخير الحمدلله. هي بس حقنة التطعيم إللي أخدها مأثرة عليه شوية زي كل الأطفال. بس بسيطة يعني مش لدرجة تتعبه


يتنفس "فادي" براحة عندما طمئنته أخته على طفلها و يقول :


-ربنا يديم عليه الصحة و العافية و يكون سند و ضهر ليكي في الدنيا يا حبيبتي


سمر بلهجة عطوفة :


-و يديمك في حياتي يا غالي. إنت بردو سندي و ضهري في الدنيا يا فادي دلوقتي و حتى من قبل ما أشوف إبني


إلتوى ثغر "فادي" بإبتسامة ساخرة و هو يقول رابتًا على رأس "ملك" بحنان :


-كنت يا سمر. إنتي مش شايفاني بقيت عامل إزاي و لا إيه ؟! .. و أشار نحو ذراعه المبتورة


سمر بجدية : مالك ؟ ما أنت زي الفل أهو. مافكش حاجة


فادي بتهكم مرير :


-مافياش حاجة ؟ إحنا هانضحك على بعض يا سمر ؟ أومال عجزي ده تسميه إيه ؟!


-ماتقولش كده إنت مش عاجز ! .. قالتها "سمر" بإحتجاج منفعل


-ياما ناس كتير بيجرالهم أكتر من كده و بيعيشوا و يكملوا عادي جدًا


صمت قصير..ثم قال "فادي" بلهجته اليائسة و هو يحدق أمامه في اللا شيء :


-بس أنا غير يا سمر.. أنا كان عندي حسابات تانية خالص لحياتي و مستقبلي. كنت مخطط لكل هدف حتى لو كان هاياخد سنين.. كنت مكمل و أنا مرتاح. و فجأة كله إتهد.. في ثانية كل حاجة ضاعت. و خسرت


سمر بإعتراض : لأ يا فادي. ماخسرتش و مافيش حاجة ضاعت .. ثم لانت نبرتها و هي تستطرد :


-إنت بس إللي لسا مصدوم.. لما تفوق يا حبيبي هاتقدر تبني أحلامك و تحقق طموحك من تاني.. صدقني أنا متأكدة إنك تقدر


يكبت "فادي" إنفعالًا سببته كلماتها، ليرد عليها بخشونة ملحوظة أجفلت أختهما الصغيرة :


-بطلي تعيدي الكلام إللي مالوش أي لازمة ده يا سمر. مش لازم كل مرة أفهمك إني إنتهيت. إني إتفصلت من شغلي و عمري إللي ضيعته في الدراسة أصبح مالوش قيمة. و حتى لو حبيت أشتغل في حاجة مش في مجالي. مش هلاقي فرصة بحالتي دي.. يعني دلوقتي إنتي رجعتي راجل البيت ده يا سمر. رجعتي تصرفي عليه و عليا زي ما بتعملي طول عمرك. و أنا إللي بقيت راجل لكن في البطاقة بس !


كانت تشد بقبضتيها على شرشف الطاولة من الأسفل و هي تستمع إليه بقلب مثقل بالحزن عليه و عليها في آن.. حتى إنتهى، لتقول له بصوت به حشرجة خفيفة :


-إنت أحسن راجل في الدنيا كلها. و بكرة هاتبقى كويس أنا مش هاسيبك إلا لما تبقى كويس


فادي بسخط : يبقى عمرك ما هاتسبيني !


أرهبتها عبارته و بدا عليها الإرتباك للحظة، إلا أنها ما لبثت أن وارته بإبتسامة متوترة و هي تقول :


-أنا في كل الحالات عمري ما هاسيبك طبعًا. بس أكيد في حاجات هاتفرق بينا شوية و دي سنة الحياة يا حبيبي


عقد "فادي" حاجبيه متسائلًا بإقتضاب :


-إيه إللي ممكن يفرق بينا مش فاهم ؟!


تنحنحت "سمر" و تركت أدوات الطعام من يدها تمامًا، نظرت بعينيه قائلة بشجاعة :


-أصلي بصراحة بفكر أخطبلك. أظن آن الأوان بقى ترتبط.. و لا إيه رأيك ؟


يتجهم وجه "فادي" و هو يرنو إليها صمت مريب ...


إزدادت "سمر" إرتيابًا من ردة فعله الغامضة تلك، بينما يقول فجأة بمنتهى الثبات :


-إنتي فكرتي في الموضوع ده عشان نفسك تخلصي من مسؤوليتي صح يا سمر ؟


توترت "سمر" بشدة عندما قال ذلك و ردت بسرعة :


-لأ طبعًا إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ معقول أنا هابقى عايزة أخلص منك يعني ؟ أنا كنت بفكر في مصلحتك يا فادي و قلت جايز الإرتباط يخفف عنك مشاعر السلبية إللي بتحس بيها و آ ا ..


أسكتها "فادي" بإشارة من يده و لبث صامتًا لدقيقة ...


إنتظرت "سمر" أن يرد عليها، لكنه لم يفعل.. إنما فقط أزاح الكرسي للخلف، و قام من مكانه و أدبر عائدًا إلى غرفته في هدوء شديد


حدقت "سمر" في إثره و هي تشعر بالصدمة من نفسها.. إكتسحها الشعور بالذنب و جعل الدموع تقفز إلى عينيها من جديد.. كيف إستطاعت أن تقول لأخيها هذا الكلام ؟ كيف لم تنتبه ؟ منذ متى كان "فادي" غبيًا كي لا يفهم قصدها ؟؟؟؟


رباه... أي جرح نكأت من جراح أخيها الآن !!!


