القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم خضراء القحطاني حصريه وجديده

رواية حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم خضراء القحطاني حصريه وجديده 



رواية حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم خضراء القحطاني حصريه وجديده 


استيقظت عائشة على صوت المنبّه، لكنه بدا وكأنه يأتي من آخر الدنيا لم تكن تعرف إن كانت نائمة فعلًا أم مجرد جسد ممدد يحاول أن يقنع نفسه أنه استراح عيناها فتحتا ببطء، وكأن جفنيها يحملان وزن يوم كامل قبل أن يبدأ.

مدّت يدها لتغلق المنبه، فشعرت بوخ*ز ح*اد يمتد من كتفها إلى أصابعها.

يا رب مش وقتك همست لنفسها وهي تحاول الجلوس.

كانت الساعة السادسة والنصف صباحًا، ووراء الباب يسمع صوت أمها تتحرك في المطبخ، تعد الإفطار لأخويها أما هي، فكانت تخوض م*عركة خاصة كل صباح م*عركة لا يراها أحد جسدها ثق*يل، أطرافها متي*بّسة، وكأن كل عضلة ترفض أن تبدأ يومًا جديدًا.

وقفت أمام المرآة، شاهدت اله*الات الداكنة تحت عينيها، والاصف*رار الخفيف في وجهها.

أنا عندي عشرين ليه شكلي كده؟

قالتها وهي تغسل وجهها بالماء البارد، لعل شيئًا يستيقظ بداخلها.

ارتدت ملابسها الجامعية ببطء، كل حركة تحتاج جهدًا مُبالغًا فيه. أمسكت حقيبتها، لكنها كانت أثقل مما يجب فكرت أن تتركها، أن تقول إنها مريض*ة لكنها لا تملك تفسيرًا، ولا أحد يقتنع حين تقول: تع*بانة.

خرجت من غرفتها بخطوات هادئة نظرت إليها أمها سريعًا.

إنتي لسه نايمة؟ شكلك مره*ق قومي افطري قبل ما تتأخري.

هزّت عائشة رأسها وهي تجلس، لكن تناول اللقمة كان ص*عبًا؛ ليس لأنها لا تريد، بل لأن التع*ب يق*تل الشهية.

ركبت الباص الصغير المتجه إلى الجامعة جلست في المقعد الخلفي، وأسندت رأسها إلى الزجاج الطريق يهتز، والأل*م يزداد شعرت بموجة خفيفة من الد*وار تلك التي أصبحت ضيفتها الدائمة.

وفي المحاضرة، حاولت التركيز على كلام الدكتور، لكنها سمعت الكلمات كأنها تتناثر في الهواء دون أن تستقر في عقلها.

الضوء الأبيض الساطع صوت الطلاب المقاعد الصلبة كل شيء يزعجها.

همست لصديقتها نورة:حاسّة إني مش موجودة مخي مهنّج.

ضحكت نورة قائلة:نامي بدري يا بنتي، كل ده من السهر.

ابتسمت عائشة رغم أنها لم تسهر لم تستطع أن تقول:أنا بنام كتير لكن ما بستريحش.

حين انتهى اليوم، خرجت وهي تشعر أن قدميها تحملان جبلًا. ركبت الباص مرة أخرى، أغمضت عينيها، وسمعت نبضها يتسارع بلا سبب.

عندما وصلت البيت، ألقت حقيبتها على الكرسي، وجلست على الأرض.

هاتفها يهتز بجوارها رسالة من نورة:انتي كويسة؟ شكلك اليوم تع*بانة زيادة.

كتبت عائشة:أيوه، بس شوية ص*داع.

ثم وضعت الهاتف جانبًا، وأسندت ظهرها للحائط، ورفعت رأسها للأعلى، تغالب دم*عة لم تجد سببًا واضحًا لتسقط.

أنا مالي؟ ليه جسمي بيعاملني كده؟

تساؤل يتكرر كل يوم بلا إجابة.

كانت تلك اللحظة هي بداية الحكاية حكاية جسد يهمس بالأل*م، وروح تحاول أن تصمد دون أن تفهم ما الذي يحدث لها.

لم تكن حياة عائشة تختلف كثيرًا من الخارج عن حياة أي فتاة في العشرين تذهب للجامعة، تضحك مع صديقاتها، تلتقط صورًا خفيفة للحظات، وتظهر وكأنها بخير.

لكن الحقيقة كانت أن كل خطوة، كل حركة، بل كل نفس كان يحتاج منها مجهودًا لا يراه أحد.

في الصباح، عندما تستيقظ، كانت أول معركة تبدأ جسدها يرفض النهوض.

ليس كسلًا، وليس مزاجًا، بل أل*مًا عميقًا يشبه الح*ريق الهادئ الممتد في العضلات.

كانت تتدحرج من السرير ببطء، تضع قدمًا على الأرض ثم الثانية، وتجلس لحظة طويلة قبل أن تق*تل هذه الفكرة خليني أرجع أنام.

لكنها لا تنام هي في الحقيقة لا تستريح.

في المطبخ، تتصنع الابتسامةصباح الخير.

صوتها كان أحيانًا هشًا، كأنها لم تتكلم منذ سنوات.

أمها ترد:يا بنتي انتي ليه دايمًا مصحّية مُ*رْهَقة؟ الليل ما بيريّحش؟

تهزّ كتفيها وتقول:شكلي بس.

ثم تشرب الشاي وهي تمسك الكوب بكلتا يديها، ليس لأن الجو بارد بل لأن أصابعها ترتج*ف من الأل*م الخفيف الذي لا تخبر عنه أحدًا.

في الطريق للجامعة، كان المشي السريع ينهكها خطوات الفتيات حولها سريعة، ضاحكات، متحمسات، بينما خطوات عائشة ثابتة، محسوبة وكأنها تحاول أن تحافظ على توازنها كي لا يسق*ط جسدها من الت*عب.

الوج*ع دائمًا موجود، مثل ظل خلفها لا يفارقها.

في المحاضرات، كانت الجلسة الطويلة مؤل*مة، الضوضاء توج*ع رأسها، الضوء الأبيض يجعل عينيها تح*ترقان لكنها تجلس صامتة، تسجل الملاحظات ببطء، وتبتسم حين تمازحها صديقتها، رغم أن كتفها يح*ترق من الأل*م.

وأكثر ما كان يؤل*مها الكلام العادي الذي يعتبره الناس بسيطًا:مالك؟ شكلك تع*بانة.

إيش هذا الخ*مول؟ نامي بدري!

يا بنتي انتي صغيرة، ليه هالكسل؟

فتضحك وترد:مش عارفة، يمكن يوم ثقيل.

لكن الحقيقة أنها تحمل ثقل أيام كثيرة، وليست مجرد يوم.

في الجامعة، حين تصعد الدرج، تلتقط أنفاسها وهي تخفي ذلك جيدًا.

تُخرج هاتفها لتتظاهر أنها ترد على رسالة فقط حتى تبرر توقفها المفاجئ.

في البيت، كانت غرفتها ملاذها الوحيد.

تغلق الباب، تضع حقيبتها، وتجلس على الأرض بدل السرير لأن عضلات ظهرها تؤل*مها أكثر عندما تتمدد.

أحيانًا تضحك مع إخوتها أو تشاهد مسلسلًا مع أمها، وتظهر طبيعيّة تمامًا.

البارت الثاني *حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح *

لكن ما إن تنطفئ الأنوار وتعمّ السكينة يبدأ الأل*م في الظهور بوضوح أكبر، وكأنه يفضّل الليل ليأخذ مساحته.

