القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية رقم 17 الفصل الثاني عشر والثالث عشر والاخير بقلم الكاتب إسماعيل موسي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج


رواية رقم 17 الفصل الثاني عشر والثالث عشر والاخير بقلم الكاتب إسماعيل موسي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية رقم 17 الفصل الثاني عشر والثالث عشر والاخير بقلم الكاتب إسماعيل موسي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


كانت الشقة كما هى فى الأيام اللاحقة

رغم ذلك كان هناك شيء تغير، حضور ثقيل يحيط بااشقه

حضور غير مرئى لكيان يراقب بثقه ،تشعر به فى جدران الشقه فى الوانها فى اثاثها ،حتى الريح الذى يتحرك فيها

لم يرى اى شخص الكيان، لكن حنان كانت أول من شعرت به

عندما كانت تعمل فى المطبخ واشتمت مثل ريح محروقه تمر من خلفها ،ذكرى اعادت إليها الماضى وجعلت الأطباق تسقط من يدها.

لعبة راما التى تحطمت، العروسه فى العلبه الزجاجيه التى استيقظت لتراها محطمه على الأرض بفم مفتوح.

كان الكيان قد فتح البوابة وحضر بنفسه إلى عالم البشر بعدما تمكن بطريقة ما من الاستحواذ على الختم، وكان الشيخ صقر لازال فى بيته يحاول أن يجد حل وبدا غارقآ فى الأوهام التى احاطه بها الكيان، كان مثل الذى أصابه الهذيان القاتل

تمر الأيام دون أن ينجز اى شيء وكلما وصل لنتيجه اتضح انها ابعد ما تكون عن الكيان نفسه.

بدر لم يكن غبى، شعر بالكيان هو الآخر ،لكنه لم يستطع فعل اى شيء فقد كان حضور الكيان حضور وهمى ،لم يظهر مثل المره الماضيه رغم ان كل شيء كان يقول انه يعيش بينهم

داخل الشقه.

وشعر بدر ان هناك شيء يبعد راما عنه، رغم انه كان يحاول بكل قوته ان تظل معه

فرغم انهم يعيشان فى شقه واحده الا انه لم يكن يراها الا نادرآ ،كان الكيان قد مرر قواه وقوانينه الخاصه ،لم يترك اى شيء للصدف، كان عقل بدر دائمآ مشغول، دائمآ فارغ

تائه هاذى ،حنان المرعوبه بدت تخاف من كل حركه تصرخ مع اقل صدفه، بدا لها كل ظل الكيان ذاته ،تحولت حياتها

لحاله من الفزع المفرغ...


لم يكن في الليل ما يميّزه، لا عاصفة، ولا ضجة، ولا حركة غير مألوفة،لكن غرفة راما تغيّرت.

هواء ثقيل دخل من حيث لا نافذة،برودة تسللت تحت الباب كأن شيئًا يزحف معها،والظلال على الجدار لم تعد تتبع مصدر الضوء.

راما — التي كانت تضع رأسها على وسادتها — فتحت عينيها فجأة.

لم تصرخ،كأن جزءًا منها كان ينتظر ما سيحدث،الضوء الموجود في الغرفة خفت تدريجيًا، كأن جهة ما تلتهمه.

ثم ظهرت أول علامة،خطٌ رفيع من الضوء البنفسجي رسم نصف دائرة على أرض الغرفة،لم يكن له صوت، لكنه حمل ثقلاً،ثِقَل عالم كامل يدخل إلى عالم آخر.


انغلق الخط… وفتح نفسه في صمت تام.


ودخلوا


ثلاثة لا أكثر ،لجنة قضاة الجان 

طويلو القامة، هادئون، يحملون وقارًا يجعل الغرفة الصغيرة تبدو أضيق مما هي عليه،كل واحد منهم يرتدي وشاحًا داكنًا عليه رموز قديمة لا تتحرك… بل تنبض،وجوههم بلا غضب، بلا عطف، كأنهم جليد يسير على قدمين،وقفوا عند طرف الغرفة، لا يتنفسون، لا يتكلّمون.


راما لم تبكِ…

لكن عينيها اتسعتا، تعرف أن هؤلاء ليسوا زوارًا…

بل محكمة.

أحدهم — الأكبر، صاحب العينين الفضيّتين — رفع يده قليلًا.

