القائمة الرئيسية

الصفحات

الفصل الثامن من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج

 الفصل الثامن من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



الفصل الثامن من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


___________


‏المَحبَّة مرهونةٌ بالأمان؛ وحيثما يُوجَد الأمان، يُوجَد الحُبّ..


#مقتبسة


كُلُّ شيءٍ تلمسهُ يُصبِح شاعِريَّاً ،حَتَّىٰ الحُزن بَينَ يَديها يَتحوَّل إلىٰ قصِيدةٍ...


#مقتبسة


أما

أن يُحبك

بندباتِك

بعقدكِ

بحروبِك

بهزائمِك

أن تَتسع يداهُ لأحلامك

وذراعيه لروحِك المتوعكه

أو لا يُحب .


#مقتبسة


يربكني أنني أحبك لوجه الحب 

بلا سببٍ ، وبلا خطةٍ ، و بلا هدف.


#مقتبسة


___________


كان طارق يجلس إلى الطاولة يتناول الغداء مع شقيقته،

يأكل ببطءٍ على غير عادته، كان ذهنه شاردًا...


كان يراقب حركة يدها وهي تنقر على الهاتف، ابتسامتها الخفيفة، وانشغالها بشيء لا يراه…


انتبه أنها تتراسل مع أحد ما...


سألها طارق سؤال عفوي:


-بتكلمي مين؟.


رفعت هدير عينيها عن الشاشة وقالت ببساطة:


-بكلم حور....


توقّف للحظة قصيرة…


تلك الثانية التي لا يراها أحد، لكنها داخله كانت أطول من ذلك......


اسمها وحده كان كافيًا أن يعيده إلى صورة الأمس، إلى ارتباك غير مبرر، إلى شعور لم يعرف له تعريفًا واضحًا بعد، فأخذ، هل هي على خلاف مع شقيقته؟؟؟!..


تمتم طارق بتساؤل:


-يعني أنتم بتتكلموا عادي مفيش مشكلة ما بينكم؟.


أجابته هدير بنبرة مطمئنة: 


-لا طبعًا بنتكلم عادي، هيكون إيه اللي بيني وبين حور يعني؟ وحتى لما بنتخانق أنا وحور بتكون خناقات هبلة يعني اختلافات في وجهات النظر متتسماش خناقات...


ثم سألته بدهشة وهي تنظر له:


- بس ليه بتسأل يعني؟ مش فاهمة؟...


الحقيقة أبسط وأعقد في آنٍ واحد...

هو انتبه....

وانتباهه أقلقه....


فرد عليها بنبرة عادية:


-امبارح لما كنا هناك كان شكلها تقريبًا مضايق يعني أو في حاجة؛ افتكرت أن في حاجة ما بينكم مشكلة ولا حاجة..


نظرت إليه هدير بتمعن ثم غمغمت:


-لا مفيش حاجة، أنا برضو كنت ملاحظة أنها مش في طبيعتها، وحتى سألتها بعد ما نزلتوا قالت بس علشان الامتحانات قربت وهي عايزة تفضل من اوائل الدفعة مش عايزة تقل عن كده.


تنهد طارق ثم قال يحاول أن ينهي الحوار:


-ربنا يوفقها....


سألته هدير بفضول:

-يارب، بس يعني مهتم كده ليه بيها؟ أو خايف يكون في بينا خلاف يعني؟..


سكت لحظة، قبل أن يضيف بنبرة أكثر جدية:


-علشان مش عايزك تخسريها؛ حور بنت كويسة ومحترمة، وعلاقتكم بقالها سنين طويلة، وقليل لما تلاقي حد الدنيا مخدتهوش منك ولسه محافظ على صداقتك بيه بالرغم من أن مفيش حاجة بتجمعكم..


ابتلع ريقه ثم نظر لها وهو يسترسل حديثه:


- يعني ولا أنتم لسه جيران ولا في شغل ولا دراسة، يعني مفيش بينكم مصلحة ولا في مكان بيجمعكم فمضطرين تتعاملوا مع بعض، ودي الحاجة اللي بتبين معدن الناس وصداقتك بيها حقيقية ولا لا، غير أن أصلا وقوفهم جنبك زمان ده لوحده حاجة أوعي تنسيها...


ابتلع ريقه، ونظر إليها نظرة أخ أكبر، لكنها كانت محملة بأكثر من ذلك:


-وأوعي تنكري في يوم من الأيام وقفة حد جنبك، وحتى لما تتجوزي حاولي متخليش الدنيا تلهيكي عن ناس فعلا ممكن متعرفيش تعويضهم تاني عمرك كله..


كان يقصد بعض الأشياء في تلك العبارة....

علاقته بـنضال ودياب..

وعلى النقيض علاقته بأشقائه....


لكنها عقبت على حديثه بنبرة هادئة بالرغم من الحزن الذي يتواجد بداخلها بعدما تذكرت فعلة أحلام بهما؛ فهي لا تستطع مسامحتها أبدًا:


-فهماك يا طارق ومتقلقش...


ابتسم لها ابتسامة دافئة، تلك التي اعتاد أن يخفي بها ثقله الداخلي، فقالت:


-صحيح رايح فين؟ كنت شايفاك بتكوي وأنا بعمل الأكل...


-نازل مع دياب ونضال الكافية اللي في *** **** .


هزت رأسها موافقة مما جعله يسألها باهتمام:


-هتعوزي حاجة اجيبها وأنا جاي؟.


-غالبًا لا، ولو افتكرت حاجة هتصل بيك..


-ماشي..


ثم تذكر:


-خلاص أحمد جاي يوم الخميس وأكيد هيرتاحوا يوم ولا يومين ويجوا؛ فكري كده البيت ناقصه أيه، ولو ناقصك حاجة نجيبها..


قالت هدير بامتنان حقيقي:


-حاضر ربنا يخليك ليا يا حبيبي...


-ويخليكي ليا..


___________


خلعت وفاء القفاز الطبي ووضعته في السلة المخصصة له؛ ثم جلست على مقعدها بهدوء، وأنزلت الكمامة الطبية عن وجهها لتتنفس بحرية....


نهض "حمزة المغربي" من مكانه وتقدم ليجلس على المقعد المقابل لمكتبها، وهو يكرر سؤاله بطريقة جادة للغاية، تقريبًا للمرة الرابعة:


-متأكدة إني مشوفتكيش قبل كده ولا شوفتيني؟؟


سؤاله يربكها جدًا..

فارتبكت وفاء قليلًا، لكنها حاولت أن تحافظ على رباطة جأشها:


-لا معتقدش، صحيح قولتلي كنت عامل تقويم قبل كده؟.


هز رأسه موافقًا وهو يخبرها:


-اه كنت عامل من سنين طويلة تقريبًا من عشر سنين، بفكر أعمل تاني...


قالت بعدم فهم بعدما لقطت عيناها هذا الوشم الذي يتواجد على ذراعه فهو لا يرتدي ملابس شتوية في هذا الطقس البارد جدًا:


-ليه حضرتك عايز تعمله؟ يعني بالعكس حالة سنانك ممتازة، وواضح أنك مهتم بيها، ومفيش حاجة تستدعي تعمل تقويم وتتعذب في الأكل وفي كل حاجة..


كان بالفعل منذ أن كان طفلا يعاني من مشاكل في أسنانه...


وفي فترة مراهقته بدأ الاهتمام بها فالأمر أتخذ منه سنوات حتى يصل إلى تلك الحالة الشبة مثالية....


تمتم حمزة بجدية:


-طب إيه رايك في نقص اللثة شوية؟..


-مش محتاج ده، ودي وجهة نظري لو تخب دكتور أحمد يشوفك وتأخد رأيه، بس أنا بقولك مش محتاج، سنانك ما شاء الله كويسة جدًا..


هز رأسه متحججًا، كما لو أنه لم يفهم تمامًا ما تقصده:


-طب كده هنعمل تنضيف تاني أمته؟..