وأحيانًا تبكي بصمت ليس لأن الأل*م غير محتمل، بل لأنه غير مفهوم.

كيف تشرح لهم أن جسدها يتصرف كأنه في ح*رب بينما لا أحد يراها؟

كانت تكتب في دفترها:لو كان الأل*م له صوت لصرتُ أعلى الناس ص*راخًا لكنني صامتة، وهذا هو الجزء الأص*عب.

وفي كل يوم جديد، تعود عائشة لنفس الروتين تتظاهر بالقوة، تبالغ في الاهتمام بنفسها حتى لا يشفق عليها أحد، وتبتسم رغم أن كتفيها ي*ؤلمانها، ورأسها ثقيل، ونومها قليل.

كانت تعيش حياة كاملة ولكنها تُق*اتل في نصفها دون أن يعلم أحد.

نورة الصديقة المقرّبة

العمر 20 مرحة، اجتماعية، عملية، لا تحب المبالغة في المشاعر.

بنت وحيدة بين أربعة إخوة أولاد، وهذا جعلها قوية وصريحة.

تستيقظ يوميًا على ص*راخ إخوتها في الصالة، فتهرب للجامعة لتجد الهدوء.

دراستها أهم ما في حياتها، تريد أن تعمل في المختبرات.

لا تفهم الأم*راض غير الواضحة لأنها بنت واقعية جدًا.

نورة ترى الأمراض بـالأرقام والتحاليل فقط.

ولهذا كانت دائمًا تظن أن عائشة تتعب بسرعة دون أن تسأل لماذا.

سلمان زميل من القسم

العمر 22 هادئ، خلوق، مراقب، لا يتحدث كثيرًا لكنه يفهم أكثر مما يقول.

يعمل مساءً في مكتبة والده، ويذاكر في النهار.

يحب قراءة الروايات الطبية والنف*سية.

يعاني من ص*داع نصفي منذ سنوات، لذلك يتعاطف بصمت مع أي شخص يبدو متع*بًا، حتى قبل أن يعرف قصته.

لديه القدرة على ملاحظة التفاصيل الصغيرة ارتعاش يد، تنفّس سريع، أو حتى ضحكة تخفي شيئًا.

قبل أن يقترب من عائشة، كان دائمًا يلاحظ أنها تمشي ببطء لكن لم يكن يتدخل.

الدكتورة مها أستاذة علم النف*س

العمر 35 صارمة، لكنها تمتلك قلبًا رقيقًا خلف الجدية.

فق*دت أختها بسبب م*رض مزمن اكتُشف متأخرًا.

لذلك أصبحت تشعر بالق*لق على أي طالب يبدو عليه الإرهاق غير الطبيعي.

حياتها اليومية تبدأ مبكرًا، قراءة، قهوة سوداء، ومراجعة محاضرات.

لا تعرف عائشة بعد، لكن حين تراها شيء بداخلها سيشعر أن الفتاة تخفي ألمًا كبيرًا.

 جمان زميلة سطحية من المجموعة

العمر 19 اجتماعية جدًا، تهتم بالموضة والتفاصيل التافهة.

أول ما تفعله كل صباح هو تصوير قهوتها ونشر الصورة.

تعتبر الجامعة مسرح يومي للضحك، الملابس، والمشاكل الخفيفة.

لا تؤمن بوجود م*رض اسمه تعب مزمن

بل تقول دائمًا:الناس تبالغ.

جمان ستكون أول من يشك في غرابة تصرفات عائشة بشكل سطحي وساذج.

الأستاذ عادل مدرّس الرياضيات صارم جدًا

العمر 45 شديد، لا يحب الأعذار، يؤمن بالانضباط فقط.

الحياة يخرج من بيته الفجر، يرتّب يومه بدقة.

لا يتسامح مع أي طالب يتأخر أو يتشتت.

لا يهتم بمشاكل الطلبة الجامعة ليست مكانًا للضع*ف.

سيلاحظ تع*ب عائشة لكنه سيعتبره قلة اهتمام.

الحياة في القسم قبل أن تصبح عائشة محورًا فيها كانت تسير على وتيرة واحدة الطالبات يتجمعن حول طاولات ثابتة.

نورة تقود المجموعة دائمًا بصوتها العالي ونكاتها.

سلمان يجلس وحده جانب النافذة يقرأ بصمت.

جمان تقلب في المرآة الصغيرة وتشتكي من حرارة الطقس.

الدكتورة مها تمرّ بينهم بهدوء يشبه فجرًا جادًا.

الأستاذ عادل يعلن بداية المحاضرة بنبرة عس*كرية.

الكل مشغول بحياته الكل يركض الكل يضحك ولا أحد ينتبه للآلام الصامتة التي ستمر بينهم قريبًا.

نورة تصحو على ضوضاء إخوتها.

تلبس بسرعة وتخرج نصف نائمة.

في الجامعة تمزح، تشرح، تقود الكل.

لا تنتبه لت*عب عائشة لأنها دائمًا في عجلة.

سلمان يفتح المكتبة مساءً، يرتّب الكتب.

يذاكر في الهدوء.

لا يحتك بالآخرين كثيرًا.

يلاحظ الت*عب لكنه لا يتدخل.

الدكتورة مها محاضرات مكتبة أبحاث.

تحمل في داخلها ح*زنًا قديمًا تجعلها حساسة تجاه الم*رضى لكن لا تظهر ذلك.

جمان تصوير تزيين تسلية.

تعتبر كل شيء مجرد تفاصيل يومية.

لن تفهم عائشة بسهولة.

الأستاذ عادل جدول قوانين صرامة.

لن يهتم بأحوال الطلبة إلا إذا أثّر على الواجبات.

كانت الجامعة في ذلك الصباح تشبه خلايا نحل ضخمة طلاب يتحركون في كل اتجاه، أصوات تختلط ببعضها، خطوات سريعة، وأكواب قهوة تتنقل بين الأيدي.

عائشة كانت من بينهم تسير ببطء، تجرّ حقيبتها على كتف مت*عب، لكنها تبدو طبيعية وسط هذا الضجيج.

لم يكن أحد يلاحظ شيئًا ولم يكن أحد يفكر أصلًا أن فتاة في العشرين يمكن أن تستيقظ وكأنها واجهت ح*ربًا.

لكن قبل أن تظهر قصتها، كانت الحياة تدور حولها هكذا

نورة كانت تصل إلى الجامعة قبل الجميع، تمسك كوب قهوتها الكبير وتمشي بسرعة، كأن يومها سباق لا بد أن تفوز فيه.

تدخل القاعة وتقول بصوت عالي:صباح الخير يا عالم!

ضحكتان، ثلاث، ردود سريعة كل شيء معها ينبض بالحياة.

توزّع الواجبات، تشرح النقاط الصعبة لزميلاتها، تشتكي من زحمة البيت ومن ص*راخ إخوتها، وتضحك على كل شيء.

لم تكن تلاحظ أن فتاة خلفها تمشي بتؤدة، تضع يدها على كتفها بين لحظة وأخرى.

لم تكن تعرف أن عائشة تخفي أل*مًا خلف ابتسامتها الخفيفة.

بالنسبة لنورة الدنيا بسيطة جدًا.

من يت*عب هو فقط من لم ينم جيدًا أو لم يشرب القهوة.

على الجانب الآخر من القاعة، كان سلمان يجلس قرب النافذة دائمًا.

يفتح كتابه، يقرأ بهدوء، لا يشارك كثيرًا في الحديث.