___________________


بضاحية ما بمدينة القاهرة ...


يصل "عثمان" إلى العنوان الذي بعثه إليه صديقه برسالة مقتضبة، يجد "صالح" ينتظره أسفل البناية المتواضعة


ما إن رآه يترجل من سيارته حتى مضى صوبه مسرعًا و هو يهتف :


-أخيرًا وصلت.. أنا واقف ملطوع هنا بقالي ساعتين و شوفت الزفت مراد و هو طالع. كنت هارتكب جريمة لولا مسكت نفسي


يغلق "عثمان" سيارته وهو يرد عليه ببروده المعهود :


-ياريت بقى تمسك أعصابك أكتر عشان لسا التقبل جاي. أنا ماكنتش عايزك في القاعدة دي أصلًا. ف ماتخلنيش أندم .. و مشى نحو بوابة البناية


تبعه "صالح" مغمغمًا بغيظ :


-إنت شايفني عيل صغير ؟ ماشي هاسيبك إنت تتكلم و أما نشوف أخرتها !


عثمان بضجر : شاطر. ورايا بقى من سكات !


دقيقتان و كانا قد وصلا إلى الطابق الأخير، حيث صارا أمام غرفة مشيدة بالطوب و الحجارة يكسوها طلاء مريح للبصر و يتوسطها باب خشبي مصقول غامق لونه


كان الباب مفتوحًا عن آخره، لكن "عثمان" لم يرى شيئًا خلفه، مجرد ضوء أصفر مشع بالداخل، فسار للأمام يجاوره "صالح"، حتى صارا عند الباب تمامًا ...


دق "عثمان" عليه و هو يمد رأسه مستطلعًا ...


-سلام عليكوا ! .. صاح "عثمان" بصوته القوي


آتاه صوت رجولي أجش على الفور :


-و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.. إتفضلوا !


مد "عثمان" ساقه و ولج و هو يحث "صالح" على إتباعه، رفع نظراته مستكشفًا، ليرى صديقه و رجلًا آخر وجهه غريب عليه، لا يعرفه إطلاقًا لكنه بدا سمحًا و إمارات الورع تتجلى على ملامحه العذبة الهادئة.. كانا يجلسان أمامه فوق آريكة صغيرة بنهاية الغرفة الأشبه بغرفة مكتب أنيق و قديم الطراز، فتوقف "عثمان" عند نقطة معينة و أشار لـ"صالح" ليقف هو الآخر


تطلع "عثمان" إلى صديقه الجالس هناك على بعد خطوات منه عابس الوجه متوترًا، و تساءل بجمود و هو يشير لذلك الشخص الغريب الذي يجلس إلى جواره :


-مراد باشا ! ممكن أعرف مين الأستاذ ؟


و هنا يرد الرجل ذو الوقار و الرصانة المثيرة للإعجاب نيابة عن "مراد" المتأهب للإنفجار كبركان بأيّ لحظة :


-أنا الشيخ أدهم عمران.. إتفضل يا أخي لو سمحت. كنا في إنتظارك !


في هذه اللحظة تبادل كلًا من "عثمان" و "صالح" النظرات و قالا في صوتٍ واحد :


-شيخ !!! ............................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...

 ( 4 )


_ عرض مقبول ! _


لم تنقطع "سمر" عن البكاء لحظة، بعد أن قام أخيها عن طاولة العشاء و إنسحب غاضبًا إلى غرفته.. أبت هي الأخرى أن تضع لقمة واحدة بفمها، و هربت إلى غرفتها أيضًا


كانت "ملك" تجلس إلى جوارها على السرير الوثير الجديد الذي إشترته منذ عودتها إلى المنزل، لم تكن تعرف سبب حزن أختها أو ماهية الخلاف الذي دب بينها و بين "فادي" قبل قليل


لكنها إستمرت في محاولاتها البريئة للتخفيف عنها، و لم تنفك تحتضنها من حينٍ لآخر و تمسح لها دموعها بأناملها الصغيرة.. ظلتا على هذا الوضع، حتى دق باب الغرفة فجأة ...


إرتعدت "سمر" مكفكفة دموعها في كميها بسرعة، و صاحت و هي تحاول إزالة آثار بكائها كلها :


-إدخل !


لحظة أخرى و ظهر "فادي" من وراء الباب ...


-صاحية يا سمر ؟ .. قالها "فادي" بلهجة محايدة


لم تجسر "سمر" على التطلع إليه و هي بهذه الحالة المزرية، خشت لو تنهار من جديد أمامه فتسوء نفسيته أكثر بسببها، فقالت بصوت شبه طبيعي و هي تتظاهر بالإهتمام بشقيقتها :


-آه يا حبيبي. كنت هاسرح لملك عشان تنام.. إنت إيه جوعت أحضرلك عشا تاني ؟


صمت "فادي" و لم يرد عليها.. فتح الباب عن آخره و نظر نحو "ملك" و هو يقول آمرًا بلطف :


-ملك لو سمحتي إطلعي إتفرجي على الكارتون بتاعك برا شوية.. عايز أتكلم مع أختك


حملقت "ملك" فيه ملء عيناها، ثم نظرت إلى "سمر" التي إبتسمت لها ببساطة ثم أومأت لها بمعنى أن تذعن لطلب أخيها ...