ردت عليه وفاء بنبرة عملية:


-يعني ممكن بعد ست شهور ده الطبيعي لكن ممكن لو جيت وحضرتك مش محتاج نعمله كمان بعد سنة؛ لكن لو حضرتك مدخن أو اللثة فيها مشاكل بس أنا مش شايفة ده نخليها كل أربع شهور..


رد عليها حمزة نافيًا:


-لا مش مدخن...


كان منزعجًا...

أقل مدة يجب أن ينتظرها هي ستة أشهر؟؟.


ما هذا العبث...

كيف قد يراها مرة أخرى؟!

وبأي حجة؟..


فهو أتى إلى هنا من أجلها....


منذ أن وقع بصره عليها في الاحتفال الخاص بشقيقه، سهر من أجل رسم ملامحها....


وحينما قام شقيقه بتنزيل صور الحفل ورأي صورتها أكتملت ملامحها وأكمل رسمته..


وأخذ يتابع التعليقات على المنشور باهتمام لعله يصل لها، ووجد تعليق حور المميز التي وضعت إشارة لها في الصور التي تظهر فيها ومن خلالها أستطاع أن يصل إلى هنا وإلى مكان عملها...


لحسن الحظ حسابها لم يكن خاصًا؛ فاستطاع أن يصل إلى هنا حيث يتواجد عملها...


نظرت وفاء إليه بدهشة خفيفة، ورأت التردد في عينيه، وكأنه محاصر بين رغبته في التجميل وفضوله لرؤيتها مرة أخرى، لم تكن حمقاء، هو رجل يتحجج بشكل واضح....


سألها مرة أخرى:


-نعمل Whitening؟.


-مش حاسة سنان حضرتك كويسة أوي يعني تنظيف والتلميع اللي عملناه كفايا أوي...


هز رأسه مرة أخرى، ثم أضاف بلهجة عفوية:


-حضرتك مش شايفة يعني أن سناني محتاجة أي حاجة ممكن نعملها؟..


نفت وفاء برأسها، وهي تراقبه:


-لا، واضح أنك كنت مهتم بيها وبتروح لدكتور باستمرار والدكتور بتاعك شاطر عمومًا..


-كتت بروح فعلا لما كنت برا مصر..


غمغمت ببطء موافقة:


-حضرتك تقدر تتفضل ولو حابب برضو تشوف مواعيد دكتور أحمد ودكتور وائل وتأخد رأيهم رغم أني مش حاسة أنك محتاج، بس لوحابب تأخد رأي حد تاني يمكن يكون ليهم رؤية مختلفة...


هز رأسه بثقة طفيفة، مبتسمًا:


-ملهوش لازمة أنا واثق في رأيك، عن إذنك...


رحل تحت أنظارها وهي أخذت تراقبه تتسائل ما تلك الصدفة العجيبة؟.....


وهل بالفعل يتذكر هيئتها حتى يسألها أكثر من مرة عن احتمالية لقائها سابقًا؟!!


قررت أن تنهض وتذهب إلى المنزل أفضل من تلك التساؤلات التي ليست لها أي داعي...


_____________


عادت وفاء إلى المنزل مع آخر خيط من طاقتها....


تناولت عشاءها في صمتٍ ثقيل، بعدما علمت بزيارة حمزة ورؤيته لطفله في غيابها.......


لحسن الحظ تأخّرت قليلًا........


لم تكن لتحتمل رؤيته في هذا اليوم تحديدًا، فهي من كثرة الضغط لم تستطع أن ترى رسائل أبيها أو اتصاله بها حتى يخبرها بألا تأتي وختمت الحالات بـ حالته.............


حمزة المغربي...

ظل يدور اسمه في رأسها بلا سبب منطقي.


كان رجلًا غريبًا لا تدري أي رياح رمته عليها...

تمنت لوهلة لو أنها التزمت بالروتين البارد، وتركته ينتظر الطبيب الآخر، وتخلت عن ضميرها المهني الذي لا يسمح لها بترك مريض…...


ولكن هذا لو كان مريضًا؛ فهو رجلًا جاء بدون علة واضحة، رغم أنها وبصدقٍ مزعج، لم تشعر أنه مريض أصلًا ولا يأتي لعله معينة هو ينتظر منها هي أن تقرر......


عرفت هويته لكنها أنكرت ذلك أمامه ولا تدري لماذا أنكرت حتى؟!.


كأن شيئًا ما دفعها على الإنكار...


وألا يأخذ الأمر مسار شخصي في الحديث؛ أصرت على أن يكون محور الحديث هو العمل وممارسة مهنتها فقط، وأن يظل كل شيء مهنيًا، جافًا، محددًا......


طبيبة ومريض.....

لا أكثر...


قررت بعد العديد من التساؤلات والأفكار المتزاحمة في عقلها، أن تتصل بـحور...


ومن غيرها منقذًا في موقف هكذا؟!.


أجابت عليها حور فورًا التي كانت تحمل الهاتف بين يديها تكون بترجمة بعض النصوص..


-ألو..


قالت وفاء بنبرة عادية تحاول افتعالها:


-ايوة يا حور، عاملة إيه؟ مختفية يعني...


ردت حور باستغراب:


-مختفية إيه؟ ما أنا لسه مكلماكي الصبح...


ابتسمت وفاء بخفة وهي تجيبها:


-مهوا كده تبقي مختفية مدام مش موجودة اليوم كله..


سمعت صوت ضحكة منها وهي تخبرها:


-الامتحانات بقا، وبحاول أخلص جزء حلو في المادة دي قبل حنة ريهام لأنها هضيع يوم مني وهي قبل الامتحان بكام يوم...


-خير ان شاء الله ربنا معاكي ويوفقك..


ثم سألتها بنبرة مرحة:


-سمعت أن الكراش كان عندك وحتى بابا بيفكر يعزمه كمان..


قالت حور بعفوية:


-اه، كان موجود وانخرست بعون الله معرفتش افتح بُقي بكلمة واحدة، حاولت اتعامل عادي، بس كان باين عليا أن في حاجة...


الأمر كان غريبًا على وفاء....


فهي تعلم بأن حور بالرغم من عقليتها والهوجاء التي تتصف بها في بعض الأحيان إلا أنها شخصية اجتماعية من الدرجة الاولي، وتستطيع التعامل في أي مكان، مع أي شخص وأي موقف...


فهي من تكسر الصمت ليست من تمارسه.......

لكن كونها تشعر بهذا التعقيد من أجله أنه شيئًا غريبًا حقًا....


لكن حور لم تترك لها مساحة للتعليق:


-مقولتليش بقا، إيه اللي مخليكي صاحية لغايت دلوقتي ومتصلة بيا؟! ده معناه أن في حاجة عايزة تقوليها، ويارب متكنش مشكلة في الشغل ولا مشكلة في البيت...


ضحكت وفاء، فهي تفهمها بشكل كبير على ما يبدو أكثر مما تتوقع....


رغم شخصياتهم المختلفة تمامًا...


تمتمت وفاء بجدية:


-فاكرة الشخص اللي كان بيرسم في حفلة التوقيع اللي اخدتيني معاكي فيها؟.


لا تتذكر حور ملامحه لكنها تتذكر الموقف جيدًا..

فهي من سألت عنه وعما يفعله....

لذلك صمت لحظة، ثم قالت:


-اه؛ فاكرة ماله يعني؟؟..


-جه النهاردة، يعني أصلا كنت ماشية ولقيته جه مكنتش اعرف اسمه؛ يعني بس لما شوفته عرفته..


سألتها حور بفضول:


-اسمه إيه؟.


ردت عليها وفاء وهي تردد اسم حمزة:


-حمزة مصطفى...


قالت حور بعدم فهم:


-طب إيه المشكلة؟


سؤال منطقي....

وفاء نفسها لا تعرف الإجابة....

صدقًا ما هي المشكلة؟..


ولماذا تقص على حور هذا الأمر؟..


هي نفسها لا تعلم ما المشكلة، حتى أنه لا يوجد أي شيء قد تستطع أن تخبرها أياه....


