الفصل التاسع من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
الفصل التاسع من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
____________
إهداء خاص إلى أمل أحمد ❤️❤️
كل سنة وهي طيبة❤️🫂....
____________
عجبًا تطلبين أن الاحظكِ وأنتِ كل ما تراهُ عيني.
#مقتبسة
"وَاعلَم أنَّ الحُب لَيس بِأنْ يَكون المَحبُوب بِلا عُيوب، وَإنَّما الحُب أَنْ يَظل المَحبُوب برُغم عُيوبه مَحبُوبًا!"
- الرافعي
لا أشتاقك
ولا أنساك
أنا فقط
أعيش في تلك المنطقة
التي لا إسمَ لها
حيث لا الغياب مؤلم
ولا الحضور مُنقذ.
#مقتبسة
أنتَ مَكتوبٌ لي مُنذُ النَظرةُ الأولى....
#مقتبسة
_______________
صباحٍ يومٍ جديد…
هبطت سامية مع صغيرها ليكونا في انتظار الأتوبيس، اليوم لم يتأخرا، ولحسن الحظ بدأ نومهما ينتظم قليلًا بعد أيامٍ من الفوضى.......
اتصلت بها المشرفة وأخبرتها أنها اقتربت، واعتذرت عن التأخير؛ فهذه المرة لم يكن الخطأ منها ولا من صغيرها.....
وقفت سامية تراقب ريان الصامت، الذي كاد يختفي وسط ملابسه الشتوية السميكة بسبب برودة الطقس، بينما كانت تحمل حقيبته عنه.....
جاءها صوتٌ مألوف من خلفها، صوت يُربكها كلما أقترب من دون سبب واضح:
-صباح الخير...
التفتت قليلًا وردّت بنبرة عادية:
-صباح الخير..
انحنى كريم قليلًا ليساوي طوله بطول الطفل وسأله باهتمام كبير:
-صباح النور..
سأله كريم باهتمام:
-عامل إيه يا ريان؟.
أجابه ريان بابتسامة لطيفة:
-الحمدلله كويس.
سأل كريم بفضولٍ عابر، بينما كانت عيناه تزغان إليها رغمًا عن أنفه مع أنه يتحدث مع الصغير لكن رُبما لأن قلبه معها:
-إيه متأخر عن الباص ولا إيه؟.
هز رأسه نافيًا ثم أردف ريان:
-لا هما اللي اتأخروا عليا النهاردة..
ضحك كريم ولم يجد شيء يقوله فتذكر جملته حينما ركب معه السيارة:
-لسه رأسك وجعاك ولا بقيت أحسن؟..
-بقى زي الفل، الحمدلله قدامك.
لم يكن هذا صوت ريان ولا حتى صوت سامية!!
بل صوت زهران بعدما فتح باب الشقة الأرضية المطلة على الشارع، والتي كانت في السابق تجلس فيها هدير، وتضع بها إيناس الأثاث والأجهزة الخاصة بزيجتها الأولى.....
انتفضت سامية على صوته لتجده على مسافة قريبة منها يطل من النافذة...
تمتم زهران بنبرة جادة وابتسامة صفراء:
-صباح الخير يا كريم، عامل إيه؟..
رد عليه كريم يحاول أن يخفي انزعاجه:
-صباح النور يا أبو غالي، أنا الحمدلله كويس.
ثم أضاف بنبرة خفيفة:
-إيه اللي مصحيك بدري كده؟.
قال زهران بنبرة ذات معنى وهو يثبت نظره عليه:
-أنا صاحي اربعة وعشرين ساعة في الأربعة وعشرين ساعة..
ثم أسترسل حديثه:
-النهاردة متأخرش ريان عن الباص تقدر تروح شغلك ومتتأخرش أكثر من كده يا مستر علشان ميخصمش ليك....
ابتسم كريم ابتسامة مقتضبة:
-متخافش عليا يا عم زهران، أنا خلاص ماشي أهو أنا بس جيت أسلم على ريان..
قال زهران في اللحظة التي بدأ فيها الأتوبيس يقترب:
-الله يسلمك.
ابتعد كريم بخطوات سريعة تخفي ضيقه فلم يكن يريد منها شيئًا، لا كلمة، ولا وقفة، ولا حتى نظرة.....
كان يريد فقط أن يطمئن أن وجوده لا يُزعجها، بينما سلمت سامية طفلها للمشرفة وانتظرت حتى تحرك الأتوبيس، ثم ولجت إلى الداخل تحديدًا فناء المنزل، ليقابلها زهران الذي خرج من الشقة لتوهه.......
فقالت سامية بانفعال مكتوم نابع من حرجها:
-في إيه يا عمي إيه اللي بتعمله ده؟..
رد زهران ببساطة مستفزة:
-عملت إيه يعني؟.
-طريقتك وحشة جدًا وأحرجتنا وهو أصلا هيسلم على ريان وهيمشي...
قال زهران وهو يردد حديثه السابق بوضوح وهو يرفع سبابته في وجهها محذرًا:
-قولتها وبقولها تاني، صدف الواد ده وكل شوية ينط قدامك كتير ومش عجباني، مشوفكيش واقفة معاه تاني..
ثم أردف بصرامة:
-وبعد كده لو أنا صاحي هنزل الواد، مش صاحي متنزليش إلا لما الباص يجي ومتفضليش واقفة في الشارع...
تمتمت سامية بانفعال وكأنها لمحت في حديثه شكًا واضح:
-هو أنا عملت إيه أصلا؟ ما كل الستات في الشارع اللي واقفة مستنية الباص واللي بتوصل عيالها، والشارع كله ناس، وبعدين...
قاطعها زهران بجدية:
-أنا شايف أنك متناقشنيش أنا اللي أقوله يتسمع، أنا فاهم عنك، ومش كل يوم والتاني هلاقيكي واقفة معاه، ولو جه تاني يسلم على الواد اعملي نفسك مش سامعة متديهوش فرصة يقف معاكي...
انزعجت سامية، كما أنها شعرت بالإهانة، وباتهامٍ لم يُقال صراحة، لكنه كان واضحًا....
فصعدت على الدرج ليصعد خلفها...
ولجت هي إلى حجرتها بينما هو ولج إلى حجرته مع زوجته التي كانت تتقلب في الفراش وتزامنًا مع دخوله فتحت عيناها نصف فتحة ثم سألته:
-هي الساعة كام؟.
رد عليها زهران بهدوء:
-سبعة لسه.
سألته انتصار بصوتٍ ناعس:
- إيه اللي مصحيك بدري كده وكنت فين؟ وموبايلك كان بيرن ليه؟ أنا افتكرت بقينا الضهر..
قال زهران وهو يجلس على الأريكة في الغرفة والأفكار تتوالي في عقله:
-ده المنبة..