فعلت "ملك" ما قاله "فادي" و سرعان ما ركضت إلى الخارج بحماسة كي تشاهد أفلام الرسوم المتحركة الجديدة التي إشترتها لها أختها ...


يغلق "فادي" الباب من ورائها، ثم يمشي ناحية "سمر" بثبات.. كانت لا تزال مشيحة عنه بوجهها، فجلس على طرف الفراش إلى جوارها و إنتظر لثوانٍ، ثم قال مباغتًا :


-إنتي كنتي بتعيطي يا سمر ؟


هزت "سمر" رأسها نفيًا و غالبت توترها قائلة بصوت مختلج :


-لأ أبدًا. أعيط ليه بس ؟ ربنا ما يجيب عياط و لا زعل يا حبيبي


و شعرت بيده باللحظة التالية تمسك بذقنها، حبست أنفاسها عندما رفع وجهها ليقبض على نظراتها الدامعة بنظراته الثاقبة ...


فادي بنصف إبتسامة :


-عمرك ما عرفتي تكدبي عليا.. و لا هاتعرفي يا سمر


تسيل الدموع من عينيها في هذه اللحظة لا إراديًا، فيفقد "فادي" تماسكه و يجتذبها إلى صدره بيده السليمة و يضمها بقوة، بينما أخذت تجهش بالبكاء المر بشدة، و كأنها تفرغ كل الحزن اللا نهائي بداخلها و لا تفلح بالتخلص منه.. أبدًا مهما حاولت ...


-أنا السبب في كل ده ! .. تمتم "فادي" بصوت ملؤه الغضب و النقمة على نفسه


-أنا السبب في كل إللي حصل من البداية. من يوم ما لومتك و إنتي مالكيش ذنب على ظروفنا و خليتك تروحي برجليكي للنار.. و لما ربنا سترها عليكي و بدأت حياتك تبقى طبيعية طلعت أنا في وشك تاني و بوظتهالك للمرة التانية بحجة عجزي. أنا مش عايش إلا عشان أخرب حياتك يا سمر. أنا بقيت متأكد أكتر من الأول إن حياتي مالهاش أي لازمة و لا وجودي له قيمة في حياتك أو حياة ملك


غمغمت "سمر" منتحبة دون أن تفلت من بين أحضانه :


-ماتقولش كده. أنا فداك.. فداكوا إنتوا الإتنين. أنا عملت كل حاجة عشانكوا. أنا ليا مين في الدنيا غيركوا بس ؟!!


فادي بجمود : إبنك ! إبنك و جوزك يا سمر.. أنا آسف إني سرقتك منهم كل المدة دي. آسف إني كنت أناني و إستغليت الفرصة عشان أعاقب جوزك بيكي و نسيت إن إبنك هو إللي هايتظلم في النص. آسف يا سمر.. سامحيني على كل حاجة وحشة حصلتلك بسببي. جايز إللي جرالي ده عقاب من ربنا عشان أنا إللي جنيت عليكي و علينا كلنا !


-لأ يا فادي ! .. هتفت "سمر" من بين أسنانها معترضة


إرتدت للخلف ممسكة بكفه بكلتا يداها و هي تستطرد :


-إوعى تفكر في كده. إللي حصلك ده مقدر و مكتوب. مالوش علاقة بإللي حصل.. و بعدين أنا إللي غلطت. أنا إللي إتصرفت بغباء و ضيعت نفسي أول مرة. إنت مالكش دعوة بحاجة !


و تابعت بلهجة خاضعة :


-و لو على إبني فهو مش لوحده يعني.. معاه أيوه و جدته. عايش وسط أهله أحسن عيشة. هاعوزله إيه أكتر من كده ؟ أنا مقدرش أتخلى عن حد فيكوا. لا عنه و لا عنك. عشان كده بحاول أكون معاه بإستمرار منغير ما أقصر في حقك يا حبيبي. أنا أشيلك في عنيا و في قلبي عمري كله


إبتسم "فادي" لها، ثم قال و هو يحيط جانب وجهها بكفه :


-أنا طبعًا مهما أقول مش هاعرف أوفيكي فضلك. متشكر أوي يا سمر.. أنا تعبتك معايا كتير و عذبتك


كادت تفتح فمها لتحتج على كلامه من جديد، فوضع إصبعه فوق شفاهها قائلًا بصرامة :


-إنتي لازم تسيبيني و ترجعي لجوزك و إبنك و تكملي حياتك إللي وقفت بسببي.. و قبل ما تردي على كلامي و تعترضي على أي حاجة قولتها. أنا موافق على حوار الجواز ده


حملقت فيه مشدوهة، فأردف مؤكدًا إنما بلهجة لا تخلو من التهكم المرير :


-شوفي كده مين دي إللي ممكن تقبل بظروف واحد زيي. لو لاقتيها مش هاخبطها زي ما قولتي.. هاتجوزها فورًا !


________________


جلس كلًا من "عثمان" و "صالح" إلى مقعدين متجاورين، بينما يجلس مقابلهما ذلك الرجل المهيب ذو اللحية السوداء الكثة المشذبة بعناية، و "مراد" الذي ما زال صامتًا حتى الآن و لم ينطق بحرف ...


هذا السكون الثقيل قد بدأ يوتر الأجواء، حتى أن بعض تململ أصاب "صالح" و شعر بأنه قاب قوسين أو أدنى من فقدان سيطرته على نفسه.. إلا أن صوت المدعو "أدهم" سرعان ما برز قالبًا موازين الجلسة إلى صالحه فقط ...