تنفست وقالت بصدق:


-مش عارفة عادي أنا بحكيلك يا حور، معرفش هو جه فضل يقولي أنا شوفتك قبل كده؛ بس أنا قولتله لا وصممت إني مشوفتهوش قبل كده، وأصلا كان جاي مش بيشتكي من أي حاجة، وسنانه أصلا تكفي يتعمل بيها إعلان معجون سنان من كتر ما تعتبر مفيهاش غلطة....


ضحكت حور وقالت بنبرة شاعرية كعادتها:


-يمكن جاي عشانك؟


قاطعتها وفاء سريعًا رغم إدراكها الكُلي أنها تكذب:


-لا إيه اللي هيجيبه علشاني؟ أنتِ عبيطة شكلك، يلا روحي كملي مذاكرة أنا هنام خلاص فصلت مش قادرة.


-خلاص ماشي، هكلمك الصبح لما تصحي لو فضلت سهرانة بذاكر وطبقت.....


____________


بعد منتصف الليل…


كانت سلمى تجلس على الفراش، ظهرها مسنود إلى الوسائد، والهاتف ملتصق بأذنها وهي تستمع إلى شكوى شقيقتها التي لا تنتهي.......

نضال لم يكن قد عاد بعد، والبيت هادئ....


كانت تشكو من الغربة......

وسلامة...

وكل شيء تقريبًا....


فهي تشعر بالوحدة، مرت سنوات ولم تتأقلم بالشكل الكافي، حسنًا كونت صداقات هناك لكنها لا تشبه العائلة أو حتى الصداقات التي تتواجد هنا....


غير أنها حاولت أن تعمل لكن الأمر لم يجدي نفعًا لم تستطع التأقلم مع فكرة ترك صغارها مع مربية ولم تشعر بالراحة حيال ذلك نعم هناك أمرأة تأتي بين الحين والآخر لمساعدتها لكن تكون موجودة معها لا تترك أطفالها معها لذلك هي من قامت بإلغاء فكرة العمل.....


أتاها جهاد المنزعج:


-أنا بفكر أنزل، مش عارفة سلامة هيعرف ينزلنا في رمضان أصلا ولا لا، لأنه بيقول ممكن منعرفش ننزل، وقولتله ينزلني أنا والعيال...


قاطعتها سلمى بهدوء:


-يعني مرضاش يخليكي تنزلي لوحدك بالعيال علشان كده زعلانة؟؟.


هي بالفعل حزينة...


وتشكو لها منذ أن بدأت المكالمة بسبب وبدون سبب..


حتى تاهت سلمى ولم تعد تعرف السبب الأساسي الذي يزعج شقيقتها......


لذلك ظنت بأنه من الممكن أن يكون رفض سلامة إلى سفرها بمفردها مع الأطفال هو المشكلة.....


لكن أجابت عليها جهاد بما هو عكس ذلك:


-يعني هو الأول كان رافض عادي بس بعد كده قالي لو عايزة أسافر، هيخليني أسافر، بس لما يتأكد من موضوع أنه مش هيعرف يجي ده الأول...


عقدت سلمى حاجبيها بحيرة وهي تسألها:


-أومال إيه المشكلة بقا؟..


-مش عارفة هعرف أسافر بالعيال لوحدي ولا لا؟ مجربتهاش قبل كده..


ثم زفرت جهاد فجأة، كأنها ملت من نفسها وتابعت حديثها:


-بقولك إيه سيبك مني علشان أنا اصلا مش عارفة أنا عايزة إيه ومخنوقة ليه، وشكل هرموناتي طافحة عليا، طمنيني عليكي أنتِ عاملة إيه؟....


ابتسمت سلمى بخفة ثم أجابت:


-أنا الحمدلله كويسة.


-الجيم إيه أخباره إيه؟ طول كده ليه؟..


ضحكت سلمى بسخرية ثم أجابت:


-والله مش عارفة، يا بيطلع لينا ورقة المفروض أخلصها، يا بيطلع لينا حاجة ناقصة كانت تايهة عن بالي، غير إني لسه بقابل الناس اللي هتشتغل وكده وبعمل انترفيوهات، هو خلاص يعني أقل من شهر بإذن الله ونفتح بقا..


قالت جهاد بتمني حقيقي:


-على خير ان شاء الله يا حبيبتي...


-ان شاء الله..


سألت بعدها بصوتٍ حنون:


-هو أنتِ فاكرة ماما كانت بتعمل أم علي ازاي؟ أنا جربت طرق كتير واشتريتها من كذا مكان مفيش حاجة طالعة زي طعم بتاعت ماما أبدًا...


سكتت سلمى لحظة، ثم قالت بصوتٍ دافئ يحمل حنينًا قديمًا:


-الله يرحمها، هقولك يا ستي....


بدأت تشرح لها، وفي نهاية المكالمة قالت جهاد:


-هجيب الطلبات ولما اجي اعملها هكلمك فيديو كول برضو تكوني معايا خطوة بخطوة بكرا ان شاء الله.


-ان شاء الله....


وفي تلك اللحظة سمعت صوت باب الشقة يتم فتحه فعلمت أن نضال قد وصل، وتزامنًا مع اقتراب خطواته من الغرفة سمعت صوت جهاد:


-هقفل دلوقتي علشان أحضر العشاء وبعدين هبقى ابعتلك ولو فاضية نتكلم تاني..


-خلاص ماشي..


أغلقت الهاتف...

وبالكاد فعلت حتى دخل نضال الغرفة، مبتسمًا في هدوء، يخلع سترته الجلدية.....


وكانت هي تنظر له بنظرات ثاقبة، طويلة وصامتة....


مما جعل نضال يرفع يده مستسلمًا ومعترفًا قبل أن توجه له أي اتهام...


-والله ما كنت في القهوة ولا قعدت أصلا، خلصت وجيت علطول، بس فضلت قاعد لغايت ما قفلنا.....


ضيقت عينيها:


-ماشي...


اقترب وجلس بجوارها على الفراش، قال بصوتٍ خافت:


-عيد ميلادك قرب، ده الكام؟ خامس عيد ميلادك ليكي من ساعة ما اتجوزنا ولا السادس؟ مش فاكر...


-عندك إيه تفتكره أهم من ده يا حبيبي؟.


كان يقصد مشاكستها التي تروق له....


فقال وهو يداعب أنفها بأصابعه بطريقة ازعجتها:


-ليه بناخد الحاجة بالمعنى السلبي؟ قصدي أن الوقت الحلو بيعدي بسرعة ومش بنحس بيه مع بعض..


قالت سلمى وهي تبتسم رغمًا عنها:


-أنتَ كياد بشكل مش طبيعي..


ضحك، وقبّل كف يدها ثم غمغم:


-يعني شوية، المهم هديتك وصلت خلاص، ومفاجأة حلوة جدًا...


ليست من عادة نضال المفاجأت...


بل هو يسألها عما تريده ويأتي به؛ ونادرًا ما يفكر في تلك المناسبات في شيء خاص قد يشتريه بنفسه من دون إشارة منها....


تمتمت سلمى وهي تردد كلمته بجدية وهي ترفع حاجبيها:


-مفاجأة..


-إيه هي طيب؟...


-حاجة كان نفسك فيها نعملها من بدري..


قاطعته سلمى بسرعة:


-هتخلينا نبطل أكل بليل صح؟؟..


نظر لها نضال بنظرات عابسة وهو يعقب:


-أكل إيه اللي نبطله بليل دي هدية يعني؟؟ ما تشغلي مخك شوية يا حبيتي بدل ما هو عطلان كده.


ضحكت سلمى رغمًا عنها وهي تخبره:


-والله هدية وأثرها هيظهر على صحتنا بس ممكن أفكر اديني وقتي..


ثم أخذت تفكر بصوتٍ عالي:


-أكيد مش عربية علشان قبل موضوع الجيم عرضت عليا وقولتلك إنه مش اهتماماتي دلوقتي، وأكيد مش حاجة دهب لأن يعني دي أفكارك العادية وأول حاجة بتيجي في بالك هي أو الموبايل والموبايل لسه مغيراه أول السنة.....