وفجأة، سكنت الظلال،اختنق الهواء،وتجمدت العروسة في علبتها كتمثال بلا روح،قال الأكبر بصوت منخفض، صافٍ، كأنه يخرج من عمق لا يُقاس:

"راما بنت البشر…"تجمدت الكلمات في حلق الطفلة.

لم يترك لها الوقت لتجيب.

تابع القاضي:

"نحن لجنة النظر في دعاوى النسب… وما ينسبه أحد كيانات الظل إليك."ارتجفت راما لأول مرة،شعرت أن شيئًا كبيرًا جدًا يجري،أكبر منها… أكبر من أبيها…أكبر من البيت كله.

الكيان… يدخل دون أن يدخل


لم يظهر.، لكن الغرفة تغيرت،الظل الموجود قرب خزانتها تمدد،وانكمشت أطرافه،ثم أخذ شكلًا دائريًا، كأن أحدًا يقف خلف الضوء ويكسره بجسده.


القضاة لم يلتفتوا إليه.

لم يبدُ عليهم خوف، ولا ضيق.


الأكبر قال دون أن ينظر:


"لقد استُدعيت لتثبت ما ادّعيته."


لم يجب الكيان بصوت،لكن رائحة الهواء تغيّرت…

رائحة رماد ساخن،ورائحة معدن محترق يعرفها كل من تعامل مع كيانات الظلام،القاضي الثاني، بصوت أشبه بالهمس:

"نسبٌ في عوالم الجان ليس كلمة… بل عهد.

وتقديمه دون حق جريمة تُحاسَب عليها العوالم جميعًا."

تقلص ظل الكيان، ثم تمدد ببطء،كأنه يتنفس،راما تراجعت للخلف خطوة صغيرة،عينها على القضاة… قلبها معلق في الهواء.

القاضي الثالث — الأصغر بينهم، لكنه الأكثر حدة — بدأ الحديث موجّهًا للطفلة:

"أجيبي… هل ادّعى هذا الظل أنه أبوك؟"

كانت راما تريد أن تقول لا، تريد أن تصرخ لا، لكنها تذكرت الليالي السابقة… التهديدات… الوجود في الظلام… الكلام الذي يتسرّب من الأشياء.

هزت رأسها بخوف:

— هو… قال إنه… يعرفني من زمان.


تحرك ظل الكيان على الأرض بخفة حادة…

قريبة من الغضب،الأكبر رفع إصبعه في الهواء،وفجأة توقفت الظلال كلها عن الحركة.


القاضي الثاني اقترب خطوة، ثم قال للظل:

"قدّم بصمتك."


كان الطلب مخيفًا،ليس لأنه أمر،بل لأنه يعني أن الموضوع حقيقي… وأن الظل ليس مجرد تهديد، بل كيان يملك حق المثول،ارتفع ظل الكيان قليلًا عن الأرض،كأن نقطة من العتمة انفصلت عن البقية،ورفعت نفسها على هيئة خطوط دقيقة،

تشبه يدًا تتشكّل من دخان أسود.


راما حبست أنفاسها.


القاضي الأكبر مد يده تجاه الفضاء…

وظهرت دائرة من الضوء الفضي، بداخلها رموز دقيقة تتحرك كالريش.


قال الأكبر بصرامة:


"أثبت كلمتك… أو تُحاسَب عليها."


اليد الظليّة اقتربت،لامست حافة الدائرة…

ثم ارتجفت الأرض تحت قدمي راما ارتجافة خفيفة للغاية، لكنها حقيقية،ومع تلك اللمسة، حدث شيء لم يحدث من قبل:

الدائرة انشطرت بضوء أحمر قاتم.


همس القاضي الأصغر:


"إذن… ليس ادعاء."


وشهق القاضي الثاني بحدة مكتومة،الشيء الذي رأوه لم يكن طبيعيًا،لأن الدائرة لا تنشق إلا إذا كان للكيان صلة حقيقية بالطفلة،ارتفع ظل الكيان قليلًا، كأن أحدًا يبتسم في الظلام.


---


القضاة… يتبادلون النظرات

لأول مرة، بدا على وجوههم شيء يشبه الصدمة المكبوتة.

الأكبر قال ببطء، وتحذير ثقيل يسكن صوته،"هذا يغير كل شيء…"

ثم نظر إلى راما،وحدّق في عينيها طويلًا،كأنه يقرأ شيئًا لا تراه هي ولا البشر.

"يجب أن تُفصَل الطفلة فورًا عن مصدره…

وإلا… سيكتمل العقد.،ارتعش ظل الكيان بعنف…

غضب؟ إنذار؟ تحذير؟لا أحد عرف.

