القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية ظننتك قلبي الجزء الاول الفصل الواحد والعشرون حتى الفصل السادس والعشرين والاخير بقلم الكاتبه رشا روميه قوت القلوب حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية ظننتك قلبي الجزء الاول الفصل الواحد والعشرون حتى الفصل السادس والعشرين والاخير بقلم الكاتبه رشا روميه قوت القلوب حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية ظننتك قلبي الجزء الاول الفصل الواحد والعشرون حتى الفصل السادس والعشرين والاخير بقلم الكاتبه رشا روميه قوت القلوب حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



وبين كل قصد وتفسيره ظن وليتنا نعلم بأن بعض الظن إثم ، لِمَ تَترُك فِكرك للظنون فربما كان إحساس القلب صدقٌ يُخبرَك ، فإن تشوشت أفكارك وحل الظنون برأسك تذكر أن القلب لا يكذب ...


بيت المستشار خالد دويدار ( شقة عيسى) ...

حان موعد رحيله لكنه لا يقدر على ذلك ، دار "عيسى" حول نفسه متخبطًا بتشوش عما يستطيع فعله الآن فلديه موعد لا يؤجل بينما حالة "غدير" لا تسمح له بالمغادرة ...

تذكر ليلة الأمس حين عادت "غدير" من زيارتها لـ"مودة" بأنفاس متحشرجة وصدر مُتعب ، ملامحها الباهتة وإختناق وجهها ...

مشهد مخيف لقلبه الحنون ...

ساعات مضت وهي بنفس الحال لا يقدر سوى بإنتظار مفعول أدويتها أن تخفف من آلامها ...

دموع عيناها المتألمة من ضيق تنفسها لم يضاهي ألم قلبها وتخوفها من أن يكون قد لاحظ لقائها بـ"رشيد" ، كانت تخشى معرفته بالأمر ، لكن الغيرة من طبع "عيسى" ولن يقبل كرجل شرقي حر أن تتقابل زوجته مع أيًا كان ..

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

حاولت أن تطمئن قلبها بأنه إن كان رآها لما صمت حتى هذه اللحظة بل لكانت ثورته قاسية ضاربة بكل هدوئه عرض الحائط ...

بملامح مكفهره جلس "عيسى" إلى جوار "غدير" ...

- شكلك مش مريحني أبدًا ... إيه إللي حصل .. ؟!! أنا كلمتك وإنتِ نازله من عند "مودة" وكنتِ كويسة ... إيه إللي تعبك جامد كدة ...؟!!

تساؤله جعلها تناظر عيناه المتلهفتان بحيرة ، هل يدرك ما حدث ويستدرجها بالحديث بذكائه أم إنه لا يعلم ويود الإطمئنان عليها فقط ، وإن كان كذلك هل ستخبره بلقائها بـ"رشيد" أم تخفى الأمر بستر الله عليها ولا داعى لإثارة متاعب هي بغنى عنها ...

نظراتها المقلقة وحيرة عيونها الدامعة كانت تغرس كالخناجر بقلب "عيسى" القلق ، لكنها إكتفت بإجابة مقتضبة ...

- مش عارفه ... 

تنهد "عيسى" بتألم لحالها ...

- أنا مقدرش أنزل وأسيبك فى الحالة دى ... حتى ماما فى المستشفى وبابا فى الشركة ... قلبى حيبقى مشغول عليكِ طول الوقت ...

سحبت نفسًا متألمًا لتردف بتهدج كلماتها المتقطعة ...

- متقلقش .. عليا ... أنا حكلم .. "مودة" ... تيجى تقعد ... معايا شوية ...

أغمض عيناه بضيق من الظروف التى تحكم عليه بإكمال ما لا يريده وترك ما يعشقه ...

- لسه بدري عقبال ما "مودة" ترجع من الشركة ... مش حقدر أسيبك ده كله ... 

بإبتسامة باهتة إقترحت "غدير" أمرًا ربما يحل تلك المشكلة ...

- نادي .. لي .. "أم مجدي" تقعد .. معايا ...

رغم عدم تقبله لهذا الأمر إلا أنه مضطر لذلك فلديه موعد هام بالسجن قد حصل على تصريح له بغاية الصعوبة ...

- طيب .. الأمر لله ...

حضرت السيدة "أم مجدي" لمرافقة "غدير" بعد مغادرة "عيسى" لكن ليطمئن قلبه إتصل بوالدته ...

- السلام عليكم ... أخبارك إيه يا ماما ...؟!؟

أجابته "منار" بقلق ..

- أنا كويسة ... خير يا "عيسى" ... فيه حاجة ..؟!! بتتصل بدري ليه كدة ...؟!!

مسح وجهه بكفه بقلق محاولًا الهدوء قبل أن يخبرها ...

- "غدير" جت لها الأزمة ... وعندي معاد مهم أوى مقدرش أقعد ... وقلقان عليها يا ماما ... أنا خليت "أم مجدي" تقعد معاها ... بس برضه مش مطمن ...

هبت "منار" على الفور ...

- لأ طبعًا ... أنا جايه لها ... روح إنت شغلك ومتشغلش بالك ... أنا حعمل إذن وآجي أفضل معاها طول اليوم ...

ببعض الراحة أجابها ...

- ربنا يبارك لنا فيكِ يا ماما ... خدي بالك منها أوى ... دى عندية وبتنسى الدواء ...

رغم قلقها على "غدير" إلا أنها إبتسمت لمحبة وقلق قلب "عيسى" الحنون على حبيبة قلبه ...

- متقلقش ... 

أنهى "عيسى" مكالمته وإتجه نحو السجن لقضاء تلك الزيارة الهامة التى جهز لها منذ الأمس ...


❈-❈-❈


مبني المخابرات العامة (مكتب نظمي) ...

توهج وجه "عهد" بحمرة قاسية فلن تسمح لنفسها بالسقوط أمام أى شخص كان حتى لو إمتلك قلبها رغمًا عنها ، ولن تسمح له أيضًا بالضغط عليها وكسر أنفها بأى حيلة كانت ...

شعرت بالخيانة مرة أخرى كما لو كان يتعمد ذلك بكل مرة ، رفعت وجهها المتوهج وعيناها الحادتين تجاه "نظمي" لتردف بإنفعال ...

- لا يمكن يا فندم ... لايمكن أشتغل فى المجموعة دي ...!!!

لأول مرة منذ عملها بالجهاز ترفض عملًا وكلَ إليها ، لكن ذلك لا يشفع لها معارضة رغبة "نظمي" ليهب واقفًا بغضب ظهر جليًا على ملامحه الغليظة ليصرخ بها بحدة ...

- نعم ...!!! هو إيه إللي لا يمكن ...!!! هو لعب عيال ... ده شغل وإنتِ مُكلفة بيه ... إنتِ بتعصي الأوامر ...؟!!!

دارت الدنيا من حولها فبماذا ستجيبه الآن لتردف بغضب ظهر بنبرة صوتها لكنها أخفت حدتها قليلًا ..

- مقصدش يا فندم ... لكن مقدرش أشتغل فى الجو ده .. أنا عايزة شُغل لوحدي زى ما كنت سيادتك بتكلفني .. مش عايزة أشتغل في مجموعة ...

- هو بمزاجك ... عايزة شغل بالتفصيل ... الدلع ده مش هنا ...

أنهى عبارته بقوة إهتزت لها "عهد" من داخلها فهو قاسى للغاية بالتعامل معها هى بالتحديد منذ يومها الأول ، بل لم يكن محبذًا أن تعمل إمرأة بهذا المجال الشاق لتستفزها كلمة (دلع) فهي لا تنطبق عليها مطلقًا لتردف برفض لإتهمامها بالتخنع والدلال ..

- لا يا فندم ... بس أرجوك إعفيني أنا من الشغل ده ...

رفع "نظمي" حاجبه الأيسر بإزدراء ليجد بذلك ضالته بالإستمتاع بإجبارها رغم أنها بإمكانها رفض التعاون مع المجموعة وإسناد عمل آخر لها ...

- والله هو ده إللي عندنا ... مش عاجبك شوفيلك شغلانه تانية ...

كظمت "عهد" غيظها من هذا المتعنت المتعجرف لتردف بقوة فهي ستقدر على تطويع نفسها تحت أى ضغط ولن تترك عملها مهما حدث لتردف بتحدى لكن بنبرة إنصياع ترضى نفس "نظمي" ...

- عاجبني يا فندم ... تمام ...

بسمة زهو وإنتصار علت ثغر "نظمي" المائل وهو يأشر لها بالورقة مرة أخرى ...

- وقعي عليها وإتفضلي على المكتب إللي في آخر الطرقة ... الرائد "معتصم" مستنيكِ هناك ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بإيمائة مغتاظة هزت "عهد" رأسها بخفة قبل أن توقع بالموافقة والعلم لتتجه صوب مكتب "معتصم" وهى تغمغم بسخط تلعن اللحظة التى ستجمعهما من جديد ...


❈-❈-❈


شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير ...

خلال تلك الفترة القصيرة إستطاع "خالد دويدار" فحص أغلبية الملفات الخاصة بالعقود المُبرمة بين شركة عسرانكو وبعض الأشخاص والشركات وبحنكته كرجل قانون متمرس إستطاع فهم كيفية عمل وإدارة تلك الشركة بسهولة ...

جلس بمكتبه يفحص آخر ملف قُدم إليه بتمعن حين حضر "فوزى" بإبتسامة عريضة ملأت وجهه النحيل ...

- أستاذنا .. أخبارك يا "خالد" بيه ...

رفع "خالد" وجهه تجاه مصدر الصوت ليخفض نظارته الطبية الخاصة بالقراءة قليلًا ليستطيع رؤيته بوضوح ...

- صباح الخير يا أستاذ "فوزي" ...

دلف "فوزي" مستكملًا ...

- ده حضرتك شكلك خلصت الملفات كلها ... 

أومأ "خالد" بهدوء ..

- الحمد لله .. 

أشار "فوزي" بعيناه تجاه الملف الموضوع فوق سطح المكتب ..

- وإيه الأخبار ... خد بالك .. أنا إللي كنت براجع كل الشروط ... يعنى حاجة ميه ميه مفيش كلام ...

بدبلوماسية شديدة حاول "خالد" عدم التقليل من قدرات رفيقه قائلًا ...

- اه طبعًا ... تمام ... تمام ...

وجدها "فوزي" فرصة ذهبية لإظهار قدرات لا يتحلى بها ليتملكه بعض الغرور ....

- كل عقد من دول أقدر أقولك كل إللي فيه وأنا مغمض ... بس ... أكيد الأستاذ "عسران" شايف إنك بخبرتك حتفيد الشركة أكتر .. بس أنا كنت بشتغل ميه ميه ...

لم يشأ "خالد" أن يعارضه لكنه لم يبدى موافقته ليردف بهدوء ...

- أظن إنك عملت إللي كان مطلوب منك وزيادة ... ولو إحتجت مساعدتك أكيد حطلبها يا أستاذ "فوزي" ...

كان ذلك طلب منه للمغادرة لكن بلباقة شديدة تفهمها "فوزي" لينهض مستأذنًا ببعض الحرج ...

- طيب ... أروح أنا للأستاذ "محمد" ... أصله ميستغناش عني أبدًا ...

فور مغادرة "فوزي" عاد "خالد" لمراجعة ملفه الأخير بتمعن لينتهى منه ويبدأ مرحلة أخرى بعمله وهو صياغة بنود جديدة للإتفاقات والتعاقدات القادمة ....

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


بين تلك القضبان الحديدية وحرية مُنعت من أصحابها لتكبل النفوس قبل الأجساد بعقاب مؤلم للنفس ، الحرمان الذى يستحقه كل مجرم مخالف للقانون ، لكن من يدرى لعل بين هؤلاء مظلوم يلتمس بصيص نور وإخلاء سبيل ...

جلس "عيسى" بمكتب آمر السجن بإنتظار حضور موكله "رمزي" الذى حُكم عليه بالسجن لقضاء عقوبته لكنه مازال لديه الفرصة بمحكمة الإستئناف لهذا الحكم الجائر والذى أوكل له "عيسى" لذلك ...

دقائق قليلة وكان "رمزي" يقف قبالة "عيسى" بنفس مهترئة وأمل مرتقب ...

- أستاذ "عيسى" ... 

صافح "عيسى" رمزي" برسمية قائلًا ...

- أهلًا يا "رمزي" ... تعالى ...

وقف آمر السجن سامحًا لهم بالتحدث بأريحية ...

- أسيبكم شوية مع بعض ... عندي مرور مهم ...

- إتفضل يا فندم ... شكرًا لمساعدتك ...

قالها "عيسى" بإمتنان لمساعدته له بهذا اللقاء العاجل بموكله ثم أكمل حديثه تجاه "رمزي" ..

- أقعد يا "رمزي" عشان هي نص ساعة بس أقدر أفهم منك إللي حصل وبسرعة ...

تفهم "رمزي" محدودية الوقت ليبدأ بإيضاح ما تورط به لـ"عيسى" ...

- تمام يا متر ... الحكاية وما فيها إن أنا كنت بشتغل فى شركة ... أنا مجرد وسيط يا بيه والله ... لا ليا في الطور ولا في الطحين .. كنت باخد ورق من هنا لهنا ... أوصل رسالة مهمة ....كدة يعنى ... لكن كان يوم إسود يوم ما علمت إن الناس إللي أنا شغال معاهم بياخدوا أراضي ومناقصات برخص التراب ... بالصدفة والله عرفت كدة ... وإنهم بيدفعوا رشاوي لناس كبيرة أوى فى البلد ... مخى الغبي خلاني أقول لهم أنال من الحب جانب ... فكرتهم حيدوني قرشين وخلاص عشان أسكت ... لكن لقيتهم رموني بتهمة والله ما عملتها ولا أعرف عنها حاجة ... أنا عارف إني غلطان لما ساومتهم على فلوس ... لكن وربنا ما عملت حاجة ولا أخدت جنية ..

تنهد "عيسى" بضيق وهو يمسح جبهته متفكرًا ...

- كل ده أنا عارفه ... وسمعته منك ومن أخوك ... وعارف إنك ولا سرقت ولا حاجة لكن إزاى نثبت براءتك وإنت مقبوض عليك وفيه حرز بالفلوس إللي سرقتها ... يعني متلبس ... ساعدني وقولي معلومة تخليني أساعدك ...

دارت عينا "رمزي" بيأس ثم أردف بقلة حيلة ...

- مش عارف يا متر ... قولي عاوز مني إيه بالضبط وأنا أعمله ...

بتفكير مُجهد بعد ليال طويلة ودراسة وافيه لملابسات تلك القضية ...

- عشان أطلعك من هنا لازم نعمل حاجتين ... أولهم لازم نثير الرأى العام عشان نوضح إنك مكنتش غير كبش فداء ... والحاجة التانية إننا لازم يكون عندنا أسماء الناس إللي أخدت الرشاوي دي ...

إتسعت عينا "رمزي" بفزع ...

- بس دي ناس كبيرة أوى ... أنا مش قدهم ... ممكن يخلصوا مني فيها ...

رفع "عيسى" رأسه بإعتزاز ...

- أنا بقى قدهم ومش بخاف ... بس لازم يكون معايا إثبات رسمي عشان أقدر أثبت براءتك ...

إحتارت مقلتي "رمزي" قبل أن يردف بنبرة خفيضة متخوفه من أحد يسمعه أحدهم ...

- أنا شايل ورقه ... فيها أسماء الناس دي والمبالغ إللي أخدوها ... بس بالله عليك ... أنا خايف أتأذي ...

تعمق "عيسى" بتقاسيم وجه "رمزي" يحاول إدراك مدى صدقه ليردف بشك ...

- ولما إنت معاك الورقة دي .. مسلمتهاش من الأول للنيابة ليه ...؟!!

لملم "رمزي" شفتيه المرتجفتان وهو يتلفت حوله ..

- خوفت يكون حد منهم تبعهم ويخفيها ولا يحرقها وساعتها حقي كله حيضيع ...

- أنا عاوز الورقة دي ...

أومأ "رمزي" بتوجس مما سيلقى نفسه به لكنه يثق بـ"عيسى" ليردف بهمس ...

- حقولك هي فين بالضبط ...

أوضح "رمزي" له أين يخفى هذه الورقة والتى ستعتبر ورقة رابحة ستغير مجرى القضية بشكل تام فقد أوشك على النجاح بهذه القضية ...


❈-❈-❈


الإستخبارات العامة ( مكتب معتصم) ..

مراوغ شرس قادر على كسب المعارك فلفطنته وذكائه يحسب كل الحسبان ، لكن الآن قد شوشت أفكاره بفعل تلك المتوحشة ، لينهر نفسه بقوة ...

- لازم أهدى كدة ... وأركز تاني فى شغلي ... هي دلوقتِ خلاص حتتجوز ... يعنى لازم أشيلها من دماغي ...

ضحك ساخرًا من نفسه محدثًا إياها ...

- أشيل مين من دماغي ... هي مش في دماغي أصلًا ... أنا بضحك على نفسي ولا إيه ... أنا متأكد إنها ولا حتهز مني شعرايه أساسًا ... عشان كدة حطيتهم هم الإتنين معايا فى المجموعة ... عشان أنا محدش يهزني ولا يأثر فيا ...

تلقى إتصال من "عمر" يرتب معه بعض الأعمال التى سيتم التعاون فيما بينهم على تنفيذها حين لاحت طرقات جادة للغاية بباب مكتبه ، أنهى إثرها "معتصم" مكالمته ليسمح للقادم بالدخول ...

- إدخل ...

بثبات قوى وقلب أجوف كان ينتظر من إستأذن بالدخول دون الإكتراث له ، لكن حين أهلت متمردته أمام عيناه شعر بقلبه ينتفض بقوة ، تصارعت دقاته بإنفعال لم يظن أنه يمتلك هذا الإحساس الجارف تجاهها ، هو من كان يظن أنها لا تؤثر به إقتلعت قلبه الهادئ من موضعه ليثور بإجتياح لجسده كاملًا ...

لكنه لا ينكر أنه بتلك اللحظة شعر بمدى إشتياق عينيه لرؤيتها ، تحجر ريقه الذى حاول إبتلاعه بصعوبة وهو يستقيم ببطء مثبتًا حدقتيه تجاهها ليهمس بشوق لم يصل لمسامعها ...

- "عهد" ...


كانت "عهد" مضطرة على الذهاب إليه مجبرة على قبول العمل معه فهي لا تملك رفاهية الرفض الآن ...

بخشونتها المعهودة وتحفيز نفسها بأنها أقوى من مجرد لقاء به وأقوى من أن تميل إليه فمنذ لحظة رحيلها من الكوخ هو لا يمثل لها أى شيء ، تلاشت كل ما حفزته بنفسها بمجرد رؤيته خلف مكتبه وهو يستقيم ناظرًا نحوها بذات النظرة القاتمة الغامضة التى إختلج لها قلبها ، لقد ظنت أنها تقدر على نسيانه لكن الأمر يبدو خارجًا عن سطوتها ...

لقد تمرد القلب وإنفلتت قيودة لكنه مثل الغيوم مهما حاولت تخبئتها تظهر فالسر يختبئ بالصمت ، من قال أن الصمت لا يتكلم ...

طالت نظراتهم دون التفوه أو التصريح ، نظرات تآلفت وتعانقت دون إقتراب ، تابعتها دقات قلوبهم المتصارعة وتنفسهم المضطرب ، لولا عناد كل منهم لإعترف كلاهما بعشقه للآخر ...

ود لو يسحبها بقوة من ذراعها نحوه يعنفها على تركها له ويعترف بشوق أخفاه بقلبه لكن حائل بداخله منعه ، شئ أثار حنقه وكرامته فهي ستتزوج من آخر ، لا يدرى لم يحاسبها على إختيارها لحياتها ، إحساس بالخيانة رغم أنها لا يجب أن توصف بذلك ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

عنادها بأن تتفهم سبب إخفاء المهمة عنها وأنها كانت أدنى من أن يوضح لها الأمر رغم معرفته جعلها ترفع رأسها بشموخ حتى لو كان قائدها ...

عادا ليتنافران كقضبان المغناطيس قطع نظرات التحدي رغم العشق المخفي بين طيات عيونهم حضور "طه" الذى كان يبحث عن "عهد" منذ مجيئه ...

- صباح الخير .... 

إلتفت كلاهما لـ"طه" وقد رمقته عيونهما تتهمه بالتطفل وإقتحام تواصلهما فحتى بعنادهما رغمًا عنهم يلتقيان ...

شعر "طه" بالإضطراب كما لو كان جاء بوقت غير مناسب ليردف بتوتر ...

- هو فيه حاجة ولا إيه ... ؟؟؟ 

دارت رأسه بين "عهد" و "معتصم" حين إستقر نحو "معتصم" يسأله ..

- خير يا "معتصم" باشا ... فيه مشكلة مع "عهد" ولا إيه ...؟!!

حدجه "معتصم" بنظرة حادة قاسية فهل يقصد الدفاع عنها ، هل هو قريب منها لهذه الدرجة حتى يكون هو من يلطف الأمور بينه وبينها ؟؟! بزمجرة قوية أشعلتها نيران الغيرة بقلبه ...

- فيه إيه يا "طه" ... حتى لو فيه مشكلة ... إنت دخلك إيه ...؟!

بإرتباك شديد وإبتسامة متملقة متخوفة ...

- ولا حاجة يا قائد .. أنا بس بلطف الجو ... 

كان الرد الخشن آت من "عهد" قبل تفوه "معتصم" ...

- محدش طلب منك تدخل ... أنا مش عَيله صغيرة مستنية إللي يدافع عني ... 

مال "طه" بإيمائة خفيفة ...

- أكيد طبعًا ... حد قال كدة بس ...

إلتفت "عهد" بذات الخشونة تجاه "معتصم" كما لو أن مجئ "طه" قطع حبال توترها وأعادها لنفسها وخشونتها ...

- أنا جاهزة للشغل .. شوف حضرتك حنعمل إيه وأنا موجودة ...

تجاهل "معتصم" وجود "طه" ليخصها بحديثه ...

- النهاردة حنجتمع كلنا عشان أوضح لكم المهمة وتفاصيلها ... متتأخريش ...

بنظرات صارمة يغلبها التحدي لإدراكها مقصده ..

- مش بتأخر ... أنا دايمًا مواعيدي وشغلي مظبوطين ... معنديش غلط ...

تقدم "معتصم" سعيدًا من داخله لتلك الحالة التى يعشقها من التحدي التى كانت تجمعهما من قبل ...

- لما نشوف يا عم "فتحي" ...

تذكرت الإسم لتعقد أنفها بغيظ وهي تقابله بإنفعال مكتوم ...

- إسمي "عهد" وبس ... مش أنا إللي يطلع عليا أسامي زى دي ..!!!

رفع "معتصم" حاجبه يقلل من قدرتها على التصرف الآن فهو قائدها ...

- حتعملي إيه يعني ...؟!!

أطلقت حروفها من بين أسنانها المصكوكة بنبرة خشنة ...

- بلاش تطلع العفريت من جوايا يا .... قائد ...

أنهت عبارتها ساخرة منه ليخفى إبتسامة سعيدة حلت بنفسه ليردف بجدية ...

- معادنا الساعة واحدة ... 

أجابته بطرف عيناها وهي تستدير نحو الخارج ...

- ماشي ...

لحقها "طه" غير مصدقًا لطريقتها الفظة مع "معتصم" الذى يعامله الجميع بأنه ملك بهذا العمل ...

- إنتِ إزاى تكلميه بالطريقة دي ... إنتِ مش خايفه على روحك ..!!!!

بنظرات مستنكرة أجابته بتقزز ...

- أخاف من مين ...!!! أنا أتكلم مع إللي أنا عاوزاه بالطريقة إللي تعجبني ...

عقب "طه" بإعجاب حقيقي بقوتها ...

- رهيبة يا "عهد" ... بجد برافو عليكِ ...

إتجهت نحو مكتبها ولم يتركها "طه" لتلتفت له بحدة ...

- فيه إيه يا "طه" ... إنت مراقبني ولا إيه ...؟؟! ولا تكونش بتوصل بنت أختك الفصل بتاعها ... إتفضل على مكتبك ...

شعر "طه" بالحرج ليومئ بإنصياع ليتركها ويعود لمكتبه منتظرًا فرصة سانحة ليخبرها بمشاعره ويصرح لها عن رغبته بالزواج منها ....

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


شركة بيكو للأدوية ...

لليوم الثاني على التوالي بدأت "مودة" عملها بالشركة بالمكتب الذى خصصه لها "رؤوف" ، لكن اليوم كان هادئ للغاية بعيدًا عن صخب الأمس وضجيج "نيره" ...

وجود فتاة لطيفة كـ"مودة" كانت محط إهتمام بقية العاملين بالشركة لتبدأ عملها بنشاط إجتماعي تتمتع به بالتعرف عليهم جميعًا ...

لم تخلو ساعات عملها من بعض المزاح والروح المرحة كما أختها تمامًا ...

- تعالي هنا جنبي وأنا أحبك ...

قالتها بلطافة لتقترب إحداهن قربها بضحكة صافية ...

- ده إنتِ دمك شربات يا "مودة" ...

- الله يحفظك ... 

ضغطت على أحد الأزرار بلوحة المفاتيح بالخطأ لتتسع عيناها بقوة ممازحة رفيقتها ...

- هو أنا كدة حترفد ...!!!

اجابتها "ريم" بضحكات لا تنتهي ...

- يا خبر أبيض ... دي القاعدة معاكِ حتودينا في داهية ... أنا رايحة أكل ... ده وقت الراحة ...

رغم ملامحها الجدية إلا أنها أكملت بمزاح يجعل من يقابلها ينتابه الضحك دون أن تتغير ملامحها الجادة ...

- إحلفي ... إنتوا عندكوا أكل ...!!

تركتها "ريم" وهي تحاول تمالك ضحكاتها من تلك الطريفة التى لفتت الأنظار خاصة لـ"حمدي" الذى وجدها فرصة للتودد إليها ..

- أنسة "مودة" ... أخبار الشغل إيه النهاردة .. ؟!!

برغم إجتماعيتها إلا أن هذا الشاب يثير إمتعاضها فور رؤيتها له لتردف بوجه ممتعض ..

- كويس ...

- طيب حلو أوي إنك مبسوطة معانا ...

دارت بعيناها تحاول التهرب من وجودها مع هذا الشاب ثقيل الظل لتجد نجدتها بسارق قلبها حين تقدم "رؤوف" تجاههم ثم وضع ذراعه فوق كتف "حمدي" وهو يقف إلى جواره ...

- ها ... إيه الأخبار ...؟؟!

أشرق وجهها بقوة وهي تعتدل بجلستها لتجيبه بإبتسامة واسعة ...

- تمام .. تمام ... تمام ...

تجاوب معها "رؤوف" ببسمته المميزة وحديثه اللطيف ...

- كل ده ... ما كفاية تمام واحدة ... 

تاهت منها الكلمات فبعد أن كانت تمازح الجميع ولديها لباقة شديدة فى الحديث أصبحت تتعثر بإيجاد كلمات مناسبة تخرج من شفتيها بحضوره ...

- حاضر ...

أسرع "حمدي" يقتحم حديثهم ليناله من هذا الحديث اللطيف جانب ...

- أنا جيت أهو أطمن عليها دى لسه فى الأول برضه ... 

بغمزته الساحرة التى صاحبت عباراته عقب "رؤوف" ..

- تشكر يا أبو الواجب ... تعالي يا جميلة معايا بقى ...

تحركت "مودة" كالمغيبة فما كانت تنتظر سوى تلك الدعوة منه لتلبيها على الفور ، دلف "رؤوف" تجاه مكتبه برفقة "مودة" و "حمدي" ليشير تجاه مكتبه قائلًا بكرم ...

- إحنا وقت البريك ... ودة حاجة بسيطة كدة تاكليها أكيد معملتيش حسابك على الغدا فى نص اليوم ...

فاهت "مودة" بإهتمامه لتردف بعذوبة ...

- لا شكرًا بجد ... مش عاوزة ...

مال "رؤوف" برأسه محذرًا إياها بلطافة ..

- هو إيه إللي مش عاوزة ... ده ... إجباارى ... هو أنا لو جيت البيت عندكم مش حتضايفيني ولا إيه ...؟؟! وبعدين هو إنتِ غريبة بعزم عليكِ ... يلا إتفضلي خلصي أكلك كله ...

أسرع "حمدي" تجاه أحد العلب الكرتونية المغلقة ليحفز "مودة" على مشاركته ...

- إنتوا حتتعازموا ... أنا جعان ...

أعاد "رؤوف" دعوتها لتناول الطعام ليخرجها من حرجها الظاهر على ملامحها اللطيفة ..

- يلا بقى بلاش كسوف ... أحسن "حمدي" حيخلص الأكل كله ...

طأطأت "مودة" رأسها بحرج ثم هتفت برفض هادئ ...

- بجد لو عاوزة كنت أكلت ... أنا كمان مش بحب الحاجات دى من برة ... أخرى حلويات .. لكن الأكل الجاهز بيعملي تلبك .. شكرًا والله ..

صمت "رؤوف" لوهلة يتطلع نحوها بإندهاش فنادرًا ما يرى أحد لا يحبذ الطعام الجاهز مثله تمامًا ، لفتت إنتباهه بقوة لما هو مشترك بينهم ليبتسم لأول مرة بتقبل من داخله وليست إبتسامة متكلفة من التى تملأ وجهه طيلة الوقت ثم عقب بتفهم شديد ...

- براحتك .. مش حضغط عليكِ .. طالما مش بتحبيه ...

عقب "حمدي" أثناء تناوله وجبته بنهم ...

- حد ميحبش الأكل ده ... ده إنتوا فايتكوا نص عمركوا ... فقريين ... 

تطلعت "مودة" بإندهاش تجاه "رؤوف" متسائله ...

- هو إنت كمان مش بتحب الأكل الجاهز ...؟!!

برمشة مازحة من جفناه أجابها ...

- ولا بطيقه ... أنا جايبه عشانك ...

يكفيها أن تكون محط إهتمامه وأن تشغل فكره ولو بأمر بسيط للغاية لتنفعل دقات قلبها وهي تنكس رأسها خجلًا قبل أن تردف ...

- متشكره يا "رؤوف" ... ( لمحت تناول "حمدي" للطعام بينما لم يتناول "رؤوف" شيئًا لتستطرد ) ... وإنت كدة مش حتاكل خالص ...؟؟!

- ساعات بجيب معايا أكل ... وساعات بكسل بصراحة ...

لم تفكر للحظة لتردف على الفور ...

- خلاص .. أنا حبقى أعمل حسابك معايا كل يوم ناكل سوا ... إتفقنا ...

رفع "رؤوف" كفيه للأعلى يقبل دعوتها الكريمة ...

- ماشي ... حد يقول للحلو لأ ...

بقلب مضطرب وخجل أشعل وجنتيها الصغيرتان بحمرة متوهجة كان ردها على حديثه المعسول الذى ظنت أنه يخصها به بمفردها فكم هو لطيف حنون حتى لو مازالت بمثابة أخت له كما يقول لكنها سعيدة للغاية بقربه البسيط ...


(الفصل الثاني والعشرون) "الجزء الأول"

أبحث عمن يفهمني وأفهمه ، عمن يغنيني عن نصف آلامي وثلثي تفكيري وثلاثة أرباع حيرتي ويهبني طمأنينة كاملة ...

ربما تلك أمنية أسعى إليها منذ وعى عقلي لتلك الحياة القاسية فلا أريد منها سوى طمأنينة قلبي ...


المخابرات العامة (الجهاز) ..

مكتب معتصم ..

تباحث "معتصم" مع "عمر" أمر هذا التعاون فيما بينهم لكن من داخله كان يترقب وقت بدء الإجتماع بتحفز شديد ، بدقة متناهية دقت الساعة الواحدة وحان الموعد المرتقب ...

عمل لا يعرف التدلل ولا الرعونة بل كل ما به يُحسب بالدقيقة والثانية ، ففي الموعد تمامًا دقات علت باب المكتب لتسمح بطارقها للدخول ، تعلقت أعين كلًا من "عمر" و "معتصم" بالباب لكن ترقب عيون الصقر التى تضئ كالياقوت الأسود كانت تخص هذا الشرس الحاد وهو ينتظر وجه واحد فقط يبحث عنه بين كل الحضور ...

دلف بعض الأشخاص بقوة وجسارة ثم تلتهم هي ، بخطواتها الثابتة ونظراتها الحادة وشموخ روحها دلفت لداخل المكتب لا يهزها أى مشاعر خفية ولا توتر بين الرجال فكانت هي أنثاهم الوحيدة لكن ذلك لم يهز بها شعره واحدة ، إنتهى دخول المجموعة بقدوم "طه" الذى أغلق الباب من خلفه إستعدادًا لبدء الإجتماع ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

لم تثتثني عينا "معتصم" البراقتان غيرها بل ثبتت نظراته نحوها لتطالعه هي أيضًا بنفس الثبات والحدة كما لو تخبرة بأنها قادرة على التحدي ولن يتغلب عليها مطلقًا ...

لم تكن "عهد" بعيون "معتصم" سوى .. خائنة ، لا يدرى لم ينظر إليها تلك النظرة وإحساسه بالسخط والغضب من فكرة زواجها مِن سواه جعلته لا يحُكم على الأمور بمنطقية ، فلقد ظن أنها خدعته حينما لم تخبره بأمر خطبتها من "طه" ، يشعر بأنها خانتهُ بعدم وضوحها ، مشاعر مضطربة ومشوشة لم يُدرك بها حقيقة واحدة بأنه لا يتقبل فكرة أحقية آخر بها ، كما لم يدرك كم عشق تلك الفتاة وسقط ببحور الهوى دون رغبته ...

بدأ الإجتماع حينما إتخذ كل فرد في المجموعة مقعده ليبدأ "عمر" بالتوضيح لهم بينما إلتزم "معتصم" الصمت يقرأ الوجوه خاصة وجهها المتحجر ...

وقف "عمر" بالصدارة قائلًا ...

- أهلًا بيكم جميعًا ... إحنا حندخل فى الموضوع على طول ... المعلومات إللي إحنا جمعناها فى أمن الدولة إن فيه مجموعة بيتاجروا فى بعض المهربات ومنها سلاح وغيره ... لحد هنا ده كان شغل أمن الدولة ... لكن وصلتنا معلومات إن المجموعة دي لها فكر متطرف وبيخططوا لإغتيالات متعددة لناس مهمة جدًا في الدولة ... وكان لازم يكون فيه تعاون بين الجهازين عشان نوقع الشبكة دي قبل ما تبدأ عملها الإرهابي ده ...

إهتمامهم جميعًا بما يسرده "عمر" شغل تركيزهم جميعًا إلا "معتصم" الذى كان يتابع ملامح "عهد" الجادة المتحفزة للأمر ، حماس داخلي إنتابه بقربها زاده إحساس بدقات متعالية لهذا الثائر بين ضلوعه فكم كانت جذابة بصورة تطيح بالعقل ، جميلة بفطرتها دون رتوش مصطنعة ، إنها تحفة فنية دقيقة الصُنع ، كما لو أن كل ما بها خُلق بعناية فائقة لتظهر بجمال ساحر جعل قلبه يرتجف ، صورة بقية أعضاء المجموعة أخذت تتلاشي من عيناه لتبقى هي وفقط ...

حلقت به بدنيا الخيال أراد قربها وبشدة ، إنه سقط متيم بعشق تلك المتوحشة ، سقطت عيناه المتفحصة على تقاسيم وجهها ببطء بينما هي غافلة مستمعة بإنصات لرفيقة الذى أخذ يستكمل طبيعة المهمة لكل عضو متواجد بالمكتب ...

عيناها الناعستان وبشرتها الناعمة الملساء وشفاهها الوردية ، قنبلة حُسن على مقربة منه ولا يستطع الوصول إليها ...

تذكر غيظه منها فكيف سمحت لنفسها بالإرتباط بسواه ، لا يمكنه قبول ذلك ، إنها لا تستحق سواه ولا يتمنى غيرها ...

لولا أن إستفاق على صوت "عمر" مناديًا إياه لكان تخطى كل الحدود بجاذبيتها التى سلبته تفكيره الرزين فلم يعد هناك ثبات بحضرتها ...

تنحنح "معتصم" مستكملًا بقتامة أخفت تخبطه الداخلي ...

- إحم ... زي ما فهمتوا من حضرة الضابط "عمر" ... إحنا مهمتنا التعاون مع جهاز الشرطة والتوصل لأفراد المجموعة دي والقبض عليها ... طبعًا العملية دي تحت قيادتي ... وإشراف الرائد "عمر" طبعًا ... وحنبدأ بتقسيم نفسنا مجموعتين عمل ... النص حيكمل مع "عمر" باشا في الرصد المعلوماتي ... والبقية معايا فى المراقبة العامة ... 

إلتف نحو أهم أهدافه الآن ليردف بصيغة آمرة ...

- حضرة الضابط "طه" و "عهد" و "حليم" و "عبد الرحمن" معايا ... و"مطاوع" و"محمد" و "شادي" مع "عمر" باشا ... حنبدأ الترتيب والشغل من يوم الخميس بعد بكرة إن شاء الله ...

إقتضب وجهها الناعم بقسوة فهي لن تنصاع بتلك السهولة لأوامره حتى لو كانت صحيحة لتنهض هاتفه بحنق شديد ...

- لحظة واحدة ... هو إيه إللي دول هنا ودول هنا ... إحنا مش خرفان ... إحنا لينا حق الإختيار ...

رغم إستهجان "معتصم" لمعارضتها له إلا أن النشوة الخاصة بمشاكساتها له عادت مرة أخرى ليشعر بسعادة بالغة لذلك ، سعادة لم يظهر منها ولو لمحة بسيطة فقد إستطاع بحرفية إخفائها بقتامة وجهه وتعبيراته الحادة ...

- أفندم ...!!!!

شرر تطاير بالأفق يعلن بداية إندلاع النيران بين قطبان متنافران ، إرتجف "طه" وهو يرى زمجرة "معتصم" الشرسة حين دنا من "عهد" مستكملًا بنبرة غاضبة ...

- إيه إللي بتقوليه ده يا حضرة الضابط ...!!!! 

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بوقفة تحدي إستعدت لها "عهد" وهي تواجهه بذات الشراسة وعيون حادة النظرات دون الإكتراث بوضعه أو بمكانته ...

- إللي إنت سمعته ... إحنا مش خرفان ولينا حق الإختيار ... مش يمكن أشتغل مع حضرة الضابط "عمر" ... ليه بتفرض عليا رأيك وبس ...

إنصات متوتر بين بقية المجموعة فلا داعي لهذا العنف والمشادة التى قامت بها "عهد" مع ضابط كبير ومخضرم مثل "معتصم" لينتظر الجميع بتوجس نهاية تلك المشادة ...

رفع "معتصم" رأسه بشموخ وتعالي رافعًا حاجبه بحدة ..

- إللي قلته أمر ... ولازم يتنفذ ...

لحقته بمثيل لفعله كما لو أنها تخبره كما ستفعل سأفعل ...

- وأنا بقولك لأ ...

تحدي صامت بين عينان متوهجتان ينظر كلًا منهما للآخر كإختبار لثبات كلًا منهما ، قطعه ترجي من "طه" لـ"معتصم" ...

- معلش يا "معتصم" باشا ... أكيد "عهد" متقصدش ... هي بس كانت بتسأل لو ممكن هي تختار تبقى فين يعني ...

تفاجأ "طه" بكلاهما يناظرانه بسخط ثم صرخا بوجهه كلاهما بنفس اللحظة بحنق ...

- مالكش دعوة إنت ...

كما لو أن كلًا منهما يحمل ثقلًا بقلبه تجاه هذا المستفز الذى إنتفض بفزع لهجومهما الضاري عليه ليتراجع بصمت وهو يومئ بإرتباك ...

عاد كلاهما يناظر الآخر بحلبة مصارعتهم لإثبات من الأقوى إنتهت بتدخل "عمر" لينهي هذا الأمر ...

- خلاص يا حضرة الضابط ... لو مش مرتاحة لتقسيم القائد ... إتفضلي إنضمي لمجموعتي وبلاش الحدة دي في التعامل ... المفروض إن إللي حصل ده يبقى فيه جزا لأن الأمر لا يناقش ... 

تراجعت عيونهما عن حدتهما فهو لا يريدها أن تتعرض للجزاء ، وهي لا تريد الإبتعاد عنه لتكتفي بأنفاس متهدجة متلاحقة بضيق ثم أردفت وهي تخرج من الباب ترمق "معتصم" بنظراتها إيهامًا له ولها بأنها المنتصرة ...

- لا خلاص ... أنا حنفذ كلام الـ .... قائد ...

رغم خروجها المشحون إلا أن شبح إبتسامة تعلق بشفتي "معتصم" الممتلئتان بنشوة فقد بدأت الحرب للتو ، حرب يحب الإستمتاع بها ليهمس بنبرة لا تكاد تُسمَع ...

- ولسه يا بنت "مسعود" ... والله ما أنا سايبك ...

لحقها خروج بقية الضباط ليبقى "عمر" و "معتصم" لدراسة الأمر بكافة جوانبة وتقسيم أطراف المهمة التى ستبدأ بعد غد الخميس وسط تشوق الجميع لتلك البداية الجديدة ...


❈-❈-❈


بيت عائلة الأسمر ( شقة وعد) ...

سيل من الكلمات الحانية التى طالما تتوقت لسماعها فهل ستحقق مساعيها أخيرًا ، هل "محب" هو فرصة ذهبية لحصولها على السعادة ...

تفكرت لبعض الوقت بطلبه للزواج منها ، وبعد تردد كبير ومقابلتها لـ"عهد" كانت أفكارها تتأرجح بين الرفض تارة والبقاء برفقة أختها تهتم لأمرها ، لكن بالمقابل ستؤجل مرة أخرى إهتمام "عهد" بحياتها المؤجلة ، وبين أن توافق على طلب "محب" وتتزوجه ويصبح مسؤولًا عنها وعن إبنها ...

لكنه حَسم الأمر حين نطق كلمة (أحبك) ليصبح الأمر منتهى تمامًا لتردف بإيجاب ...

- أنا موافقة يا "محب" ...

تكاد تجزم أن بريق السعادة التى لمعت بمقلتيه البنيتان لم ترهما من قبل حتى بموافقتها بالزواج من "عاطف" من قبل ...

كم هو رائع شعور أنكَ مرغوب بِك ، وأن هناك شخص يُحبُك ويتتوق لقُربك بهذه الدرجة ...

تهدج صدر "محب" بقوة معقبًا ...

- ياااه .. أخيرًا نطقتيها ... كنت حاسس إني مش حسمع موافقتك دي أبدًا ...

إبتسمت "وعد" بخجل وهي تنكس رأسها مبتعده بعينيها عن خاصتيه اللاتي يراوغونها بقوة لتردف بهمس خجول ...

- وأديني قولتها ...

وضع سبابته أسفل ذقنها ليرفع وجهها الملائكي للأعلى متمعنًا بزرقاوتيها الساحرتين ...

- من النهاردة مش عاوزك تنزلي وشك فى الأرض ... إرفعي دايمًا عيونك لفوق ... بحب عينيكِ ...

تاهت عيونها بهذا الحالم العاشق أمامها وهي تناظره مباشرة ، إرتجاف سرىَ بجسدها فقد شعرت للتو بأنها مع إنسان آخر غير ما عاهدته من "محب" ، فكيف يتحول بتلك السرعة لشخص يماثل إسمه تمامًا (محب) ، فمتى وأين دق قلبه لها ، وما هذا الشعور الغريب الذى يجتاحها ، هل هو مجرد إحتياج للمحبة والحنان التى يغدقهما عليها ، أم أن شرر الحب قد بدأ بإلقاء أسهمه ...

طالت نظراتهم حتى همس "محب" ...

- حضري نفسك يا ملاكِ ... فرحنا يوم الخميس ...

لو لم تكن تدرك تمامًا ما مرت به وسبب تلك الزيجة لظنت أنها عاشقة لهذا الرجل سعيدة بهذا الخبر ، دق قلبها فرحًا تاركه مشاعرها تنساب تجاهه فيبدو أنها ستقع بالحب دون أن تدرى ....

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


عيسى دويدار ...

قبل أن يعود لمكتبه مر بهذا البيت المتهالك الخالي من السكان ليبحث عن تلك الورقة التى أخبره بها "رمزي" ، وسط بعض الركام وجد صندوق مخفي تمامًا عن الأعين قد خبأه "رمزي" قبل القبض عليه كما أخبره اليوم بالسجن ...

حاول "عيسى" إنتشال هذا الصندوق من بين الركام فاتحًا إياه ليجد مبتغاه ، إنها قائمة بأسماء بعض من كبار المسؤولين والمستثمرين مدون أمام كل إسم منهم مبالغ مالية وأرقام حسابات البنوك خاصتهم ليهتف "عيسى" بحماس ...