-إيه اللي مخليك تظبط منبة بدري كده؟ هو في حاجة؟.
كان عقله مشغولًا وهو يخبرها:
- لا مفيش، نامي أنتِ متشغليش بالك....
______________
تتناول حور فطورها مع عائلتها قبل أن تذهب إلى الجامعة......
المائدة بسيطة، والروتين مألوف، لكن الصمت كان أثقل من المعتاد، يتسلل بين الثلاثة بلا دعوة......
ظلت حور تقلب قطعة الخبز بين أصابعها، بينما كان دياب يحتسي شايه في هدوء، وعينا حُسنية تتنقل بينهما كعادتها، تراقب أكثر مما تتدخل.......
قرر دياب أن يقطع هذا الصمت وهو يسأل شقيقته:
-هتخلصي الجامعة الساعة كام؟.
رفعت حور رأسها إليه باستغراب واضح:
-اشمعنا؟.
زفر دياب بسخرية خفيفة:
-هو إيه اللي اشمعنا ما تردي ياستي قولي هتخلصي امته محسساني أنه سؤال غريب يعني مش بسأله ليكي علطول...
ابتسمت حور ثم قالت بنبرة عفوية، وهي تهز كتفيها:
-مفيش بس أنا بقلق منك عمومًا...
ثم أضافت:
-المهم هخلص على الساعة خمسة أو ستة ان شاء الله.
أومأ دياب برأسه، وبعد أن أخذ رشفة أخيرة من كوب الشاي الذي فرغ تقريبًا، قال بنبرة خافتة كأنه يقرر شيئًا:
-هعدي عليكي أن شاء الله..
ضيّقت حور عينيها، وحدّقت فيه بريبة:
-لا في حاجة بقا مش طبيعية..
ابتسم دياب ابتسامة جانبية يعرفها جيدًا، ثم قال:
-هعدي عليكي وهنروح نجيب اللاب توب اللي أنتِ عايزاه، علشان اتفضحنا فيس بوك وكل حتة أن اللي معاكي كحيان...
لم تمهل حور نفسها ثانية واحدة؛ صرخة فرح خرجت منها بلا وعي، ثم نهضت من مكانها وانقضت عليه تعانقه بقوة حتى كاد المقعد الخشبي أن يختل بهما..........
اعترضت حسنية فورًا قائلة:
-يابت براحة، بطلي جنان....
ابتعدت حور عنه وهي لا تزال تضحك، ثم سألته بجدية ممزوجة بالدهشة:
-بتتكلم بجد ولا دي أحلام ما قبل الضهر؟؟.
ابتسم لها دياب ثم غمغم:
-بجد، بما أن ايناس سبقتني في عيد ميلادك وغيرتلك الموبايل، أنا هجيبلك اللاب توب، بس ياريت تبطلي صياح بقا...
ضحكت حور ثم قالت بمرحٍ:
-ده أنا هخرس خالص مش هبطل بس..
كانت حُسنية تتابعهما بأعين فخورة بتربيتها إلى أولادها، وخرجت من هذا الفخر على صوت حور وهي تخبرها:
-ما تعمليلي سندوتشين أخدهم معايا كده انقنق فيهم في الجامعة عقبال ما ألف الطرحة....
هزّت حسنية رأسها مبتسمة، ونهضت بالفعل لتجهز لها الشطائر، وضعتها في علبة بلاستيكية وأعطتها إياها.....
أخذت حور العلبة، لوّحت لهما بيدها، ثم غادرت...
وقد كانت جامعتها قريبة من المنزل نوعًا ما تستقل مواصلة واحدة فقط....
ولم تنتظر دياب لأنها تعلم جيدًا بأنها لو انتظرته لن تستطع اللحاق بالمحاضرة بلا شك...
بقي دياب جالسًا مكانه بعد رحيلها....
صنع لنفسه كوب قهوة، وعاد إلى الطاولة، لكن ذهنه كان بعيدًا تمامًا عن رائحتها أو دفئها....
-هتفضل قاعد كده كتير؟.
انتبه دياب إلى سؤال والدته، فتحدث بنبرة عابثة:
-زهقتي مني ولا إيه يا حسنية؟.
تمتمت حُسنية ساخرة:
-اه زهقت، من حالك، ومن اللي أنتَ فيه، ست شهور وأكتر عدت وأنتَ مش عارف تراضي مراتك وسايبها في بيت ابوها، استحالة ده يكون دياب أبني اللي يعرف الأصول والصح والغلط، ولا خلاص بدل ما تكبر وتعقل، كبرت واتجننت ومبقتش تعرف أن مش من الأصول تسيب مراتك كل ده؟!..
قال دياب باختصار، وكأنه يحسم النقاش:
-أكيد لو ينفع ترجع، كانت رجعت يا أمي..
هزّت حسنية رأسها بحدة:
-ولو كانت عايزة تطلق منك كانت خلت أبوها يطلقها منك، أو خلعتك من بدري ومكنتش هتستنى، وأكيد أبوها مش عاجبه الوضع، عيب اللي بيحصل ده، متفتكرش نفسك كبرت عليا، لغايت أخر يوم في عمري هفضل أقولك الصح من الغلط....
ابتلعت ريقها، ثم قالت بجدية أثقل:
-روح رجع مراتك وراضيها ريناد بنت ناس ومحترمة وباقية عليك، سواء هي غلطت أو أنتَ غلطت، الدنيا لازم تمشي ولازم ترجعوا بيتكم علشان بنتكم متفضلش متشتتة ما بينكم....
ظل دياب صامتًا لثوانٍ، ثم قال بهدوء شديد، كأنه ينتظر تلك اللحظة:
-قريب يا أمي، ان شاء الله كل حاجة هترجع وأحسن من الأول متقلقيش، فاضل تكة بس وان شاء الله كله هيتصلح....
كادت حسنية تسأله....
هل يقول الحقيقة أم يزرع فيها أملًا جديدًا؟
لكن رنين الهاتف الخاص بدياب قاطع حديثهما....
فنظر إلى الشاشة..
ليجد...
اسم ريناد...
فأجاب على الفور....
بالتأكيد طفلته هي المتصلة؛ فـ محبوبته تمنعه من سماع صوتها في أغلب الأوقات.....
____________
يقف حمزة المغربي أمام الأريكة التي يجلس عليها صغار شقيقه خالد؛ الأكبر نور في الخامسة من عمره، وإلى جواره نوح الذي لم يُكمل عامه الرابع بعد.....
أما الرضيعة فكانت ممددة على المقعد القريب، تركتها أمها بعد أن أرضعتها، مطمئنة لوجود الصغار تحت أعين الجميع؛ حمزة، وأبيهم، وزوجها الذي باغتته مكالمة هاتفية فابتعد قليلًا......
انحنى حمزة أمام نور، وأضاء كشاف هاتفه داخل فمه قائلًا بنبرة جادة مصطنعة:
-افتح بوقك كويس يا نور...