لكن راما…

راما فقط سمعت الهمس يتسلل خلف أذنها:

"قلتِ لهم…؟"شهقت الطفلة… وانكمش جسدها.

القضاة انتبهوا.

الأكبر رفع رأسه نحو الظل:

"لن تقترب منها مرة أخرى… حتى نعود بالحُكم."

ومد يديه الاثنتين،ورسم دائرة جديدة على الأرض…

أكبر، أثقل، تشبه ختمًا يغلق طريقًا.

وبصوت يشبه هديرًا خافتًا:

"نحن لم نقضِ بعد،لكن… لن نسمح لك بالتصرف."

اختفى ظل الكيان لحظة،وكأنه سحب نفسه إلى الداخل ببطء شديد،ثم انطوت الدائرة الأولى،وتلاشت اللجنة كما جاءت:

بلا صوت… بلا أثر…

مجرد نفس ثقيل تبعهم قبل أن تُغلق البوابة.


وبقيت راما وحدها…


في غرفة تشعر بأنها أصبحت أكبر من جسدها…

أصغر من خوفها…

وأعمق من أن تسكنها طفلة..


عندما استيقظت راما ركضت نحو والديها تصرخ، كان ما رأته يشبه الحلم لكنه حقيقى

ألقت بنفسها فى حضن والدتها وصرخت سوف يأخذنى


#رقم_١٧


        ١٣


                    الأخيرة 


كانت راما ترتجف بين ذراعي أمها، وعيناها متسعتان كأنهما لم تعودا لطفلة،حنان شدت عليها بذراعين مرتعشتين، بينما بدر وقف مصدومًا، جسده ثابت… وروحه تتراجع خطوة بعد الأخرى،قالت راما بلهاث مخنوق:


— هما كان عندي في الأوضة… القضاة… كانوا واقفين… كبار… وشايفين كل حاجة،ازدادت أنفاس حنان:

سأل بدر  قضاة؟ قضاة إيه يا راما؟ بتقولي إيه؟


لكن راما لم تستطع التوقف كأن شيئًا فتح داخلها:

— كان في واحد عينه فضيّة، هو اللي اتكلم. قاللي… قاللي إنهم جُم علشان في حد… حد من الظلال… بيقول إنه أبويا… وإنه يعرفني من زمان… وإنه… وإنه ليّا نسب معاه.

وقع الكلام في الغرفة كان مثل سقوط حجر في بئر بلا قاع،

حنان انحنت بجسدها، كأن الكلمات تضربها،وبدر… للحظة، تلاشى لونه كليًا،كأنه يسمع الحكم عليه شخصيًا.


— يا راما… قال بدر بصوت مكسور، إنتي شفتي مين؟ مين اللي قال كده؟

رفعت راما عينيها إليه، وكأنها تستغيث:

— الظل… اللي في الأوضة… هو اللي قال. هو اللي وقف ورا القضاة… وكان عايزني أقول…وانهارت دموعها:

— أنا خوفت… قلت لهم اللي هو قاله… قلت إنه يعرفني… بس… بس هما… هما شافوا… شافوا حاجة… الدائرة اتقسمت… اتكسرت… وقالوا… قالوا إن ده مش ادّعاء… ده حقيقي…


حنان وضعت يدها على فمها تكبت صرخة،بدر تحرك خطوة للخلف كأن ضربته قوة غير مرئية،طفلته… تُحاكَم،كيان،يدّعي نسبها،وقضاة عالم آخر… يصدّقون.


تراجع بدر حتى اصطدم بظهره في الحائط،يده ارتعشت وهو يمررها في شعره،لم يعرف متى بدأ جسده يعرق… ولا كيف أصبح رأسه يدوي بهذه السرعة قال بصوت أعلى مما أراد:

— ده كلام… ده كلام مستحيل! مستحيل! دي بنتي! بنتي أنا! دي… دمها من دمي، حنان بدت مغيبه كان بدر وراما يتحدثان

عن شيء لا تعرفه 

لكن راما، الصغيرة، لم تستطع أن تجاري انفجاره، رفعت يدها نحوه بخوف:

— بابا… هما هييجوا تاني… قالوا إن لو الفاصل ما اتعملش… حاجة هتكمل… العقد هيتقفل… أنا مش فاهمة… بس… همّا قالوا… إن لازم يتاخد حكم.