-منورين مكاني المتواضع يا سادة ! .. قالها "أدهم" بصوته القوي مزيدًا الترحيب بضيوفه


رد "عثمان" التحية بنفسه و نيابة عن إبن عمه الغضوب :


-بنورك يا دكتور أدهم. متشكرين أوي على حسن إستقبالك لينا و خاصةً إننا أغراب عنك


أدهم معاتبًا بحليمية :


-عيب تقول كده يا أستاذ عثمان. مراد ده يبقى إبن عمي حتى لو مش بنشوفه إلا كل كام سنة مرة .. و ضحك مكملًا :


-و حضرتك تبقى صاحبه و صديق عمره زي ما حكالي. يعني تقريبًا بقيت مننا و علينا زي ما بيقولوا


-صحح كلامك يا أدهم من فضلك ! .. صاح "مراد" بحدة فجأة


تركزت الأنظار عليه، ليتابع بنفس الإسلوب :


-الصداقة دي كانت في الماضي و خلاص خلصت.. أنا صحابي رجالة. مش زبالة و أنجاس زيه !


يتمالك "عثمان" أعصابه بصعوبة عندما سمع هذا الكلام يخرج من فم صديقه المقرب لأول مرة، بينما يلتفت "أدهم" نحو "مراد" موبخًا :


-مراد ! إحنا قولنا إيه ؟ القاعدة دي إتعملت عشان نحل الموضوع مش نعقده و نجرح في الناس كده منغير ما نفهم كل حاجة كويس


مراد بسخرية : إنت فاكر إن ده بيتجرح ؟ ده أبرد من لوح التلج. ده يجيبلك شلل و إنت قاعد صلى عالنبي يا أدهم إنت ماتعرفوش أدي


أدهم بهدوء : عليه الصلاة و السلام.. يا سيدي طبيعي ماعرفوش و إنت تعرفه أكتر مني عشان صاحبك. بس لازم نتكلم و نتناقش بالمعروف. دي مش طريقة يا مراد إهدا عشان تفهم


يقطب "مراد" جبينه بشدة مغمغمًا :


-أنا مش طايقه. مش طايق أي حاجة تيجي من ناحيته. و مش عارف يا أدهم إنت صممت على القاعدة دي ليه ؟ ده واحد قذر عايش طول عمره في نجاسة و قرف و ماستبعدش أبدًا إنه يكون غوى بنت عمه و إنهم إستغفلوني هما الإتنين


في هذه اللحظة لم يستطع "صالح" كبح نفسه أكثر، فقفز واقفًا لينقض على "مراد" بلمح البصر، فيكيل له الضرب و اللكمات العنيفة ...


يهب على الفور كلًا من "عثمان" و "أدهم" للحؤول بينهما، و رغم أن ذلك كان صعبًا بادئ الأمر خاصةً و أن "مراد" إستطاع أن يتغلب على "صالح" في لحظة و كاد ينال منه.. ألا أن "عثمان" حال دون ذلك و أمسك بتلابيب إبن عمه و إجتذبه بعنف صائحًا :


-تعالى هنـــا ! إنت إتجننت ؟ إثبت. إرجع مكانك و إوعى تتحرك سامعنـــي ؟ يا إما تنزل تستناني تحت !


يتراجع "صالح" مذعنًا لأمر "عثمان".. لكن ما زال غضبه يتفاقم، فيدس يده يجيب سترته و يخرج قارورة الكحول الفضية التي يحملها دائمًا و بدون مقدمات يفتحها و يفرغ منها بقوة داخل جوفه ...


بنفس اللحظة "أدهم" يترك "مراد" بعد أن ضمن سيطرته على نفسه، يلتفت فيرى "صالح" يتجرع هذا الشيء، فتجحظ عيناه و هو يصيح بلهجة مهددة :


-إنت بتشرب إيه يا بيـه ؟؟؟


أبعد "صالح" القارورة عن فمه، لينقل نظراته بينها و بين ذاك الذي أطلق سؤاله الساذج بالنسبة إليه، ثم يرد بمنتهى البساطة :


-تيكيلا !


-خمـــرة !!! .. هدر "أدهم" بغضب شديد


-بـــراااااا. إطلعوا بـــراااااااا كلكوا !!!


حاول "عثمان" أن يهدئ "أدهم" عبثًا لم يستطع التفاهم معه، إذ كان مصممًا على طردهم و بدا أن لا نقاش سيجدي معه.. ورغم شدة إضطراب "عثمان" إلا أنه أصر ألا يخرج من هنا إلا بالحل النهائي، فهداه عقله إلى تصرف يرضي مضيفهم


ليلتفت نحو إبن عمه بوجهه المحتقن غضبًا، يدفع به إلى خارج الغرفة بطريقته الهمجية ليخفف من غضب "أدهم" عليهم.. و هكذا طرد "صالح" و أمره بالبقاء في الأسفل ريثما يهبط إليه، ثم عاد إلى المجلس الصغير و قال و هو يعدل هندامه الذي تشعث كليًا إثر هذه الفوضى :


-إللي إنت عايزه ياكتور أدهم.. ماتزعلش نفسك. صالح مشي خالص. ممكن بقى نتكلم في المفيد ؟ أنا سامع !