كل يوم يكرر الروتين نفسه يجلس، يدوّن ملاحظاته، ينظر قليلًا إلى الخارج كأنه يفكر في عالم مختلف.

لاحظ من فترة فتاة هادئة تدخل دائمًا متأخرة بدقائق

لا يعرف اسمها، لكنه يرى أنها تمشي بخطوات محسوبة، وكأنها تحسب المسافة بين قلبها والأرض.

لكنه لا يسأل سلمان لا يتدخل إلا عندما يحتاج أحد فعلًا، أو عندما يجد كلمة مناسبة، وهذا نادر.

جمان كانت تدخل مع مجموعة الفتيات دائمًا، أصواتهن تعلو قبل أن يصلن.

أول ما تفعله كل صباح هو النظر في كاميرا الهاتف:الفلتر أحلى ولا بدون؟

كانت الحياة عندها مزيجًا من الموضة، الضحك، التعليقات السريعة، وتصوير تفاصيل اليوم.

إذا رأت فتاة هادئة أو مرهقة تقول:يا جماعة شكلها مو نايمة! ليش الإنسان يتعب وهو صغير؟

وتضحك ثم تكمل يومها وكأنها لم تقل شيئًا.

بالنسبة لها ما لا نراه لا وجود له.

الدكتورة مها الجدية الهادئة كانت تدخل القاعة بخطوات ثابتة تحمل كتبها،تقف أمام السبورة وتبدأ المحاضرة بدون مقدمات.

لا تبتسم كثيرًا، لكنها تتحدث بوضوح نادر.

الطلاب يحترمونها، رغم صرامتها.

كانت تلتقط التفاصيل الصغيرة، مثل الطالب الذي لم يكتب أي شيء اليوم، أو الفتاة التي تبدو مرهقة أكثر من اللازم.

لكنها لا تتدخل من البداية.

تعطي لكل طالب مساحة لكنها تحتفظ بالملاحظة في ذهنها.

البارت الثالث *حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح *

الأستاذ عادل النظام فوق كل شيء عند الساعة التاسعة تمامًا يبدأ محاضرته.

ولا يغفر التأخير.

إذا رآى طالبًا شاردًا قال:الجامعة ما هي مكان للنوم انتبهوا.

كل شيء عنده محسوب الأسئلة، الحضور، الواجبات.

لا يهمه إن كان أحد متعبًا ما دام كل شيء يبدو طبيعيًا في عينيه.

ولم يكن يعرف أن فتاة تجلس في المقعد الخلفي تح*ارب لكي تبقى مستيقظة وهذا ليس مللًا، بل أل*مًا ينه*ش عضلاتها.

في الفسحة، يذهب البعض للمطعم، البعض الآخر للمكتبة،الضحك، التصوير، النقاشات، المذاكرة، أشياء كثيرة تحدث في وقت قصير.

عائشة كانت بينهم تجلس بصمت، تمسك كوب الماء بيدين مرتجف*تين قليلًا،تبتسم حين تنظر لها نورة،وتشارك جمان ضحكة صغيرة كي لا تُظهر شيئًا.

لا أحد يسأل: لماذا تتع*ب هكذا؟

لأنها لا تت*أوه،لا تتحدث،ولا تشتكي.

كانت تتصرف بشكل طبيعي لكن الحقيقة أن كل لحظة كانت مع*ركة.

بينما الآخرون يعيشون يومهم بخفة لا يشعرون بها.

هذا هو العالم قبل أن يعرفوا قصتها عالم صغير مليء بالضحك والضوضاء والسرعة لا يلاحظ الأل*م إلا إذا ص*رخ.

وعائشة كانت تتقن فن الصمت.

وفي صباح يومًا جديد استيقظت عائشة قبل شروق الشمس بدقائق، ليس لأنها نائمة نومًا كافيًا، بل لأن الأل*م سبقها كعادته ذلك الث*قل في كتفيها، الوخ*ز في أضلاعها، ذلك الص*داع الذي يبدأ كخط رفيع ثم يتمدد في رأسها كظل طويل.

لكن هذا اليوم كان ثقيلاً بشكل مختلف.

اليوم يمر أسبوعٌ كامل على وف*اة والدها.

أسبوع واحد فقط، لكنه بدا لها كعمر.

نهضت ببطء، تشعر كما لو أن عظامها مصنوعة من زجاج قديم يتص*دّع بسهولة مشت نحو المطبخ حيث اعتادت أن تجد والدها جالسًا، يقرأ الجريدة ويتظاهر بأنه لم يستيقظ حزي*نًا مثلها.

لكن الكرسي كان فارغًا ورائحة القهوة لم تعد موجودة.

ه*زة صغيرة مرت في يدها.

ليس من البرد بل من صدمة الحنين.

ارتدت ملابسها للجامعة، واضطرت أن تفعل ذلك على مراحل لأنها لم تستطع رفع ذراعيها دفعة واحدة في النهاية، نظرت في المرآة فلم تجد إلا فتاة متع*بة تحاول إخفاء كل شيء بابتسامة هادئة.

خرجت من المنزل وقلبها يتقلّب مع الهواء البارد الطريق الذي كان يبدو عامًا صار هذا الأسبوع قصيرًا جدًا كأن المدينة كلها أصبحت غرفتها الضيقة.

عندما وصلت الجامعة، كانت الحياة تسير بشكل طبيعي، غافلة تمامًا عن الأل*م العالق في صدرها.

أصدقاؤها ضحكوا، حاصروا بعضهم بالنكات المعتادة رحّبوا بها بود، يسألونها إن كانت بخير، فتجيب بإيماءة مطمئنة.

لم يعرف أحد أن ذراعها اليمنى ترتجف من إجهاد بسيط، أو أن ظهرها يؤل*مها من الوقوف دقائق إضافية.

ولم يعرف أحد أنها لم تستطع النوم يوم أمس لأنها كانت تسمع صوت والدها يناديها من الذاكرة، لا من الحقيقة.

قضت محاضرات اليوم وهي تق*اتل النوم، لا بسبب السهر فقط، بل بسبب الإرهاق الذي يرافق الفيبروميالجيا دائمًا، ذلك الإرهاق الذي لا يختفي مهما أخذت قسطًا من الراحة.

وفي إحدى اللحظات، شعرت بأن ضباب الدماغ يعيق تركيزها الكلمات في الكتاب تحولت إلى خطوط بلا معنى.

لكنها تمالكت نفسها ابتسمت ضحكت معهم.

لأن لا أحد يجب أن يعرف لا أحد.

بعد انتهاء اليوم، توقفت أمام بوابة الجامعة.

أغمضت عينيها قليلًا، مالت برأسها للخلف، وشعرت بوخزة حادة في صدرها، امتدت إلى كتفها ليست خط*يرة، لكنها م*ؤلمة مثل ذكرياتها.

خرجت من حقيبتها صورة صغيرة لوالدها، كانت تخبئها بين دفاترها.

مسحت عليها بأطراف أصابعها وقالت بصوت خافت لا يسمعه أحد:بابا أنا تع*بانة بس هكمل زي ما كنت دايمًا تقولي.

طوت الصورة، وخطت أول خطوة نحو الحافلة.

يوم آخر مرّ والعالم ما زال يرى عائشة العادية القوية.

بينما عائشة الحقيقية تواصل مع*ركتها الصامتة وحدها.

بعد انتهاء المحاضرات، وبينما كانت عائشة تتجه نحو الساحة الخلفية للكلية لتأخذ لحظة هدوء، لاحظت دائرة من الطلاب يلتفون حول فتاة لم ترها من قبل.