- أيوة كدة ... هو ده الخيط إللي بدور عليه ...

وضع الورق بجيب سترته ليتجه لمكتبه على الفور فعليه العمل لإنهاء تلك القضية ...


❈-❈-❈


عطارة النجار ...

ليوم جديد شعر به "فريد" بفرض سيطرته على تجارة والده لغياب أخيه وإنشغال والده ، كم هو لأمر مثير للنفس وهو يرى نفسه مالكًا لهذا المكان ، أليس هذا هو ما يسعى إليه ...

وصل "حامد" بعد قليل فى الموعد المتفق عليه ليتجه مباشرة نحو "فريد" فهو ليس من طبعه أن يهدر الوقت ...

- مساء الخير ... ها .. حضرت الورق ...؟!!

كان سؤاله مباشرًا ليجيبه "فريد" بذات الطريقة ...

- كله تمام ... دى مواعيد الشحنات وأماكنها ... يا ريت ننجز أوام أوام عشان محدش ياخد باله ...

أومأ "حامد" بعجالة وهو يستقيم مغادرًا الوكالة ...

- يلا سلام ... أنا ماشي ... حبقى أكلمك أبلغك باللي حيحصل ... ويا ريت منتقابلش هنا تاني زي ما قلنا ..

بإيماءات متكررة حرك "فريد" رأسه بتفهم ..

- اه طبعًا فاهم فاهم ...

- يلا سلام عشان محدش ياخد باله ...

كما جاء غادر حتى لا يلفت الأنظار إليه ، لكنها فرصة جيدة للغاية لتهريب الممنوعات التى سيجلبها ويربح منها بشكل يدفعه للثراء دفعة واحدة مستغلًا ذكاء "فريد" المحدود ...

على الفور رفع "فريد" هاتفه متصلًا بـ "حنين" يزج لها بآخر التطورات فهي العقل المدبر لكل شيء ولا يستطيع إنجاز أمر بمفرده ...


❈-❈-❈


بيت النجار ...

إستراق السمع يبدو أنه سيصبح له لذة و متعة بعد الآن ، فقد تحفزت "صباح" بعد عودتها من بيت الشيخ "كرامه" لسماعها ما يطرب أذنيها ويشفي نفسها بمعرفتها بما سيصيب "زكيه" وبناتها ...

رغم عدم قدرتها على سماع شيء مختلف إلا أن ملامحها المتحفزة أثارت إمتعاض ملامح إبنتها التى تراقبها منذ لحظات قبل أن تهتف ..

- مالك يا ماما ... مش على بعضك ليه من الصبح ...؟!!

رجعت "صباح" حيث مقعدها بالصالون لتجلس ببطء معجيبة إياها ...

- مستنيه أى خبر يريح قلبي من المصيبة إللي فوق دي هي وبناتها ...

قضبت "راوية" جبهتها بتساؤل ...

- هو خلاص ... الشيخ خلص العمل ...؟!!

تنهدت "صباح" براحة ...

- أيوة ... خلصه خلاص ... وقالي أستني كام يوم والعمل حيعمل عمايله كلها ... 

قوست "راوية" شفتيها للأسفل معقبة ...

- يمكن ... أنا مش مصدقة إنه ممكن يعمل حاجة ...

لوحت "صباح" بكفها بقوة في الهواء لتصدر أساورها الذهبية أصوات ضجيج عالٍ ساخرة من إبنتها ...

- وإنتِ إيش فهمك إنتِ ... ده راجل سره باتع ... وحتشوفي ...

رفعت "راوية" كتفيها وأهدلتهما لتعقب أثناء مغادرتها ...

- خلينا ورا الكداب ... أنا طالعة البلكونة ...

نادتها أمها بقسوة تنهرها بتعسف ...

- ما كفاية بقى واقفة في البلكونة ... جايبة لنا الفقر بوقفتك دى ... إنتِ إيه جبلة مش سقعانة حتى ...!!!!

رمقتها "راوية" بإمتعاض بجانب عينيها مستكملة طريقها نحو الشرفة ...

- لأ ... مش سقعانة ... وسيبيني في حالي أعمل إللي انا عاوزاة ...

مصمصت "صباح" شفتيها بقوة معقبة ...

- روحي جتك داهية ... قال يعني حد حيعبرها من واقفة البلكونة ...

أغمضت "راوية" عيناها للحظات بضيق لتتنهد بيأس من تلك العائلة التى تتمنى لو أنها لم تولد فردًا منها ، إتجهت نحو الشرفة لتقضي بعض الوقت بعيدًا عن الأجواء الخانقة بالداخل فصبرها على تحملهم أوشك على النفاذ ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


مكتب عيسى للمحاماة ...

ها هو الظافر الفائز يصل لمكتبة بحماس لإستكمال بقية دراسة القضية فهو قاب قوسين من حل القضية ...

دلف لداخل المكتب بينما كانت تلك الحسناء بإنتظاره بتلهف ، وقفت "سندس" ببهجة لرؤيته أو ربما لرؤيتها إشراقة وجهه التى تعشقها ...

ألقى التحية برسمية ..

- السلام عليكم ...

أجابته بتحفز شديد ...

- وعليكم السلام ... شكلك وصلت لحاجة يا أستاذ "عيسى" ...

إحساسه بأن سعادته مكشوفة ظاهرة للعيان جعله ينتبه لنفسه ليعيد ضبطها دون إظهار ذلك مردفًا بغموض ...

- لا متحطيش في بالك ...

لم تكن كلمته ستمنعها من معرفة سبب بهجته الظاهرة لكنها مؤقتًا إلتزمت الصمت ...

بخطواته الرزينة دلف لداخل حجرة مكتبه جالسًا مباشرة فوق مقعدة الجلدي ليسحب ملف قضية "رمزي" دون تباطؤ ، أخرج الأوراق التى توصل إليها متمعنًا النظر بها مرة أخرى وهو يحفظها مع مثيلاتها بداخل الملف فتلك هي ورقته الرابحة ...

كما لو أن "عطية" يعلم بأن "عيسى" توصل أخيرًا لمفتاح ربح تلك القضية حين تعالى رنين هاتف "عيسى" ليجيبه دون تأخير ...

- أستاذ "عطيه"... والله إبن حلال .. كنت لسه حكلمك ...

- خير يا متر ... فيه أخبار جديدة ...؟؟!

نبرة صوته المبتهجة أجابته قبل الأيضاح حين إستكمل "عيسى" ...

- أنا كنت عند أخوك "رمزي" في زيارة النهاردة ... وعايز أقولك إطمن خالص ... أنا دلوقتِ معايا الكارت إللي حنثبت بيه براءة أخوك ...

تهلل "عطيه" بسعادة بالغة ليستفهم عن الأمر ..

- والله بجد ... طب إزاى ... إيه إللي حصل ...؟!!

رفع "عيسى" إحدى الأوراق للأعلى يناظرها بتمعن أثناء إستكماله للمكالمة ...

- وصلت لورق فيه أسماء الناس إللي ورطوا أخوك .. والرشاوي إللي أخدوها ... وبالتفصيل ... دليل زى ده يبرأ ساحة أخوك و إنه كان كبش فداء عشان ميبلغش عنهم ...

شعر بسعادة غامرة إحتلت هذا الرجل عبر الهاتف كما لو كان يقفز فرحًا ...

- اللهم صل على النبي ... أنا قلت كدة .. محدش حيخلص القضية دي غيرك يا بيه ...

تمالك "عيسى" هدوئه وثباته ليردف بتروى ...

- لازم نتقابل عشان أوضح لك حنعمل إيه بالضبط ... 

- تمام يا متر ... أنا جاي لك المكتب بالليل بعد العِشاء .. نتكلم في كل حاجة ...

أومأ "عيسى" بخفة لينهى هذا الإتصال مغلقًا الهاتف وهو يدقق بالورقة التى يحملها بيده ...

كصائم أنهكه العطش وطال صبره لكأس من الماء ليروى ظمأه ، ينبوع حياته التى تسقى روحه بوجودها ، بعد أن إنتهى من تفكيره بعمله لاحت بشقاوتها وبسمتها على مخيلته متذكرًا إعيائها منذ الأمس ..

أراد لو يطمئن عليها ليرفع الهاتف بين كفه لكن قبل أن يضغط بالأزرار ليتصل بها ترائى له بأن مرورًا بالبيت الآن لهو أمر مُلح فلن يكتفي بالسؤال عنها عبر الهاتف بل عليه الإطمئنان بنفسه ...

تحرك على عجاله خارجًا من المكتب محدثًا نفسه ...

- تليفون إيه بس ... أنا لازم أطمن عليها بنفسي ... تعبها بقى يزيد أوى الفترة الأخيرة دي ...

خرج من المكتب متجهًا نحو سيارته ليستقلها للبيت للإطمئنان على "غدير" والعودة للمكتب مرة أخرى ...


❈-❈-❈


بيت عائلة دويدار (شقة عيسى) ....

قلب مُثقل وأنفاس متهدجة ورغبة مُلحة في البكاء ، هكذا كانت "غدير" تنتظر بألم مرور "مودة" بها بعد إنتهاء عملها بالشركة ...

بعد محاولات عديدة منها بإقصاء والدة زوجها "منار" و "أم مجدي" للبقاء مع أختها بمفردهما إضطرت "منار" ومساعدتها لترك "غدير" على راحتها حين علمن بأن "مودة" بالطريق ..

دق هاتف "غدير" لتلتقطة بتعجل مجيبة إياه ...

- إنتِ فين ... ؟؟؟ إتأخرتي أوى كدة ليه ...؟؟؟

أجابتها "مودة" بقلق ..

- أنا خلاص تحت البيت أهو .. مالك يا "غدير" قلقتيني ...؟؟؟؟

تحشرجت أنفاسها المتألمة والتى تخرج من صدرها بصعوبة ..

- إطلعي على طول ... يلا متتأخريش ...

بعجالة شديدة ركضت "مودة" درجات السلم صاعدة لشقة "غدير" بعد أن أقلقتها بمكالمة هاتفية منذ بعض الوقت تطلب منها الحضور على الفور ...

زاد قلقها حين صعدت ووجدت "غدير" تقف بإنتظارها بباب شقتها لتضغط "مودة" عينيها بتوجس ...

- قلقتيني أوى يا "دورا" ... إنتِ تعبانه ...؟؟ الأزمة جت تاني ...؟؟؟؟

سحبتها "غدير" نحو الداخل بسرعة ثم أغلقت الباب من خلفها مما أثار شك "مودة" بأن بالأمر لشئ عظيم للغاية ...

- لاااا ... ده كدة الموضوع ميطمنش ...!!!!

تطلعت "مودة" بوجه "غدير" الشاحب وإرتجاف جسدها المضطرب لتتسائل بقلق ...

- فيكِ إيه ...؟؟!! شكلك مش طبيعي أبدًا ...

تقوست شفتي "غدير" للأسفل ، تلك اللاتى إعتادت الضحكات أعلنت اليوم إستيائها وضيقها لتردف بأنفاس متقطعة ...

- أنا شفت "رشيد" إمبارح ...؟؟؟

إتسعت عيني "مودة" بإندهاش مردفة بتفاجئ ...

- "رشيـــد" ...!!!! إيه إللي جابه تاني ده ...؟؟! ده إنتِ بقالك ييجي أكتر من سنه ونص مشوفتيش وشه ... ؟؟؟ وعايز منك إيه تاني ...؟؟؟

بقلب مرتجف أجابتها "غدير" ...

- مش عارفه ....مش عارفه ...!!! أنا لقيته في وشي فجأة مش عارفه طلع لي منين ... وعمال يقولي وحشتيني ... ومش عارف إيه ... أنا خوفت يا "مودة" .. خوفت أوى ...

أخذت "غدير" تسعل بقوة لتنتفض "مودة" من جلستها تبحث عن الدواء الخاص بأزمة التنفس الخاصة بأختها ..

- طيب بالراحة ... بالراحة .. فين الدواء ...؟!

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

أشارت "غدير" نحو الداخل بيدٍ مرتعشة لتلبي "مودة" فهمها للأمر لتذهب باحثة عن الدواء ، عادت تحمل إحدى أقنعة التنفس لتدنو بها تجاه "غدير" هاتفة بها ..

- خدي بس البخاخة دي الأول وبعدين إتكلمي ... على مهلك ...

وضعت "غدير" القناع فوق أنفها تستنشق بعض الهواء الممزوج بالدواء ليريح صدرها المنقبض قليلًا ثم إستكملت ...

- أنا خايفه منه ... أنا نسيته يا "مودة" ... طالع لي في حياتي تاني ليه ...؟!! أنا خايفه يخرب لي حياتي إللي بحبها ... 

مالت "مودة" بفمها بضجر من هذا الشاب الأرعن مردفة بإستياء لظهوره بحياة أختها مرة أخرى ..

- طلع لنا من أنهي داهية تاني ده ... مش كنا إرتحنا منه ...!!!!

تغلبت "غدير" على أنفاسها المتحشرجة بصعوبة قائله بندم ...

- أنا كنت صغيرة وعبيطة ... مكنتش فاهمة حاجة .. لا لينا أب ولا أم يقولوا لنا كدة غلط ... حتى خالي ومراته عايشين في دنيا تانيه .. مكنتش فاكره يا "مودة" إني بعمل حاجة غلط ... كنت فاكره إني بحبه وإنه حيتقدم لي ونتجوز ... أنا مش وحشة ... أنا كنت ظنيت إنه راجل محترم ... أنا عارفه إن كلامي معاه كان غلط .. بس أنا مكنتش أعرف .. كنت ساذجة وعبيطة ...

ضغطت "مودة" موازرة أختها ...

- إنتِ ولا عبيطة ولا حاجة ... إنتِ كنتِ مصدقاه وواثقة فيه ... هو مكنش قد الثقة دي وإتهرب منك وإختفى لما قولتي له يا تتقدم لي رسمي يا منشوفش بعض .. كفاية لوم لنفسك ... إنتِ مغلطتيش ... وربنا عوضك بـ "عيسى" ...

بحزن شديد عقبت "غدير" ...

- ما هو ده إللي أنا خايفه منه ... خايفه يحصل حاجة تبوظ حياتي وتبعده عني ... أنا مقلتلهوش أى حاجة عن "رشيد" ... خايفة لو عرف يزعل مني ولا يبعد عني ...

أسرعت "مودة" بإجابة شافية لهذا التوتر ولوم النفس الذى حل بأختها لتضمها بقوة بعناق طويل قائلة بهمس ..

- خلاص .. خلاص .. شوفتيه مرة ومش حتتكرر تاني ... إهدي بقى ... عشان الأزمة تعدي ... محصلش حاجة .. تمام ...

حاولت "غدير" الإستكانة والتنفس بصورة طبيعية لكن الأمر مؤلم بشكل كبير ولا يمكنها العودة لطبيعتها بسهولة ...

صمت دام لبعض الوقت لتستعيد "غدير" هدوئها قبل أن تحضر لها "مودة" مشروبًا ساخنًا يهدئ من ألمها قليلًا ...

إرتشفت "غدير" بضع رشفات منه حين إستكملت "مودة" حديثها ...

- قالك إيه لما شوفتيه إمبارح ....؟!!

أجابتها "غدير" بهدوء بعد إنتظام تنفسها قليلًا ...

- قالي وحشتيني ... وأنه غلطان إنه بعد عني ... وندمان ... ومش مهم إني إتجوزت ... مش فارق معاه موضوع جوازي من "عيسى" ... عايزنا نرجع ...


بجمود تام وأعين مصدومة غير مصدقًا بالمرة إتسعت عينا "عيسى" هاتفًا بذهول ...

- ليه ...؟؟! ليه كدة ...!!!!!!


(الفصل الثالث والعشرون )

طباع يغلبها السوء ليس لكونِها تصرف وليد اللحظة بل إنها متوغلة بالنفوس ، فلدغ العقارب لم يكن من العداوة بل هو أمر تقضيه الطِباع ...


لكن من السذاجة أن تظن أن العقرب الذي يلدغك يومًا سيصبح حمامة سلام ...


❈-❈-❈


بعيون مرتقبة وضيق تَحَكم بتلك المندهشة وقفت "عهد" تطالع داخل الفيلا ببعض الصمت لتستمع لهمساته إلى جوار أذنها كاشفًا كل الإضطرابات التى حلت بنفسها ليتفوه بهمس ...

- إطمني يا حضرة الضابط ، مش أنا إللي أعمل إللي جه في دماغك ده ...

نظرت "عهد" نحو "معتصم" بحدة تنفي ما فهمه وأنها قد ظنت به السوء حين آتى بها إلى هنا لتردف بكذب ...

- أنا مفيش حاجة جت في دماغي ، عارف ليه ..!!! لأنك مش في دماغي أصلًا ...

قالتها وهي تدلف نحو الداخل ليستقيم "معتصم" يقبض ملامحه بإقتضاب شديد فهل تعني ذلك حقًا ، هل هو لا يمثل لها أي شئ ، هل لـ"طه" نصيب بحبها وقلبها وعقلها أيضًا ...؟!!

دلف نحو الداخل وهو يصفق الباب من خلفه بإنفعال ليدير قاتمتيه بأرجاء الفيلا ...

فقد توزع بقية الضباط كل بموضعه لبدء عملهم لينتبهوا لدخول "معتصم" ومن قبله "عهد" ليستقيموا جميعًا مرحبين بقدوم قائدهم ..

- صباح الخير يا قائد ...

- صباح الخير يا قائد ...

تكرر سماعِه لتحيتهم له ليكتفي بإيمائةٍ خفيفةٍ لتحيتهم لتنصب أنظارِه على "عهد" التي جلست بأحد الأركان تعبث بأحد الأجهزة مباشرة لتضع أحد السماعات الكبرى فوق أذنيها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تهدج صدرها بإرتجاف وهي تصطنع الإنشغال وتعلم جيدًا ثبات عينيه الثاقبتين تجاهها لكنها تعمدت تجاهله فهي لا تنكر إرتباكها الشديد حين ظنت أن الفيلا خاوية لكن عند رؤيتها لزملائها بداخل الفيلا علمت أن الأمر لا يتعدى المُهمة التى كُلفوا بها ...

لم تكن عينا "معتصم" فقط المنصبة على "عهد" بل شاركه بذلك "طه" الذي ظن أن هذه المهمة ستُقرب المسافات بينه وبين "عهد" ويحاول لفت أنظارها وإثارة إعجابها ...

ألقى "معتصم" جسده بقوة فوق المقعد ليصدر تعليمات البدء ...

- إرفع يا إبني الصوت ده .. خلينا نسمع بيقولوا إيه ... ووصلني بالضابط "عمر" ومجموعته عشان نشوف وصلوا لإيه ...

سرعان ما تحول لكتلة من التركيز في العمل منحيًا تلك التى سطت على تفكيره و سلبت قلبه جانبًا كما فعلت هي تمامًا بينما ظل "طه" مترقبًا الفرصة بجاهزية للتحرك تجاه "عهد" ...

بدأ "عمر" يوضح لـ"معتصم" عبر الهاتف ما توصلوا له حتى الآن لينهي "معتصم" مكالمته ملتفتًا تجاه بقية المجموعة ...

- دلوقتِ المعلومات إللي وصل لها الرائد "عمر" إن الفيلا إللي قصادنا هي مركز تجمع التشكيل ده ، دول إللي حيبدأوا سلسلة الإغتيالات إللي قلنا لكم عليها ، الرائد "عمر" متابع شحنات الأسلحة إللي مهربينها لحد ما يوصل لخيوط الشبكة كلها ، علينا إحنا نعرف مين الهدف من الإغتيالات دي وإزاى حيكون تخطيطهم لها ، عشان نقبض عليهم قبل إرتكاب أى عمل إرهابي منهم ...

إستدار "معتصم" بحرفية شديدة ومهارة ملفته للجميع حتى تلك صاحبة النظرات المتعالية تجاهه ليبدأ بتقسيم العمل بين أطراف المجموعة ...

- "حليم" .. إنت تسجل لي كل الحوار إللي حنسمعه من مايكات الصوت إللي زرعناها هناك ، و"عبد الرحمن" و"طه" حتراقبوا بالمنظار أى تحرك في لحظتها تقولوا لي عليه (ثم إتجه بحديثه نحو "عهد" بمهنية تفوق تخيلها ) ، "عهد" عايزِك تجيبي لي أى معلومة عن الأسماء إللي مكتوبة قدامِك دي لبعض الشخصيات إللي بنشك إنهم متواجدين فى الفيلا ...

يبدو أنه يعلم جيدًا قدراتها الفائقة في البحث وإستخدام الحاسوب وأجهزة التكنولوجيا الحديثة ، بإيمائة خفيفة بدأ الجميع يعمل بهدوء وترقب حين هتف "عبد الرحمن" بعد قليل ...

- يا قائد ... فيه حد ثالث دخل الفيلا ، دي واحدة ست شكلها لسه مش واضح أوى ...

تحرك "معتصم" بخفة ليقف مباشرة أمام إحدي النوافذ رافعًا النظارة المعظمة لعينيه ليتفحص الأمر ليلاحظ ذلك بالفعل ليعقب ...

- فعلًا .. مين دي ؟! ويا ترى مهمتها إيه ..؟!

أشار "معتصم" تجاه "حليم" متسائلًا ...

- بتسجل يا "حليم" ..؟!! إرفع صوت المايك ..

حرك "حليم" رأسه بالنفي قبل أن يردف بوجه ممتعض ...

- مفيش صوت يا قائد .. مش عارف الصوت مش واصل ليه ...!!!

إستدار "معتصم" بأعين متوهجة حتى كادت مقلتيه السوداوتين تتطاير منها النيران هاتفًا بإنفعال ..

- إيه ..؟!! إزاي ده ..؟!!

ترك النظارة المعظمة ليتجه نحو المستقبِل الصوتي يحاول الإستماع لما يحدث لتظهر ملامح الغضب والإمتعاض على وجهه ..

- مفيش صوت فعلًا !!! إنت مركب المايكات فين بالضبط ؟!!

أجابه "حليم" ببعض التوتر ...

- زارع المايكات فى الفيلا كلها بس الظاهر فيه سلك إتهز أو أي حاجة .. 

- والمطلوب ..!!!!

إرتجفت عينا "حليم" ليردد بقلق من ثورة "معتصم" القادمة ..

- لازم نتأكد من إن الأسلاك تمام .. أو يمكن اااا ...

وما ظنه "حليم" قد لاح بالأفق حين إتقدت الشرر بنفس "معتصم" ليصيح بحدة ...

- يمكن إيه .. إتكلم بوضوح مرة واحدة يا حضرة الضابط ...

إبتلع "حليم" ريقه المتحشرج قائلًا بتخوف ..

- يمكن نكون نسينا المايكات اللي في الريسبشن مقفولة ...

إستقام "معتصم" لتتوسط مقلتيه بياض عينيه بصورة مفجعة لهذا الخطأ الفادح الذي سيكلف هذا المتراخي الكثير لينفعل غاضبًا بصورة لا يمكنه كبح جماحها ...

- إنت بتقول إيه ؟؟!! إيه الإستهتار والرعونة دي ؟!! إتصرف يا حضرة الضابط الظاهر إني كنت غلطان في إختيار ظابط محدود الخبرة زيك ... 

ضاق تنفس "حليم" محاولًا البحث عن مخرج فكيف سيعود لداخل الفيلا وقد عمرت بسكانها لإعادة تشغيل أجهزة التنصت ، إرتباك جعل البقية يشاركون بأفكارهم للوصول لحل ما ...

- ممكن حد يدخل كأنه عامل توصيل مثلًا ...

- أو فرد فينا يلف من الباب الخلفي ويدخل يتأكد من المايكات ...

زاغت عينا "معتصم" الغاضبة بين كلاهما ساخطًا من أفكارهم السطحية ..

- ده أقصى إللي بتفكروا فيه ... إحنا كدة ولا لينا أى لازمه ، شغلنا كله واقف على خطأ أهوج وممكن نعرض المجموعة كلها إنها تتكشف وهم يحرصوا ويعرفوا إننا بنراقبهم ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

سُمع أخيرًا صوت "عهد" بجدية تندمج معهم بالحوار لتلقى بحل قد يكون الأقرب والأوقع لحل تلك الأزمة ...

- أنا إللي حدخل الفيلا ،كأني جارتهم وجاية أزورهم ، أظن دي حاجة منطقية ومحدش حيشك في واحدة ست ..

إنتهى دور الضابط المغوار بداخل "معتصم" ليحل محله العاشق المُغرم رافضًا الزج بها بين هؤلاء المجرمين الذين لن يتوانوا عن قتلها إن كُشفت أمامهم رغم أنها الفكرة الأقرب للتصديق ...

- لأ طبعًا ، مينفعش ، مش أمان إنك تدخلي هناك ...

مالت برأسها بتعجب من قلقه الغير مبرر بعملهم فهي مثلهم جميعًا ضابط يمكنها الخوض بالمخاطر لتهتف بتهكم ...

- نعم !!! لأ طبعًا أمان أو مش أمان لازم حد من المجموعة يدخل والأنسب إن الشخص ده أنا !! يبقى لازم أقوم بدوري ، أنا مش موظفة حسابات قاعدة على الكمبيوتر !!!!!!!

رغم إمتعاضة وقلقه الشديد إلا أنها محقة بالفعل ليردف بإستكمال لفكرتها ليضمن حمايتها قائلًا ..

- ماشي ، بس مش لوحدك ...

رفعت حاجبيها إندهاشًا لتعقب بسخرية ..

- نعم !! مش لوحدي إزاى ؟؟! أجيب أمي معايا ... !!!

ها هي عادت للسانها السليط وحديثها المتراشق بالحجارة لتقابل وجه "معتصم" المنفعل ...

- "عهد" ...!!!!! إلتزمي حدودك ، إفهمي الكلام ، لازم حد يكون معاكِ كمصدر أمان ...

عقدت ذراعيها أمام صدرها بتساؤل ممتعض ...

- ومين حيدخل معايا ؟؟! وبأي صفة ...؟!!

أجابها "معتصم" على الفور ...

- جوزك ..

بهتت "عهد" وهي تناظره بدون فهم مرددة بتساؤل مشمئز بنبرة خفيضة ..

- جوزي ؟!!!!!!!

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


بيت المستشار خالد دويدار ...

تطرقات هامسة ولفتات مستمرة بين تلك العيون القلقة وبين أن يقتحم أحدهم جلستهم الخاصة همست "منار" بتخوف ...

- وبعدين يا "خالد" حنعمل إيه ؟!! الدنيا بتضيق علينا والفلوس قربت تخلص حنتكشف قُدام الناس ...

متزن حتى بأوقاته العصيبة هكذا كان "خالد دويدار" وسيظل بهذا الإتزان ليردف ببعض الغموض ..

- ربنا حيحلها يا "منار" ، الحمد لله ربنا ساترها معانا لحد دلوقتِ ..

تنهدت "منار" بضيق وهي تتشدق قبل أن تستكمل حديثها تتطلع نحو باب الغرفة ..

- أنا خايفة لا أهل "نيره" ياخدوا بالهم من حاجة ...!!!

نظر نحوها "خالد" مطولًا قبل أن يردف بذات الطريقة الغير واضحة ...

- لسه يا "منار" محصلش حاجة ، ده حتى "رؤوف" ما أختارش العفش ، حنشيل الهم من دلوقتِ ، عمومًا لما يحصل حكون إتصرفت ...

بوجه ممتعض من عدم توضيحه لما سيفعله لجلب المال لشراء الأثاث وتحضير زفاف "رؤوف" عقبت "منار" ...

- مش تقولي بس حتعمل إيه !! ده كل إللي حوشناه ساعدنا بيه "عيسى" وعملنا شبكة "رؤوف" ، حتجيب منين بس ...

ربت "خالد" بكفه القوى فوق كفها الذى تستند به فوق ركبتها مطمئنًا إياها ...

- متشيليش هم ، إللي معاه ربنا عمره ما حيحتاج غيره ، وإحنا لسه معانا وقت ...

زمت شفتيها ببعض السخرية لتردف بطرافة ...

- الظاهر المشاكل بتاعة "رؤوف" و "نيره" جاية في مصلحتنا لحد دلوقتِ ...

إبتسم "خالد" لدعابة زوجته لكن مازال هناك ضيق بداخله لعدم توصله لحل لأزمتهم المالية القادمة ، لكن بداخله يقين بأن الله سيخرجهم من هذا المأزق بالتأكيد ...

أهل عليهم "رؤوف" بإبتسامه العذبة التى تظهر أسنانه الأمامية المميزة ...

- إيه القاعدة الشاعرية دي ..؟؟ جوز عصافير قاعدين فى العشة ... صباح الخير يا حبايبي ...

إعتدل "خالد" متخذ بعض الجدية ليصرف نظر ولده عما كانوا يتحدثون به ..

- يا أخي إنشف شوية ، هو كل حاجة هزار كدة !!!

شاركهم "رؤوف" جلستهم معقبًا ...

- وليه آخد الدنيا بغم وهم ، مفيش أحلى من الروح الحلوة والتفاؤل ( ثم نظر تجاه والدته متسائلًا ) ، ولا إيه يا ست الكل ..؟!.

إبتسمت "منار" لتنهض متهربة من جلستهم ..

- أنا رايحه المستشفى إنتوا حتأخروني كدة ...

لحقها "خالد" على الفور ..

- وأنا كمان رايح الشركة ..

رفع "رؤوف" كتفيه وأهدلهما بطرافة معقبًا ...

- وأنا كمان حروح الشركة ، أمال حقعد أغسل المواعين ... 

ضحكة عابرة أنهت حوارهم بينما بقى برؤوس والديه هم وثقل بداخل قلوبهم فعليهم مساعدته لكن ما باليد حيلة ...


❈-❈-❈


شقة عيسى ...

وقف "عيسى" يعقد ذراعيه بقوة محاولًا التحلي بالهدوء بعد وصلة طويلة من المزاح من قطعة الشيكولاته خاصته قائلًا ببعض الجدية التى خرجت بصعوبة ...

- وبعدين يا "غدير" ، أنا عاوز أنزل ورايا محكمة النهاردة ...

أشارت نحو الباب محاولة تصنع البكاء ...

- إتفضل ، هو أنا مانعاك ، ما إنت لو كنت بتحبني كنت سمعت كلامي ...

أهدل ذراعيه وقد فلتت ضحكاته التى لم يمكنه كبحها ..

- حرام عليكِ يا شيخة ، بحر إيه إللي نروحه في عز الشتا !!!

أشارت نحو رأسه بسبابتها وهي تتشدق بأطراف أصابع قدمها تحاول التحلي ببضع سنتيمترات لتصل لرأسه البعيد عنها ...

- متنشفش دماغك وتعالى نسافر البحر ، أنا خلاص جهزت العوامة البطة ، وعملت سندوتشات الجبنة والبانية ، يلا يا "إيسووووو" بلا شغل بلا وجع دماغ ...

ضمها نحو قلبه بعشق لتلك الساحرة راسمة الإبتسامة الوحيدة فوق شفتيه ، حركة فجائية جعلتها تستكين بقوة كما لو أنه أدرك ما يجعلها تصمت تمامًا ثم همس نحو أذنها ..

- وعد أخلص شغلي والجو يدفي وأنا وإنتِ نبعد عن كل التعب وشدة الأعصاب دي ، ماشي ...

طال صمتها ثم أجابته بنبرة هادئة ساحرة ...

- زي ما تحب حبيبي ...

رفع وجهها نحوه بإصبعيه متسائلًا بمحبة ...

- ده إيه الجمال والهدوء ده ، تعرفي لما بتهدي بتبان ملامحك الحلوة دي ...

أكملت بنعومة كاد أن يتناسي أعماله بسببها ...

- عارف أنا حلوة ليه ..؟!! بس عشان إنت شايفني بعنيك كدة ، أنا عمري ما حسيت إني حلوة لكن في عيونك الحلوين دول هم بس إللي بيشوفوني كدة ...

بقلب وله تتضارب دقاته بقوة تطلع "عيسى" نحو ساعة يده ..

- يا دوب ألحق المحكمة ، أشوفك بالليل حاخدك من عند "مودة" متركبيش تاكسي ، إستنيني ...

أومأت له بخفة وإنصياع ..

- حاضر ..

خرج "عيسى" ليبدأ يوم عمله فيما عادت "غدير" لترتيب الشقة قبل مغادرتها متجهة نحو "مودة" بعد إنتهاء عملها بالشركة ...

لم يمر سوى دقائق بسيطة حتى إنتبهت لطرقات بباب شقتها لتلبي الطارق ...

- مين ؟؟!

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

أجابت "أم مجدي" من خلف الباب ..

- صباح الخير يا ست "غدير" ، الدكتورة قالت لي إنك عاوزة تنظفي الشقة النهاردة ...

أسرعت "غدير" تلقي حمل هذا العمل على أكتاف تلك السيدة حتى لا تصاب بنوبة تنفسية أخرى ...

- والله جيتي في وقتك يا "أم مجدي" ، تعالي إدخلي ده أنا كنت لسه حبدأ ...

بملامح لينة للغاية أجابتها "أم مجدي" ...

- من عيني ، إرتاحي إنتِ بقى وأنا حنظف لك الشقة وأنزل أعمل الغدا بتاع الجماعة تحت ...

- ربنا يخليكِ يا "أم مجدي" يا مريحاني ...

وجدتها "غدير" فرصة جيدة للراحة حتى مجئ موعد مغادرتها لزيارة "مودة" اليوم ...


❈-❈-❈


فيلا المراقبة ...

سقط سهوًا في بحورها وغرق ، لقد كان سباحًا ماهرًا يعبر من كل المخاطر والحواجز لكنه سقط أسيرًا لتلك المتوحشة ، إنها الوحيدة صاحبة الإستثناء عن الكل ، فلو كانت أخرى لكان تركها بالمرة دون أدني تفكير ..

هي من شوشت أفكاره وجعلته يتحكم بالأمر بعاطفة الرجل الغيور ذو القلب القلق على مأمنها وسلامتها ضاربًا بغير ذلك عرض الحائط ...

وقف منفعلًا بمواجهة تلك المقتضبة بإندهاش حين سألته بدون إستيعاب لمقصده ...

- جوزي مين ده إللي حييجي معايا ، أنا رايحه لوحدي ، أنا بشتغل لوحدي ، كمان عشان يصدقوني ...

خلل "معتصم" أصابعه داخل خصلات شعره متمالكً قلقه الذى إعتراه والذى خشي أن يلاحظه أحد الضباط ليفكر بأمر وحيد أن يرافقها لحمايتها أولًا ، لهذا فكر بأن يقوم معها بزيارة الفيلا المقابلة موضع المراقبة بصفتهما زوجين ، لهذا أصدر أمر لا يحتمل الجدال ...

- لأ ، ده أمر يا حضرة الضابط ، حتروحي بصفتك جارة ومعاكِ جوزك عشان الحماية ...

أسرع "طه" بإستغلال تلك الفرصة قائلًا ...

- خلاص يا قائد ، أنا حروح مع "عهد" بصفتي جوزها ننهي المهمة ونرجع على طول ...

رمقه "معتصم" بشراسة فكيف يجرؤ على تخطيه وسلبها منه ، لكن قبل أن يعترض وصله صوت "عهد" الجاد ...

- طيب ، يلا عشان نخلص ، مش حنقعد طول اليوم نتحايل على بعض ...

عاد "معتصم" بسوداوتيه تجاهها يرمقها بقوة حتى شعرت بأن لعينيه حروف وكلمات حادة لاذعة ، أليس هو من أصر على مرافقة أحدهم لها ، لم يناظرها بتلك القوة كما لو أنها فعلت جريمة ما ...

عقب "حليم" يلفت نظرهم لشئ هام ..

- وإنتِ حتروحي كدة يا "عهد" ؟؟!! ، شكلك باين جد أوى ، مش جارة رايحه تزورهم ...

تطلعت نحو ملابسها الرسمية بتأفف ثم دلفت لداخل إحدى الغرف المحتوية على مرحاض لتعدل من هيئتها بما يناسب تلك الزيارة ...

أغلقت باب المرحاض من خلفها لتنظر لهيئتها الجادة بالمرآة لتجذب أولًا عقدة شعرها المسحوب بقوة لينفلت بخصلاته السوداء الناعمة على كتفيها وجانب وجهها بحالمية ، مررت أصابعها بداخل خصلاته لتزيدة كثافة ورونقًا ، خلعت ستراها السوداء ثم حررت كنزتها البيضاء من سروالها مرتدية حزامها فوقها بشكل مواكب لموضة الأزياء ، تطلعت مرة أخرى نحو هيئتها الجديدة برضا فهي لن تتغير لأكثر من ذلك ...

خرجت من المرحاض وهي تلقي نظرة على سروالها قبل أن تعدل قامتها للخروج من الغرفة لكنها فوجئت بـ"معتصم" يقابلها وتبدو على وجهه إمارات الضيق والغضب ...

لم تكترث لوجوده لتتخذ خطواتها خارجة من الغرفة حين إستوقفها بذراعه القوي يمنعها من التقدم ...

- رايحه فين ؟؟؟

طالعته بإزدراء ثم أجابته بتهكم ...

- رايحه أكمل المهمة يا ... قائد ...

وقف بمواجهتها تمامًا وهو يتطلع بياقوتاتيه تجاه عيناها الناعسة بمشاعر لم تحددها "عهد" لكنها ليست غاضبة ، بل كان كمن يعاتبها بحدة ...

- بلاش تروحي يا "عهد" ، أنا مش عايزك تروحي هناك ...

رفعت رأسها بشموخ مردفة برفض قاطع ...

- شغلي يا فندم ولازم أقوم بيه ...

- أنا بقولك بلاش وحنشوف خطة بديلة ، الناس دي مبتتفاهمش ، لو إتكشفتي حيقتلوكِ ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ضحكت "عهد" بسخرية ثم عقبت ..

- لا والله ، ولما كنت في سويسرا مكانوش حيقتلوني ، مكنتش كبش فداء عشان حضرتك تقوم بمهمتك وترجع بألف .. سلامة ..!!!

تهدج صدره بقوة فلم يعد يتمالك ضربات قلبه القوية التى تصرخ خوفًا على تلك العنيدة ...

- إفهمي بقى وبلاش عِند ، دي حاجة ودي حاجة ...

جفلت بعينيها لوهلة ثم أجابته ...

- أنا شايفاهم حاجة واحدة ، ده شغلي ولازم أقوم بيه ، أنا مش أقل من أى حد فيهم ...

لم يجد بُد من عناد تلك الشرسة ليهتف آمرًا بها ...

- خلاص ، أنا جاي معاكِ ...

بإستغراب شديد تسائلت "عهد" ...

- تيجي معايا ؟؟!! ليه ؟!! هو أنا طفلة مش حعرف أقوم بالمهمة !!! ، وبعدين "طه" قال إنه حييجي معايا ...

لاحت غريزة الغيرة لهذا الرجل الشرقي تجاه غريمة الذى إستولى عليها ليردف مهاجمًا ...

- ااااه ، هي المسألة كدة !!! فاكرينها فسحة إنتوا الإتنين وجو حب وغرام بقى ....

توسطت مقلتيها عيناها لتهتف به بحدة ...

- حب إيه وغرام إيه ؟؟! إلتزم حدودك ، متتخطاش نفسك في حياتي ...

كز بغضب ظاهر لم تفهم له تفسير مطلقًا حين قبض بقوة بمرفقها ...

- أنا برضه ، ليه ، هو مش "طه" ده خطيبك وحتتجوزوا ...؟!!! يبقى لازم أفكر في الشغل وإن المهمة ميبقاش فيها أخطاء ...

دفعت يده عن مرفقها بشراسة وهى تجيبه بإنفعال ...

- خطيب إيه وزفت إيه ؟!! أنا لا مخطوبة ولا حتخطب ولا بفكر في الكلام الفارغ ده ، أنا أهم حاجة عندي هي شغلي وبس ...

إنفعالها وحدتها أنسته مهمته ليتذكر أمر واحد فقط ، أنها تنفي كل ما أخبره به "طه" ، إنها ليست لسواه ، أمل جديد يولد بقلم مفعم بالسواد ليهتف بهدوء مضطرب فقد زلزلت المتوحشة قلبه وكيانه ...

- مش حتتجوزي "طه" !!! يعني مش مخطوبه له ...؟!!

زمت شفتيها بإستياء ثم أجابت بهجوم شرس ...

- لا حتجوز "طه" ولا غيره ، وكفاية بقى تتدخل في حياتي من غير لازمه ، حتى لو كنت حتجوزه ، إنت مالك يا بارد ...

ضحك "معتصم" بضحكة خفيفة متغاضيًا عن لسانها السليط فيكفيه معرفة أنها لن تتزوج غيره ..

- أمال هو قالي ليه كدة ؟!! معقول من نفسه يقول إنكم حتتجوزوا ؟!!!

لمعت عينا "عهد" بتوهج متسائلة ...

- "طه" قالك كدة ؟!! نهاره إسود إن شاء الله ...

تركته خارجة من الغرفة فيما كان يود أن يصرح لها بمكنون قلبه لكن حركتها السريعة للخارج جعلته يلتزم وقارة أمام بقية المجموعة متابعًا قطته الشرسة وهي تبدأ هجومها الضاري على الكاذب "طه" الذى تفاجأ بخروج "عهد" من الغرفة ومن خلفها "معتصم" ...

بلحظة كانت "عهد" تسحب "طه" نحو الخارج تدفعه بقوة نحو الحائط وهي تمسك بمقدمة قميصه الأسود تزمجر بوجهه بوحشية أسعدت قلب "معتصم" الهادئ كما لو أن الأمر لا يخصه ..

- إنت بتقول على لساني كلام محصلش ليه .. ؟؟!

إرتجف "طه" تخوفًا من شراسة "عهد" وغضبها الغير معهود بالنسبة له بهذه الصورة ليجيبها بإرتباك ...

- كلام إيه بس ؟! أنا مقولتش حاجة ...!!!

بذكاء حاد لم تشأ "عهد" إظهار الأمر أمام بقية زملائهم لتدفعه نحو الخارج لإتمام المهمة ...

- قدامي يا أخويا ، أنا ليا حساب معاك بعدين ...

تعثر "طه" ببعض خطواته أثاء خروجهم من باب الفيلا لتتحول "عهد" من شراستها لوجه آخر وديع للغاية تسير بإتجاه الطريق العرضي متجهة برفقة "طه" نحو الفيلا المقابلة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه


❈-❈-❈


(نيره إستور) لمستحضرات التجميل ...

بخطوات متغنجة دلفت "نيره" لداخل متجرها بخيلاء كمن تملك الأرض ومن عليها ، تقابلت مع رفيقتها "إسراء" بود بالغ وتملق من الأخيرة لا يتناسب مع كونها تعمل معها بالمتجر ...

- "نيرو" حبيبتي إيه الجمال والدلال ده كله ، فظيعة يا بنتي بجد ...

جلست "نيره" بزهو بنفسها وجمالها تثني على مدح وتملق "إسراء" ...

- ميرسي يا "سوسو" ، إنتِ الأجمل يا حبي ..

شاركتها "إسراء" جلستها لتستكمل ريائها الذى لا يتوقف ..

- تسلميلي يا قمر ، بس بجد إيه الشياكة والجمال ده ، متقوليش .. "رؤوف" كلمك صح ؟!!

تبدلت ملامح "نيره" المبتسمة بإضطراب لترتسم فوق شفتيها إبتسامة باهتة مجيبة رفيقتها ...

- لأ ، عادي يعني ...

أجابتها بالنفي بالرغم بأن من داخلها تشتعل ضيقًا وتأثرًا بإنشغال "رؤوف" عنها بالفترة الأخيرة ، إلتقطت "إسراء" الفكرة على الفور وإستنبطت أن "نيره" يتملكها الضيق من تجاهل "رؤوف" لها لتردف بسكب أفكارها بداخل رأس "نيره" محدودة التفكير للتعامل مع "رؤوف" الآن ...

- لأ مش عادي يا "نيرو" وإنتِ عارفة ، إنتِ لازم تحسسيه إنه مش في دماغك وتطنشيه خالص ، أو أقولك .. لازم تخليه يغير عليكِ ، كلميه كأن فيه حد بيشاغلك وساعتها حتلاقيه يجري وراكِ بالمشوار ، طبعًا هم الرجاله كدة لما يحسوا إن الواحدة حتطير من إيديهم يجروا عليها ...

تنهدت "نيره" بضيق ثم حاولت إيجاد مبرر لبُعد "رؤوف" ...

- مش عارفه ، هو شكله إتضايق من المشاكل الأخيرة إللي عملتها له في الشغل ، كنت بفكر أروح أصالحه ...

إتسعت عينا "إسراء" بفزع لتهتف بحدة ..