أغمض "أدهم" عيناه مطلقًا زفيرًا مشحونًا و قال بجفاف شديد :


-أستغفر الله.. بص يا أستاذ عثمان. إنتوا بصراحة ماتشجعوش على أي نقاش. لسا ردود أفعالكوا هوجاء و طايشين و ده ماينفعش. إذا كنت إنت و لا إبن عمي إنتوا الإتنين غلطانين !


عثمان بصلابة : أنا مش جاي أسأل مين الغلطان يا دكتور. أنا جيت عشان حضرتك كلمتني و قولتلي جايز الموضوع يتحل.. أنا عايز أعرف بقى هايتحل إزاي ؟؟؟


صمت "أدهم" قليلًا يستجمع عقلانيته كاملةً، ثم أشار نحو "مراد" قائلًا :


-البيه ده لسا بيحب بنت عم حضرتك و عايزها و ندمان على إللي عمله. سيبك من كلامه ده. أنا متأكد من إللي بقوله هو بس كان رافض يصارحني عشان رجولته ناقحة عليه أوي !


عقد "عثمان" حاجبيه ممعنًا النظر بكلماته، تطلع إلى صديقه فوجده يجلس نفس الجلسة المتوترة و منكمشًا على نفسه بطريقة مضطربة ...


بعد تأمله لبرهة بدأ يقتنع بأقوال "أدهم" نوعًا ما، لكنه عاد يقول له بجدية :


-الكلام ده جميل. و من ناحيتي أقسملك بالله إن مافيش حاجة حصلت بيني و بين بنت عمي و إنها طول عمرها زي أختي. و طبعًا رجوعها لمراد شيء هايبسطنا و يريحنا كلنا.. بس إزاي يا دكتور ؟!!


أدهم بجدية مماثلة :


-ده إللي كنت عاوزك فيه.. مراد زي ما قولتلك رافض يصارحني. هو قالي إنه طلقها أكتر من مرة. بس بيلف و يدور عليا مش عايز يقولي كام مرة بالظبط


-3 مرات يا دكتور ! .. أجابه "عثمان" بصرامة


عبس "أدهم" قائلًا بلهجة متشددة :


-متأكد ؟!


أومأ "عثمان" : متأكد


و هنا ساد صمت مريب، فتململ "مراد" قلقًا و رغمًا عنه تطلع نحو "أدهم" منتظرًا رده.. فلم يجعله ينتظر طويلًا ...


-كده يبقى الموضوع منتهي !


مراد بتوتر : يعني إيه منتهي يا أدهم ؟!!


نظر "أدهم" له و قال بصوته القوي :


-يعني خلاص متحرمة عليك يا مراد. لازم محلل.. و المحلل عندنا في الدين لو بغرض الرجوع للزوج الأولاني محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ»،


-طيب ما هو زواج المحلل مش محرم يا دكتور ! .. قالها "عثمان" مستفهمًا


إلتفت "أدهم" إليه، ليكمل موضحًا :


-في ناس كتير بتعمل كده. أعتقد إنه شيء مكروه في الدين لكن مش محرم !


رفع "أدهم" حاجبيه مدهوشًا من تفكيره و جداله حتى بعد أن آتاه بالبينة ...


أراد أن يبرهن له أكثر على صحة كلامه، لكنه أمسك بآخر لحظة و عوض ذلك قال بغلظة :


-حتى لو ده ينفع.. أعتقد مافيش راجل يقبلها على نفسه !


عثمان بتساؤل : يقبل إيه بالظبط ؟ الجواز ؟ و مين الزوج و لا المحلل ؟!!


أدهم بحدة : الإتنين. و بعدين ده مش مجرد جواز على ورق.. شروط المحلل عشان ترجع للزوج الأول ماتطلقش "حتى يذوق عُسيلتها و تذوق عُسيلته".. ده حديث عن النبي بردو


مراد بقلق أكبر:


-يعني إيه الكلام ده يا أدهم ؟؟!!!


نظر "أدهم" إليه من جديد و فسر له بمنتهى الصراحة :


-يعني المحلل ده لازم يدخل عليها يا رايق عشان ترجعلك !


جحظت عيني "مراد" بصدمة و ما لبث أن نقل ناظريه نحو "عثمان" و كأنه أخيرًا يناشده الحل و المساعدة ...


إلا أن "عثمان" لم يكن هنا أبدًا، كان يفكر بعمق... بمسألة حساسة جدًا للغاية !!!!!!! .................... !!!!!!!!!!!


يتبع ...

( 5 )


_ إحتيال ! _


تستيقظ "هالة" من نومها باكرًا.. تتمطى بفراشها مستقبلة برحابة آشعة الشمس الدافئة المنبثقة عبر شرفتها المواربة


كانت الإبتسامة ملء وجهها


و لأول مرة منذ فترة طويلة جدًا تشعر بكل هذه الراحة و التفاؤل.. إذ أخيرًا بدت أحلامها المستحيلة تلوح لها من قريب، و لعلها تتحقق أسرع مما تتمنى.. بل أنها ستتحقق بالتأكيد، ما من خيارًا آخر


تقوم "هالة" بتكاسل من مضجعها، لكنها سرعان ما تستبدله بالنشاط و هي تخلع روب قميصها الخفيف و تهرع إلى الحمام الملحق بغرفتها.. تأخذ حمامًا ساخنًا لتنعش ذهنها و تصفيه جيدًا من ضغوطات الفترة الماضية.. ثم تخرج ملتفة بمنشفة كبيرة