أنهت حديثه وهي تنظر له:


-سفرية جديدة؟.


هز رأسه بإيجاب وهو يخبرها:


-قربتي....


فسألته بحماس:


-إيه هنروح دبي ولا إيه؟ ياريت أصلا جهاد شكلها مخنوقة ومضايقة ممكن نروح كام يوم قبل رمضان وقبل ما ننشغل في موضوع الحقن ده...


أخرج هاتفه، فتح ملف التأشيرات، وضعه أمامها، تحديدًا اسم الدولة فشهقت وهي تضع يدها على فمها مغمغمة بعدم استيعاب:


-متهزرش يا نضال....


قال نضال بابتسامة صافية:


-لا مش هزار يا سلمى، كل مرة كنا بنحاول نروح كانت بتحصل حاجة تعطلنا، لكن خلاص احنا هنسافر ان شاء الله الاسبوع الجاي، وهنعمل عمرة ان شاء الله......


احتضنته سلمى بلهفة وامتنان حقيقي فبادلها الاحتضان بمشاعر قوية واستمر هذا العناق لمدة دقائق حتى ابتعدت عنه وهي تخبره وعيناها تلمعان:


-أنا مش مصدقة بجد، دي أحلى حاجة ممكن تكون حصلت ليا بجد؛ ربنا يخليك ليا يا نضال أنا بحبك أوي بجد.......


ابتسم لها وهو يخبرها بثقة وهو يحاوط وجهها بكفيه الحنونتين معها وحدها:


-عارف أنك بتحبيني من زمان يعني ومن وأنتِ بتحبيني في صمت ولما صدقتي أتقدم ليكي..


قامت بعض يده من دون مقدمات فتأوه قائلا:


-يا غبية...


تمتمت سلمى بكبرياء:


-ايوة متقعدش تقولي كده؛ أنا غلطانة إني قولتلك أساسًا؛ أصلا معرفش ازاي قولتلك؟؟؟..


-وأنتِ في حضني بتتكلمي كتير خدي بالك وبعرف أطلع منك الكلام...


توردت وجنتيها ثم قالت بجدية:


-مش هرد عليك والله علشان بس الهدية الحلوة دي؛ أنا مش مصدقة بجد....


-لا صدقي ومش هنسافر لوحدنا..


سألته سلمى بفضول:


-مين هيسافر معانا؟؟.


-وفاء، هي كانت نفسها تطلع مع بابا من أربع سنين بس ساعتها ورقها كان في مشكلة بسبب تغيير الأسماء وسيستم الحكومة بس دلوقتي كل حاجة محلولة وطلعنا ليها التأشيرة هنسافر أحنا الثلاثة أن شاء الله..


احتضنته سلمى مرة أخرى وهي تهمس:


-ان شاء الله...


-مفيش مكافأة؟ أو رد على هديتي..


ابتعدت عنه وأخذت تفكر وهي تخبره بجدية:


-ممكن ثلاث أيام تأخير براحتك على القهوة مش هتكلم ولو طلبت أكل بليل مش هعارضك ولو في أكل طلبت اعملهولك مش هعترض برضو....


ضحك وهو يقول بنبرة مرحة:


-حلو العرض ده، أنا موافق محتاجين بس نأكد على الكلام ده علشان اللي يرجع فيه يبقى عيل..


-أعمل إيه يعني امضيلك وصل أمانة يعني


-لا ياستي مفيش بينا الكلام ده؛ أنا هتأكد بمعرفتي.....


جذبها إلى أحضانه...


فضحكت سلمى بعدما أصبحت بين ذراعيه، رأسها مستقر عند صدره كأن المكان خُلق لها وحدها، تسمع دقات قلبه منتظمة، ثابتة، تطمئنها أكثر من أي كلام.............

 

قالت بصوتٍ منخفض، نصفه جد ونصفه مزاح:


-يعني كده الاتفاق رسمي؟.

 

شدها إليه أكثر، ذراعه التف حول كتفيها بحزمٍ دافئ، ومال برأسه قليلًا حتى لامست شفتيه شعرها:


-لسه لما اتأكد بنفسي.

 

رفعت وجهها نحوه، ابتسامة صغيرة تشق ملامحها:

 -إزاي يعني؟

 

ابتسم تلك الابتسامة الواثقة التي لا تخطئها، وقال بهمسٍ قريب: 


-وأنتِ في حضني كده، صعب جدًا ترجعي في كلامك.

 

ضحكت بخفوت، وعادت تستقر في حضنه من جديد، بينما أغلق ذراعيه حولها أكثر، كأنه يعلن نهاية النقاش…....


_____________


صوت الهاتف شقّ نومها على غير عادته.....


مدّت وفاء يدها بتثاقل نحو الكومودينو، التقطت الهاتف وفتحت عينيها نصف فتحة، بالكاد تستوعب الأرقام التي تومض أمامها، نظرت على الساعة لتجدها لم تتجاوز التاسعة صباحًا، أما المتصلة كانت حور...........


زفرت بضيق وهي تضع الهاتف على أذنها وأجابت بصوتٍ به بقية نوم وبالكاد يخرج منها:


-الو، في حاجة يا حور؟؟ متصلة بدري أوي كده ليه؟.


جاءها صوت حور نشيطًا أكثر من اللازم:


-اه في حاجات صحصحي معايا كده، وبعدين أنا شخصيا معرفتش أنام علشان الواد جالك وقعدت أفكر أزاي نمتي أنتِ؟.


اعتدلت وفاء في جلستها، تمرر يدها على وجهها بغيظ:


-في إيه يا حور انجزي؟.


ضحكت حور بخفة ثم ردت عليها ببساطة:


-أنا قولت يعني لازم اطمن على الدكتورة بتاعتي مينفعش كده يعني أي حد يجي ويمشي من غير ما نعرف أصله وفصله....


أضافت بجدية مصطنعة:


-أنا طول الليل بايتة في اكونتاته واكونتات أهله، ده أنا بايتة في أكونت أبوه...


-احترمي نفسك...


سمعت صوت ضحكة حور عبر الهاتف وبعدها أخذت تبرر لها مقصدها:


-لا أنا مش بشتم ولا بتريق أنا فعلا وصلت لأكونت أبوه الله يرحمه، جيبتلك معلومات كتيرة أوي..


أغمضت وفاء عينيها بإرهاق وهي تعقب على حديثها:


-أنتِ مش طبيعية يا حور دماغك لاسعة خالص، الله يعينك، كبرتي الموضوع على الفاضي.


قالت حور بعتاب مصطنع:


-بقا كده؟ أنا لاسعة؟ ومش طبيعية؟ خلاص ياستي يلا سلام، واعتبريني مقولتش حاجة وروحي كملي نومك...


حماقتها وإنكارها أنها قد تهتم للأمر كان سوف يضيع عليها فرصة معرفة بضعة معلومات لا تعلم حقًا لماذا تهمها أو حتى قد ترضي فضول لا تدري سببه:


- لا، لا، لا، خلاص قولي طيب عرفتي إيه؟..


تهللت نبرة حور:


-ايوة كده اتعدلي، جاهزة تسمعي معلومات مخابرات حور المصرية؟..


-جاهزة.


أخذت حور نفسًا طويلًا ثم أخذت تسرد لها:


-اسمه حمزة مصطفى المغربي، طلع أخو خالد المغربي اللي هو الكاتب اللي روحنا ليه حفلة التوقيع وأنا بتابعه من سنين لو نسيتي اسمه يعني.


كانت بالفعل نست اسم هذا الكاتب....

فهي لا تهتم بتلك الأمور.....

هي ذهبت فقط من أجلها........


أسترسلت حور حديثها بحماس وكان يظهر انبهار واضح في حديثها:


-شوفته عامله منشن في كذا حاجة كده، والفوتغرافر اللي صور الحفلة دخلت على البيدج بتاعته لقيته عامل منشن ليه وواخدله صورة وهو بيرسم ومنزلها بوست لوحده، مش هتصدقي أنه يعتبر رسام عالمي مش حد بيرسم وخلاص..