حنان انفجرت بالبكاء:— يا رب… دا إيه دا كله؟ دا إيه اللي داخل علينا؟ دا إيه اللي ماسك بنتي؟

اقترب بدر من زوجته وابنته، لكنه لم يلمسهما،كان يشعر… أنه هو نفسه أصبح ملوثًا… كأن جزءًا من الكيان تسلل إليه،لكنه رفع صوته هذه المرة بإصرار يائس:

— مش هسيبك… ولا هسيب حد ياخدك… ولا في عالم البشر… ولا في عالم غيره


أخرج بدر  هاتفه، أصابعه لم تستجب أول مرة،ثم الثانية.

وفي الثالثة، اتصل،رقم شيخ كان بدر قد لجأ إليه مرة منذ سنوات…

الرجل الوحيد الذي استطاع أن يفك عنه الربط الذي أصابه قبل حمل حنان زوجته براما الشيخ "يوسف العزّامي".

لم يكن بدر يملك رفاهية التفكير إن كان الشيخ يصدق…

إن كان سيسخر،إن كان سيوافق.

الهاتف رن،ثلاث مرات…ثم جاء صوت ثقيل، مرهق، متوجس:


— ألو… مين؟

ابتلع بدر ريقه، صوتُه خرج مشققًا:

— شيخ يوسف… أنا بدر… أنا… محتاجك… بنتي… بنتي في خطر… خطر مش بشري…صمت الشيخ لحظة طويلة… ثم قال:

— قول بالتفصيل… وإيّاك تخبّي حاجة. لأن اللي بتتكلم عنه… لو صح… يبقى خطر جدا 

بدر أغلق عينيه،والدموع سقطت لأول مرة منذ بدأ الكابوس.

وحكى للشيخ كل شيء.


كان المساء ثقيلاً داخل الشقة، يشبه هواء غرفة مغلقة منذ سنوات طويلة،راما ما زالت تبكي متشبثة بوالدتها، بينما يجلس بدر عاجزًا، يحاول فهم ما سمعه منها عن محكمة الجان والقضاة والدوائر الضوئية التي شقت الأرض في غرفتها، لم يكن قادرًا على إنكار شيء بعد كل ما حدث، لكن عقله كان يرفض تصديق أن ابنته كانت جزءًا من جلسة محاكمة من عالم آخر.


مع ذلك، لم يكن أمامه سوى التمسك بما يعرفه، اتصل بآخر شيخ يثق فيه: الشيخ يوسف العزّامي. 


وصل الشيخ يوسف بعد ساعة، يحمل حقيبته الصغيرة المليئة بالماء المقروء عليه وبعض الحروز التي اعتاد استخدامها، كان متوترًا حين دخل، فقد شمّ في البيت شيئًا لم يستطع تعريفه، لكنه حاول تجاهل الإحساس الخانق الذي ضرب صدره فور دخوله الشقة.


اقترب من راما، التي كانت تجلس على الأريكة وتنظر إليه بعينين لا تشبهان طفلة،وقف أمامها، قرأ بعض الآيات، وضع يده قرب رأسها، ورشّ قطرات من الماء المقروء عليه  انتظر رد فعل، أي رد فعل. لكن راما لم تتحرك… لم ترتجف… لم تصرخ… لم يحدث شيء. كأن ما يقوم به ليس له أي وجود في عالمها.


ابتلع الشيخ يوسف ريقه، ثم حاول من جديد، كرر الأدعية، رفع صوته، استخدم كل ما تعلّمه طوال سنوات، لكنه شعر بأنه يتعامل مع جدار لا يسمع، لا يتفاعل، لا ينكسر،كان واضحًا أن المشكلة ليست تلبسًا، ولا سحرًا، ولا اقترانًا، بل شيء أكبر… شيء خارج حدود فهمه.


نظر إلى بدر وقال بصوت منخفض حاول إخفاء ارتجافه:


"بنتك مش متلبّسة… اللي بيحصل معاها أكبر من أي حاجة أعرفها. أنا… أنا مش شايف أثر جن، ولا سحر، ولا حاجة من اللي اتعلمتها، هي مش محتاجة رقية… الموضوع ده مش في دايرتنا."


حاول أن ينهض ويغادر، لكن فجأة حدث شيء جعل الدم يتجمد في عروقه.


الهواء في الصالة تغيّر، كأن حرارة الشقة سُحبت كلها دفعة واحدة،شعرت حنان ببرودة حادة في ظهرها جعلتها تصرخ وهي تتشبث ببدر،أما الشيخ يوسف… فقد شهق شهقة قصيرة، انقطع بعدها نفسه لثوانٍ طويلة، كأن أحدًا وضع قبضة من حديد فوق صدره وسحب منه الهواء.