فتحت خزانتها و أخذت تبحث بعينيها تارة و يديها تارة بين كدسات ملابسها.. إبتعدت تمامًا عن الألوان القاتمة ذات الطابع الرسمي الذي كان يفضلها طليقها.. كانت تعرف جيدًا ما الذي يتعين أن تختاره


إتسعت إبتسامتها و هي تمد يدها لتأخذ ذلك الفستان الزهري المزركش ذي الأكمام الطويلة و القماش الثقيل المصقول.. إرتدته من فورها، ثم إتجهت نحو المرآة


صففت شعرها الطويل و تركته ينسدل خلف ظهرها بحرية دون أن تقيده بشيء، و وضعت بعض من مساحيق التجميل الخفيفة، لكنها أكثرت من طلاء الشفاه الأحمر القانٍ.. لطالما عرفت بأن "عثمان" يعشق هذا اللون خاصةً على النساء


إبتسمت بخجل متحمس و هي تتساءل في نفسها.. ترى ماذا ستكون ردة فعله عندما يراها هكذا ؟ إنها لدعوة صريحة.. و لابد أن يفهمها هذه المرة، يتوجب عليه ذلك بعد كل الذي فعلته لأجله !!!


-صحيتي يا هالة !


إنتفضت "هالة" بخفة حين سمعت صوت أبيها و قد آتى فجأة من خلفها، إلتفتت إليه لتجده يمشي ناحيتها بتؤدة لتكتشف أنها لم تكن منتبهة لأيّ شيء أثناء شرودها بخططها المستقبلية و المتعلقة كلها بإبن عمها و حبيب عمرها.. "عثمان البحيري" ...


-بابي ! .. هتفت "هالة" بإبتسامة مشرقة


-تعالى يا حبيبي. أنا صحيت من شوية و كنت جاية أصحيك عشان ننزل نفطر كلنا.. بس شكلك صاحي من بدري


يقف "رفعت" أمامها و هو يعلق بغرابة :


-أحوالك عجيبة أوي الفترة دي.. و بتصحي بدري كمان !


قهقهت "هالة" برقة قائلة :


-إيه يا بابي و أنا من إمتى كنت كسولة ؟ أنا طول عمري نشيطة أوي


يرمقها "رفعت" بنظرة فاحصة، ثم يقول بنبرة ذات مغزى :


-أحمر على الصبح يا هالة !

يا ترى عشان مين الشياكة دي كلها ؟!


ترتبك "هالة" لدى سماع ملاحظة أبيها الموحية، لكنها ردت بثبات قدر إستطاعتها :


-إيه عشان مين دي يا بابي ؟ مش عشان حد طبعًا. هو عيب لما أبقى حلوة في أي وقت يعني ؟!!


مط "رفعت" شفاهه للأسفل و هو يقول :


-لأ مش عيب و لا حاجة.. بس مش شايفة إن تصرفاتك مش ماشية خالص مع الظروف إللي بتمري بيها


عبست "هالة" و هي تقول بضيق شديد :


-أيوة إيه هي بقى ظروفي ؟ يا بابي إحنا إتكلمنا في الموضوع ده كتير.. و إنت بنفسك قولتلي إللي حصل حصل. ليه عايزني أحطه في دماغي و كل شيء إنتهى خلاص ؟ أنا من حقي آ Move On بحياتي بقى مش هفضل واقفة مكاني يعني


-Move On ! .. تمتم "رفعت" و هو يومئ برأسه و يحرك عينيه يمينً و شمالًا كأنما يتأمل عبارتها


نظر لها من جديد و قال و قد إتسم محياه بقسوة فجائية :


-عايزة تتخطي أكبر مصيبة في حياتك بالسهولة دي يا هانم ؟؟؟


هالة بإستنكار : مصيبة إيه دي ؟!!!


-طلاقك ! .. صاح "رفعت" بغضب


-طلاقك في السن ده أكبر مصيبة. إنتي مش حاسة بإللي بقيتي فيه ؟ و نظرة الناس ليكي هاتبقى إزاي !!!


تنهدت "هالة" مغمضة عينيها بقوة، ثم فتحتهما ثانيةً و نظرت إلى أبيها قائلة بشيء من الهدوء :


-بابي.. حضرتك عارف كويس إن الوضع ده مش هايطول. عثمان إتصل إمبارح و قال إن مراد عايز يرجعني. و طبعًا ده مستحيل إلا لو لجأنا لحل واحد بس


فهم "رفعت" ما ترمي إليه إبنته على الفور، ليقول بحدة :


-ده إللي إنتي حطاه في دماغك بقى ؟ عايزة عثمان يكون المحلل و تمثلي إنك موافقة ترجعي لجوزك صح ؟


تمسك "هالة" بيديه و تتوسله بوهن :


-بابي أرجوك إوعى ترفض. لو عثمان جه و طلب يتجوزني حتى لو محلل إوعي تقوله لأ.. دي هاتكون فرصتي الوحيدة معاه !


يسحب "رفعت" يديه من قبضتيها بقوة هاتفًا بسخرية :


-إنتي فاكرة حتى لو إتجوزك هايقدر يعاملك كزوجة ؟ عثمان عمره ما يعمل كده. هو فيه العِبر لكن كرامة أهله و صديق عمره عنده في المقام الأول. و الأهم من كل ده سيادتك إنه فعلًا متجوز. إنتي إزاي خطر على بالك أنه ممكن يطلبك للجواز و في واحدة تانية على ذمته ؟؟!!