- لأ لأ طبعًا ، إنتِ إتجننتي ، كدة يحس إنك ملقيش قيمة ، لازم يحس بقيمتك وهو إللي ييجي راكع تحت رجلك ، هو إنتِ بتعملي ده كله ليه ؟؟ مش عشان بتحبيه !!! فيه حد يزعل إن حد بيحبه !!!

أومأت "نيره" بالإيجاب مصدقة لهراءات تلك المتلونة ، فمن يترك حياته لسواه يتحكم بها ويفرض أرائه السلبية عليها تطيح بها بدائرة الخراب والمشاكل ، عقبت "نيره" بتصديق ...

- عندك حق ، أنا عملت كدة عشان بحبه ، هو بقى مفهمش كدة دي مشكلته ، لكن أنا مغلطتش ...

- الله ينور عليكِ ، خلينا بقى نفكر في طريقة تجيبه تحت رجلك ، ومفيش غيرها الغيره إللي حتوقعه وتجرجره على وشه لحد عندك ...

أنصتت "نيره" تمامًا لهرائها قائله ...

- فهميني بقى أعمل إيه بالضبط ...


❈-❈-❈


شركة بيكو للأدوية ...

ستبقى سر سعادتي الكامنة بداخلي لكن لا يشعرون ، قدرة فائقة على إخفاء مشاعري بقلبي لكن هناك من يفضحها إنها عيناي ...

وصل "رؤوف" للشركة يلقى بتحيته هنا وهناك ، يوزع إبتساماته وكلماته اللطيفة بروح مرحة بين الجميع حتى وقع عيناه على مكتب "مودة" ليتجهم دون أن يدرى عن نفسه فقد شعر بفراغ يسري صداه بداخله ، إحساس غريب إنتابه دون معرفة ماهيتة لكنه لا يشعر بالراحة تجاهه ...

لأيام عدة كان حضورها يسبقه ، رؤية وجهها اللطيف المبتسم كان أول ما يلقاه بالصباح لكن اليوم غاب القمر عن سمائه ولم تتواجد "مودة" بمحلها ...

إلتفت "رؤوف" تجاه "حمدي" متسائلًا بضيق غريب ...

- هي "مودة" مجتش النهارده ولا إيه ؟!!

كانت عيون "حمدي" تحمل حديث أكبر مما تفوه به ليجيب بإقتضاب ..

- لسه مجتش ...

دارت عينا "رؤوف" على الفور تجاه الخارج يحمل ثقلًا طبق فوق قلبه بدون داعي ...

- غريبة ، عمرها ما إتأخرت من يوم ما إشتغلت معانا ...!!!

حدق "حمدي" بصديقه لبعض الوقت يود لو يسأله بما يضمره بداخله مباشرة لكنه فضل الصمت لكن تساؤل آخر لاح بعقله ...

- إنت زعلان مع "نيره" ...؟!!

عاد "رؤوف" ببصره تجاه "حمدي" ليتذكر للتو أنه لم يتحدث مع "نيره" منذ أن كانت هنا بالشركة ليردف بإنتباه لنفسه ...

- تصدق أنا نسيت "نيره" خالص ، أنا بقالي فترة مكلمتهاش ، زي ما تكون إتمسحت من دماغي ... غريبة أوي ...

زفر "حمدي" بإستياء فقد تحركت مشاعره تجاه تلك الفاتنة الصغيرة والتى يبدو أنها لا تدري عنه بالمرة ليردف بتعجب من صديقه ...

- إنت دماغك مش هنا خالص ، الظاهر حاجة تانية شغلاك حتى عن خطيبتك ...

حضور "مودة" المتأخر جذب إنتباه كلاهما لينهى حديثهم إلى هذا الحد حين حضرت برقتها ورشاقتها قائله ..

- صباح الخير ، واقفين ليه كدة ؟!!

إنتعاشة أصابت قلب "رؤوف" حتى شعر بحماس وسعادة بحضورها ..

- مستنيينك ، إيه التأخير ده كله ..؟!!

رفعت "مودة" ذراعها لتشير لإحدى الحقائب الكبيرة الخاصة بحفظ الطعام ..

- كنت بعمل أكل وإتأخرت ، غدا النهاردة حيعجبك جدا ، إتعملتها مخصوص من الشيف بتاع التليفزيون ...

تلقائيًا أخذ عقله يقارن بين من تتفنن كل يوم بصنع طعام منزلي يتناولونه سويًا وبين "نيره" التى كانت تنعته بالبخل لقاء رفضه لتناول الطعام الجاهز الذى تريده طوال الوقت ، لاحت بسمة خفيفة لإهتمام "مودة" بما يحبه حتى أصبح شاغلها بالأيام الماضية هو تحضيرها للعديد من أنواع الطعام ...

دلف ثلاثتهم لداخل مكتب "رؤوف" حين وضعت "مودة" حقيبة حفظ الطعام جانبًا بينما تعلقت أعين "رؤوف" بها ..

لكن عيون "حمدي" كانت تتردد بين كلًا منهما يرصد رباط خفي بينهما دون أن يلاحظا ذلك ...

دقائق قليلة وكانت "ريم" بالمكتب معهم تتسائل عن أحد قوائم الطلبيات ...

- دكتور "رؤوف" ، كنت عايزة ورق طلبية صيدلية الدكتور شعبان ..

عاد "رؤوف" بجزعه للخلف ليفتح درج مكتبه مجيبًا إياها بتلقائية ..

- ثواني يا قمر ، أهو ، إتفضلي يا جميلة ...

كلمات لطيفة دبت الغيرة بقلب "مودة" الصغير فالكلمات لم تخصها هي فقط بل تنال كل من يتعامل معه لكنها إلتزمت الصمت حتى مغادرة "ريم" ..

فور خروجها بدأت "مودة" حديثها بلطف شديد ...

- ممكن أسألك سؤال ، لو مش حضايقك يعني !!!

إنتبه "رؤوف" لحديثها مردفًا بتقبل شديد ...

- أكيد طبعًا ، إسألي ..

حاولت أن يكون أسلوبها ودود للغاية دون إشعاره بضيقها من الأمر ...

- إنت ليه بتقول كلام حلو لكل الناس ، هو مش المفروض كلامك الحلو ده يبقى لناس معينة بس ...؟!!

لم يدرك أن سؤالها يعني غيرتها لكن "حمدي" إستطاع فهم ذلك بسهولة ليجيبها "رؤوف" بتوضيح وفخر بما يقوم به ...

- بحب أجامل الناس ، مش بحب أقول كلام يزعلهم ، عشان كدة بحب الإسلوب الحلو اللطيف ...

عقبت "مودة" بذكاء ...

- طيب لما تقول لكل الناس الكلام الحلو ده ، أمال إللي بتحبهم بس حتقول لهم إيه ، هو مش لازم يكون للي بتحبهم كلام يخصهم لوحدهم ولا هم زي البقية يعني ؟!! 

إنتبه "رؤوف" لملاحظتها فهي بالتأكيد على حق ، فمن سيختصه بحديث لطيف إذا كان الجميع يتلقى منه معسول حديثه ليجيب بإيمائة شاردة فقد لاحت مقارنة أخري بين طريقة "مودة" اللبقة بإبداء ملاحظتها وطريقة "نيره" الفظة في ذلك فشتان بين طريقة كلًا منهما ...

دق هاتف "رؤوف" برنين من كانت تحتل تفكيره ليردف بهدوء ...

- دي "نيره" ...

وقفت "مودة" لتغادر المكتب تستأذن ببعض التجهم ...

- طب بعد إذنكم ...

خروجها المكفهر جعل "رؤوف" يجيب الإتصال بشرود آخر هائمًا بسبب تضايقها أثناء خروجها ...

- ألو ...

- إزيك يا "رؤوف" ، إيه نسيتني ولا إيه ؟!!

إنتبه "رؤوف" لمحدثته قائلًا ...

- هاه ، لأ طبعًا ، إزيك يا "نيره" ...

أجابته ببعض التعالي والغرور كما ألقنتها "إسراء" ...

- كويسة جدا جدا ، أنا كنت فاكره إنك رنيت عليا عشان كدة بكلمك ...

أجابها بصدق دون إنتباه أنها طريقة لعودة الأمور لنصابها ...

- لأ خالص ، مرنتش عليكِ ...

إمتعضت "نيره" بقوة ثم أكملت ...

- طيب كويس ، معلش يا "رؤوف" حقفل دلوقتِ عشان "محمد" إبن عمتي بيرن عليا ، كل شوية يرن يرن ، مش عارفه عاوز إيه تاني ...

ثم أنهت الإتصال دون إنتظار إجابته ...

- يلا سلام ...

أغلقت الخط بينما أخذ "رؤوف" ينظر لهاتفه بتعجب فماذا كانت تريد "نيره" بتلك المكالمة الغير مفهومة ، ولم يتصل بها إبن عمتها الذى كان يود خطبتها قبل خطبته لها ...

- في مشكلة ولا إيه ؟!!

قالها "حمدي" لينتبه له "رؤوف" واضعًا الهاتف فوق المكتب ..

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

- لا أبدًا الظاهر "نيره" بتحاول تفتح كلام بس بطريقة غريبة ...

لاحت بفكره لوهلة لكن سرعان ما تلاشت ليعود تساؤله لإنسحاب "مودة" بهذا الشكل ...

- هي "مودة" مشيت ليه كدة ؟؟! هي زعلت من حاجة ...؟!!

دنا "حمدي" من مكتب "رؤوف" ليميل تجاهه وهو يستند بمرفقه ناظرًا بوجهه يراقب رد فعله حين تسائل ...

- يعني متعرفش ؟!!

قضب "رؤوف" حاجباه بدون فهم متسائلًا ..

- معرفش إيه ؟!!

ليلقي "حمدي" بقنبلته التى لا يدري عنها "رؤوف" شيئًا ..

- متعرفش إن "مودة" بتحبك ولا إيه ؟؟!!

إتسعت عينا "رؤوف" بتشدق فكيف يعقل ذلك ليستكمل "حمدي" بضيق ...

- دي مش بتحبك بس ، دي مش شايفه غيرك قدامها ، فوق يا "رؤوف" واعرف إنت بتعمل إيه ، البنت كل يوم بتتعلق بيك ، وإنت خاطب ، فكر كويس عشان متخليهاش تتعلق في حبال دايبة ، إنت كلها كام شهر وتتجوز ، إبعدها عنك بلاش تخليها معاك طول الوقت كدة ...

زاغت عينا"رؤوف" بشرود يعيد بداخل عقله كل لقاءاته الماضية التى جمعته بـ"مودة" يتيقن بما يخبره به "حمدي" لتتسع مقلتيه بغير تصديق محدثًا نفسه بصدمة ...

- معقول ، "مودة" ...!!!!!


❈-❈-❈


حي النعماني ( المكتبة) ...

إن كان للنسيان قانون فبالتأكيد هذا لا يشملك ، فأنتِ بالقلب وما يشتهيه وإن عز علينا الإجتماع ...

توجس قلق مرت به "نغم" منذ تصريح "بحر" لها بحبه الذى رفضته تمامًا ، وكيف ستقبل وقلبها مفعم بعشقه لسواه ...

لكنها مع ذلك كانت مضطرة لإستكمال عملها لأجل هذا اليوم ، فاليوم هو بداية الشهر الجديد ، إنه يوم ستقبض به أول راتب لها ...

دلفت لداخل المكتبة فيما تصنع "بحر" الإنشغال حين رأى طيفها يقترب ، كم شوقًا تحطمه بوجودها وعليه التغلب على مشاعره أمامها ، تجنب "بحر" الحديث المباشر معها وإكتفى بالأيام السابقة بترصدها بعينيه يتابعها أينما كانت في غفلة منها لكن حين تنظر إليه يتصنع الإنشغال ...

إقترب منها "بحر" مشتاقًا لقربه وحديثه معها الذى قطع تمامًا منذ إعترافه لها ، سحب نفسًا طويلًا قبل أن يردف ...

- صباح الخير يا "نغم" ، ممكن دقيقة !!!

طلب بمنتهى الهدوء والأدب ما كان لها سوى أن تنصاع له بإيمائة خفيفة ..

- إتفضل ...

أخرج مغلفًا من جيبه وهو يدفع بنفسه للإبتسام محاربًا تعاسته لحجب مشاعره عنها ...

- إتفضلي يا "نغم" ، مرتبك أهو ...

تناست ما حدث بينهم لتتحمس كطفلة صغيرة هاتفه بسعادة ...

- بجد ، أنا حقبض النهاردة ، ياااه دي ماما حتفرح أوي ، أخيرًا حتتفك الأزمة ، شكرًا يا أستاذ "بحر" ، شكرًا جدًا ...

سعادتها المحلقة جعلت إبتسامته تتسع يواكب فرحتها بحديثه ...

- العفو على إيه ، ده مجهودك وتعبك ، وإن شاء الله كل شهر تكوني مبسوطة كدة ساعة القبض ...

ألقت نظرة لداخل المغلف تطالع الأوراق المالية المتراصة بداخله ...

- متتصورش ماما حتفرح قد إيه ، دي يا حبيبتي مش بتنام من كتر الهم ، طول ما هي مستلفة فلوس بتفضل قلقانة لحد ما تردهم ، وأهو خلاص ، إتحلت أهي ، النهاردة حدي لماما الفلوس وبكرة تروح للست "خيرية" تدفع لها الدين ...

نسى نفسه ووعده ليعقب بحالمية ...

- تصدقي وحشتني أوي ضحكتك ...

إستفاقت "نغم" من تلقائيتها التى لا داعي لها لتتلاشى إبتسامتها تدريجيًا متذكره الأمر لتبتلع ريقها بصعوبة وهي تنكس وجهها بخجل قائله ..

- بعد إذنك عندي شغل ...

إتجهت نحو ركنها المفضل الذى تتخذه دومًا للجلوس به تتمنى أن تنشق الأرض وتبلعها من أمام هذا الذى لا يثنيها عن عيناه ، بينما عاد "بحر" للزاوية المقابلة مستكملًا عمله لكن لم يستطع منع نفسه من إستراق النظر نحوها بين الحين والآخر ...


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر ...

إنه اليوم المرتقب لبداية جديدة وربما لنهاية لا تدركها بعد ، ألقت "وعد" نظرة مطولة تجاه فستانها الأبيض الرقيق المصنوع من الحرير الناعم وقد زاد قلقها وإضطراب دقات قلبها المنفعلة فلم يبقى سوى بضع ساعات فقط وتعلن زوجة لـ"محب" ...

ملست برفق لنسيج فستانها الناعم فهي إختارته بهذا اللون خصيصًا لتشعر بأنها عروس وستبدأ حياة مختلفة تمامًا ...

بدلت ملابس "زين" بأخرى منمقة للغاية إستعدادًا لهذا اليوم الغير عادي ولم يبقى سوى أن تبدل ملابسها في الوقت المحدد ...


لم تكن "وعد" هي الوحيدة التى تستعد فقد إنزوى "محب" بغرفته منذ الصباح لم يخرج منها مطلقًا مما أثار حفيظة "عتاب" التى أخذت تستعد لهذا اليوم ...

وقفت خلف باب غرفة "محب" متسائله بشك ...

- "محب" ، يا "محب" ، مالك قافل الباب عليك ليه ؟؟! إوعى تكون حترجع في كلامك !!!

صمت دام لبضع لحظات قبل أن يجيبها صوته الهادئ دون أن يفتح الباب ...

- لأ يا "عتاب" ، أنا حكون جاهز فى المعاد ، سيبيني لوحدي دلوقتِ ...

إمتعضت بفمها بقوة متوجسة من أن يخلوا بها ولا يتزوج من "وعد" كما وعدها ، إتجهت لغرفة والدتها على الفور لتخرج الممرضة المرافقة لها إلى خارج الغرفة ثم جلست إلى جوارها هامسة بمكر ...

- مش حتقومي تشوفي إبنك عريس ، ده خلاص كلها كام ساعة و"محب" يتجوز "وعد" وساعتها هي وإبنها روحهم حتبقى في إيدي ويا تطلع بالورق ، يا تستاهل كل إللي حيجري لها ....

كمن تكلم الصخر تمامًا ، لم تعقب "قسمت" ولم تتحرك قيد أنملة حتى ، بل بقيت على وضعها فقط تنظر نحو "عتاب" نظرة خاوية لتزيدها"عتاب" بشامته ...

- أهو إبنك الحيلة الصغير ، يوم ما حيتجوز حيتجوز مرات أخوه إللي مات ، إبنك خلاص بقى زي العجينة في إيدي وتحت طوعي ، إللي أطلبه منه ينفذه فورًا ، يا ريت تكون مرتاحة ..

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ثم عقبت بضحكة ساخرة ..

- وحتى لو مش مرتاحة ، كفاية أنا مرتاحة ، وحنفذ كل إللي في دماغي وأرجع حقي ...

بخيلاء خرجت من الغرفة وهي متيقنة أنها قد سببت تأزم آخر بحالة والدتها بقهرها على حالة ولديها الذكور أمام "عتاب" ...


❈-❈-❈


فيلا المراقبة ...

أسرع "معتصم" يرتدي السماعات الكبرى ليستمع لأى صوت من مكبرات الصوت التى وضعها "طه" و "عهد" بأذنيهما ثم سحب إحدى النظارات المعظمة ليتابع ما سيفعلانه بالفيلا المقابلة بقلب قلق ...

سارت "عهد" إلى جوار "طه" متصنعة الليونة كزوجة إجتماعية تود التعرف على جيرانها الجدد ، وقفا بباب الفيلا المقابلة يطرقان الباب بإنتظار أن يلبى أحدهم مقابلتهم ...

لحظات قليلة وفُتح الباب لتقف إحدى الفتيات السمراوات بوجه مقتضب قائله ..

- أيوة ..!!

أسرعت "عهد" بود مفاجئ لم يتوقعه "طه" تشير على نفسها ببسمة مزيفة ...

- مساء الخير ، أنا "عهد" جارتكم هنا فى الفيلا إللي قصادكم ، عرفنا إنكم سكنتوا جنبنا جديد قلت لازم نتعرف عليكم ...

أشارت "عهد" تجاه "طه" مستكملة ...

- ده بقى "طه" ، جوزي ، جبته مخصوص معايا ..

شعرت الفتاة ببعض الإضطراب والتوتر لتومئ مجبرة لهم على تقبل زيارتهم المفاجئة تحاول رسم بسمة مختنقة فوق ثغرها مردفة ...

- اه ، أهلًا وسهلًا ...

بقوة لم تمهلها "عهد" فرصة للتفكير دفعت بخطوتها إلى داخل الفيلا ..

- مش حتقولي لنا إتفضلوا ولا إيه ؟!!

عادت الفتاة برأسها للخلف كمن تنظر إلى أحدهم أولًا لتجيبها مضطرة فقد دلفت "عهد" بالفعل إلى الداخل ...

- إتفضلوا ...

كانت تلك إشارة لتحرك "عهد" إلى داخل الفيلا تحاول الإستماع لزميلها "عبد الرحمن" عبر سماعة الأذن خاصتها ...

-( "عهد" إدخلوا شمال المايكات تحت الترابيزة ) ...

خطت "عهد" نحو اليسار يتبعها "طه" منبهرًا بقدرتها على التلون بهذه الطريقة بينما تبعتها الفتاة بإرتباك شديد حتى لا تلاحظ أى شئ غير مألوف ..

جلست "عهد" بإجتماعية مزيفة كمن تنتظر الفتاة تغيب عنها لتحاول تشغيل جهاز التنصت ...

بالفعل دلفت الفتاة نحو الداخل تحذر بقية أفراد الشبكة بوجود غرباء بالخارج ...

- بعد إذنكم راجعه لكم على طول ...

كانت تلك هي فرصة "عهد" لتسقط رأسها أسفل المنضدة لتعيد تشغيل الجهاز بينما وقف "طه" مراقبًا للوضع تحسبًا لعودته الفتاة والتى لم تغيب سوى بضع دقائق كانت هي ما تريده "عهد" لإعادة تشغيل مكبرات الصوت حين هتف "عبد الرحمن" بها ...

- (الله ينور يا حضرة الضابط ، المايكات إشتغلت) ...

ثم أكمل بتوضيح ...

- (فيه كمان مايك عندك ورا الصورة إللي فيها المركب )...

زمت "عهد" فمها جانبيًا فمع حضور الفتاة لن يمكنها التحرك بسهولة لتسعل بقوة ...

- لو سمحتي ممكن شوية مياه ...

أومأت الفتاة بإمتعاض لتنهض مرة أخرى نحو الداخل بينما قفزت "عهد" تجاه الصورة المعلقة على الحائط لتشغيل زر مكبر الصوت ثم عادت لموضعها بخفة ...

عندما عادت الفتاة تحمل كوب الماء كانت "عهد" مستقرة تمامًا بمقعدها لتبدأ حوار سخيف تنهى به تلك الزيارة التى أثارت ضيق الفتاة دون معرفة من هؤلاء المتطفلين لكنها كانت سعيدة بإنتهاء تلك الزيارة بعد حديث تافه قامت به "عهد" عن كونها جارتهم القريبة وتود لو تقوم بزيارتها فيما بعد ...

أغلقت الفتاة الباب من خلف "عهد" و "طه" وهي تزفر بقوة قبل أن تعطي إشارة لمن معها ...

- غاروا ، أمان خلاص ، تعالوا ...

بدأ أفراد الشبكة بالجلوس لتباحث أمر ترتيب أول عمليات الإغتيال فيما إتخذت "عهد" و "طه" طريق عودتهم للفيلا تحت أنظار أحد أفراد الشبكة من جهة و"معتصم" ومن معه من جهة أخرى ...

بعد أن إطمئن الرجل أنهم ما هم إلا جيرانهم بالفعل عاد لبقية زملائه ، بينما لم تكن "عهد" قد دلفت لفيلا المراقبة بعد ، دفعت بـ"طه" تجاه الأشجار لتشير نحو أذنها قائله بوجه ممتعض ..

- إخلع المايك والسماعة ...

رغم إعجابه بها منذ دقائق إلا أن شراستها نحوه أربكته للغاية ، بل شعر ببعض التخوف قربها وهي أيضًا شعرت بضعفه فكيف يمكن أن ينشأ بينهما رابط وهي الجانب الأقوى ...

نزع "طه" سماعة الأذن خاصته وأغلق زر الجهاز الموضوع بجانبه منتظرًا ما ستلقيه عليه تلك الشرسة ...

لكن ما لم يتوقعه هجوم أكبر مما تخيله حتى زعزعت ثباته كرجل قوى فقد ألكمته بقوة تفاجئ بها ليسقط أرضًا على ظهره متألمًا متفاجئًا برد فعلها العنيف ...

- فيه إيه ...؟؟!

أشارت إليه بسبابتها بتهديد وقد تحولت ملامحها اللطيفة لشرر منفعل ...

- حسك عينك بعد كدة تكذب وتقول كلام أنا مقولتهوش ...

إبتلع "طه" ريقه بإضطراب لينهض محاولًا لملمة كرامته التى بعثرت على يديها ...

- أكذب إيه وأقول إيه !!! فيه إيه يا "عهد" إنتِ إتجننتي ولا إيه ؟؟!!

إقتربت منه لتزداد حدتها وشراستها قائله ...

- اه إتجننت ، ممكن بقى تسيب المجنونة وتبعد عن طريقها ، لأن إللي حصل ده مش حيعدي بالساهل ، إنك تشيع إننا مخطوبين وحنتجوز وده كله خيال في دماغك الخايبة دي لوحدك ، يبقى إنت ساعتها محتاج إللي يفوقك ، وأنا بقى إللي حفوقك ...

فهم "طه" الأمر فبالتأكيد أخبرها "معتصم" بذلك ليتسائل بشك ملمحًا ببعض الإتهام ...

- هو إنتِ وحضرة الضابط بينكم إيه بالضبط ؟؟؟!!!! ، إنه يدخل لك الأوضة ويكلمك في موضوع الخطوبة لدرجة إنِك تزعلي أوووي كدة ...!!!!

ليست هي من تقف بموضع إتهام ، وبهذا الشكل المسئ لتقبض بقوة بمقدمة قميصه مزمجرة بوجهه بغضب ...

- لأ ده إنت مش كذاب وبس ، ده إنت لسانك عايز يتقطع بقى ، طب خد النهاية يا "طه" عشان أنا مبيهمنيش ، لو في يوم قلت عليا كلمة أو حتى خيالك المريض ده صورلك غباء من إللي في دماغك حيبقى أخرتك على إيدي ومش هزار ...

أنهت حديثها وهي تحرره من قبضتها وتضرب كتفه بخشونة قبل أن تتركه مذهولًا وتدلف لداخل فيلا المراقبة ...

إستجمع "طه" نفسه لكن ظل سؤال واحد يراوده ، ماذا يجمع بين "عهد" و"معتصم" ليتحدثا بأمر كهذا فيما بينهم ، هل تربطهما علاقة ما لا يدري عنها شيئًا ...

دلف متأخرًا عنها قليلًا لكن تبقى عيناه المترصدة كل شغلها الشاغل من الآن فصاعدًا هي كشف ما يخبئانه هذان الإثنان ...

لم ينتبه "معتصم" وبقية الفريق لما حدث بين "عهد" و "طه" لإنشغالهم بما يتحدث به أفراد الشبكة بالفيلا المقابلة بعد تشغيل مكبرات الصوت ، لكن "معتصم" شعر بالراحة فور خروج "عهد" سالمة من بين هؤلاء المجرمين وإن لم يظهر ذلك ...


❈-❈-❈


شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير (مكتب خالد) ...

قد يلجأ الشيطان لتحقيق مآربة أن يتخذ أنقى الطرق وأطهرها إليك فقط لتسقط في ذلاته وأخطائه وعليه التنكر منك يوم تسأل عن ذلك ...

دلف "فوزي" لمكتب "خالد" يضع قناع المحبة والإستقامة ، تلك الأقنعة الخادعة التى يقع بشراكها الكثيرون خاصة من يتخبطون بأمور الدنيا ...

- أستاذنا ، صباح الخير يا كبير ...

رفع "خالد" عنقه بشموخ يعيد إليه تحيته ...

- صباح الخير يا أستاذ "فوزي" ...

جلس "فوزي" متحير العينين يحاول إيجاد الطريقة المناسبة لعرض ما جاء لأجله ليبدأ بإسلوب ناعم ملتوي ...

- والله يا أستاذنا إللي يشوف مجهودك الجبار ده ميقولش أبدًا إن مرتبك شوية الملاليم دول ، حقيقي مهدور حقك ...

بقناعة شديدة ورضا بقسمة الله له أجابه "خالد" ...

- فضل ونعمة ، كل واحد بياخد رزقة يا أستاذ "فوزي" ...

مال "فوزي" بسلاسة شيطان يوسوس بأذنه بهمس ...

- بس إنت تستحق كتير ، وكتير أوي ، كلنا عندنا ظروف صعبة وعايزين نعديها ، ولادك وبيتك وحياتك ، محتاجين فلوس تعيشك مرتاح في آخر عمرك ، وأنا بقى عندي الحل ...

ضيق "خالد" حاجبية بقوة متسائلًا بدون فهم لمقصد "فوزي" بعد ...

- حل ، حل إيه ؟؟! قصدك إيه يا أستاذ "فوزي" ..؟!!

نهض "فوزي" من جلسته ملتفًا حول المكتب ليهمس بوساوسه بأذن "خالد" حتى لا يستمع إليه أحدهم ولو بالصدفة ...

- مليون جنية ، ويبقوا تحت رجلك من بكرة لو حبيت ، شاور إنت بس ...

إتسعت عينا "خالد" بصدمة هاتفًا بذهول ..

- مليون جنية !!! إنت بتقول إيه ؟!!

أكمل "فوزي" يطرق الحديد وهو ساخن ولا يدع مجالًا للرفض فقد بدأ عرضه المغري ولن يتراجع ...

- "حسين شرف" حيحط مليون جنية تحت إيدك وتظبط له ملف العقد بتاعه مع "عسران" بيه ، إنت مش حتعمل حاجة ، سيبني أنا أظبط الملف وإنت بس توافق عليه ، ها ، قولت إيه ، أظن مليون جنية يحلوا لك مشاكل لا ليها أول ولا آخر ...

حاول "خالد" الإعتراض بشدة لكن "فوزي" لحقه على الفور ليصمته تمامًا ...

- متردش دلوقتِ ، خد وإدي مع نفسك كدة وبكرة الجمعة كمان ويبقى كلامنا يوم السبت ، تمام ، وأنا عارف إنه حيبقى تمام ونعيش كلنا في راحة ، ملهاش لازمة نأزمها في اليومين إللي عايشينهم في الدنيا ، وأكيد إنت محتاج الفلوس دي يا "خالد" باشا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

لم يمهله "فوزي" فرصة القبول أو الرفض بل تركه يهيم بأفكاره عن عرضه لهذا المبلغ الخيالي والتي بالتأكيد يحتاج إليها ، لكنها مازالت رشوة سيحاسب أمام الله عليها قبل القانون ، ليقع "خالد" بشراك تلك الأزمة وحيرة القبول والرفض ...


(الفصل الرابع والعشرون)

تقول الأفعى إن البشر يلعنونني كل يوم ، وكيف لهم أن ينعتوني بذلك على الأقل لم أبتسم بوجههم يومًا ، فلست أنا من أظهر غير ما أبدو فأنا بوضوح لم أجبر أحد على التعرض إلىّ ، كلنا مجبرون على حياة نعيشها ، الخوف من أن يتم الإجبار من ظالم بلا قلب ، أو من سوء الظن ...


إنتصف اليوم وإنتهت منبع الحياة من ترتيب شقتها برفقة "أم مجدي" لتغادر بعدها على الفور متجهه لبيت أختها لزيارة جديدة تريح قلبها وفكرها المنشغل بأختها طوال الوقت ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بروح متفائلة من جديد تنير الحياة بإقبالها عليها تلقى بالعثرات خلف ظهرها ، وصلت "غدير" لبيت "مودة" سعيدة مرة أخرى بإيجاد مفتاح الشقة بحقيبة يدها لتفتح الباب مباشرة قبل أن تدلف لتصدح بقدومها الصاخب ...

- أ "دوداااااا" ، إنتِ فين يا فتاة ، أنا جييت ..

طلت "مودة" برأسها فلم تلبث دقائق فقط منذ أن عادت من الشركة لتهتف مرحبة بأختها ..

- "دورا" ..!! مقولتيش إنك جاية ، تعالي تعالي ...

أغلقت "غدير" الباب من خلفها لتدلف بإرهاق تلقي بنفسها فوق الأريكة بصدر ناهج ...

- تصدقي شكلي عجزت ، الواحد خلاص حيكمل الأربعين ..

فاهت "مودة" بتعجب فهي مازالت صغيرة ولا تقرب حتى من هذا العمر لتردف بمزاح ..

- أربعين إيه يا أختي ؟؟ قصدك أم أربعة وأربعين !!! 

تصنعت "غدير" الإندهاش لتجيب بإشمئزاز ..

- هو إنتِ بوقك ده مبيتقفلش ، على ذكر البوق محضرتيش غدا حلو ولا أبلتك "سامية" مبعتتش أكل مبوظاه تاني ، مش عارفه جعانة ليه ؟!!

جاورت "مودة" أختها لتجيبها بنفي أثار شكوك "غدير" ..

- لأ ، مفيش ، أصل أنا خلصت الأكل إللي عندي عشان أخدته معايا وأكلنا أنا و "رؤوف" ..

إعتدلت "غدير" تحاول فهم مقصد "مودة" ...

- ليه ؟! إنتوا بتاكلوا مع بعض ؟؟!

إضطربت "مودة" فيبدو أنها أخطأت وظهر جليًا توترها وإحتقان وجهها بحمرة مشتعلة لتردف بتلعثم ...

- لأ ، اه ، قصدي عادي يعني ، كنت واخده معايا أكل وأكلنا ، عادي ، عادي خالص ...

تحولت "غدير" بجديتها لشخصية أخرى تمامًا ، تملكها دور الأخت الكبرى التى تخشى على أختها من الأخطاء ..

- "مودة" !! إيه الحكاية ؟!! مالك ومال "رؤوف" ، طريقتك وشكلك مش مريحني ، هو "رؤوف" قالك حاجة أو عمل حاجة غريبة ؟!!

تهمة ستلصق به ويصبح خائن لـ"نيره" وهو لم يفعلها ، بل هي المخطئة وتدرك ذلك ، لتنكس "مودة" رأسها بحرج قائله ...

- لأ يا "غدير" ، هو معملش حاجة ، ولا قالي حاجة ، بالعكس بيعاملني زي أخته ...

قالتها بمرارة علقت بحلقها فهمتها تلك العاشقة من قبلها فيبدو أن أختها ببحور العشق غارقة لتتسع عيناها الواسعتان بفزع ...

- "مودة" ، إوعي تكوني ااااا ...

لم يعد هناك بُد من إخفاء الأمر لتطأطئ "مودة" رأسها مكتسية بإحساسها بالذنب الذى يغرقها تمامًا ..

- والله غصب عني يا "غدير" ، غصب عني ...

أحاطتها "غدير" بذراعيها لتقبع "مودة" بأحضانها تزيح ثقل مشاعرها الحبيسة عن قلبها المرهق ..

- بحبه وعارفه إننا مش لبعض ، بس مش قادرة أمنع نفسي ...

تنهدت "غدير" بقوة قائله ..

- وأنا إللي حطيت البنزين جنب النار وزودتها عليكِ بشغلك معاه ، بس مينفعش يا "مودة" ، "رؤوف" مش خالي وإحنا أخلاقنا مش كدة ...

بندم شديد عقبت "مودة" ...

- والله عارفه ، وأنا مبينتش حاجة ، بس قلبي خاني وحبه ، أعمل إيه !!!!

بتفهم لمشاعر أختها الوليدة أجابتها ...

- مش عارفه ، بس إوعي تسمحي لنفسك مهما كان مؤلم إنك تفرقي بينه وبين "نيره" ، إبعدي يا "مودة" ، إلا الخيانة ، مؤلمة أوي ...

أغمضت "مودة" عيناها بألم فهي تدرك ذلك ، وربما هذا هو ما يضيق صدرها طيلة الوقت ، فعشقها كُتب عليه الموت قبل أن يظهر للنور ...


❈-❈-❈


فيلا المراقبة ...

بعد عودة "طه" و "عهد" إلتزم كلاهما الصمت لتعود "عهد" لموقعها دون الإهتمام بشئ آخر كما لو أنها لم تفعل شيئًا منذ قليل ، كذلك "معتصم" كان يعمل بحرفية شديدة لكن بين الحين والآخر يسترق النظر تجاه تلك الغافلة عنه كما لو أن رؤيتها إلى جواره تصيبه بلذة غريبة وإستمتاع لا حدود له حتى أنه ذات لحظة طال النظر إليها لتعلو عيناه نظرات محبة أدركها "طه" على الفور فقد تحفز للمراقبة لكن هذه المرة هي مراقبة "معتصم" و "عهد" ...

أصوات تخبطت برأسه محدثًا نفسه ...

- ( الظاهر الحكاية جد و الضابط المحترم وقع في ست الحسن والجمال ، وأنا هنا طرطور ) ...

تعمق "طه" ببصره تجاه "عهد" المندمجة بأحد الأجهزة تستمع لحوار أفراد الشبكة وتخطيطهم ليستكمل حديثه لنفسه ...

- ( بقى أنا تبهدليني وتمرمطي بكرامتي الأرض ، عشان هو ضابط كبير وله وزنه إنما أنا آجى إيه جنبه ، ماشي يا "عهد" ، مسيري حردهالك ...) ...

بركان ثائر بداخل نفسه وهو يطالع "معتصم" بغيره وحقد ليس فقط لحصوله على قلب "عهد" بل لأنه ضابط قوي محنك يخترق الصعاب والجميع يوقره ويمجده ...

شرود تام أصابه لم يفق "طه" إلا بصوت "معتصم" الشجي ...

- سامعني يا "طه" ...!!!

إنتبه له "طه" منتفضًا من جلسته ..

- أفندم يا قائد ...

إمتعض وجه "معتصم" لشرود "طه" بوقت صعب كان يجب أن يكون بكامل إنتباهه وإدراكه ليبوخه أمامهم جميعًا كما لو أن الأمر يتحمل التوبيخ أيضًا بنفس "طه" ...

- ما تفوق معايا كدة ، مينفعش الإستهتار ده إحنا مش بنلعب ...

هز رأسه بإرتجاف من قوته مجيبًا إياه بإذعان ..

- تحت أمرك يا قائد ...

عاد "معتصم" حديثه مرة أخرى ...

- سجل لي كل التسجيلات دي مكتوبة بسرعة عشان الوصف والعناوين ...

- تمام يا قائد ...

عاد "طه" لموضعه يستمع للتسجيلات ويدونها بينما أخذ "معتصم" و "حليم" بمراقبة الفيلا بالنظارات المعظمة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


عطارة النجار ...

قيل بالأمثال الشعبية البيت بيت أبونا والأغراب يطردوننا ، لكن هذا المثل لا ينطبق أبدًا على "فخري" وولده ، فالبيت بالفعل بيت والده لكن من يصده عنه ليس بالغريب ...

وقف "فخري" بأعين مقتضبة ووجه مكفهر ينظر لـ"فريد" الذى تجاوز حده وجلس بمكتبه دون إذن منه ، لقد إستغل إنشغاله وسفر "مأمون" ليظن نفسه الآمر الناهي بالوكالة ...

كذلك "فريد" لم يكن بالقوة والثبات لمواجهة والده ومطالبته بأبسط حقوقه وهي مكانته بالوكالة كأخيه تمامًا ، بل طأطأ رأسه بخزي وخنوع فقد فعل إثمًا يستحق اللوم عليه ، نهض "فريد" بإرتباك وهو يرى والده يناظره بغضب ليتلعثم قائلًا ...

- أهلًا ، يا ااا حاج ...

دنا منه "فخري" ينهره بغلظة ..

- إنت إيه إللي مقعدك هنا ؟! مالك إنت ومال الوكالة ..؟!!

إبتلع "فريد" ريقه المتحجر بحلقه وقد سرت برودة بأطرافه تخوفًا من والده ورد فعله العنيف إزاء تخطيه حدوده التى سمح له بها ..

- مفيش يا حاج ، ده أنا كنت باخد بالي من الوكالة وإنتوا غايبين عنها ...

دفعه "فخري" بقسوة من كتفه نحو الأمام ليَظهر بُغضه له ولسلوكه المشابه لوالدته ...

- متشكرين يا أخويا ، لو كنت عاوز خدماتك كنت طلبتها منك ، إتكل على الله ...

ضغينة حملها "فريد" بداخله ليكتفي بضم شفتيه بقوة دون التفوه بكلمة ، ربما لأنه لا يدري كيف يتصرف بذكائه المحدود ليحرك رأسه إيجابًا مرغمًا ...

- ماشي يا حاج ...

أشار "فخري" تجاه الخارج بذراعه الطويل متحدثًا بجفاء ...

- من غير مطرود يلا ، وريني عرض أكتافك ...

لملم كرامته المبعثرة أمام العمال بالوكالة ليخرج على الفور وهو يغمغم بسخط ...

- طيب طيب ، هو إيه أصله ده ، كل الناس يتطردني وتهزقني ، مفيش حد عامل لي قيمة أبدًا ( ليتذكر زوجته فهي الوحيدة التي تسعى لمصلحته ) ، أنا أروح البيت لـ"حنين" هي الوحيدة إللي عايزة مصلحتي ...


إتخذ "فريد" طريق عودته فهو لن يذهب للمخازن الآن فضيق نفسه جعله لا يتحمل البقاء بالعمل بل عليه العودة بعد أن قام والده بطرده من الوكالة ، كلما حاول الوصول لمبتغاه يجد والده أو "مأمون" يغلقون بوجهه كل الطرق ليزداد حنقًا وبغضًا لهم يوم بعد يوم ...

ظل يركل الحصى بأقدامه بضيق فالطريق للبيت ليس ببعيد عن الوكالة ، هبت بعض الرياح الباردة التي تنذر بقدوم ليلة عاصفة ممطرة ليزداد تمسكًا بسترته ليحمي نفسه من هبوب الرياح ، إنتبه لصوت مألوف لمسامعه ينادى بإسمه ليرفع بصره نحو صاحبة هذا الصوت المتسم بالسوقية ليردف بتفاجئ ...

- خالتي "أم حنين" ...!! بتعملي إيه في البرد ده ..؟!!

تقدمت منه إمرأة نحيلة بأواخر العقد السادس من عمرها تحتفي بزوج إبنتها ...

- طالعة أجيب لعمك "السيد" دواء البرد أحسن مبطلش كحة من إمبارح .. وإسم الله عليك جاي منين بدري كدة ...؟!!

أخفى "فريد" سبب عودته مبكرًا متعللًا بسبب كاذب ...

- أصل أنا كمان داخل عليا برد فقلت أروح أرتاح شوية ...

ربتت "أم حنين" بكتفه بغلظة لا تناسب إمرأة بعمرها ..

- وماله يا أخويا ، أهو تشرب لك حاجة دافية ولا البت "حنين" تعملك شوية شوربة ، (مصمصت شفتيها بملامة ثم أكملت ) ، على عيني أسيبك بس الست "صباح" لا بتحب تاكل ولا تشرب من إيد حد غريب ، قال يعني أنا غريبة عنكوا ...

حرك "فريد" رأسه بتفهم فهذا طبع والدته منذ زمن بعيد ليردف ببعض الإعتذار ...

- ما إنتِ عارفة طبعها ..

بتملل أومأت "أم حنين" مصطنعة التفهم ..

- أيوة طبعًا ، عارفة يا أخويا ، عمومًا إبقى قول لـ"حنين" تبقى تيجي تشوف أبوها العيان ده أحسن بقالها كام يوم معدتش علينا ...

- حاضر يا خالتي ...

قالها "فريد" وهو يهم بتركها وإستكمال طريقجه للبيت الذى لم يعد يبعد الكثير خاصة وأن تغير الطقس أصبح مقلق للغاية ...


بعد مرور بعض الوقت كان "فريد" يقف بغرفة المعيشة يدور حول نفسه متعجبًا ...

- الله ، هي "حنين" فين ؟؟! تكون فوق عند أمي ؟!! 

دلف لغرفة أولاده ومازالت الحيرة متعلقة بعينيه وهو يسألهم بإندهاش لغيابها دون أن تطلعه على ذلك ...

- أمكم فين يا ولاد ...؟؟؟

- مش عارفين ، خرجت من بدري ...

كانت تلك إجابة إبنته قبل أن ينتبهوا لصوت ما لتردف إبنته مرة أخرى ...

- الظاهر جت أهي ...

عاد "فريد" لغرفة المعيشة ليجدها "حنين" بالفعل ليتسائل بغرابة ...

- إنتِ كنتِ فين يا "حنين" ؟!! مقولتيش يعني إنك خارجه ...؟؟

ألقت "حنين" وشاحها بإهمال لتجيبه على الفور ...

- حكون فين يعني !! عديت على أمي وأبويا شوية ، إيه فيها حاجة دي ؟؟!!

إستنكار بوقاحة لتتسع عيناه بذهول من كذبها فلولا مقابلته مع والدتها منذ قليل لكان صدقها حقًا ...

زاغت عيناه بحيرة وضعف فهو لن يجادلها ولن يقوى على تعنيفها وإظهار كذبها ليسائل بقلة حيلة ...

- وهم كويسين ؟!!

ربما أراد لنفسه إثبات صدقها فربما ذهبت لبيت والديها حينما غادرت أمها ، لكنه فوجئ بتبجحها بالإجابة لتصمته تمامًا بحدتها ...

- أه ، كويسين ، زي إمبارح وأول ، حيجرى لهم إيه يعني ؟؟!

شك دب بقلبه حين تذكر كلمات أمها منذ قليل حين أخبرته أن "حنين" لم تزورهم منذ عدة أيام ، أشواك مُهدت بطريقه ليرغم على السير فوقها حافي القدمين فهكذا رأى كذبها وتبجحها بذلك أيضًا ، ضاقت نفسه ليدرك أن من كانت وحيدة بدربه تركته يصارع البقاء وحده ، لقد باع كل شئ وإشتراها فالآن تكذب ترى ماذا تخبئ بعد !!!

إبتلع ريقه المتحجر ليستسلم مجبرًا دون الإفصاح عن معرفته بكذبها متخوفًا من رد فعلها ، لتبقى الأفكار تجول برأسه مصورًة له متاهات ومتاهات لسبب كذبها عن سبب خروجها ولمن ذهبت دون علمه ...


❈-❈-❈


المطعم (رشيد) ...

بأعين ماكرة وتلميحات ساخرة وقف "محمد" عاقد الذراعين إلى جوار "رشيد" الذى إنشغل بوضع النقود بماكينة تسجيل الطلبات ثم أردف بتهكم ...

- ده إنت باين عليك الحاجة دعيالك النهاردة ...!!!

رفع "رشيد" زرقاوتيه بإستياء من تهكم "محمد" المستمر متسائلًا ...