تمتمت وفاء بجدية:


-عرفتي منين؟


قالت حور مستنكرة:


-إيه الغباء ده هكون عرفت منين؟ دخلت على صفحته على الانستا وتويتر...


ثم استرسلت حديثها بجدية:


-بيتابعه ملايين يا وفاء أنا كنت فاكرة أن اخوه مشهور طلع هو أشهر منه بكتير الفرق يعني أن احنا مش بنهتم هنا بمواضيع الرسم دي، وهو أغلب متابعينه في الكومنتات اجانب أصلا ومش بينزل صور ليه كتير...


أبتلعت ريقها ثم تابعت بحماس:


- أغلب البوستات لوحات ومعارض والجيم وصور عامة لأماكن والوشم بتاعه عامل في ذراعه وضهره، عموما هأكدلك بحثي بالمصادر وهبعتلك في الأخر لينكات كل حاجة...


قالت وفاء لا تصدق العبث التي تسمعه:


-حلوة هتأكدي البحث ليا دي...


قالت حور بجدية أكثر مما يحتاج الأمر:


-ايوة أنا بحب اشتغل على نضافة، بقولك معرفتش أنام غير لما أجيب قراره، ونزلت في صفحته شوية كده لغايت ما وصلت لبوستاته من سبع أو ثمن سنين كده لقيت في واحدة كانت بتعلق عنده بقلوب وكلام رومانتيكي كده وبيرد عليها بقلوب اسمها سارة واسم العيلة حاولت انطقه كتير فشلت..


-مين دي؟.


تمتمت حور بسخرية وغيظٍ كبير:


-أنتِ ليه بقيتي غبية كده؟ يعني واحدة بتعلق عنده وهو بيرد عليها بقلوب هتكون مين يعني أمه؟ المهم أنا برضو اخدت اسكرينات وهبعتهالك، دخلت الاكونت بتاعها لقيتها منزلتش حاجة من ست سنين، بس حساها شبهه في البوستات نفس الاهتمامات الفرق أنها كانت بتنزل صور ليها.


تابعت حديثها بنبرة مرحة:


-بكيني بقا وحركات وراسمة وشم كذا فراشة في جسمها، مزة بصراحة ولقيت ليها صور معاه وفي صورة كانت بتبوسه من بوقه فيها، شكلهم كانوا متجوزين ولا إيه؟ مش عارفة بس الأكيد يعني أنها الاكس بتاعته، واضح أن الأجانب لما بينفصلوا مش بيشيلوا الصور ولا إيه؟.


انزعجت في تلك اللحظة..

حديثها اغضبها..

لا يوجد سبب حقيقي قد يجعلها تغضب...


ردت عليها وفاء رد مُبهم وبارد:


-ومين قالك أنها أكس؟ يمكن الاكونت بتاعها ده اتقفل وليها اكونت تاني جديد..


قالت حور نافية وهي تؤيد حديثها بالمصادر:


-لا معتقدش لأني فكرت في كده فعلا بس ملقيتهاش وسط الكومنتات على البوستات الجديدة، وهي في البوستات القديمة كانت لازم تعلق له وتدعمه  على كل بوست ومفيش كومنت عملته عنده إلا وهو رد عليها، والبوستات الجديدة مفيهاش حاجة شبه كده....


تمتمت وفاء بعدم استيعاب ودهشة كبيرة:


-أنتِ لحقتي عملتي كل ده أمته؟؟ أنتِ مش طبيعية يا حور..


ضحكت حور ثم ردت عليها:


-والله أبدًا كنت بذاكر لغايت الفجر، وصليت الفجر وكنت هنام بقا وقولت هنام براحتي معنديش كلية النهاردة، جيتي على بالي قولت لازم ادخل أعمل ابحاثي وطبعا الموضوع استغرق مني وقت خصوصا إني بحثت عنه في جوجل وكذا مكان، وقولت لازم اقولك قبل ما ادخل أنام...


قالت وفاء بتردد:


-تعبتي نفسك على الفاضي، ده مجرد واحد جاي يكشف يا حور مش هنعمل فيش وتشبيه ليه.


-لا ده مش مجرد واحد جاي يكشف عندك، استحالة يكون جاي صدفة، مفيش حاجة اسمها صدفة....


تمتمت وفاء بجدية:


-وحتى لو، اللي بتحكيه أصلا يخليه صدفة أحسن، الراجل حياته واسلوبه وكل حاجة مختلفة بشكل غريب، بقولك إيه روحي نامي أحسن ونتكلم بعدين.


-ماشي يلا أنا اصلا نعسانة، هبعتلك اللينكات والاسكرينات وأنام..


رفضت وفاء أن ترسل لها شيئًا وكأنها كانت تحاول أن تخبر نفسها وتخبرها بتلك الطريقة بأنها ليست مهتمة......


لكن أرسلت لها حور ولم تهتم برفضها..

حاولت أن تقاوم وفاء فضولها كثيرًا.....

لكنها في النهاية رأت ما أرسلته...


تنهدت بضيقٍ ثم تركت هاتفها وقررت أن تنهض حتي تحضر لها الفطور فأقترب موعد عملها في كل الأحوال.......


عدلت من هيئتها قليلا ومشطت خصلاتها ثم خرجت من الحجرة ودخلت المطبخ لتجد والدها يحضر الفحم لأرجيله فقالت:


-صباح الخير يا بابا.


تمتم زهران بابتسامة مشرقة، فلم يستيقظ غالي ولا انتصار حتى الآن وهذا هو الوقت المناسب للأرجيلة والشاي وتحليته كما يريد:


-صباح النور يا حبيبة أبوكي، أنا قاعد مستنيكي تصحي.


ضيقت وفاء عيناها وهي تسأله:


-ليه في حاجة ولا إيه؟.


-عاملك مفاجأة هتعجبك أوي.


-خير يا بابا؟.


تمتم زهران بابتسامة صافية:


-مش أنتِ زعلتي لما طلعت عمرة أنا وانتصار وسامية وكان نفسك تطلعي معانا بس حصل مشكلة في الورق؟؟..


أومات وفاء رأسها وبدأت ضربات قلبها في التزايد وهي تسمعه يقول:


-الحقي ظبطي بقا إجازتك في الشغل علشان الأسبوع الجاي هتسافري مع اخوكي ومراته...


خرجت صرخة حماسة منها رغمًا عنها وهي لا تصدق مع تسمعه، فاحتضنته على الفور من دون مقدمات قائلة بسعادة حقيقية:


-بجد...شكرًا يا بابا، شكرًا جدًا.....


ربت على ظهرها بحنان:


-العفو يا حبيبة أبوكي؛ تروحوا وتيجوا بالسلامة، متنسيش تدعي ليا بقا هناك..


وفي قلبها، اختلطت الفرحة بشيءٍ غامض…

اسم لم يكن من المفترض أن يشغلها...


____________


بعد مرور عشرة أيام.......

كان سافر خلاها نضال، زوجته، وشقيقه...


في صباح يومٍ جديد…

وبعد أن فكّ ريان الغرز وسمح له الطبيب بالعودة إلى المدرسة بعدما اطمأن تمامًا على صحته، جاء اليوم الأول الذي يعود فيه الاثنان إلى روتين الاستيقاظ المبكر.........


لكن بعد أيامٍ من التراخي، فات موعد الأتوبيس.....


فارتدت سامية معطفًا شتويًا طويلًا فوق ملابسها المنزلية، لم يظهر منها سوى طرف البنطال الأسود، وضبطت حجابها على عجل وقررت أن توصله بنفسها.......


هبطت ممسكة بكف صغيرها، لم تتركه إلا للحظة وهي تغلق بوابة منزل عائلة خطاب خلفها......


كان ريان يتناول الشطيرة التي أعدتها له، يقضم منها بحماس طفلٍ اشتاق لمدرسته وأكثر إلى أصدقائه واللعب معهم، بينما وضعت باقي الشطائر في الصندوق الخاص به داخل الحقيبة.......


قطع هدوء الصباح صوت رجولي يلقي عليهما التحية:


-صباح الخير...