هالة بثقة : هايطلبني يا بابي.. صدقني عثمان هايطلبني للجواز عشان يرجعني لمراد. لكن أنا مش هاسمحله يسبني لما ده يحصل. أنا هاعرف إزاي أخليه يتمسك بيا و يحبني زي ما بحبه. أنا بس محتاجة فرصة أقرب منه.. فرصة واحدة بس بلييزززز ساعدني !


عقد "رفعت" حاجبيه و هو ينظر إليها مشفقًا و غير راضيًا في آن... كانت أمامه كالمسكينة لا تستحق أن يفطر فؤادها بأيّ وسيلة خاصةً بعد الذي قالته


لكنه وجد نفسه يفصح لها بصرامة :


-هالة.. عثمان كلمني شوية. قالي هانحل مشكلتك إزاي.. و ماكنش في كلامه أيّ نية لجوازه منك !


تلاشت لمعة الأمل من عيني "هالة" و إنطفئت شعلة الحماس التي إجتاحتها منذ حلول رابطة زواجها ...


نظرت إلى أبيها بوجوم مريب، ليكمل هو قاضيًا على بقايا الأمل بداخلها دفعة واحدة :


-بالعكس.. هو إقترح حد تاني خالص. بس لسا بندرس القرار كويس. و لو لاقيناه مناسب هايتنفذ.. فاهماني ؟


لا ..


لم تفهم "هالة" أيّ شيء.. كان ذهنها مشوش لأبعد الحدود، إذ شعرت كما لو أن بناءًا إستغرق تشييده سنوات، ثم آتى أحدهم و نسفه بلحظة


هكذا هوت أحلامها و إستحالت سرابًا، لكنها لا والت ترفض فكرة التخلي عن حبيبها.. "عثمان" لها، مهما كلف الأمر هو لها ...


______________________


يصل النهار لمنتصفه، و كما تجري العادة أحيانًا تغيب الشمس خلف سحب ديسمبر الرمادية، بل تهطل أمطار خفيفة فوق المدينة الساحرة الفريدة.. عروس البحر الأبيض المتوسط "الأسكندرية" ...


لكن ذلك لم يمنعه من المرور على بائع الزهور القريب من بيتها، حتى يشتري لها و لأول مرة منذ غادرت حياته بمحض إرادتها باقة من "الليلك".. نوعها المفضل، و التي ترمز بلونها الأبيض إلى البراءة، و الأُرجواني إلى العواطف و الفخر و الثقة


حتمًا أن كل هذه صفاتها.. لا يخالجه شك بأن زوجته تجمع بداخلها كل تلك الخصال المثيرة للأعجاب، لكنها تخفي، لطالما فعلت ذلك و تستمر في فعله.. لكنه اليوم عازمًا على إنهاء وصلة عصيانها، سيجعلها تخضع له و لن يجد أيّ صعوبة في السعي خلف ذلك، فمتى خيبت أمله !


يصل "عثمان" إلى الحارة التي تقطن بها زوجته، يركن سيارته أسفل بنايتها، ثم يترجل مجتذبًا باقة الزهور في يده.. كان قد إستقطب جميع الأنظار إليه فور دخوله إلى المنطقة الشعبية بسيارته الفخمة الفارهة


لكنه من بين كل الذين يرمقونه بنظرات الفضول و الإنبهار لم يهتم لإلقاء نظرة إلا على شخص واحد فقط !


لاحت على فمه إبتسامة مغترة لا تخلو من الهزأ و هو يرشق ذاك ال"خميس" نجل الجزار الذي كان معجبًا بزوجته و يطمح في الإرتباط بها بنظرة مستخفة، ثم أدار رأسه ثانيةً و إتجه إلى داخل البناية تتبعه نظرات حقد من أعين "خميس" المشتعلة ...


صعد "عثمان" إلى شقة زوجته.. جاء ليدق الجرس، لكنه وقف متسمرًا أمام بابها، فجأة أصبح مترددًا هكذا، و لا يعرف السبب.. فقط ظل على وضعيته، و سرعان ما سرقته ذكرى الليلة الماضية ...


Flash Back ...


بعد أن إنفض المجلس الصغير، و ذهب "مراد" بسبيله خائبًا خالي الوفاض.. إستوقف "عثمان" الدكتور "أدهم عمران" و أخذه بعيدًا عن "صالح" الجالس بالسيارة منتظر عودة إبن عمه


لم يتردد و هو يفصح له عن المشكلة الجسيمة التي إرتكبها بحق أسرته و زوجته تحديدًا، أحس ناحيته ألفة و طمأنينة جعلته يسهب في شرح و توضيح كافة التعقيدات منذ البداية.. و بدوره إستمع "أدهم" إليه بإهتمام شديد


ليقول بجدية فور إنتهاء الأخير من الحديث :


-طيب قولي الأول يا أستاذ عثمان.. إنت بتحب مراتك بجد ؟


أجابه "عثمان" دون تفكير :


-بحبها طبعًا يا دكتور. لو ماكنتش حبيتها ماكنتش أتجوزتها مهما حصل و خصوصًا بعد إللي مرينا بيه سوا


أدهم مبتسمًا : طيب لما هو كده. ليه تظلمها معاك و تعذبها ؟ على فكرة إنت حياتك كلها متهربة و بإيدك إنت. إنت لسا ماهدتش لطريقك للأسف


زفر "عثمان" بضيق قائلًا :


-يا دكتور أرجوك أنا مش جاي أخد محاضرة أخلاق و قيم.. أنا بسأل سؤال و عايز جوابه. دلوقتي كده لما أحب أرجعها أعمل إيه ؟ المشاكل إللي بينا خلاص هاتخلص في أقرب وقت. بس لسا في المشكلة دي إللي حكيت لحضرتك عنها.. المطلوب إيه دلوقتي ؟!!