- عاوز إيه إنت دلوقتِ ..؟!!

نظر "محمد" نحو الخارج فقد أوشكت الشمس على المغيب وإزداد الأجواء برودة ...

- مع إن الجو شكله ملبش ، بس إنت حظك حلو ..

تملل "رشيد" ليجفل بعيناه بضجر ..

- وأخرتها ، حتقول على طول ولا تروح تشوف شغلك ...

رفع "محمد" كتفيه وأهدلهما بمعني (لا دخل لي) ثم أجابه ...

- ما القمر بتاعك لسه معدي ، إيه ما أخدتش بالك ؟!!

سؤال مستنكرًا يحفز به هذا السئ قرينه الذى هب بإنتفاضة لتشع عيناه بريق يكاد يضئ بالفعل ليردف بقلب متضارب ...

- مين ؟!! "غدير" ..؟!! إمتى وفين ؟!!

قفز "رشيد" خارج المطعم باحثًا عن طيفها الذي إختفى حين لحقه "محمد" قائلًا ...

- ما تهدى كدة ، شكلها راحت لأختها ...

كما لو أن ذلك ناقوس يدب بكيانه ليتحفز لما كان سيقوم به فقد حان الوقت ليسرع راكضًا فلن يتأخر أو يتواني عن رؤيتها حين تغادر ، هذا اللقاء الذي ينتظره منذ لقائهما الأخير ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


"نيره إستور" لمستحضرات التجميل ...

لم تشعر "نيره" بالإرتياح منذ أن أنهت مكالمتها مع "رؤوف" فقد شعرت أنه لا يبالي بالمرة بوجودها ، عادت لرفيقتها بالسؤال فقد ضجرت من علاقتها المضطربة بـ"رؤوف" ... 

- شفتي يا "إسراء" مش عارفه هو بيعمل معايا كده ليه ؟!! حاسه إني مش في دماغه خالص ...

كانت إجابة "إسراء" تبث الشك في نفس "نيره" حين قالت ...

- حقيقي أنا مش فاهمه خطيبك ده بيتصرف كده ليه !!! ده إنسان غريب جدًا ...

لوت "نيره" فمها جانبيًا ثم عقبت ...

- إنتِ شايفه أعمل إيه ...؟!!! 

تفكرت "إسراء" لوهلة ثم أجابت ...

- ما عندكيش غير حل واحد إنتِ لازم تضغطي على أهله علشان تشتروا العفش وتنجزي الجوازة دي ...

لمعت عينا "نيره" ببريق متوهج فقد أُعجبت بتلك الفكرة تمامًا لتومئ بإستحسان أفكار "إسراء" اللامعة ...

- إنتِ مفيش منك ، هو ده بالظبط إللي المفروض أعمله ، أنا لازم أكلم طنط "منار" و أشتكي لها من "رؤوف" هم حيعرفوا يضغطوا عليه كويس ، (مالت بطرف عينيها بزهو ثم أكملت) ، عشان يبقى يعرف يتقل عليا إزاي ..

لم تتوانى "نيره" عن الإتصال بوالدة "رؤوف" على الفور فهي تدرك تمامًا انها ستحثه على حل الامر معها ..

- مساء الخير يا طنط أنا عارفه إن حضرتك مشغولة بس كان لازم أكلمك ضروري ...

توجست "منار" من مكالمة "نيره" خاصة وهي تتحدث بتلك النبرة الجادة للغاية ...

- خير يا حبيبتي هو في مشكلة ولا إيه ؟!!!

وجدتها "نيره" فرصة عظيمة لإظهار قلة حيلتها و إنكسارها من "رؤوف" لتُشعِچل حميه "منار" للسعي لانهاء الأزمة بينهم ...

تحدثت "نيره" بنبره يغلبها الإنهزام ...

- الصراحة يا طنط أنا مارضيتش أكلم حضرتك إلا لما لقيت نفسي مش عارفه أتصرف مع "رؤوف" ...

تجهمت "منار" بقوه ثم تساءلت تستفهم عما حدث بينهم...

- ما اعرفش إن في بينكم مشكلة ، إيه الحكاية يا "نيره" ..؟؟!!

أجابتها "نيره" دون إبطاء أو تلميح بل بثت شكواها مباشرة لوالدته كما لو كان طفل صغير تخبر أمه عن أخطائه ...

- "رؤوف" تاعبني جدًا في التعامل معاه ، خصوصًا طريقته الناعمة في الكلام مع البنات لما باجي أكلمه هو إللي بيزعل مني ، ده حتى العفش ما نقيناش منه حاجة ، أنا حاسه إنه بدأ يتهرب مني وأنا مش عارفه أعمل معاه إيه ، قلت أكلم حضرتك تعرفي تتصرفي معاه بدل ما أقول لبابا أو ماما والمشكلة تكبر أكتر ...

بتفهم شديد إنصاعت "منار" لشكوى "نيره" لتجيبها بحزم ...

- ما تقلقيش يا "نيرو" أنا حكلم عمك "خالد" و"رؤوف" وإن شاء الله الموضوع ده حيتحل بسرعة ...

بسمة منتصرة علت ثغرها وهي تطالع "إسراء" بخيلاء ...

- تمام يا طنط أنا في إنتظار رد حضرتك ...

بدعوتها الكريمة عقبت "منار" تخفف من حدة حديثهما ...

- طيب إيه بقى ، مش حتيجي نتغدي مع بعض بكرة ، ده بكرة الجمعة وكلنا بنتجمع ...

بدبلوماسية رفضت "نيره" دعوتها قائله ...

- معلش يا طنط خليها مرة تانية ...

- زي ما تحبي حبيبتي ، بلغي سلامي لباباكي ومامتك ...

أنهت "نيره" إتصالها بـ"منار" وهي تنتفض بحماس شديد مع صديقتها "إسراء" التي شاركتها حماسها بصياح مبتهج بينما جلست "منار" بضيق شديد تفكر في الأمر وكيف ستعرضه على زوجها الذي كان بالصباح يفكر بإحباط في إيجاد المال لإتمام زيجة "رؤوف" و"نيره" ...


❈-❈-❈


صاحب الأمل حالم وصاحب الهدف سباق ، هكذا كان "رشيد" الذي يسعى خلف هدف بقوة ومثابرة كما لو كانت آخر فرصة بحياته 

عاد "رشيد" في عجالة مترقبًا منتظرًا نهاية زيارة "غدير" لأختها فلن يترك هدفه اليوم ، ملس برفق على جيب سترته فوق موضع كتلة ما ، وقد لاحت بسمة جانبية بوجهه الدائري متخيلًا لقائه القادم بمعشوقة قلبه ..

- أنا عارف إنك النهاردة مش حتقدري تقوليلي لأ ، عارف إنك بتحبيني ولا يمكن تبعدي عني ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

غرور أم جنون أو ربما ثقة لا حدود لها لكنه لا يعلم أنه كل أخطائها التى نسيتها فكيف ستعود لمكانة سَقْطتُ من أعلى قمتها لأسفل غياهبها ، كيف ستُعيد حبً إنمحى ، أو ربما هي أمنية ومن يقدر على إقصاء الأماني ...


❈-❈-❈


فيلا المراقبة ...

إنصات تام وتركيز من فولاذ لهذا القائد الذكي ، لحظات ودقائق وساعات طوال مرت بهم يستمعون لتخطيط هذه الشبكة الإرهابية حتى إنتهوا تمامًا ليستدير "معتصم" لمجموعته المنتقاة من أفضل العناصر بالجهاز قائلًا بحزم ...

- إحنا لازم نتقسم فريقين ، فريق حيكمل هنا ويراقب الفيلا دي ويرصد أى جديد ، وأنا حبعت لكم فرقة دعم لأن واضح إن الموضوع كبير ...

نظر بأعين براقة متقدة الذكاء تجاه "طه" والذى بدأ رحلته معه بإسلوب خاطئ تمامًا ليضعه بمهمة أدنى من قدراته تمامًا آمرًا إياه ...

- "طه" حيسجل أى جديد ويبلغنا أول بأول ( ثم إلتفت تجاه "عبد الرحمن" مستكملًا) ، "عبد الرحمن" حيراقب الفيلا مع أفراد الدعم ، و"حليم" حييجي معايا ، (لم تبقى سوى تلك المنصتة بترقب وجدية ليُكمل ) ، و "عهد" حتكوني معايا ومع "حليم" ...

مجرد إختياره لها سبب لـ"طه" مشاعر مختلطة بين الغضب و الغيرة فهو يدرك سبب إصطحابه لها ليناظر "معتصم" بأعين يملؤها الإنفعال برغم هدوئه وصمته إذعانًا لتنفيذ الأمر ...

أخفى "طه" وجهه ومشاعره عنهما لكن ذلك لم يطفئ من ثورته شيئًا ، بينما بدقة متناهية رفع "معتصم" هاتفه محدثًا "عمر" لتنسيق الأمر معه ...

- أيوة يا "عمر" ، أول هدف لاجئ سياسي ساكن في إسكندرية ومعاد للتنفيذ بعد بكرة ...

بتعاون تام أردف "عمر"...

- تمام ، حبعت لك فرقة دعم عندك فى الكمباوند وفيه فريق حيكون تحت أمرك في إسكندرية ، إنت حتطلع إمتى ؟!!

تطلع "معتصم" بساعته التي تخطت التاسعة مجيبًا بدقة وتحديد ...

- حنطلع الفجر ونوصل إسكندرية بكره الصبح نطلع على العنوان ننقل اللاجئ لمكان آمن ونقبض عليهم متلبسين بعد بكرة لما يقوموا بالعملية ...

أشاد "عمر" بترتيبه المنسق ...

- حلو جدًا ، وأنا حدي أمر بقوات الشرطة تكون معاك في نفس الوقت تراقب المكان وتأمنه أول ما توصل إسكندرية ...

- تمام ...

نظر "معتصم" لفريقه بعد أن إنتهى من مكالمته مع "عمر" معطيًا آخر الإرشادات ...

- حنفضل متابعين الفيلا ومراقبينهم كويس ولو حد عاوز يرتاح يطلع الغرف إللي فوق ...

أجابوا جميعًا بالنفي ..

- معاك يا قائد ، مش محتاجين راحة ...

بإيمائة خفيفة أجابهم "معتصم" ليستكمل إتصالاته بترتيب كيفية نقل هذا اللاجئ السياسي بأمان وسلاسة بينما إنشغل البقية كل بموضعه تحسبًا لأي جديد رغم الصمت التام الذى عم أرجاء الفيلا المقابلة ...


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر ...

بقلب مرتجف وجسد متيبس هبطت "وعد" الدرج بموعدها المحدد في التاسعة مساءً لعقد قرآنها بـ"محب" ، إصطحبت معها سندها الصغير الذى لو طُلب منها أن تضحي بحياتها فدائه لفعلت ...

خطوات مترددة حتى وصلت شقة "محفوظ" دلفت بهدوء لتطالع تلك الأعين التى تعلقت بحضورها فبين سوداوتين مخيفتين لنفسها رغم تلك الإبتسامة المزيفة التى إعتلت ثغر "عتاب" وهي تهتف بها ...

- أهلًا يا عروسة ...

وبين هذا الغريب ودفتره المفتوح ليعقد زواجها من "محب" الذى وقف من خلفهما يطالعها بنظرات مختلفة تمامًا ، إرتدى حُلة سوداء زادته وسامة وقميص أبيض ناصع ليشع وميضًا براقًا خاطفًا للأعين ، لم تراه بمثل تلك الوسامة من قبل كما لو أن بعينيه بريق حياة جديد على ملامحه ، وقف "محب" بصمت تام متهدج الأنفاس يطالع حوريته الناعمة بثوبها الأبيض الحريري كملاك سقط من السماء فمن ينكر جمالها الساحر الذى يسلب العقول والعيون قبل القلوب ...

تعلقت عسليتاه بها لتحاول إبتسامة سعيدة الظهور بشكل متقطع فوق شفتيه أهو سعيد لهذا الحد ، حتى نظراته إليها غير معتادة منه ومن "عاطف" قبله ...

إبتلعت ريقها بتوتر وهي تخفض عيناها بخجل أثناء تقدمها نحوهم لتجلس بالمقعد المجاور لهذا الشيخ ...

نهضت "عتاب" تسحب "زين" من كفه قائله ...

- تعالي يا "زين" أقعد مع بنات عمتك ..

تشبثت "وعد" به بقوة كمن يقتلع منها روحها وإتسعت عيناها بفزع ...

- لأ ، خليه معايا ...

رمقتها "عتاب" بقوة تنهرها عن أفعالها الغريبة ...

- فيه إيه ؟!! حيقعد مع بناتي النهاردة ، ميصحش يا ... عروسة ...

قالتها وهي تضغط حروف كلمتها الأخيرة تفرض بها رأيها ببقاء "زين" برفقتهم الليلة ، على الفور أسرعت "وعد" بالنفي بحركة رأسها المتكررة ..

- لأ لأ ... خليه معايا ..

سحبت "عتاب" نفسًا قويًا فيبدو أنها لن تلين بسهولة وعليها إرغامها على ذلك لكن صوت "محب" الحازم كان فارقًا بينهما ...

- لأ يا "عتاب" خلي "زين" معانا ، أنا عاوزه معانا ...

رغم رفضها أن يتخذ "محب" أى قرار دون الرجوع إليها إلا أنها تغاضت عن ذلك دون تعقيب ...

رفعت "وعد" عيناها بإمتنان تجاهه لكنها فوجئت به يحرك شفتيه دون إصدار صوت مسموع لكنها قرأت شفتيه جيدًا ، فبدون أن ينطق لفُظ بها "بحبك" ، لتتعالى دقات قلبها بقوة تحاول السيطرة على تلك الإبتسامة التى شقت قلبها قبل شفتيها لتستمع بإنصات لعقد قرآنها وإعلانهما زوجًا وزوجة ...

أنهى الشيخ مهمته ليغادر تاركًا الأهل يسعدون بهذه الليلة لكن ما فعلته "وعد" هو التوتر فقط حين دنا منها "محب" قائلًا وهو يحمل "زين" بين زراعيه ..

- يلا نطلع يا "وعد" ...

كأمر مباشر لها إستدارت نحو الخارج فيما عقب أثناء مغادرتهم ...

- تصبحي على خير يا "عتاب" ...

لم ينتظر منها إجابة بل رافق زوجته وإبنها لشقتهم حيث بداية حياة جديدة حتى لو كانت بالإجبار ...


❈-❈-❈


شقة مودة ...

لم تكن تلك الزيارة خفيفة الظل كغيرها لكن على الأقل إستطاعت "مودة" إلقاء حمول قلبها على أختها أخيرًا ولم يعد هناك ما بداخلها ما تخفيه عن أختها بعد الآن ...

وضعت "مودة" بعض التسالي لتتناولها مع أختها لتسألها بداعي الإطمئنان لا أكثر ..

- شوفتي "رشيد" تاني ...؟!!

حركت "غدير" رأسها بنفي ثم أجابتها ...

- لأ خالص ، الحمد لله ، يمكن إتقابلنا صدفة ...

- ممكن ...

أصوات رعد صدحت بالخارج لتنتبه لها "غدير" بتفاجئ ...

- يا أختيي ، شكلها حتمطر ، حروح أزاي أنا دلوقتِ ..؟!!

نظرت "مودة" بسرعة من النافذة موضحة بسعادة ...

- دي بتمطر فعلًا ، الله ، الجو ريحته تحفة ...

عقصت "غدير" أنفها بغيظ مازح ...

- تحفة إيه يا تحفة إنتِ ، بقولك حروح إزاي ، مش حعرف أمشي في الشارع في الجو ده ، الأزمة حترجع تاني ...

إلتفت لها "مودة" بإنتباه ..

- أه صحيح ، الأزمة ...

ليس الإختيار الصحيح هو أن تختار ما تحب ، بل أن تكون أنت أول الإختيار والإهتمام ، دون أن تفكر وجدت "غدير" هاتفها يدق برقم "عيسى" لتجيبه دون تأخير ...

- "إيسووووو" ...

قابلها بنبرة حانية للغاية فهي الأولى والأخيرة بقلبه وفكره ..

- حبيبتي ، بقولك إيه ، أنا جاي أخدك ، بلاش تنزلي فى الجو ده وتركبي تاكسي ...

أهناك عشق يفوق عشقها له ، بل ربما عشقه يفوق ، لكن ذلك لا يهم فكلاهما عاشق متيم دون مقارنة من الأكثر عشقًا ، ذابت بهذا الفارس المقدام معقبة ...

- أحبيبي يا "إيسوووو" ، خلاص ، حستناك على أول الشارع ..

رفض "عيسى" ذلك تمامًا ...

- لأ لأ خليكِ الجو برد ، أنا حاجي عند البيت ...

بروح مشاكسة رددت تلك العفوية بإصرار ...

- لأ لأ ، خالي "منير" قالي عاوزني ، حعدي عليه بسرعة ما إنت عارف بيته على أول الشارع ، وحنزل أقف على باب بيته ، مش حروح هنا ولا هنا ...

- خلاص ماشي ...

قالها "عيسى" مجبرًا لتيسير الأمر على "غدير" حتى لا تصاب بأزمة تنفسية أخرى ...

ضيقت "مودة" حاجبيها بتساؤل بعد أن أنهت مكالمتها مع "عيسى" ...

- خالو "منير" ...!! هو خالو كلمك أصلًا ...؟!!

رفعت "غدير" حاجبيها تحركهما بمشاكسة ...

- لأ ، أنا حجيب حجازية من الحلواني إللي على أول الشارع الأول وأنا مروحه ، نفسي فيها أوى ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ضحكت "مودة" على أختها خفيفة الظل ، تحضرت "غدير" إستعدادًا للمغادرة فالوقت المتبقى لمرور "عيسى" بالكاد يكفي شرائها لحلواها أولًا ...


❈-❈-❈


حي النعماني (المكتبة) ...

محلقة أنتِ كنجمة بعيدة المنال أري حُسنك ولا يمكنني الوصول إليكِ ، حال تعس وكسرة قلب لهذا الغارق ببحر هواها ...

تطلع "بحر" بشرود بتلك المستغرقة بمحادثتها يستمع لنغمات أنشودة صوتها التى يفتقدها ...

- خلاص يعني ، أطلع من المكتبة ، أصل الجو صعب أوي ...

لتؤكد أختها عليها بقُربها منها ..

- أيوة ، يلا ، أنا قربت من المكتبة أهو ، متنسيش بس تلفي الشال عليكِ أحسن المطره شديدة ..

سحبت "نغم" شالها الصوفي لتلفه حول رأسها وعنقها أثناء إستكمال مكالمتها ...

- أه خلاص أهو ، بلبسه ، أنا طالعه لك على طول ...

أنهت محادثتها وهي تحكم وضع شالها لتمنع البرودة من التوغل بجسدها مغادرة المكتبة تحت أعين "بحر" الصامتة ...

- أنا مروحة ، سلام ...

خرجت بعجالة حتى أنها لم تنتظر سماعها رد تحيتها منه ليرددها بصوت خافت للغاية ...

- سلام يا حبيبي ...

تشدقت عينا "بحر" مقتربًا من مدخل المكتبة يناظر مجئ "شجن" لمرافقة أختها لتعودا للمنزل ...

تقدمت "شجن" من أختها لتحاوطها بمظلتها التى تحميها من الأمطار الغزيرة التى أخذت بالتساقط بقوة لتلاحظ هذا الهائم من خلفهم يناظر أختها قبل رحيلهم ...

تمنت بتلك اللحظة أن تزال الغشاوة عن أعين أختها تجاه هذا العاشق وتتناسى أمر "مأمون" الذى لا يناسبها البته ، بل هي ذات تفكير سطحي تري موقفه من أمه تجاههم لنوع من البطولة لا أكثر ، إنها متوهمة بعشق ليس له وجود ...

بترابط وحميمية تشبثت "نغم" بذراع أختها تحتمي بمظلتها وهي تتمسك بشالها الدافئ ...

- يلا بسرعة أحسن الدنيا برد أوي يا "شجن" ...

- يلا ، البيت مش بعيد أهو ، نسرع شوية حنبقى هناك ...

ظل يناظرهم حتى غابتا عن عيناه تمامًا ليدلف لداخل المكتبة يطمئن بأن كل شئ بموضعه فعليه الآن إطفاء الإضاءة وإنهاء يوم عمل بالمكتبة بإغلاقها ...

تحرك هنا وهناك ليلاحظ شئ أسود لامع فوق المقعد الذى تتخذه "نغم" ملاذ لها بعيدًا عنه ليقترب أكثر وتتسع عيناه إندهاشًا قائلًا ...

- دي شنطة "نغم" ..!!! الظاهر نسيتها ...

تفكر "بحر" قليلًا ليستأنف ..

- الله ، دي أكيد فيها فلوس القبض إللي أنا إديتهولها ، طيب ووالدتها إللي محتاجة الفلوس وبكرة الجمعة أجازة ...

زاغت عيناه بحيرة متفكرًا بأن عليه إعطائها إياها ، ولا ضرر من المرور ببيتهم فهو يدركه جيدًا لإعطائها حقيبتها فبالتأكيد ستكون قلقة للغاية وهم بحاجة للمال لسد دين والدتها كما أخبرته بالصباح ...

حمل الحقيبة بين يديه مغلقًا المكتبة تمامًا عاقد العزم بالذهاب لبيت النجار لأول مرة للقاء "نغم" لقاء إضطراري لكنه ضروري للغاية ...


❈-❈-❈


وقفت "غدير" تحتمي من الأمطار بمتجر الحلويات الذى يقع بأول شارعهم بعد أن إبتاعت حلواها المفضلة لتنظر بساعتها فبالتأكيد "عيسى" قد إقترب للغاية لتخطو خطواتها الحريصة بين بقع الأمطار التى إنتشرت بالطريق لتفاجئ بصوت مألوف ، صوت قابض للنفس يحدثها هي لا غيرها ...

- وحشتيني يا "ريري" ...

رفعت عيناها بإشمئزاز من الصوت وصاحبه وهذا الإسم المغثي للنفس لتردف بوجه معقود ..

- "ريري" ..!!! 

أرادت أن تزيح هذا المتطفل عنها لتزجه بذراعها مستكملة طريقها ...

- وسع كدة ، مش ناقصة تناحة ...

إلتف "رشيد" ليواجهها مرة أخرى ويقطع عليها طريقها بنظرات هائمة مستفزة للغاية كما لو كانت مشهد من فيلم ما ..

- كدة برضه ، وأهون عليكِ تسيبيني وتمشي ...

إتسعت عيناها الواسعتان بتعجب من هذا المستفز فلم لا يفهم أن طريقيهما قد إختلفا تمامًا ولم يعد للقائهما سبيل ، لتنهره بقوة وهي تنفعل محقرة منه ..

- يا أخي إنت البعيد بارد ، ما قلت لك خلاص ، أنا مبطيقكش ، ولا عايزة أشوف خلقتك السِمحه دي تاني ، أنا ست متجوزه ، وبحب جوزي ، إفهم يا أبو مخ مقفول ...

أكمل "رشيد" بإستماته دون تردد كما لو أنه يقوم بمشهد تمثيلي بارع بأحد الأفلام ، دون أن يفكر بحديثها ورفضها المستمر ..

- بس أنا بحبك ...

ضحكت "غدير" ساخرة من الغبي الذى يتسم بالبرود فكيف ظنت يومًا أنها تحب هذا الكريه ...

- إنت مجنون يا إبني ، بقولك إيه أنا مش ناقصة غباء ، إبعد عن طريقي أحسن لك ...

مدت ذراعها مرة أخرى تبعده عن طريقها فعليها التقدم قليلًا فهي تقف بمنتصف الطريق وقد تبللت تمامًا بمياه الأمطار ، لكنه تشبث بكفها بقوة ليثني ركبتيه جاثيًا أرضًا فوق إحداهما رافعًا الأخري دون ترك كفها الذى حاولت جذبه من قبضته دون جدوى ...

أخرج الكتلة الصغيرة من جيب سترته مقدمًا إياها لها ، كانت علبة من القطيفة بلون أرجواني قبيح موضوع بها خاتم براق يبدو أنه باهظ الثمن ، إنحني "رشيد" يُقبّل كفها الذى حاولت جذبه بقوة دون المقدرة على سحبه من كفه المتمسك بها ...

- "غدير" ، تتجوزيني ، سيبك من جوزك ده وتعالي نرجع سوا ، أنا بحبك وإنتِ بتحبيني ، بلاش تموتينا بالشكل ده ...

وقفت للحظة بذهول من معدوم التفكير والإحساس هذا ، صدمة تصرفه الغريب جعلها متيبسة للحظة تحتار بشدة كيف تتصرف معه ...


إنشغالها بهذا الحقير لم يجعلها تنتبه لتلك السيارة التى توقفت بتقاطع الطريق المقابل لهم مشاهدًا هذا المشهد الهزلي ...

توقف "عيسى" كما إتفق مع "غدير" ليشاهد مشهد سحب روحه وتوقف الهواء برئتيه حين رأى زوجته مع آخر يمسك بيدها ويقبلها جاثيًا فوق إحدي ركبتيه لا يدري ماذا يفعل لكنه قريب منها بشكل مريب ، مشهد أشعل النيران بقلبه غيره وغضبًا ليهتف بصدمة ...

- "غدير"....!!!! 

نظرات متألمة مصدومة منفعلة كاد يترك السيارة ويذهب إليهما يحطم كلاهما بقبضته ، لكنه ليس عليه أن يكون بهذه الحماقة ، لن يدع الظنون تعبث برأسه فعليه فهم الأمور أولًا ، عليه التحقق من الأمر قبل إصدار الإدانة ...

زاد من سرعة السيارة مبتعدًا لكن بداخله نيران تنهش بقلبه وروحه ، فمن يكون هذا الرجل ولم هي مستسلمة له بهذا الشكل ، لم تقف مع سواه ، أهي خائنة أم أنها الظنون ...

لكنه قرر الإلتفاف مرة أخرى وإجبار نفسه على الهدوء لمعرفة الأمر والتيقن منه أولًا ...


سحبت "غدير" كفها عنوة من هذا المعتوه لترفع حقيبتها بقوة وتنهال بها على رأس غريب الأطوار هذا صارخة بإنفعال ...

- إنت الظاهر دماغك ضربت ، بقولك إيه يلا ، لو مبعدتش عن طريقي وربنا حفتح دماغك ...

كانت تقصدها قولًا وفعلًا لتضربه عدة مرات فوق رأسه المستدير بحقيبتها الثقيلة ليضع كفه فوق رأسه متألمًا وهو يستقيم متأوهًا ...

- أي ، أي ، بالراحة يا "غدير" ...

لم تأخذها شفقة بهذا المعتوه لتستكمل كما لو أنها ستركض خلفه تستكمل ضرباتها له ...

- إمشي من قدامي أحسن حغير ملامح وشك وأخلي أمك متعرفكش يا إبن أمك ...

لحظة ماكره حاول فيها "رشيد" تهدئة "غدير" ليمسك بالحقيبة قبل أن تضربه مرة أخرى ، لكنه وضع علبة الخاتم بداخلها دون أن تشعر ليردف بأنفاس متقطعة ..

- خلاص ، خلاص ، إهدي بس ...

بأعين تتقد شررًا حدجته بقوة وهي ترفع من حقيبتها مرة أخرى تهديدًا له بضربه إن لم يتنحى عن طريقها ...

- ولاااا ، إتجنبني ياااض ، أنا مش ناقصة هبل *** على المسا ، أنا مجنونة وعندي إستعداد أرقدك دلوقت ...

أومئ "رشيد" بقلق من رد فعلها العنيف ليبتعد متراجعًا للخلف وهو يرفع بكفيه لتتوقف ...

- طيب ، طيب ، أنا ماشي أهو ...

رحل تمامًا من أمامها لتستعيد أنفاسها المنفعلة وهي تهندم ملابسها التى إبتلت بفعل الأمطار تحاول الوصول للهدوء الذى كانت عليه لتتذكر مظهره أثناء ضربها له وتبتسم لقوتها وقدرتها على إيقافه عند حده ، لكنها فجأة تذكرت مجئ "عيسى" ورفعت رأسها تجاه الطريق لتتنفس الصعداء فلم يأتي بعد ...

تقدمت نحو مكان تلاقيهم لإنتظاره والتظاهر بأن شيئًا لم يكن رغم إعتدادها بقوتها فقد تغلبت على "رشيد" ولم يعد يمثل لها أى قلق أو تهديد فهي قوية وإستطاعت ذلك بمفردها ، هكذا ظنت لكن الظن لا يأمن المكر ، فإن ظنت قدرتها على تجنب شره فإن بعض الظن إثم ...


عاد "عيسى" كما لو أنه لم يأت من قبل ليتوقف بالسيارة بنفس الموضع لكن هذه المرة وجد "غدير" في إنتظاره ...

لم يستطع مقابلتها بحنان وحفاوة ككل مرة لكنه كان يناظرها بتفرس يريد إستباط كل الحقيقة وليس الظنون ...

- واقفه بقالك كتير ...

أجابته بعفوية وشقاوة ...

- لسه جاية يا روح الروح ...

بحنكة شديدة فقد طغي عليه شخصية المحامي البارع تسائل "عيسى" دون إبداء قلق أو إهتمام بل كان كأنه مجرد سؤال عابر ...

- إحكيلي بقى ، شوفتي مين بقى النهاردة وعملتي إيه ؟!!

أخذت تقص عليه أحداث يومها المتفرقة كلها بإستثاء أمر واحد فقط "رشيد" فقد ظنت أنها إنتهت من الأمر تمامًا بإخافته منذ قليل فلا داعي لبث الضيق والشك بنفس "عيسى" ، ويا ليتها فعلت لكانت رحمته ورحمت نفسها من أسئلة تخبطت بنفسه فلم لم تخبره عن هذا الشخص ؟!! لم تخفي رؤيتها له ؟؟! هل هو أمر تخفيه عنه ؟؟! ليبقى سؤال وسوس له الشيطان به وأوقعه بالظن ، هل تخونه ؟!! هل لها علاقة بهذا الشخص الذى تخفيه ولم تخبره عنه !!!

أسئلة عدة لاحت بعيناه قبل عقله وهو يناظرها بأعين متشككة لم تنتبه لها تلك الغافلة التى تثرثر بأحاديث لا تنقطع حتى وصلا البيت ...

غفلتها لم تنبهها بأن "عيسى" كان صامتً شاردًا بشكل مقلق ، صعدا لشقتهما مباشرة فـ"عيسى" لم يتحمل أن يُظهر هدوءًا لا يتحلى به أمام والديه ...


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد ومحب) ...

منذ دقائق قليلة خلد الصغير للنوم وإنتهى شعور الأمومة والمسؤولية ويبقى إحساسها الجارف بالقلق والإضطراب ، هي ليست معتادة على التغيير بل كانت تنشد البقاء والثبات ، تعشق الروتينية والرتابة لم تتمنى يومًا أكثر من إحساسها بالأمان والإستقرار ...

لكنها تقف بعتبة حياة جديدة غامضة تمامًا لاتدري إن كانت مثل سابقتها أم إنها بوابة العبور لجسر الأمان والطمأنينة ...

خرجت "وعد" من غرفة "زين" بعد إطمئنانها لخلودة للنوم ليتسرب لجسدها إحساس بالبرودة ، هل هو لتغير الطقس لهذه الأجواء الباردة أم لما هي مقبلة عليه ...؟!!! 

بتفكير مقارن بما إعتادت عليه حياتها مع "عاطف" الذى كان يعاملها ببرود ولا مبالاة كانت تتوقع أن يكون "محب" جالسًا بغرفة المعيشة يقضي وقته بما يشغله عنها لكنها فوجئت به يقف أمامها مباشرة ومازالت تلك النظرة الغريبة تملئ عسليتيه المسلطتين نحوها ...

حاولت الهدوء والإبتسام بينما زاد إحساسها بالبرودة والإرتجاف والذى بدأ يتلاشي تدريجيًا مع نبرة صوته الدافئة حين بدأ حديثه ...

- تعرفي إنِك النهاردة حلوة أوي ، كنت دايمًا شايفك جميلة لكن النهاردة بالذات حاسس إني شايف واحدة تانية قصادي ، حاسس إني قادر أمتع عيني بيكِ من غير ذنب ...

كانت ستنكس رأسها كما إعتادت حين تخجل ليلحقها "محب" ليرفع رأسها بأصابعه التى وضعها أسفل ذقنها مردفًا يذّكرها ...

- مش قولت لك عايز دايمًا راسك فوق ، مش عايزك تنزلي راسك تاني ...

رفعت خضراوتيها تجاهه تحاول فهمه جيدًا هل هو بالفعل يحبها ، لكن متى وكيف حدث ذلك ، العشق لا يكون بين ليلة وضحاها لتجيبه بتوجس ...

- بالراحة عليا يا "محب" ، أنا مش عارفه إمتى وإزاى حبتني كدة ..!!!

حالم رومانسي أم كاذب ماهر ، هكذا تطلعت نحوه ليجيبها بدون توضيح ...

- هو الحب فيه إمتى وإزاى ، أنا بحبك حقيقي يا "وعد" ، عايزك تفكري من النهاردة وبس ، عايزك تنسي كل إللي فات ، ونبدأ حياة جديدة مع بعض ...

ما تفوه به هو كل ما تحلم به فقط لتردف بتمني ...

- يا ريت يا "محب" ، يا ريت أنسى إللي فات وأعيش مبسوطة أنا وإبني ...

ضيق حاجباه بعتاب مستكملًا بصوته الحالم ..

- وأنا ...؟؟! مش معاكِ ولا إيه ؟!!

إبتسمت بخفة لتومئ بالإيجاب ...

- معايا .. 

لاحت عيناه تتفحص تفاصيل وجهها وشعرها المنسدل بنعومة لتصرخ عيناه عشقًا ألقت له "وعد" دروع حمايتها لتترك لقلبها العنان بتصديقه فعشق العيون لا يكذب ...

ومنذ تلك اللحظة ستُحسن الظن به وتصدق عشقه الحالم بها فهذا ما كانت تتمناه يومًا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


بيت المستشار خالد دويدار ...

بعض الهدوء يدفع ثمنها من سنوات العمر ، فزخم الأفكار يتبعها فهم ثم تعود حتى تصبح الطباع واحدة ، ستدرك مع مرور العمر أنك تدرك رد الفعل قبل القيام بالفعل من الأساس ...

هكذا كانت "منار" تدرك تمامًا ما سيفكر به "خالد" وما سيضغطه من هم حين تخبره بما حل بين "رؤوف" و "نيره" ...

وضعت كوبان من الشاي فوق المنضدة وهي تجلس بحيرة دون التفوه بشئ ليقابلها زوجها الذى كان كظهر العملة تمامًا مباغتًا إياها بسؤال مفاجئ ...

- مخبيه إيه يا "منار" ..!!! 

تطلعت نحوه بإندهاش ما كان لها أن تشعر به فكلاهما يحفظ الآخر عن ظهر قلب لتردف على الفور ...

- عرفت منين ؟!!

بضحكة ساخرة عقب "خالد" ...

- هو أنا لسه حعرفك ، قولي على طول ..

سحبت شهيقًا طويلًا ثم أطلقته دفعة واحدة ليشعر "خالد" بمدى الضيق الذى تحمله بداخل صدرها ليستمع بإنصات ...

- "نيره" كلمتني النهاردة وبتشتكي من "رؤوف" وإنه مجبش العفش ومطنشها وكلام كدة ...

فهم "خالد" المغزى من حديثها ليتجهم بقوة فلم كل الطرق تدفعه نحو طريق وحيد رغمًا عنه ، إنفعل "خالد" بدون قصد قائلًا ..

- وبعدين بقى ، حنعمل لهم إيه طيب ، لا حول ولا قوة إلا بالله ...

إلتزمت "منار" الصمت فهي تعلم أن ضيقه سببه أن لا حيلة له بإنهاء تلك المشكلة بتعجيل زواجهم فأمورهم المادية ليست بأفضل أحوالها ، لكنها تفاجئت بعد صمت دام طويلًا بصوته الرخيم يحدثها دون النظر مباشرة بعينيها ..

- قوليلي لها إن إحنا عايزين نحدد معاد كتب الكتاب وينزلوا بعدها ينقوا العفش كله ، ولا أقولك قوليلهم كتب الكتاب الجمعة الجاية ...

إتسعت عيناها بذهول لتلتف نحوه هاتفه بنبرة منفعلة شاهقة بصدمة ...

- الجمعة الجاية ..!!!!! إزاى ده ؟!!! حنجيب الفلوس منين ؟!!!

بغموض شديد ألقى آخر كلماته قبل أن يغادر الغرفة تاركًا إياها بمفردها ...

- هو كدة وخلاص ، لازم يتجوزوا ونخلص "رؤوف" لازم يتحمل المسؤولية حتى لو بالإجبار ...

تركها تصارع تشتتها بين كيف سيوفي بالمال لسداد ثمن الأثاث وحفل الزفاف وبين إجبار "رؤوف" على الزواج دون تحديد موعد يناسبة وفرض الأمر عليه ، لتقع بحيرة وتخوف من أن يحدث صدام بين "رؤوف" ووالده لمعاملته كالطفل دون الرجوع إليه ...


❈-❈-❈


بيت النجار ...

تلفت أعصاب تلك المتصيدة من الإنتظار لتظل "صباح" تدور حول نفسها بحركات عشوائية فلم تعد تتحمل بقاء "زكيه" وبناتها دون أذى لتغمغم بسخط ...

- اوووف ، ماشي يا شيخ الهم إنت ، من إمتى وإنت بتتأخر في عمايلك دي !!! لحد دلوقتِ محصلش حاجة !!! إيه ... خيبت على آخر الزمن ...!!!

تصنتت خلف باب شقتها تحاول الإستماع لأي شئ يهدئ نفسها الحاقدة لتعود بغمغمتها تضرب أخماسًا بأسداس ..

- برضه مفيش حاجة ، إما وريتك يا شيخ الغفلة ، بكرة حبقى عندك ووريني بقى حتعمل إيه ، هو أنا هفية ، بيضحك عليا ويعمل لي عمل بايظ ...

إستمعت لخطوات "شجن" و "نغم" قد عادتا من العمل لتبقى بغيظها المكتوم تنتظر خبر يريح قلبها المُظلم ...

خطوات تلتهم لتنصت "صباح" بإهتمام بالغ ، ترى من يكون لاحقًا بهن ..؟؟؟

دفعة من باب الشقة التى كادت تلتصق به نحو وجهها جعلتها تنتفض بخطوة للخلف بنفس مفزوعة حين وجدت زوجها "فخري" قد عاد من الوكالة لتردف بنبرة مهتزة من مفاجئتها بعودته ...

- "فخري" !!! حمد الله بالسلامة يا أخويا ...

نظر نحوها بوجه مكفهر ليردف بنفور ..

- واقفة كدة ليه لازقة في الباب ..؟؟

أجابته بكذب لا يختلف عن طبعها المخادع ..

- أبدًا يا أخويا ، ده كان فيه قطة على السلم وكنت خايفة منها ، ما إنت عارفني محبش القطط ..

مال بفمه جانبيًا متهكمًا ...

- دي هي اللي تخاف منك ، وسعي كدة خليني أدخل بدل ما إنت سدة السكة ...

تنحت "صباح" بجسدها الممتلئ جانبًا تفسح له الطريق ..

- إدخل يا أخويا ..

دلف نحو غرفة النوم لتبديل ملابسه قبل تناول طعام العشاء ، تلك الوجبة التى تجمعهم جميعًا كل مساء ...

لكنها حين إبتعد "فخري" إنتبهت لسماعها صوت أقدام أخري تصعد الدرج ، إنتظرت قليلًا وهي تستمع بإنصات حين تخطت تلك الخطوات باب شقتهم صاعدًا نحو الدور الأعلى ...

إتسعت عيناها بوميض مختلف ، فهناك زائر يقصد بيت غريمتها وبناتها ، على الفور فتحت الباب لتشهد ما يسر قلبها ، إنه رجل ...

رأت خياله قبل أن يختفي مستكملًا صعوده لتحدث نفسها بإبتهاج ...

- والله وباضت لك في القفص يا بت يا "صباح" ، ده راجل طالع لهم بجد ...

شحذت أسناتها وإستعدت لمواجهة طالما تمنتها فقد جائت فرصتها أمام أقدامها ، فيبدو أن سر هذا الشيخ نافذ بالفعل ، واليوم ستحط من تلك الـ"زكيه" وتمحي وجودها بيديها ...


حمل "بحر" حقيبة "نغم" بين يديه ليمر أولًا ببيت النجار قبل عودته لوالدته ككل يوم ، وصل نحو البيت لاحقًا بـ"نغم" وأختها بدقائق قليلة ليصعد الدرج تجاه شقتهم بالدور الأخير ..

رغم إعراض "نغم" عن حبه إلا أن بداخله شعر ببعض السعادة لوجوده ببيتها ، يشعر كمن أصبح أكثر حميميًا لتلك العائلة التى لم يرها بعد ، طرق الباب بخفة ليفتح الباب دون إبطاء فقد كانت "نغم" و "شجن" قد دلفتا للتو ...

لحظة تفاؤل لِحَظَهُ السعيد فقد كانت معذبته هي المجيبة لطرقاته لتقف بأعين مذهولة متسعة عن آخرها ، ظن لوهلة أنها تخشى من والدتها حين لمح الفزع بعيناها وسط دهشتها ، نظرات متخوفة قابلها بهيام لم يستطع إخفائه ، لكنها هتفت بإضطراب ...

- أستاذ "بحر" ...!!!

تهدج صدره وهو يطالع وجهها القمري وعيناها المحدقة به ليردف بهدوء طبعه ...

- أسف على التطفل ، بس إنتِ نسيتي شنطتك في المكتبة ، وإفتكرت إن فيها القبض وإنتِ كنتِ محتاجاه أوي ...

نعم هو محق بذلك ، لكن تخوفها من وجودة يتعدي لهفتها على حصولها على راتبها لتسحب حقيبتها من بين يديه بحركة خاطفة معقبة وهي تسرع لإغلاق الباب ...

- اه ماشي ، شكرًا ، شكرًا ...

ضيق عيناه من رد فعلها الفزع وقد تيبس بموضعه حين سمع صوت حنون من خلفها يتسائل ...

- مين يا "نغم" ..؟!!

أهلت إمرأة خمسينية لطيفة من خلف "نغم" التى لم تكاد تغلق الباب بعد لتجيبها بنبرة مترددة ...

- ده ااا ، ده الأستاذ "بحر" ، جايب لي شنطتي ، أصل أنا نسيتها في المكتبة ...

ببسمة وحفاوة نظرت "زكيه" نحوه تشكره على صنيعه ..

- ألف شكر يا إبني تعبناك ...

حيرة إعتلت فكره فلم "نغم" متخوفة بهذا الشكل وقد قابلته والدتها بهذا الهدوء والتقبل ، ليجيبها بتوجس من أن يكون فعل شئ يغضب "نغم" هو بالتأكيد في غنى عنه الآن ...

- العفو حضرتك ، أنا إفتكرت إن "نغم" محتاجة المرتب عشان كدة مرضتش أخليها ليوم السبت لما تيجي ..

- كتر خيرك ، عملت طيب ...

قالتها "زكيه" بلين شعر به "بحر" ليدرك كم هي طيبة لينة القلب ...

لكن سرعان هذا الهدوء ما إنقلب لفزع بأنفسهم فقد ثار البركان الخامد ليلقي عليهم نيرانه وقذائفه دون مراعاة لصفاء قلوبهم ...

صرخت "صباح" بأقصى ما يمكنها من صوت خشن تريد أن تجمع الجيران بصوتها الجهوري ...

- ها الله ها الله ، وده إسمه إيه ده يا ست يا شريفة ، إنتِ بتستغفلينا إنتِ وبناتك ..!!! رجااااله !!! جايبة رجاله في إنصاص الليالي ...

ثم مالت بجزعها نحو نافذة السلم المفتوحة لتصرخ بالعامة تتهم "زكيه" وبناتها بشرفهم وسوء خلقهم ...

- إلحقوني يا خلق ، إلحقوا يا ناس ، تعالوا شوفوا اللي بتقول على نفسها شريفة ، جايبة الراجل لبنتها في نصاص الليالي في شقتهم ...

بحمية وشهامة وقف "بحر" يتصدى لتلك الوضيعة التى تلفق لهم الإتهامات وتلقي هؤلاء الشريفات بشرفهن ...

- وطي صوتك يا ست إنتِ ، إنتِ إتجننتِ ، الست دي أشرف من الشرف هي وبناتها ، لمي لسانك بدل ما أقطعهولك ...

شهقت "صباح" بقوة تزيد من سعير النيران تريد إثبات فضيحة لتلك السيدة الشريفة وبناتها ولن تجد مثل هذا الوقت لفعل لذلك ...