شعر بدر أن الظلال في أحد أركان الصالة تتحرك،لم يكن هناك جسم ظاهر، لا شكل، لا ملامح. مجرد ثِقل… ثِقل يشبه وجود شخص يقف في الظلام ويحدّق في الجميع بعيون لا تُرى.


توقف الشيخ يوسف عن الحركة، وتجمّد في مكانه، ويده مرفوعة فوق حقيبته.


ثم جاء الصوت…


لم يكن صوتًا مسموعًا بالمعنى التقليدي، بل ضغطًا في الرأس، كأن الكلمات تنمو داخل الجمجمة نفسها:


"إن لم تُبعد يدك عن ابنتي… لن ترى ضوء النهار مرة أخرى."


اختنق الشيخ يوسف. وضع يده على صدره محاولًا التنفس، لكن الهواء كان يرفض الدخول،بدا وجهه يتحول إلى لون أزرق باهت. أصابعه ارتجفت، ركبته انحنت، وبدا كمن ينهار ببطء أمام قوة غير مرئية.


صرخت حنان، واندفع بدر يمسك الشيخ من ذراعه، محاولًا مساعدته، لكن الشيخ شهق بصوت متقطع، يشبه من يحتضر:


"شي… شيء… بيقتلني… شيلوا… شيلوا…"


واندفع فجأة نحو الباب، ركض كالمجنون، تعثر، ثم نهض مرة أخرى، وفتح الباب وصاح وهو يخرج إلى الممر:


"ده مش جن! مش جن! ده أكبر… أكبر مني… أكبر من كل اللي أعرفه!"


لم ينتظر حتى يغلق الباب خلفه،نزل الدرج وهو يلهث، صوته يتردد كأن شخصًا يطارده.


داخل الشقة، عاد الهواء إلى طبيعته… لكن شيئًا آخر بقي.


ظل ثقيل خلف الأريكة…رائحة رماد محترق…

وإحساس مؤكد لدى بدر وحنان أن الكيان لم يذهب.


بل كان يقف معهم… داخل بيتهم…يحرس ابنته كما يزعم…

وينتظر اللحظة المناسبة ليعلن ما هو أكبر من وجودهم كلهم.


لم يكن قد مرّ سوى يومين على انهيار الشيخ يوسف العزّامي أمام الباب، حين وصل إلى الشقّة مظروف ثقيل غريب الملمس، مختومٌ بختم متوهّج لا ينتمي لأي عالمٍ يعرفه البشر. لم يجرؤ بدر على لمسه أولًا؛ اكتفى بالنظر إليه وكأنه يحمل مصيرًا لا يريده، قبل أن تلتقطه حنان  بيدٍ مرتجفة وتفتحه ببطء.


خرجت منه ورقة واحدة فقط، لكنها كانت كافية لتحني ظهر بدر كأنّ الحياة خذلته فجأة.


كانت الرسالة مكتوبة بلغة مألوفة… عربية واضحة، لكن كل كلمة فيها تشع بقوة ما وراء البشر. رسالة تحمل ختم محكمة الجان العليا، وبقرار نهائي:


"تثبُت أبوة الكيان للطفلة راما، ويُسلَّمُ إليها فور انعقاد الباب بين العالمين."


وقعت الكلمات في صدر بدر كحجر،جلس على الأريكة بلا وعي، يحدّق في الورقة التي أنهت كل محاولاته، كل مقاومته، وكأن الكون قد حسم الأمر نيابة عنه،أما سماح فجلست أرضًا، ظهرها للحائط، وكفّاها على فمها، تبكي بصوت مكتوم كمن يخشى أن يسمع بكاءه أحد.


راما كانت في غرفتها، لا تعرف شيئًا بعد، كانت ترسم. تحاول أن تعود طفلة للحظة واحدة قبل أن يعيدها القدَر إلى مكان لا يفهمه أحد.


---


ومع حلول المساء، بدأت حرارة الهواء ترتفع تدريجيًا داخل المنزل، كأن الغرفة التي سيفتح منها الباب تستعد لشيء أكبر من قدرة البيوت على احتماله،اهتزت الجدران برفق… ثم بقوة أكبر،انطفأت الأنوار دفعة واحدة، وغرقت الشقّة في ظلام ثقيل، ظلام ليس من انقطاع الكهرباء بل من حضور قوة تبتلع الضوء.