رد ريان فورًا، مبتسمًا وفمه مشغول بالطعام:


-صباح النور..


استدارت سامية لتجد كريم يقف خلفها، عينيه مثبتتين على الصغير قبل أن تنتقل إليها، وفي صوته دفء واضح:


-صباح الخير..


أومأت سامية:


-صباح الخير...


نظر كريم إلى الحقيبة، ثم إلى الشطيرة، ثم إلى الساعة في يده، كأنه جمع الصورة كلها في لحظة واحدة، كونه يعرف مواعيد "الباص" الذي كان يركبه في بعض الأحيان قبل أن يأتي بسيارته:


-إيه فاتكم الباص ولا إيه؟.


رد عليه ريان بابتسامة لطيفة وكان طفلًا اجتماعيًا لا تمل من الحديث معه أبدًا:


-أيوة، النهاردة أول يوم اروح المدرسة، وفكيت رأسي..


وأشار بيده إلى رأسه، يخبره بفخر كأنه إنجاز عظيم...........


كان يخبره بأمر عدم ذهابه إلى المدرسة كأنه لا يعرف، فهو لا يعلم بأنه يعرف جيدًا.....


ابتسم كريم ابتسامة واسعة صادقة، ومشرقة، وقال بلهفة لم يستطع إخفاءها:


-حمدالله على السلامة، المدرسة هتنور....


أضاف بسرعة، كأن الفكرة كانت جاهزة تنتظر الفرصة حتي تظهر للعلن:


-ممكن أنا اوصلك ونروح مع بعض إيه رأيك؟..


ردت عليه سامية برفضٍ مهذب رغم أنها لم تمنح طفلها فرصة للرد:


-لا ملهوش لزوم تتعب نفسك، روح شغلك وأنا هوصله..


ابتسم كريم ببساطة، لكن نبرته حملت إصرارًا لطيفًا:


-هتعب نفسي في إيه؟ هو أنا رايح مكان مخصوص؟ أنا رايح معاه نفس المكان..


التفت ريان إلى أمه بسرعة:


-أه خليني اروح معاه..


نظرت له سامية باستنكار..

هو يتعلق بأي شخص يراه، يكفي تعلقه بحمزة الذي بات يتصل ويسأل عنه كثيرًا...


تدخل كريم محاولًا طمأنتها، صوته هادئ لكن حماسه ظاهر بشكل غريب بالنسبة لها:


-أنا جاركم وساكن قصادكم، ومدرس معاه في المدرسة؛ وصاحب نضال؛ حضرتك قلقانة من إيه؟.


ضيقت سامية عيناها بعدم استيعاب هل يظهر قلقها بوضوح إلى تلك الدرجة؟؟..


قالت محاولة الحفاظ على جديتها:


-لا هقلق من إيه بس؟ أنا بس مش عايزة اتعبك..


ابتسم كريم، وكأن العبارة أسعدته أكثر مما يجب:


-مفيش تعب ولا حاجة زي ما قولتلك، إيه التعب اللي هيكون موجود وأنا بيه أو من غيره رايح نفس المكان، يلا يا ريان علشان منتأخرش أكتر من كده...


مد يده للصغير في نهاية حديثه، تردد ريان لحظة واحدة فقط، ثم أمسك بها، ولوّح لأمه بحماس كبير:


-يلا باي يا ماما....


قاد كريم ريان إلى سيارته، الموجودة ناحية الصف الأخر عند منزلهما..


كانت سامية حاول فهم ما يحدث، لو كانت لا تتبع التربية الايجابية لكانت صفعت صغيرها على ذهابه دون أن يهتم برأيها لكن بالتأكيد لهما حديث عند عودته........


حمل كريم عنه الحقيبة بنفسه، وضعها بعناية، ثم جعله يجلس وأغلق الباب برفق قبل أن يركب هو الآخر.....


لوّح ريان من النافذة، فردّت سامية التحية رغمًا عنها، تراقبهما وهما يبتعدان، وما زالت تحاول فهم ما حدث....


حينما اختفى طيفهما صعدت إلى الشقة وفتحت الباب لتجد زهران الذي استيقظ أثناء هبوطها بسبب غلقها لباب الشقة بقوة؛ ووقف في الشرفة حتى يطمأن بأن الصغير قد ركب "الاتوبيس" لكن في الحقيقة هو غادر مع كريم تحت أنظاره....


عاتبها زهران باستغراب:


-إيه اللي خلاكي تسيبي الواد يروح مع كريم؟ أنا كنت واقف في البلكونة بطمن أنه ركب الباص لقيته ركب مع كريم..


وهل سألها أحد أصلا؟!

لقد ذهب الاثنان من دون موافقتها.....


لكنها حاولت أن تشرح له ما حدث وفهمت بأنه


-أحنا صحينا متاخر والباص سابنا ومشي ولما نزلنا كنت هجيب العربية من الجراج لقيناه بالصدفة كان ماشي هو عرض عليا أنه يروح...


ابتسم زهران بسخرية خفيفة وهو يقول:


-الصدف بتاعته بقت كتيرة أوي........


وصمت......

وكأن في ذهنه ما هو أكثر من مجرد صدفة........


___________


في الرابعة مساءًا...


وضعت حور الفستان بعناية داخل الحقيبة الجلدية، ثم ألحقت به مستحضرات التجميل وبضع متعلقات صغيرة لا تستغني عنها في تلك المناسبات......


كان فستانًا من النوع الذي لا تخرجه من خزانتها كثيرًا؛ ذاك الذي ينتظر مناسبات بعينها، مناسبات مغلقة، أنثوية خالصة، لا حضور فيها إلا للضحكات العالية والرقص العفوي بين الفتيات، اشترته منذ عام وأكثر برفقة ريناد  وأخيرًا جاءت لها فرصة حتى ترتديه أخيرًا...


كان اليوم حفل الحناء الخاص بصديقتها من الجامعة، وهي تحب حضور تلك المناسبات جدًا المليئة بالزغاريد، الألوان، اللمّة، وكل ما يجعل القلب أخف.......


وقفت أمام المرآة تمسك مكواة الشعر، تحاول إنهاء خصلاتها بسرعة حتى لا تتأخر، كثافة شعرها وطوله سببًا في التأخير.....


كانت والدتها تجلس على طرف الفراش تراقبها بعين خبيرة، ثم سألتها بنبرة حذرة:


-اخوكي عارف أنك رايحة الحنة دي وبعدين هو كل يوم والتاني حنة ولا فرح؟؟..


هزت حور رأسها مؤكدة دون أن تلتفت وتحاول أن تنهي خصلاتها متمتمة:


-ايوة لازم اروح مناسبات الناس اللي بحبهم مدام مواريش حاجة وعلشان الكل يجي لما اجي أنا يكون عليا الدور، وبعدين فرحها هيكون في اسكندرية فمش هعرف احضره...


ثم أضافت موضحة:


-ودياب عارف؛ يعني أنا هكون قاعدة بكوي في شعري ومجهزة كل حاجة من غير ما أقوله؟ متقلقيش عارف بقاله يومين وقالي كمان أنه هيجي ياخدني علشان مرجعش متأخر بليل لوحدي واقعد براحتي.


أردفت حسنية بتحذير معتاد، للمرة التي لا تعرف عددها:


-اوعي يابت يكون في حد بيصور هناك وكلكم بتكونوا قالعين كده..


ردت حور بسرعة وكأنها كانت تنتظر السؤال:


-لا محدش بيصور اللي بيصور؛ بيصور نفسه جنب ال decoration بس، والعروسة هي اللي بتتصور وأصلا الكل بيكون سايب موبايلاته وصدقيني أنا لما بلاقي حد بيصور أصلا مبتحركش من مكاني ولا بغير يعني أنا مش عبيطة يعني...


تنهدت والدتها ثم أخذت تنظر لها بحنان ثم قالت:


-عقبالك يا حبيبتي...


ابتسمت حور وهي تقترب من إنهاء آخر خصلة......


رن هاتفها فجأة، فأجابت بحماس:


-إيه؟ وصلتي؟.