فتح الطفل فمه مطيعًا، ويأخذ حمزة يفحصه بعناية مبالغ فيها، ثم قال وهو يهز رأسه:
-لا ضروسك مسوسة أوي، قولنا كفايا حلويات، لازم تروح لدكتور....
انتفض نوح بحماس وهو يقفز من مكانه كأن عمهما يوزع الحلوى عليهما:
-طب وأنا يا عمو...
اقترب حمزة منه وضحك، ثم وجه ضوء الهاتف داخل فمه وقال بعد ثوانٍ:
-للأسف شكل سنانك كويسة، بس ممكن ناخدك مرة تانية احتياطي...
ظهر خالد في تلك اللحظة، وقال وهو يراقبهما باستغراب:
-تاخدهم فين؟.
اقترب من المقعد حيث كانت رضيعته نائمة بسلام، حملها بحذر فقد راحت في سبات عميق في تلك الأوقات التي يجب ألا تنام فيها تكون تلك أوقاتها المفضلة، وجلس وهو ينظر إلى أخيه يسمعه وهو يقول:
-أنا هاخد العيال دي لدكتورة سنان شاطرة جدًا بجد، لازم يروحوا مينفعش تهملوا سنان العيال من وهما صغيرين كده، خصوصًا أن لسه سنانهم هترجع يطلع غيرها ومهم جدًا تهتموا بيهم..
قال خالد ببساطة:
-بيروحوا لدكتور كويس جدًا، يمنى بتأخدهم.
هز حمزة رأسه نافيًا، وبنبرة خالية من المجاملة:
-لا متأكد مدام سايب سنان الواد نور كده يبقى مش كويس...
قطب خالد حاجبيه:
-هو أنتَ عرفت دكاترة شاطرين هنا أمته؟، ده أنتَ شخصيًا لو عايز تروح تجيب حاجة بتروح باللوكيشن من كتر ما كل حاجة اتغيرت ومش فاكر أماكن حاجة...
ابتسم حمزة ابتسامة خفيفة وقال:
-عرفت؛ مش كنت من كام يوم عند دكتورة سنان؟ وأنا بعرف الدكتور الشاطر بسرعة..
ثم اقترب فجأة، ووجه ضوء الهاتف ناحية فم خالد:
-افتح بُوقك كده..
هدر خالد بسخرية:
-افتح بوقي إيه؟ أنتَ اتجننت..
ضحك حمزة ثم أجابه ببساطة:
-هشوف سنانك بس...
في تلك اللحظة خرجت يمنى من المطبخ:
-يلا الأكل خلص......
تنهد خالد ثم قال وهو ينظر إليها:
-كويس أنك جيتي يا يمنى في وقتك المناسب؛ حمزة سلوك دماغه ضربت أكتر مما كان قبل كده..
لم يصاب بالجنون..
لكنه رُبما أصيب بالحب وفي بعض الأحيان هذا أخطر بكثير....
هو ليس مجنونًا بل هو رجل يبحث عن حجة و عن سبب بريء يبرر به لقاءً جديدًا.....
بعدما تناول الطعام مع شقيقه وعائلته اللطيفة هبط إلى شقة والده التي يمكث فيها وبالمناسبة هي تتواجد في البناية ذاتها، خلع قميصه وأمسك هاتفه ولم يمنع نفسه من فتح ملفها الشخصي للمرة التي لا يعرف عددها اليوم لعل هناك جديد..
وبالفعل كانت منذ دقائق قليلة جدًا حدثت الصورة الخاصة بملفها الشخصي، إلى صورة تجمعها برجل وامرأة، وخلفهما بيت الله الحرام..
"الكعبة"....
ابتسامتها كانت صافية، حقيقية، بلا مجاملة، ووجهها مشرق، وعيناها ممتلئتان بالسكينة......
ذلك المشهد وحده كان كفيلًا بأن يبعث الطمأنينة في صدره.....
تلك الخلفية العظيمة التي تعلن عن مكان التي يرغب في زيارته يومًا ما حينما تسنح له الفرصة المناسبة...
يبدو أنها في إجازة الآن...
إجازة من الأعمال وكل ما يُرهق الروح..
وتعيش أجمل أيام من الممكن أن يعيشها المرء...
لذلك عليه أن ينتظر أن يجمعهما لقاء جديد....
يتمنى أن يكون في القريب العاجل....
وأن يكون قريبًا أكثر مما يتخيل.....
______________
تجلس ريناد في النادي، على المقعد المواجه لحوض السباحة، تراقب ابنتها الصغيرة وهي تتحرك في الماء بتردد طفولي جميل........
كانت قد فردت روب الاستحمام على فخذيها، تهيئه لتلف به ليان فور انتهائها، حتى لا يلسعها الهواء البارد......
الآن هي تتعلم بداية أساسيات السباحة...
فتحرص ريناد على أن تمارس الرياضة منذ طفولتها....
وضعت ريناد السماعات في أذنيها، وانشغلت بالمشهد أمامها، نظارة الشمس تخفي عينيها، وخصلات شعرها المتحررة تخفي سماعاتها، فبدت كأنها منفصلة تمامًا عما حولها.......
كان يجلس بجوارها رجل في منتصف الثلاثينات من عمره، وكان والد صديقة ليان المقربة في التمرين التي تدعى "رؤى"، نظر أمامه وقال بصوت عادي:
-أنا بفكر أقدم لرؤى جمباز...
لم تلتفت ريناد ببساطة لأنها لم تسمعه، فأكمل هو حديثه ظنًا أنها تسمعه:
-أنا سمعت أن ليان بدأت بالية براعم....
-لا مبدأتش...
لم يكن هذا صوت ريناد...
بل صوتًا رجوليًا واضحًا....
كان صوت دياب....
رفع الرجل رأسه بدهشة، وفي اللحظة نفسها كان دياب قد اقترب، انحنى قليلًا وترك قبلة خفيفة على رأس ريناد، انتفضت في مقعدها، وسقطت إحدى السماعات من أذنها على الأرض مع حركتها المفاجئة......
ثم نظرت إليه بذهول وانفعال ثم سألته بدهشة:
-أنتَ بتعمل إيه هنا؟.
ابتسم دياب ابتسامة صفراء، واقترب أكثر غير عابئ بالأنظار، ثم طبع قبلة أخرى على جبينها:
-قولت اعملها ليكي مفاجأة يا حبيبتي...
قالت ريناد بنبرة هامسة:
-حبك برص ان شاء الله...
كان الرجل يراقبهما بعدم فهم وحيرة شديدة بينما دياب أقترب منه ومد يده إليه قائلا:
-أنا بابا ليان، حضرتك بابا رؤى صح؟..
صافحه الرجل بإيماءة:
-ايوة.