كانت الفتاة صمّاء، واضحة الملامح، بشعر أسود قصير، وعينين لامعتين تشعان فضولًا وذكاء كانت تتحرك بيدَيها بسرعة ورشاقة، تنقل كلماتها بلغة الإشارة وكأنها تعزف، والطلاب حولها ينف*جرون ضاحكين أو يردّون عليها بإيماءات مضحكة.

كانت مليئة بالطاقة، وكأن الصمت ليس نقصًا عندها بل مساحة أوسع للتعبير.

توقفت عائشة عند حافة الساحة، تراقب المشهد شيء ما في تلك الفتاة شدّ عينيها ربما جرأتها، أو قدرتها على التواصل رغم حاجز الصوت.

لاحظت إحدى الطالبات قرب الفتاة أن عائشة تقف وحدها، فأشارت للفتاة الجديدة الفتاة التفتت، رفعت يدها بابتسامة واسعة، وأشارت بعلامة ترحيب.

أحست عائشة بخجل مفاجئ لكنها بادلتها التحية برفع يدها قليلًا.

اقتربت الفتاة بخطوات خفيفة، وأمامها هاتف، تكتب بسرعة ثم ترفع الشاشة :أنا اسمي رِيتـــا.

ابتسمت عائشة، وأجابت بصوت خافت:أنا عائشة.

كتبت ريتا بسرعة:أول يوم لي في الكلية واضح إنك هادية وده شيء أعجبني.

ضحكت عائشة بخفة كانت المرة الأولى منذ وف*اة والدها التي تشعر بأن قلبها يزاح عنه شيء بسيط.

رفعت ريتا يديها وبدأت تشير ببطء، كما لو أنها تعلّم عائشة أول كلمة:صديقة.

ثم أشارت إلى نفسها، ثم إلى عائشة.

شعرت عائشة بوخ*زة دافئة في صدرها.

هي التي كانت تغرق في الأل*م والوحدة منذ أيام والآن شخص لا يعرف شيئًا عنها يمد لها يدًا بدون صوت فقط بإحساس صادق.

جلستا سويًا على أحد المقاعد.

كتبت ريتا:أنا مش بسمع بس بشوف كل حاجة وبفهم الناس أسرع من اللي بيسمعوا.

وابتسمت تلك الابتسامة الواثقة التي تجعل كل شيء يبدو أبسط مما هو عليه.

عائشة من جانبها كانت تق*اتل أل*م كتفها الذي ازداد خلال المشي، لكن ريتا لم تلاحظ أو ربما لاحظت وسكتت.

ومن حديث صامت قصير، اكتشفت عائشة أن ريتا ذكية جدًا، مرحة، اجتماعية رغم فقدان السمع، وأن الجميع يحب تواجدها لأنها تبعث طاقة مختلفة.

وهي بدورها أحبتها فورًا.

وربما، للمرة الأولى منذ رح*يل والدها، شعرت عائشة أن وجود شخص مثل ريتا في حياتها قد يكون نعمة غير متوقعة شخص لا يسمع صوت الأل*م لكن يستطيع رؤيته.

استيقظت عائشة في الصباح وهي تشعر أن جسدها يرفض التعاون تمامًا.

كانت ليلة صعبةالأل*م في عضلاتها يشبه موجًا يض*ربها ويهدأ، ثم يعود أقوى.

فكرت للحظة في التغيب عن الجامعة، لكنها تذكرت ابتسامة ريتا في اليوم السابق فقررت أن تذهب.

في الجامعة، كانت ريتا تقف في نفس الساحة الخلفية، تتحدث مع مجموعة جديدة من الطلاب.

لكن عندما رأت عائشة، رفعت يدها عاليًا ولوّحت بحماس واضح، كأنها كانت تنتظرها.

اقتربت منها عائشة بابتسامة صغيرة.

أخرجت ريتا هاتفها وكتبت:جيت بدري علشان ندخل المحاضرة سوا.

هزّت عائشة رأسها موافقة.

وبينما كانتا تسيران، لاحظت ريتا شيئًا خطوة عائشة كانت أبطأ من الأمس، وكتفيها منخفضان أكثر من المعتاد، كأن حملًا خفيًا يجذبها للأسفل.

لكنها لم تقل شيئًا.

جلستا جنبًا إلى جنب.

في المحاضرة، حاولت عائشة التركيز، لكن ضباب الدماغ أفسد كل شيء الكلمات كانت تتداخل، والأل*م يمتد من أسفل رقبتها حتى ذراعيها.

كانت تتظاهر بالكتابة بينما يدها ترتج*ف.

ريتا نظرت إليها فجأة نظرة طويلة، عميقة، وكأنها تقرأ ما تحت الجلد.

ثم كتبت على هاتفها:أنتي مش بخير.

ارتج*فت عائشة كيف؟ لا أحد يلاحظ دائمًا تنجح في إخفاء كل شيء.

كتبت بسرعة:لا، كويسة يمكن بس شويّة إرهاق.

رفعت ريتا حاجبها بطريقة مُضحكة ثم كتبت:جسمك بيقول العكس أنا بشوف التفاصيل اللي الناس مش بتشوفها.

ضحكت عائشة بارتباك.

لم تعوّد أحدًا على الاقتراب لهذه الدرجة.

وبعد المحاضرة، أصرت ريتا أن تذهبا لتناول القهوة سويًا.

وبينما كانتا تمشيا، حاولت عائشة إخفاء أل*م ظهرها، لكنها توقفت للحظة تشدّ عضلاتها دون قصد.

ريتا لم تتكلّم.

لكنها رفعت يدها وأشارت بإشارة بسيطة جداً، كانت واضحة حتى لمن لا يعرف لغة الإشارة:أنا هنا.

في الكافيتريا، جلستا على طاولة هادئة.

ريتا كانت تحرّك يدها بسرعة وهي تحكي عن طفولتها، وعن المواقف المضحكة في عالم لا تسمع فيه شيئًا.

عائشة كانت تضحك، لكنها كلعدة ضمّت ذراعها اليمنى إلى جسدها تحاول تخفيف الأل*م.

توقفت ريتا عن الحركة فجأة.

عيناها حدقتا في يد عائشة ثم في كتفها ثم في طريقة جلوسها المنحنية قليلًا.

كتبت على هاتفها ببطء هذه المرة، وكأنها تخشى أن تخيفها:عائشة هل عندك أل*م؟ مش مجرد إرهاق أل*م؟ في جسمك؟ كتير؟

تجمدت عائشة.

القلب ض*رب بقوة.

الأصوات من حولها اختفت.

لا أحد لم يقل أحد هذا من قبل.

كتبت بيد مرتجفة:أحيانًا يعني مش مهم.

ريتا نظرت إليها نظرة لم تكن تعاطفًا فقط بل فهمًا.

ثم كتبت:لو مش عايزة تحكي أنا مش هسأل بس أنا هفضل جنبك.

ثم رسمت على الشاشة كلمة صغيرة:وعد.

عائشة ابتسمت رغم الأل*م.

لأول مرة شعرت أن شخصًا ما قد يرى مع*ركتها التي تخفيها عن العالم كله.

في يومٍ مشمس داخل الحرم الجامعي، دخلت عائشة وريتـا سويًا إلى الساحة، تتبادلان الضحك أو بالأصح، ريتا كانت تضحك بينما عائشة تضحك بصوتها الخافت.

لكن نورة كانت تقف عند النافورة، تراقب المشهد من بعيد بعيون ضيّقة.

نورة، بنت لطيفة لكنها شديدة الغيرة على أصحابها.