يهز "أدهم" رأسه رامقًا إياه بنظرة مدهوشة و الإبتسامة لا تزال عالقة بثغره الدقيق، لكنه قال في الأخير بلطفه المعهود :


-طيب أستاذ عثمان.. هاجوبك. مبدئيًا مافيش شك إن إللي عملته خطأ كبير.. إنك تحلف على مراتك بيمين صعب و أبدي زي ده. كانت بتتقال زمان ( أنتِ عليّ كظَهْر أمي و أختي ) يعني تشبيه الرجل لزوجته أو لجزءٍ منها بإحدى النساء المحرّمات عليه تحريمًا مؤبّدًا.. بس لما القرآن نزل ربنا حرم اليمين ده أصلًا و جعل له كفارة "وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ"


عثمان بإهتمام : كفارة بس ؟ يعني مش زي الطلاق و المحلل و الكلام ده كله إللي حصل مع مراد ؟؟!


نفي "أدهم" كلامه مؤكدًا بقوله :


-كفارة يا أستاذ عثمان الموضوع بعيد عن الطلاق. إنت حلفت عليها بس ماقولتش مثلًا تبقي طالق. أو إنتي طالق.. مجرد يمين لو حبيت ترجعها هاتكفر عنه


-طيب أكفر عنه إزاي ؟ .. تساءل "عثمان" بحيرة


أدهم بإبتسامة : واضح إنك ندمان إنت التاني و مشتاق لزوجتك.. هاقولك. هاقولك يا أستاذ عثمان و أكسب فيك ثواب !


Back


يفيق "عثمان" من الذكرى حين إنفتح باب الشقة فجأة ..


سمع شهقة متفاجئة، أعقبها صراخ طفولي إنفجرت به شقيقة زوجته الجميلة اللطيفة.. "ملك" ...


-عثمااااااان ! .. صاحت "ملك" بفرحة عارمة فور أن رأت زوج أختها


قفزت عليه و تعلقت بخصؤه بكلتا ذراعاها و هي تهتف بحب :


-وحشتني أوي أوي أوووووووي يا عثمان !


يبتسم "عثمان" بمودة و هي ينحني ليحمل الصغيرة على ذراعه قائلًا :


-الأنسة لوكا بنفسها مستقبلاني. إنتي إللي وحشتيني أكتر يا بيبي .. و طبع قبلة أبوية على خدها


-بس قوليلي يا هانم كنتي فاتحة الباب كده و رايحة فين ؟ بتخرجي منغير إذني و لا إيه ؟؟


كان يتظاهر بالزجر و الحزم، لترد الصغيرة ببراءة :


-لأ و الله مش بخرج غير مع سمر. أنا كنت نازلة عند ماما زينب بس عشان سمر عاوزة منها حاجة


أومأ "عثمان" بتفهم و هو يخطو خطوة داخل الشقة قائلًا بصوت خفيض :


-إممم. أوك يا لوكا.. يعني سمر دلوقتي في أوضتها لوحدها صح ؟


-أيوة لوحدها. و فادي مش هنا كمان 


-عارف يا حبيبتي إنه مش هنا ! .. قالها "عثمان" و قد ألتوى ثغره بإبتسامة خبيثة


حشر باقة الزهور بين ذراعه و ساعده و مد يده إلى جيبه الخلفي مجتذبًا مغلف الحلوى الذي تفضله "ملك".. ليشرق وجهها بالفعل ما أن لوح به أمام عينيها الجميلتين ...


-أنا طبعًا مستحيل أنسى لوكا بتحب إيه و ماجبلهاش منه معايا ! .. تمتم "عثمان" مقبلًا خدها مرةً أخرى


قبضت "ملك" على مغلف الشوكولاه صائحة بإبتهاج :


-هيييييه الشوكلاتة إللي بحبها !


عثمان بنعومة : أيوة يا قلبي هي.. بس أنا بقى عايزك تاخديها و تنزلي عند ماما زينب زي ما أختك قالتلك. بس ماتطلعيش علطول. خليكي قاعدة تحت لحد ما أندهلك عشان أنا عايز أتكلم مع أختك في موضوع مهم.. أوك ؟


أومأت "ملك" موافقة :


-أوووك


-قلبي.. Give Me A Five بقى !


إبتسمت الصغيرة فظهرت غمازاتها و هي تبسط كفها لتضربه بكفه المفتوح كناية عن الوفاق، قبلها "عثمان" على جبهتها للمرة الأخيرة، ثم أنزلها و رأها تركض إلى خارج الشقة.. إنتظر حتى إطمئن بأنها هبطت عند السيدة "زينب" و أن الأخيرة إستقبلتها، ثم ولج من جديد و أغلق الباب من خلفه، حتى أنه أوصده بالمفتاح و تركه بالقفل حتى لا يستطع أحد فتحه


عدل هندامه سريعًا، حمحم منظفًا حنجرته، ثم إتجه مباشرةً بخطواته الواثقة نحو غرفة زوجته !!!!!!!!! ............................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...


الفصول  هاتكون يوميًا بإذن الله و ترقبوا المفاجآت🌹



تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close