قال دياب بنبرة حاول أن يجعلها طبيعية:
-ليان علطول بتتكلم عن رؤى وبتحبها أوي...
ابتسم له الرجل متمتمًا بحيادية حينما شعر بأن من أمامه تأكله الغيرة من دون سبب وجيه، فالرجل يشعر بالرجل مثله:
-ورؤي كمان..
أمسكت ريناد بيد دياب وسحبته خطوات بعيدًا عن المكان المخصص لأولياء الأمور، وعيناها ما زالتا معلقتين بليان في الماء:
-أيه اللي جابك؟ من امته بتيجي النادي؟..
رد عليها دياب ببساطة:
-كنت باجي معاكي قبل كده لو تفتكري...
-كنت بقا، لما كانت كل حاجة كويسة..
ابتلع دياب ريقه ثم رد عليها:
- ليان قالتلي أنها عايزة تشوفني لما اتصلت بيا الصبح إيه مشكلتك؟؟...
ضحكت ريناد باستهزاء وهي تخبره بسخرية مريرة:
-تفتكر هتكون إيه مشكلتي؟ مشكلتي إني مش عايز أشوف حضرتك....
كاد دياب أن يرد عليها لولا ليان التي كانت تقترب منهما وهي تصرخ بحماس كبير..
-بابي.....
كانت ترتدي الملابس الخاصة بالسباحة احتضنت دياب من خصره فحملها بين ذراعيه غير عابئًا بأنها قد تبلل ملابسه وفي تلك الأثناء ذهبت ريناد وجاءت بروب الاستحمام الخاص بطفلتها والتي كان قد تركته على المقعد عند نهوضها وجاءت به مغمغة:
-تعالي يا ليان علشان متبرديش البسي البرنس علشان نروح نغير هدومك.....
قالت الفتاة وهي تحضتن دياب وتترك قُبلة على وجنتيه تحت ابتسامته:
-أنا هرجع تاني متمشيش ها...
استجاب "دياب" لتحذيرها ثم غمغم:
-ماشي روحي مع ماما وأنا مستنيكي.....
بعد قرابة نصف ساعة...
خرجت ليان بملابسها الجافة، شعرها مرتب، ووجنتاها محمرتان من الدفء، كان دياب جالسًا على المقعد البلاستيكي ينتظرهما......
كانت ريناد تمسك كف يد ليان بيد واليد الآخرى تحمل الحقيبة الموضوع فيها متعلقات صغيرتها...
قالت ليان بتذمر طفولي:
-أنا جعانة أوي...
ردت عليها ريناد بنبرة هادئة:
-أحنا لسه واكلين قبل التمرين وبعدين خلاص نص ساعة وهنكون في البيت وهتأكلي براحتك..
توقفت ليان أمام دياب فجأة:
-لا مش هأكل في البيت، بابا وعدني وأنا بكلمه الصبح أنه هياخدنا ونأكل بيتزا...
عبست ملامح ريناد وقالت بنبرة جافة وهي تنظر له:
-خلاص يا حبيبتي روحي كلي البيتزا مع بابي وبعدين هو هيرجعك للبيت...
سألتها ليان وهي تضيق عينيها وتنظر لها:
-ليه وأنتِ هتروحي فين؟.
-البيت..
كان دياب يراقبهما بصمتٍ فقالت ليان بنبرة مختنقة وكلمات متقطعة:
-لا؛ أنا عايزة أخرج معاكم أنتم الاتنين هتروحي البيت تعملي إيه؟.
رد عليها دياب بعدما نهض من مكانه واقترب منها، هابطًا إلى مستواها:
-هنتغدى كلنا مع بعض ماما أصلا مش هتزعلك هتيجي معانا طبعًا..
ثم اعتدل وأقترب من ريناد هامسًا:
-مش هيحصل حاجة لما تيجي معانا يا ريناد، خلينا نتغدى مع بعض علشان ليان متزعلش، وحتى سيبي عربيتك هنا ونبقى نرجع ناخدها..
ردت عليه ريناد ساخرة:
-مش هسيب عربيتي ومتحلمش إني هركب عربيتك تاني، لو عايز تيجي معانا في العربية وتسيب عربيتك ماشي؛ أو تعالى بيها أنتَ حر، وبعدين أنا هاجي علشان خاطر ليان، وعلشان خاطر متزعلش.
وقف دياب لحظة، ثم أومأ.
وكان ذلك كافيًا ليشعر أن بابًا قد فُتح…
ولو قليلًا......
بعد مرور ساعة تقريبًا…
كانوا في المول التجاري......
جلست ليان بين والديها، تتناول قطعة البيتزا بضحكتها التي اشتاقا لها معًا دون أن يعترفا، منذ أشهر طويلة لم يجتمع الثلاثة حول مائدة واحدة، ولم تشعر الطفلة بهذا القدر من الاكتمال، فالطفل لا يفهم التفاصيل، لكنه يشعر بالدفء حين يكون الأب والأم قريبين، حاضرين، يحاولان، فالطفل يشعر معما فعل الأهل من احتياطات ومراعاة إلى مشاعره...
انتهت ليان من طعامها سريعًا، وطلبت الذهاب إلى منطقة الألعاب.
أصرّت أن يلعب معها والدها، الذي فعل ما أرادته، وحين جاءت لعبة لا تحتاج وجوده، جلست ليان مع الأطفال، بينما عاد دياب إلى الطاولة حيث تنتظره ريناد، وكانت ابنتهما أمام عينيها، لا تغيب عن عيناها لحظة.....
ساد صمت خفيف، لم يكن ثقيلًا…
كان ممتلئًا بالذكريات....
تمتم دياب أخيرًا بصوت صادق، كأنه يخرج من قلبه لا من فمه:
-وحشتيني، وحشني حتى إني أقعد أكل معاكي، وحشتني كل حاجة ما بينا...
أخذت ريناد رشفة من كوب العصير، متعمدة الصمت، رغم أن كلماته أصابتها مباشرة في موضع لم يلتئم بعد،
قالت أخيرًا بصوت منخفض:
-كان المفروض كنت تفكر في كل ده قبل ما ترد عليها........
أجابها دياب بجدية، دون محاولة دفاع عن نفسه:
-عارف إني غلطان وندمان، مستحقش تسامحيني؟ دي أول مرة أعمل حاجة تزعلك وأغلط في حقك، أنا اسف يا ريناد، وصدقيني أنا ولا بكلمها ولا ليا علاقة بيها...
غمغمت بقسوة مصطنعة:
-مش فارقلي.
خفض صوته أكثر، كأنه يخشى أن تنكسر كلماته قبل أن تصل:
-قريب هثبتلك موضوع الصور أنا من ساعتها بشوف الموضوع ووصلت لطرف خيط، أنا بحبك يا ريناد ومبحبش غيرك ومعتقدش دي حاجة محتاجة تتأكدي منها، ولسه عايز نكمل حياتنا مع بعض زي ما وعدنا بعض كتير أوي..