وعندما رأت عائشة تضحك هكذا مع فتاة جديدة، رفعت حاجبها بطريقة درامية وقالت لصديقتها التي بجانبها:شايفة؟ دي نسيتنا يا بنتي.

ثم اتخذت وضعية تمثيلية وهي تضع يدها على قلبها:كنت فاكرة إن إحنا صحاب جه اليوم اللي اتبدّلنا فيه!

ضحكت صديقتها:انتي مكنتيش صاحبتها أصلاً كده!

فصاحت نورة:اسكتي! لازم أوضحلها إني زع*لانة زع*لانة جامد كمان.

ومشت نحو عائشة بخطوات ثابتة، متصنّعة الجدية.

وقفت أمامهما ووضعت يدها على خصرها:عائشة، انتي مش شايفة إنك اممم نسيتي صحابك القدام شوية؟

عائشة ابتسمت بلطف.

ريتا نظرت لنورة بخبث جميل، وسألت بإشارة:غيرة؟

فهمت عائشة الإشارة فضحكت:لا لا، نورة بس بتحب تهزر.

نورة وضعت يدها على صدرها وكأنها مصدومة:تهزر؟! ده اعتراف صريح بالغيرة يا عائشة أنا محلّيش حد يا بنتي!

ريتا ضحكت بإشارة صغيرة تُترجم إلى:أنا بحبها كمان.

وهنا نورة شهقت تمثيلًا:الله! طيرتيني خلاص بقت بتغار عليكي وأنا لسه بتغار عليكي ده مسلسل تركي؟

ضحك الثلاثة معًا، وكان هذا أول اندماج حقيقي بين نورة وريتا، رغم أن نورة ما زالت تراقبها بحذر كوميدي وكأنها تقول:هراقبك انتي كمان بس بحبك.

بعد المحاضرات، قررت عائشة أن تزور مكتبة سلمان وهي مكتبة قديمة في آخر الشارع، الجميع يحبها، وسلمان شاب هادئ وخلوق، يعمل فيها ليساعد أسرته.

رافقتهما نورة وريتا، فكانت الخطة شراء مستلزمات الدراسة.

كانت المكتبة مزدحمة قليلًا سلمان كان يرتّب الكتب خلف الرفوف، ورأى الفتيات فابتسم لها:اتفضلوا يا بنات، لو عايزين حاجة قولولي.

لكن قبل أن يكمل كلامه انفتح باب المكتبة بقوة.

دخل ثلاثة رجال ملثمين.

واحد منهم ص*رخ:الكل على الأرض! افتحوا الكاشير دلوقتي!!

تجمّدت عائشة ريتا اتسعت عيناها لكنها بقيت هادئة بطريقة غير مفهومة.

نورة ص*رخت:يا نهار أبيض!

سلمان حاول الحفاظ على هدوئه:خدو اللي عايزينه بس محدش يلمس حد.

لكن أحد اللص*وص أمسك بسلمان من قميصه ودف*عه للخلف حتى ارتط*م بالرف الخشبي، فسقطت الكتب فوق رأسه ووق*ع على الأرض مت*ألمًا.

ص*رخت نورة:سلمـــان!!

عائشة شعرت أن جسمها يرتج*ف من التوتر الأل*م في كتفها اش*تعل فجأة بسبب الخ*وف.

لكن ريتا كانت الوحيدة التي تحركت بخطوات محسوبة.

لم تستطع سماع الص*راخ أو الته*ديدات، لكنها فهمت ما يجري من حركة الأجساد.

اقتربت من نورة وشدّت يدها حتى تُبعدها عن الخ*طر.

ثم أمسكت عائشة من ذراعها، تشدها نحو زاوية الرفوف، وهي تشير بشدة:اختبئوا.

لكن أحد اللص*وص رأى حركة البنات فص*رخ:وقفوا مكانكم!

نورة ص*رخت بصوت مرتفع جدًا:يا رب ما تكونش سمعتني!

ثم صف*عت نفسها:هو طبيعي يسمعك يا نورة!

ريتا سحبت الفتاتين بسرعة للخلف، تختبئ بهما خلف المكتبة.

أحد اللص*وص اقترب من سلمان الذي كان يت*ألم على الأرض، رافعًا رجله ليض*ربه.

وهنا خرجت ريتا من مخبئها.

نعم خرجت.

لم تخ*ف.

وقفت أمام الرجل ونظرت إليه بثبات، وبدأت تشير بيديها بغضب وبسرعة، كلماتها بالإشارة كانت قوية كأنها تص*رخ:اتركه! لا تلمسه!

اللص لم يفهم الإشارات لكنه فهم شيئًا واحدًا أنها لا تخ*اف.

لثوانٍ، شعر بتردد.

انتهز سلمان اللحظة وحاول الزحف للخلف، بينما نورة تبكي وهي تقول:ريتـــااا ارجعي يا بنت! ده ح*رامي مش أستاذ رياضيات!

ثم سمعوا صوت صفارة الشرطة من بعيد.

هرب اللص*وص بسرعة، تاركين الفوضى خلفهم.

سقط سلمان جالسًا على الأرض، يتنفس بصعوبة.

ركضت نورة نحوه وهي تقول:يا حبيبي!! قصدي يا ابن الناس! إنت كويس؟

ريتـا انحنت تساعده على النهوض،وعائشة رغم أل*مها الشديد ساعدته هي الأخرى.

سلمان ابتسم لهم رغم الد*م على حاجبه:لو مش كنتوا هنا كان زماني في المستشفى.

نورة أشارت إلى ريتا:البطلة دي! هي اللي وقفت قدّامه!

عائشة نظرت لريتـا بإعجابٍ خالص لم تكن فقط صديقة كانت قوة صامتة ظهرت في أنسب لحظة.


البارت الرابع ~حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح~

عندما يعود سلمان إلى البيت بعد يوم طويل في الجامعة والعمل في المكتبة، لا يجد ذلك البيت الذي يرحّب بابنه ويحتضنه.

بيته صغير، قديم، مت*عب تمامًا مثل من فيه.

أول ما يفتح الباب، يستقبله صوت والدته الذي يحمل تعب السنين سلمان جيت؟ شوف أخوك يحتاج له دواء والغاز خلص والموتور ما اشتغل.

لم يكن في البيت أب الأب رحل قبل خمس سنوات بح*ادث عمل، تاركًا خلفه أمًا م*ريضة، وأخًا أصغر مص*ابًا بالربو، وأختًا في مرحلة المتوسطة.

ومنذها، صار سلمان رجل البيت قبل أن يكمل 15 عامًا.

المنزل كله يعتمد عليه.

راتب المكتبة، عمله الإضافي في العطلات، وحتى ساعات النوم يقتطعها ليذاكر ويجتهد.

ولذلك الصمت بالنسبة له ليس اختيارًا.

كان ضرورة.

في البيت، لا يوجد وقت للكلام، كل يوم سلسلة من المهام شراء الأدوية،مساعدة أخته في واجباتها.

تهدئة ن*وبات الربو لدى أخيه.

إصلاح كل شيء منزلي يتعطل ثم الجلوس قرب والدته لطمأنتها.

وحين يحاول أخذ لحظة لنفسه، ينام مكانه.

سلمان في الجامعة يتحرك مثل ظلّ.

يدخل المحاضرة مبكرًا لأنه يكره لفت الانتباه.

يجلس في آخر الصف حتى لا يسأله أحد عن حياته،

وحتى لا يرى الشف*قة في عيون الناس.