- لا يا شيخ ، أخاف أنا ، إتفرجوا يا خلق ، عايزين يسكتوني ، عشان محدش يعرف عمايلهم ****** ، أهو ، راجل ده ولا مش راجل !!! مطلعاه بنفسي من أوضة مقصوفة الرقبة "نغم" ... 

إرتعدت "نغم" بفزع وهي تسمع إتهامات زوجة عمها بشرفها أمام الناس فقد بدأ المارة يصعدون للأعلى لمشاهدة ماذا حدث اليوم بين "صباح" و "زكيه" ...

نظرات إتهامات بين العيون المحدقة تطلق كالخناجر بنفوسهم البريئة ، بإرتجاف شديد أخذت "زكيه" بالبكاء وهي تدفع بـ"بحر" مترجية ...

- إمشي من هنا يا إبني الله لا يسيئك ...

رفض "بحر" تمامًا أن يتركهم بهول هذا الأمر الذى يبدو أنه تسبب به دون أن يدري ، الآن فقط علم لم كانت "نغم" متخوفة من مجيئة لبيتهم ، برفض قاطع أجابها "بحر" ...

- لا يمكن يا طنط ، الناس دي لازم تفهم إن مفيش أي حاجة من كلام الست دي حصل ، الست دي كدابة ...

لكن الآذان تصم نفسها عن التصديق فهم يرون شاب غريب بباب "زكيه" وبالتأكيد لن تتهمهم "صباح" بالباطل ...

تعدت "شجن" وقفِة أمها السلبية الخانعة لتدافع عن أختها وشرفها أمام الجميع ...

- أيوة ، أختي معملتش حاجة ، والست دي كدابة ...

كقنبلة مدوية عادت "صباح" لصياحها الهادر ...

- وهو مين إللي بيتكلم !!! ما إنتِ زيها ، الله أعلم يمكن فيه راجل جوه معاكِ إنتِ كمان ...!!!!!

رفعت "شجن" ذراعها للأعلى لتصفع تلك المتطاولة لتخرسها عن كذبها وإلقائهم بتهم باطلة ...

- إخرسي خالص ...

جائت فرصة "صباح" لتستعين بسلاحها الثاني (الإستكانة) لتهتف بجموع الناس من حولها ...

- شوفتوا قليلة الرباية ، بتضربني قدامكم ، عشان إيه ، عشان أنا ست حره ودمي حامي ومبحبش العوج ، وأديني بشهدكم أهو على ***** و ****** والراجل أهو قدامكم ... 

ضرب الناس كفوفهم بإستياء وهم يطالعون "زكيه" وبناتها بإشمئزاز ..

- لا حول ولا قوة إلا بالله ...

صدق الناس الظنون ولعبت تلك الحقيرة بأفكارهم حتى شعر ثلاثتهن بأنه قد غلب على أمرهن ...

وقفت "زكيه" تنتحب وهي تحرك رأسها بالنفي ، بينما تيبست "نغم" بحالة صدمة منذ بداية الصراخ ، لكن "شجن" لن تستسلم لتلك الوقحة ليتهدج صدرها بإنفعال مردفة بحدة ...

- لو عندك دليل واحد هاتيه ، إحنا أشرف منك ومن مية زيك ، يا كدابة ...

رفعت "صباح" كفها ترد لها الصفعة الأولى وهي تطالعها بأعين قوية ...

- إخرسي يا قليلة التربية ، صحيح ، حتجيبي الأدب منين ، ما أهو ، قدام الناس كلها ..

تحركت "نغم" أخيرًا نحو "بحر" فهو سبب ما حدث ، وستظل "صباح" تهتف وتصارخ بالحي بأكمله حتى تثبت ذلك لتدفعه بكل قوتها ...

- إمشي من هنا يا أستاذ "بحر" ، إمشي بالله عليك ، كفاية لحد كدة ...

زاغت عيناه بحيرة فهو لا يريد تركهم بمفردهم مع تلك المرأة لكن توسلها له بالرحيل يغرس بقلبه ...

- لا يا "نغم" ، مقدرش أسيبكم ...

كررت توسلها وسط بكائها الذى يقطع نياط قلبه ممزقًا إياه بقوة ..

- عشان خاطري إمشي ، بالله عليك ...

ربما ذلك سيكون حلًا لصمت تلك المرأة ليهتف قبل مغادرته ..

- أنا حمشي مش عشان كلام الست دي لأ ، عشان خاطر الناس الشريفة دي متتأذاش ، لكن إنتِ ست كدابة ، ومفترية ...

أنهى حديثه موجهًا إياه لـ"صباح" التى وصلت لغايتها ...

هبط "بحر" درجات السلم مبتعدًا ربما الأمور تهدأ بعد رحيله لكن قلبه سيظل متوجسًا حتى يطمئن عليهن ..

صعد "فخري" إثر سماعه لصراخ "صباح" وصياحها بوجه مقتضب ...

- إيه ده ، فيه إيه هنا ؟!!

أعادت "صباح" وصلتها الأولى بإتهام "نغم" بوجود شاب بغرفتها وأنها فتاة لعوب سيئة السمعة ..

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

دارت عينا "فخري" بين جموع الملتفين وبين "زكيه" وبناتها بوجه مقتضب وقبل أن يعلن عقابه الحازم كانت "صباح" تسبق بحديثها ...

- دول عار على عيلة النجار ، لازمن يسيبوا البيت وينطردوا في الشارع ، إحنا منقبلش نعيش مع ناس زي دول ، مين ده إللي حيدخل بيت فيه بنات زي دول ...

لكن الصدمة جائت من خلفهم جميعًا حين صاح صوت ذكوري بحزم ...

- أنا ، أنا حدخل البيت ده و حتجوز "نغم" ....


(الفصل الخامس والعشرون)

أتخبط برؤيتي الضبابية دون إدراك هل ما أراه حقيقة أم مجرد أحلام ، فأحيانًا أتمنى أن يكون واقعي مجرد حلم ...

كم إختلط على الأمر ولم أعد أثق فالملح يشبه السكر أحيانًا ، ليت ما أراه حلمًا فيمكنني يومًا أن أصحو منه ...


مازال الليل لم ينتهي والظلام قد أحلك خيوطه يغزلها برياح قوية وأمطار عاصفة ، وبالرغم من تلك الأجواء القارسة إلا أن فضول البعض جمعهم لمتابعة ما يحدث ببيت النجار ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إضطر "بحر" للإنسحاب بعد طلب "نغم" منه الرحيل لكنه كان يشعر بالضيق والخزلان من تركها ، من التعقل أن يضطر للإبتعاد لتصمت تلك المرأة ولا تزيد تطاولها وقذفهم بإتهامات باطلة ...

لكن هذا الجمع صمت تمامًا حتى كاد يُسمَع رذاذ الأمطار المتساقطة حين هتف هذا الصوت الجهوري من خلفهم ...

- أنا حتجوز "نغم" ...

إلتفوا جميعًا يناظرون من هذا الذى يطلب الزواج من تلك الساقطة سيئة السمعة لتتعالى صوت شهقة قوية صادرة من "صباح" تتبعها بضربة قاسية فوق صدرها ...

- يا مصيبتي !!!! يعني إيه تتجوزها !!!! ملقتش إلا دي وتتجوزها يا "مأمون" ..!!!!

وجههُ المقتضب الثابت تمامًا دون الإكتراث بتلك العيون المحدقة بإستنكار خاصة والده ووالدته ليشير تجاه الدرج بنبرة حادة حازمة للغاية ...

- مش عايز أي حد هنا ، إتفضلوا على بيوتكم ، ( أنهى حديثه بصراخه بهؤلاء المتطفلين ) ، يلااااا ...

أسرع المتجمعين للمشاهدة بهبوط الدرجات عائدون لبيوتهم القريبة لتتبقى فقط عائلة النجار جميعها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

وقفت "حنين" بالدور الأرضي تسترق السمع لما حدث وهي تشعر بالنشوة لصراخ "صباح" ببنات "زكيه" ، ثم سعدت بتجمهر الجيران للتشفي بهؤلاء الفتيات وأمهن ، حتى أنها سعدت للغاية بسماعها طلب "مأمون" الزواج من "نغم" لتهمهم بغبطة ...

- أحسن ، أحسن ، يا فرحتي فيكِ يا ست "ريهام" هانم ، أهو "مأمون" حيتجوز ويكيدك ، ويا سلام بقى لو تمم الطلاق قبل جوازته دي ، ده يبقى يوم السعد ...

عيون "فريد" المترقبة كادت تخترق جسد "حنين" من خلفها فمازال أثر كذبتها يشعل وميض غريب بداخله لكنه لا يقوى بعد على مواجهتها لكنه يود بالفعل معرفة أين كانت دون علمه ...

فضول سيقتله و جُبن سيقضي على رجولته فقد وقع بين كفي الرحى ، هل يقبل أن تتجول من دون إذنه ومعرفته أم يرفض ويثور وهذا لن يكون بشكل هادئ مع شخصية متملكة كـ"حنين" ..

لم يهتم "فريد" إطلاقًا بما يحدث بالخارج ليدلف لغرفة النوم متظاهرًا بالنوم لينهي تلك الليلة ...

وقفت "راوية" منذ الوهلة الأولى تتطلع بصدمة لصياح والدتها وصراخها ، تناظر بكاء "زكيه" وخنوعها ، لكنها بقيت صامتة تشاهد فقط من بعيد لبعيد دون تدخل ...

أكمل "مأمون" صعوده لدرجات السلم وهو يأشر لوالده بمرافقته ...

- تعالي يا حاج ( ثم نظر نحو والدته بنظرة يملؤها التحدى ) ، إتفضلي يا ماما مينفعش نتكلم على السلم كدة ...

فغرت "صباح" فاها بلا إستيعاب لما يفعله "مأمون" لتصرخ بإنفعال وهي تشير بإتجاه شقة "زكيه" ...

- أجي فين ؟؟! هناااا ؟؟! إنت أكيد إتجننت !! أنا أدخل شقة دي ، بقولك إيه على الله تعمل اللي بتقول عليه ده !!! على الله تتجوز الـ***** بنت الـ***** دي ...

لم يثني "مأمون" طلبه بل تخطاها نحو الداخل قائلًا ..

- برضاكِ أو غصب عنك حتجوزها ، تعالي أحسن ...

هاجت "صباح" وإشتدت حدة صوتها لتهبط درجات السلم مُعلنة رفضها التام لتلك الزيجة مغمغة بصوت مسموع ..

- وربنا ما يحصل ولا أخطى عتبة بيتها ، بقى أنا "صباح الجزار" يحصل لي كدة ؟!! أنا بنت الحسب والنسب إللي عيالي أعلى الناس ييجي في الآخر وإبنى أنا يتجوز بنت الخدامة ، هو إيه الزمن بيعيد نفسه تاني ولا إيه ؟!! يعني على آخر الزمن تبقى دي مرات إبني أنا ...!!!

كانت قد دلفت لشقتها لتستأنف عويلها وهي تضرب فخذيها بحسرة ..

- اه يااااني !!! هو إيه أصله ده !!! هو أنا عامله العمل عند الشيخ "كرامه" عشان هي تتحسر ولا أنا ؟؟؟! يعني إيه "مأمون" يتجوز "نغم" !! يعني إيــــــــــه ؟!! ما تفهميني يا أختي !!

قالتها تنظر نحو "راويه" التى تناظر والدتها بذهول وقد إعتلت عيناها أحاديث كثيرة لم تنطق بأى منها ، لتعقب بهدوء زاد من ثورة "صباح" وهياجها ..

- وأنا أعملك إيه ؟؟ أنا مالي ، كل واحد حر ...

رد فعل بارد أثار جنون "صباح" التى لم تعد تحتمل لكلمة بعد لتضرب رأسها وجسدها بكفوفها تتمنى لو كان مجرد حلم وتفيق منه وأن ما حدث غير حقيقي ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

شقة زكيه ..

من المفترض أن تكون تلك مجرد جلسة عائلية لكن كل النفوس بها مشحونة ، تجمع "زكيه" وبناتها مع "فخري" و "مأمون" ...

تعامل "فخري" مع الأمر بهدوء شديد لا يفهم منه هل هو يرضى بما حدث أم ينكره ليبدأ "مأمون" حديثه ...

- أنا عند كلامي وعاوز أتجوز "نغم" ، مكنتش بقول كدة وخلاص ..

تطلع به والده بإستغراب لموقفه خاصة وهو يدري جيدًا ظروف زواجه من "ريهام" وأن بذلك يسدل على هذا الزواج ستار معلنًا النهاية فـ"ريهام" لن تقبل وجودها مع زوجة ثانية ..

- تتجوز "نغم" !!! إنت واعي لكلامك يا "مأمون" ..؟؟!

برد قاطع أجاب والده وهو ينظر تجاه "نغم" أردف ..

- واعي جدًا لكل كلمة ، مش بتقولوا كلام عليها ، أنا بقى جاي أقطع لِسنة كل الناس دي ، جوازي من "نغم" حيخلي الناس تقفل بوقها ومتفتحوش تاني ، هي بنت عمي وشرفي وأنا بقولكم أهو ، مفيش حاجة ترفع رأسها تاني فى الحته غير جوازي منها ...

لم يكن لـ"فخري" نية للرفض فعيناه تركزت على حبه القديم متسائلًا بتردد ...

- رأيك إيه يا "أم شجن" ..؟؟!

ضيق نفسها المهتزة بعد أفعال "صباح" وتشويه سمعتها وسمعة بناتها أمام الناس جعلها تجيبه بنفس مهترئة راضخة بإستسلام ...

- إللي تشوفه يا "أبو فريد" ، يتجوزها ...

أومأ "فخري" بالإيجاب قائلًا لولده ..

- خلاص يا "مأمون" ، طالما إنت شايف كدة ...

كل تلك الأحداث لم تمر مرور الكرام على "شجن" التى فغرت فاها بلا تصديق لتلك الهراءات التى يتفوهون بها حتى إنتهوا من قرارهم لتزيغ عيناها تجاه والدتها المستسلمة لهم ثم طالعت أختها التى كانت بحالة هيام وسعادة تعلقت عيناها بـ"مأمون" بوله طفلة تحققت أحلامها للتو ، نعم هي لا تتعدى طفلة لا تدرك الصواب من الخطأ ، وهذه الزيجة هي الخطأ بعينه لتنفعل "شجن" بقوة وهي تمد كفيها بصدمة وإندهاش ...

- بس بس ، جواز إيه و"مأمون" إيه !!! لأ طبعًا ، ( نظرت نحو والدتها تحثها على رفض هذا القرار الظالم ) ، ما تتكلمي يا ماما ، مينفعش ، الجوازة دي متنفعش خالص ...

نكست "زكيه" رأسها لتردف بضعف وخضوع ...

- بس يا "شجن" ، ده إللي حيسكت الناس ..

إتسعت عينا "شجن" بقوة تنهر والدتها من هذا الضعف ...

- يا ماما !!! ليه كدة ؟!! إحنا معملناش حاجة غلط ، بقى يبقى أمه هي السبب وإحنا إللي نرضى بالوضع ده ...

أنهت عبارتها مشيرة نحو "مأمون" الذى إنتفض بحدة لينهض محذرًا "شجن" من التطاول ...

- "شجن" !!! خدي بالك من إسلوبك معايا ، الحل ده أحسن حل لكل المشاكل دي ، ولا أنا غلطان ؟!!!

نظر تجاه "زكيه" لتجيبه بما يُصمت "شجن" والذى لم تتباطئ "زكيه" عن مجاراته لتهتف بـ"شجن" لتنهى هذا الجدال الذى لن يفيد ..

- "شجن" أنا قلت خلاص ...

نهضت "نغم" تحاول السيطرة على سعادتها المفرطة التى حلت على قلبها المتيم فبين لحظة وأخرى تحول الأمر من إتهام قبيح أدام قلبها للسعادة الكاملة بقرار زواجها من "مأمون" الذى لم تكن تتخيل أنه أمر يمكن حدوثه ، إنه بالتأكيد حلم ما ، إبتلعت ريقها المضطرب تلملم إبتسامتها التى حلت فوق ثغرها قائله ...

- خلاص يا "شجن" ، ميصحش كدة ...

رفع "مأمون" رأسه بخيلاء وقد رسمت بسمة إنتصار جانبية على ثغره يطلب من والده ..

- يلا يا حاج ( ثم نظر تجاه "زكيه" كمن يعطي الأمر لا أكثر) ، كتب الكتاب الجمعة الجاية يا مرات عمي ، جهزوا نفسكوا ...

قالها ليغادر برفقة والده فلا داعي لنقاش الأمر لأكثر من ذلك ..

خرج كلاهما على مرأى ثلاثتهن ليكتفي "مأمون" بموافقة والده دون المرور بوالدته مطلقًا ليترك أمر إبلاغها بزواجه على والده ، الذى أخبرها دون الدخول بأية تفاصيل قد تسبب له الإمتعاض لعدم تقبلها الأمر ...


❈-❈-❈


بيت المستشار خالد دويدار ...

بموعده الثابت عاد "رؤوف" من الشركة مشتت الفكر ، الذى لم تشغله سوى تلك الفاتنة الصغيرة التى سيطرت بالكامل على عقله منذ أن أخبره "حمدي" بعشقها له ...

مواقف عدة ولحظات متفرقة أخذ يستعيدها بذاكرته منذ زواج "غدير" من "عيسى" ، كلما تذكر إحداها زادت من إتساع بسمته كما لو أنه أدرك للتو أن عشقها له لم يكن وليد اللحظة ..

قلب مضطرب وسعادة دبت بهذا الساكن ليشعر بشعور غريب لم يشعر به مع "نيره" ، إن قلبه يدق وينفعل ، كانت علاقته مع "نيره" تقتصر على شكل محدد لرغبته ببناء أسرة سعيدة كأخيه "عيسى" ، وجد بـ"نيره" فتاة رائعة تلائمه للغاية ، أجبر نفسه على التعلق بها فهو بالنهاية شاب مستقيم يضع مشاعره بنصابها الصحيح وإن ظهر للبعض غير ذلك ...

دلف لداخل الشقة بملامح حالمة سعيدة للغاية ليجد والدته تنتظر عودته بعيون يظهر بها بعض الضيق ، بادر بتحيتها بلطافة ..

- ست الكل واقفه بنفسها مستنياني ، ده إيه الهنا ده ...

رغمًا عن ضيق نفسِها تبسمت مردفه ..

- شكل مزاجك رايق النهاردة ...

رفع حاجباه بحبور مجفلًا بعيناه لوهلة قبل أن يجيبها بنبرة حالمية للغاية ..

- أوي أوي أوي يا ماما ...

لم تكن تلك فرصة ملائمة لإبلاغه بقرار والده لتؤجل تلك المسألة للصباح وعليها تركه يهنأ أولًا بنوم هادئ ونفس سعيدة كما يبدو عليه ، أجابته "منار" بدبلوماسية ..

- دايمًا يا حبيبي يا رب ...

شعر "رؤوف" أن والدته تخفي عنه أمر ما ، يظهر بنبرتها المتضايقة ليتسائل بقلق ..

- مالك يا ماما ، فيه حاجة مضايقاكِ ؟؟!

ربتت فوق كتفه بحنو لتردف بالنفي الكاذب ..

- أبدًا يا حبيبي ، أنا بس قلت أطمن عليك قبل ما أنام ، تصبح على خير ...

تركته "منار" ليتابعها بقلق وجهل بسبب ضيقها ، لكنه عاد لخياله الحالم بـ"مودة" متعجبًا من حاله وإنشغال فكره بها كما لو أن "حمدي" سلط الضوء بقلبه عن شئ لم يكن يدري عنه شيئًا ربما إعجاب مختبئ لها دون تدخل منه ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


شقة عيسى ...

إنتهى اليوم عند الكثيرين لكنه لم ينته لهذا الغيور ، بالكاد تحامل على نفسه دون أن يظهر ما بداخله ، وها هي "غدير" سقطت غافية بعد إنهاك يوم طويل ...

تطلع "عيسى" نحوها يود لو يصرخ بها ليتأكد من هذا الذى كانت معه ، ولما لم تخبره عنه كما لو أنها أرادت إخفاء هذا الأمر ...

دماء ثائرة تسري بعروقه كاد لها أن تفجر رأسه من شدة تضاربها كأمواج البحر ، ليته كان حلمًا ويستيقظ منه على واقعه الذى يحبه ، أن يكون رؤيته لها مجرد كابوس سيستيقظ منه ليجد محبوبته قطعة الشيكولاته تتقد عشقًا وتبث به الحياة التى كاد يفقدها من شدة الإختناق ...

نظر نحوها مطولًا قائلًا ...

- مخبيه عني إيه يا "غدير" ؟!! ليه متكلمتيش عنه ؟؟! مين ده وكنتم مع بعض ليه ؟!!

أمسك برأسه المتألم مستطردًا ..

- دماغي حتفرقع ، والشيطان دخل دماغي ( إعتدل يتسعذ بالله من وساوس الشيطان التى بدأت تملأ رأسه تجاهها محاولًا تمالك نفسه وألا يترك له الفرصة بغلبته فهذا أقصى ما يتمناه ، أن يفرق بينه وبين زوجته ) ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لأ ، لا يمكن أسمح للظن والشك يدخل ما بينا ، دي مهما كانت "غدير" ، هي الروح لحياتي ، عمر ما قلبي يكذب عليا وأنا متأكد من حبها ليا ، متأكد ...

حاول من خلال كلماته الأخيرة أن يلتمس بعض الراحة والنوم لتداعب رائحة اللافندر التى تفوح من حبيبته أنفه ليشعر بالسكينة ويستغرق بالنوم ...


❈-❈-❈


بيت النجار ( شقة زكيه) ...

من قال أن الغرقى بالبحر فقط ، فإحساس الغرق يتملكني وأنا أنعم بالهواء حولي ، ليتي أستطيع العيش فقط ، لكني أحارب ، أحارب نفسي وظروفي وعقلية من يحيطون بي ، أحارب كل ظن سئ وإتهام باطل ، ألم يخبركم الله ﴿إن بعض الظن إثم ﴾ لم تظنون بنا ما ليس فينا وتصدرون أحكامكم ...

وقفت "شجن" مشدوهة غير مصدقة ولا يستطيع عقلها إستيعاب هذا الخنوع والخزلان ، دنت تهتف بأختها تثنيها عما ستوقع نفسها به ...

- فوقي يا "نغم" ، "مأمون" ده مينفعكيش ، بطلي تكوني سطحيه كدة ، إنتِ كدة بترمي نفسك في النار ، "مأمون" مش أكتر من حب مراهقة عشان وقفته معانا في الفترة الأخيرة ...

إنها فرصتها ولن تهدرها ، هكذا وقفت "نغم" تتشبث بزواجها من "مأمون" حب طفولتها وعمرها كما تحسب ...

- لأ يا "شجن" ، إنتِ فاهمه غلط ، أنا موافقه ومش حلاقي أحسن من "مأمون" صدقيني ، "مأمون" ده راجل بمعنى الكلمة ...

إلتفت "شجن" تجاه والدتها فربما تستطع أن تثني تلك السطحية عن رأيها ...

- يا ماما ، شوفيها ، مينفعش كدة ، كدة بترمي نفسها في النار ، كلميها ...

بيأس تملك من نفسها أجابتها "زكيه" ..

- يا "شجن" إحنا دلوقتِ في ورطة ، و حلها الوحيد هو إن "نغم" تتجوز "مأمون" ، الناس مبترحمش ، ده موضوع جوازها ده جالنا نجدة من السما ...

ضربت "شجن" كفيها بصدمة من سلبيتهما التى لا توصف ..

- إنتوا إزاي كدة ؟!! مش معقول بجد ؟!! لازم يكون فيه حل تاني ، نمشي يا ماما ، نسيب البيت المقرف ده ونمشي من هنا ...

تشبث "نغم" ببقائهم ولأول مرة تعترض طلب "شجن" بالرحيل ...

- لأ لأ ، بالله عليكِ لأ ...

تهدجت أنفاس "شجن" بقوة لإستسلامهن المثير لأعصابها ...

- حرام عليكم ، هو إيه إللي لأ ، "مأمون" ده حيفرق إيه عن أمه وإخواته ، حتى عمي ميقدرش يقولهم لأ ، ترمي نفسك بين العقارب ليه ، إنتِ نسيتي إنه كمان متجوز وعنده ولاد .؟!! 

بثورة غضب لما ستفسده عليها أختها بعد عناء وصبر لتنال قرب من تحب ...

- "مأمون" غيرهم كلهم ، وموضوع "ريهام" كلنا عارفين المشاكل إللي بينهم وإنهم حيتطلقوا ...

إقتربت منهم "زكيه" تهدئ نفوسهم فكل ما ترضخ له فقط لسلامتهن وأمانهن ..

- خلاص بقى ، كفاية كلام لحد كدة ، نصيبنا كدة ، حنعمل إيه ...؟؟؟

طالعتهم "شجن" بنظرات متحسرة لكنها تمااكت غضبها وإنفعالها تحاول إقناعهم بهدوء ...

- بلاش يا ماما نضيع كل حقوقنا حتى بالسعادة وحياتنا إللي جايه ، ليه نرضى بحياة مكتوب عليها التعاسة والفشل ، بالله عليكم فكروا تاني ، يمكن يكون فيه حل ...

رغم إشفاق "زكيه" على ما أجبرت عليه "نغم" إلا أنها ليس لديها حيلة أخرى ..

- يا ريت كان فيه !!! أمرنا لله ، يلا كفاية كدة إحنا تعبنا ، إدخلوا صلوا وإدعوا لربنا يفرجها علينا وناموا ...

رضخت الفتيات لطلب أمهن لكن بقلب "شجن" أحاديث عدة فتغيير المصير يجب أن يُتبع بعمل وفقًا لإرادة الله وليس الأمور تتم بالدعاء فقط ، فعلينا السعي وعليه التوفيق ...


❈-❈-❈


فيلا المراقبة ...

وبين قلب يتلهف ليخبرك وبين عقل يهمس بلا لن أتحدث ، يتخبط العاشق بين حيرة متأرجحة بين قلب وعقل ...

ساعات تمر حتى لاحت خيوط الفجر لتعلن حلول ساعة الصفر ، بجدية تامة ملأت الوجوه تخفي ما يكنه الصدور وقف "معتصم" يحدد مجموعته بمهارة ...

- "عبد الرحمن" و "طه" دوركم دلوقتِ حيكون إبلاغنا بأي جديد يحصل في الفيلا ، عنيكم زي الصقر متفوتش حاجة ، ( ثم إلتفت تجاه "عهد" و"حليم" ) ، وإنتوا لازم نتحرك حالًا لإسكندرية ...

بدأ ثلاثتهم بالإستعداد للمغادرة وإتخاذ حذرهم لتبدأ مهمتهم ..

تحرك "معتصم" أولًا تجاه السيارة التى سيقودها بينما لحقته "عهد" و "حليم" ..

تذكر حين جاءوا وإصرار "عهد" بالجلوس بالمقعد الخلفي للسيارة لتتقد مقلتيه بدهاء فهو أدرك أمر هام للغاية بطباع تلك المتوحشة ، إنها دومًا تفعل عكس ما يطلبه منها ليوجه حديثه لـ"حليم" بغرض إستفزاز "عهد" ..

- تعالى يا "حليم" أقعد معايا قدام أحسن حضرة الضابط "عهد" تقريبًا من النوع إللي بيتكسف ، فنخليها ورا براحتها ...

بالفعل إستطاع إستفزازها من أكثر من جانب ، فهي لا تريد أن تعامل كالفتيات ويكون لها معاملة خاصة فهي مثلها مثل الرجال ، ومن جانب آخر هي لن تنصاع لأمره وعليها فعل ما يخالفه لتبثت أنها لها شخصيتها المستقلة ..

وبالفعل وقعت "عهد" بشباك حيلة "معتصم" لتتقدم دون إنتظار أي منهما لتجلس بالمقعد الأمامي للسيارة وإلى جوار "معتصم" ...

لو كانت قد ألقت بنظرها تجاه "معتصم" لرأت بسمة إنتصار وتحقيق هدف رائع يحسب له لكن إنفعالها جعلها تجلس تناظر الطريق أمامها دون حياد ...

رغم إستياء "حليم" لإندفاع "عهد" للجلوس بالمقعد الأمامي إلا أنه جلس بالمقعد الخلفي فالأمر سيان بالنسبة إليه ، فيما جلس "معتصم" خلف مقود السيارة لينطلق بطريقه نحو الإسكندرية ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


بيت النجار ( شقة فخري) ...

أسوأ الأعداء من يقابلك بعداوة دون أن ترى أسباب لها ، فالكل يرى بعين طبعه لكنه يظل ناقصًا يسعى للكمال بإيذاء الآخرين ...

لم يهنأ لها بال ولم يغمض لها جفن طيلة الليل ، فعلى الرغم من خلاف"صباح" المستمر مع "مأمون" إلا أنها شعرت بالقهر لطلبه الزواج من إبنة غريمتها ، أبعد كل ما تفعله بها تنتصر عليها وتأخذ أحد أبنائها بتلك السهولة ...

كالصقر الجريح أخذت "صباح" تتخبط هنا وهناك تدور بحركات عشوائية دون هدوء أو راحة حتى حل الصباح ...

ساعة تنتظرها منذ الأمس لترفع هاتفها لأذنها بعجالة ...

- ألو ، أيوة ، بقولك إيه ، عايزة أشوفك دلوقتِ حالًا ، تجيلي بسرعة ، أيوة فيه حاجة ، ده فيه حاجات وحاجات ، لازم تيجي بسرعة قولتلك ، يلا ...

أنهت مكالمتها ولم تستطع حتى الجلوس للإنتظار فما حدث لا يمكن أن يمر بهذه السهولة ...


شقة زكيه ...

لم ترضخ "شجن" كما فعلت أمها ، ولن تستسلم كما فعلت جميع نساء عائلتهم ، إنها مختلفة ذات طبع متمرد ، لن ترضى بهذه المهانة ، لن تضحي بسعادة أختها المغيبة عن مصلحتها ، لن تتركها ولن تتخاذل ...

علمت بأن "نغم" متشبثة كطفلة صغيرة بزواجها من "مأمون" ، وأمها سلبية ومستسلمة إلى حد بعيد ، فكان عليها التصرف حتى لو بمفردها ...

خرجت "شجن" بهدوء لوجهة واحدة أيقنت أنها الحل الوحيد حتى إذا فرضت ذلك على كلتاهما ...

وصلت لمكتبة بحر تنظر للافتتها المعلقة بتمعن ثم أخرجت هاتفها من جيب سترتها الطويلة لتدفع بإحدى خصلات شعرها القصير خلف أذنها كحركة لا إرادية حين تشعر بالتوتر ، دقت الأرقام المدونة بأعلى اللافتة على شاشة هاتفها لترفعه لأذنها تستمع للرد والذى لم يتأخر بالمرة ...

- السلام عليكم ...

صوت رجولي هادئ أدركت أن هذا صوت "بحر" بالتأكيد لتجيبه "شجن" بنبرة سريعة تحمل بعض الإنفعال لما يصحبها من أفكار منذ ليلة الأمس ..

- أستاذ "بحر" ...؟!!

- أيوه ، مين حضرتك ؟!!

سحبت نفسًا طويلًا قبل أن تجيبه ..

- أنا "شجن" أخت "نغم" ...

على الفور تبدلت نبرة صوته الهادئة لأخرى قلقة للغاية ..

- طمنيني بالله عليكِ ، أنا منمتش من إمبارح ، الست دي عملت إيه ؟!!

برزانة شديدة أجابته "شجن" ..

- مش حينفع في التليفون ، أنا عايزة أتكلم معاك ضروري ...

كانت كمن أعطته الإذن بالتحرك ليردف بدون تردد ...

- حالًا حكون عندك ، إنتِ فين ؟!!

ناظرت "شجن" الشارع من حولها وخلوه من المارة بصباح يوم الجمعة لتردف بنفس ضائقة ...

- أنا واقفة قدام المكتبة ...

أسرع "بحر" بتأكيد قدومه إليها على الفور ...

- دقايق وحتلاقيني قدامك ، مش حتأخر ...

لا يدرى كيف تحرك ووصل للمكتبة بتلك السرعة التى ماثلت ضربات قلبه المتخوفة على "نغم" والتى أجفلت النوم من عينيه وتوجس قلبه قلقًا وخوفًا من تطاول تلك السيدة ...

وقف أمام "شجن" بأنفاس متهدجة فيبدو أنه قطع الطريق ركضًا يتلهف للإطمئنان على "نغم" ليبدأ حديثه على الفور ...

- كويس جدًا إنك كلمتيني ، أنا كنت حتجنن من إمبارح ، وبأنب نفسي إني مشيت ، بس كنت حاسس إن أنا إللي عملت المشكلة دي ...

نظرت نحوه "شجن" بنظرة جدية للغاية ، لم تهتم بمبرراته فقد رأت إلحاح "نغم" عليه بالرحيل بأعينها ، لتردف بأمر مختلف تمامًا ...

- أستاذ "بحر" ، أنا عاوزاك تتجوز "نغم" ...

تيبس جسده بصورة مفاجئة مذهولًا من طلبها ، لا ينكر أن قلبه تراقص فرحًا لكن يبدو أن الأمر يحمل بين طياته شئ آخر ، ليتسائل بتوجس مستفهمًا ...

- أتجوز "نغم" ؟!! قصدك إيه بالضبط ..؟!!

قالتها صريحة بدون إخفاء أو تلميح ..

- أنا عارفة ومتأكدة إنك بتحبها ، وبتحبها أوى كمان ، بس هي الغشاوة ماليه عنيها ، والحل الوحيد إنك تتجوزها ...

تذكر "بحر" رفض "نغم" له لينكس عيناه تألمًا بضيق ...

- أنا فعلًا بحبها ، بس هي مبتحبنيش ...

بفطنة لاحت بعيناها قبل شفتيها نطقت "شجن" بتساؤل أثار نفس "بحر" ...

- مين قالك ؟!! "نغم" أختى وأنا عارفاها ، هي السِكينة سرقاها وفاكره إنها مش بتحبك بس كلامها دايمًا عنك وعن كلامكم مع بعض في المكتبة بيقول غير كدة ، هي بس غبية ومش عارفه تحدد مشاعرها ، المشكلة إنها فاكره نفسها صح ، وهي غلط غلط غلط ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

إمتعض وجه "بحر" بدون فهم لمقصدها ...

- أنا مش فاهم حاجه ، وبعدين حتى لو هي مش مدركة أنا بالنسبة لها إيه مينفعش أجبرها على الجواز مني بالشكل ده ...

أجابته بما صدمة لتحثه على التحرك ولا داعي للتراخي بهذا الأمر ...

- ما هي لو إنت متجوزتهاش حتتجوز "مأمون" الجمعة الجاية ..

إتسعت عسيتاه بصدمة ولاح الفزع بمقلتيه لينفعل بقوة ...

- مين ؟!! "مأمون" ؟!! إزاي يعني ؟!!

أخذت "شجن" تقص عليه ما حدث ليلة الأمس وموافقة "نغم" ووالدتها وإصرارهم على إتمام زواجها من "مأمون" وأنها رأت أن الحل الوحيد بين يديه هو فقط ليجيبها بقوة ...

- مش حستنى ترمي نفسها في النار دي ، أنا حتصرف ، "نغم" لا يمكن تتجوز "مأمون" مهما حصل ...

بسمة إرتياح حلت بملامحها المقتضبة لتردف قبل تركه ..

- أنا حرجع البيت ، وإنت تعالى نخلص القصة دي ...

- تمام ، أنا جاي ...

عادت "شجن" لبيت النجار لتقبع بإنتظار مجئ "بحر" الذى سوف يخلصهم من زواج إجباري سوف يسبب لهم جميعًا التعاسة ...


❈-❈-❈


بيت النجار (شقة فخري) ...

عروش واهية تلك التى يبنيها الكذب ، ففجأة تسقط من فوق السحاب لأسفل أرضٍ تسحقك ، ومن حفر بئر لابد أن يسقط به ...

ليل طويل وساعات قاسية قضتها "صباح" متأملة حلول الصباح لتجد حلًا لمصيبتها ...

دارت حول نفسها عدة مرات كثور هائج لا يدرى طريقه ، تجنبت "راويه" والدتها الغاضبة وقبعت بشرفتها المحببة بعيدًا عن كل تلك الأحداث فيكفيها ما تطاله من والدتها بالعادة ولا طاقة لها بتحمل غضبها الآن ...

خرج "فخري" بهدوء من غرفته مارًا بتلك المشتعلة وإكتفى بنظرة جانبية دون تعقيب ، إتجه نحو باب الشقة للمغادرة فحتي يوم الجمعة لا يحصل على تلك الراحة بالبقاء بالمنزل فهو لا يطيق البقاء لأكثر من ذلك برفقة "صباح" ...

أوقفته "صباح" قبل خروجه متسائلة بإستنكار ...

- إنت موافق يا "فخري" على الجوازة دي ؟؟! حتسيب "مأمون" يقع الواقعة دي وتقف تتفرج ..!!!!

تنهد "فخري" بتملل ..

- والله إبنك راجل مش عيل صغير ، وهو شايف كدة ، أنا أعمل له إيه ؟؟! أضربه على إيده !!!

ضمت شفتيها الغليظتان بغضب ثم أردفت ..

- لأ يا أخويا ، وقفه ، هدده إعمل أي حاجة بس ميتجوزش بنت الخدامة ...

إلتف "فخري" نحوها بإشمئزاز ..

- إبنك عندك ، إتكلمي معاه ، متوجعيش دماغي ..

خرج "فخري" مبتعدًا عنها فبالكاد يطيق وجوده بالبيت ، لا طاقة له بحديث معها والرضوخ لطلباتها وتحقيق مساعيها ...

خروجه بهذا الشكل المستفز جعلها تبحث عمن تفرغ بها شحنة غضبها وبالتأكيد لم تكن سوى "راويه" لتتجه نحو الشرفة تبدأ بصراخها المعتاد الذى لم تعد "راويه" تكترث به ...


❈-❈-❈


طريق السفر ..

بين كلمة قاسية نطقتها أردت بها (أحبك) وبين بُعدٍ قصدت به قربك ، كانت تلك أنا معك ، حياة التضاد تلك التى أحياها بقربك فلا تصدقني لكني لن أخبرك بهذا ...

بعد أن سار "معتصم" عدة ساعات بطريق سفرهم إلى الإسكندرية رفع سوداوتيه تجاه المرآة العاكسة أمامه ليجد "حليم" قد سقط غافيًا بعد بقائهم متيقظين ليومين على التوالي ، وجدها فرصة عظيمة للتحدث مع شرسته بمفردهما فسار بمحاذاة الطريق حتى توقف تمامًا على جانبه لتناظره تلك الصامته منذ بداية سفرهم بإستفهام مقتضب ...

- وقفت ليه ؟!!

دون الإكثار من الحديث حتى لا يوقظ "حليم" أشار إليها بعيناه نحو الخارج بشموخ غريب يدعوها للترجل دون النطق بذلك ...

فهمت "عهد" طلبه على الفور لتبقى للحظات دون الإستجابة له ، لكنه ترجل من السيارة ليلتف حول مقدمتها ليقف بإنتظارها بعيدًا عن السيارة لتجد نفسها تلحقه مصطنعة الجدية والإعتزاز لمعرفة فيمَ يريدها الآن ....

وقفة شامخة نظر بها نحو الأفق البعيد واضعًا كفاه بجيبي بنطاله الأسود يسحب شهيقًا بطيئًا بإنتظار متوحشته لتنصاع لطلبه وتلحق به ، نظرة ثاقبة بتلك الجوهرتان السوداوتين تظن لوهلة أنه يخترق بها الأفق الخالي نحو الفراغ المبين أمامه حتى شعر بقدومها ، هزة لاحت بهذا الساكن بين ضلوعه تُشعره بنشوة سعادة إجتاحته فيبدو أنه يدير الأمر لترويضها كما يجب ...

لم يكن منها إلا وقفة صامته إلى جواره تطالع بعسليتيها الفراغ المنبسط أيضًا فلن تبدأ بسؤاله عما يريد ، لن تتنازل ولن تتهاون ...

وقفة معتدة من كلاهما طال بها الصمت فكلاهما عنيد معتد بنفسه شامخ و .. محب ...

رغم ضربات قلوبهم التى تسارعت والتى تجاهلها كلاهما إلا أن كل منهما تحلى بالثبات بإنتظار خضوع الطرف الآخر ، لكن أمر حل بكلاهما فبداخل "عهد" تتشوق بشدة لمعرفة عما يريد التحدث به ، وبداخل "معتصم" حماس لا يوصف لبدء حديثه معها ، وبعد إنتظار لبعض الوقت ظن كلاهما أن الآخر لن يتحدث ليلتفا بذات اللحظة بمواجهة الآخر ..

هنا فقط سقطت الحصون وتلاقت العيون الولهه لكل منهما ، إنها الوحيدة التى صرحت بما يضمراه بداخلهما فعيونهما نطقتها بشوق ولهفة لكن جفت ألسنتهم عن ذلك ...

زاغت سوداوتيه بعينيها الناعستان فلم يعد يطيق الصبر ، ولن يخفي الأمر ، إنه يحبها حبًا حقيقي ليس ظنًا أو خيال وعليه الآن معرفة هل تكنُ له ذات الشعور أم أنه قد فهم بالخطأ ذلك ...

تهدلت ملامحها المتجهمة بليونة أمام مقلتيه البراقتان النافذتان نحوها لكنها سرعان ما أخفت ذلك خلف نبرتها الجافة متسائله ..

- خير ، عاوز مني إيه ..؟!!

لم يعد للأمر حاجة للإخفاء ، قرر التحدث ووضع كل النقاط بحروفها ...

- إنتِ ليه بتعملي كدة ؟؟!

تصنعت عدم الفهم وهي تتهرب بعينيها عن عينيه الكاشفتان لأمرها ...

- بعمل إيه يا فندم ، هو فيه حاجة عملتها غلط !!!

إتسع جفناه ببعض الحدة ثم أردف ينهرها ..

- "عهد" ، بلاش الغباء ده لأنه مش لايق عليكِ ، إنتِ فاهمه كويس أنا عاوز أقول إيه ...

ضمت شفتيها بتهكم معقبة متصنعة عدم الإهتمام ...

- مش مهم فاهمة ولا لأ ، عادي يا قائد ...

زفر "معتصم" بقوة فهو لا يتحمل هذا الإسلوب المراوغ كثيرًا فهو محترف به ولن تحاول معه بما هو ماهر به ...

- إفهمي بقى يا "عهد" ، أنا مكنش ينفع أقولك ، ده مهما كان شغل وأوامر ، حاجات مش جديدة عليكِ ، لأن واحد زائد واحد يساوي إتنين ، أنا لو كنت قولتلك على طبيعة المهمة كان ممكن تعرضي نفسك لخطر ، أنا مكنش ينفع أخالف الأوامر ...

وجدت نفسها لا إراديًا تعاتبه بحدة وتتنازل عن قوقعتها وإخفاء الأمور بداخل نفسها ، لأول مرة بحياتها تتخلى عن قناع تحلت به وتخرج مشاعرها المنفعلة تجاهه ...

- خطر !! يعني إنت مكنتش عارف إن أنا كنت في خطر ...؟!! 

إنتشاء لحظي بإحساسه بتحطيمها لتلك الهالة الغير عابئة التى غلفت بها نفسها ليستكمل موضحًا برغبة مُلحة في توضيح الأمر وإنهاء سوء الظن ...

- "عهد" أنا كنت مَأمِنِك أكتر من نفسي ، صدقيني مكنش حيكون فيه أذى ليكِ ولو حصل حيكون ده بعد ما أفديكِ بحياتي الأول ...

لحظة من الصمت المندهش وهي تطالع عيناه المحبة ، لمحات من مشاعر لا تعرفها ، إحساس جديد لأول مرة تشعر بالإرتجاف حين تدركه ، شئ مفرح ومخيف بذات الوقت ، بل إحساس مفزع لنفسها حين لاحت الفكرة برأسها ، لا لن تنساق بهاوية العشق ، لن تصبح كنساء عائلتها الضعفاء ، توجمت بتحفظ لتعقب بخفوت ...

- لا ، لا مينفعش ...

تساءل لعدم وضوح مما ترفض ...

- هو إيه إللي مينفعش يا "عهد" ..؟؟؟

دون توضيح أجابته ...

- ولا حاجة ، كمل ...

هو لا يسقط ببحور الهوى بسهولة ، لكنه أيضًا تعلم إنتهاز الفرص ، حياته سلسلة من النجاحات والقبض على الفوز حين يلمحه ، وهي فرصة لسعادة قلبه ومشاعر لم يدرك أنه يحمل قلب مفعم بها ، لهذا يتوجب عليه ألا يخسرها فهو الرابح بكل المعارك وتلك المعركة بالخصوص لن يتواني عن الفوز بها فهي جائزته التى حلُم بها منذ زمن بعيد ، زفر بقوة قبل أن يستطرد محفزًا نفسه على إخراج تلك الكلمات التى توقفت بحلقه ...