رفعت عينيها إليه، تحبس دمعة أبت أن تسقط:
-أنتَ اللي خلفت بالوعد..
وضعت الكوب على الطاولة، وأسندت كفيها عليها، كأنها تتشبث بثباتٍ زائف يمنعها من الانهيار، مد دياب يده، ووضعها فوق كفها بحذر، كأنه يخشى أن تسحبها لكنها لم تفعل وكأنها كانت قد تحتاج إليه، سألها بجدية ويتمنى أن يحصل على إجابة:
-أعمل إيه علشان تسامحيني؟؟...
أجابت بصراحة موجعة:
-معرفش، صدقني أنا شخصيا معرفش إيه اللي ممكن يخليني أسامحك.
اقترب دياب قليلًا:
-اديني فرصة يا ريناد، ارجعي البيت من تاني، أنا مدخلتش هناك من ساعة ما اتخانقنا، دخول البيت من غيرك أنتِ وليان مبقاش ينفع، وبعدين أنا أتكلمت مع باباكي وهو عرف كل حاجة قولتله أنا عملت إيه وأنتِ عملتي إيه، خلينا نرجع بيتنا، لكن هتفضلي تتجاهليني.......
ابتلعت ريقها، ونظرت إليه بعينين متعبتين:
-اثبتلي الأول الصور دي اتاخدت إزاي وبعدين نشوف.
ترك يدها ببطء، لكنه شعر لأول مرة منذ شهور…
أن الباب لم يُغلق...
____________
يجلس طارق مع شقيقته في المنزل، يتناولان مشروب الشوكولاتة الساخنة التي حضرتها من أجلهما.......
منذ أيام، كانت هدير تعمل على إنهاء إجراءات السفر مع أحمد بعد توثيق الزواج...
غادر والد أحمد، وبقى أحمد في مصر على أن يسافر بعد ثلاثة أيام لإتمام إجراءات الإقامة الخاصة بزوجته، وبعدها سيعود لإقامة حفل زفاف صغير مع والده ووالدته، ثم تغادر هدير معهم......
كانت مشاعر هدير مختلطة بين الفرح والترقب والخوف من المجهول..
دعاه طارق إلى المنزل بعد الغد قبل سفره....
ففي الأيام السابقة دعاه إلى أكثر من مكان لتناول الطعام في الخارج، حتى حينما دعاه إلى المنزل هو ووالده مرة واحدة وكان الطعام من الخارج أيضًا.....
يستطيع طارق إعداد الطعام لكن مذاقه لا يكون فاخرًا ولا يستطيع أن يصنع عزيمة بمفرده وكانت هدير مثله في تلك النقطة، هي تصنع بقدر ما يحتاج المرء حتى يستكمل يومه وليست ماهرة إلى حدٍ كبير...
أثناء مناقشتهما فيما سوف يفعلا بعد الغد قال طارق:
-في صفحات كتير بتعمل أكل بيتي ممكن نجيب منها ونعمل اوردر، ونجيبه حتى وتسويه بس ونريح دماغنا..
قالت هدير بجدية:
-طنط حُسنية قالتلي أنها هتيجي هتساعدني في الأكل وقالتلي مشيلش هم..
تنهد طارق بهدوء، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يرد:
-بلاش تتعبيها وخلاص نحل احنا الموضوع، اه ممكن تيجي بس مش لازم توقفيها وتتعبيها، اللي بتعرفي تعمليه اعمليه واللي مبتعرفيش نجيبه على السوى...
ابتسمت هدير رغمًا عنها، وقالت بنبرة جادة:
-والله أنا مش بتعب حد ولا بحرج حد، أصلا أنا كنت بتكلم معاها هي وحور على أساس أننا هنجيب أكل من برا وخلاص، وهي صممت وحلفت أنه لازم نعمله أكل في البيت وعيب كل مرة نأكله برا ولازم يدوق الأكل البيتي وهي قالتلي هتيجي وتكون معايا وتساعدني..
هز طارق رأسه بإيجاب، وابتسم وهو يشعر بالمسؤولية تجاه شقيقته:
-طيب مدام كده، ابقى كلميها وشوفي هي هتحتاج إيه، نجيبه سواء طلبات للأكل أو للبيت هي أكيد ليها رؤية وأحنا هنا أصلا شقة تحسيها عاملة زي شقق المصايف كده نص الحاجة مش موجودة..
ضحكت هدير بخفة، وقالت:
-معاك حق والله، هقولها وبعدين بكرا هروح عندهم واشوف هنحتاج إيه ونجيبه لسه هو جاي بعد بكرا يعني معانا وقت..
هز طارق رأسه بإيجاب..
ساد الصمت بينهما قليلًا لم يكن هناك سوى صوت التلفاز إلى أن تحدث طارق بجدية:
-أنا عايزك أول ما تروحي تعملي حساب هناك وهبعتلك عليه فلوس كل شهر، ودي أول حاجة تعمليها لما تروحي ان شاء الله، وأحمد قال معندهوش مشكلة تشتغلي، بس أنتِ حرة في ده عايزة تشتغلي ولا لا، ودراستك هناك وورقك وحاجات كتير تخليكي تشتغلي شغلانة كويسة خصوصًا أن هيكون معاكي إقامة....
ابتلع ريقه واسترسل حديثه وهي تسمعه بحذر:
-عايزك تكوني واثقة من نفسك، ومتفتكريش أنك لوحدك أبدًا، أنتِ أصلا عرفتي الدنيا هناك وعرفتي الناس اللي أنا أعرفهم هناك يعني مش لوحدك ومفيش أي حاجة تجبرك على أي وضع مش حباه...
ترددت ثم قالت بنبرة عاطفية:
-ما تيجي يا طارق وترجع تاني تعيش هناك وتكون جنبي، هتعمل إيه هنا؟؟ يعني حياتك كلها بقت هناك...
ابتسم لها طارق، وعيناه تحملان مزيجًا من الحنين والحب:
-ارجع؟ ده أنا لما صدقت جيت يا هدير، حياتي كانت كلها هناك بس برضو بشكل مؤقت أنا عمري ما اتعاملت هناك أني هفضل طول عمري، بالعكس كنت مستني اللحظة اللي هنزل فيها هنا..
قالت هدير بسخرية موجعة:
-بس أحنا ملناش حاجة هنا يا طارق لا لينا أهل والمعارف نسيونا لولا بس عيلة خطاب ودياب وأهله.
تنهد طارق وهو يتذكر لحظات لا يرغب في أن تأتي على عقله:
-أنا مش حابب ارجع هناك، يمكن العيشة هناك أحسن في حاجات بس كانت بالنسبالي أوحش وبفتكر ذكريات أنا مش عايز افتكرها، طارق اللي جيتي وعيشتي معاه فترة الجامعة هو كان عايش في أحلى سنين قضاها هناك لكن دي مكنتش عيشتي أنا اتمرمطت هناك أوي علشان تيجي تلاقيني عايش كده....