هو لا يريد أحدًا يقول له: شكلك تع*بان

ولا يريد أحدًا يسأل: ليه ما تخرجش معانا؟

لأنّه ببساطة ما عنده وقت يشرح.

ولا يريد أن يك*ذب ولا يريد أن يبدو ضع*يفًا.

لهذا كان صامتًا والصمت صار عادته،وصار جدارًا بينه وبين العالم.

في الجامعة، يراقب الناس أكثر مما يشاركهم.

يعرف تفاصيل صغيرة عن زملائه، لكنه لا يسمح لأحد أن يعرف أي شيء عنه.

حتى ضحكته نادرة.

تخرج فقط حين ينسى نفسه لحظة مثل الضحكة التي خرجت بعد حادثة المكتبة مع ريتا حين أشارت له مازحة:قلبك قوي بس جسمك خفيف.

فابتسم رغماً عنه.

ومع ذلك سلمان ليس باردًا كما يظنه الناس

داخل هذا الشاب التي يبدو صامتًا وهادئًا هناك قلب ممتلئ بالمسؤولية والخ*وف والأمل أيضًا.

يحب الكتب لأنه يجد فيها عالمًا لا يطلب منه شيئًا.

يحب الليل لأن الجميع فيه ينام فيرتاح للحظة.

يحب رائحة الخبز في الصباح لأن أمه كانت تخبزه قبل أن يشتد م*رضها.

ويحب لحظات نادرة مثل اهتمام البنات الثلاث به بعد حادثة المكتبة، لأن أحدًا لم يهتم لأمره بهذا الشكل منذ سنوات.

ورغم كل شيء هو لا يزال شابًا يتمنى حياة بسيطة جلسة هادئة، أو صداقات طبيعية، أو أن يشعر أنه ليس مسؤولًا عن الكون بأكمله.

لكن القدر وضعه في طريق عائشة، وريتا، ونورة وقد يكون هذا اللقاء نقطة تغيّر صغيرة في حياته التي اعتاد أن يخفيها خلف الصمت.

كانت الساعة السادسة صباحًا عندما وقفت عائشة أمام المرآة في حمّام بيتها، وجهها باه*ت وعيناها محمرّتان من السهر.

لم تخبر أمها إلى أين تذهب.

قالت فقط: عندي بحث لازم أخلصه في الجامعة.

لكن حقيبتها كانت تحوي شيئًا آخر كل التقارير القديمة التي لم تفهم منها شيئًا وكل الأسئلة التي صنعت بداخلها خ*وفًا أكبر من الأل*م نفسه.

خرجت من البيت بصمت، تشعر أن الهواء يضغط على كتفيها الموج*وعين أصلًا.

دخلت عائشة قسم الروماتيزم والأعص*اب.

كان الجو باردًا والضوء الأبيض يزيد توترها.

جلست على الكرسي البلاستيكي تنتظر رقمها، وأصابعها ترتجف فوق حقيبتها.

كانت تسمع الممرضة تنادي الأرقام وصوت أبواب تُفتح وتُغلق وشيئًا بداخلها يهمس:ماذا لو كان المرض أخ*طر مما تتوقعين؟

ماذا لو لم يصدقك الطبيب؟

أغمضت عينيها لثوانٍ كي تلتقط أنفاسها.

الأل*م في ظهرها يمتد كخيط مش*تعل،

والإرهاق يثقل رأسها.

وأخيرًا نادت الممرضة اسمها:عائشة الهادي.

دخلت بهدوء وجلست أمام الطبيب.

رجل في الخمسينات، ملامحه هادئة وعيناه تبدوان واعيتين للتع*ب الذي يحمله المرضى.

ابتسم لها وقال:احكيلي يا عائشة من إمتى وانتي حاسة بالأعراض؟

كانت هذه الجملة كافية لتجعل دموعها تلمع.

ليس لأنها ضع*يفة،بل لأنها للمرة الأولى تجد أحدًا يسأل بصدق.

بدأت تتحدث بصوت منخفض:عندي أل*م منتشر في جسمي كله، خصوصًا الرقبة والظهر.

بتعب بسرعة،نومي مش مريح بصحى أكتر من مرة.

أوقات مش بعرف أركز في المحاضرات.

صعوبة أحيانًا في رفع يدي أو المشي بسرعة.

هزّ الطبيب رأسه وكأنه سمع هذه القصة ألف مرة.

كتب في ملفها ثم قال:هعملك مجموعة فحوصات د*م وبعدها هنفحص أماكن الأل*م مع بعض.

سحبت الممرضة د*مها لعدة تحاليل تحليل الغدة الدرقية، فيتامين د، الالته*ابات، وظائف العضلات ثم أعادها الطبيب للفحص اليدوي.

وقف خلفها وقال بلطف:لو حسّيتي بأل*م، قولي فورًا.

وبدأ يضغط على نقاط محددة في جسدها عند الكتفين ت*أوهت عند الرقبة نطقت آه بدون إرادة،عند الظهر انق*بض جسدها كله وعند الركبتين شعرت بوخ*ز ح*اد.

توقف الطبيب ونظر إليها بجدية:أعرف إن ده صعب بس إنتي بتوصفي أعراض متطابقة مع حالة اسمها الفيبروميالجيا.

تسارعت دقات قلبها.

نطقت بالكلمة بصوت مرتعش:إيه يعني؟ خط*ير؟

ابتسم الطبيب مطمئنًا:مش خط*ير ومش مميت لكن مؤلم وبيحتاج صبر وتنظيم وروتين علاجي.

ثم أضاف وهو يطبع الوصفة:في علاج يساعد مش شفاء كامل، لكن تحسن كبير.

كتب لها دواء خفيف للأعص*اب يساعد على تخفيف إشارات الأل*م من الدماغ.

علاج طبيعي مرتين في الأسبوع،مكملات فيتامين د والمغنسيوم.

تعليمات للنوم، والغذاء، وتقليل التوتر،ناولها الأوراق.

ترددت عائشة لحظة ثم سألت:دكتور ده مرض نف*سي؟

ابتسم بخفة وقال:ده مرض جسدي لكن الضغط النفسي يزيده.

وإنتي محتاجة تهتمي بنفسك أكتر من أي حد.

هزّت رأسها بصمت تشعر بمزيج غريب من الراحة والخ*وف فرحة لأنها وجدت سببًا لأل*مها،وخائفة لأنها تعرف أن الطريق ليس سهلًا.

عندما خرجت، اتكأت على الجدار للحظة.

البرد يمرّ في عظامها لكن في صدرها شعور جديد:أنا مش مجن*ونة مش ببالغ فعلاً عندي م*رض.

رفعت يدها تمسح دمعة سقطت دون طلب.

ثم مسكت هاتفها وبدأت تكتب رسالة لواحدة فقط ريتـا.

دخلت عائشة بهدوء حتى لا يلاحظ أحد وضعت التحاليل داخل درج مكتبها، وأغلقت عليه بسرعة كأنها تُغلق باب خ*وفها لم تخبر أمها ولا إخوتها شعرت بأن بوحها سيقلب حياتهم، وهي لا تريد أن تكون سبب ح*زن.

وقفت أمام مرآتها، تنظر لوجهها الشاحب ثم أخذت نفسًا عميقًا، واتجهت لركنها المفضل.

جلست على الأرض، وسحبت لوحتها البيضاء بدأت ترسم وجهًا مبتسمًا كأنها تحاول أن ترسم الصحة بدلًا من الألم.

كانت يدها ترتجف قليلًا، لكنها تابعت.

الرسم بالنسبة لها لم يعد هواية فقط بل صار طوق نجاة.