- لما عرفت من "طه" إنكم مخطوبين بعدت ، لكن دلوقتِ أقدر أكلمك وأقولك على إللي جوايا بصراحة ...

تخوفت "عهد" من إستكمال حديثه لتخطو جانبًا عائدة إلى السيارة ، لكنه إستوقفها بخطوة جانبية ليقف حائلًا أمامها يمنعها من الفرار ...

- متهربيش ، أقفي قدامي هنا ، إسمعي مرة كلامي للآخر ...

رفعت عسليتاها الحائرتان ليقابلهما بنظرة نافذة إخترقت قلبها وأصمتت لسانها ليكمل بإحساس مفعم بكل حرف ينطق به ..

- "عهد" ، أنا بحبك ، مش عارف إمتى وإزاي ، لكن إنتِ بجد خطفتِ قلبي مني ، حقيقي وبقولهالك ، أنا .. بحبك ...

إبتلعت ريقها المتحجر وقد تيبست بموضعها لتشعر بتوتر غريب لا يناسب شخصيتها القوية ، شعرت بالإهتزاز والإرتجاف لكلماته لتجيبه بما لم يكن ينتظر سماعه ...

- أنا مش ضعيفة ، ومينفعش أكون ضعيفة ، أنا طول عمري قوية عشان مكنتش منتظرة من حد إنه يحبني ، أنا لا عايزة أتحب ولا عايزة حد يتحكم فيا ...

ضاقت عيناه بتجهم ليطالعها بنظرته الحادة الغير مقتنعة بما تتفوه به ...

- يتحكم فيكِ !!! ومين قال إن إللي بيحب حد بيتحكم فيه ويخليه ضعيف ، بالعكس ، الحب بيديكِ القوة ، الحب مش فرض سيطرة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ضحكت "عهد" ضحكة تهكمية خفيفة قبل أن تردف بتساؤل ساخر ..

- يعني إنت عاوز تفهمني إنك بشخصيتك دي مش حتتحكم وحتبقى متفاهم وكيوت  و تسيب الحرية للبني آدمه إللي حتتجوزها ، عاوز تفهمني إنك ملاك نازل على الأرض بجناحات ، بلاش مثالية وكلام فارغ ، كل ده عشان توصل لهدف ، ووقت ما توصل له خلاص ، كل الكلام ده بيتمسح ، زي شخصيتي ما حتتمسح ، لا يا "معتصم" باشا ، أنا قوية ، وحفضل طول عمري قوية ...

أراد أن يثبت لها أنها تتفوه بما لا تشعر به كاشفًا مشاعرها أمام نفسها ...

- يعني أفهم من كدة إن مفيش أي مشاعر ليا جواكِ ؟!! ، وإن لما كنا فى الكوخ كل ده كان تمثيل في تمثيل ، تبقي غلطانة ، أنا متأكد إن إللي جواكِ و إللي بتحاولي تخبيه غير كلامك ده إللي بتقوليه ...

رفعت رأسها بشموخ تنفي فهمه لمشاعرها التي لا تدري كيف تأكد منها إلى هذا الحد ...

- أيوة ، مجرد تمثيل في تمثيل وإنت ولا حاجة بالنسبة لي ، ويا ريت بقى نقفل على الموضوع ده أنا لا بتاعة حب ولا عواطف ...

أنهت عبارتها وأسرعت بخطواتها تجاه السيارة هاربة منه ومن نفسها الفزعة التى أدركت عشقه لها ، لكن المخيف هو تيقنها أنها أيضًا تعشقه ...

جلست بمقعدها وهي تلمح "حليم" بطرف عينيها قبل جلوسها للتأكد أنه مازال نائمًا ولم يلاحظ توقفها مع "معتصم" ...

هي رفضت الإفصاح عما تشعر به من عشق له بينما لاحت إبتسامة ماكرة فوق ثغرة الممتلئ متيقنًا بأنها تبادله نفس الشعور لكن عليه الآن جعلها تعترف بهذا العشق وتتدارك مخاوفها التى تثير فزعها بلا داعي ...

عاد "معتصم" للسيارة جالسًا بمقعد السائق لتدور برأسه عدة أفكار لجعل تلك المشاكسة تعلن الإستسلام والرضوخ للعشق ، أدار محرك السيارة مستكملًا طريقهم للأسكندرية لإتمام المهمة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


بيت المستشار خالد دويدار ( شقة عيسى) ...

وسط صراع من نفسه تجاه ظنه ، صراع بين النفس وشيطانها وبين الشك والألم ، صراع يجعلنا نُدهَس بين كفي الرحى ، يرضى بمن يتغلب لكن القوة بمن يغلب نفسه ويهزم شيطانه وظنه ...

بهدوء نفس رغم ما أثاره رؤية زوجته بهذا الوضع الغريب بالأمس إلا أنه يدرك شئ وحيد أنها لن تخون ، لن تُسقط ثقته بها ، إنها أهل له ولقلبه ، لهذا عليه فهم الأمر أولًا قبل أن يصدر أحكام ، لكنها بالنهاية تبقى "غدير" القلب ومنبعه ...

تحدثت عيناه المتسائله بينما إلتزم الصمت والمراقبة حتى حين أخذت "غدير" تثرثر كعادتها كان يقابلها بهدوء صامت ...

- حتى يوم الجمعة يا "إيسوووو" صاحي بدري ، عاوزة أنام يا أستاذ يا نشيط  ..

تسائل بداخله دون التصريح به ...

-( مين ده ؟!! وكنتي واقفه معاه ليه ؟!!) ..

رفعت "غدير" حاجبيها أثناء ميل رأسها الصغير بتعجب من صمته وعيناه الحائرة المسلطة عليها ...

- مالك ؟! مبحلق لي كدة ليه ؟! ما ترد عليا ، نشاط أوفر الصراحة ...

قالتها وتعالت ضحكاتها الصاخبة لكنها إبتلعتها بعد قليل عندما لم تجد تجاوب من "عيسى" لمزاحها لتقضب حاجباها بجدية قبل أن تجلس إلى جواره متسائلة بقلق ...

- "عيسى" مالك ؟! حاجة مضايقاك ولا إيه ؟!!

تطلع مرة أخرى بوجهها كما لو أنه سيكشف ما بداخلها من مجرد نظرة عميقة من نظراته ، نظرة جعلتها تشعر بالإرتباك وعدم الفهم ...

إبتلعت ريقها ليصاحبها تهدج لأنفاسها بإضطراب قلقًا عليه ...

- "عيسى" مالك بجد ؟؟ ساكت كدة ليه ؟!!

زفر مطولًا قبل أن يخرج كلماته بصعوبة ...

- مفيش يا "غدير" ، نامي إنتِ أنا نازل تحت عند بابا وماما ...

نهض ببطء ليثير إقتضابه قلقها وتخوفها بداخل نفسها محدثه إياها ...

- ( ماله النهاردة ، هو زعلان مني ولا إيه ؟!! مش عوايده خالص ) ...

تابعت تحركه حتى غادر الشقة بنظرات حزينة من أن تكون قد أغضبته أو قامت بفعل ما ضايقه ، حتى أنها شكت بأنه قد رآها بالأمس لتهمس بنفي تام ..

- لأ لأ ، أكيد مشافنيش ، ده جه بعدها ، ومقالش حاجة ، اه ، لو كان شافني مكنش سكت ...

أين ستجد النوم والراحة بعد ضيق "عيسى" ، لن تشعر بالراحة وهو على هذا الحال لتبحث عن سبب مناسب لغموض ضيقه المفاجئ ...

- يمكن حاجة فى القضية بتاعته شاغله دماغه ولا حاجة !!! أه أكيد كدة عشان لو كان حاجة تانية كان قالي ...


وبين تخبط من كلاهما إتجه "عيسى" لشقة والديه مبتعدًا عن بقائه مع "غدير" لبعض الوقت ...

لم يكن الحال بأحسنه بين "خالد" و "منار" اللذين غلب عليهم التجهم والضيق فيما دلف "عيسى" ملقيًا تحية الصباح ...

- صباح الخير ، مالكم قاعدين ليه كدة ؟!!

زمت "منار" شفتيها بإمتعاض لتشير بعينيها تجاه "خالد" قائله ...

- شوف باباك ، عاوز يحدد معاد كتب كتاب "رؤوف" من غير ما يقوله ...

جلس "عيسى" وقد تجلت مظاهر التعجب من فرض والده رأيه عليهم فهذا ليس من طبعه المتفاهم ...

- من غير ما يقوله !!! ليه يا بابا ..؟! مش متعودين منك فرض الرأي أبدًا ، إيه إللي حصل ؟!!

بدون توضيح يُريح قلب وفكر "منار" ألقى "خالد" اللوم على تصرفات "رؤوف" الراعنة ...

- مش شايف أخوك و إللي بيعمله !! ده ميتسابش لنفسه ، هو كدة يكتبوا الكتاب الجمعة الجاية ويشتروا العفش عشان حنتمم الفرح على طول ...

لم تتاح حتى الفرصة لـ"منار" للإعتراض فقد قطع حديثهم وقوف "رؤوف" بصدمة أمامهم ...

- إيه ؟!!!!!! كتب كتاب مين ؟؟ أنا ؟!! فجأة كدة من غير ما تاخدوا رأيي ، ليه عيل صغير ؟!!

ما خشيته "منار" قد حدث ، وضعت كفها فوق فمها بفزع من معرفته ومن رد فعل "خالد" فيما بعد ، كرد متوقع نهض "خالد" بملامح مقتضبة قاسية مردفًا بإنفعال ...

- أيوة صغير ، لما تبقى في سنك ده ولسه بتغلط غلطات العيال الصغيرة يبقى لازم نفوقك ونوقفك ...

تهدجت أنفاس "رؤوف" بقوة حتى شعر بتوعك شديد بمعدته تقلصت لها ملامحه بإمتعاض ...

- أنا يا بابا !!! ليه ، اه ، عملت إيه ؟!!

تقوس ألمًا بسبب معدته الثائرة بينما أجابه "خالد" بضيق على وشك الغضب ...

- مشيك تعطف وتلطف مع البنات دي شوية ودي شوية خليت شكلنا وحش قدام خطيبتك وأهلها ، مش مسترجل وجامد كدة ، إللي أعرفه إن الراجل لازم يكون جامد ، ناشف ، الكل يعمل له حساب ، الحنية والنحنحة دي مش للرجاله ، ولا إيه ؟!!

هب "عيسى" يهدئ الأمر بينهما فلا داعي للغضب وإثارة حنق والدهم الذى يكنون له كل الإحترام والرهبة أيضًا ، لحق "عيسى" بـ"رؤوف" قبل أن يقحم نفسه بجدال مع والده سيسبب له الضيق ويقلل من إحترامه له ...

- خلاص يا "رؤوف" ، بابا شايف إنك تتجوز بسرعة أحسن ، وهي كدة كدة "نيره" محدش فارضها عليك عشان تعترض ، يبقى الكلام ملهوش لزوم و إللي كان حيحصل كمان كام شهر نقدمه شويه وتتجوزوا على طول ...

إبتلع "رؤوف" إعتراضه وضيقه ليدلف نحو غرفته ، لا يدري لم الآن يشعر بالغضب والرفض لإتمام تلك الزيجة ، هل لفرض والده عليه الموعد المبكر ، أم لإحساس جديد ولد بقلبه دون إرادة منه ، هل يرفض "نيره" أم إحتلته "مودة" وشتت أفكاره وقراراته ...

جلس فوق الفراش متوعكًا فتقلص معدته أخذ في التزايد ، لكنه عاد لأمر ثابت بنفسه أنه لن يعارض والده ويغضبه وفي نفس الوقت لا ذنب لـ"نيره" بعشق وصل لقلبه متأخرًا سيظلمها به ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ليرضخ رغمًا عنه لترتيب القدر الذى لم يظن يومًا أنه حين يحين ذلك سيصبح بهذه التعاسة ...

حاول "عيسى" تهدئة والده أولًا قبل أن يدلف لـ"رؤوف" يهدئ من نفسه وتقبله للأمر بطريقة دبلوماسية تجاوب معها "رؤوف" لإنهاء الأمر لا أكثر ، لكن بقى قلبه حزينًا لضياعه لفرصة متأخرة مع "مودة" فليته علم بذلك قبل الآن لكان إستطاع تغيير الأمر بدون أزمات بين أهله وأهل "نيره" لكن الآن لم يعد للأمر بُد وعليه تقبل الأمر الواقع ...


❈-❈-❈


بيت النجار ( شقة فخري) ...

وصلة قاسية ولا مبالاة بها كان ذلك لقاء يومي بين "صباح" و "راويه" بشرفة منزلهما لتنتهي "صباح" بسماعها صوت جرس الباب لتدلف مسرعة نحوه بخطواتها الثقيلة المترنحة ...

- "ريهام" ، تعالي تعالي شوفي النصيبة إللي أنا فيها ...

دلفت "ريهام" بتغنج هادئ غير مكترثة بإنفعال "صباح" لتمتعض بشفتيها الرقيقتين قائله ...

- خير يا حماتي ، جايباني على ملا وشي كدة ليه ؟!! يا ريت يكون حاجة مهمة بس في الآخر !!!

دفعتها "صباح" بخفة نحو الداخل تفرغ ما بداخلها من إنفعال فلا أحد يكترث لأمر ضيقها ...

- شوفتي إللي حصل !!! "مأمون" حيتجوز ...!!!!

ببرود تام كما لو أن من تتحدث عنه ليس بزوجها أطلقت "ريهام" زغرودة ممتعضه قبل أن تردف ...

- يا ألف بركة ، وأنا مالي يا حماتي ..

إتسعت عينا "صباح" بإندهاش لتعقب بإستياء من برود "ريهام" ...

- هو إيه إللي ، يا ألف بركة ، هو ده مش جوزك ولا إيه ؟!! 

أجفلت "ريهام" عيناها بتملل لتردف ساخرة ...

- كان ، كان جوزي ، هو حر ، يتجوز يطلق يغور ، وأنا مالي ...

جلست "صباح" بذهول تام قائله ...

- هو إيه أصله ده !!! إنتِ البعيد باردة !!!

تحفزت ملامح "ريهام" الهادئة لتقتضب بحدة مردفة بإنفعال ...

- إيه باردة دي ؟؟! إنتِ بتتكلمي معايا أنا كدة ؟!! لاااا مش أنا يا حماتي ، أنا محدش يشتمني ولا يقل مني أبدًا ، فاهمة ...

إنفعلت "صباح" صارخة بها فهي لم تعد تتحمل منذ ما حدث بالأمس فأعصابها متوترة بشكل بالغ ...

- إنتِ بتزعقيلي يا بت "سعيدة" ، أنا تزعقيلي وأنا جايباكِ خايفه عليكِ وعلى مصلحة عيالك وفلوسهم ...

وقفت "ريهام" مستكملة غضبها المحتد غير عابئة بقوة تلك المرأة فهي تتحكم بها بما تعرفه عنها لتردف بنبرة تهديدية واضحة ...

- لاااا عيالي وفلوسهم مينقصوش جنية ، والحبة دول يتعملوا على حد غيري مش أنا ، إبنك وإنتِ حره فيه أنا سيبتهولكم تشبعوا بيه ، لكن فلوس عيالي وربنا ما حسكت ...

فهمت "صباح" تهديدها جيدًا لتنهض بتبجح ودون الإهتمام فليس بالبيت سواها وتلك المنزوية بالشرفة ولن تسمع حديثهما مهما حدث لتردف بإستهزاء ...

- أعلى ما في خيلك ، إركبيه ، قولي إللي تقوليه أنا ميهمنيش ...

مطت "ريهام" شفتيها للأمام قبل أن تخرج ما في جعبتها تستكمل تهديهدها لـ"صباح" ...

- خلاص طالما إنتِ مش خايفه ، أنا حقول لعمي "فخري" مراتك الست "صباح" بتعمل لك أعمال عند الشيخ "كرامه" من سنيييييين عشان تفضل مكمل معاها ومتسيبهاش ولا تسيب البيت ، وإنها بتحط الأعمال ليه في كل مكان وفي الأكل إللي بياكله ، وكل ده عشان ميسيبهاش ويروح لغيرها ، تحبي أقول أكتر ولا كدة كفاية ، أقوله إنك مش بترضي تاكلي عند اى حد عشان خايفه حد يعملك عمل زي ما بتعملي للناس ، ولا أقوله على أذيتك للناس وأى حد يزعلك ... 

رفعت "صباح" حاجبها بخيلاء لتعقب مهدده إياها ...

- قولي زي ما تقولي محدش هنا عشان يسمعك ، وأنا بقولك أهو كلمة واحدة توصل لـ"فخري" يا ويلك مني ، مش حتعرفي حيجرالك إيه ، ومش حتشوفي مني مليم ...

صدمت "صباح" حين كان الرد آتيًا من خلفها وليس من "ريهام" فقد إستمعت لصوت جهوري صارخ ينطق بإسمها جعل الأرض تهتز من تحت أقدامها ..

- "صبااااااح" ...

إستدارت "صباح" لتتسع حدقتيها بفزع متمتمة بإرتجاف ...

- فخري !!!!!!!!


❈-❈-❈


شقة (زكيه) ....

عادت "شجن" كما لو أنها لم تقم بشئ من الأساس لتنتظر أن يأتي "بحر" وينهي تلك الأزمة وترتاح من داخلها لنهاية هذا الصراع الأزلي بين زوجة عمها ووالدتها بزواج إحداهن ...

لم يخيب ظنها لتسمع طرقات ببابهم أسرعت نحو الخارج لتشاهد الأمر من بدايته ...

فتحت "زكيه" الباب متفاجئة بوجود "بحر" ، لقد إستطاعت حفظ ملامحه الهادئة بالطبع رغم رؤيتها له مرة واحدة ، كانت مرة لا تنسى ، فغرت فاها بقوة وهي تشهق فزعًا لتكرار الأمر ..

- يا لهوي ، إنت تاني ؟؟!!

على الفور كانت "نغم" تلحق بوالدتها المندهشة لتطالع وجوده بصدمة تحرك رأسها رافضة إستكمال ما حدث بالأمس لتردف مهاجمة دون إنتظار ...

- إنت جاي تاني ليه ؟!! إحنا مش ناقصين مصايب تقع فوق راسنا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

لم يكترث لرفضهم فزواجها من "مأمون" لأمر مرفوض تمامًا ولن يضيع فرصته معها لمصلحتها أولًا وحياة له بالمقام الثاني ..

- أنا جيت في موضوع مهم مينفعش يتأجل ...

تطلعت "زكيه" بتخوف للسُلم من خلفه خوفًا من مجئ "صباح" كما فعلت بالأمس لتشير نحو الداخل بتردد تدعوه للدخول ..

- طب إدخل قبل ما حد ياخد باله ...

خوفها غير الطبيعي جعله يشعر بالإستياء ، فلم تخشى تلك الوقحة لهذا الحد ، إنها لا تقوم بأي فعل خاطئ لما التخوف إذن ..

إنصاع لها ليدلف نحو الداخل لتشجعه نظرات "شجن" المتحمسة لمجيئه ، جلس بهدوء متابعًا تلك العيون المستاءة لوجوده لكنه بدأ حديثه مباشرة ...

- أنا حدخل في الموضوع على طول ، أنا جاي طالب إيد "نغم" ...

تطلعتا لبعضهما البعض بصدمة ثانية لتجيبه "نغم" بعجالة خوفًا من ضياع فرصتها مع "مأمون" ...

- أنا خلاص إتخطبت إمبارح لـ"مأمون" إبن عمي ..

بإصرار شديد أكمل "بحر" ...

- أنا بطلب إيدك عشان أنا فعلًا عاوزك وشاريكِ مش لإنقاذ موقف ، "نغم" بلاش تسرع ، "مأمون" مينفعكيش ...

بإصرار منها أجابته لتنهي الأمر كافة بلا رجعة ...

- "مأمون" طلبني وأنا وافقت ، أنا بحبه ومش عاوزه غيره ...

نظر نحو "زكيه" يدفعها للتدخل ...

- إتكلمي يا طنط ، أكيد الموضوع ده مش عاجبك ، أنا عارف إنك وافقتي عشان مفيش حل غيره ، لكن أنا بقولك أنا موجود وشاري بنتك وعاوزها ...

تغلب عليها خوفها فبم ستخبر "مأمون" و"فخري" إذا وافقت ، إنها لا حمل لها بمواجهتهم أيضًا لتجيبه بنفس مهترئة ...

- خلاص يا إبني ، القسمة والنصيب ...

سعدت "نغم" لموافقة والدتها لتهب "شجن" تنهرهما بحدة ...

- إنتوا بتقولوا إيه ؟؟! الراجل جاي أهو ، وعاوز يخلصنا من الهم ده ، تقولوله لأ ليه !! بتعملوا ليه كدة ؟!!

تخوفت "زكيه" من أن يسمعها أحد لصوتها العال المحتد لتهتف بـ"بحر"...

- بص يا إبني ، خلاص ، بلاش تيجي هنا وتعمل مشاكل ، إبن عمها عاوزها وخلاص ، إحنا مش ناقصين مشاكل معاهم ، إمشي يا إبني ، ربنا ييسر لك طريقك ...

تطلع نحوهم بغضب مكتوم فيما دفعته "زكيه" بخفة نحو الباب بترجي ...

- أبوس إيدك إمشي ، أنا ما صدقت الدنيا هديت ، سيبنا في حالنا ، إحنا ناس مش بتوع مشاكل ...

إعراض "نغم" عنه جعله يشعر بأن مكانه ليس هنا ، ليخرج من الشقة لكن مازال الأمر لم ينتهي بالنسبة له بعد ...

أغلقت "زكيه" للباب من خلفه ليكون بذلك إشارة لـ"شجن" بإخراج إنفعالها المكتوم لسلبية أمها التى ستقضي عليهن ...

- ليه ، بتعملي ليه كدة ، تعالي نمشي ونروح فأي حته ، بلاش ترخصينا كدة ، بلاش تخلينا سلعة للي يسوى واللي ميسواش ، بلاش الجوازة دي ...

إعترضت "نغم" وهي تقف بمحازاة أمها كمن تدعمها للبقاء ، فأخيرًا سيحقق أملها كما تظن ...

- مالكيش دعوة يا "شجن" ، إحنا راضيين ، وبعدين حنروح فين ، وليه ، أنا عايزة "مأمون" ، عاملاها مشكلة ليه ؟!!

نظرت "شجن" بعيون متوسلة لأمها لتخلصهم من هذا العذاب ...

- يا ماما ، دي هبلة ومش عارفه مصلحتها ، "مأمون" إيه بس ، قوليلها حاجة ، فهميها إن حياتها معاه كلها عذاب ، إنطقي وخلصينا ، خلينا نمشي من البيت ده ...

زاغت عينا "زكيه" الدامعتين بحيرة بين كلتاهما فلأول مرة تختلفا بهذا الأمر ، شعرت "نغم" بتردد والدتها لتردف بترجي ...

- ماما ، أنا بحب "مأمون" وعاوزاه ، أنا مسؤوله عن إختياراتي ، متضيعيش مني حلم عمري ، خلينا هنا ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بإشفاق على حال إبنتها وبرضوخ لحياة طالما عاشتها أجابت مطأطئة الرأس ...

- خلاص بقى يا "شجن" ، أختك موافقة أهي ، وكمان ممكن بعد جوازها من "مأمون" الأمور تنصلح و"صباح" تسكت ...

تهدلت ملامح "شجن" بصدمة تلي الأخرى ، لا تصدق مدى الخنوع والإستسلام لهذه الوضاعة لتردف بحدة وغضب لم يمر بها من قبل فلم تعد تقوى على تحمل تلك الحياة ...

- أنا خلاص معدتش قادرة أستحمل كل الخوف والجُبن ده ، أنا مش عارفه أعيش ولا أفرح ، حياتي كلها مقضياها خوف ووجع قلب ، عشان إيه !!! شقة في بيت عيلة كلها مشاكل وتُهَم وكلام محدش يتحمله ، لأ ، كفاية بقى ، كفااااية ، عايزين تقعدوا إنتوا براحتكم ، أنا خلاص معدتش قادرة ، أنا ماشيه وسايبة البيت ده ، إنتوا أحرار ، أنا مش حستني لما أترمي أنا كمان في حياة هباب غصب عني ...

دلفت لغرفتها المشتركة مع "نغم" لتخرج بعد دقائق قليلة تحمل حقيبة صغيرة هاتفه بهم بثورة غاضبة ...

- أنا حمشي وحكسر التليفون ، طول ما إنتوا مستحملين القرف ده والله ما أنا راجعه ...

فتحت الباب بقوة لتخرج منه بخطوات سريعة منفعلة بينما أخذت "زكيه" تناديها بصوت متهدج يقطع القلوب ...

- لا يا "شجن" ، يا "شجن" ، "شجــــــــــــــــــــن" .....


الفصل السادس والعشرون « دوائر ضبابية ...؟!! »

سلام على من ظننا أننا نسيناهم ، نحن أبرياء من هذا الظن فقد توغل بقائهم بنفوسنا وأصبحنا مرضى بذكراهم ، وحين يأتي طيفهم تُعمى أعيننا و تصبح رؤيتنا كصراع مع الدخان في دوائر ضبابية ...


بيت النجار (شقة فخري) ...

تَوقَع الأسوء من تلك الحقودة لكنه لم يمر بذهنه أن قلبها مفعم بهذا السواد ، رغم أنه يوم الجمعة إلا أن "فخري" قد إعتاد الذهاب للوكالة عوضًا عن الراحة والإسترخاء بالبيت ، هذه الجدران التى يشعر بداخلها بالغربة لكنها بالنهاية تسمى بيت ..

فور خروجه هذا الصباح تذكر أنه قد نسي محفظته بغرفته ليعود أدراجه مرة أخرى ، هدوء تجلى بالشقة بعد مغادرته فيبدو أن "صباح" بالشرفة مع إبنته "راويه" ليدلف لغرفة النوم دون أن ينتبه أحدهم لعودته ...

دقات أعلنت مجئ زائر بهذا الوقت الغريب ليستمع "فخري" دون قصد منه لحوار دار بين "صباح" و زائرة الصباح "ريهام" زوجة إبنه "مأمون" ليفاجئ بالنهاية بتهديد "ريهام" لـ"صباح" بإخباره بالأسحار التى تقوم بها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

وقف مذهولًا من تلك قبيحة القلب والملامح ، كيف لها أن تُدنس حياتهما بسحر لإجباره على تقبل حياته معها والتى طالما تسائل لمَ مازال متحملًا زواجه منها ؟!! لمَ يشعر بأنه مجبر على التقبل والصمت ؟!!

الآن فقط علم السر ، إنه لم يكن يتصرف بطبيعته بل كانت تطعمه السحر ليبقى ...

ثورة دبت بدمائه ليصرخ بها بغضب لم يخرجه منذ أكثر من ثلاثون عام هاتفًا بتلك البغيضة ...

- "صبااااااح" ...!!!!

إلتفت "صباح" مذعورة تجاه مصدر الصوت متفاجئة من وجود زوجها بالبيت فقد خرج للوكالة منذ قليل لتهتف بصدمة وهي تشهق بقوة ضاربة صدرها السميك ...

- "فخري" ...!!!!!!!!

كانت تلك فرصة "ريهام" للهرب لتتجه مسرعة نحو باب الشقة هاربة من مواجهة والد زوجها كما لو أنها لم تفعل أو تتفوه بشئ لتترك "صباح" تواجه ثورة زوجها بمفردها ...

إرتجاف شديد سار بأوصالها وهي تتعثر بكلماتها أمام عيناه الغاضبتان ووجهه المحتقن بحمرة متوهجة ، غضب لم ترى مثله من قبل بهذا الرجل هادئ الطباع ، جف حلقها تمامًا وهي تبحث عن بعض حروفها المشتتة للرد عليه ، لتردف بتحشرج ونبرة مذعورة مرتجفة ...

- إنت ... هنا ... يا أخويا ...!!!

سؤال لا معنى له ولا إجابة له أيضًا ليدنو منها وقد إتقدت عيناه بشرر يضغط بقوة فوق مرفقها السمين معنفًا إياها ...

- إيه إللي أنا سمعته ده ؟!! إنتِ ، بتعمليلي أعمال وتحطيهالي في الأكل ، عشان أفضل مكمل معاكِ !!!!!

ثم أكمل مستنكرًا ...

- فعلًا ، هو إنتِ حد يطيقك إلا مغصوب ، إنتِ إيه ، كافره ؟!!

بصعوبة شديدة حاولت الدفاع عن نفسها ...

- ده يا أخويا ، من خوفي ، عليك ، ده أنا غلبانة ومسكينة ...

بنفور تام عقب "فخري" ..

- ده إنتِ سارقاكِ السكينة ، حد يغضب ربنا كدة ، وأنا بقول لروحي ، إزاي قدرت أستحمل حياتي معاكِ كل السنين دي ، إزاي قدرت أعيش مع واحدة زيك ، أنا كنت بستغرب نفسي ليه ساكت وراضي ، غلطة عمري إني إتجوزتك ...

جبل ينهار تمامًا فوق رأسها ، كل ما قامت ببنائه يهدم فوق رأسها بلحظات ، أخذت تبحث بفكرها المحدود عن مخرج لتلك الورطة لتتذكر "زكيه" التى لاح طيفها أمامها ...

- لا يا أخويا ، دي تلاقيها الخدامة وبناتها ، هم إللي عكروا الدنيا ما بينا ، ده أنا بحبك وربنا يا سي "فخري" ، أنا يمكن صوتي عالي شوية بس قلبي أبيض زي اللبن الحليب ...

ضحكة ساخرة من سذاجة تفكيرها المحدود أطلقها "فخري" قبل أن يجيبها بإشمئزاز ...

- إنتِ فاكراني جاهل زيك وحيخيل عليا الكلمتين دول ، أنا خلاص فوقت من القرف إللي بتعمليه ، بترمي بلاكِ على ناس أشراف ، إللي الله أعلم عملتي فيهم إيه هم كمان ...

توهجت نفس "صباح" الشرسة فقد دبت الغيرة مرة أخرى بقلبها ...

- إنت بتدافع عنها يا سي "فخري" !!! مش هي دي إللي إنت كنت عاوز تتجوزها ؟!! مش هي دي إللي كانت حتخرب بيتي ..!!!!

ترك "فخري" مرفقها يلوم نفسه على الإنصياع لتلك المرأة لسنوات طويلة ...

- ويا ريتني إتجوزتها وحاجيت على بنات أخويا ، ست طيبة وفي حالها مش زيك ، مش عيب إنها شالت المر عشان تربي بناتها إللي إحنا مرضيناش نصرف عليهم فلوس أبوهم ، ست الدنيا لطمتها عشان تربيهم بالحلال ،(ثم وجه لها إتهامه وتقززه منها ) ، لكن إنتِ روحتي للحرام برجليكِ ، إنتِ الشر نفسه ، إنتِ الشيطان ، أنا لا يمكن أعيش معاكِ بعد كدة ، لا يمكن أقبل تكوني على ذمتي ، من النهاردة ملناش عيش مع بعض ، إنتِ طالق ، طالق ، طالق ...

فغرت فاها بقوة وتوسعت عيناها الجاحظتان بصدمة فما كانت تخشاه منذ زواجها منه حدث ، لقد طلقها من تعشقه حتى النخاع ، طلقها من سعت إليه بكل الطرق السليمة والملتوية ، تدمرت حياتها و خُرب بيتها ، خرج إبنها عن طوعها ، ماذا كان سيحدث بعد ، ألم تقم بتلك الأسحار لإفساد حياة "زكيه" ، لم فَسدَت حياتها و خُرب بيتها و عشها الساكن ، لقد تطلقت من حب عمرها وأبو أولادها و سكنها ...

تهدلت لتسقط جالسة مذهولة مصدومة لترفع مقلتيها تجاه "فخري" تستجديه أن يرحمها ويسامحها ...

- حقك عليا يا أخويا ، أنا غلطانه والغلط راكبني من ساسي لراسي بس أبوس رجلك بلاش تطلقني ، ده أنا عملت كل ده من حبي فيك ...

تطلع "فخري" بها لبعض الوقت دون رد ، متحيرًا كيف كان يقبل تلك المرأة من الأساس ، لقد أزيلت غشاوة عن عيناه برؤيتها على حقيقتها ومكرها المخادع ، إنها لم تكن تصلح له زوجة ولو ليوم واحد ، كيف صبر و بقى معها لعشرات السنوات ، لقد تحرر أخيرًا من قيده ولن يعود إليه ، رمقها بتقزز قائلًا ...

- ده أنا ربنا نجدني منك ، خلاص ، عمري ما حرجع أرمي نفسي تاني مع واحدة شيطانة زيك ، أنا ماشي والبيت ده مش راجعه تاني ، أنا حطلع من هنا وأعيش إللي معرفتش أعيشه معاكِ ، ومش عاوز أشوف وشك ده تاني ، وورقة طلاقك بكرة تكون عندك ...

أنهى حديثه مغادرًا الشقة يتنفس هواء نقيًا بملئ رئتيه فقد كان سجينًا تلك المقبرة وليس البيت ، فاق أخيرًا من رؤيته الضبابية التى كانت تغشى عيناه وها هو حر طليق ، إنطلق بطريقه مبتعدًا وبكل خطوة تتملكه سعادة غابت عن قلبه لسنوات ، سعادة ظن أنها قد إنتهت تمامًا من حياته ، لقد مزق صفحة كان واجب عليها تمزيقها منذ عقود ...

لم تتقبل "صباح" حياتها المهدمة بسهولة وقلب مستكين ، بل أخذت تضرب بكفيها فوق فخذيها تولول بتحسر حقيقي ...

- ااااه يا ميلة بختك يا "صباح" ، بقى إبني وجوزي يروحوا مني فى يوم واحد ، بقى كدة ، طب إزاي ، إزااااي ...

وقفت "راويه" بأعين تعيسة وشفاة مقلوبة وهي تطالع تحسر أمها ومغادرة أبيها بعد طلاقه لها ، نظرت نحوها "صباح" تحدثها وتلوم نفسها وتلعن كل من حولها ...

- كل حاجة راحت ، الراجل راح مني ، إبني راح مني ، أنا خلاص ، ضعت ، بقى أنا يحصل فيا كدة ، هو ده العمل إللي عمله "كرامه" ، أروح له يخرب بيتها يخرب بيتي أنا ، أنا إللي أتحسر و أتطلق ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ثم إنتبهت لأمر ما لتزداد إنفعالًا وغضبًا ...

- تلاقيه دلوقتِ حيروح لها ، حيروح يتجوزها ، اااه ، ما هو كان نفسه من زمان يتجوزها ، وأهو خلاص خلي له الجو ، لكن أبدًاااا ، مش حيحصل أبدًاااااا ، طول ما أنا على وش الدنيا مش حهنيهم وأفضل أنا كدة ... 

نظرت نحو "راويه" تحذرها وتهددها ..

- وإنتِ ، إنتِ لازمن تساعديني ، لازمن تعملي إللي أقولك عليه ، أنا لا يمكن أسيبهم أبدا أبدا أبدااااااااا ....


❈-❈-❈


شجن ...

بعد أن سارت لوقت لا بأس به وبدأ إنفعالها بالتلاشي وجدت نفسها بعيدة للغاية عن حيَّهم ، جلست بأحد مقاعد إنتظار الحافلات تحاول التحايل على قلبها الغاضب بالهدوء ، تقوست شفتيها بحزن فتلك أول مرة تترك والدتها و أختها ، لكنها لن تتحمل أن تساق كالأغنام لواقع ترفضه ، لن تعيش تلك الحياة بالإجبار ...

تنهدت بضيق لتومئ بخفة محدثة نفسها ...

- إللي أنا عملته ده هو الصح ، يمكن يرجعوا عن إللي بيعملوه ، أو على الأقل أنجى أنا بحياتي ، أنا معنديش إستعداد أفضل في الضغط النفسي ده ...

بدأت تحدد أفكارها فأين ستذهب الآن فما معها من نقود لا يكفي لأي شئ فقد أعطت والدتها بقية راتبها بالأمس ولم يعد معها إلا القليل ...

أخرجت هاتفها تبحث عن رقم وحيد هو من وجدت به حل لمشكلتها ، إنه العم "أيوب" ...

- صباح الخير يا عم "أيوب" ...

لو كانت الأصوات تبث السعادة لكانت أيقنت أنه يتراقص فرحًا الآن ..

- "شجن" ، إزيك يا بنتي ..

سحبت "شجن" نفسًا عميقًا قبل أن تجيبه بنبرة مختنقة ...

- الحمد لله يا عم "أيوب" ، إنت عامل إيه ، وإزاي صحتك دلوقتِ ؟!!

- نحمده على كل حال ..

بحرج بالغ سألته "شجن" على إستحياء ..

- عم "أيوب" هو اااا ، لسه العرض بتاع الشغل إللي قلت لي عليه متاح ؟!!

تهلل صوته بحماس شديد ...

- إلا متاح ، يا ريت يا بنتي ، يا ريت ...

مطت "شجن" شفتيها بحرج لتردف ..

- طيب أنا عاوزة آجي ، ممكن توصف لي العنوان ...

- على عيني يا بنتي ، إكتبيه عشان تعرفي توصلي ..

بتفهم لتوضيحه لها كيف يمكنها الوصول لبلدته وماذا ستستطيع إستقلاله من وسائل المواصلات العامة ليناسب ما معها من مال أجابته بالنهاية ...

- فهمت يا عم "أيوب" ، أنا حتحرك من عندي هنا وآجي لحضرتك على طول ...

بترحيب شديد عقب "أيوب" ...

- ده يوم الهنا ، أنا مستنيكِ يا بنتي ، بس خدي بالك من نفسك ...

بثقة دائمًا ما تشعر بها أجابته ...

- بإذن الله ، متقلقش عليا ...

أنهت هذا الإتصال لينبعث إليها شعور ببعض الراحة فها هو مكان آمن سوف يأويها حتى تستقر حياتها ، أغلقت هاتفها تمامًا ثم وضعته بحقيبتها حتى لا تستطيع والدتها مكالمتها وإقناعها بالعدول عما عزمت عليه ...


❈-❈-❈


يوم صحو توسطت به شمس الشتاء بالسماء ذات السُحب المتقطعة ، لاحت الظهيرة وإنتهت الطرق ، فبعد سفرة طويلة لعدة ساعات ها هو "معتصم" ومن معه يصلون الأسكندرية لبدء مهمتهم التى كلفوا بها ...

تطلع "معتصم" بالمرآة ليجد "حليم" قد إستيقظ معتذرًا عن خلوده للنوم ...

- أسف يا قائد ، محستش بنفسي ...

بسمة ماكرة علت ثغره فهمتها "عهد" على الفور حين عقب "معتصم" ...

- دي أحلى نومه ، إوعى تكون فاكرني زعلت ، لا خالص ...

نظرت "عهد" إلى يمينها تتهرب من نظراته الجانبية التى ستلاحظ تمالكها لبسمتها مصطنعة اللا مبالاة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

مكالمة هاتفية ضرورية للغاية قام بها "معتصم" أولًا قبل الدخول لتلك المدينة الساحرة ، حين تحدث إلى "عمر" قائلًا بجدية تامة ...

- ألو ، أيوة يا "عمر" ، إحنا خلاص وصلنا إسكندرية ورايحين على العنوان ، إتواصل بقى مع الدعم هنا عشان نأمن اللاجئ ده وننقله لبيت تحت الحراسة ...

أجابه "عمر" بحرفية تماثل مهارة "معتصم" ...

- نص ساعة وحيكون فريق الدعم هناك ، أظن ده وقت كافي على وصولكم ...

بإيمائة خفيفة أجابه "معتصم" وهو يلتف بمقود السيارة فقد دلف للطرقات الداخلية للأسكندرية للتو ..

- اه تمام ، وممكن نوصل قبل كدة كمان ، حنظبط الدنيا لحد ما فريق الدعم يوصل ...

أنهى إتصاله فيم إلتف مرة أخرى ليتخذ الطريق المباشر لهذا العنوان الذى يقع بهذا الشارع العريق الممتلئ بالسفارات الهامة والبنايات الدبلوماسية ...

بمرور الوقت ونهاية الطريق الذى أوشكوا به على الوصول لفظ "معتصم" توجيهاته بصرامة فقد توغل بالعمل مرة أخرى ...

- جهزوا نفسكم ، قدامنا عشر دقايق ونوصل شارع فؤاد ...

على الفور ملست "عهد" بكفها فوق شعرها الأسود ثم تحفزت بإغلاق سترتها تأهبًا لحماية هذا الرجل ..

رمقها "معتصم" بخفة بجانب عيناه آمرًا إياها ...

- إلبسي واقي الرصاص ...

بعناد ظاهر أجابته تلك المشاكسة ...

- ليه ، ملهوش داعي خالص ، إحنا نازلين وسط بيوت ، ومحدش يعرف معاد وصولنا ، إيه إللي حيحصل يعني !!!

إحتد "معتصم" آمرًا إياها بنبرة صارمة لا تحتمل النقاش ...

- ده أمر ، أنا قلت تلبسي الواقي يعني تلبسي الواقي ، ملهاش لزوم طريقتك المعارضة على كل حاجة دي ...

ثم نظر للمرآة موجهًا أمره لـ"حليم" أيضًا ...

- وإنت كمان يا "حليم" ، لازم نكون جاهزين لأي مفاجآت ...

أجابه "حليم" بإنصياع لتوجيهاته ..

- تمام يا قائد ، حلبسه ...

بتذمر شديد رفعت "عهد" سترتها الواقية من الرصاص لترتديها وتحكم إغلاقها بتحفز فقد أوشكت رحلتهم على التوقف بينما شعر "معتصم" بالتلذذ من مشاكستها التى يحبها ...


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد ) ...

"لأجل عين تكرم مدينه" ، هكذا قيل فمن أراد عطائي أكرم أحبائي ، وليس هناك حبيب أكثر من هذا الصغير "زين" ، الذى جلس بسعادة تشق الإبتسامة وجهه الصغير ...

أشرقت شمس حياة هذا الصغير للتو ، فمجرد رؤية ضحكته شعرت "وعد" أن الدنيا بأمان ...

ضحكات متتابعة تضج البيت حياة وسعادة ، تلك الضحكات التى تتوقت لسماعها منذ أن دبت به الحياة ...

جلس "محب" يداعب هذا الصغير بألعاب ومزاح أخرج ضحكته التى نادرًا ما تسمعها ، لا تدري أتسعد لسعادة ولدها أم لهذا الوسيم الذى يليق به أن تثتثنيه عن الكل ...

ضحك "محب" وهو يتابع "وعد" بنظراته الولهه وهي تقترب منهم ليعتدل من جلسته المائلة إلى جوار "زين" ...

لم تكن تنتبه من قبل أن لـ"محب" طلة وسيمة للغاية حينما يضحك ، حتى أنها لم تتذكر متى رأت ضحكته من قبل ، لكنها متيقنة الآن أنه يزداد توهجًا حينما يبتسم ...

تلقائيًا إتسعت إبتسامتها وهي ترى سعادتهم وإهتمام "محب" بولدها الصغير ، سألته "وعد" بنعومتها التى لم يعتادها ...

- صباح الخير ، إنت صحيت بدري النهاردة صح ؟؟؟ إنت مش عوايدك تصحى بدري كدة !!!

نهض "محب" بمواجهتها ليسبل بنيتاه بخضراوتيتها الجذابتين ...

- مش قادر أنام وأقفل عيني عنك ، كأني مش هاين عليا أقضي وقت مشوفكيش فيه ...

ضحكت "وعد" بحالمية سلبت عقل هذا المحب ...

- ما بلاش الدلع ده !!! حتندم ...

رفع كفيها بيديه نحو شفتيه يقبلهما بهيام قائلًا ..

- عمري ، أنا لو أفضل كل إللي باقي من عمري أبص فى وشك بس ، كفاية عليا ...

لم تشأ أن تشكك بعشقه لها لتسأله متهربة ...

- طب حتنزل المعرض إمتى عشان أحضر لك الفطار ..؟؟؟

طال الوقت دون إجابة لترفع خضراوتيها تنظر إليه ، لن تُكذب تلك العيون العاشقة ، فهل أصبحت كأختها تشكك بكل شئ ، لم لا ترضخ لهذا العاشق دون تفكير ...

أجابها بنبرته الهادئة التى تلائمت تمامًا مع نعومتها ..

- أنا لا رايح ولا جاي ، أنا قاعد معاكِ هنا النهارده ، مش حسيبك ، هو إيه مش أنا عريس بقى ولا إيه ...؟!!!

أنهاها بغمزة ساحرة لتشعر بموجة عاصفة من السعادة فقد إختارها وقرر البقاء معها ، لم يبعد ويتهرب ، لم يصارخ ويسب ، أليس هذا هو الإختيار الصحيح ؟!!