لاحظ عبوس وجهها فغمغم بحنان وهو يحاول أن يبث الطمأنينة بها:
-أنتِ مش لوحدك يا هدير..
قاطعته هدير وكأنها تعلم بأنه سوف يعيد حديثه أو يخبرها بأشياء تعلمها:
-عارفة إني مش لوحدي بس كنت هكون مبسوطة لو بقيت معايا...
-أكيد هسافرلك وهجيلك، وهكون معاكي وحواليكي دايما متقلقيش ولا تشيلي هم حاجة أبدًا طول ما اخوكي موجود، وبعدين برضو أنتِ كمان هيكون عندك حياة وبيت.
ثم سألها مقررًا أن يمرح معها:
-أنتِ خايفة تسافري مع أحمد؟ يعني بصراحة المفروض هما اللي يخافوا منك..
شعرت هدير بالخجل وضحكت في وقتٍ واحد..
قالت هدير بنبرة جادة:
-هو قال أن إجراءات سفري هتأخد وقت شوية..
رد طارق بثقة وحزم:
-اه عارف، عقبال ما يطلع ليكي لم شمل أو فيزا عائلية، ويمكن هو يعرف ينجز فيها أكيد هيتصرف ولما ينزل مع أهله بقا ويكون خلص الورق نعمل فرح صغير على قدنا كده وبعدين تسافروا...
نظر إليها طارق، وعيناه تلمعان بمزيج من الحنين والقلق، فهو يشعر بأن كل لحظة يقضيها معها الآن هي تحصيل لذكريات لا تقدر بثمن...
فهو سوف يشتاق إليها.....
وسيظل باله مشغولًا عليها حتى لو حاول ادعاء العكس...
يتمنى أن تكون أيامها القادمة مليئة بالخير والبركة في حياتها الجديدة.........
____________
في اليوم التالي....
يجلس في شقته منزعجًا....
اليوم لم يراها...
بل كان زهران هو من يقف مع الصغير ينتظر الأتوبيس...
كأن هذا اللقاء الذي لا يكفيه أبدًا؛ وجده زهران حرامًا وكثيرًا عليه.....
كان في حالة منزعجة منذ الصباح حتى أنه أنهى دروسه ولم يتناول الغداء مع عائلته وصعد إلى شقته مباشرًا
كان يجلس على الأريكة غاضبًا..
ذاك الغضب الذي لا تجرؤ على التصريح به...
ولو صرحت يكون في أضيق الظروف والحدود...
مرة واحدة وجد شقيقته أمامه فقال كريم من وسط شروده:
-بسم الله الرحمن الرحيم..
قالت نورا ساخرة:
-إيه شوفت عفريت؟..
تمتم كريم وهو يحاول السيطرة على انفعاله:
-هو أنتِ علشان معاكي نسخة هتفضلي طالعة ونازلة بيها؟ ما ترني يا بني أدمة، هو مفيش خصوصية..
ابتسمت نورا بجاذبية عفوية وجلست بجواره وهي تقول:
-لا مفيش خصوصية، ولو فعلا عايز تجرب يعني إيه مفيش خصوصية هطلع ليك أمك وهالة وساعتها تعرف أن أنا نسمة بالنسبالهم..
ضحك كريم رغمًا عن قلبه المثقل، ثم ساد الصمت بينهما للحظات قصيرة، حاول خلالها أن يهدأ، وقالت نورا بعد لحظة:
-مالك بقا، حتى الأكل مكلتش معانا ولا اتصلت بيا أطلعلك أكل، ومن عادتك مش بتحب تأكل برا أصلا، حصل حاجة ولا إيه؟..
تمتم كريم بحسرة مختلطة بسخرية:
-هي المشكلة أنه كالعادة محصلش حاجة..
-لا من الأول بقا فهمني.
سكت قليلًا، ثم بدأ يروي لها ما يثقل قلبه، مشاعره المتضاربة، رغبته القوية في الاقتراب منها، وحتى هذا اللقاء الذي لم يكن يكفيه قُيد عليه من قبل زهران أيضًا..........
فهو قريب إلى هذا الحد لكنه لا يستطع الاقتراب منها، ولا يدري ماذا يفعل أكثر من ذلك؟؟..
هل يقطن معهما في المنزل ذاته؟؟؟؟
لو كان هناك فرصة لفعلها.....
تمتم كريم بانزعاج جلي بعدما أنهى من سرد ما يغضبه:
-مش عارف ليه كل حاجة صعبة كده؟..
قالت نورا ببساطة لكنها اختبرت قلبه:
-ما تروح تقولها في وشها أنا بحبك ومعجب بيكي، وخلصنا بقا....
ثم توقفت للحظة، ونظرت له بعينين تتساءلان عن مدى شجاعته وإلى أي مدى يصل دفاعه عن حبه:
-أنتَ خايف يعني من ماما؟.
هز رأسه نافيًا، وخرج صوته خافت لكنه واضح:
-لا، وأنا مبخافش من حد يا نورا، لو فاكرة كده يبقى لسه متعرفيش أخوكي كويس، بس افرضي روحت والاحتمال الأكبر أنها هترفضني كده هتقول لأهلها وأنا بقعد مع ابن عمها على القهوة الوضع هيكون أصعب وأنيل...
سألته نورا بدهشة:
-هو أنتَ ليه متأكد أوي كده أنها هترفض وده الاحتمال الأكبر؟ ومدام كده أصلا ليه مركز معاها شوف غيرها، وبعدين أصلا هي تطول؟؟.
تهرب من إجابة السؤال الأول وأجاب على الثاني:
-محدش بيقدر يهرب من مشاعره، ممكن تكتميها رغم أن ده ساعات بيكون مميت بس استحالة تهربي منها، وبعدين فيديني أو اعملي أي حاجة...
-أعمل إيه يعني؟.
قال كريم بنفاذ صبر:
-اعملي أي حاجة البنات ممكن تعملها علشان تساعد وتريح أخوها، خلي يكون ليكي لزمة...
ضحكت نورا ثم ردت بعفوية:
-اعمل إيه يعني؟ اتجوز الأسبوع الجاي علشان تعملي ميكب في الحنة والفرح؟.
قال كريم ساخرًا، لكنه قلبه يهتز:
-لا ده مش هيفيدني بحاجة كان فادني في الخطوبة على الأقل..
أخذت نورا تفكر ثم أخرجت هاتفها من بنطالها وفتحته وأتت بالحساب الخاص بسامية فقد وصلت له على أي حال بسبب الصفحة الخاصة بعملها........