ومع كل ضربة فرشاة كانت تقول لنفسها:هعدّي مش هخلي حد يحس إن في حاجة.

لحظة انهيار صغيرة

بينما كانت تلوّن، شعرت بدوار خفيف فاستندت بيدها على الحائط. أغمضت عينيها ثوانٍ، ثم قامت وغسلت وجهها بالماء سريعًا، وكأنها تغسل الخوف.

رجعت للرسم بابتسامة خافتة،تخفي خلفها عالمًا كاملًا من الأل*م.

كان الجو منعشًا في النادي، وأصوات الأطفال حول المسبح تملأ المكان ضحكًا وصراخًا بريئًا.

عماد الأكبر بسنة فقط كان يقف على طرف المسبح، يُعلّم طفلًا صغيرًا كيف يحرك قدميه في الماء.

كان مركزًا، مبتسمًا، ومندمجًا في دوره الذي يحبه المدرب الكبير المسؤول كما ينادونه.

أما عائشة فكانت جالسة على كرسي قريب، تحمل دفتر رسمها وترسم الأطفال وهم يتعلمون. كانت تحاول أن تُبقي ذهنها مشغولًا وتتجاهل الأل*م الذي يلمع في عينيها كلما تحركت.

بعد مرور نصف ساعة، لاحظ عماد أن عائشة لا تضحك كالعادة، ولا تتحرك كثيرًا. اقترب منها وقال:عيشة مالِك؟ شكلك تعبانة.

هزّت رأسها بسرعة:لا لا، تمام بس الجو حر شوية.

ابتسم عماد بلطف:طيب تعالي قربي من الميّة، يمكن ترتاحي.

وقفت عائشة لكن لحظة الوقوف كانت كافية ليحدث الدوار.

تراجعت خطوة ثم خطوة وكادت تقع لولا أن عماد التقطها بسرعة.

اللحظة التي تغيّر كل شيء

حملها من كتفها وقال بقلق واضح:عيشة! في إيه؟ إنتِ بتدوخي ليه؟

حاولت أن تبتسم وتبعد يده:عادي يمكن قمت بسرعة بس.

لكن عماد لم يقتنع.

وفي تلك اللحظة، سقط من حقيبتها ورقة مطوية.

التقطها عماد ظنًا أنها ورقة رسم لكنه جمد مكانه عند قراءة أول سطر:نتائج تحاليل قسم أمراض الد*م.

رفع عينيه نحوها بصدمة:إيه ده؟ عائشة إنتي عاملة تحاليل من غير ما تقولي؟

تراجعت خطوة، وصوتها منخفض يرتجف:عماد مش وقته نرجع البيت ونتكلم.

لكن عماد تمسّك بالورقة بيده، وصوته انكسر:إنتي تعبانه؟

لم تستطع الرد عيناها امتلأتا بالدموع التي حاولت حبسها منذ أيام.

جلست على الأرض بجوار المسبح، ويديها ترتعشان. اقترب عماد وجلس أمامها، ووضع يده على كتفها:ليه مخبّية عليّا؟ ده أنا أخوكي أنا أول واحد لازم أعرف.

تنفست عائشة بصعوبة وقالت:مش عايزة أشغلك إنت دايمًا شايل همّ كل الناس قلت لو عارف هتزعل، وأنا مش مستعدة أشوف ده في عينيك.

مسح دموعها بإصبعه وهو يحاول أن يبدو قويًا:أنا بزعل لما ألاقيكي لوحدك. شاركيني يمكن أقدر أساعد.

ضمّها إليه، وقال بنبرة صادقة:وعد من النهارده مش هتروحي المستشفى لوحدك. مش هسيبك تمرّي بالحاجة دي وحدِك أبداً.

أغمضت عائشة عينيها، كأن جزءًا من خ*وفها سقط أخيرًا.

وفي الخلفية كان صوت الأطفال وضحكاتهم يتردد، بينما عالمهما الصغير يتبدل بصمت.


البارت الخامس ~حين يتعب الجسد وتستيقظ الروح ~

كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً، والبيت يغرق في ذلك الهدوء الخفيف الذي يسبق نوم الجميع.

عائشة دخلت غرفتها مباشرة بعد العودة من النادي، أغلقت الباب عليها، ووضعت رأسها على الوسادة تتنفس بعمق، كأنها تحاول إخفاء كل ما حدث.

أما عماد فكان يسير في الصالة جيئة وذهابًا، يحمل الورقة الطبية في يده، يضغط عليها حتى كادت تُكرمش.

أمّه لاحظت توتره وقالت:يا ابني مالَك تقطع في الأرض كده؟ حصل حاجة في النادي؟

تردد عماد كان يعلم أن عائشة لا تريد لأحد أن يعرف.

لكنه أيضًا يعلم أن الوضع يتجاوز قدرتها وحدها.

جلس على الكرسي، وصوته منخفض:ماما عايز أقول حاجة بس مش عارف أبدأ.

نظرت له أمه بقلق فوري:خير؟ حد حصله حاجة؟

رفع عماد رأسه ببطء وقدم الورقة لأمه:دي ورقة تحاليل لعائشة.

تجمدت أمّه، أخذت الورقة بيد ترتعش قليلًا، وبدأت تقرأ.

عيناها اتسعتا ثم ارتختا بصدمة صامتة.من إمتى دي؟ وليه ما قالتش؟

جلس بجوارها وقال:ماعرفتش غير النهارده. كانت هتوقع من الدوخة في النادي ولما وقعت الورقة فهمت.

اقترب ناصر من بعيد كان يستمع من خلف الباب  وجلس بصمت، صوته غليظ لكنه مكسور:يعني أختي تعبانة ومخبّية؟

رد عماد بهدوء:عشان ما تشغلناش هي خايفة على زعلنا إحنا.

سادت لحظة صمت طويلة تبادلوا النظرات كل واحد يحاول السيطرة على خوفه حتى لا يجعل عائشة تنهار أكثر.

ثم قالت الأم بحزم حنون:ما نقولش لها إننا عرفنا مش عايزاها تخاف ولا تحس إنها حمل.

وافق ناصر وهو يشد على يديها:بالراحة كل حاجة بالراحة وبعدين نروح المستشفى مع بعض، نطمن.

نظر عماد لهما وقال:هي عندها مراجعة بعد يومين لازم نكون معاها.

ثم أضاف بنبرة فيها خوف دفين:أنا خايف تكون متألمة أكتر مما إحنا متخيلين.

تفرقوا كل إلى سريره، لكن النوم رفض الدخول إلى البيت.

الأم بقيت تدعو لها بصوت خافت،ناصر يحدق في السقف، يشعر بوخزة عجز تجاه اخته،

أما عماد فجلس قرب باب غرفة عائشة، وكأنه يحرسها من الأل*م.

وبالداخل كانت عائشة تراقب ظل أخيها من تحت الباب،

وتبتسم بمرارة:أسفة يا عماد ما كنتش عايزة تشيل همي.

ثم تغطي رأسها وتغرق في بكاء مكتوم.

كان صباح اليوم التالي ثقيلًا على قلب عائشة، رغم محاولتها إخفاء ذلك بابتسامة صغيرة وهي ترتب حجابها أمام المرآة.

كانت تعلم أن موعد نتائج التحاليل يقترب وأنها لا تستطيع الهروب أكثر.

وقفت عند باب البيت، بينما أمّها تُصرّ على مرافقتها:مش هسيبك تروحي لوحدك يا بنتي. نروح ونرجع سوى.