غياب "محب" عن "عتاب" جعلها تنفعل مغتاظة من تجاهله لها لتُحدث نفسها بتوعد ..

- هو إيه أصله ده ، مش المفروض ينزل يقولي عمل معاها إيه ، ماشي يا "محب" وربنا ما أنا سايباك ...

رفعت "عتاب" هاتفها تدق بأخيها لتقطع تلك الوصلة الساحرة بين قلوبهم المحلقة ليتمتم "محب" بغضب مكتوم من غلاظة تلك المتطفلة الآن ...

- أيوة يا "عتاب" ، خير ؟؟!

أجابته بحدة لتجاهلها كل هذا الوقت ...

- جرى إيه يا أخويا ، إنت صدقت ولا إيه ، حتفضل قاعد جنب السنيورة ، ما تيجي عاوزاك ...

تطلع "محب" بوجه "وعد" الهادئ أثناء إستكماله محادثته مع "عتاب" ليردف بنفور رغم تطلعه بوجهها بنظرات حالمه ..

- حلي عن دماغي النهاردة يا "عتاب" ، أنا مش نازل ولا رايح في أى مكان ...

إبتسمت "وعد" ليشرق وجهها بحمرة متوهجة ليلاطفها "محب" بحركة ناعمة من أطراف أصابعه التى مررها على وجنتها الناعمة مستكملًا ...

- عايزة حاجة تانية ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

قضمت "عتاب" شفتيها بغيظ فعليها أن تفسد يومهم بأية طريقة لتردف بكذب ...

- ماما تعبانه ، مش حتيجي تشوفها وتشوف نجيب لها دكتور ولا إيه ، ولا حتسيب الحمل كله عليا أنا ؟!!

دارت عيناه للأعلى بسأم من أفعال "عتاب" التى لا تنتهي ليردف بإنصياع مجبرًا عليه ...

- تمام يا "عتاب" ، نازل لك أهو ...

وبدون حتى إنهاء للمكالمة أغلق الهاتف بوجهها مما أثار حنقها وغيظها ...

أكمل حديثه الهادئ لـ"وعد" بهيام ..

- عشر دقايق حنزل أشوف ماما وأرجع ألاقيكِ غيرتي هدومك إنتِ و "زين" حنتغدى بره النهاردة ...

أومأت "وعد" بسعادة لتتفهم مسؤوليته تجاه والدته ..

- براحتك ، شوف طنط "قسمت" الأول ...

ليؤكد على وعده لها ...

- أنا وعدتك أهو ، أنا حغير حياتك دي خالص ، يلا غيري هدومك وأنا حطمن عليها وأرجع على طول تكونوا جهزتوا ...

- حاضر ...

خرج "محب" متجهًا للدور السفلي ليطمئن على والدته بعدما أخبرته "عتاب" بأنها ليست على ما يرام ...

إنتهزت "وعد" تلك الفرصة لتدلف إلى المرحاض لتنعم بإستحمام هادئ بعد أن وضعت بعض الألعاب لـ"زين" حتى تنتهي من حمامها وتجهيز نفسها للخروج بعد قليل ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


الإسكندرية ...

تلك المدينة الساحرة المكتظة بأهلها كانت هادئة تمامًا بهذا اليوم ، فالجميع يوم الجمعة ينعم بيوم عطلته المميز ...

هدوء تام عم المنطقة فيبدو أن العطلة وبرودة الأجواء بالأمس جعلت الجميع يفضلون الراحة ببيوتهم لهذا كان الشارع خاليًا إلا من قلة قليلة من المارة ..

صف "معتصم" سيارته ليخلع حزام الأمان بهدوء ، تبعته "عهد" برزانتها تتأكد من توقفه بالبداية قبل أن تترجل من السيارة ، لكن ذلك لم ينطبق على "حليم" فقد كان متحمسًا للغاية للعمل بهذه المهمة التي على ما يبدو أنها سهلة للغاية ...

- أنا نازل يا قائد ...

فور أن ترجل "حليم" من السيارة تحول "معتصم" ببصره تجاه خاطفة قلبه قائلًا ...

- لسه برضه عند كلامك ، لسه مش عاوزة تليني دماغك الناشفة دي وتعترفي باللي جواكِ ...؟؟؟

رفعت رقبتها بإستعلاء مجيبه إياه مصطنعة اللا مبالاة وملامح الجدية المرتسمة على ملامحها ..

- شكلك بتحب تضيع وقتك يا حضرة الضابط ... 

قالتها وهي تتابع تحرك "حليم" لمقدمة السيارة ، بينما رفع "معتصم" حاجبه يضم شفتاه الممتلئتان قائلًا بثقة أشبه بالغرور ...

- لما نشوف مين فينا نفسه أطول ، يا أنا ، يا أنا ...

قالها يستفزها بقدراته على تغييرها وكشف مشاعرها لتعقص أنفها ساخرة منه ...

- ده عند الست الوالدة ...

رمقها بعينيه البراقتين أرجفتها دون أن تظهر ذلك ليهتف بحدة ...

- "عهد" !!! 

إبتلعت ريقها تشيح بوجهها عنه ناظرة نحو "حليم" الذى وقف بإنتظارهم أمام السيارة ..

فتحت "عهد" باب السيارة لتسدل قدمها مترجلة منها لتفاجئ بدوى صوت إطلاق رصاص لا تعرف وجهته أرجفها بقوة وهي تري "حليم" يخر أرضًا مصطدمًا بالأرض ...

صدمت "عهد" من رؤيتها له ساكن دون حراك وبدأت الدماء تنساب من أسفله ..

وقفت للحظات مشدوهة بهذا المنظر المفاجئ فلا أحد يعلم بقدومهم فمن هذا الذى فاجئهم بإطلاق الرصاص ...؟!!!

كانت متماسكة لكنها مندهشة مصدومة للغاية ، فهو زميلها صغير السن الذى إلتحق مؤخرًا بالعمل معهم بالجهاز ..

أسرع "معتصم" بخفة ومهارة بالخروج مسرعًا من السيارة ملتفًا من خلفها ليسحب "عهد" المتيبسة ليحتموا بهيكل السيارة من طلقات الرصاص التى بدأت تنهال عليهم ...

لم يشعر بالتخوف مطلقًا من قبل على أحد لكنه حينما رأى "حليم" هوى بعد أن إستقرت به رصاصة ما توجه ببصره على الفور تجاه "عهد" الواقفة كهدف سهل للغاية لمن يتربص بهم ليدب الفزع بقلبه خارجًا من السيارة لا مبالي لسلامته فقط أراد حمايتها من تلك الضربات العشوائية ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

تواروا خلف السيارة يحتموا بها ليسحب "معتصم" سلاحه الناري من داخل السيارة متقدمًا بخطوة جاعلًا "عهد" خلفه يحميها من هذا الإستهداف الواضح لهم ...

كان عليه أيضًا جذب "حليم" من قدميه فهو لا يدري مدى إصابته فربما مازال على قيد الحياة ..

تقدم ببطء وقد عملت عيناه كجهاز رصد دقيق للمحيط من حوله يستكشف من أن يأتي الرصاص ...

وبالفعل إنتبه للجانب الأيسر الذى يطلق منه النيران ، أخفى رأسه متحدثًا بجهازه اللاسلكي يطلب فرقة الدعم على الفور ...

- من صقر إلى بدر الدعم بدون تأخير ، ضابط مصاب ، تأكيد ، ضابط مصاب ...

- عُلم يا فندم ..

لن ينتظر بقية فريق الدعم فعليه الوصول لـ"حليم" حتى لا تصيبه رصاصة أخرى ، مد بجذعه على مستوى منخفض ليسحب "حليم" من قدميه لتنطق "عهد" بفزع أخيرًا ..

- إنت بتعمل إيه ؟!! إنت مجنون !!! إنت كدة هدف سهل ..

نظر نحوها بسرعة خاطفة لتضئ عيناه ببريقهما المتقد معقبًا ..

- يمكن يكون لسه عايش ، مقدرش أسيبه ...

وبالفعل إستطاع سحبه للخلف لتصبح السيارة كدرع حامي لهم ...

زفر "معتصم" بقوة ليشعر ببعض الراحة حين وجد "حليم" مازال على قيد الحياة ...

- الحمد لله لسه عايش ، بس إصابته صعبة جدًا ...

دنت "عهد" تتفحص بعينيها إصابة "حليم"...

- لازم الإسعاف تيجي فورًا ...

زاغت عينا "معتصم" هنا وهناك فوجودها هنا ليس بالأمان مطلقًا ، ولن يجازف ببقائها هنا وتعريض حياتها للخطر ...

- "عهد" ، إتحركي ناحية العمارة إللي هناك دي بسرعة ، وأنا حغطيكِ ...

ضيقت عيناها بدون فهم ، هل يطلب منها التحرك من دونه ..

- لأ طبعًا ، مش حتحرك ...

بأمر مباشر و حِدة لاحت بنبرته يصعب عليها معارضته بها ..

- مش وقت معاكسة ، لو فضلتي هنا حيجرى لك حاجة ، لازم تروحي هناك ، العمارة من جوه أمان أكتر ...

إهتزت نفسها لإيثاره لسلامتها على حساب نفسه لتتسائل بتوجس ...

- وإنت ؟؟!!

أتلك نظرات عاشقة لاحت بسوداوتيه ، هل هذا خوف على سلامتها ، هل بالفعل سيضحي بسلامته لأجلها ، وقفت "عهد" تنتظر إجابته بنفس قلقة حين أجابها مجبرًا إياها على التحرك فلا وقت للتقاعس ...

- أنا ححمي ظهرك ، إتحركي ، بسرعة مفيش وقت ، ومهما حصل متقفيش أبدًا ...

تهدج تنفسها خوفًا من أن يصيبه مكروه أثناء حمايته لها ، رفع سلاحه بدقة موجهًا ظهره نحوها يتحرك معها خطوة بخطوة وهو يشهر سلاحه الذي يصوبه بإتجاه مصدر إطلاق الرصاص لحمايتها ، بينما تحركت "عهد" بخطوات سريعة نحو أحد مداخل البنايات وهي تغطي رأسها الذى تنحني بجذعها لحمايته ...

كادت "عهد" أن تصل لمدخل البناية وهو يلحق بها لكن أصوات طلقات متعددة من الرصاص جعلتها تلتفت نحوه حين سمعته يتأوه بألم مكتوم ...

- اه ...

إتسعت عسليتاها بفزع حين وجدت "معتصم" قد سقط أرضًا مصابًا بطلق ناري سالت له الدماء ليرفع سلاحه مستكملًا التصدي لهؤلاء المجرمين رغم إصابته ..

- إدخلي بسرعة يا "عهد" ، بسرعـــــــــــــة ..

لن تتركه يصارع الموت من أجلها وتبقى هي متفرجة دون المحاولة لإنقاذه ...

بعض الأوقات نفاجئ بما نحمله من قوة كامنة ، قوة الخوف هي أعلى القوى قدرة على التأثير بوقت الشدائد تُخرج قوانا الكامنة لتظهر بقدرة فائقة لم نتخيل إمتلاكها ...

فبرغم قوته وتفوقه حجمًا و ثقلًا إلا أنها إستطاعت سحبه لأحد الحدائق المشابهة للغابات للإختفاء عن هذا المترصد لهم ...

بتلك اللحظات وصلت قوة الدعم لتنتشر بمحيط البنايات تبحث عن مطلقي النيران والقبض عليهم ونقل "حليم" لإحدى سيارات الإسعاف والتحرك مباشرة نحو المستشفى ...

بعد أن لاحظت "عهد" إستكانة الأصوات وهدوء حذر أحاط بهم ، نظرت نحو "معتصم" الملقى أرضًا إلى جوارها دون حراك وقد تغطي جسده ببقع الدماء المتناثرة لا تدري كم رصاصة أصابته ...

هتفت به بفزع ..

- "معتصم" ، "معتصــــــــــــم" رد عليا يا "معتصم" ...!!!

لكن الصمت كان إجابة لها والسكون مؤلم لقلبها تلك المرة ...


❈-❈-❈


بيت النجار (شقة فخري) ...

هل هكذا يشعر مفطوري القلوب ، أهذا هو الإحساس بكسرة الخاطر والحزن ، إنه لإحساس بغيض كريه على نفسها التى لم تشعر سوى بالقوة والزهو ، لم تشعر يومًا بالضعف كما شعرت اليوم ، هكذا جلست "صباح" برأس متألمة وتنفس مكتوم ...

بهزة متواصلة لجذعها للأمام والخلف تندب حظها السئ وما وصلت له لتردف بعد وقت طويل من الضيق والإنفعال ...

- حسابك معايا كبير يا "زكيه" ، إنتِ السبب في كل البلاوي إللي حصلت لي ، أنا مخسرش أبدًا ، لازمن أعلمك إن الله حق وتقولي حقي برقبتي ...

ألم تعلم أن بالفعل الله حق وأيضًا جبار منتقم ، هكذا أخذت تحدث نفسها أمام مرأى إبنتها "راويه" حتى هتفت بالأخير وقد لمعت بمقلتيها الجاحظتين بريق شيطاني ماكر ...

- وربنا لأطلع لها وأمسح بكرامتها الأرض ، تعالي معايا يا بت ...

نهضت "صباح" بإنفعال متجهة لشقة غريمتها لتلحق بها "راويه" كما أمرتها منصاعة لها تمامًا فهذا ليس وقتًا مناسبًا لأي إعتراض ...


بيت النجار ( شقة زكيه) ...

كان التحسر حليفها ، هي من ضحت بكل راحة وتحملت الشقاء لأجل بناتها ، ها هي تبكي حسرة على فراق إبنتها نصف قمرها الآخر ...

جلست "زكيه" تسند رأسها المثقل إلى قبضتها بإستسلام دون أن تجف دموعها فقد رحلت "شجن" ، غادرتها دون وداع ودون إطمئنان إلى أين ستذهب وماذا ستواجه ...

سحبت "نغم" مقعد إلى جانب والدتها لتتسائل بقلب تعيس ...

- هي "شجن" حتروح فين يا ماما ؟؟؟

أشواك تغرس بقلبها المرتجف لتزيد من آلامها قبل أن تجيب إبنتها ...

- مش عارفه يا "نغم" !!! والله ما عارفه حتروح فين وحتعمل إيه !!! أختك طلعت عصبية أوي ، مكنتش متخيلة إنها حتسيبنا وتمشي كدة ...

ثم أكملت "زكيه" تنهر نفسها والدنيا بيأس ...

- كدة برضه يا "شجن" تسيبي أمك كدة !!! كدة تحسري قلبي عليكِ ومعرفش إنتِ فين !! كدة أهون عليكِ يا بنتي ، بس أنا كنت حعمل إيه بس ، ما هو على يدك يا "نغم" ، هو أنا كان بإيدي حاجة ؟!! 

نكست "نغم" رأسها لا تجد كلمات تخفف بها عن والدتها لتربت بحنو فوق كفها تحاول بث بعض الطمأنينة بها ...

- متخافيش ، "شجن" جدعه وقويه ، أكيد حتاخد بالها من نفسها ، تلاقيها حتروح لحد من بنات خالتي "عايده" يا "عهد" يا "وعد" ، حتروح فين يعني !! إديها فرصة تهدى شوية وحتلاقيها رجعت البيت ، متزعليش يا ماما ...

زفرت "زكيه" بقلة حيلة لترضخ لحديث إبنتها فلا قدرة لديها إلا بالصبر والإنتظار ...

- على الله يا بنتي ، وأنا برضه حكلمهم في التليفون أشوفها راحت عندهم ولا إيه ...

تذكرت "نغم" راتبها الذى أحضره "بحر" بالأمس لتحاول أن تنسي والدتها ما حدث ببث بريق أمل ولو ضعيف ...

- من حق ، ده أنا نسيت خالص المرتب ، حقوم أجيبلك الفلوس من الشنطة ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

لحظات وعادت "نغم" تحمل النقود بين كفها الرقيق لتضعهم أمام والدتها فوق طاولة الطعام قائله ببعض الترجي ...

- خدي يا ماما ، وعشان خاطري كفاية عياط بقى ، "شجن" لما تعرف إننا كويسين وإن جوازي من "مأمون" حيحل كل المشاكل دي حتلاقيها ترجع من نفسها ...

أومأت "زكيه" بوهن لحزنها الشديد ..

- يا ريت يا "نغم" ...

نظرت "زكيه" نحو المال وأخرجت من جيبها بقية راتب "شجن" أيضًا والذى أعطته لها بالأمس قبل أحداث الليلة المشؤومة لتضعهما سويًا قائله ...

- كدة معانا فلوس "خيرية" وزيادة ، بكرة الصبح أول حاجة أعملها أروح لها أسدد الفلوس إللي عليا عشان أرتاح ...

- إن شاء الله يا ماما ...

ملست "زكيه" بتألم فوق جبهتها قبل أن تستقيم مردفة بتألم ...

- أنا داخله أنام لي شوية ، الظاهر الضغط علي عليا من إللي حصل ...

بتفهم لحالة والدتها المغلوب على أمرها أجابتها "نغم" ...

- براحتك يا ماما ، نامي يا "زوزو" ..

تركتها "زكيه" متجهة نحو غرفتها فربما تلتقط لحظات من الراحة التى لم تنالها منذ الأمس ...

خرجت "نغم" نحو الشرفة تنتظر رؤيتها لهلال قمرها الغائب ، فاليوم ولأول مرة تنتظر رؤيته دون الشعور باليأس من بُعده ، فاليوم هو قريب للغاية ، فأخيرًا تحقق حلمها وأملها وستزف بعد فترة وجيزة لمن إمتلك قلبها كما تظن ذلك ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

هياج كبركان خمد بإستكانة حين وقفت "صباح" خارج شقة "زكيه" تسترق السمع لما دار بينها وبين إبنتها منذ قليل لتعتدل بمكر ومازلت تلتزم الصمت حين هتفت بها "راويه" ...

- يعني حندخل ولا مش حندخل ولا إيه ؟!!

قضبت "صباح" وجهها بإمتعاض شديد وهي تنهر إبنتها بغيظ بنبرة منخفضة للغاية ..

- إششش ، وطي صوتك ، إنجري على تحت ، قدامي يلا ...

سبقتها "راويه" لتلحق بها "صباح" بخطواتها الثقيلة لتعود لشقتها وهي تغلق باب الشقة حتى لا يستمع إليها أحد ...

- شوفتي ، شكلها حتظبط ، وحعرف أعلمها الأدب ...

رفعت "راويه" طرف أنفها ببلاهه مستفسره ...

- يعني إيه ؟؟؟! حتعلميها الأدب إزاي يعني مش فاهمه ؟؟!

مطت "صباح" شفتيها الغليظتان بإستياء من ذكاء إبنتها المحدود ...

- جتك نيلة غبية ، مسمعتيهاش بتقول عليها فلوس لـ"خيرية" ، بس ، خلاص كدة ، حلها عندي ...

رفعت "راويه" كتفيها وأهدلتهما بعدم فهم ..

- والله ما فاهمه حاجه ...

دلفت "صباح" نحو غرفة الصالون الأحمر خاصتها لتردف بغرور ...

- تعاليلي بقى وأنا أقولك حعمل إيه عشان تتعلمي من أمك صح ...

قوست "راويه" شفتيها للأسفل وهي تتبعها قائله ...

- أما نشوف ...


❈-❈-❈


بيت النجار (شقة فريد) ...

من منا ليس بخطاء لكن يفرق البعض عن البعض بستر من الله ، حجاب يغشى العيون عن زلات و ذنوب فقط برحمة الله لعلك ترجع يومًا تستغفره وتعلن توبتك ، حتى يأتي أمر لا رجعة فيه بكشف المستور و زوال حجاب الستر ليُظهر تجلى في علاه معصية المخلوق وإبداع الخالق في إنتقامه فهو المنتقم الغفار ...

يوم عطلة إتخذها "فريد" للبقاء بالمنزل يتابع هنا وهناك دون أى تعقيب أو تدخل بينما بقيت "حنين" ترتب شقتها وتنشغل بأحوال أولادها بعيدًا عن الجميع ...

ليست تلك بعادتها المتطفلة التى تقحم نفسها بما لا يعنيها طيلة الوقت لتبقى لها السيطرة والتحكم ...

لكنها إنزوت ببقعة بعيدة عن الجميع لتنظر لذراعيها بتقزز وهي تسحب أكمام جلبابها تكشف عن جلدها المتقرح قائله بنبرة هامسة لا تسمعها سوي أذنيها ...

- ده إيه ده بس يا ربي ، إيديا حتتقطع من كتر الوجع ، إيه الحبوب دي كلها ، ده باين له مرض جلدي ده ولا إيه !!!

حكة شديدة لازمتها منذ إستيقاظها هذا الصباح فيبدو أنها أصيبت بفطر ما سبب لها هذا الهياج ، أسدلت أكمامها تخفي تلك الآثار قبيحة المظهر ...

- أخلص إللي في إيدي وأروح الصيدلية أجيب لي كريم ولا مرهم ، بلاش أقول لحد أحسن يعايرني ...

عادت لغرفة المعيشة حيث يجلس "فريد" لتقابله بإمتعاض وتذمر لبقائه بالبيت اليوم ...

- جرى إيه ؟؟! هو مفيش شغل في الوكالة النهاردة ولا إيه ؟! مالك قاعد لي كدة ؟!!

ولأول مرة كمن أزيلت الغشاوة عن عينيه لاحظ "فريد" كم أنها تعامله بدونية ، حتى إحساسها بالبغض والكره له يظهر جليًا عليها ، ألهذه الدرجة كان معمى العيون عن رؤية كرهها له ، حتى أنه لم يشعر بذلك من قبل ؟؟!

زاغت عيناه بتشتت دون أن يجيبها لتدور الأفكار برأسه بينما زادت "حنين" إمتعاضًا و إشمئزازًا ...

- ما ترد عليا ، ده إيه الخيبة دي ؟!!

ظن "فريد" أنها تريد الخروج من دون إذنه مرة أخرى ليجدها فرصة ملائمة لأن تفعل ذلك بينما يراقبها ويرى أين تذهب من خلف ظهره ..

أجابها بإصطناع الرضوخ ...

- خارج أهو يا "نونه" ، مش عايزة حاجة وأنا راجع ...؟!!

سؤال معتاد وإجابة معتادة أيضًا هتفت بها "حنين" ...

- أه ، هات فلوس معاك عايزة أجيب طلبات للبيت ...

أومأ بخفة وهو يتجه نحو الخارج ليراقبها من دون أن تنتبه له فعليه معرفة كل شئ بنفسه ...

- ماشي يا "نونه" ، سلام ...

تابعته بأعين ساخطة لتتجه نحو غرفتها لترتدي عبائتها للذهاب للصيدلية لشراء علاج لهذا التقرح ...


❈-❈-❈


لم تكن "شجن" بتلك القوه التي يظنها بها المحيطون فمن يدرك أن بداخل نفسها الثائرة شخصية هشة تخشى العالم من حولها ...

جلست أخيرًا بمقعد تلك الحافلة المستاجرة تتجه لخارج بلدتها التي ولدت بها ولا تعرف سواها ، لقد خرجت لأول مرة مسافرة عبر طريق مجهول وأيام ضبابية ، لا تدري هل أخطأت أم إنها بالفعل على صواب ...

نظرت من خلال النافذة التي تجاورها تتابع تلك السيارات المتسارعة إلى جوارها تنتظر أن تصل بها الحافلة لتلك البلدة كما وصفها لها العم "أيوب" ، فيبدو أن الطريق للوصول إليه بعيد للغاية وعليها إتخاذ ما يقرب من ثلاث وسائل للمواصلات للوصول إليه ...

توجست "شجن" لسفرها المجبرة عليه لكن لا باليد حيلة ...


❈-❈-❈


بيت محفوظ الأسمر (شقة وعد) ...

لم تحظى "وعد" بلحظات تشعر بها بهذه السعادة من قبل ، أنهت إستحمامها للتو لتقف أمام المرآة المعلقة على الحائط فوق المغسلة تسحب تلك المنشفة من فوق رأسها لتجفف شعرها المبلل ، تتذكر بين الحين والآخر كلمات "محب" الحانية فيبدو أنه سرق قلبها ...

بخار الماء الساخن عم أرجاء المرحاض فتشوشت الرؤية الضبابية ، لكن شيء ما توهج ببريق أمام أعينها فوق المغسلة ...

مالت برأسها للأمام تتفحص ما هذا الشيء الذي لا تستطيع إستيضاحه جيدًا ، لتفغر فاها بصدمةٍ حين رأت خاتم "عاطف" الضائع ، إنه نفس الخاتم الذي يحمل النحلة الذي بحثت عنه كثيرًا ولم تجده ... 

دق الفزع بقلبها وتوجست بخوف فمن أين أتى هذا الخاتم ؟!! ومن وضعه هنا وهي بالداخل ؟!!

شعور بالفزع جعلها تنتفض تتمنى لو أن ما رأته لم يكن حقيقة ، وأن تلك الرؤية الضبابية أعمتها ولا تستطيع النظر جيدًا ... سحبت الخاتم بإصبعيها برفق شديد حتى ظنت أنه ربما يوخزها بألم حين تحمله بين أصابعها ...

تيقنت أنه خاتم "عاطف" بالتأكيد لتسرع راكصة نحو الخارج تبحث عمن وضع هذا الخاتم بالمرحاض ، لم تجد أحد سوى إبنها الصغير الذي ما زال يلعب بألعابه منشغلًا بها ...

نظرت حولها وهي تدور حول نفسها بفزع فلم تجد سواها حتى أن "محب" لم يأتي بعد ومازال بالدور السفلي يطمئن على والدته ، إتسعت خضرواتيها بهلع غير مصدقه لما ترى لتهمس بنبرة مهتزة ...

- "عاطف" ....!!!!!!!!!


((الخاتمة « هُدنة  ....؟؟!»))

ليس كل ما علينا تصديقه أن يكون له دليل واضح ، فبعض الأحيان علينا تصديق إحساسنا ، فالقلب دليله نافذ وإن عُمىَ البصر ...

أنا لست أحمق أنا أستسلم لنداء القلب ، فللقلب طريق وحديث يمكنه إختراق الحواجز دون الحاجة لسلاح ...


بوجه شاحب تمامًا هربت منه الدماء وقفت "وعد" مرتعدة الأوصال تناظر وجودها وحدها بالشقة تدور برأسها العديد والعديد من الأسئلة أهمهم كيف وصل هذا الخاتم هنا ؟؟!

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

قفزت بإنتفاضة فزع حين سمعت صوت باب الشقة يُغلَق من خلفها لتلتفت بأعين تختلط بياضها باللون الأحمر المحتقن وحدقتان يصرخان فزعًا رغم صمتها ...

وجه مرتعب جعل "محب" يسرع بخطواته تجاهها وهو يتجهم بأنفاس متهدجة ..

- "وعد" ، إنتِ كويسة ؟؟ مالك واقفة متخشبة كدة ليه ؟!

تسارَعت أنفاسها وتلجَم لسانها لتتحشرج الكلمات بحلقها وتكتفي بالإشارة بعينيها نحو كف يدها ...

زاغت عينا "محب" بين ملامحها الباهتة وكفها الذي يقبض بين طياته على شئ ما ليمسك بكفها يفتحه ببطء يناظر ما تتمسك به بهذه القوة ...

فتح كفها ليجد خاتم أخيه ، إنه هو بالتأكيد فهو يدرك ذلك جيدًا ، قبض حاجباه قليلًا متسائلًا بعدم فهم ...

- مش ده خاتم "عاطف" ؟؟؟؟ مالك ماسكاه في إيدك كدة ليه ؟!!

تيبس جسدها تمامًا لتناظر "محب" بثبات لفترة طويلة كمن خلت الحياة من عيونها مرة أخرى ، بالكاد أخرجت بضع كلمات من فمها الهامس ...

- لقيته على حوض الحمام ...

أخذ "محب" الخاتم من يدها ليسند كفه فوق كتفها بحنو محاولًا إمتصاص تلك الصدمة التى تحتل عيناها قائلًا ...

- وفيها إيه يا حبيبي ، عادي ، ليه خايفه أوي كدة ؟!

إبتلعت ريقها الجاف موضحة بروح مسلوبة ...

- الخاتم ده كان ضايع ، قلبت البيت كله عليه ملقتهوش ، جه منين ؟!! مين إللي حطه في الحمام ؟!!

فهم "محب" سبب شحوبها وتخوفها ليضمها إليه بحنو شعرت بالراحة تنساب تدريجيًا لعروقها المتجمدة ليردف بنبرته الهادئة الحنونة ...

- متحطيش الموضوع ده في بالك ، ممكن أى حاجة ، ممكن "زين" مثلًا لقاه وحطه هنا ، أمال حيكون منين يعني ، أكيد هو "زين" لقاه وقعد يلعب بيه وإنتِ مش واخده بالك ، المهم أنا عايزك تطمني ، أنا معاكِ وبس ، متخافيش ، نقفل صفحة "عاطف" دي كلها بحلوها و مُرها ، ممكن كفاية بقى ومتفكريش في الحاجات دي تاني ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بإستكانة شديدة حاولت التغاضي عن أمر الخاتم فربما هو كذلك ، ربما وجده هذا الصغير دون أن يخبرها ووضعه هناك ، يكفيها شعورها بتلك المحبة فلا داعي للذعر من أمر مستحيل ، فـ"عاطف" قد مات ولن يعود ولا داعي لتخيل أمر لن يحدث مطلقًا ...

إستكمل "محب" حديثه وهو يضم زوجته إليه بقوة أكبر يشعرها بالأمان إلى جواره ...

- بلاش تخلي دماغك توديكِ لحاجات مستحيل تحصل ، بلاش ندفن سعادتنا بإيدينا ، خلينا نبدأ مع بعض حياة جديدة بعيد عن كل الوجع ده ...

حركت رأسها برفق داخل أحضانه مجيبة بوداعة ..

- حاضر ، أنا بس خوفت أوي ، مش عارفه ليه حسيت إن "عاطف" رجع تاني ...

ضحكة تعالت من هذا المحب ليعقب بتهكم ...

- بلاش شغل أفلام ديزني ده ، "عاطف" خلاص لا يمكن يرجع ، بلاش الوساوس دي ...

ثم غمز بشقاوة لاقت على ملامحه الوسيمة قائلًا ...

- بصى بقى يا تلبسوا دلوقتِ أو أنا مش مسؤول عن إللي حيحصل وإنتِ قدامي بالمنظر ده ، أنا لحم ودم يا ناس ...

توهجت وجنتيها بحمرة خجل وهي تناظر نفسها بمأزر الحمام لتركض مسرعة نحو غرفة النوم تستكمل إرتداء ملابسها بينما صدح صوت "محب" أثناء هروبها ...

- ما هو الكسوف ده أنا مش حقدر أستحمله كتير ، أصل أنا مشوفتش جمال كدة قبل كدة ...

أغلقت "وعد" باب الغرفة بإبتسامة سعيدة من تغزله بها متناسية تمامًا أمر الخاتم لتستمع لصوت "محب" هاتفًا من خلف الباب فيبدو أنه لحقها ...

- قدامك خمس دقايق يا تطلعي ، يا أدخلك أنا ، وأنا بقول يا ريت تتأخري ...

على عجالة إرتدت "وعد" ملابسها البسيطة التى تليق بملامحها الرقيقة وهي تفتح باب الغرفة لتجده مازال واقفًا ينتظرها ...

نظراته المحبة التى أغرقتها بولهه العاشق فاضت من عيناه بشوق معاتبًا ...

- كدة برضه خلصتي بسرعة !!! 

بسمة خجلة تجلت بملامحها وهي تردف بنعومة ...

- وبعدين معاك يا "محب" ...!!!! 

نظر تجاه ما تحمله بين يديها متسائلًا ...

- إيه ده ؟؟؟

أجابته وهي تتخطاه نحو الخارج ..

- دي هدوم "زين" حغير له ونبقى جاهزين ...

حملت "وعد" الصغير لتبدل له ملابسه وهي تغدقه بقبلاتها السعيدة تحت أنظار "محب" حتى إنتهت من تجهيزه قائله لولدها ...

- يلا بينا نخرج ...

أجابها الصغير بكلماته البسيطة ...

- يلا .. بينا ..

إقترب "محب" من "زين" ليحمله فوق ذراعه الأيسر ليثني مرفقه الأيمن ليدعو "وعد" بمرافقته للخارج ...

- يلا حبيبي ...

وضعت "وعد" كفها تتخلل مرفقه لتتشبث به بإحساس مبهج للغاية ، شعرت بأنها محبوبة مرغوب برفقتها لتسير إلى جوار "محب" بزهو وسعادة ملأت هذا النابض بين ضلوعها ...

- يلا يا "محب" ...

خرجا من البيت ليستمتعا بتناول وجبة الغذاء بأحد المطاعم التى سيختارها "محب" ...


❈-❈-❈


القلوب السيئة تمامًا كالمسمار الأعوج مهما طرقت عليه لن يستقيم أبدًا ، سنوات وسنوات تعلقت سعادة "فريد" بوجود "حنين" ، كانت من تملك كل مفاتيحه والآن ضاع أقفالها ...

تربص بأعينه الضيقة خارج البيت في إنتظار مراقبة "حنين" ، لا يشعر بالثقة كما هي لا تشعر بالتقبل ، وجهان لحياة متصدعة كنفوسهم تمامًا ...

خرجت "حنين" تلتف بعبائتها بخطوات مسرعة تنظر في كلا الإتجاهين قبل تحركها لكنها مع ذلك لم تلاحظ "فريد" المختبئ عن أعينها ينتظر خروجها ...

إتجهت نحو الصيدلية تبحث عن علاج لتلك التقرحات قبل أن يدرك أحد من أبنائها خروجها ...

وقفت تنتظر خلو الصيدلية من سواها ممن يطلبون الأدوية حتى سألها الصيدلي بلياقة ...

- إتفضلي ..

إضطرت "حنين" للكشف عن تلك التقرحات الظاهرة بذراعها متسائلة بتوجس ...

- الحبوب دي طالعة لي من إمبارح ، ومش عارفه إيه دي ؟؟؟

بنظرة ممتعضة ألقاها الصيدلي عليها ثم أجابها ...

- ده شكله فطر جلدي ، أحسن تروحي تكشفي عند دكتور الأول ...

زمت شفتيها بإستهزاء ..

- إسم الله ، أمال إنت إيه ؟!! أنا مش رايحه عند حد ، هات لي أى علاج وخلاص ...

تنهد الصيدلي بضيق من إسلوبها المنفر قائلًا ...

- ما هو لازم تعرفي السبب والدكتور يكتب لك علاج لأن الأمراض الجلدية ساعات كتير بتبقى معدية ...

بتأفف واضح عقبت بسخط ...

- ما تجيب مرهم ولا كريم وخلاص ، إنت لازم تتنطط علينا ...

زفر الصيدلي بضيق ليسحب أحد العبوات قائلًا بتملل ...

- إتفضلي ..

دفعت "حنين" ثمن المرهم الذى أحضره لها ظنًا منها أنه علاج مناسب لحالتها ولا تدري أنه لم يعطها سوى ملطف فقط ليريح نفسه من تهكمها وطريقتها المستفزة ...

خرجت من الصيدلية تحت أنظار "فريد" مرة أخرى لتعود للبيت ، ليحدِّث نفسه يلومها على سوء ظنه ...

- ما أهي راجعه البيت من غير ما تروح في أى حته ، شكلي ظلمتها ولا إيه ...

نفض عن رأسه وساوس الشيطان ليعود أدراجه للبيت فلا داعى لهذا الشك وتلك الظنون فهي بالنهاية زوجته الحبيبة التى تخشى مصلحته وتهتم به دون الجميع  ...


❈-❈-❈


الإسكندرية ...

مشتتة أنا مقسمة لأجزاء ، فجزء متخوف وجزء يقاوم وجزء ينهار وكلهم أنا ، مشاعر متضاربة تحل بي بلحظة واحدة لا أدري ماذا أطلق له العنان والحرية بالظهور وأي منهم أخفيه بداخلي ، لم أعد قادرة على المقاومة ، لم أعد قادرة على التماسك ، إنني أحب ...

تلاشي كل تماسكها وتظاهرها بالقوة بلحظة رأت بها خسارتها له وهو ملقى بلا حراك مستسلم تمامًا ...

شعرت "عهد" بكلمات تتخبط بداخلها ، تصرخ خوفًا وجزعًا داخل قلبها يتردد صداها بعقلها فأخيرًا وبعد صراع إتحدا ، زاغت عيناها بقوة وتهدجت أنفاسها لتتسارع دقات قلبها تتمنى أن ما تراه لا يتعدى كونه حلمًا ، ليتها تحلم ...

صرخات بإسمه تنطق بداخلها لا يطاوعها بها لسانها العاجز عن النطق ، مدت كفيها تهزه بقوة تريد فقط أن يفتح عيناه ليطمئن قلبها ، لحظات هلعة دون إستجابة ، صرخة داخل قلبها شعرت بها تتحرك بداخلها ببطء شديد حتى وصلت لشفاهها لتسمح لها بالخروج معبرة عن إحساس يجتاحها صارخة بتخوف وقلق محب ..

- بالله عليك فتح عنيك يا "معتصم" ، بلاش تعمل فيا كدة ...

نطقتها أخيرًا بدون إدراك ، فقط تركت العنان لنفسها دون تفكير ، أكملت بنبرة مرتجفة لا تناسب قوتها وشراستها الظاهرة بشخصيتها على الدوام ...

- ما هو أنا مقدرش أخسرك دلوقتِ ، ليه تقولي بحبك وتسيبني كدة ، ليه تعلق قلبي بيك وتبعد عني ، إفتح عينك وقولي أنا كويس ، أنا قلبي ميستحملش أشوفك كدة قدامي ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ترقرقت دموع محاربة بعيونها الناعسة لتسقط إحداهما رغمًا عنها تلتها أخرى هاربة من محبسها تتحرر لخارج عينيها ، إرتجف صوتها الناعم الذى تحاول إكسابة خشونة وقوة كلما تحدثت لتتحدث بطبيعتها الأنثوية المختنقة ...

- "معتصم" ، قوم يا "معتصم" ، إنت هربت وإتخليت عني ، يعني إيه تتصاب وتموت ، يعني إيه تسيبني دلوقتِ ، كان نفسي أقولها لك وإنت قدامي ، كان نفسي أقولك بحبك ...

نكست عيناها التعيستان بأسى لتتفاجئ بحركة غريبة من جسده الساكن ليجلس أمامها متعمقًا بسوادوتيه بوجهها الحزين ، كم كانت جميلة رائعة الحُسن ، لها من الرقة والعذوبة ما لم يكن يتخيله ، لكن إعترافها بحبها له جعل قلبه ينتفض بشراسة لم تجتاحه من قبل ، ببسمة سعادة حلت فوق ثغرة الممتلئ قائلًا بعشق تجلى بنظرته الهائمة بها ...

- أخيرًا قولتيها يا "عهد" ...

رفعت عينيها بنظرات صدمة قوية وقد إتسعتا عن آخرهما من هول مفاجئتها بأنه بخير وواعي تمامًا لما تفوهت به ، فغرت فاها للحظات قائله بصدمة ...

- إنت حي !!!! إزاى ... إنت ااا ...

لم تجد كلمات مناسبة لتعبر عن صدمتها بسماعه لما تفوهت به ليحاصرها "معتصم" بذكائه  ..

- أنا حي ، ممتش ، وسمعت كل كلمة قولتيها ، إيه حتنكري ..؟!!

لملمت شفتيها بنفس مجروحة تحاول الإستعلاء والتهرب ...

- أنا مقولتش حاجة ، ده بس إنت كنت صعبان عليا !!!

ضحك "معتصم" بجاذبية أطاحت بثباتها تلك المرة فأصبحت هشة للغاية كمن كشف عنها ستارها الواقي ...

- خلاص يا "عهد" ملهوش لزوم تتهربي ، إنتِ إعترفتي باللي جواكِ ، قوليها بقى في وشي وخليكِ قوية ، قوليلي بحبك زي ما أنا بحبك ...

زاغت عيناها تناظر عيناه المسلطة عليها تخبر نفسها بأنها أقوى من ذلك ، لكن قلبها أطاح بثباتها ليبقى تخوفها ورهبتها ، هزت رأسها نفيًا قائله بكلمات متحشرجة لا يمكنها الخروج بتلقائية ..

- مينفعش ، مينفعش خالص ..

إعتدل "معتصم" بجلسته بمقابلها وقد إمتعض وجهه قليلًا لتألمه لتلك الجروح التى خلفتها الرصاصات فقد سببت له جروح سطحية دون إختراق لجسده ...

- هو إيه إللي مينفعش ؟؟! "عهد" بلاش كِبر إنتِ قولتيها خلاص ، ليه تعذبي نفسك وتعذبيني معاكِ ، ليه الرفض إللي ملوش سبب ده !!!

كيف يستطيع أن يفعل ذلك بها ، كيف يستطيع زلزلة كيانها وإخراج مكنونات قلبها بهذه السهولة ، كما لو أنه هو من يتحكم بها وبقلبها ، أليس هذا قلبها هي وتتحكم به ، لم يتمرد عليها ويسير وفق طوع "معتصم" ...

وجدت نفسها تنهار تلقائيًا تتخلى عن جسور دفاعاتها مردفة بتخوف ...

- أنا منفعش أكون ضعيفة ، مينفعش أحب أو أتحب ، أنا حياتي مش سهلة مقدرش أعيش قصة حب بالسهولة دي ، أنا مش محتاجة لحد ولا عايزة أعتمد على حد ، أنا مُره محدش يتقبلني بسهولة ، ولا أنا عايزة حد في حياتي يهد كل إللي بنيته ...

بنظرة الواثق بنفسه ، معتد بقدرته على تغييرها وإخراج مكنوناتها أجابها "معتصم" ...

- لو إنتِ مُره فأنا بعشق القهوة ، والقهوة حلاوتها في مرارتها ، عيشي إللي قلبك بيقولك عليه ، حتخسري إيه ، أنا نفسي مش مصدق إني قاعد بكلم واحدة وأقول لها كدة ، أنا مش عارف إزاى حبيتك في الوقت ده وبالسرعة دي ، لكن أول ما حسيت الإحساس ده مقدرتش أتنازل عنه ، إللي جوايا ناحيتك إحساس صعب يتكرر تاني ...

بالفعل ما يقوله هو ما تشعر به ، إن تلك المشاعر لم تمر على قلبها من قبل ولن تمر ، وقعت "عهد" بحيرة بين أمرين كلاهما مُر ، فكيف ستتقبل الخضوع لفكرة الحب وتنساق خلف قلبها لتضعف كنساء عائلتها ، وبين أنها ترفض هذا الشعور الذى لم ولن يتكرر مرة أخرى ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

أفكار تخبطت برأسها فهمها "معتصم" بذكاء ليجيبها دون سؤال ...

- سيبي نفسك ومشاعرك ولو حصل أى حاجة تخوفك إرجعي زي ما كنتِ ، مش يمكن تلاقي الحب معايا ...

ترددت بالقبول فكم لها من سنوات تخشى أن تكون بهذا الضعف ، فكيف تقبله الآن ، وكيف ترى به الأمان وهو يناظرها بتعالى كما لو أنه يمن عليها بهذه المشاعر ، إنه يشعرها بأن أقصى أمانيها هو الشعور بالحب وأن يرغب أحدهم بها ، لكنها تتمنى أن تشعر بالأمان والسند ، وليس بالضعف أو التصدق عليها ببعض المشاعر ، تريد من يتحملها دون أن يطالبها بالتغيير ، أن يتقبلها كما هي بمُرها قبل حلاوتها ، أن تشعر بأنها بحاجة إليه لكنها الآن مستقلة ليست بحاجة لأحد ، ولا طاقة لها بالخضوع والضعف مهما حدث حتى لو كان المقابل قلبها ...

نظرت له نظرة جانبية منحية مشاعرها التى تملكتها جانبًا لتسأله تستكشف ما بداخله كما يفعل معها ...

- إنت عاوز مني إيه ؟!! 

لم يفطن لسبب سؤالها بعد ليجيبها بغموض ...

- حكون عاوز إيه يعني ؟!! واحد بيقول لواحدة بحبك ، حيكون عاوز إيه ؟!!

مالت برأسها تتفحص ردود أفعاله الثابتة المحيرة للغاية متسائلة ..

- وبعد الحب ده !!! المفروض أعمل إيه ؟!!

بإمتعاض لحظي منه أجابها بعدم فهم ...

- إنتِ عاوزة إيه يا "عهد" ، ليه مش بتستجيبي لمشاعرك وخلاص ، ليه دايمًا تعارضي وترفضي وبس ، الحب مفيهوش وبعدين ، لو كان قصدك على إرتباط رسمي فأنا طبعًا .....

قاطعته "عهد" بشراستها المعتادة قائله ...