تمتمت نورا بجدية وقد أتأخذت قرارها:
-خلاص هبعت ليها طلب صداقة...
شعر كريم بالحماس في لحظتها وقد تغيرت نبرته في ثواني...
-ايوة كده يا نونو شغلي دماغك معايا...
في الوقت ذاته...
بداخل منزل عائلة خطاب....
كانت سامية جالسة على فراشها بعدما خلد طفلها والجميع إلى النوم.....
كانت تتصفح كالعادة التطبيقات على هاتفها تنتقل من تطبيق إلى أخر، وجدت إشعار يعلن عن وصول طلب صداقة جديد من "نورا عزت" وكانت تضع صورتها في حفل خطبتها لذلك قبلت طلب الصداقة على الفور..
فلم تجد مانع....
تذكرت حديث عمها معها وشكه في هذا الرجل ولأنها باتت تشعر بأشياء غريبة أتى في عقلها أيضًا يوم الخطبة حينما أصرت نورا بأنها قد أرسلت لها العديد من الرسائل.....
الآن أصبح حسابها واضحًا لذلك قررت أن تبحث عنه في الرسائل الخاصة بالصفحة من خلال الرابط لترى هل هناك رسائل أو محادثات بينهما...
المفاجأة بأنها لم ترسل لها شيئًا أبدًا كما زعمت بأنها قد أرسلت لها على كل الصفحات الخاصة بها...
حديث زهران رن في عقلها...
تسارعت نبضات قلبها....
كأنها تأكدت من أن ما يحدث لم يكن صدفة أبدًا..
ورُبما كل شيء كان يُدبر له...........
لم تشعر بالسعادة في لحظتها بأنها قد تكون محط رُبما أهتمام رجل، ولم تشعر بالضيق....
هي فقط شعرت بالحيرة والتشوش الغريب...
كأن عقلها أتى بمشاهد قديمة جدًا تعود إلى سنوات....
كيف بدأ حمزة في الحديث معها عن طريق شقيقته..
في تلك اللحظة أنقبض قلبها لذلك تركت هاتفها وأخذت تنظر في اللاشيء........
لم تعد سامية أمرأة قد تسعد باهتمام رجل...
أفسد حمزة مشاعرها إلى حدٍ كبير.......
...عودة مرة أخرى إلى منزل عائلة عزت...
كانت نورا معها مكالمة من أحدى صديقاتها في الجامعة، وكان كريم جالسًا يشعر بالارتباك والقلق الشديد.....
أخيرِا أغلقت المكالمة فقال كريم متذمرًا:
-يعني ده وقت صحابك؟؟ شوفي كده قبلت الطلب ولا لسه..
-استحالة يا ابني هي لحقت؟.
-ما تشوفي وأنتِ ساكتة ده أنا لسه مجدد الباقة....
-يخربيت الذل يا شيخ...
في هذه اللحظة فتحت هاتفها لتجد هناك إشعار يعلن عن قبولها لطلب الصداقة فقالت بحماس:
-قبلت الطلب يا كريم، قبلت..
-بجد؟..
ثم تابع حديثه بفرحة ولهفة حقيقية:
-ابعتي ليها أي حاجة كده...
أرسلت لها رسائل بسيطة:
"هاي"
"ازيك يا سامية؟"..
تمتم كريم بحماس بعدما مرت ثواني لكنها كانت ثقيلة جدًا بالنسبة إليه:
-هي مردتش ليه؟؟.
أشارت له نورا أعلى الشاشة متمتمة:
-قفلت من خمس دقائق...
قال كريم بانزعاج:
-اهو كله من رغيك أنتِ وصحابك، كان زمانا لحقناها.....
ردت عليه نورا معترضة:
-هتلاقيها بس قامت تعمل حاجة، أو نامت وهترد بكرا أكيد يعني هي مش أربعة وعشرين ساعة ماسكة التليفون....
ثم تابعت بثقة لا تدري من أين أتت لها:
-أنا هتصرف متقلقش مش هسيبك ياخويا غير لما تجتمع أنتَ وسامية..
قال كريم بيأسٍ:
-ولا هتعرفي تعملي حاجة أساسا، أنا قلقان منك أنتِ أصلا..
-والله عيب عليك، بعدين أنا شايفة أنه أنسب حل تروح تتكلم معاها وتقولها كل حاجة وكده هتكبر في عينها
-مش هينفع الموضوع ده مينفعش معاها..
-ليه يعني؟؟..
كانت فضولية إلى حد الذي جعله ينهض من مكانه قائلا:
-أنا خلاص داخل أنام لو عجباكي القعدة اقعدي مع نفسك، أنا بصحى من الفجر، يلا تصبحي على خير..
لكن شيء في داخله رفض الاستسلام رغم أنه حاول أن يدعي هذا أمامها..
فكان شعور بالحياة يتصاعد في قلبه، شعور بأنه مهما طالت المسافات، مهما تعقدت الأمور، لن يستطع التخلي عن حبّه لها........
______________
في اليوم التالي.....
اليوم يوم العزيمة الخاصة بـ زوج هدير...
فقد أصبح زوجها ولم يتبقَّ سوى الإشهار بحفل زفاف بسيط اتفق عليه هو وطارق، حفل بلا صخب لكنه ممتلئ بالمعنى...
كان يومًا ثقيلًا على قلب حور.......
حاولت كثيرًا أن تجد مبررًا لعدم الحضور، أي ذريعة تُنقذها من هذا الاختناق الخفي، لكنها كلما فكرت تراجعت وشعرت بتأنيب الضمير......
كيف تترك صديقتها في يوم كهذا بسبب مشاعرها الهوجاء والتي ليست لديها أي معنى حقيقي بالنسبة لها.....
كيف تغيب وهي تعلم أن هدير تحتاجها؟
كانت ستفعلها لو كانت أنانية…
لكنها ليست كذلك....
وقفت الآن في المطبخ، بجوار والدتها، تجلس على طاولة صغيرة تتوسط المكان، تلف أوراق العنب بمهارة يعرفها الجميع، لكن ببطءٍ لا يشبهها ويغضب والدتها......
يدها تتحرك، عقلها بعيد، وقلبها في مكان آخر تمامًا........
هدير ووالدتها كانتا تنتهيان من باقي الأصناف، والجو في المطبخ مزدحم، ساخن، ومليء بالحركة، إلا أن حور اختارت أن تبقى داخله..........
امتنعت عن الخروج لأي سبب......
كأن المطبخ صار ملجأً صغيرًا تختبئ فيه من مواجهة طارق التي تخشى أن تراه لأول مرة تمر بتلك المرحلة الغريبة والغير مفهومة..
طارق من جهته كان يهبط ويصعد، يشتري ما ينقصهم، يعود، يسأل، ثم يهبط مرة أخرى، دون أن يلحظ أنها تتعمد ألا تلتقي بعينيه.......