ونُسِجَت الظلال على هيئة رجل، أولًا كخيالٍ مرسوم على الحائط، ثم امتلأت التفاصيل… إلى أن وقف أمامهم جسد كامل، وصوت كامل، ووجود كامل.


وقف الكيان في منتصف الشقة… بهيئته الحقيقية لأول مرة.


لم يكن شكله بشريًّا تمامًا ولا غريبًا تمامًا،كان مزيجًا من الاثنين… كأن شيئًا من نور الفجر وشيئًا من ظلام الليل صُهرا في جسد واحد. عيناه تومضان كجمرة هادئة، وصوته حين تكلّم زلزل الأشياء الصغيرة على الرفوف.


"انتهى الوقت."


اقتربت حنان  خطوة إلى الخلف، كأن الهواء من حوله يدفعها بعيدًا، أما بدر فتحرّك غريزيًا ليقف بينه وبين غرفة راما.


رفع الكيان يده دون تهديد، بل كمن يُعلن شيئًا لا يملك أحد حق الاعتراض عليه.


"المحكمة حكمت. ابنتي ستعود إلى عالمها الحقيقي."


صرخت حنان 

"هي مش بتاعتك! هي بنتي!"

والدموع تنفجر من عينيها كأنها طُعنت.


أما بدر، فكان يرتجف، لكنه لم يتراجع. قال بصوت منكسر لكنه ثابت،مش هسمحلك تاخدها آبدآ 


نظر الكيان إليه طويلًا، نظرة لا تحمل قسوة ولا رحمة،كانت نظرة مَن يعرف أنه أقوى من كل الموجودين لكنه لا يريد سحقهم.


"يحقّ لكم الوداع."


فتح باب غرفة راما بنفسه… ليس بيده، بل بقوة خفية دارت المفصلات معها كأنها تطيع سيدًا قديمًا، كانت راما تقف خلف الباب، كأنها كانت تشعر بكل شيء.


حين رأت والدها ووالدتها يبكيان، لم تحتج إلى تفسير.


اندفعت إليهما معًا، تتشبث بثيابهما وتبكي بلا صوت… ذلك البكاء الذي يخرج من الروح لا من الحنجرة. كانت صغيرة جدًا، وهذا العالم أكبر بكثير مما تتحمله كتفاها.


حاول بدر أن يخفي ارتجافه وهو يضمها:

"مش هيقدر ياخدك… مش هيقدر."


لكن الكيان قال من خلفه بهدوء بارد:

"لا تقل لها ما هو غير صحيح."


هزّ بدر رأسه، ثم ركع أمام ابنته، وضمّ وجهها بين يديه:

"اسمعيني يا راما… مهما رحتِ، ومهما صار… إنتِ بنتي. دا وعد."


حنان كانت تسند ظهرها إلى الجدار وتشهق، تحاول أن تثبّت نفسها حتى لا تقع. شهقت كأن روحها تُسحب منها.


مدّ الكيان يده إلى الأمام.


لم تكن يدًا تُمسك… بل يدًا تجرّ قدَرًا.


اندفعت راما نحوه رغم تمسّك والديها بها، كأن قوة غير مرئية تقتلعها ببطء من ذراعيهما. ظلّت أصابعها الصغيرة تتشبث في ثياب بدر حتى اللحظة الأخيرة… ثم أفلتت.


صرخت حنان 

صرخ بدر.

صرخت راما.


لكن لا أحد استطاع إيقاف ما يحدث.


فتح الكيان ممرًا أمامه، ممرًّا ليس بابًا ولا ثقبًا في الهواء، بل كأنه شقّق الواقع نفسه إلى طبقتين،أضواء غريبة تدور داخله، وأصوات بعيدة تأتي كأنها أصوات مياه تحت الأرض.


نظر إليهم للحظة أخيرة… نظرة لم يُعرَف معناها: هل هي ندم؟ انتصار؟ أو شيء أبعد من الاثنين؟


ثم حمل راما بين ذراعيه، كأنها ملك له منذ البداية.


ومع صدى صرخة حنان  الأخيرة، دخل بالممر، وأُغلِق الواقع خلفه كأن شيئًا لم يكن.


واختفت راما.

واختفى الكيان.

وبقي بدر وحنان  على الأرض، في صمت بيت فقد قلبه

نهاية الجزء الثاني



بداية الجزء الثاني من هنا



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺 




تعليقات

التنقل السريع
    close