- لحظة بس ، إستنى إستنى ، إوعى تكون فاكر إن أنا برفض عشان مستنيه جواز والقصة الحمضانة دي ، أنا عمري ما حييجي في بالي إني لما أحب حد حيكون بشكل تاني غير كدة ، أنا قصدي إنت ليه محسسني إن من حسن حظي إنك حبتني ، ليه محسسني إن طالما قولت لي بحبك يبقى لازم أجري عليك وأقبل وجودك في حياتي ...

رفعت رأسها بتشدق تعيد قوتها وثقتها بنفسها قبل أن تستكمل ...

- حتى لو كان جوايا مشاعر ناحيتك فـ فيه حاجات أهم من الحب بالنسبة لي ..

ضيق "معتصم" جبهته بإمتعاض ليتسائل بإقتضاب ...

- حاجات إيه إللي أهم من الحب ؟!! 

عقدت ذراعيها أمام صدرها لتتجهم ملامحها بجدية قائله ..

- الأمان ، السند ، الإحتياج ، الدعم  كل دي حاجات أنا محتاجاها قبل الحب ، إنت حتديني منهم إيه ؟؟؟!  أنا قادرة أحس لوحدي بكل ده ، مشفتش راجل في حياة أى  واحدة كان لها كل ده ، يا دوب أول ما يحس بأنها خلاص بتحبه يبدأ يتحكم ويطلع عقدة كلها عليها ، والمفروض إنها ست وتتحمل عشان متخربش حياتها وبيتها ، أنا مش زي كل دول ، أنا غيرهم ، أنا برفض الوضع إللي يقل مني ، عايزة حياة ألاقى معايا حد مشاركني مش بيصعبها عليا ، عايزة أحس بالأمان والقوة إللي أتحامى فيهم ، الحكاية عمرها ما كانت شوية مشاعر وخلاص ...

أدرك "معتصم" بتلك اللحظة أن "عهد" لم تشعر بحياتها سوى بشعور واحد فقط (الخزلان) ، لم تشعر قط بالترابط والحنان ، تبحث عن قوة وسند وأمان لم تشعر بهم من قبل ، إنها بالفعل تحبه لكنها لن ترضخ لمشاعرها إلا إذا شعرت بأنه يمثل ذلك لها أولًا ...

نحى غروره وثقته جانبًا بتلك اللحظة فهذا ليس وقتًا للندية مطلقًا بل إنها لحظة لإحتواء مشاعرها المتناقضة وإحساسها بالخوف وعدم الثقة ، ببسمة هادئة عقب ...

- أنا مش حطلب منك حاجة ، و يكفيني لحد دلوقتِ إنك عارفه إني بحبك ، وأنا متأكد إنك بتحبيني ، أنا بس عاوز منك هُدنة يمكن وقتها تلاقى فيا صورة الشريك إللي إنتِ بتتمنيه ، ووقتها بس حكون أسعد راجل في الدنيا إن واحدة زيك يا "عهد" قبلت تكون شريكة حياتي ...

هدف آخر كسبه هذا المعتصم لتكتفي "عهد" من شراستها وهجومها ، فبعد تقبله لمتطلباتها بهذه الطريقة الهادئة لم تجد ما يستدعي للهجوم والشراسة لتبقى تلك المشاعر المتوحشة بداخلها وتتقبل الأمر بهدوء ...

زفر "معتصم" ببطء ليكمل بمزاح ...

- طيب حفضل قاعد سايح في دمي كدة ولا إنتِ فاكرة إن أنا مش متألم من الجروح دي كلها ...

إنتبهت "عهد" لتباطؤها لإسعاف جروح "معتصم" مدركة بفطنتها أنه يخبرها أنها كما تتوقع المساندة منه هو أيضًا ينتظر ذلك منها فالأمر مبادلة وليس طرف وحيد يستحوذ على كل شئ ، فالحياة المشاركة تنقسم بين أخذ وعطاء ومحبة ..

هتفت به "عهد" بعجالة ...

- يلا بينا على الإسعاف ، زمانهم واقفين على الطريق ...

تسند "معتصم" للنهوض من جلسته بينما أثنت "عهد" على فكره المتقد ...

- كان عندك حق إننا كان لازم نلبس واقي الرصاص ...

نظر "معتصم" لسترته مؤكدًا ذلك فآثار حريق طلقات الرصاص بالسترة واضحًا للغاية  ..

- ده لولا الواقي ده كان زماني ميت ...

تمتمت "عهد" بصوت هامس لم يصل لمسامع "معتصم" ..

- بعد الشر ...

إتجها نحو الطريق ليتقدم المسعفين على الفور تجاه "معتصم" لتضميد تلك الجروح أثناء تجوله بنظراته المتفحصة للمكان فقد إنتشرت قوات الأمن وسياراتها وتم نقل اللاجئ لمنزل آمن تمامًا بمعرفة قوات الشرطة لتنتهى بذلك جزء من مهمته ، لكن عليهم العودة لإستكمالها بعد الإطمئنان على "معتصم" أولًا ...

عادت نظرات "معتصم" تراقب "عهد" التى عادت لشخصيتها المحترفة فكم يعشق تلك الشرسة المتمردة وبالتأكيد سيربح معها الجولة المقبلة أيضًا لكن يكفيه الآن إعترافها بحبها له بعد أن أوقعها بشراكة مرة أخرى وها هي أعلنت الهدنة لبداية منعطف آخر بين قلوبهم  ...


❈-❈-❈


بيت المستشار خالد دويدار ...

حتى وإن كانت الوحدة تكسو القلوب لكن الشمس مازالت تشرق وحدها ، تخبط بداخل مشاعره لا يدري هل هو مخطئ بها أم مصيب ...

هكذا جلس "رؤوف" لبعض الوقت يعيد ترتيب أفكاره ، إنها مجرد ساعات علم بها بأن "مودة" تكن له بعض المشاعر لكن ما ذنب "نيره" بالأمر ، لقد وثقت به وحلمت بحياة تجمعهما سويًا ، حتى بمشاكلها و أخطائها لم تتعدى كونها تحبه وتغار عليه ، نعم متسلطة قليلًا تود فرض تحكمها لكن هذا ليس سببًا بكسر قلبها وتحطيم فرحتها ...

تنهد "رؤوف" بضيق لكن عليه الإختيار ، عليه الإلتزام بوعده لها وإن كان ذلك لم يعد يسعد قلبه ، لكن عليه تقبل تلك الهدنة وإنهاء ما كان يجب عليه فعله ، عليه إتمام هذا الزواج ...

رفع هاتفه نحو أذنه يتمنى لو أن تلك المكالمة تنتهي قبل أن تبدأ ، لكن صوت "نيره" الحاد إخترق أذنه بعتاب وملامة ...

- لسه فاكر تكلمني ..!!!

أجابها بإختناق كما لو أنه مجبر على ذلك ..

- مساء الخير الأول ..

زمت شفتيها بإستياء لتتأخر بالرد قليلًا قائله ...

- طيب ، خير يا "رؤوف" ، إيه إللي فكرك بيا ؟!!

ضحكة ساخرة خرجت مكتومة بين شفتيه معقبًا ...

- لا والله يعني مش عارفه ، مش إشتكيتي لماما كأني طفل صغير ...

شعرت بالإرتباك فقد أخطأت بحقه مرة أخرى لتتهرب مبررة ذلك ...

- ما إنت إللي مش بيهمك زعلي و لا كإني موجودة ، فقلت مفيش غير ااا ...

قاطعها "رؤوف" فهو يدرك جيدًا طريقتها التى لن تنتهي بأن تصل لمبرر لخطئها وأنها دومًا على صواب والخطأ لابد وأن يكون هو سببه ..

- خلاص يا "نيره" ، مفيش داعي لكل ده ، بلغي باباكِ ومامتك إن كتب الكتاب الجمعة الجاية ، مش ده إللي كنتِ عاوزاه ...!!!

تشدقت بسعادة وزادت إبتسامتها برغم عدم رؤيته لها مرددة ببهجة ...

- والله بجد ، خلاص يعني ...

تنهد بتحسر قاصدًا شعوره الوليد تجاه "مودة" ...

- خلاص يا "نيره" ...

- تمام أوي ، حبلغ بابا وماما ، سلام بقى عشان ألحق أرتب كل حاجة ، إنت فاجئتني أوي يا "رؤوف" ...

أغمض "رؤوف" عيناه محاولًا تقبل أن لكل شئ نهاية وأن تلك هي النهاية المقبولة لخطبته من "نيره" ، فحتى وإن لم يتقبل ذلك عليه إعلان الهدنة وإنهاء حرب مشاعره المضطربة ، تلك المشاعر التى ربما كان سيؤذي بها كلا من "نيره" و "مودة" نفسها ...


❈-❈-❈


سعادة حلقت كطائر مغرد فوق غصون أشجار البندق شعرت بها "نيره" بعد مكالمة "رؤوف" ، إنها أخيرًا ستصبح عروس وترتدي فستان زفافها ، ستتمتع بالحرية التى تحلم بها وسيؤسس لها بيت ملك لها هي صاحبته وملكته ...

أسرعت بمهاتفة "إسراء" تزف إليها خبر تحديد موعد عقد قرانها فلهفتها لن تنتظر للغد حينما تراها ...

- "سوسو" ، مش حتصدقي ...

أنصتت "إسراء" بإهتمام شديد متسائلة بفضول ...

- فيه إيه يا "نيرو" ، شكلك مبسوطة أوي ؟!!

بحماس شديد أجابتها حتى كادت تقفز بموضعها من فرطها ...

- مكالمة طنط "منار" عملت عمايلها ، "رؤوف" إتصل بيا وقالي إننا حنكتب الكتاب يوم الجمعة الجاي ، أنا فرحانة أوي ومش مصدقة نفسي ...

تهدلت ملامح "إسراء" لتجحظ عيناها السوداوتين بضيق لم تشعر به "نيره" من خلف هاتفها لتردف بنبرة مغايرة لإحساسها ...

- حبيبة قلبي ، ألف مبروك يا عمري  ...

دارت "نيره" حول نفسها بسعادة غامرة ...

- مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه ، أنا بحبك أوي يا "سوسو" ...

زاغت عينا "إسراء" تسيطر على إحساسها البالغ بالضيق والتحسر لتنهي تلك المكالمة المزعجة على الفور ...

- حبيبتي يا "نيرو" ، معلش حبيبتي أصل ماما بتناديني ، حكلمك تاني ، ولا أقولك ، حشوفك بكره في الإستور ، سلام يا قلبي ...

لم تبالي "نيره" بإنهاء "إسراء" للمكالمة لتسرع لوالديها تخبرهم بما حدث وتحديد "رؤوف" لموعد عقد القرآن المتعجل ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


تسقط الأشجار الأوراق في خريفها ، لكن الجذور تبقى راسخة ثابتة لا تتعثر ولا تتساقط ، حتى تلك الفروع تبقى شامخة حتى مع ذبولها وجفافها ...

جلس "عيسى" يتابع ينبوع حياته وترياقها وهي تضحك وتتمايل كعادتها ، ربما دارت برأسه العديد والعديد من الأفكار والظنون ...

حتى أنه تسائل في نفسه ...

-( "غدير" تلقائية جدًا ، شكلها كأن مفيش أي تغيير عليها ، إسلوبها وكلامها ، ضحكها وعفويتها ، حتى إهتمامها بيا وحبها الظاهر عليها ، لا لأ أكيد أنا فاهم غلط ، مينفعش أسمح للشيطان يدخل قلبي ، "غدير" غير أي حد ، لا يمكن أشك فيها ) ...

هكذا قالها لنفسه منحيًا ظنونه وشكوكه ليستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فبالتأكيد هو من يبثه تلك الشكوك والظنون ...

لتقفز فكرة أخرى تجول برأسه ..

- ( لو في حاجة أكيد حيظهر عليها وأنا واثق فيها ، مفيش داعي أهدم حياتنا عشان شوية ظنون ، وأكيد حعرف مين ده وكانت بتقوله إيه ، ولحد ما ييجي وقتها لا يمكن أسمح بالشك والظنون تتحكم فينا) ...

نظرت إليه "غدير" لتصطنع الضيق وهي تمط شفتيها بلطافة لشرود "عيسى" المتواصل ...

- إيه يا "إيسووو" ، مش حتقعد تتكلم معايا وحتقضيها بحلقه وبس ...

ضحك "عيسى" بصفاء ليدنو من محبوبته قائلًا ...

- هو أنا أطول أفضل مبحلق لجمالك ده ..

رمشت بعينيها الواسعتان للعديد من المرات لتسبل بلطافة ببنيتيه قائله ..

- أموت أنا في الرومانسية ، اه يا "إيسوو" يا مدوخني ...

أزاح خصلة مموجة متمردة خلف أذنها قائلًا بعشق منهك القوى ...

- بقولك إيه ، أنا تعبت من الشغل وعايز أفصل ، تعالي نسافر الغردقة كام يوم أنا وإنتِ وبس ونرجع على كتب كتاب "رؤوف" ، إيه رأيك ...؟!!

نهضت "غدير" على عجالة مسرعة نحو الداخل لتخرج بعد قليل تحمل إحدى العوامات الخاصة بالسباحة قائله بمزاح ...

- أنا جاهزة ، يلا بينا قبل ما ترجع في كلامك ...

تعالت ضحكاته المقهقة فقد أعادت السعادة لقلبه بلحظة معقبًا بإندهاش ...

- إنتِ جبتي العوامة دي منين ؟!

أمالت رأسها جانبيًا مصطنعة الجدية ...

- مش قلت لك أنا محضرة العوامة البطة وعايزة أروح البحر ، يلا يا "إيسوووو" قوم أوام ، يلا بينا ...

إستقام ليسحبها تجاهه يسكنها بين ذراعيه ليريح قلبه المتعب منذ ليلة الأمس فقد كاد الشيطان يغلبه لكنه اليوم سينتصر عليه ليهمس بهيام ..

- بحبك يا شعنونة  ...


❈-❈-❈

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

ألم يخلف ألم وخزلان يكسر النفوس ، هكذا كان بقية يوم "صباح" وإبنتها بعد ترك "فخري" لهم ، حتى لو توعدت بإنتقام يشفي صدرها إلا أن تحسرها اليوم لا يقارن بما تفكر به ...

جلست محطمة الفؤاد تعيسة القلب تندب حظها العسر وما حل بها بدلًا من "زكيه" لتنظر نحو "راويه" بروح مهشمة ..

- تفتكري أبوكِ حيرجع تاني ، ولا خلاص كدة ؟!!

لم تبوح "روايه" بما تشعر به فتلك أول مرة ترى والدتها القوية صاحبة السطوة والمال محبطة يائسة مجروحة بهذا الشكل لتردف بتلطيف وطأة الأمر على والدتها رغم عدم يقينها بذلك ..

- أمال حيروح فين يعني ، حتلاقيه شوية وراجع ، هو أبويا ليه غيرنا ، إهدي بس وحتلاقيه يرجع تاني ...

وضعت يديها الغليظتان فوق رأسها المتألم تتأوه بقوة ...

- اااه يا دماغي ، الصداع حيموتني ، أنا ضغطي عالي ...

رغم رفض "راويه" للكثير من حديث والدتها الجاف معها إلا أنها تظل والدتها لتنهض ببطء قبل أن تجلس إلى جوارها تساندها ألمها وتحسر قلبها ...


❈-❈-❈


المطعم ...

لم يكن الأمر صدفة حين إصطحب "محب" لـ "وعد" لمطعم راقي لتناول الطعام ولم يكن صدفة إختياره لتناول السمك ، تلك الوجبة المفضلة لـ"وعد" ، تفضيل تناول السمك لهو أمر نادر بين الناس وبالأغلب حينما تتم دعوتك لتناول الطعام سوف تتوقع أى شئ إلا السمك ...

تفاجئت "وعد" بوجودها بهذا المطعم لتناظر "محب" بإندهاش ...

- سمك !!!!!

نظر نحوها كمن يحفر تفاصيل ملامحها بدقة داخل عيناه قبل أن يردف بحالمية ...

- عارف إن ده أكتر أكل بتحبيه ، عشان كدة قلت لازم أجيبك هنا ، ومن النهاردة كل إللي بتحبيه وبتتمنيه حتلاقيه قدامك ...

أليس كل ذلك شئ يدعو للسعادة ، أن تترك كل الظنون جانبًا وتنتهز من الحياة لحظاتها السعيدة ، ألم يحين وقت الهدنة وإنهاء هذا الصراع ...

لم تجد سوى كلمة هامسة تخرج من بين شفتيها تقابل بها حفظه بدقة لتفاصيلها الصغيرة وإدراكه لما تحب ...

- إنت بجد ؟!! 

سحب "محب" المقعد لتجلس أولًا وهو يميل إلى جانب أذنها أثناء جلوسها ...

- إنتِ إللي بجد ؟! أنا لحد اللحظة دي مش مصدق نفسي ...

تعالت ضربات قلبها بقوة لتتورد وجنتيها خجلًا قائله ..

- إنت حتخليني أحبك ولا إيه ؟!!

تنهد "محب" بقوة مردفًا بتمني ...

- يااااه ، ده أنا كدة أبقى وصلت للسحاب ، تبقى أحلامي كلها إتحققت ، ده كل أملي إني بس أكون جنبك ، تخيلي بقى لو كمان تحبيني ...

جلس "محب" إلي المقعد المجاور لها ليرفع "زين" فوق ساقيه قائلًا ..

- من النهاردة أنا وإنتِ و "زين" حاجة واحدة ، لا يمكن نفترق أبدًا ، أنا نفسي أقولك كل إللي جوايا بس كل كلام الدنيا حاسس إنه ميقدرش يوصف قد إيه بحبك ، لكن لو كانت الكلمة دي تقول إللي جوايا ، فأنا حقولهالك دايمًا ، أنا بحبك بحبك بحبك ...

لف الصغير ذراعه خلف رقبة "محب" مرددًا بإبتسامته العذبة وكلماته المتقطعة ..

- أنا حِبك عمو ، أنا حِبك ...

هالة أحاطت تلك الأسرة الجديدة بروح من السعادة كقمر يسطع بسماء سوداء حالكة لينير طريقهم الجديد ...


❈-❈-❈


هويت من قمة جبل وتلاشت أمانىّ التى كنت آملها ، هل أعلن فشلي أم أن علىّ الإنتظار ولتكن مساحة هُدنة لترتيب أوراقي المبعثرة ...

وقفت "عتاب" تتطلع نحو الطريق بعيون حاقدة وهي تحدث نفسها المشحونة ...

- بقى كدة يا "محب" ، هو ده إللي إتقفنا عليه ، أه قلت له يوقعها فيه وفي غرامه بس مش لدرجة ياخدها يغديها بره ، يا ترى في دماغك إيه ...؟!!!

قضبت حاجبيها بتفكير متمعن قائله ..

- ولا يكون ده قصده فعلًا ، إنه بالصورة دي يكسب قلبها ويخليها تطمن له ، ده لو كدة يبقى جدع بصحيح ، أيوة ، هو ضروري كدة ده أخويا وأنا عارفاه ولا بيهمه حد غير مصلحته ، ومصلحته ترجع الفلوس لينا ، يبقى لازم أستنى وما أتسرعش ، "محب" أكيد أكيد في دماغه حاجة ...

مالت بفمها بزهو فما دبرته أوشك على التحقق ما عليها سوى الصبر والإنتظار ...


❈-❈-❈


بين كل كلمة وأخرى العديد من المسافات لكن هناك وقت لا يسعنا وضع الفواصل بينها بل يتوجب علينا إيقافها بنقطة تنهى سبيل الكلمات ...

هكذا ظن "بحر" أن لكل شئ نهاية وعليه وضعها بيديه ، فلن ينتظر أن تضيع "نغم" من بين يديه ولن يطيق ذلك ...


سيمفونية تغريد الطيور حلقت بإبداع تتراقص لها إبتسامة تلك المتشوقة بالشرفة فقد لاح طيف الحبيب ...

وقفت "نغم" تنتظر مرور "مأمون" لتسقى قلبها المتعطش لرؤياه فكم غاب بسفرته الأخيرة وإشتاقت له ...

مر "مأمون" يسير بخطواته الواثقة دون حياد يدرك تمامًا أنه قوى قادر على تغيير واقعه للأجمل ...

دون أن يرفع بصره تجاه بيت النجار كان متيقنًا من أن "نغم" تنتظر مروره ، إنه ليس بساذج ولم يدري عن عشقها له فهو يعرف ذلك جيدًا والأمر لم يكن وليد اللحظة وإنقاذ لموقف بمحض الصدفة ، لقد طلب زواجها وهو يعرف حقيقة مشاعرها تجاهه فهي واضحة لكل العيون إلا عيونها فقط من ظنت أنها تخفي ذلك عن بقية البشر ...

تلقائية سطحية عاشقة تميل لكونها طفلة ذات مشاعر فياضة لكنها نقية ، لم تتوقع سوى كلمة عابرة أو إسلوب حسن ، لم تكن تتخيل أن لعشقها مردود سيتحقق واقعًا ...

قبل أن يرفع "مأمون" عيناه البنيتان تجاه "نغم" إقتحم "بحر" طريقه بأعين تضج شراسة وغضب ليهتف بـ"مأمون" ...

- بقولك إيه ، أنا جاي لك بالطيب أحسن وبقولك إبعد عن "نغم" ...

رفع "مأمون" رأسه بغرور محقرًا من "بحر" ودس أنفه فيما لا يعنيه ليحدثه بإستهزاء ...

- وإنت مالك ، بت عمي وأنا أولى بيها ...

إتسعت عينا "بحر" بغضب فلن يتركها له ولن يسمح له بأن يهنأ بها ...

- إوعى تكون فاكرني ظريف و لطيف ومش حقدر أقف لك ، أنا بكلمك بالهداوة أحسن ما تندم ، أنا مش حسيبهالك ...

تطلع به "مأمون" بإشمئزاز يرمقه من أعلى رأسه لأصمخ قدميه ليردف بهدوء دون أن يؤثر به تهديد "بحر" مطلقًا ...

- إللي تقدر عليه يا شاطر ، إعمله  ...

غرس "بحر" أصابعه بساعد "مأمون" تحفزًا لضربه فهو يستحق ذلك وعليه الإبتعاد عن "نغم" ولو كان بالإجبار ...

- يبقى إنت إللي جبته لنفسك بقى ...

وقبل أن ينهال "بحر" على "مأمون" بالضرب توقف لسماعه نداء "نغم" بتلهف فقد أسرعت نحوهم لتنهى هذا الشجار الذى لابد وأنها السبب به ..

- "بحر" ، بس كفاية ...

إلتفت كلاهما نحوها وهي تقف ناهجة الصدر إثر ركضها لدرجات السلم للحول بينهم ، حين إستطردت بوجه مقتضب تنهر "بحر" عن تدخله لهذا الحد  ...

- فيه إيه ، ما تفهم بقى ، أنا مش عاوزاااك ، أنا عاوزة "مأمون" وبس ...

مال "مأمون" بفمه ساخرًا من "بحر" ليعقب بإستهزاء ..

- أهي صاحبة الشأن قالت لك بنفسها ، يا ريت تبطل برود وتورينا عرض أكتافك الحلوين دول ، بدل ما تتأذى يا شاطر ...

أشار "بحر" نحو "نغم" بينما وجه حديثه لـ"مأمون" ..

- دي طيبة وعلى نياتها ، متعرفش إنت إيه ، سيبها في حالها أحسن لك ..

ترك "مأمون" الرد لـ"نغم" حين أشار نحوها بكفيه يخبره بأنها هي من تختار ، توقع لم يخطئ به حين نهرته "نغم" بحده ...

- أنا مش صغيرة ومش محتاجة حد يقول أنا عايزة إيه ومش عايزة إيه ، ويا ريت متدخلش بينا تاني ، لأن وجودك أصلًا مرفوض ، الظاهر إني حكمت عليك غلط وإفتكرتك إنسان محترم ، لكن الظاهر إني كنت غلطانه ، إمشي من هنا ويا ريت منشوفش وشك تاني ...

أراد "بحر" لو يصرخ بها ليفيقها من تلك الغفلة ، لكنه إكتفى بترديد إسمها فقط  ...

- "نغم" ...!!!

زجره "مأمون" يدفعه بقوة لينحيه عن طريقهم كما لو يطرده من أمامه ...

- ما كفاية بقى ، يلا إتكل على الله ، بني آدم سمج ...

تهدج صدر "بحر" بقوة فلم يكن هذا ما يسعى إليه ، لكن "مأمون" لن يحظى بـ"نغم" مهما كلفه الأمر سواء بطريق مشروع أو غير مشروع لكن عليه الآن أن يأخذ هُدنه لإيجاد مخرج لإيقاف تلك الزيجة بأى شكل كان ...

تركهم "بحر" مرغمًا لكن عازم على العودة ، بينما لاقت "نغم" نظرة خيلاء من "مأمون" سقطت ببحور عسلها لتهيم بهذا الرجل الذى كان دومًا قمة أحلامها ليردف بصوت رخيم ...

- بلاش تقفي في الشارع كدة ، إطلعي البيت فوق ، بغير عليكِ ...

تراقص قلبها بسعادة فهو يخشى عليها من عيون الناس ، إنه يحبها ويغير عليها ، إنها لن تجد بطلًا لقلبها مثل هذا المأمون الذى يستحق حبها وقلبها عن جدارة ، إنه من تستطيع أن تضحي له بحياتها وقلبها فدائه وهي راضية وسعيدة تمامًا ...

أومأت بخفة وقد إحتلت بسمة بلهاء فوق شفتيها الصغيرتين لتعود لبيتهم راكضة لا تشعر بملمس الأرض أسفل قدميها فيبدو أنها من السعادة تطير ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


حل المساء وأخذت السماء تطل بظلامها المعهود ليبث بعض التوجس بقلب تلك المسافرة من طريق لطريق ومن حافلة لأخرى ، توقفت الحافلة الأخيرة بقارعة الطريق ليلتف السائق نحو الخلف قائلًا ...

- هو ده طريق المدخل يا أبله ، إدخلي شمال كدة حتلاقي الموقف ، إسالي هناك ألف مين يدلك ...

أومأت "شجن" بخفه تفهمًا لتترجل من تلك الحافلة باحثة عن آخر وسيلة نقل لإيصالها لبيت العم "أيوب" فيبدو أن بيته بعيد للغاية ، لم تكن تظن ذلك بالمرة ...

تحركت بدون وجهة تبحث عن تلك السيارات التى أخبرها بها هذا السائق لتجد سيارات بالفعل بالجانب الأيمن لتستفسر أولًا قبل أن تستقل إحداهم رغم تخوفها من المجهول القادم ...

- لو سمحت ، العربيات دي رايحه فين ؟؟!

تطلع نحوها أحد السائقين مستغربًا من هيئتها المدنية للغاية بهذه المنطقة الريفية ليجيبها بتساؤل آخر ...

- إنتِ رايحة فين يا أبله ...؟؟

لم لا يجيبها أحد بدون فضول لمعرفة من أين أتت وأين ستذهب ، ألا يكفيها شعورها بالتخوف ورغبتها بالعودة ، ذلك الشعور الذى أخذ يلح عليها منذ قليل بأنها أخطأت لترك بيتهم ، هل كانت أمها محقة ؟؟! هل بيتهم القبيح وساكنيه قساة القلوب أرحم من غربتها وتشتتها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

مطت شفتيها بإمتعاض لتجيبه بضجر ...

- أنا عايزة العربية اللي بتحمل طريق النوبارية ...

أشار لها السائق على الفور تجاه إحدى الحافلات الصغيرة قائلًا ...

- إركبي العربية دي ( ثم أعلى صوته مناديًا أحدهم) ، يا "جمعة" ، ركب الأبله معاك ...

إتجهت "شجن" نحو هذا المدعو "جمعة" لتصعد لتلك الحافلة تستقر بأحد مقاعدها بهدوء ...

بعد إنتظار القليل من الوقت بدأت الحافلة بالتحرك لتسأل "شجن" تلك المرأة الريفية إلي جوارها بنبرة منخفضة ...

- لو سمحتي عايزة أروح مزرعة إسمها الأيوبي تعرفيها ؟؟!

بإيمائة قوية وصوت رنان أجابتها تلك السيدة بتلقائية ...

- إلا عارفاهي ( عارفاها) ، هو فيه حد في الناحية كُلِهي (كلها) ميعرفش المزرعة ، لما تيچي مجربة (مقربة) حجولك (حقولك) ...

إنتظرت "شجن" إعتمادًا على تلك السيدة بينما إمتعضت ملامحها قليلًا فيبدو أن العم "أيوب" رجل ريفي بحال بسيط وستثقل عليه ببقائها ، ليتها لم تأتي وتحاملت على نفسها وتقبلت أمر زواج "نغم" وأعلنت الهُدنة مع "صباح" و أبناء عمها ...

على الرغم من أن الحافلة إتخذت هذا الطريق الفرعي إلا أنها وجدته أكثر إتساعًا وترتيبًا عن الطريق الذى كان ببداية تحركهم ..

إنها مزرعة كبيرة بالفعل لم تنتظر حتى أن تخبرها السيدة أن تلك هي المزرعة فقد لاحظتها جيدًا ، مزرعة كبيرة للغاية تحمل العديد والعديد من الأشجار المثمرة والنخيل ، مشهد مبدع مريح للعين والنفس رغم أن الليل قد حل إلا أن الأضواء الكاشفة المحيطة بالمزرعة كانت مبهرة للغاية ...

شردت بخيالها تناظر هذا السحر الطبيعي حين تعالى صوت السيدة الجالسة إلى جوارها ...

- على چنب يا أسطي ( ثم إلتفت نحو "شجن" قائلة) ، المزرعة أهي ، إنزلي بجى (بقى) ..

إنتبهت "شجن" إلى أنها وصلت لغايتها وإنتهى طريق سفرها الطويل ...

ترجلت من الحافلة تحمل حقيبتها فوق كتفها لتتسع عيناها إندهاشًا فقد أخبرها العم "أيوب" أنه يقطن ببيته بتلك المزرعة بمنطقة تسمى (النوبارية) لكن ما تراه أمامها لا يقال عنه أقل من فيلا أو بيت ضخم للغاية لتتسائل بتعجب ..

- هو ده بيت عم "أيوب" ؟؟؟ ولا يكون بيشتغل هنا !!!

تقدمت تسحب شهيقًا طويلًا بهذا الهواء المنعش تملئ به رئتيها لتسأل عن "أيوب" أولًا حتى لا تشعر بالحرج إن كان هنا مجرد عامل فقط ..

تقدمت بممر بين مدخل منمق بأشجار زينة قصيرة وأنوار تضئ محيط البيت بأكمله لتتجه نحو باب البيت تدقه بترقب ...

فتحت سيدة ريفية بأواخر عقدها السادس لتهتف بإبتسامة مرحبة بحفاوة ...

- إنتِ ست "شچن" الدكتورة صح ؟؟

وفرت عليها مشقة التعريف عن نفسها لكنها مجرد ممرضة بسيطة وليست طبيبة لتبتسم محاولة تصحيح الأمر ..

- أيوة أنا "شجن" ، بس أنا مش دكتورة ، أنا ااا ...

قاطعتها السيدة بتعجل ...

- المهم إن إنتِ وصلتي بالسلامِه ، الحاچ "أيوب" مستنظرك (منتظرك) فوج (فوق) ، يا ألف بركة ، ما مية خطوة عزيزِه ...

دلفت "شجن" تتطلع نحو أركان البيت الكبير المؤثث برقي وهدوء ، يوحي بالثراء رغم ذوقه الهادئ ...

صعدت الدرج من خلف السيدة لتجد ممر طويل على الجانبين ممتلئ بأبواب الغرف لكنها أكملت تتبعها لتلك السيدة لمقابلة "أيوب" ...

بغرفة كبيرة تحتوى جميع وسائل الراحة لهذا الرجل المقعد وجدت "أيوب" ينتظرها جالسًا بأحد المقاعد المتحركة يشرق وجهه بسعادة لقدومها ...

- بنتي "شجن" ، حمد الله على السلامة ...

زال تخوفها ورهبتها على الفور فما شعرت به بالمستشفى شعرت به الآن تجاه هذا الرجل الذى يشبه والدها رحمة الله عليه ، تقدمت بإبتسامتها العريضة مردفة ...

- إزيك يا عم "أيوب" ، صحتك عاملة إيه دلوقتِ ؟؟؟؟

- دلوقتِ أنا بقيت كويس أوى أوى أوى ، معلش يا بنتي لولا إن أنا معنديش سواق كنت بعتلك العربية لحد عندك جابتك لحد هنا ، بس أعمل إيه ، السواق إللي كان عندي راح يشتغل في شركة ما أهو أنا مبقتش أروح وآجي كتير زي الأول ...

مفاجئتها بأنه من أصحاب الثروات أثار بداخلها العديد من الأسئلة لتردف بشقاوة ...

- ده أنا عندي أسئلة كتير أوي مش بس عن العربية والسواق ، إنت ضحكت عليا كنت فاكراك راجل على قد حالك زينا ، طلعت من البشوات والبهوات ..

ضحك "أيوب" من قلبه فقد تناسي الضحك منذ سنوات طويلة ليردف بقلب نقي ...

- مش جيتي بالسلامة ، حقعد أحكي لك كل حاجة عني وعن حياتي والدنيا كلها ، المهم دلوقتِ ترتاحي بعد السفر الطويل ده والأيام جايه تحكي لي وأحكي لك ...

كان محقًا بالفعل فقد كانت منهكة تمامًا لتومئ بالإيجاب ليشير "أيوب" تجاه السيدة قائلًا ...

- "أم محمد" بتيجي كل يوم الصبح تنظف البيت وتعمل الأكل أنا خليتها تستنى النهاردة عشان تستقبلك ، ( ثم وجه حديثه للسيدة ) ، وصليها بقى لأوضتها وإتكلي إنتِ على الله ...

- حاضر يا حاچ ...

قالتها "أم محمد" لتدعو "شجن" لغرفتها ...

- تعالي يا ست "شچن" ...

رافقتها "أم محمد" لغرفة جانبية رائعة مؤثثة بشكل زاهي مريح للنفس ، غرفة لم تكن تحلم هي و أمها وأختها بالعيش بها ، لقد أصبحت لها غرفة جميلة مستقلة لم تحظي بها مطلقًا من قبل ...

بتلك اللحظة شعرت بحُسن إختيارها وأنها بالتأكيد ستسعد هنا وأنها قد وفقت بتفكيرها فقد حان الوقت لحياة رغدة هادئة بعيدة عن بيت النجار ....

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

❈-❈-❈


مبني المخابرات العامة (الجهاز) ...

توقفت السيارة أمام مبني الجهاز لينظر أحد الضباط من النافذة نحو داخل السيارة قائلًا ...

- حمد الله على سلامتكم ، "نظمي" بيه نازل لكم على طول ...

أعاد "معتصم" رأسه للخلف يسندها لمؤخرة للمقعد بإنهاك ليغمض عيناه للحظات حين إستمع لصوت "نظمي" يخترق السكون من حولهم ، فيما كانت "عهد" تطالعه بصمت وربما بإشفاق على كل تلك الجروح التي سببتها الرصاصات صباح اليوم ...

تحدث "نظمي" بصوت جهور خشن جعل "معتصم" يرفع رأسه بتشدق ..

- حمد الله على السلامه يا وحش ..

رغم تألمه الشديد بأماكن متفرقة بذراعيه وساقه لكنها كانت جروح سطحية فمن حُسن حظه أن الرصاص لم يخترق جسده ، أجابه بصمود كما لو أنه لا يشعر بأي ألم ...

- الله يسلمك يا "نظمي" بيه ..

أومأ "نظمي" رأسه يجوب بعينيه بين تلك الضمادات المتفرقة وذراعه المعلق برقبته ...

- الموضوع ده مش حيعدي بالساهل ، بس إعتبر نفسك في أجازة إسبوع تشد فيه حيلك كدة ولما ترجع أكيد التحقيق إللي فتحناه حيكون وصل لنتيجة ...

لم يعترض "معتصم" على تلك الراحة الإجبارية فهو يحتاجها بالفعل ، بينما أكمل "نظمي" حديثه لـ"عهد" الصامتة بشكل لم يعتاده منها ...

- وإنتِ يا "عهد" ، رغم إن فيه شوية تحفظات على مواجهتك للإشتباكات النهاردة ، إلا إن رجوع "معتصم" و "حليم" بالسلامة حيخليني أتغاضي عنها ، وإعتبري نفسك إنتِ كمان أجازة في الأسبوع ده ، ولما ترجعوا تكملوا شغل مع الفريق ..

تمالكت نفسها بقوة حتى لا تنفعل على هذا الرجل الذى لم يقدر أبدًا مخاطرتها بحياتها لأجل عملها لكنها عاهدت نفسها ألا تتحدث اليوم بعد حديثها مع "معتصم" فبداخلها إحساس غريب بأن الجميع يدرك الأمر وأن مشاعرها باتت مكشوفة كمن أزيل عنها حجابها المخفي لهشاشتها  ...

بنظرة جانبية تعجب "معتصم" لعدم هجومها المعتاد ليدرك بأن بمتوحشته شئ ما إختلف عما كانت عليه ...

إبتلعت أمر قيامها بعطلة على مضض لتستغلها كهُدنة تستعيد بها قوتها مرة أخرى لكنها إلتزمت بالصمت ...

أشار "نظمي" تجاه أحدهم آمرًا إياه ...

- وصل الباشا لبيته ، ووصل حضرة الضابط "عهد" برضه وتيجي تسلم العربية في الجراچ ...

بطاعة مفروضة عليه جلس السائق خلف عجلة القيادة دون نقاش ليقوم بإيصال "عهد" أولًا لبيتها ثم يمر ببيت عائلة دويدار لإيصال "معتصم" ...

توقفت السيارة أمام بيت "عهد" لتترجل على الفور وتخطو بجديتها عدة خطوات قبل أن تجد ما يدفعها لأن تستدير نحو الخلف ناظرة نحو السيارة التى مازالت متوقفة ، نظرة تحمل خوف وتوجس ووداع وأيضًا لمحة محبة ، وجود السائق منع "معتصم" من التحدث إليها طيلة الطريق وحتى وصولها لبيتها ، لكن توقفها وإستدارتها نحوه جعلته يتشدق بنشوة لتكسو عيناه نظرات تبادلها معها بلحظة تمني ألا تنتهي يودعها بها متمنيًا لقاء آخر يجمعه بها ...

إلتفت مسرعة لتصعد لشقتها قبل أن يخونها قلبها وتستسلم لهذا الغامض الذى زلزل كيانها وأرهب قلبها ...

بدأت السيارة بالتحرك لأيصال "معتصم" ليبتسم بدهاء فلقد أدرك أين تقطن فربما يحتاج العنوان فيما بعد ...


❈-❈-❈


حياتنا فصول تتقلب بين أوجهها الأربعة ، تموج أيامنا ما بين ربيعها وخريفها ، زهور تتفتح وأوراق تتساقط ، لكنها تمر بكل تفاصيلها الحلوة والمُرة ، تعاقبت الأيام لنصل لنهاية هذا الأسبوع ، إنه ليوم مترقب من الجميع ، فبعض الأحلام لا تتحقق بالخيال فقط بل هناك من يسعى دؤوبًا لتحقيقها ...

(يوم الجمعة) يوم تتجمع به قلوب مُحبة لطالما إنتظرت هذا اليوم ...

بفستان بسيط للغاية ربما لا يتناسب بحجم تلك المناسبة وأهميتها بحياتها ، جلست "نغم" ترتدي فستان من طبقات الشيفون الأبيض تتطاير فوقه بعض الورود البيضاء الصغيرة لتظهر بطلة ساحرة نقية للغاية لاقت بها بشكل كبير ...

رفعت "نغم" عيناها تجاه هذا الوسيم الذي جلس بكامل أناقته مرتديًا حُلة سوداء وربطة عنق باللون الأحمر ، صفف "مأمون" شعره الأسود بعناية ليظهر متوهجًا خاطفًا لقلبها الصغير ..

دارت بعينيها السوداوتين بالحضور وقد إمتزجت مشاعرها بمزيد من الفرحة و الإنكسار معًا فقد تمنت أن يشاركها كل أحبائها هذا اليوم ..

تنفست بعمق رغم نظراتها الحزينة تنتظر أن تغلب عليها فرحتها بعقد قرآنها اليوم على "مأمون" الذي ظنت أن بدايةً من اليوم قد خُلقت السعادة لها ...

رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه

بآيات قرآنية ترهف القلوب بدأ الشيخ حديثه ليبدأ عقد قرآن "مأمون" و"نغم" ، كان عمها "فخري" هو وكيلها الذي وضع يده بيد إبنه ليتوج صبرها الطويل بإعلانهما زوج وزوجة أخيرًا ...

ربما أسعدتها رؤية "مأمون" يبتسم لها بهدوء ليزيح هذا الثقل عن قلبها ، لجملة وحيدة تخرج من بين شفتيه لها مفعول ساحر كترياق يشفي علتها وحالمية تنسيها كل ما مرت به ، حتى وحدتها بهذا اليوم ...

همس "مأمون" بإبتسامة بعد عقد القرآن يخص تلك المتيمة بحديثه الهادئ قائلًا ...

- مبروك يا قمر إنتِ ...

إنتفض قلبها بسعادة فهو حُلمها الذى تحقق ، وهو السعادة التي أخيرًا ستطرق بابها  ...


لم يكن هذا عقد القرآن الوحيد فهناك عقد آخر بأحاسيس أخرى تموج بين قلوب كل الحاضرين ...


بإحدى القاعات الصغيرة المخصصة للإحتفالات وقف "رؤوف" مرتديًا حلته السوداء وربطة عنقة الصغيرة بذات اللون  ليظهر بشكل لطيف للغاية ...

لكنه على غير العادة كان هادئًا رزينًا ، ربما هذا هو المظهر الذي كان يود أبيه أن يظهر به الوقار والرزانة ،  أليست تلك كانت إحدى أمنياته له ...

مع دقات بعض أنغام الموسيقى دلفت "نيره" ترتدي فستانًا بلون الفستق تلملم شعرها البني من إحدى جانبيه لتُسدله من الجانب الآخر ترفعه بطوق من الكريستالات الفستقية أيضًا ، إتساع إبتسامتها العريضة تنبع من فرحتها الغامرة فهي عروس اليوم ...

رؤية "رؤوف" لتلك الإبتسامة أكدت له بأنه على الطريق الصحيح ، فـ بالرغم من المساوئ التي تتحلى بها إلا أن رفضه للزواج منها لم يكن سيمر علي قلبها بسهولة ، بل كان سيحطمها بالفعل ..

فـ هي لا تستحق الخذلان ، حتى و إن كانت نبتت بقلبه بعض المشاعر تجاه أخرى  ...

جلست "نيره" إلى جوار والدها بينما توسط الشيخ جلسته بينهم وبين "رؤوف" ووالده (خالد دويدار) ....

ناظرتهم تلك العيون السعيدة بفرحة لتجمُع هذان الحبيبان بجو عائلي بسيط حضرت به عائله كل منهما فقط ...

وصل "عيسى" و"غدير" صباح اليوم بعد سفرهم للغردقة لحضور عقد قرآن "رؤوف" و "نيره" ...

إستقرت الأمور بينهما وحلت الثقة بديلًا للظنون كان كعصفورين مغردين يتوالفا بتفاهم و إنسجام حتى كادا يسرقان الأضواء من العروسين  ...


مجنون بك و أتخلى عن عقلي حين يهل طيفك عليه ، هكذا كان "معتصم" الذي تماثل للشفاء بشكل ملحوظ بعد مرور هذا الأسبوع بأكمله ...

وقف يميل فمه بإبتسامة ضعيفة حين طغى خيال متوحشته بفكره ، فقد تخيل وقوف "عهد" بديلة لـ"نيره" ، فهي بالتأكيد لن تكون أبدًا بتلك الوداعة ، فبالتأكيد سيكون رد فعلها شرسًا للغاية حتى ولو بيوم مميز كهذا  ...

رفع هاتفه ينظر إلى شاشته ليتراجع بعض الخطوات إلى الخلف لينسل من بين الحضور دون أن ينتبه إليه أحد متجهًا لبيت تلك المتوحشة لينهي على ما بداخله من ظنون ويقطع الشك باليقين فاليوم ستنتهي تلك الهُدنة و عليه إعلان الحرب ...


  ومازالت للأحداث بقية بالجزء الثاني من رواية #ظننتك_قلبي

 قوت_القلوب

الجزء_الأول

الخاتمة


(وإلى أن نلتقي بالجزء الثاني أتمنى لكم قراءة ممتعة ، أسعدني وجودكم فقد زدتم كلماتي رونق بحضوركم دمتم دائمًا بود ،،،


إلى اللقاء و الجزء الثاني من رواية (ظننتك قلبي .. لكن بعد الظن إثم)  في القريب بإذن الله ...)

رشا روميه  ... (قوت القلوب)

أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع
    close