قالت حسنية بنبرة عملية متعبة، لكنها حريصة ألا تشعر هدير أنها بلا أهل، كانت تفعل معها ما ترغب أن يُفعل مع أولادها:
-هاتي اللبن يا هدير علشان نعمل البشاميل بقا علشان ندخلها الفرن مع الفراخ..
شهقت هدير بخفة ثم قالت باعتذار:
-أنا نسيت اقول لطارق على اللبن أنا نزلته ثلاث مرات النهاردة لو روحت قولتله عايزة لبن هينفخني....
تأففت حسنية بسخرية عفوية:
-مش عارفة الجيل ده في دماغكم إيه؟ محدش فيكم بيفتكر حاجة ولا بيركز...
ثم التفتت لحور، التي تسمع دون أن تشارك:
-خلاص حور تنزل تجيبه وهي لابسة أهي، والبقال تحت مش هتروح بعيد...
تمتمت هدير بتردد:
-ممكن تقولي لطارق وخلاص يا طنط وهينزل اكيد بس لو أنا قولتله هيسمعني كلمتين الأول.
نهضت حور من مكانها وتوجهت صوب الحوض حتى تغسل يديها وهي منزعجة تسمع حوارهما دون أن تشاركهما..
قالت حسنية بحسم:
-خلاص تنزل هي مرة مش هتسافر، طارق برضو نزل ثلاث مرات ورا بعض وكل مرة بتنسي حاجة مع ان بقولك اكتبي ورايا...
خرجت حور من المطبخ....
وفي نفس اللحظة، كان طارق يسير في الرواق، مستعدًا للهبوط مرة أخرى بعدما ظن أنه أنهى كل الطلبات، حتى يترك النساء على حريتها على أن يعود عند اقتراب موعد اتيان أحمد......
في البداية لم يسألها طارق إلى أين تذهب......
لكن حين وصلت إلى الباب، خرج السؤال تلقائيًا، وكأنه لا يملك منعه:
-رايحة فين؟!.
استدارت وقالت بنبرة عادية تخفي ارتباكها:
-نازلة أجيب حاجة.
لم يحتج كثيرًا ليفهم، فقال بنبرة تعرفها جيدًا
-هدير نسيت حاجة تاني صح، نسيت إيه؟؟..
أجابته بنبرة مرتبكة:
-لبن علشان خاطر البشاميل والرقاق.
رفع طارق صوته مناديًا على شقيقته:
-هدير...
ظهرت هدير بعد ثوانٍ، فعاتبها طارق بجدية محببة:
-مش كل شوية تنسي حاجة بقا، ركزي الله يباركلك، وبعدين رايحة تنزلي حور وأنا موجود؟ هعضك يعني لو قولتي انك نسيتي...
قالت حور بسرعة وهي تنسحب، كأنها تريد الهروب من اللحظة:
-أنا هروح أكمل الورق عنب أحسن...
تمتمت هدير بجدية وهي توجه حديثها إلى شقيقها:
-هدخل اسأل طنط اخر مرة لو هنحتاج حاجة تانية..
-اه ياريت تقولي كله مرة واحدة..
دخلت هدير مرة أخرى، وبقي طارق واقفًا للحظة، ينظر إلى اتجاه المطبخ، يشعر بشيء غامض.....
شيء لم يُقال......
بعد نصف ساعة....
كان الطعام فوق الموقد وبداخل الفرن، حسنية وهدير أنهكهما العمل، و بدأت هدير تستعد، أما حور قررت أن ترتب المنزل وهي تسمع حديثهما من بعيد.
أردفت حُسنية وحور أمامها تقوم بكنس الارض بواسطة المكنسة اليدوية فمازالت الشقة ينقصها العديد من الأجهزة:
-والله يابت يا هدير هترجعي توحشينا من تاني، أساسًا أحنا لما صدقنا رجعتم تاني يا بنتي.
تمتمت هدير بنبرة جادة:
-هنعمل إيه بقا الظروف؟.....
أردفت حسنية بحنان:
-ربنا يتمم ليكي بخير، أنتم كده بعد الفرح هتقعدي هنا ولا هتسافري علطول؟.
ردت عليها هدير بنبرة عادية:
-هو أحمد مسافر بكرا بليل، هيروح يجهز البيت والحاجة الناقصة ويخلص ورقي، وبعدين هيجي قبل الفرح نعمل الفرح وممكن نقعد أسبوع او أسبوعين هنا ونسافر..
-على خير ان شاء الله...
ثم تابعت حُسنية بحنان:
-عقبال طارق ان شاء الله نفرح بيه بسرعة..
قالت هدير بعفوية، دون أن تنتبه لحور التي كانت واقفة خلفها، قلبها يشتعل:
-هو قالي أنه هيشوف الموضوع ده بعد سفري ويبدأ يجهز شقته، حتى أساسًا أنا قولتله أن ممكن حضرتك تشوفيله حد مناسب ليه...
ابتسمت حسنية بحماس:
-يا سلام يا بنتي؟ من عنيا طبعًا البنات كتير، واحنا هنقي ليه أحلى عروسة، أصلا في كذا حد في بالي...
توقفت يد حور وتركت المكنسة فجأة، وقالت بنبرة حاولت أن تبدو عادية لكنها خرجت حادة:
-ماما الكرنب شكله شاط أنا شامة ريحة شياط...
لكن الحقيقة، لم يكن الكرنب هو الذي احترق.
كان شيء آخر في قلبها…
يحترق ببطء، بصمت، دون أن يراه أحد......
بدأت تدرك بأن الأمر...
أكبر بكثير مما كانت تظن...
___________
كانت تقف عند حوض المطبخ، تفرك الصحون بعصبية لا علاقة لها بالأواني نفسها، بل بابنتها المنغلقة على نفسها منذ أيام،
وكأن الحزن قرر أن يسكن الغرفة ولا يغادر وقد اصيبت باكتئاب بسبب محاولاتها التي تقابل بالرفض في كل مرة من دياب....
رنّ الهاتف…
فانفصلت عن أفكارها دفعة واحدة......
مسحت يديها على المريلة وخرجت إلى الرواق،
التقطت الهاتف من فوق الطاولة...
كان رقم غير مسجل لكنها تعرفه جيدًا، أجابت بنفاد صبر:
-هو إحنا مش خلصنا بترن تاني ليه؟.
جاءها الصوت هذه المرة مختلفًا أقرب، أثقل، يحمل وعدًا بالعاصفة:
- دياب عرف كل حاجة يا أم ليلى…
تجمّد الزمن وسقط الهاتف من يدها، قبل أن تدرك أن بعض الأسرار حين تُكشف لا تترك خلفها شيء بل تنفجر مرة واحدة مهما حاولت إخفاءها........
_____يتبع_____
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇
اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺


تعليقات
إرسال تعليق