حاولت عائشة أن تبدو مطمئنة:تمام يا ماما بس متقلقيش، يمكن الموضوع بسيط.

عماد كان ينتظرهم في السيارة، صامتًا، لكنه يبالغ في الانتباه لكل حركة تقوم بها.

الهواء بارد، ورائحة المطهرات تملأ المكان.

جلست عائشة في قاعة الانتظار، تمسك حقيبتها بإحكام، بينما أمّها تقرأ أذكارًا بصوت منخفض.

عماد كان يذهب ويعود بلا سبب، ملفوفًا بقلق واضح.

وبينما عائشة ترفع رأسها لتشغل نفسها بالنظر حولها

تجمدت لثانية.

سلمان.

كان يقف غير بعيد، ممسكًا بيد امرأة تبدو مرهقة والدته.

وجهه هادئ، لكن عينيه تحملان شيئًا يشبه السهر القديم.

انحنى لها قليلًا، يهمس لها بلطف:ماما ارتاحي هنا، وأنا أجيب الأوراق.

جلست والدته على كرسي قريب من عائشة دون أن تنتبه إليها.

سلمان عندما التفت لمح عائشة. 

لم يتوقع أن يراها هنا.

كانت مختلفة عن الصورة التي يعرفها في الجامعة هادئة، شاحبة قليلًا، لكن ملامحها محاطة بنور خفيف من التعب الجميل.

مشّى خطواته نحوها دون تفكير.

عائشة؟

رفعت رأسها، وبدا الارتباك واضحًا في عينيها:أه سلمان! إنت هنا؟

ابتسم بخجل خفيف وهو يربط يديه خلف ظهره:جيت مع أمي عندها كشف دورى.

نظرت إلى والدته بحب واحترام:الله يشفيها ويعافيها يا رب.

رد بأدب وامتنان:وياكي إنتِ بخير؟ شكلك مرهقة.

ارتبكت، خفضت نظرها:مجرد تحاليل مافي شي.

لكن سلمان كان حاد الملاحظة.

لاحظ توتر أصابعها، وطريقة مسكها للحقيبة، ونبرة الصوت المكسورة.

رفعت والدته رأسها فجأة، ونظرت إلى عائشة مبتسمة:هي زميلتك من الجامعة؟

احمر وجه سلمان وهو يرد:زميلة بس محترمة جدًا.

ضحكت الأم بخفة:واضح من شكلها الله يحفظها.

ابتسمت عائشة بخجل لطيف.

نادَت الممرضة اسم عائشة:عائشة الهادي تفضلي.

وقفت عائشة، لكن قدميها خانتاها للحظة.

مد سلمان يده دون تفكير:انتِ كويسة؟

ارتباك تردد ثم قالت بصوت منخفض:أنا بخير، شكرًا.

لكن عماد تقدم فورًا، ووقف بينهما بحماية الأخ:أنا معاها شكراً.

سلمان ابتسم بإحراج، وأشار برأسه احترامًا:أكيد ربنا يطمنكم.

ومع دخول عائشة للطبيب كانت تعلم أن هذا اللقاء لن يكون الأخير.

وأن نظرة سلمان لها لم تكن نظرة عابرة.

دخلت عائشة مع أمّها وعماد إلى غرفة الطبيب.

جلست على الكرسي المقابل للمكتب بينما كان الطبيب يقلب الأوراق ببطء، يقرأ التحاليل بعين خبيرة ووجه محايد.

كان الهدوء ثقيلًا لدرجة أن عائشة سمعت دقات قلبها.

أخيرًا رفع الطبيب رأسه وقال بصوت هادئ:التحاليل تشير إلى أعراض متوافقة مع الفيبروميالجيا.

ضغطت عائشة أصابعها بقوة.

سألت أمّها بقلق:يعني إيه؟

تنفس الطبيب وقال:متلازمة الألم المزمن بتسبب آل*ام في الجسم، إرهاق مستمر، مشاكل نوم، ودوخة.

نظرت عائشة إلى الأرض كأن الجدار كله يقترب منها.

عماد انحنى للأمام:يعني فيه علاج؟

نقدر نخفف الأعراض بالأدوية، والعلاج الطبيعي، والراحة بس المرض نفسه مزمن.

تسارعت أنفاس عائشة قليلًا.

كانت تخشى سماع كلمة مزمن.

الطبيب أكمل بنبرة لطيفة:أهم شيء ما تحمّليش نفسك فوق طاقتك، وما تعيشي الأل*م وحدك.

رفعت عائشة عينيها نحوه وكانت تلك الجملة كطع*نة وضمادة في الوقت نفسه.

خرجت من الغرفة بخطوات بطيئة.

كانت تشعر كأنها تمشي داخل غيمة ثقيلة.

أمّها أمسكت يدها:حبيبتي إحنا معاكي كل شيء له حل.

لكن عائشة ابتسمت ابتسامة صغيرة، شاح*بة، وقالت:أنا تمام بس محتاجة شوية وقت.

عماد كان يمشي بجانبها كأنه حارس:هتتعالجي وهكون معاكي في كل جلسة.

هزّت رأسها لكن داخلها كانت مع*ركة صامتة:هل سأظل هكذا طول حياتي؟

هل أستطيع إكمال الجامعة؟

هل سيراني الناس ضعيفة؟

رفعت رأسها قليلًا محاولة أن تبدو أقوى مما تشعر:نمشي؟

بعد يومين، في الجامعة كانت عائشة تسير في الممر وهي تحمل كتبها بصعوبة.

لقد بدأت جلسات العلاج، والأل*م يجعل الكتف والذراع ثقيلة.

فجأة سمعت صوتًا مألوفًا:عائشة!

التفتت سلمان يركض نحوها بخطوات سريعة.

توقفت، والحرج يرتسم على وجهها:سلمان أهلًا.

وقف أمامها وهو يلتقط أنفاسه:إنتي بخير؟ من يوم المستشفى وأنا يعني بس كنت حابب أطمن.

شعرت بقلبها يخفق للحظة.

تمام، شكرًا.

لاحظ التعب في ملامحها وارتجاف يدها الطفيف.

لو تعبتي، قولي ما في داعي تمشين كتير.

ضحكت بخفة:أنا مش كبيرة للدرجة.

هز رأسه بابتسامة هادئة:أعرف بس شكلك مره*ق وأنا عندي خبرة في ملاحظة التع*ب.

قالها وهو يشير لعكاز صغير تحمله والدته دائمًا.

السكوت بينهما كان مريحًا بشكل غريب.

ثم فجأة ظهرت نورة صديقة عائشة:أهــو سلمان بنفسه!

نظرت له بتدقيق كوميدي:جاي تطمن ولا جاي تشوف؟

احمر وجه عائشة بسرعة:نورة!!

ضحك سلمان لأول مرة أمامهما:أطمن بس واضح إن زميلتك تحب المشاكل.

ردت ريتا بثقة وهي تحرك أصابعها بلغة الإشارة:أحب أشوف الناس اللي تهتم بصديقتي.

فهم سلمان المعنى من الإيماءات، وابتسم باحترام:صديقة وفية.

ثم نظر لعائشة وقال بلطف غير متكلف:لو احتجتي أي شيء أنا قريب ومضى.

نورة اقتربت من عائشة وضربتها بخفة على كتفها:ده معجب واضح وضوح الشمس!

ص*رخت عائشة فيها:اسكتي يا مجنونة!

لكن قلبها كان يعترف بشيء آخر اهتمامه لم يكن عاديًا.

انتظرووووووني 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹





تعليقات

التنقل السريع
    close