ثم استمعت قليلًا وأردفت:


-الطبلة خليها تجيبها اه، أنا هطبل مش مشكلة مدام البنت مش هتيجي..


استمعت مجددًا ثم أنهت المكالمة بسرعة:


-خلاص ماشي أنا ربعاية كده وهنزل ومش هكمل نص ساعة ان شاء الله، يلا سلام..


تمتمت حسنية بضيقٍ:


-هو يابت موضوع الطبلة ده مش قولتلك تسبيه..


أغلقت حور المكواة أخيرًا وقالت وهي تضحك فوالدته تنزعج من موهبتها التي تدركها جيدًا:


-يعني أنا ماشية أطبل في الشارع ده مع صحابي بس في حنة بنات يا ناس، وبعدين يا ماما بقا ما تسيبوني أعيش حياتي..


تنهدت حسنية وهي تحاول التكيف مع عالم ابنتها المختلفة..........


كانت تحاول أن تكون مرنة بعض الشيء، لقد تغيرت الدنيا على ما يبدو، هي تعيش حياة مختلفة مع حور تناقض تلك الحياة التي عاشتها مع إيناس التي كانت دومًا هادئة وكان الزمن مختلف قليلًا.....


غير أنها تزوجت وانشغلت بالأطفال قبل أن تعش حياتها، ودياب منذ أن كان مراهقًا كان يعمل من أجل عائلته لذلك أمومتها مع حور مختلفة وهي تحاول أن تواكب هذا الاختلاف الزمني والمادي، والعقلي الشديد الذي لا يتناسب مع عقليتها:


-سايبينك اهو، أهم حاجة بس خدي بالك من نفسك ومدام اخوكي هيجيبك خلاص.


كانت تتحدث وهي تحاول لم خصلاتها قدر المستطاع وتحافظ عليها أسفل حجابها:


-أيوة كده يا حسنية أحبك وأنتِ بتمارسي التربية الايجابية..


ابتسمت حُسنية ثم سرعان ما اختفت ابتسامتها وهي تسألها:


-مفيش أخبار عن ريناد؟ محكتش ليكي حاجة عن مشكلتها مع دياب مش أنتم صحاب برضو؟.


هزت حور رأسها نافية قم أخبرتها بالحقيقة:


-بنتكلم بس مش زي الأول ريناد اتغيرت، وواضح أن ده من زعلها وأصلا أغلب كلامنا بكون بكلم ليان وهي بتسألني عاملة إيه وكل ما أسالها مش بترضى تتكلم.


قالت حُسنية بحسرة:


-يعني إيه اللي هيكون حصل مش مخلي حد منهم يتكلم؟!، مهما كان اللي حصل له حل.


أردفت حور بذكاء:


-ريناد اتحملت كل حاجة، ظروف دياب لما كانت وحشة بجد، واتحملت أسلوبه واتحملت كل حاجة واجهتهم وهي بتحبه جدًا الموضوع فيه واحدة أكيد، ومعتقدش أنها حد جديد، ممكن تكون البت ليلى.....


تمتمت حُسنية رافضة هذا الاحتمال:


-دياب عمره ما هيخون ريناد وبعدين ليلى اتجوزت من بدري وإيه اللي هيرجعها بعد السنين دي كلها؟؟؟..


ردت عليها حور بجدية:


-اطلقت يا ماما بقالها سنة تقريبًا، شوفت عندها في الفيس بوك انها اطلقت...


ثم قالت بخفة دم وهي تحمل حقيبتها:


-شكلك مش متابعة، واضح أن الناس في الحتة بقوا فعلا مش بينقلوا الأخبار؛ وبقوا يركزوا في بيوتهم بس.......


انحنت وقبّلت وجنة والدتها بحماس:


-يلا همشي أنا بقا واما ارجع ان شاء الله نكمل كلامنا يا سوسو....


-ماشي يا حبيبتي على مهلك...


___________


في الحادية عشر مساءًا..


-ايوة يا حور، في إيه؟..


كان هذا رد دياب بعد إتصالات حور المتكررة وهو يجلس مع طارق في المكان الخاص بهما.....


جاءه صوتها عبر الهاتف، يحمل ضجرًا خفيفًا:


-هو إيه اللي في أيه؟ مش أنتَ قولتلي أخلص واكلمك علشان تيجي تاخدني..


عقد حاجبيه دون تركيز:


-أخدك منين؟ وأنتِ فين أصلا..


تحدثت حور بصدمة:


-في إيه يا دياب؟ ركز معايا؛ أنا في حنة صاحبتي مش انتَ قولتلي روحي وأنتَ هتيجي تاخدني....


قال دياب أخيرًا وقد تذكر ما تقوله:


-ايوة، ايوة، معلش نسيت، خلاص ابعتيلي اللوكيشن وأنا جايلك يلا سلام يا حور..


أنتهت المكالمة...

وتمتم دياب:


-يلا نمشي بقا أصلا هما نص ساعة وهيقفلوا...


قال طارق بحرج وتردد:


-امشي أنتَ وأنا هقعد لغايت ما يقفلوا روح هات أختك و..


قاطعه دياب بنفاد صبر لطيف:


-يلا يا طارق بقا مش لازم اقعد اهاتي معاك؛ هجيب حور ونروح أحنا في نفس المنطقة يعني، إيه لازمتها تروح لوحدك يلا اخلص......


لم يجد طارق مفرًا، فاكتفى بهزة رأس موافقة.....


بعد قرابة أربعين دقيقة....


 كانت سيارة دياب تتوقف عند الموقع الذي أرسلته حور.....


 ترجل دياب وهو يتحدث معها عبر الهاتف، ثم لمحها تهبط من البناية بخطوات خفيفة، ووجهها يلمع بشكل غريب تحت أضواء الشارع الخافتة...


اقترب منها، متفحصًا:


-إيه اللي أنتِ حطاه في وشك ده؟.


لقد مسحت مستحضرات التجميل كلها التي كانت تضعها وتلك الحبيبات اللامعة التي وضعتها مع صديقتها أبت بأن ترحل كلها وبقى أثرها رغم أنها كانت على وشك أن تجرح وجهها أو يلتهب من كثرة محاولاتها.....


-ده الكريم أبو ألف جنية اللي جبته أول الشهر عامل عمايله وما شاء الله مخلي وشي بيلمع زي ما أنتَ شايف كده، فلوسك حلال يا دياب...


نظر لها دياب ساخرًا بعدما رفع يده يحاول مسح وجهها بأصابعه:


-ده على أساس أن أنا كفيف يعني مش شايف؟؟..


-يووه أعمل إيه بقا؟ صحابي وكلهم حطوا وقعدت امسح فين قبل ما انزل مش راضي يتمسح لدرجة أن وشي هيلتهب، لما اروح هتصرف...


أمسك دياب بيدها وعبر بها الطريق نحو السيارة، ثم تناول مناديل من الداخل وابتعد خطوة:


-امسحي وشك عدل..


-مش هيطلع بالمناديل يلا يا دياب خلصني روحني بقا...


اقتربت من السيارة ناحية المقعد الأمامي، متذمرة دون أن تنتبه بأن هناك شخص جالس في السيارة:


-ده ليها حق تطفش منك الست والله عذراها....


وكادت أن تفتح الباب لولا صوت دياب الذي اقتحم الأجواء وهو يقترب منها:


-إيه مش شايفة رايحة فين؟ اركبي ورا...


هنا انتفضت وتوقفت فجأة، ورفعت عينيها لتلتقي بنظرة طارق لأول مرة منذ قدومها.......


تجمدت لحظة ثم قالت بتهذيب تلقائي لم تعهده في نفسها:


-السلام عليكم..


ابتسم طارق بهدوء، ابتسامة بسيطة لكن دافئة كعادته:


-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..


فتح دياب الباب الخلفي لها، فجلست دون كلمة إضافية. أغلق الباب وركب مكانه، وانطلقت السيارة.....


سكن الصمت....

لم يكن ثقيلًا لكنه مشحون......


حور كانت تحدق من النافذة طوال الطريق، قلبها يدق بإيقاع غريب لم تعهده من قبل......


كان شيء ما بدأ دون أن يعلن عن نفسه.....


______________


يجلس كريم في الشقة الخاصة به وحده على غير عادته.....


وكان الصمت أثقل من أي ضجيج، لا يقطعه سوى خشخشة الأوراق بين يديه وهو يصحح امتحانات طلابه، يضع درجات، ويخطط لامتحان الشهر الجديد بعقلٍ حاضر وقلبٍ غائب....


صعدت نورا، تحمل له الطعام الذي أعدته والدته، فلم يكن في حالة تسمح له بالجلوس مع أحد، لا مع أمه، ولا مع ابنة خالته، لذلك اكتفى بطلب الطعام من شقيقته....


جلست أمامه، تراقبه في هدوء، فقد أنهى طعامه، وأعدت له الشاي، ثم بقيت في مكانها، رفع عينيه إليها أخيرًا، متعجبًا:


-قاعدة يعني، مش هتنزلي..


هزت رأسها بجدية:


-مش جايلي نوم، غير أن الكل نام ما عدا هالة وبصراحة هي مش طالبة نواح البيت بقا نكد من ساعة ما سيبت الشقة وقعدت هنا؛ والصبح كان في مسرحية تحفة....


توقف عن الكتابة، وحدق فيها بعدم فهم:


-مسرحية إيه مش فاهم؟؟.


تمتمت نورا وهي تسرد له ما حدث:


-الصبح هالة قامت لمت حاجتها وكانت ماشية وراجعة البلد هي وأخوها وأمك حلفت عليها أنها متمشيش وفضلت طول اليوم تعيط....


ثم أضافت بتعاطف حقيقي في تلك النقطة فقط:


-بصراحة رغم أن مفيش بيني وبينها عمار إلا أنها صعبت عليا لأن اصلا أبوها ضعيف الشخصية قدام مراته أوي، وفي مشاكل جامدة ما بينهم ومينفعش ترجع دلوقتي....


قال كريم بهدوء معتاد:


-ربنا يصلح الحال..


صمتت لحظة، ثم ابتسمت بمكر:


-مفيش أخبار عنك؟ مش هتجدد ليا الباقة صحيح؟..


رفع حاجبه ساخرًا:


-دي رابع مرة أجددها ليكي في الأسبوع غير الشهر اللي فات خربتي بيتي، أنتِ بتشربيها ولا إيه؟ وبعدين إيه الابتزاز ده..


ضحكت نورا ثم قالت بعفوية:


-هي مش فكرة ابتزاز بس أنتَ عارف ياخويا يا حبيبي قد إيه أنا صعب عليا أكتم السر ومقولهوش علشان كده طول الوقت بحتاج حاجة تقفل بوقي...


ثم سألته بجدية:


-مفيش حاجة كده ولا كده بينك وبين سامية......


رد عليها رد واضح وصريح بدون تردد:


-لا....


.......


تتذكرون تلك الليلة؟...


....عودة إلى الماضي....


-لا هنام وبكرا ان شاء الله هسلم على هالة وعلى يوسف وهعمل كل حاجة..


دخل إلى الفراش ودثر نفسه بالغطاء هنا تحدثت صباح بغضب:


-عيب اللي بتعمله ده يا كريم.


ثم تمدد على الفراش، وهو يقول بصوتٍ متعبٍ خافت:


-والله مش عيب ولا حاجة سبيني أنام أنا مش شايف قدامي وقوليلهم تعبان ونام ومش هيحصل حاجة..


خرجت صباح من الحجرة بغضب من تصرفات ابنه لأنه يقرأ دومًا ما تريده ويعرف ما ترغب فيه، قالت قبل أن ترحل:


-ماشي يا كريم براحتك.......


وخرجت وأغلقت الباب خلفها، بينما هو أغمض عينيه سريعًا كأنه يهرب من شيءٍ أكبر من مجرد تعبٍ جسدي...


كان يهرب من رؤيتها معه..

كان معتادًا في بعض الأحيان مراقبتها أو محاولة الوجود بالقرب من المكان الخاص بها....

رأى أول لقاء بيها وبين حمزة...


غضب كثيرًا حتى وقتها أراد التدخل لولا أنها انسحب وركبت سيارتها وغادرت.....


....عودة إلى الوقت الحالي....


تمتمت نورا باستغراب:


-روحت فين؟؟.


زفر بضيقٍ ثم أجاب على شقيقته ببساطة:


-معاكي هكون روحت فين يعني؟..


صمتت للحظة ثم قالت:


-بصراحة لما الميكب ارتست اللي كنت عايزة أحجز معاها مردتش عليا وأنتَ قولتلي عليها وفضلت مصمم إني أجيبها وكأن هي دي اللي كنت عايزاها وأنا أصلا معرفهاش يعتبر، وكدبت على الكل حتى عليها...


ضحكت وهي تخبره بمرحٍ:


-يوم ما جت الخطوبة فضلت تقولي أنها ملقتنيش باعتة حاجة أنا فضلت مصممة إني بعت لغايت ما هي اقتنعت، أصلا أنا وافقت إني أجيبها علشان كان عندي فضول أشوفها واتعامل معاها أصل مش كل يوم يعني أستاذ كريم بيهتم بواحدة...


لم تكن تعرف بأنه حتى ترك العمل في المدرسة الحكومي حينما عاتبه والده...


حتى يعمل في المدرسة الخاصة الذي يدرس فيها صغيرها....


لعل هذا يكون السبب في لقاء بينهما......


هو فعل الكثير من الأشياء الجنونية لأول مرة في حياته على أمل أن يحظى ببضعة لحظات معها، أو حتى تسنح له الأمور بـ لقاء معها........


منذ أن جاء إلى هنا ووقعت عينه عليها منذ سنوات وهو يتتبع كل الخيوط التي قد تجعله يصل لها، لكنها بعيدة جدًا عنه حتى لو جمعتها منطقة واحدة وشارع واحد...


لا يدري لما الأمور بينهما صعبة إلى هذا الحد؟!.

لماذا تبدو المسافة بينهما مستحيلة، رغم كل هذا القرب؟!


فهو يستطيع النظر إليها من النافذة الخاصة به..

لكنه لا يستطع الاقتراب منها...


سألته نورا بقلق طفيف فهي عرفت بأنه يكن لها المشاعر لكنها لا تعرف حجمها وقوتها:


-أنتَ بتحبها بجد ولا إيه مهتم شوية وخلاص؟؟.


نظر أمامه، صوته خرج أعمق مما قصد:


-بحبها دي كلمة قليلة يا نورا....


كانت سامية هناك بداخله… 

كما هي دائمًا.......


حاضرة دون أن تكون قريبة، قريبة دون أن تمتد إليها اليد.....


تنفس بعمق......

الحقيقة التي لا يعترف بها حتى لنفسه أن الأمر لم يكن إعجابًا عابرًا، كان شيئًا أهدأ وأخطر.......


شيئًا يشبه الالتزام الصامت، الرغبة في القرب دون اقتحام.....


وحب من طرف واحد لكنه يكفي بأن يجعل القلب ينتعش ويتنفس.....


كان يعرف أنها امرأة لها عالمها، مخاوفها، ومسافاتها التي لا تُكسر بسهولة......


ولذلك ظل واقفًا في مكانه، خطوة واحدة خلفها دائمًاز فهو في منتصف الأشياء...


لكنه قلبه بدأ يشعر بالاختناق...

تضخمت مشاعره بشكل كبير...


حتى جعلت القلب ليس قادرًا على أن يأخذ أنفاسه.............


إلى متى؟؟..


فالقلب لم يعد يحتمل أن يكون مجرد مشاهد، وهل سيكون القادم يعطيه رفاهية الصمت؟؟


________يتبع________


تم وضع النقط على الحروف......


نتقابل في فصل جديد ان شاء الله من حين تنفس القلب❤️❤️


دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله...


بوتو يحبكم❤️❤️




بداية الرواية من هنا





لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺 





تعليقات

التنقل السريع
    close